بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2018، تقدّمت دولة فلسطين، استنادًا إلى المادة 1 من البروتوكول الاختياري التابع لاتفاقيّة العلاقات الدبلوماسيّة (1961)، بشكوى أمام محكمة العدل الدوليّة ضدّ الولايات المتّحدة بعد قرار إدارة الرئيس رونالد ترامب، في كانون الأول/ديسمبر 2017، بنقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس. أقدمت فلسطين على ذلك بعد انضمامها إلى اتفاقية العلاقات الدبلوماسيّة عام 2014 وإلى البروتوكول الاختياري عام 2018. أرسلت الولايات المتّحدة، ومن خلال المستشار القانوني لوزارة الخارجية، تصريح إلى الأمين العام للأمم المتّحدة ترى فيه انّها غير ملزمة بتنفيذ اتفاقيّة العلاقات الدبلوماسيّة 1961 والبروتوكول الاختياري الذي يُلزم بحل الخلافات الدبلوماسيّة مع فلسطين أمام محكمة العدل الدوليّة[1].

إنّ اعتراض الولايات المتّحدة على تدخّل المحكمة، إذ طالبتها بعدم قبول الشكوى الفلسطينيّة، دفع بالمحكمة إلى مطالبة الأطراف بتقديم توضيح لموقفهم، في ما يخص مقبوليّة القضيّة على يد المحكمة. في رأيي، التحدي الذي يواجه الشكوى الفلسطينية هو في الجانب الإجرائي (أو مقبوليّة القضيّة) أكثر منه في الجانب الجوهري.

لذا، تهدف هذه الورقة إلى مناقشة هذا الجانب الإجرائي ومن خلال الأمور التالية: هل تلبي فلسطين شروط الدولة وفق المادة 34 الفقرة 1 من نظام المحكمة؟ هل هناك مصالح جوهريّة لدولة ثالثة (إسرائيل)، لا تسمح للمحكمة بمناقشة القضيّة دون مشاركتها؟ هل تملك فلسطين قدرة الوصول إلى المحكمة كدولة غير عضو في الأمم المتّحدة وفق المادة 35 الفقرة 2؟

أولًا: هل تلبي فلسطين شروط الدولة؟
أم أن السؤال هو حول إقليم الدولة الفلسطينيّة وأثر ذلك في مكانة القدس؟

تحكم محكمة العدل الدوليّة في «نزاعات بين الدول» كما تنص المادة 34 الفقرة 1 من نظام المحكمة. لهذا، لا بد من التوضيح إذا كانت فلسطين دولة وفق هذه المادة. أثار هذا الموضوع جدلًا كبيرًا عندما تقدمت السلطة الفلسطينية في عام 2009 بإعلان يخصّ قبولها للسلطة القانونيّة للمحكمة الجنائية الدولية[2] وفيما بعد في عام 2012 عندما اعترفت الجمعية العامة بدولة فلسطين كدولة مراقب وغير عضو بقرارها 19/67 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وتداعيات ذلك على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني[3].

للتعاطي مع شروط الدولة، هناك من ينطلق من شروط اتفاقيّة مونتفيديو 1933: الإقليم والسكان والحكومة الفعلية والقدرة على إقامة علاقات خارجية، وهناك من يخفّف من أهميّة هذه الاتفاقيّة ومن شروطها. في ما يخص فلسطين، تركز المجموعة الأولى على السلطة الفلسطينيّة من حيث إنّها لا تملك صلاحيات سياديّة حصريّة واستقلاليّة، وأنّها لا تنجح في اختبار مونتفيديو. هنا، الدولة الفلسطينيّة ليست دولة قابلة للحياة لأنها تمثل حالة فريدة، بمعنى أن الإقليم الذي تطالب بحجزه لممارسة الشعب الفلسطينيّ حقه في تقرير المصير هو إقليم غير واضح من ناحية السيادة، حيث يوجد تجاهه مطالب من قبل دول أخرى، وبالتحديد «إسرائيل». كذلك، وفي ظل الشرذمة (الصراع بين حماس وفتح) التي حصلت بعد 2007، من الصعب تعريف السكان الذين سيخضعون للدولة الفلسطينيّة. ووفقًا لاتفاق أوسلو (2) 1995، فإن السلطة الفلسطينيّة لا تملك القدرة على إقامة علاقات خارجيّة (المادة 9 فقرة 5) ولا تملك سيادة على الفضاء الجوي للأراضي الفلسطينيّة (المادة 13 فقرة 4) أو على الحدود مع الدول المجاورة مثل الأردن ومصر (المادة 12).

بالنسبة إلى المجموعة الأخرى، عندما لا تكون هذه الشروط غير واضحة فإن الاعتراف وموقف المجتمع الدولي يصبحان في غاية الأهميّة للدولة الناشئة.

