أثار فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بأغلبية أصوات الكلية الانتخابية في الرئاسيات الأمريكية التي جرت يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 الذهول لدى العديد من الأوساط العالمية، إذ لم تكن النتيجة متوقعة بهذا الشكل، نظراً إلى أن معظم التحاليل والتنبؤات أشارت إلى مسار مغاير تماماً لما حدث في تلك الليلة. ولكن سرعان ما أدرك الجميع أنهم باتوا أمام أمر واقع ينبغي التعامل معه جيداً لتجنب آثاره الجانبية، وهذا ما ميز الحركية السياسية على الصعيد الدولي في الأسبوعين التاليين لعملية الانتخاب، كما ساعد التفكير في إمكان وجود اختلاف كبير بين ترامب الرئيس وترامب المرشح في دفع عملية التواصل بين القادم الجديد للبيت الأبيض والعالم المتوجس من توجهاته.

هذه التطورات لن تكون المنطقة العربية بمعزل عنها، إذ لطالما شكلت إحدى المناطق الجوهرية في السياسات الدولية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، ولا شك في أن موضوع الرئاسة في الولايات المتحدة كان محل اهتمام واسع لدى الأوساط الفاعلة في المنطقة التي تبدو في موضع قلق من الحاضر والمستقبل معاً[1].

ومن المفارقات العجيبة أن وصول ترامب إلى السلطة في البيت الأبيض جاء في توقيت شديد الحساسية بالنسبة إلى الشرق الأوسط، سواء في ما يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة مع دول الشرق الأوسط أو في ما يتعلق بإعادة بناء بعض التحالفات الإقليمية في المنطقة كنتيجة للتطورات السياسية التي شهدها الوطن العربي بعد «الربيع العربي». لذا، من الضروري التعرف إلى موقف ترامب من هذه القوى الإقليمية المختلفة، لأن نمط التدخل والتفاعل الأمريكيين مع المنطقة سوف تتم صياغته من خلال علاقة الولايات المتحدة بالفاعلين الرئيسيين في الشرق الأوسط.

تحاول هذه الدراسة تحليل توجهات السياسة الخارجية للرئيس ترامب في الشرق الأوسط والتعرف إلى أبرز ملفات الشرق الأوسط، وخصوصاً بعد زيارة ترامب الأخيرة للشرق الأوسط.

أولاً: المميزات العامة للسياسة الخارجية لدونالد ترامب

من خلال قراءة لتصريحاته التي اتسمت بعدم التماسك إلى حدٍ كبير، يمكن تحديد أربع سمات أساسية، قد تكون مُفيدة في قراءة أو تحليل أي رؤية لسياسة ترامب المحتملة حيال المنطقة:

1 – يتبنى ترامب في سياسته الخارجية مبدأ «أمريكا أولاً» كهدف عام لسياسته الخارجية، بمعنى أنه على أمريكا ألّا تؤمِّن مصالح غيرها أو تضعها في اعتبارها بالقدر الحالي، مع ضرورة الالتزام بالمصالح الأمريكية والتعامل معها على أساس أنها الدافع الأساسي لأي تحرك على مستوى السياسة الخارجية. فأمريكا ليس عليها أن تتحمل عبء حماية أو الدفاع عن دول أخرى بلا مقابل.

2 – يتبنى ترامب سياسة العزلة البناءة، ومبدأ «أمريكا أولاً»، التي تمهد لتحول كبير في السياسة الخارجية الأمريكية على نمط ما قام به الرئيس الأسبق مونرو عام 1821. وتقضي هذه السياسة بتفعيل الموارد الكامنة، سواء كانت طبيعية أو بشرية أو تكنولوجية، لإعادة بناء الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في النظام الدولي، وعدم الانغماس في الصراعات الإقليمية، كما يحدث في منطقة الشرق الأوسط[2].

3 – لا يؤمن ترامب بفكرة التدخل الإنساني كأساس أو دافع للتدخل في الشأن الداخلي للدول. فما دام الأمر لم يمس المصالح الأمريكية فلا داعي لتورط القوات الأمريكية والسياسة الأمريكية في هذا الشأن. لكن عندما يتعلق الأمر بمصالح الولايات المتحدة يجب عليها التدخل العسكري الأحادي الذي لا تعتمد فيه على أطراف أخرى.

4 – يقف ترامب ضد الهجرة، فهو أكثر توجهاً للتأكيد أن الولايات المتحدة تقتصر على مواطنيها، فهو يسعى إلى تقليص معدل الهجرة إلى الولايات المتحدة، بل يصل أحياناً إلى حد منع فئات معينة من الانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية[3].

وفي هذا السياق يرفض ترامب الهجرة للولايات المتحدة، ولا سيَّما من المكسيك، وهو أعلن أنه سيسعى لتقليص الهجرة بشكل كبير، بل إنه ذهب في إحدى كلماته إلى الدعوة لبناء سور فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك للحد من الهجرة، بل طالب المكسيك بأن تتحمل نصيبها من تكاليفه المادية. وأشار إلى أنه لا بد من تغيير القانون الذي يعطي الجنسية الأمريكية للمولودين على الأراضي الأمريكية والذي يعدّ من أهم دوافع الهجرة. أما بالنسبة إلى دخول المسلمين فإن ترامب أعلن أنه سيمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة كونهم يشكلون تهديداً كبيراً للأمن الأمريكي.

5 – يتبنى ترامب مبدأ الحماية التجارية للسوق الأمريكية بجانب أنه يتشكك في مدى فعالية وتأثير الاتفاقيات والمعاهدات التجارية الدولية والتحالفات التجارية الدولية، ويرى أنها غالباً ما تكون في مصلحة الطرف الآخر على حساب الولايات المتحدة، أو على أقل تقدير تنتج منها سلبيات تضر بالاقتصاد والسوق الأمريكيين. وفي هذا الإطار ينتقد بشدة اتفاقيات النافتا واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي (TTP).

6 – تقوم عقيدة ترامب على مبدأ ومفهوم الصفقة في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية، ويرتكز على أن حجم انخراط أمريكا في قضايا العالم، ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً، سوف يرتبط بمقدار ما تحققه من منافع اقتصادية للولايات المتحدة‏[4]، وهذا نابع من عقلية رجل الأعمال الذي يتعامل بمنطق المكاسب والخسائر، الذي برز في تصريحاته في مراجعة التعاون مع حلف الناتو، والدفاع عن الدول الصديقة، وصفقة البرنامج النووي الإيراني، والانفتاح على كوبا، والشراكة مع المحيط الهادي، وموقفه الرافض للعولمة، حيث رأى ترامب أنها كانت عبئاً على الولايات المتحدة ولم تحقق لها المزايا المرجوة. لكن ترامب لا يستوعب تعقيدات المصالح السياسية والاستراتيجية، وأنها لا ترتكز فقط على حسابات المنفعة المادية المباشرة. فالعلاقات الأمريكية مع الحلفاء ترتكز على مبدأ تبادل المصالح الاستراتيجية المشتركة في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولا يتم التعامل معها بمنطق الصفقة[5].

