فاجأت رسالة سرّية تمّ الكشف عنها في الأسبوع الثاني من شهر شباط/فبراير 2020 السودانيين الواقفين إلى جانب السلطة الانتقالية الحالية والواقفين في مواجهتها، والرسالة السرّية هذه بعث بها رئيس الحكومة الانتقالية الدكتور عبد الله حمدوك إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس، وقد حملت تاريخ السابع والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير 2020 قبل أسبوع من فاجعة لقاء عنتبي الذي جمع رئيس مجلس السيادة برئيس حكومة الكيان الصهيوني.

مضمون الرسالة الذي يشكّل سابقة في تاريخ الدول والمنظمة الأممية هو الذي صنع تلك المفاجأة المدوية المرعبة، حيث حملت الرسالة طلباً باسم حكومة السودان تحصل الأمم المتحدة بموجبه على ولاية سياسية على السودان تتمثل ببعثة تكون الخرطوم مقراً لها، وبحسب الرسالة يلزم أن تشمل ولاية البعثة كامل الأراضي السودانية – حتى التي لم تعرف الحرب في تاريخها-، وذلك لدعم تنفيذ دستور الفترة الانتقالية والرصد المنتظم لتنفيذ نقاطه المرجعية الرئيسة، وللمساهمة في بناء السلام الذي تجري مباحثاته بمدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، ودعم تنفيذ ما تثمر عنه من اتفاقية للسلام بما في ذلك عمليات حفظ السلام والدمج وإعادة تسريح القوات، وحماية المدنيين، وتحقيق المصالحات بين المجتمعات المحلية، وتوطين اللاجئين والمشردين، ونشر الشرطة الأممية في أنحاء البلاد كافة، والمساعدة في تعبئة المعونات الاقتصادية والإنسانية في جميع أنحاء السودان، فضلاً عن توفير الدعم لوضع دستور جديد للسودان، ورعاية عمليات الإصلاح القانوني والقضائي وإصلاح الخدمة العامة بشقيها المدني والعسكري. وذلك وفقاً لأحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.

لم تكتفِ رسالة رئيس الحكومة الانتقالية إلى الأمين العام للأمم المتحدة بما سبق ذكره، إنما سعت إلى استبقاء القوات الأممية (اليوناميد) التي دخلت البلاد وفقاً للقرار الصادر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع بالرقم 1769 لسنة 2007، لحماية المدنيين في دارفور لتكون ذراعاً عسكريةً للبعثة السياسية صاحبة الولاية على كامل التراب الوطني السوداني، علماً بأنَّ مجلس الأمن كان قد اتخذ قراراً حمل الرقم 2363 لسنة 2017، قضى بسحب هذه القوات البالغ عددها 26 ألفاً من قوة أفريقية خالصة، وقد انسحب نصف هذه القوة بالفعل خلال الفترة من 2017 وحتى 2019، وكان من المنتظر استكمال سحب ما تبقى منها بحلول حزيران/يونيو 2020 لولا المواقف السلبية للسلطة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري. وبذلك ستنعقد ولاية البعثة الأممية على السودان وفقاً للفصلين السادس والسابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة الأمر الذي يُعدّ تنازلاً كاملاً عن سيادة البلاد واستقلالها.

إنَّ هذه البعثة المنتظر تكوينها بشكل عاجل كما جاء في طلب رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، سينعقد لها اختصاص سياسي وعسكري، يرعى العملية السياسية كاملة، وذلك من خلال وضعها كمرجع أعلى للفترة الانتقالية بدستورها وبمؤسساتها السياسية والعسكرية والعدلية، وبآلياتها السيادية والتنفيذية والتشريعية، لتكون حكماً بين شركاء السلطة المدنيين والعسكريين في ما يشتجر بينهم، ولتصبح راعياً لإعادة بناء أجهزة الحكم المدنية والعسكرية، ولترعى عمليات الإصلاح الاقتصادي، وفوق هذا وذاك تقود عملية تشكيل مستقبل السودان من خلال رعايتها للدستور الدائم المزمع كتابته خلال الفترة الانتقالية، والأدهى أن ولاية هذه البعثة ستستمر حتى يحقق السودان أهداف التنمية المستدامة في عام 2030 وفق ماجاء في رسالة رئيس الحكومة الانتقالية، وبهذا يصبح للفترة الانتقالية أجل جديد يحين في عام 2030 بدلاً عن عام  2021، تستمر خلالها سلطة الأمر الواقع أكثر من عشر سنوات دون تفويض شعبي ودون تحقيق رد السلطة للشعب عبر انتخابات تجسد التحول الديموقراطي المنشود.

إن ثورات السودانيين التي عرفتها بلادهم في تشرين الأول/أكتوبر عام 1964 وفي نيسان/أبريل عام 1985 قد اختطفتها الأحزاب وتقاسمت في ما بينها مكاسبها بعيداً عن آمال الشعب وتطلعاته، أما ثورته الثالثة فكانت من نصيب الخارج الذي وجد عوناً من السلطة الانتقالية بجناحيها المدني والعسكري فيسّر لها اختطافها، وسهل سرقة حلم سقاه كل بيت سوداني من دمه ودموعه، وبذا أصبح حلم صناعة مستقبل السودان بإرادة وطنية خالصة ليس أمراً سهل المنال.

 

قد يهمكم أيضاً وللكاتب نفسه   ثورة السودان وتحدي الاختطاف

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #السودان #ثورة_السودان #السلطة_الانتقالية_في_السودان #جنوب_السودان #التدخل_الخارجي_في_السودان #لقاء_عنتبي #عبدالله_حمدوك #وجهة_نظر