«من الملاحظ أنّ المطلب بأنّ يتمتع كيان معيّن بحكومة فعليّة وباستقلاليّة من أجل التأهل للدولة يظهر مُهمشًا أكثر فأكثر في عملية الاعتراف، وبالتحديد عند بروز حقّ تقرير المصير. بالعودة إلى حقبة التحرر من الاستعمار فإن قدرة الدولة الجديدة على الاستمرار في الحياة كانت بعلامة سؤال، ولم تُطرح إلا أسئلة قليلة بخصوص قدرتها على تلبية معيار الدولة. تُظهر حالة كوسوفو […] بشكل جيد أهميّة الاعتراف بالنسبة إلى قدرة كيان معيّن على العمل، وبفعالية، كدولة في الأسرة الدولية. […] دون الاعتراف العلني أو الضمني من قبل الدول الأخرى ثبت أنّه من الصعب أن يعمل كيان معيّن كدولة في النظام الدولي سواء لبّى أو لم يلبِّ موضوعيًا معيار الدولة»[4].

من الصعب، في رأيي، دعم موضوعية معيار الدولة كما تطرحه اتفاقيّة مونتفيديو، كون الواقع يتم بناؤه، وهذا ما نراه حتى في قرارات المحاكم الإسرائيليّة نفسها، إذ نجد تأكيدًا أنّ الكيان الفلسطيني له طابع سيادي ويلبي عناصر الدولة من جانب المحكمة المركزيّة في القدس ومن ثمّ تحفظًا ورفضًا من جانب المحكمة العليا الإسرائيليّة لذلك. أشار قاضي المحكمة المركزية، بوعز أوكون، في قضيّة جمعيّة ألان موريه ضدّ دولة إسرائيل (1008/06) بتاريخ 23/4/2006: أن اتفاق أوسلو 1995 «غيّر من الوضع القانوني لجزء من إقليم الأراضي الفلسطينية المحتلّة، حيث أصبح هذا الجزء كيانًا شبه سيادي يمارس سيطرة مستقلّة، وهذا الكيان شبه السيادي يرتقي إلى مستوى الدولة لأنّه يلبي عناصر الدولة من إقليم وسكان وحكومة». هذا القرار وإن تحفظّت عنه المحكمة العليا الإسرائيلية في قرارها 5093/06، إلا أنه بغاية الأهميّة في نظري لأنه يقّر بكيان فلسطيني سيادي ويدعم تفسير معيّن لاتفاقيات أوسلو تمّ تبنّيه منذ البداية على يد فقهاء إسرائيليين مثل إيال بنفنتسي الذي رأى أن «الكيان الفلسطيني الذي أقيم في غزة وأريحا يملك حياة ودينامية خاصة به». كما أن سلطته «لا يستمدها من السلطة العسكرية الإسرائيلية ولا حتى من إعلان المبادئ إنما من حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني».

في حقبة التحرّر من الاستعمار تمّ ربط الحقّ في الدولة بحقّ تقرير المصير، لأنّه وفق الممارسة الدوليّة تمّ تهميش شروط الدولة الفعليّة في حال وجود مجموعة تطالب بحقّ تقرير المصير. في قرار للجمعية العامة رقم 3061 من عام 1973، رحبّت الجمعية بولادة جمهورية غينيا بيساو على الرغم من استمراريّة الاحتلال البرتغالي لها. وحديثًا، طالبت كرواتيا بالاعتراف بها ولم تكن مستقلّة، وتمّ الاعتراف بالبوسنة من جانب الولايات المتّحدة والدول الأوروبيّة من دون أن تلبي شروط الاستقلاليّة.

في ما يتعلق بالعلاقة بين حقّ تقرير المصير واتفاقات أوسلو، فإن معظم متخصصي القانون الدولي رأوا أنّه من المهم تفسير أوسلو انطلاقًا من حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني. يعتقد أنطونيو كاسيزي أنّ اتفاق أوسلو وإنّ ركّز على حقّ تقرير مصير داخلي للفلسطينيين إلا أنّه ومنذ اللحظة الأولى تمّ التأكيد أنّ الهدف هو حقّ تقرير مصير خارجي وإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة (الخطاب للرئيس عرفات)[5]. هذا أيضًا ما يؤكده إيال بنفتسي حين يزعم أنّ هذا الاتفاق وتبادل رسائل الاعتراف بين عرفات ورابين ولّدا وضعًا قانونيًا جديدًا بين أشخاص متساوين في القانون الدولي. كما أنّه شدد على تفسير الاتفاق انطلاقًا من حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني[6].