7 – تشير تصريحات ومواقف ترامب بشأن الشرق الأوسط إلى تغليب الواقعية في إعلاء المصالح، والميل نحو الاستقرار، والتعاون مع الأنظمة الحاكمة لمحاربة الإرهاب، واتخاذ مواقف متشددة من التيارات والحركات الإسلامية، وهي سمات الإدارات الجمهورية، والتخلي عن المثالية، والترويج للديمقراطية، ودعم الحريات، وحقوق الإنسان، وهو ما ميز سياسة إدارة أوباما، وبرز بشكل كبير إبان ثورات الربيع العربي، وتقاربه مع التيارات الإسلامية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين[6].

8 – لم يكن ترامب يوماً ما معنياً بشأن السياسية الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما اتضح في افتقاره لرؤية محددة لما يجب أن تكون عليه توجهات بلاده في المرحلة المقبلة، وقد تمخض عن ذلك قدر كبير من التناقض الواضح في رؤيته للفاعلين البارزين في منطقة الشرق الأوسط، حيث تجلى ذلك في ميوله تجاه الروس ومواقفهم، إلا أنه في الوقت ذاته شديد العداء لإيران، التي تعد الشريك الأساسي لروسيا في معظم مواقفها في المنطقة. كما أن ترامب يدّعي أنه عارض التدخل الأمريكي في العراق، مُبرراً ذلك بأنه قد تمخض عنه نتائج كارثية، إلا أنه أيضاً بات يؤكد أن العراق أصبح ملجأ لحركات إرهابية خطيرة تستدعي التدخل[7].

ثانياً: رؤية ترامب للسياسة الخارجية الأمريكية

أثار المرشح دونالد ترامب جدلاً شديداً بشعاراته ومقولاته الصادمة، خلال حملته الانتخابية، ومنها طرد المسلمين من الولايات المتحدة، وفرض رقابة على أحياء المسلمين، وإقامة جدار على الحدود مع المكسيك، إضافة إلى وصفه الحلف الأطلسي بالعقيم، واعتزامه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وغيرها من التوجهات التي تشكل ظاهرة غريبة على المجتمع الأمريكي.

والمفارقة أن ترامب تقدم في الانتخابات التمهيدية في الولايات بما يجعله المرشح الأوفر حظاً للدخول في السباق النهائي عن الحزب الجمهوري. ويعني فوز ترامب تداعيات خطيرة على السياسة الخارجية، أبرزها إثارة حالة التوتر بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي. فتضخيم ظاهرة الإسلاموفوبيا وتطرف ترامب سوف يغذيان بدورهما ظاهرة التطرف لدى الجماعات المتشددة، وهو ما يعني دخول مرحلة جديدة من العنف والإرهاب. كما أن توجهات ترامب سوف تقود إلى صدام وتوتر مع حلفاء أمريكا التقليديين، كأوروبا، ودول أمريكا اللاتينية، ومع روسيا، وحلف الأطلسي. وإذا تبنى ترامب الانسحاب الأمريكي المتدرج من المنطقة، وفقاً لسياسة أوباما، فهذا يعني أن فترة ولايته ستشكل الفصل الأخير في عصر الحماية الأمريكية‏[8].

تندرج زيارة ترامب للمنطقة ضمن إطار إعادة ترتيب المنطقة وأولويات الملفات الشائكة بين العديد من الأطراف الدولية والإقليمية في سورية والعراق واليمن، والملفات المهمة التي يجب التركيز عليها في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة. فالزيارة لا تعد أمراً طارئاً، لكنها تدخل ضمن إطار إعادة ترتيب الأولويات التي تعصف في المنطقة، كإعادة الاستقرار إلى اليمن وسورية، وكيفية مكافحة التنظيمات المتشددة كتنظيم داعش وغيره، وضمان «عدم ارتداد تأثيرات الأحداث على الوضع الداخلي في السعودية ودول الخليج؛ وذلك لضمان المصالح الأمريكية في المنطقة وعدم تأثرها بما يجري»‏[9].

1 – محاربة الإرهاب والتطرف

يظل تصاعد نفوذ التيارات الراديكالية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها تنظيم داعش، إحدى القضايا ذات الأولوية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط؛ فتصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية أكدت أكثر من مرة أن هدفه الرئيسي هو اقتلاع التنظيم من جذوره، هذا بالإضافة إلى أن اختيار دونالد ترامب لإدارته السياسية جاءت بالعديد من الوجوه التي عُرف عنها اتخاذ مواقف محافظة ومتزمتة (Neo-Conservative Hardliner Positions) في ما يخص قضايا الأمن القومي بالشرق الأوسط، وبالتالي من المتوقع أن يكون ملف الحرب على التنظيمات الراديكالية مدخـلاً لإعادة بناء التحالفات الإقليمية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع القادمة‏[10].

وقد تقدم دونالد ترامب بخطة معقدة يصعب اتباعها غالباً في ما يتعلق بـ «داعش». ففي البداية، كان متردداً بشأن التدخل في الصراع، بحجة أنه لم تكن لديه مشكلة في ترك روسيا تحارب الدولة الإسلامية. وقال إنه لا حاجة إلى التدخل الأمريكي، وإن الولايات المتحدة تستطيع ببساطة «الاهتمام بالبقايا»، بعد أن تهزم روسيا التنظيم. وفي إطار أي جهد أمريكي، يؤيد ترامب استخدام عدد محدود من القوات البرية الأمريكية. كما أنه يؤيد قصف حقول النفط العراقية لقطع إيرادات التنظيم، ولكنه يريد أيضاً أن يزود العراق الولايات المتحدة بـ 1.5 تريليون دولار أمريكي من عائدات النفط لسداد تكاليف الحرب. ويدعم ترامب قتل أسَر مقاتلي داعش في محاولة لوضع حد للتجنيد. ويقول إنه ينبغي القضاء على داعش قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع الأسد‏[11].

وخلال قمة الرياض الأخيرة، اتفقت الولايات المتحدة والدول المشاركة على ضرورة تطوير استراتيجيات جديدة مشتركة لمكافحة الإرهاب. وظهر واضحاً أن كلمة الرئيس ترامب، أمام «القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية»، بدت أكثر اعتدالاً عما سبق، حيث لم يستخدم الرئيس الأمريكي في خطابه عبارة «الإرهاب الإسلامي الأصولي» التي دأب على استخدامها خلال حملته الانتخابية.

كما تضمن «إعلان الرياض»، الصادر عن هذه القمة، نقاطاً أساسية تتعلق بالتشديد على مواجهة الإرهاب والتطرف من خلال الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة، وتعزيز التعايش والتسامح البنّاء بين مختلف الدول والأديان والثقافات، والتصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول، ومحاربة الإرهاب بأشكاله كافة والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله، واتخاذ كل التدابير اللازمة لمكافحة الجرائم الإرهابية‏[12].

