مقدمة:

تسببت موجة الحراك العربي مطلع سنة 2011، في إعادة تكوين جغرافيا سياسية جديدة وكذا إثارة الكثير من القلق في الغرب وفي أمكنة أخرى، فعلى خلفية وجود القوى العظمى يمكن القول إن هناك إعادة توزيع للقوى في واحدة من أكثر المناطق المرغوبة في العالم، حيث إن ظهور لاعبين إقليميين جدد، في كل مكان يتم التعبير عنه، لإعادة بناء العلاقة بين المغرب العربي وشركائه التقليديين كما يعيد إطلاق جميع الأسئلة حول مستقبل النظام الجيوسياسي. فمع إنزال 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1942، اكتشف الأمريكيون بسرعة اهتمامًا استراتيجيًا تجاه منطقة المغرب الكبير، في سياق الحرب الباردة، فرأى الاستراتيجيون الأمريكيون أن المنطقة المغاربية هي بمنزلة نظام فرعي للنظام الإقليمي المتوسطي الكبير الذي يمثل الجزء غير الأوروبي (الآسيوي والأفريقي) من منطقة هامشية كانت موضع خلاف بين القوتين العظيمين.

لقد تطور التفكير في المغرب العربي حول كيفية التعامل مع التحديات الجيوسياسية الجديدة أكثر فأكثر في السنوات الماضية، حيث ساعدت التطورات الأخيرة على تغيير مفهوم القوى المغاربية. وبحثًا عن دور إقليمي، بغض النظر عن التحولات التي حدثت في المنطقة المغاربية، فإن السنوات التي مرت قد تميزت بارتفاع قوة القوى الإقليمية. وعليه، فإن فهم القضايا الجيوسياسية في المستقبل يجعلنا لا نستطيع الاستغناء عن تحليل شامل للطموحات الإقليمية لدول مثل تركيا والسعودية وقطر وإيران.

بناءً عليه، تكون الإشكالية المطروحة على النحو التالي: كيف يمكن للمنطقة المغاربية أن تنتقل من كونها موضوعًا للمشاريع الغربية التي تستهدفها إلى كونها طرفًا فاعلًا ومحوريًا قادرً على إحداث التغيير الذي يتواكب مع أهدافها ومصالحها؟

أولًا: المغرب العربي في مواجهة الأطماع الخارجية: التعاون هو الخيار الأفضل

إن الفرص التي يوفرها الوضع الجيوسياسي الجديد (انحسار القوى التقليدية وظهور القوى الإقليمية الجديدة) تحمي النخب الجديدة في المغرب العربي من خطر الاعتماد، كليًا أو جزئيًا، على الجهات الفاعلة ذات النفوذ التاريخي في المنطقة، كما أن القادة الجدد للمنطقة المغاربية سيكونون في واقع الأمر في موقع قوة لكي ينفصلوا عن تخطي الأنظمة المنهارة وإعادة التفاوض بشأن التحالفات السابقة على أسس جديدة[2]. وفي البلدان المغاربية التي تمر بمرحلة انتقالية، تمتلك النخب الجديدة مجالاً للمناورة لإعادة توجيه علاقاتها الخارجية، حيث تستفيد من رأسمال كبير من التعاطف والشرعية (ديمقراطي، ثوري)، كما من وجودها في مرحلة الشروع في المسار الديمقراطي، وهنا لن تكون هذه الحكومات خاضعة لضغوط وشروط القوى العظمى.