1 – ما هو إقليم دولة فلسطين؟

في قرار الجدار 2004 عَدّت محكمة العدل الدولية أنّ الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة تضمّ الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وأنّ هذه الأراضي محجوزة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني[7]. هذا ما جاء أيضًا في قرار المحكمة الجنائيّة الدوليّة، المحكمة التمهيديّة الأولى، بتاريخ 5/2/2021 [8]. استندت هذه القرارات إلى تاريخ من القرارات الأمميّة التي تخصّ الأراضي الفلسطينيّة المحتلة. في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2010، صدر قرار عن الجمعية العامة يحمل الرقم (179/65) الذي ينص على تأكيد الأمم المتّحدة أن ما تقوم به إسرائيل حاليًا من بناء للجدار والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل القدس الشرقية وحولها، يُمثّل انتهاكًا للقانون الدولي، ويحرم الشعب الفلسطيني حرمانًا خطيرًا موارده الطبيعيّة، وبالتالي تدعو إسرائيل إلى التقيّد التام بالالتزامات القانونيّة التي أكدتها الفتوى الصادرة في 9 تموز/يوليو 2004 عن محكمة العدل الدوليّة وقرارات الأمم المتحدة في هذا الصدد. كذلك، أصدر مجلس الأمن بتاريخ 23/12/2016، قراره الرقم (2334)، الذي دعا إسرائيل إلى التخلي عن النشاط الاستيطاني غير القانوني مع التركيز على حل الدولتين على أساس حدود عام 1967، وميّز القرار بوضوح بين دولة إسرائيل والأراضي التي احتلتها عام 1967. والأهم من ذلك أنّه طلب من جميع الدول في العالم التمييز في معاملاتها بين دولة إسرائيل والأراضي المحتلة منذ عام 1967. واعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2334 بتأييد أربعة عشر عضوًا، وامتناع الولايات المتّحدة عن التصويت. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ إسرائيل وافقت على التمييز بينها وبين الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في الاتفاق الأخير بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حول التبادل العلمي لتستفيد من برنامج هوريزون (Horizon) الأوروبي للبحث وللإبداع الذي تصل ميزانيته إلى 95.5 مليار يورو. يمنح الاتفاق الباحثين الإسرائيليين ذوي المعاملة التي تُمنح للباحثين الأوروبيين[9]. هذا يظهر أن الاتحاد الأوروبي يملك القدرة على تغيير موقف دولة الاحتلال إذا أراد، وهذا بحكم أهميته الاقتصادية لها.

هناك قرار آخر مهم ويرتبط بموضوعنا وهو قرار الجمعية العامة، الرقم A/ES-10/L.22، وبتاريخ 17/12/2017، الذي صدر عقب إعلان الرئيس ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. في هذا القرار، كرّرت الجمعيّة العامة تأكيد موقفها في شأن القدس، وطالبت الدول بعدم الاعتراف بأي من الإجراءات التي تتّخذها دولة الاحتلال لفرض قوانينها وسلطتها وإدارتها على مدينة القدس. فهذه الإجراءات غير قانونية، ومن ثم فهي لاغية وباطلة وليس لها أي شرعية على الإطلاق، وتطلب من إسرائيل أن توقف فورًا جميع هذه التدابير غير القانونيّة المتّخذة بصفة أحادية الجانب.

عُدّت القدس جزءًا من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة منذ عام 1967 على يد الولايات المتّحدة وفق تصريح لسفيرها جورج بوش في مجلس الأمن بتاريخ 25/09/1971، حيث كرّر الموقف الذي عبّر عنه وزير الخارجية، وليم روجرز، بأن الخطوات الأحادية الجانب من جانب دولة الاحتلال غير مقبولة وأن عليها الالتزام بما تمليه عليّها اتفاقيّة جنيف من الحفاظ على الوضع القائم الذي ساد ما قبل الاحتلال[10].  كذلك عبّر المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكيّة هربرت هانسل (Herbert J. Hansell)، في تقرير قدمه بناء على طلب وزير الخارجية في حينه، سايروس فانس، في موضوع المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بانّ هذه الأراضي هي أراضٍ محتلة وأنّ إسرائيل تمارس «احتلالًا عسكريًا»[11]. لأسباب سياسية داخلية ترتبط بضغوط اللوبي اليهودي على الكونغرس والرئيس نرى انزلاقًا في السياسة الخارجية الأمريكية باتجاه تحييد القانون الدولي في التعامل مع القدس ومع فلسطين.

2 – مكانة القدس؟

تبرز أهميّة القدس في المحاولات لمنحها مكانة خاصة، إذ تذكر مونيك شِيميلييه – جِيندرو (Monique Chemillier-Gendreau)، وهي خبيرة في القانون الدولي، أنّه منذ القرن التاسع عشر اهتمت الدول الأوروبيّة بمدينة القدس وبالوصول الحر إلى أماكن العبادة فيها. اقترحت بروسيا فكرة تدويلها، وتخيّل ميترنيخ (Metternich) مدينة مستقلة يُعيّن عليها حاكم خاص لضمان حرية العبادة[12]. كذلك، يشير الفقيه الفلسطيني هنري قطان، إلى أن القدس ومنطقتها مُنحت مكانة خاصة في الحقبة العثمانيّة، إذ عُدّت مستقلة، لكن بمعنى أن إدارتها لم تكن بيد حاكم إقليم فلسطين بل خضعت مباشرة لعاصمة الدولة العثمانيّة (1877-1888)، وفي حقبة الانتداب الإنكليزي 1922-1948 اعتبرت القدس عاصمة فلسطين[13]. وأخيرًا، رأى المفكر اليهودي يشاياهو ليبوفيتش (Yeshayahou Leibowitz) أن القدس تحتل في اليهودية، كتاريخ وتراث، مكانة أهم من كل «أرض إسرائيل» قاطبة[14].