2 – العراق

في العراق، وفي ظل المعاناة من تنامي التنظيمات الإرهابية، انتقد ترامب مراراً وتكراراً إدارة الرئيس أوباما على إضاعتها ما أسماها «الأصول الأمريكية». ويقصد بها القوات على الأرض في وسط البلاد وإحداثها حالة فراغ؛ الأمر الذي قاد إلى نمو تنظيم داعش الإرهابي وغيره. ومع أن الولايات المتحدة أعادت ترتيب هذه الأصول ولكن بعد فوات الأوان وعلى خلفية تجاهلها طوال 8 سنوات (مدة رئاسة أوباما للولايات المتحدة). وهذا يعني أننا قد نشهد في الأشهر القادمة توافداً للقوات الأمريكية إلى العراق للقضاء على التنظيمات الإرهابية، واستمرار تعزيز الإرادة الدولية للقضاء على داعش الإرهاب في العراق في إطار الزخم الذي اكتسبته الانتصارات المتتالية في معركة تحرير الموصل[13].

في ضوء ذلك يمكن أن تعمل أمريكا وحلفاؤها العرب في العراق للحد من النفوذ الإيراني هناك من خلال ممارسة ضغوط سياسية على الحكومة العراقية للحد من الوجود الإيراني، وبخاصة قوات فيلق القدس، وميليشيات الحشد الشعبي، والعمل على جلب العراق «الحاضنة العربية» (الموالية لها)، عبر تقوية الطائفة السنية في العراق ودعمها مالياً وسياسياً لأخذ دورها السياسي، الغائب منذ سقوط نظام صدام حسين. فمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة تتطلب من وجهة نظر السعودية مواجهة النفوذ الإيراني في العراق على كل المستويات‏[14].

3 – الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين

تعد الأزمة السورية في الوقت الحالي على رأس أولويات مناطق الصراع في الشرق الأوسط، ليس فقط لاحتدام الصدام العسكري بين السلطة وبعض قوى المعارضة، ولكن نظراً إلى حجم التفاعلات الإقليمية والدولية المرتبطة بالتطورات السياسية والعسكرية في الملف السوري. وقد أبدى ترامب أكثر من مرة قابلية تجاه الحد من حجم التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط.

بخلاف المتوقع من أن سياسة الرئيس ترامب ستكون انكفائية ومركزة حول الإصلاح الاقتصادي الداخلي، أظهرت الضربة الأمريكية لقاعدة الشعيرات العسكرية في سورية، رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في العودة إلى المنطقة، ومنع الروس من التحكم في تفاعلاتها، وخصوصاً في الملف السوري، الذي بدأت موسكو تمسك بطرفيه (النظام السوري وإيران من جهة، والمعارضة السورية وتركيا من جهة أخرى)، من خلال حوارات (أستانة) التي تغيبت عنها واشنطن.

بعد تـصريح كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء 5 نيسان/أبريل 2017 «بأن الأسد عبر «خطوطاً حمراء» بتنفيذه لهجوم كيماوي على مدينة خان شيخون في إدلب يوم الثلاثاء الرابع من أبريل [نيسان]». وتصريح نائب الرئيس ترامب، مايك بينس، «بأن «كل الخيارات» مطروحة للاستجابة الأمريكية، وبعد تلميح المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، في جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، إلى أن بلادها ربما تتحرك منفردةً، في حال بقي المجلس عاجزاً عن التصدي للانتهاكات ضد المدنيين في سورية[15].

وقد قامت إدارة ترامب بتوجيه عملية نوعية دقيقة إلى مطار الشعيرات التابع للجيش السوري، وقـصفته بنحو 59 صاروخاً من نوع «توماهوك»، دمرت أركان المطار، فجر الجمعة 7 نيسان/أبريل 2017، على نحوٍ خالف كثيراً من التوجهات التي تناولت موقف إدارة ترامب، قبل الضربة، وهكذا يكون السؤال الرئيس الذي يجب التفكير فيه الآن، ما بعد ضرب الشعيرات: ماذا سيفعل ترامب؟ وما دلالات ذلك على مستقبل السياسة الأمريكية في سورية.

لكن الـسؤال المهم هنا يكون عن مدى هذا التغيير وآفاقه، وإلى أي حد يتقاطع مع الذين يواجهون النظام في سورية ومع الدول الإقليمية؟ إنّ فهم المبررات وأسباب هذا التغيير في النهج الأمريكي يمكن أن يوضح لنا إلى أين يمكن أن يمتدّ مداه، وتوقّع نقطة التوقف التي قد تظهر فجأة.

– الـدوافع الداخلية من أقوى المسببات التي يمكن سوقها في تبرير التحرّك الأمريكي، إذ إن ترامب يكون بذلك قد خفف عن نفسه أثر الفضائح المرتبطة بتواصل إدارته مع الروس خلال الحملة الانتخابية وما بعدها، وكذلك الأمر بما يتعلق بالإخفاقات الداخلية؛ كملف الرعاية الصحية، والاضطراب الذي سببه قرار منع دخول المسلمين من دول محددة.

– تحسين شروط التفاوض في جنيف، ومحاولة خلخلة منظومة الركائز التفاوضية التي يعتمد عليها الأسد وحلفاؤه، بما يعني دفع العملية التفاوضية إلى الأمام، مع ضمان عودة الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب أساسي وفاعل في عملية التفاوض السوريّة، وبخاصة بعد المحاولة الروسية صناعة مرجعية تفاوضية جديدة (أستانة) بعيداً من جنيف.

– الرغبة الأمريكية بأن تثبت لحلفائها في المنطقة أنها ما زالت تملك قدرة الفعل المباشر، وبذلك يمكنها إعادة تشكيل الأحلاف والمحاور من جديد، من خلال إعادة بناء الثقة بالقدرة الأمريكية، التي اهتزّت كثيراً في فترات سابقة، وأن تشكيل هذه المحاور ذو أهمية بالغة لدى العقل الاستراتيجي الأمريكي، الذي يمكن من خلاله قيادة المنطقة والتعامل مع الدول بالجملة، وبشكل أسرع وأكثر مرونة.

– إرسال رسائل ضمنية إلى الروس والإيرانيين، بأن حجمهم الحالي إنما هو نتيجة انسحاب أمريكي من المنطقة، وإلى المعارضة السورية بأن الممنوع هو الكيميائي فقط، وما دونه مسموح القتل به.

– إعادة تمتين دعائم المنظومة الدولية القائمة حالياً، التي تعد الولاياتُ المتحدة الأمريكية نفسها راعية لها، حيث كثُر الحديث مؤخراً من الروس حول النظام العالمي الجديد، واستطرد المسؤولون الروس بعرض أفكارهم حول شكل النظام العالمي الجديد، بعد الانسحاب الأمريكي والاستكانة التي اتسمت بها[16].

النقطة التي أراد تأكيدها الرئيس ترامب، خلال حملته الانتخابية، كانت الخوف من أن امتداد الأزمة السورية قد يقود اللاجئين إلى الولايات المتحدة، وهو ما يمثل تهديداً أمنياً بالنسبة لها.

هذه المخاوف لا أساس لها؛ فقد قبلت الولايات المتحدة عدداً قليـلاً فقط من اللاجئين السوريين ولدى وزارة الأمن الداخلي شروط صارمة لقبول اللاجئين. أكثر من ذلك أن اللاجئين تاريخياً أسهموا أكثر فأكثر في المجتمع الأمريكي. ومن الناحية العملية فإن الأشخاص الهاربين من تنظيمات مثل تنظيم داعش قد تساعد على دعم الجهود الأمريكية لمحاربة التنظيمات وفكرهم العنيف.