تبرز المنطقة المغاربية كأحد الفضاءات الجيوسياسية المهمة، التي بدأت تشهد حركية متنامية تجاه التفاعلات نظرًا إلى خصوصياتها المحلية وموقعها في مدار التنافس الدولي بين القوى العالمية. سيكون من الجيد أن تتركز الشراكة الأمنية بين الدول المغاربية في سبيل مواجهة التحديات الأمنية القائمة على إجراءات الأمن التعاوني وبناء الثقة بين وحدات العملية التعاونية، ويمكن أن تتجسد عمليًا عبر تبادل المعلومات والتنسيق في مجال المراقبة والتنفيذ بالاعتماد على الترتيبات الأمنية في هذا الإقليم، وهي التي تنشأ عن تبلور إجماع لدى دوله حول ضرورة التعاون بينها لخفض العنف وتعزيز الاستقرار والسلم في المنطقة عبر تفعيل مختلف أشكال الاتفاقيات مثل معاهدات الأمن الرسمية، واتفاقيات العمل المشترك… إلخ[3].

الملاحظ في الحالة المغاربية هو أنه في ما يتعلق بالوضع الأمني فيها لجأت الدول المغاربية إلى تبني خيار التعامل الثنائي المباشر من أجل مواجهة التحديات الأمنية الراهنة، على الرغم من حالة اللبس والغموض التي تميز سلوكيات بعض الدول ومواقفها تجاه التعاطي مع الوضع الأمني القائم، وكذا مدى قدرتها على التكيف مع المخاطر والظروف الطارئة التي تنتجها التهديدات الجديدة والتي تتجاوز الحدود الوطنية للدولة الواحدة[4]. هنا يمكن الاستشهاد بالزيارات والأنشطة المكثفة للمسؤولين المغاربة فيما بينهم بغرض تفعيل العمل الثنائي وإيجاد آليات تنسيقية:

بالنسبة إلى تونس: زار كل من رئيس الحكومة المؤقتة ياجي قائد السبسي الجزائر في 15 آذار/ مارس 2011، ثم راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وتلتها زيارات أخرى انتهت بإعلان وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية الجزائري عبد القادر مساهل في آذار/مارس 2017 بالجزائر عن توقيع 7 اتفاقيات بين الجزائر وتونس تخص مختلف مجالات التعاون، منها التعاون الأمني وضبط الحدود البحرية بين البلدين.

بالنسبة إلى المغرب: على الرغم من حالة الجمود التي تعرفها العلاقات الجزائرية – المغربية منذ مراحل زمنية طويلة جدًا، إلا أن السنوات الأخيرة أبانت عن حركية جديدة، حركية تحاول إحياء العلاقات من خلال مداخل يشترك فيها الطرفان، وتدفع التطورات الأخيرة الجانبين معًا إلى ضرورة التنسيق المشترك لمواجهتها والتعامل معها. هنا يمكن الإشارة إلى زيارة وزير العلاقات الخارجية المغربي سعد الدين العثماني للجزائر في 22 كانون الثاني/يناير 2012، وهي الزيارة التي مهدت لتنسيق عالي المستوى بين الطرفين، وكان للتنسيق الأمني النصيب الأكبر، حيث يمكن رؤيته تنسيقًا موجودًا من الناحية العملية والميدانية، لكنه غير مترجم في صورة شراكة أو استراتيجية حقيقية معلنة.

وفي الجانب نفسه على العلاقات المغاربية، حصلت زيارات تنسيقية موسعة متبادلة بين كل من المملكة المغربية وتونس، وحتى ليبيا، إذ زار مثلًا رئيس المؤتمر الوطني الليبي تونس في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، ثم زار رئيس الحكومة التونسي ليبيا في كانون الثاني/يناير 2013، وكلها زيارات كان محورها التنسيق الأمني الحدودي وكذا مكافحة الإرهاب وغيرها.