ليس غريبًا إذن أن يُقترح تدويل القدس في قرار التقسيم 181 عام 1947 بناء على طابع المدينة التاريخي والروحي. اعترضت كل من الأردن وإسرائيل على التدويل، ولكن هذا ما قاد إلى إرجاع مناقشة وضع القدس أمام الجمعية العامة في عام 1950. لم يمنع احتلال القدس من تأكيد الجمعية العامة في قرارات لها (194 1948 وقرار 303 1949 وقرار 273 1949 الخاص بقبول إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة) ما جاء في قرار التقسيم. وكل هذه القرارات أكدت عرفيّة قرار التقسيم 181 1947. كذلك دعم مجلس الأمن هذه العرفية في قراراته، مثل قرار 252 1968 الذي وجد أن التدابير الإدارية التي تتخذها إسرائيل في القدس باطلة[15].

لا بدّ من التنويه إلى أن نظام تدويل القدس لم يقتصر فقط على المدينة القديمة التي خضعت للسيطرة الأردنية بل امتد إلى القدس الحديثة وعين كارم وبيت لحم التي خضعت للاحتلال الإسرائيلي بعد 1948. تبرّر أستاذة القانون الدولي الإسرائيلية روث لابيدوث(Ruth Lapidoth) ، السيادة الإسرائيليّة على القدس الغربية من خلال الاحتلال الفعلي لها[16]. لكن، الادعاء بأنّ انسحاب بريطانيا أدى إلى احتلال إسرائيلي لملء الفراغ في السيادة في مدينة القدس 1948 وأنّ هذا الاحتلال جاء نتيجة الدفاع الذاتي يُظهر عدم التجانس في الموقف الإسرائيلي كما يدعم جون كويغلي إذ يرى أنّ إسرائيل التي تُبرر قيام دولة إسرائيل من خلال قرار التقسيم لا تستطيع تهميش هذا القرار بالنسبة إلى القدس[17].

كما أن هذا الادعاء يُظهر أنّ إساءة استخدام حق الدفاع الذاتي على يد إسرائيل تعود إلى لحظة ولادتها. فإسرائيل لم تكن في حالة دفاع حتى في لحظة ولادتها، فهي لم تتطور إلى دولة قوية بل ولدت كذلك كما تشير دراسة ستيفن والت (Stephen M. Walt) وجون ميرشايمر (John J. Mearsheimer) حول اللوبي اليهودي والسياسة الخارجية الأمريكيّة[18]. ولم تتردد العصابات اليهودية أيضًا بارتكاب جرائم بحقّ أفراد الشعب الفلسطيني العزل من أطفال ونساء وشيوخ. كشفت جريدة هآرتس الإسرائيلية عن رفض لجنة من الوزراء جعل بعض التقارير الخاصة بجرائم ارتكبتها العصابات اليهودية ضد الشعب الفلسطيني في حقبة النكبة لما قد تحمله من أثر في صورة دولة إسرائيل في الخارج[19]. تمّ استخدام الادعاء نفسه بعد احتلال القدس الشرقية عام 1967 على يد إسرائيل؛ إنّ هناك «فراغًا سياديًا» وإنّ إسرائيل تملك أحقيّة السيادة أكثر من غيرها لأن حرب الأيام الستة كانت حرب دفاع ذاتي. وفق المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، ما يُظهره الأرشيف التابع للجيش هو أنّ الاحتلال والتوسع الجديد لم يكن مفاجئًا وغير متوقع بل نتج من تخطيط سبق الحرب بأربع سنوات. في رأيه، لم يكن الاحتلال ناتجًا ثانويًا للحرب بل تعبيرًا عن رؤية استراتيجية وتحضير مسبق. وفي هذا التحضير تمّ الاستعانة بتجربة الحكم العسكري الذي مورس على فلسطيني الداخل 1948-1966 وبالطاقم الذي عمل في ذلك[20].

إنّ مسألة حدود الإقليم الفلسطيني وشرق القدس لا بدّ من أن تطرح إذا كانت مصالح دولة إسرائيل ستؤخذ في الحسبان كمصالح دولة ثالثة وفق مبدأ «الذهب النقدي» الذي شدد عليه قرار محكمة العدل الدولية «سحب الذهب النقدي من روما» (1943).