ومع ذلك فمن الصعب تخيُّل فتح ترامب الحدود أمام اللاجئين السوريين. لكن الأزمة الإنسانية السورية لن تتلاشى ببساطة؛ لأن ترامب قد يفضل تجاهلها. فقد أدى رد الفعل العالمي المحدود إلى تفاقم الأزمة السورية[17].

4 – العلاقة مع إيران

يعارض ترامب الاتفاق النووي مع إيران، ويقول إنه قادر على التفاوض على صفقة أفضل. وأكد أنه سيوقف البرنامج النووي الإيراني «بأي وسيلة ضرورية»، كما يؤيد زيادة العقوبات الاقتصادية على إيران إلى أكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق[18].

وعبرت دول الخليج عدة مرات عن قلقها بشأن النفوذ الإيراني… فهي ترى في إيران تهديداً لحكمها الذاتي وللأغلبية السنية المسلمة التي تختلف عن الأقلية الشيعية التي تعَدُّ في قلب الفكر السياسي الإيراني.

وفي حين ترحب بعض الدول العربية بالموقف الأمريكي المتشدد الجديد تجاه إيران، إلا أن عوامل أخرى قد تسترعي انتباه إدارة ترامب أكثر قليـلاً من الضغط الرمزي ضد الاتفاق. وهذه تشمل فرص الشركات الأمريكية للتجارة في إيران؛ والنفط الإيراني، الذي أظهرت شركة تيلرسون اهتماماً به، والعلاقات الروسية الجيدة مع إيران، ومخاطر امتلاك إيران للسلاح النووي.

ويتعين على الولايات المتحدة ألّا تعتقد أنه من جراء هذا الاتفاق سيكون في إمكانها التأثير في السلوك الإيراني في المنطقة أو أن تفْرط في تفاؤلها في القيام بذلك، فهي ليس في وسعها إقناع إيران بإنهاء بعض سياساتها في المنطقة أو إعادة النظر في دورها في كل من سورية واليمن والعراق؛ إذ إنهما مسألتان منفصلتان، ولن يكون للولايات المتحدة على أقصى تقدير سوى تأثير محدود جداً، ويمكن لنا توقع النقيض، حيث يمكن أن تقوم إيران باستعراض عضلاتها في هذه الصراعات الإقليمية – إذا ما تم تصعيد النغمة العدائية – في مقابل التنازلات التي قدمتها في الاتفاق النووي. من جانبها يمكن للولايات المتحدة إبداء قدر من المرونة إزاء إيران بما قد يؤدي إلى مشاكل مع الخليج والسعودية.

وقد أعلن ترامب، في 20 نيسان/أبريل 2017، أن «إيران لا تحترم روح الاتفاق، الموقّع عام 2015، مع القوى العظمى حول برنامجها النووي، والذي أدى إلى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على هذا البلد». تركز إدارة ترامب على المسألة الإيرانية؛ فقد أقر البيت الأبيض الثلاثاء 18 نيسان/أبـريل 2017 بأن طهران تنفذ التزاماتها في الاتفاق النووي. لكن ذلك لم يحُل دون إعلان وزارة الخارجية في اليوم نفسه إعادة النظر في رفع العقوبات، بينما رأى وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، يوم الأربعاء 19 نيسان/أبريل 2017، أن الاتفاق «يفشل» في تحقيق أهدافه‏[19]. كما أن السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي أبلغت مجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً أن اجتماعاته الشهرية حول الشرق الأوسط، التي تركز بشكل تقليدي على إسرائيل والفلسطينيين وسورية ولبنان، تتحول في العادة إلى «جلسات للشكوى في إسرائيل». حاولت الولايات المتحدة، رئيس مجلس الأمن في اجتماع يوم 20 نيسان/أبريل 2017، ضد التركيز على إيران واتهامها بمساعدة قوات حزب الله في سورية وفصيل مسلح في العراق والحوثيين في اليمن.

وفي مذكرة قبل الاجتماع طلبت الولايات المتحدة من الدول أن تدرس «من هم اللاعبون الإقليميون الذين يحققون أكثر استفادة من الفوضى في المنطقة وما هي الصلات بين جماعات إرهابية وهذه الدول؟»‏[20].

من المكاسب التي حققتها السعودية وبلدان الخليج العربية من زيارة ترامب الأخيرة لمنطقة الخليج، الحصول على تعهد أمريكي بالوقوف بجانبها ضد تهديدات إيران. وظهر توافق كبير في هذا الشأن خلال الكلمتين اللتين ألقاهما الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الأمريكي ترامب أمام «القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية»، إذ أكد الملك سلمان أن «النظام الإيراني يشكل رأس حربة للإرهاب منذ ثورة الخميني وحتى اليوم»، فيما اتهم ترامب إيران بأنها «تموّل وتسلح وتدرب الإرهابيين والميليشيات، وتقوم بإشعال النزاعات الطائفية»، وأنها «المسؤولة عن زعزعة الاستقرار في لبنان والعراق واليمن».

الواضح أن هناك مساعي حقيقية أمريكية – خليجية لتقليص الدور الإيراني في المنطقة إلى أبعد حدود، عبر تشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية على إيران، بهدف شل قدرتها على تقديم مساعدات إلى الجماعات المسلحة، والعمل على خلق أزمات داخلية في داخل إيران، وبخاصة في منطقة الأهواز العربية، من أجل تشتيت القدرة الإيرانية على تأدية دور محوري في المنطقة، مع إثارة قضايا حقوق الإنسان في إيران في المحافل الدولية، وتقديم مساعدات للمعارضة الإيرانية في الخارج، فضـلاً عن العمل على إرهاق الاقتصاد الإيراني، عبر خفض أسعار البترول في السوق العالمية، من أجل عدم استفادة إيران من تصدير البترول، إلا أن نجاح تلك الإجراءات غير مضمون حتى الآن، وقد أكد ترامب خلال كلمته أمام القمة الإسلامية – الأمريكية أن أمريكا لن تحارب نيابة عن أحد، وفي هذا إشارة إلى أن الدور الأمريكي لن يتعدى أكثر من تقديم الدعم السياسي والعالمي للعرب في مواجهة إيران التي تمتلك أدوات تأثير قوية في كثير من المناطق العربية[21].

على أي حال، لن تستطيع الولايات المتحدة تجاهل الدور الإيراني كأحد الأطراف الفاعلة في السياسات الإقليمية. هذا الدور يضايق إسرائيل وبعض البلدان العربية السنية، وبخاصة السعودية‏[22].

5 – إسرائيل وعملية السلام

لا شك في أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي شكل أحد أكثر التحديات للإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال محاولاتها التوصل إلى حل هذا الصراع، وإدارة ترامب الجديدة لن تكون استثناء في مواجهة هذا التحدي في محاولاتها المتوقعة للبحث عن حل يمكن أن يشكل إغلاقاً لأهم منافذ عدم الاستقرار في شرق أوسط متغير.