في ظل التطورات الحالية وجب على دول المغرب العربي الانتقال في علاقاتها من النمط الصراعي – الاستقطابي، إلى تفعيل فرص التكامل والتعاون بما يمكّن المنطقة من الانتقال من كونها موضوعًا إلى طرف فاعل في رسم المبادرات في المنطقة. وكل ذلك لن يحدث إلا من خلال إدراك تلك الدول لحتمية التوجه نحو توحيد الرؤى والجهود، التي لن تكون وثيقة ومثمرة ما لم تترجم في عمل جماعي يتضمن استراتيجية واضحة المعالم. ويمكن في السياق نفسه اقتراح الاعتماد على تفعيل العناصر التالية:

– إنشاء مجلس أمني مغاربي، توكل إليه المهمات الرئيسية في نظام الأمن المغاربي، وإن كانت تفصيلات تأليف هذا المجلس، وحتى نظام التصويت فيه وحدود صلاحياته واختصاصاته، هي أمور تحتاج إلى دراسات[5]. ولكن يجب أن يكون هذا في سبيل تعزيز قدرة الرد السريع والتفاعل البناء بين دول المغرب العربي من أجل اتخاذ القرار الملائم.

– يمكن كذلك التوجه نحو التأسيس لإطار أمني يُعنى بمناقشة القضايا الأمنية والتعامل معها، ويكون متكونًا بالأساس من السلطات والمسؤولين العسكريين، الخبراء في مسائل الأمن والدفاع، إلى جانب توسيع المشاركة لتشمل الباحثين من الجامعات ومراكز البحوث، وهو الأمر الذي سيسمح بتوسيع الرؤى حول القضايا الأمنية والاستفادة القصوى من التجارب المتنوعة.

ثانيًا: اتحاد المغرب العربي مدخل للتحول إلى طرف فاعل

خلافًا للتجمعات الإقليمية العربية الأخرى، فإن الوعي الإقليمي بوحدة المغرب العربي بدأ يتبلور في إطار الحركات الوطنية المغاربية منذ مطلع القرن العشرين عندما بدأ مفهوم المغرب العربي يتكوّن سياسياً، إذ دأبت حركات التحرر في تونس والجزائر والمغرب على التشديد على البعد المغاربي لما بعد الاستقلال. وهنا يمكن للتكتل القائم المتمثل باتحاد المغرب العربي أن يمثل مدخلًا مهمًا من المداخل المفعَّلة لتحوّل المغرب العربي من موضوع إلى فاعل أساسي في الترتيبات الأمنية القائمة في الفضاء المغاربي والمتوسطي[6].

تأسس اتحاد المغرب العربي في 17 شباط/فبراير 1989 في مراكش بعد معاهدة وقعتها الدول الخمس الأعضاء (الجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا وتونس)، كانت هذه المعاهدة نتيجة للاجتماع السابق الذي عقده القادة المغاربيون الخمسة في زرالدة في 10 حزيران/يونيو 1988. ومنذ ذلك الحين صُدّق على 6 اتفاقيات فقط، كما أن بعض الاتفاقيات المصدق عليها غارقة إلى غاية الآن في الأطر الدولية أو الإقليمية الجديدة التي انضمت إليها بلدان الاتحاد المغاربي مثل منظمة التجارة العالمية أو الاتحاد الأوروبي.

الملاحظ أن الأحكام العامة لاتفاقية اتحاد المغرب العربي تعكس تصميمًا مطبوعًا براغماتيًا لا يخلو من العوائق[7]. ومن خلال الحفاظ على سيادة الدول على حالها، تحد معاهدة مراكش من إمكانات إنشاء حيّز وحدوي فعّال، حيث إن مجلس الرئاسة، المؤلف من رؤساء الدول الخمس، هيئة اتخاذ القرار الوحيدة في اتحاد المغرب العربي، ملزم بقانون الإجماع. لم يرغب مؤسسو اتحاد المغرب العربي في إنشاء مؤسسات قد تفلت من سيطرتهم، وهنا يكون التكامل سابقًا لأوانه بالنسبة إليهم، حيث فضلوا الحفاظ على سلطتهم في السيطرة على النزاع والتحرك ببطء من طريق إنشاء منظمات يمكن توسيع مهاراتها المحدودة أثناء سيرها. لكن هذا الاتحاد المغاربي لا يمكن أن يكون دائمًا إلا إذا كانت هناك عناصر موضوعية، مستقلة عن نزوات القادة بصورة تضمن متانتها[8].