أ – مبدأ «الذهب النقدي»

يشير مبدأ «الذهب النقدي» إلى أن محكمة العدل الدولية قد ترفض بت نزاع قد يكون له أثر في مصالح طرف ثالث أو أن هذه المصالح من شأنها أن تُمثّل موضوع القرار نفسه. نجد من يقول إنّ هذا المبدأ سيملي على المحكمة أن ترفض قبول الشكوى الفلسطينيّة، وذلك لأن موضوع السيادة في القدس هو في صلب مصالح إسرائيل. بينما يرى آخرون أن هذا المبدأ يساهم بالتحديد في عدم وضوح مواد نظام المحكمة، لهذا يدعمون إلغاءه بدلًا من استمرارية الالتزام به[21]. بالنسبة إلى بيار أرجنت (Pierre d’Argent) وجب التمييز بين ما إذا كانت الشكوى تثير مصالح في صلب النزاع أو في صلب حقوق وواجبات طرف ثالث[22]. في رأيه، يرتبط هذا المبدأ بممارسة الاختصاص القانوني للمحكمة، وليس إذا كانت تملك الاختصاص. فالمحكمة قد تملك الاختصاص لكنها ترفض قبول الشكوى بزعم أن القضيّة تتعلق بحقوق وواجبات طرف ثالث. تُحدّد المحكمة الاختصاص من منطلق صلاحية الصلاحية (la compétence de la compétence) ومن ثم تتحقّق إذا كان بإمكانها ممارسة الاختصاص في ضوء مصالح طرف ثالث. من الخطأ في رأيه أن يعني المبدأ تفضيل موافقة الطرف الثالث لكي تقبل المحكمة بالاختصاص، فالمحكمة تملك الاختصاص وترفض ممارسته بسبب موضوع النزاع عندما يتطلب تحديدًا مسبقًا لحقوق دولة ثالثة وواجباتها.

في قرار المحكمة التمهيدية بتاريخ 05/02/2021، أعلنت المحكمة الجنائيّة الدوليّة أنها تختلف عن محكمة العدل الدوليّة من ناحية أنّها تتعاطى مع أشخاص طبيعيّين لا مع دول، وأنّ قرارها لا يهدف إلى ترسيم حدود الإقليم أو الحدود بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة[23]. المهم هنا هو أن المحكمة الجنائية الدولية لم ترَ أن هذا المبدأ عائق أمام مقبولية الطلب الفلسطيني بمباشرة تحقيق بخصوص ارتكاب جرائم دولية في الإقليم الفلسطيني الذي يشمل القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

في كل الأحوال، هل تُمثّل المصالح الإسرائيليّة جوهر النزاع؟

إنّ تدويل مدينة القدس على يد الأمم المتّحدة لا يلغي بدوره السيادة الفلسطينيّة على المدينة تمامًا كما حصل في تدويل مدينة طنجة، إذ بقيت السيادة للمغرب عليها. يدعم هنري قطان السيادة الفلسطينيّة على القدس بالاستناد، أولًا، إلى اعتبار أنّه في الدولة العثمانيّة تمتّع الفلسطينيون بالحقوق نفسها مثل باقي العثمانيّين وتشاركوا معهم في السيادة على أقاليم الدولة العثمانيّة، وثانيًا، إلى أنّه تحت الانتداب الإنكليزي عُدّت فلسطين «إقليم أ» وفق المادة 22 من نظام عصبة الأمم، أيّ أنّها ذات شخصية مختلفة عن دولة الانتداب وأنّها بمنزلة دولة تحت الحمايّة، لها حكومة منفصلة ولها علاقات خارجية من خلال دولة الانتداب[24]. بالنسبة إليه، ما تغيّر تحت الانتداب ارتبط بممارسة السيادة، وليس بالسيادة نفسها التي ملكها الشعب الفلسطيني أولًا كجزء من الدولة العثمانية وفيما بعد تحت نظام الانتداب. ما يناقشه هنري قطان يخصّ القدس بجزأيها الغربي والشرقي. وهذا مهم لفهم تطوّر الأمور القانونية لمدينة القدس حتى بعد احتلال جزئها الشرقي في عام 1967. في هذا الجزء الشرقي لا بدّ لنا من تناول المصالح أو الحقوق والواجبات لدولة الاحتلال من خلال ما نصّت عليه قرارات الأمم المتحدة.

منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس، وإن رفضت الولايات المتحدة رسميًا وعلنيًا الإجراءات الإسرائيليّة الهادفة إلى فرض الأمر الواقع في المدينة المقدسة، فإنها لم تتّخذ أيّ إجراءات لمنع إسرائيل من الاستمرار في ممارساتها، بل تعدّى الأمر ذلك إلى توفير الحماية الدبلوماسيّة لإسرائيل في المنظمات الدوليّة. امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرارين الرقمين 2253، و2254، الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الطارئة المنعقدة بتاريخ 4/7/1967، و14/7/1967، اللذيّن طالبا إسرائيل بوقف جميع إجراءاتها التي تهدف إلى تغيير وضع مدينة القدس. كما أنّها امتنعت عن التصويت على أول قرار لمجلس الأمن في موضوع القدس الرقم 252 بتاريخ 21 أيار/مايو 1968. وردًا على قرار الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 30/7/1980، الذي سُميّ القانون الأساسي لعام 1980، والذي تؤكد المادة الأولى منه أنّ القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 478 في 20/8/1980، الذي لم يعترف فيه بالقانون الأساسي لإسرائيل في شأن القدس وأدان أعمال إسرائيل التي تستهدف تغيير معالم القدس، ودعا الدول إلى عدم قبول القرار وسحب بعثاتها الدبلوماسيّة من القدس، وعُد القانون الأساسي الإسرائيلي خرقاً للقانون الدولي ومبادئه العامة. هذا القرار لم يستند إلى الفصل السابع من الميثاق. هنا أيضًا امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت لمصلحة القرار. سبق هذا القرار قرار مهم آخر وهو القرار الرقم 476 في 30/6/1980 الذي يُعد من أهم القرارات التي أصدرها المجلس لأنه وصف «إسرائيل» بالدولة المحتلة، وأكد أنّ الأرض التي احتلتها بعد حرب 1967 هي أراض محتلة.

من قرارات الجمعية العامة، نجد قرار الجمعية العامة للأمم المتّحدة الرقم 2253 الذي صدر في 4 تموز/يوليو1967، عقب حرب حزيران/يونيو 1967، والذي يدين كل الإجراءات التي قامت بها إسرائيل لتغيير الوضع القانوني في القدس، والعدول عن التدابير التي اتّخذتها إسرائيل لتغيير وضع القدس الشرقية وعدّها باطلة، ودعاها إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتّخذتها في المدينة.

وفق القرارات الأمميّة فإن دولة الاحتلال مطالبة بإنهاء احتلالها كونه يُمثّل تهديدًا للسلم والأمن الدوليّين. بالطبع، الدولة الفلسطينيّة مطالبة بالتوّجه إلى محكمة العدل الدوليّة أيضًا لطلب موقفها في نتائج استمرارية الاحتلال على العلاقات الدوليّة الوديّة، امتدادًا لقرار الجدار 2004 وعلى غرار قرارها الخاص بناميبيا 1971 [25].

ثانيًا: القدرة على الوصول إلى المحكمة (المادة 35 الفقرة 2 من نظام محكمة العدل الدولية)

وفق المادة 34 الفقرة الأولى، مُنحت «الدول» القدرة على الوصول إلى المحكمة، ووفق المادة 35، نجد تمييزًا بين هذه الدول؛ دول أعضاء في الأمم المتّحدة ودول غير أعضاء في الأمم المتّحدة. الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة هي أيضًا الدول الأعضاء في نظام المحكمة. بالنسبة إلى الدول غير الأعضاء تشير الفقرة الثانية إلى الآتي:

“The conditions under which the Court shall be open to other states shall, subject to the special provisions contained in treaties in force, be laid down by the Security Council, but in no case shall such conditions place the parties in a position of inequality before the Court».

وفق هذه المادة، المحكمة مفتوحة أمام الدول غير الأعضاء في الأمم المتّحدة سواء كانت مدعية أو مدّعى عليها. ويملك مجلس الأمن – بحسب مواد معينة في اتفاقيات سارية المفعول – صلاحية تحديد الشروط التي تُفرض على دولة غير عضو لاستخدامها المحكمة. في قراره الرقم (9) 1946 بتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 1946، حدّد مجلس الأمن ثلاثة شروط في هذا الخصوص: أن تُعلن الدولة عن قبولها للسلطة القانونيّة للمحكمة، وأن تلتزم الدولة بتطبيق قرارات المحكمة بنية حسنة، وأن تقبل بالتزامات دولة عضو في الأمم المتحدة وفق المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة. لم تُناقش المادة 35 إلا نادرًا، وبسبب انضمام كل الدول تقريبًا إلى ميثاق الأمم المتّحدة وإلى نظام المحكمة.