بـعـد انتهاء زيارة السعودية، زار ترامب الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وركز خلال الزيارة على محاولة دفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والحصول على دعم إقليمي للسلام. وربما ينجح ترامب في إعادة إطلاق عملية المفاوضات بين الطرفين، ويدعو في مرحلة لاحقة إلى إقامة مؤتمر سلام إقليمي، لكن تحقيق نجاح حقيقي في هذا الملف يتطلب منه ممارسة ضغوط على إسرائيل، وهذا أمر مستبعد.

من جانب آخر هناك تداعيات سلبية لزيارة ترامب للمنطقة، وبخاصة على حركة حماس التي وصفها بأنها حركة إرهابية أمام 50 زعيماً عربياً وإسلامياً، وهذا يمكن أن يعقِّد المشهد الفلسطيني، لأنه يؤكد بأن الخطوات التي يتخذها الرئيس عباس تأتي ضن إطار شرعية دولية وإقليمية‏[23].

الحقيقة أن الدول العربية تريد السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، على أساس حل الدولتين، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل على أساس تلك الفرضية، التي تم التعبير عنها في مبادرة السلام العربية التي طرحتها الجامعة العربية في عام 2002.

بيد أن ترامب لم يتخذ أي مبادرة لدفع عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، كما تراجع عن وعده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وطلب من نتنياهو أن يُبطئ بناء المستوطنات وتوسيعها. وهذا ما شكّل خيبة أمل الكثيرين في إسرائيل، ولا سيّما حين رفض ترامب السماح لأي مسؤولين إسرائيليين بمرافقته خلال زيارته التاريخية إلى حائط البراق[24].

6 – العلاقة مع دول الخليج

طالب ترامب بأن تتحمل دول الخليج تكلفة إقامة مناطق آمنة في سورية، وطالب السعودية بالتعويض مالياً للولايات المتحدة، كلما ساعدتها هذه الأخيرة على حماية مصالحها.

المملكة التي تحاول فرض نفسها كقوة إقليمية، وتأدية دور في الحرب في سورية واليمن والتأثير في بعض الأوضاع في المنطقة انتقدها ترامب؛ خلال المناظرة الأولى، حيث صرح أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تدافع عن السعودية ما لم تدفع مقابل هذا الدفاع. وهو ما جاء في الحوار مع MSNBC، الذي أوضح من خلاله أن السعودية لا تدفع مقابـلاً عادلاً لقاء الدفاع عنها من قبل الولايات المتحدة، ولهذا يجب إلغاء التحالف بينهما‏[25].

وبالرغم من أنه من غير الممكن الاعتماد على هذه التصريحات كمؤشر على طبيعة العلاقة السعودية – الأمريكية في ولاية ترامب، إلا أنه ما لا شك فيه أنها خلقت إطاراً من التوتر حول مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين، وهو ما لم يكن موجوداً من قبل. ولكن تصريحات ترامب، بالرغم من كونها لم تتحول إلى سياسات بعد، أضفت بُعداً من عدم اليقين في مستقبل العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة. إضافة إلى هذه التصريحات العدائية، تتزايد مع الوقت احتمالات الصدام السعودي – الأمريكي في ما يتعلق بالملف السوري؛ فالسعودية موقفها في سورية واضح في رفضها استمرار الرئيس بشار الأسد في منصبه، وعلى الجانب الآخر، رؤية ترامب للملف السوري تختلف عن الرؤية السعودية كثيراً[26].

غير أن لدى السعودية الكثير من أوراق الضغط التي تمكِّنها من مواجهة تداعيات أي تطورات سلبية في العلاقات، مثل التهديد بسحب الاستثمارات السعودية الضخمة في الولايات المتحدة، ووقف التعاون الأمني والاستخباري في مكافحة التنظيمات المتطرفة. إلى ذلك، فإن مواقف ترامب المتشددة ضد إيران، وتهديده بإلغاء الاتفاق النووي، الذي عارضته معظم دول الخليج، قد يدفعان إلى التقارب الخليجي – الأمريكي لاحتواء التهديدات الإيرانية في المنطقة، وبخاصة في العراق، واليمن، والتعاون لحل الأزمة السورية. لذا، من غير المتوقع حدوث تباعد أو توتر في العلاقات الأمريكية – الخليجية، رغم تصريحات ترامب المتشددة[27].

وفي خطوة تعكس تحرك السعودية للتنسيق مع إدارة ترامب بشأن عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، زار الأمير محمد بن سلمان، واشنطن في آذار/مارس 2017، حيث تناول الجانبان عدة نقاط مهمة؛ منها تأكيد تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، وزيادة فرص التعاون الاقتصادي بينهما، والاتفاق على تعزير جهود مكافحة الاٍرهاب والتصدي لتمويل الجماعات الإرهابية ومواجهة التطرف الفكري[28].

تمكنت السعودية، من خلال استضافة الرئيس الأمريكي ترامب والقمم الثلاث المصاحبة للزيارة، من تأكيد مكانتها كمركز ثقل رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، ونقطة تجمع للحلفاء في الإقليم. فقد نجحت المملكة في حشد عدد كبير من القادة العرب والمسلمين من حوالى 55 دولة، للمشاركة في «القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية».

وكان اختيار الرياض لتكون المحطة الأولى للرئيس ترامب في زياراته الخارجية الرسمية، أمراً حمل دلالات مهمة. فمنذ أكثر من 3 عقود، اعتاد الرؤساء الأمريكيون أن تكون الزيارة الأولى لهم لإحدى دول الجوار الأمريكي مثل كندا والمكسيك، ومن ثم فإن اختيار ترامب للسعودية هذه المرة لتكون أولى محطاته الخارجية هو اعتراف أمريكي بمكانة المملكة على المستوى الإقليمي، وقوة تأثيرها في أمن المنطقة واستقرارها، ودورها في محاربة التطرف والإرهاب‏[29].

وقد مثَّلت الاتفاقيات التي وقعتها السعودية مع الولايات المتحدة، خلال زيارة ترامب، والتنوع الذي اتسمت به، إنجازاً مهماً ومكاسب مشتركة للدولتين (توقيع 34 عقداً في عدة مجالات بينها الدفاع والنفط والنقل الجوي)، وبلغت قيمة الصفقات التي أُبرمت في الرياض، نحو 460 مليار دولار، منها 110 مليارات دولار قيمة صفقات عسكرية سابقة، وستسلم بموجبها واشنطن أسلحة على الفور للجانب السعودي كما شملت اتفاقيات تعاون اقتصادي وعسكري[30].

7 – العلاقات مع تركيا

تدخل العلاقات التركية – الأمريكية منذ تسلُّم ترامب السلطة بداية جديدة تأمل تركيا ترجمة ذلك على أرض الواقع في الملفات العالقة وأبرزها الملف السوري بما فيه المنطقة الآمنة والأكراد وأزمة اللاجئين ومكافحة الإرهاب وملف غولن‏[31].