لقد كان من الطبيعي أن تتجه بلدان المغرب العربي بعد حصولها على استقلالها إلى العمل على بناء مؤسساتها السياسية والإدارية، وكذا محاولة إقامة قاعدة صناعية من أجل تكريس مبدأ السيادة على ترابها، أو بعبارة أخرى الاعتماد على النهج القطري وصرف النظر عن البناء الإقليمي رغم تأكيد بعضها في الدساتير والمواثيق كافة أنها جزء لا يتجزأ من المغرب العربي. بل يرى البعض أنه كان من الطبيعي أن تؤدي المواجهة مع الاستعمار والتفاعل معه إلى أن يكون الهدف القريب والمباشر للاستقلال هو استرجاع الدولة وإعادة بنائها على قاعدة قطرية[9]. من جهة أخرى، يمكن القول كذلك إن تدهور قدرة النخب الحاكمة في الدول المغاربية على فرض سيطرتها على المجتمع، وتعرض شرعيتها للاهتزاز نتيجة لسلسلة متراكمة ومتداخلة من الأسباب، أهمها فشل المشروع الوطني الذي قامت على أساسه شرعيتها، كل هذا أدى إلى اهتزاز القيم والآمال التي علقتها هذه الشعوب على حكوماتها منذ الاستقلال.

من بين التحديات الرئيسية الداخلية التي يواجهها اتحاد المغرب العربي، نجد:

– التنافس السياسي: يتم تأسيس التنافس السياسي في دول المغرب العربي على مستويين: على المستوى الفردي، وعلى مستوى الدولة. يمكن ملاحظة التنافس على المستوى الفردي بين قادة الدولة الذين يرون أن التغاضي عن نظرائهم في بلدان أخرى في اتحاد المغرب العربي، ومع ذلك، فإن التنافس على القيادة موجود بين دول معينة على غرار تونس والجزائر والمغرب. بينما تغيب موريتانيا عن هذه المنافسة ربما بسبب ضعف المكانة الاقتصادية للبلاد مقارنة بالآخرين في المنطقة.

– غياب الإرادة: عدم وجود إرادة قوية لرؤساء الدول في تشكيل موقع الأمانة ووظيفة الأمين العام، حيث إن قادة اتحاد المغرب العربي لديهم التزامات ضعيفة تجاه تأسيس الاتحاد، على سبيل المثال، لم يكن لاتحاد المغرب العربي، منذ تأسيسه، أمين عام له السلطة لتوجيه الاتحاد.

– الهاجس الأمني: ​​أحد النقاط الأساسية لمعاهدة مراكش هو عدم الانحياز إلى الشؤون الداخلية لكل دولة وعدم السماح لأي نشاط يهدد أمن أو سيادة أي دولة عضو. وهنا افترضت المعاهدة أن أي عمل عدائي ضد أي دولة عضو سيُعَدّ عملًا عدائيًا ضد جميع الدول الأعضاء، ولا يتمشى مع الشؤون الداخلية مطلقًا ويُعَد الدعم واجبًا، والتعاون هو التزام واضح بين الدول الأعضاء.

– التنافس بين الدول، مستوى المنافسة بين الدول قد أصبح ناضجًا بين دول المغرب العربي، وعلى وجه الخصوص، ربما كان التنافس الملحوظ بين الجزائر والمغرب أكثر صراحة من أي منافسة أخرى للدول في المنطقة.

ثالثًا: توسيع شبكة التفاعلات المغاربية مع القوى الجديدة

يمكن القول بوجود خمسة أقطاب دولية كبرى، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين واليابان والاتحاد الأوروبي. ومن غير المتوقع أن تحوز هذه الأقطاب على أوزان متساوية القوة والتأثير في الوقت الراهن، ولكنها ستكون متفاوتة القوة ومتغيرة أيضًا طبقًا لعوامل متعددة لعل أبرزها أن الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا لا تزال هي القوة الأولى عالميًا من الناحية العسكرية، وما زالت الصين تحتل المرتبة الثالثة عالميًا كقوة عسكرية بعد الولايات المتحدة وروسيا، ويعَدّ سعيها لتوسيع نفوذها وحضورها العسكري في بحر الصين الجنوبي من أهم العوامل التي أثارت قلق الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين مثل اليابان والفيليبين[10].