على الرغم من ذلك، لا يوجد وضوح في موقف المحكمة تجاه «الاتفاقيّات السارية المفعول» إذا أخذنا في الحسبان الحالات النادرة التي تناولت فيها هذه المادة. إنّ المادة 35 هي استمرارية للمادة 32 من نظام المحكمة الدائمة للعدل الدولي التابعة لعصبة الأمم التي عُدّت استثناء تجاه دول غير أعضاء في عصبة الأمم، لكنها أعضاء في اتفاقيّات السلام الخاصة بالحرب العالميّة الأولى، مثل ألمانيا في قضية ويمبلدون (Wimbledon)  1923. في هذه القضيّة، تبّنت المحكمة الدائمة موقفًا يقول بأنّ هذه «الاتفاقيات سارية المفعول» وهي اتفاقيّات أصبحت كذلك قبل أن يُصبح نظام المحكمة الدائمة للعدل الدولي ساري المفعول. لكن في قضيّة أخرى تخصّ «مصالح ألمانيّة في إقليم سيلزيا العليا البولنديّة» 1925، رأت المحكمة أنّ ألمانيا غير ملزمة بتقديم إعلان بقبول شروط مجلس عصبة الأمم. حديثًا، أّثيرت هذه المادة في قرار للمحكمة 2004 الخاص بشكوى تقدمت بها صربيا والجبل الأسود ضدّ بلجيكا وتسع دول أخرى في الحلف الأطلسي، «قضية شرعيّة استخدام القوة» بتاريخ 29 نيسان/أبريل 1999. تُحدّد المادة 35 الاختصاص الشخصي، وفي حال عدم تلبية الدولة شروط المادة 35، فإن المحكمة لا تستطيع الانتقال إلى الجانب الجوهري للقضيّة. رأت المحكمة أنّه من واجبها بدايّة تحديد إذا كانت دولة ما تستطيع المشاركة في الإجراءات قبل بت صلب القضيّة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها تملك صلاحية الصلاحية (La Competence de la competence) لتحديد ما إذا كانت الدولة تُلبي شروط المشاركة[26]. في قرارها 2004 حول «شرعية استخدام القوة»، فسّرت المحكمة «الاتفاقيّات السارية المفعول» بأنّها اتفاقيّات سارية المفعول في حين دخول نظام محكمة العدل الدولية حيز النفاذ أيّ بتاريخ 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945، وهذا بالطبع لا يشمل اتفاقيّة العلاقات الدبلوماسيّة 1961 التي تستند الشكوى الفلسطينيّة إليها.

كما ذُكر بحسب قرار مجلس الأمن الرقم (9) 1946، فعلى الدول غير الأعضاء أنّ تقدم تصريحًا إلى قلم المحكمة يخصّ قبولها سلطة المحكمة، وقبولها التزامات دولة عضو الأمم المتّحدة وفق المادة 94 من الميثاق، والتعهّد بالمساهمة في مصاريف محكمة العدل الدولية كما تراه الجمعية العامة مناسبًا. تستطيع فلسطين أن تكون طرفًا في نظام المحكمة وفق المادة 93 من الميثاق والمادة 35 الفقرة 1 من نظام المحكمة. لا تستطيع فلسطين تجاوز التحدي الذي تُمثّله «اتفاقيات سارية المفعول»، وقد تُطرح قدرة فلسطين بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن 1946 التوقف عن التزامات كتطبيق بنيّة حسنة لقرارات المحكمة والالتزامات المادية.

على الرغم من ذلك، يمكن إثارة نقطتين لمصلحة مقبوليّة الشكوى الفلسطينية؛ أولًا، أن المحكمة الدائمة للعدل الدولي اتّخذت موقفًا غير واضح تجاه معنى «الاتفاقيات السارية المفعول»، إذ رأت تارة أنّها اتفاقيّات سارية المفعول في حين دخول نظام المحكمة حيز النفاذ، وتارة تجاهلت ذلك. وثانيًا، يجب التمييز بين تطبيق هذه المادة في نزاعات تتعلق بقواعد عادية وبين تطبيقها في نزاعات تتعلق بقواعد آمرة (jus cogens) كما يدعم سينهو يي (Seinho Yee). في تفسير المادة 35 الفقرة 2 لم يكتفِ سينهو يي بنص المادة بل تعمّق في الأعمال التحضيريّة للمادة 35 التي هي نسخة طبق الأصل للمادة 32، ووجد أنّ الاتفاقيّات السارية المفعول فُهمت أيضًا الاتفاقيات التي ارتبطت بالحرب العالمية الأولى والتي يمكن أن ترتبط بالنسبة إلى المادة 35 بالاتفاقيات الخاصة بالحرب العالميّة الثانية، كما أن المشاركين في صوغ المادة 32 رأوا أن الموضوع يخصّ بالأساس توزيع التكاليف في عصبة الأمم. في كل الأحوال، ما أراه مهمًا هو التمييز بين تطبيق في حالة قواعد عادية أو في حالة قواعد آمرة[27].