قد تكون هنالك نقطة التقاء بين إدارة ترامب والحكومة التركية في حلف شمال الأطلسي، حيث يريد ترامب من شركاء الناتو الأوروبيين دفع المزيد من الأموال لمصلحة ميزانية الحلف، وهو هدد الحلفاء الأوروبيين أثناء حملته الانتخابية من عواقب توقف الدعم الأمريكي للأمن الأوروبي. مقابل ذلك تُعتبر المساهمة التركية المالية في حلف الناتو متقدمة على معظم الدول الأخرى. في ظل الفوضى المنتشرة حول تركيا – ناهيك بجرأة وإصرار روسيا، وهو ما يقلق تركيا رغم المصالحة الأخيرة التي جرت بين أنقرة وموسكو – تزداد أهمية الناتو بالنسبة إلى أنقرة. وبالتالي من المرجح أن يقدّر ترامب مساهمات تركيا في الميزانية، ولكن من المحتمل أن تتجاوز نقاط الاختلاف بين الطرفين مساهمة تركيا في الميزانية المالية للناتو إلى حد كبير.

غير أن تصريحات ترامب حول المسلمين قد تؤدي، وبخاصة بعد منع دخول المسلمين إلى أمريكا إلا بعد المرور بـ «إجراءات مشددة»، إلى عدم التوافق مع أردوغان. وقد تمثل طموحات أردوغان بالتصرف كقائد للعالم الإسلامي (بغض النظر إن كان ذلك واقعياً أم لا) عائقاً يمنع علاقته مع ترامب. قبل أي شيء، يعَدّ تعهد ترامب بتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، الذي لاقى ترحيباً من قبل وزير التربية الإسرائيلي نافتالي بينيت، بمنزلة إشارة إلى «انتهاء عهد الدولة الفلسطينية» وهو الأمر الذي سيؤدي إلى عدم المساعدة على تلطيف العلاقات بين واشنطن وأنقرة[32].

كما أن العلاقات مع إيران ستكون على الأرجح موضع جدال، حيثُ انتقد ترامب بشدة التقارب بين إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإيران، وقال إنه مصمم على وقف الاتفاقية الشاملة على البرنامج النووي الإيراني. ولكن وفي ظل مرور الاقتصاد التركي بمرحلة صعبة – فوضى المنطقة تؤذي صادرات تركيا وسوق السياحة – من المستبعد أن يقوم أردوغان ببساطة بالتخلي عن آفاق العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إيران. في الوقت نفسه، من المرجح أن تراقب إدارة ترامب علاقات إيران – تركيا عن كثب؛ حيث إن فرقة العمل المعنية بإجراءات مراقبة غسيل الأموال أزالت تركيا من قائمة الدول الموضوعة تحت المراقبة قبل عامين فقط (مراقبة نقاط الضعف تأتي كجهد لمكافحة غسيل الأموال وتحرك لمواجهة تمويل الإرهاب).

ومع كثرة المتغيرات والمستجدات على الساحة الإقليمية والدولية كل يوم، وبصورة متسارعة متتالية، فإن هناك «قضايا» أوجدها الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، تحتاج إلى تحديد مصير أمـلاً في إنهاء أو تخفيف حدة «صراع الوجود» في المنطقة.

ومن أبزر القضايا العالقة التي تناولتُ الحديث عنها في مقالات سابقة هي:

– تسليم غولن.

– إيجاد مناطق آمنه في سورية.

– دعم تنظيم قوات حماية الشعب (حزب الاتحاد الديمقراطي PYD) بحجة محاربة تنظيم الدولة.

– مصير الرئيس الأسد والميليشيات المتحالفة معه[33].

انزعجت واشنطن من التقارب الأخير بين روسيا وتركيا، وخصوصاً ما يخص الشأن السوري، ورأت أنه قد جرى اتفاق بينهما على إزاحة الولايات المتحدة من مشهد الصدارة في سورية، فردت في إثر ذلك على الحليفة «تركيا» بما تملكة من أوراق ضغط عليها، وأقر ترامب الموافقة على دعم وإمداد وتسليح وحدات حماية الشعب تنظيم (حزب الاتحاد الديمقراطي PYD) في سورية، بزعم محاربة تنظيم الدولة في مدينة «الرقة»، الأمر الذي أغضب الإدارة التركية، ما دعاها إلى أن ترفض وتحتج وتستنكر الممارسات الأمريكية تجاه حلفائها، في بيان رسمي على لسان المسؤولين الأتراك[34].

لا شك أن تركيا في موقف لا تحسد عليه؛ فمن جهة ما زالت رؤية ترامب وسياساته غامضة جداً بالنسبة إليها، ومن جهة أخرى فإن شبكة مصالحها مع الولايات المتحدة ضخمة ومعقدة وقد تكون في مهب الريح في حال توترت العلاقات بينهما في ظل رئاسة شخص كترامب، ومن جهة ثالثة فإن مسؤوليات تركيا تفرض عليها أدواراً وخطاباً ربما لا يكون بوسعها الاضطلاع بهما حالياً[35].

وعلى ذلك فإن مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا لا يزال غامضاً، وربما كان السبب في ذلك هو عدم وضوح السياسة الخارجية التركية وهو ما زاد من علامات الاستفهام بشأن ترامب. كانت إقامة شراكة قوية مع تركيا الديمقراطية أولوية واضحة في سياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط، وفي البداية كانت الظروف موائمة للغاية لمثل هذا المسعى، لكن الكيمياء الجديدة لم تدم. واليوم تواجه العلاقات الثنائية تحديات لن يكون التغلب عليها مهمة سهلة‏[36].

8 – العلاقة مع العالم الإسلامي

أدت الصراعات في المنطقة إلى نفور الكثير من السكان وهجرتهم إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فارتفعت أعداد اللاجئين من طريق الهجرة غير الشرعية لأوروبا ومن بعدها ينتقل بعضهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتواجه الأخيرة ضغوطاً من بعض شركائها الأوروبيين لعدم تحملها حصصاً من اللاجئين. وتشير التقارير إلى وصول عدد اللاجئين في العالم إلى 65 مليون شخص مع نهاية عام 2015، بسبب كثرة الصراعات في دول العالم الثالث، وحوالى نصف هؤلاء اللاجئين هم من سورية وأفغانستان والصومال‏[37]، وهي دول سبق للولايات المتحدة أن تدخلت عسكرياً بشكل مباشر فيها، لذلك تتبوأ قضية اللجوء والهجرة أهمية في السياسة الخارجية الأمريكية.

في هذا الإطار يرى ترامب أن مشكلة كسورية لم تعد عليهم إلا بمزيد من النازحين والمهاجرين، وأن «الولايات المتحدة الأمريكية لديها ما يكفي من المشاكل، فلا بد من بناء مناطق آمنة أو أن يتحمل آخرون مثل دول الخليج مسؤوليتهم. فهؤلاء اللاجئون لا نعلم عنهم شيئاً أو عن حبهم وولائهم لبلادنا». كما يؤكد ترامب أهمية وجود إجراءات وقائية قوية على حدود الولايات المتحدة مع الدول الأخرى، منعاً للتهريب، وذلك من طريق بناء سور فاصل مع المكسيك‏[38].

وقد وقع دونالد ترامب يوم الجمعة 27 كانون الثاني/يناير 2017 قراراً تنفيذياً يحظر دخول اللاجئين إلى الأراضي الأمريكية، ويمنع إصدار تأشيرات دخول لمواطني سبع دول إسلامية أخرى، وهو ما عدّه حقوقيون تمييزاً ضد المسلمين ومخالفاً للدستور الأمريكي.

إن القرار يمنع دخول من وصفهم بإرهابيي الإسلام المتطرف، وأضاف «نريد فقط أن نقبل في بلادنا هؤلاء الذين يدعمون بلادنا ويحبون شعبنا بعمق». وينص القرار – الذي جاء تحت عنوان «حماية الأمة من دخول إرهابيين أجانب إلى الولايات المتحدة» – على تعليق برنامج دخول اللاجئين بالكامل أربعة أشهر على الأقل، حتى يتم اتخاذ إجراءات تدقيق جديدة أكثر صرامة.

كما يمنع القرار اللاجئين السوريين تحديداً من دخول الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى، أو إلى أن يقرر الرئيس أنهم لم يعودوا يشكلون أي خطر، مستثنياً بذلك «الأقليات الدينية»، في إشارة إلى المسيحيين السوريين.

وتضمن البند السادس من القرار تقديم وزيري الدفاع والخارجية بعد تسعين يوماً من الآن خطة لإقامة مناطق آمنة للسوريين داخل سورية وفي مناطق حدودية، إلى أن تتم إعادة توطينهم أو ترحيلهم إلى دولة ثالثة.

ويحظر القرار التنفيذي دخول الزوار من سبع دول إسلامية لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، وأعلن البيت الأبيض أن الدول هي سورية وإيران والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن‏[39].

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً جديداً يحظر دخول المسافرين من ست دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة. واستثني العراق من قائمة الدول المحظورة التي شملها الأمر التنفيذي السابق الذي أثار جدلاً حول العالم قبل أن تصدر محكمة اتحادية حكماً بتعليق تنفيذه.

وشمل الحظر المواطنين من إيران وليبيا والصومال والسودان وسورية واليمن لمدة 90 يوماً، ومنع استقبال اللاجئين لمدة 120 يوماً. وتقرر أن يدخل الحظر حيز التنفيذ بدايةً من 16 مارس/آذار 2017 للتقليل من تعطل حركة السفر. يقول القرار الجديد إن اللاجئين الذين وافقت عليهم بالفعل وزارة الخارجية يمكنهم دخول الولايات المتحدة. ويحدد عدد اللاجئين الذين يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة في العام بخمسين ألف لاجئ[40].

من جملة المشكلات التي سببتها إجراءات ترامب في الأيام الأولى لولايته، قراراته الرئاسية السريعة الخاصة بمنع الهجرة واللجوء التي أطلقها، والتي سببت إرباكاً في مختلف بلدان العالم، وأربكت – وربما غيّرت – حياة كثير ممن ربطوا مصائرهم بالسفر إلى هذا البلد.

فالرجل أسهم في تعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا. ولا حاجة إلى التذكير بمواقفه وتصريحاته العنصرية. ووصوله أدى إلى مفاقمة الفتور الذي يعتري علاقات كثير من البلدان العربية مع الولايات المتحدة. وإلى تعزيز ظاهرة الإرهاب.

وخلال قمة الرياض الأخيرة، اتفقت الولايات المتحدة والدول المشاركة على ضرورة تطوير استراتيجيات جديدة مشتركة لمكافحة الإرهاب. وظهر واضحاً أن كلمة الرئيس ترامب، أمام «القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية»، بدت أكثر اعتدالاً عما سبق، حيث لم يستخدم الرئيس الأمريكي في خطابه عبارة «الإرهاب الإسلامي الأصولي» التي دأب على استخدامها خلال حملته الانتخابية.

كما تضمن «إعلان الرياض»، الصادر عن هذه القمة، نقاطاً أساسية تتعلق بتأكيد مواجهة الإرهاب والتطرف من خلال الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة، وتعزيز التعايش والتسامح البنّاء بين مختلف الدول والأديان والثقافات، والتصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول، ومحاربة الإرهاب بأشكاله كافة والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله، واتخاذ التدابير اللازمة كافة لمكافحة الجرائم الإرهابية والاتفاق على تأسيس ما يُسمى «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في مدينة الرياض»، الذي ستشارك فيه العديد من الدول للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم. وسوف يتم استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018.

وفي خطوة تعكس تأييد الولايات المتحدة للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، رحبت واشنطن والدول المشاركة باستعداد عدد من الدول المنضمة لهذا التحالف، لتوفير قوة احتياط قوامها 34 ألف جندي لدعم العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية في العراق وسورية، عند الحاجة‏[41].

وقد نص البيان الختامي لقمة الرياض على فتح باب المصادقة على اتفاقية تعاون في مجال مكافحة «تمويل الإرهاب»، ويتم ذلك – حسب البيان – من خلال تأسيس مركز لاستهداف تمويل الإرهاب‏[42]. ولما كان الطرف المركزي في الاتفاق هو الولايات المتحدة، فإن ذلك يعني أن أيّ مساعدات عربية لمنظمات فلسطينية ستقع ضمن تمويل الإرهاب. وعليه فإن على حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي تحديداً أن تستعدا لاحتمالات أبرزها التضييق المالي عليهما – أو تجفيف مصادرهما المالية بلغة البيان – سواء من الأفراد في الخليج أم من الدول الخليجية؛ مع ملاحظة أن المراقبة ستأخذ طابعاً مؤسسياً، حيث جاء في نصّ البيان: «تشكيل فرق عمل ولجان وزارية ورفع تقارير دورية» عن مدى تقدم هذه الجوانب. وهو ما يعني المتابعة لكل خطوة عربية أو إسلامية تجاه حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة وأشخاصها بوصفهم تنظيمات «إرهابية» وفق التفسير الأمريكي[43].

ثالثاً: الدور المطلوب عربياً اتجاه سياسة البيت الأبيض الجديدة

ليست الولايات المتحدة الآن هي تلك التي خرجت بفائض قوة كبير بعد الحرب العالمية الثانية، وليست هي أيضاً بالقدرة والجرأة نفسيهما على خوض الحروب كما حصل في التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن العشرين، وظهور قوى جديدة على الساحة الدولية مؤشر بالاتجاه نحو تعدد الأقطاب، ومزيد من السياسة الانكفائية للولايات المتحدة على المدى الاستراتيجي، وإن كان عهد ترامب سترتسم عليه محاولة إظهار القوة والجبروت.

وعلى البلدان العربية تجاوُز خلافاتها التي تكاثرت بعد الربيع العربي وآخرها الأزمة الخليجية، حيث أعلنت كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر صباح الخامس من حزيران/يونيو 2017 قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، ومنع العبور في أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر، وإمهال المقيمين والزائرين من مواطنيها فترةً محددةً لمغادرتها، ومنع المواطنين القطريين من دخول أراضيها وإعطاء المقيمين والزائرين منهم مهلة أسبوعين للخروج‏[44].