في الحالة الفلسطينيّة، وكما ذكر في قرار 2004 الخاص بالجدار وفي قرار المحكمة التمهيديّة 2021، يرتبط تطبيق المادة 35 الفقرة 2 بانتهاك حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقّ تقرير المصير هو قاعدة آمرة. ففي ميثاق الأمم المتحدة، يظهر مبدأ تقرير المصير في المادة 1 الفقرة 2 والمادة 55، حيث يوجد تحديد لأحد أهداف الأمم المتّحدة ألا وهو «تطوير علاقات وديّة بين الأمم على أساس احترام مبدأ الحقوق المتساويّة وحقّ تقرير المصير للشعوب». يُمثّل إعلان الجمعيّة العامة 1514 (XV) 1960 الذي سُميّ وثيقة التحرّر من الاستعمار استمراريّة لهذه المواد من الميثاق. تبع هذا الإعلان عدة قرارات أهمّها قرار 1541 (XV) 1960 وإعلان المبادئ الخاصة بالعلاقات الوديّة والتعاون بين الدول 2625 (XXV) 1970 وقرار خاص بالسيادة الدائمة على الموارد الطبيعيّة وهو بمنزلة حق تقرير مصير اقتصادي 1803 (XVII) 1962. تم تبّني هذه القرارات على يد أغلبيّة الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة، إضافة إلى أنّ محكمة العدل الدوليّة وفّرت ثبات الاعتقاد من خلال قرارات استشاريّة مثل قرار ناميبيا 1971. ظهر حقّ تقرير المصير في قائمة القواعد الآمرة التي قدمتها لجنة القانون الدولي في تقريرها حول قانون المعاهدات 1966، كما أن لجنة التحكيم للمؤتمر من أجل السلام في يوغسلافيا السابقة رأت أن حقوق الشعوب والأقليات هي من القواعد الآمرة (Opinion I 1991)، كذلك أكدت محكمة العدل الدولية في قرارها الخاص بتيمور الشرقية 1995 ان حقّ تقرير المصير هو أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي الحديث وأنه يّمثّل التزامًا (erga omnes) أيّ أنّه التزام تجاه المجتمع الدولي ككل، ويختلف عن الالتزامات الثنائية. بالاستناد إلى أهميّة الحقوق التي نعتبرها قواعد آمرة فإن كل الدول في نظر المحكمة لها مصلحة قانونيّة في حماية هذه الحقوق. بالإمكان الارتكاز أيضًا على رأي العديد من الفقهاء حول العرفيّة العاليّة لحق تقرير المصير كما نرى مع ألان بيلليه (Alain Pellet)  وباتريك ديلليه (Patrick Daillier) [28] .

استنتاجات

في ظل أحاديث عن تعليق الشكوى الفلسطينية ضدّ الولايات المتّحدة أمام محكمة العدل الدوليّة تحت ضغوط أمريكيّة، ارتأينا أن نهتم بالجانب القانوني للشكوى وباحتمال قبولها من جانب المحكمة. في مناقشة الجانب القانوني تعرّضنا أولًا للجدل حول «الدولة» الفلسطينيّة، إذ نعتقد بأن هذا الجدل أصبح مبتذلًا في ضوء انضمام فلسطين إلى المؤسسات الدوليّة مثل اليونسكو والاتفاقيّات الدولية. ثانيًا، لم نرَ بمبدأ الذهب النقدي عائقًا أمام إجراءات المحكمة، وهو ما يدفع ببعض الفقهاء إلى المطالبة بإلغائه كما أنّ المحكمة الجنائيّة الدوليّة لم تأخذه في الحسبان. وثالثًا، تناولنا تفسير المادة 35 الفقرة 2 التي، في اعتقادنا، تُمثّل التحدي الأهم لمقبولية الشكوى الفلسطينيّة، وبالتحديد تفسير «اتفاقيات سارية المفعول» بأنّها اتفاقيّات سارية المفعول في لحظة دخول نظام محكمة العدل الدولي حيز النفاذ في عام 1945. حاولنا مواجهة هذا التحدي من خلال استحضار تجربة المحكمة الدائمة للعدل الدولي التي لم تشر إلى اتجاه واضح في التفسير للاتفاقيّات السارية المفعول إضافة إلى التنويه إلى أهميّة التمييز بين نزاعات تتضمّن انتهاكات لقواعد عادية ونزاعات تتضمّن انتهاكات لقواعد آمرة. ومسألة القدس مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقاعدة آمرة هي حقّ تقرير المصير؛ إذ إنّ الإقليم المحتل منذ عام 1967 يعَدّ من وجهة نظر الأسرة الدوليّة إقليمًا محجوزًا للشعب الفلسطيني ولحقّه في تقرير مصيره.

 

قد يهمكم أيضاً  قضايا العرب والشرق الأوسط في ظل السياسة الخارجية الأمريكية

اقرؤوا أيضاً موقف الشرعية الدولية (اليونسكو والجمعية العامة) من عروبة القدس

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #عروبة_القدس #القدس #القدس_المحتلة #السفارة_الأميركية_إلى_القدس #السفارة_الأمريكية_في_فلسطين #محكمة_العدل_الدولية #محكمة_العدل_تنظر_في_نقل_السفارة_الاميركية_الى_القدس