منذ الربيع العربي تتصارع قوتان إقليميتان على منطقة الخليج، السعودية بما لها من نفوذ إسلامي وروحي لدى الدول الإسلامية وقطر ذات الأذرع الإعلامية والاقتصادية والسياسية. وأصبح هناك مشروعان متضادان يحاولان بسط النفوذ في مناطق الربيع العربي، وخصوصاً في اليمن وسورية ومصر وليبيا.

قطر الدولة الطموحة أصبحت قوة لا يستهان بها على صعيد السياسة الخارجية في مواجهة الدور الإقليمي السعودي المتنامي بعد تولي الملك سلمان الحكم.

لا ننسى أيضاً الاقتصاد القطري؛ فقطر هي أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، ولديها أعلى معدل للدخل بالنسبة إلى رأس المال في العالم، وستستضيف منافسات كأس العالم لكرة القدم عام 2022، وتمتلك محطة إخبارية عالمية هي شبكة الجزيرة، وتستضيف قاعدة العديد الأمريكية، بعد أن طلبت السعودية نقل مركز العمليات الجوية الأمريكية منها. وتستضيف قطر حوالى 10 آلاف جندي أمريكي. ووصفها ترامب بالصديق التقليدي. وإن كانت الدولتان تتفقان على محاربة الحوثيين في إطار التحالف العربي فالملفات الأخرى فرقت بينهما: دعم قطر للإخوان المسلمين وللرئيس المصري السابق الذي انتُخب ديمقراطياً محمد مرسي وإيواؤها الإخوان المسلمين وحركة حماس، إضافة إلى دعمها الحكومة الشرعية بليبيا (حكومة الوفاق) التي تحاربها مصر وتساند بدل ذلك حكومة (طبرق).

ولا ننسى معارضة الإمارات العربية المتحدة التي تلوّثت صورتها بدورها البارز في إطاحة الرئيس مرسي، وعدم اعترافها بحكومة حماس المنتخبة منذ عام 2006.

في عام 2014، أقدمت السعودية والإمارات والبحرين على قطع علاقاتها مع قطر. وكانت مصر هي سبب النزاع؛ إذ دعمت قطر الإخوان المسلمين، بينما مولت السعودية وأبو ظبي الانقلاب العسكري الذي أطاحهم. كما تستضيف قطر مسؤولين من حماس وطالبان.

إنّ الخلاف تصاعد بعد زيارة ترامب إلى المنطقة. فبعد أيام من وصم المجتمعين في الرياض إيران بأنها دولة راعية للإرهاب، اتهمت كل من الرياض وأبو ظبي قطر بمحاولة فك العزلة عن طهران. من خلال تصريحات نُسبت إلى الأمير تميم وكذبتها قطر، وشنت وسائل إعلام ومشاهير وصحف خليجية هجوماً على قطر، متهمين إياها بطعن جيرانها بخنجر إيران.

كما يتملك السعودية وحلفاءها الغضب بسبب علاقة الإمارة الخليجية الصغيرة بإيران وجماعات الإسلام السياسي. وقد أتت هذه الخطوة بعد أسبوع من زيارة ترامب إلى المنطقة، إذ شارك السعودية وجهة نظرها حول دعم إيران للإرهاب من سورية وحتى اليمن.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن مصدر حكومي قوله إن «حكومة المملكة العربية السعودية انطلاقاً من ممارسة حقوقها السيادية التي كفلها القانون الدولي، وحماية لأمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرف، فإنها قررت قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر، كما قررت إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية»، لأسباب تتعلق بالأمن الوطني السعودي[45].

ويضيف بيان الوكالة: «لقد اتخذت المملكة قرارها الحاسم هذا نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية منها جماعة الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة ودعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف من المملكة العربية السعودية»[46].

السعودية والإمارات – بعد أن ظفرتا بصداقة ترامب خلال القمة الأخيرة – تسعيان إلى سحق أي معارضة تعرقل التحالف ضد نفوذ إيران في المنطقة. وهما تمارسان ضغوطاً على قطر حتى تكف عن دعم حركات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين وحماس.

كان يجب أن تُحل خلافات قرارات السعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وغلق المجال الجوي والبحري وحصارها في إطار مجلس التعاون الخليجي أو البيت الخليجي الذي أصبح مهدداً بالتفكك على غرار الاتحاد الأوروبي، ولا ريب أن نسمع عن بريكسيتات أو غيره.

طبعاً إيران عرضت المساعدة الاقتصادية على قطر من خلال موانئها. لكن لا يُرجّح أن ترتمي قطر في أحضان إيران، وهو ما قد يزيد التوتر، فهي قد تلجأ إلى روسيا أو تركيا التي عرضت الوساطة لحل النزاع.

عموماً يعول على الدور الأمريكي في وحدة الخليج، فليس من مصلحة أمريكا أن ترتمي في أحضان إيران وشق الصف الخليجي.

لذا، ومع تغير النظام العالمي، وبروز قوى إنتاجية جديدة، وتقدم الاقتصاد الإنتاجي على الاقتصاد الريعي، والانفتاح الكبير بين المجتمعات والطبقات الاجتماعية، تبرز أهمية إعادة تشكيل الأنماط السياسية والاقتصادية للوطن العربي، بناء على التالي‏[47]:

  •  اتخاذ مواقف مبادرة للتدخل متى اقتضت الضرورة، مع دراسة القرارات الأمريكية التي قد تكون في أغلبها تصديراً للمشكلات، من دون اعتبار آثارها في دول المنطقة.
  •  دعم الاقتصاد الإنتاجي، وتحقيق الأمن الغذائي والمائي العربي، من خلال الانفتاح على الاستثمارات العربية – العربية، وتحقيق التكامل العربي – العربي في هذه المجالات.
  •  إنشاء مجالس تعاون إقليمية أسوة بمجلس التعاون الخليجي؛ لخلق مزيد من التكامل السياسي والاقتصادي في المنطقة، تراعي بشكل أساسي الفوارق والمشتركات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد الموت السريري الذي تعانيه جامعة الدول العربية، وإخفاق الشعارات في تحقيق التكامل والوحدة العربية. وكذلك العمل الجدي على نقل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي.
  •  رفع الحوار الديني في المنطقة من مستوى الاتهام والتكفير والتخوين إلى مستوى تقبل الآخر وتفهمه.

خلاصة

إن إعادة رسم الخرائط في الشرق الأوسط والعودة إلى أسلوب المواجهة المباشرة، بما يعنيه ذلك من إشاعة مزيد من الفوضى في المنطقة، هي توقعات قد تجد طريقها إلى التحقق بسبب سياسات الرئيس الأمريكي ترامب؛ فمحاولة الأخير الوفاء بوعده الانتخابي بجعل «أمريكا أقوى» والعمل وفق شعار «أمريكا أولاً»، والتركيز على مصالحها على حساب مصالح الآخرين، قد يولّد مزيداً من الحروب والنزاعات الإقليمية، مع تغيير خريطة التحالفات تارة، والعودة إلى تحالفات قديمة تارة أخرى، كان الرئيس السابق أوباما قد هجرها لاعتبارات استراتيجيته في المنطقة.