من جهة أخرى، يمكن كذلك الإشارة إلى عودة القوى التقليدية وانخراطها في أزمات المنطقة المغاربية، إلى جانب تصاعد ميزان الشراكة المغاربية مع القوى الصاعدة في صورة الصين، وكذا اندماج روسيا على نحو متزايد في المنطقة، كل هذا يمكن أن يمثل عاملًا إيجابيًا لدول المغرب العربي كونها تدفع في اتجاه تأسيس شبكة علاقات أكثر توازنًا وبإمكانها أن تمنحها كذلك فرصة مأسسة علاقات أكثر ربحية.

إن عودة القوى التقليدية للانخراط في أزمات المنطقة المغاربية يمكن أن تفسّر في إطار اعتبارات متعددة، يتمثل أهمها بما يلي[11]:

1 – وصول الارتدادات المباشرة لتلك الأزمات إلى حدود تلك الدول، حيث بدأت مثلًا الدول الأوروبية تواجه مجموعة من الضغوط الداخلية، بسبب انتقال تداعيات الأزمات الإقليمية إلى داخل أراضيها، وذلك من خلال مستويين: الأول هو ارتفاع حدة تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من المنطقة المغاربية إلى الدول الأوروبية. والثاني يتمثل بتصاعد عدد العمليات الإرهابية التي قامت بها جماعات تابعة لتنظيمات إرهابية.

2 – إدراك بعض القوى أن عدم التدخل في بعض الأزمات أسهم في استفحالها وانتقالها إلى دول أخرى، ربما هذا يبدو واضحًا في الحالة الروسية، هذه الأخيرة التي رأت أنها وقعت ضحية لخديعة الدول الغربية، عندما وافقت على قرار مجلس الأمن الرقم (1973) الخاص بالأزمة الليبية وفتحه الباب واسعًا أمام تدخل حلف شمال الأطلسي هناك.

3 – تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية وانسحابها التدريجي من مناطق الأزمات. وربما شكل هذا الأمر أحد أهم معالم السياسة الخارجية الأمريكية خلال حقبة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وحتى خلال فترة الرئيس الحالي دونالد ترامب.

خاتمة

هل يمكن لدول المغرب العربي أن تتحول من الحلقة الأضعف في المعادلة الإقليمية والدولية إلى طرف فاعل في مواجهة تحالف ثلاثي القوى: الاتحاد الأوروبي؛ الولايات المتحدة الأمريكية؛ والقوى الصاعدة؟ في حقيقة الأمر، وبالنظر إلى الواقع الجيوسياسي العام في المنطقة، ليس بمقدور دول المغرب العربي تجاوز تناقضاتها واختلافاتها، حيث إنها وعلى الرغم من امتلاكها كل الوسائل لإحداث تحرك موحَّد، ولكنها بتصرفاها المتشتتة والأنانية التي تطغى على النهج السيادي لديها شجعت على ظهور تنافس في ما بينها. كما أن حالة الضعف في الجانب السياسي، التي أنتجت ديمقراطيات ضعيفة، جعلت تلك الدول تبحث عن شرعيتها في الخارج، وهذا ربما لوحده يعَدّ عاملًا كافيًا لإحداث شرخ وصراع على المستوى الداخلي، وهو ما يؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى عدم قدرتها على الاستفادة من الفرص التي يمكن أن يوفرها الاتحاد. والأمر الأكيد هو أن هذا الوضع القائم يخدم بدرجة كبيرة القوى الأخرى المهتمة بالمنطقة وبمصالحها.

بسبب التنافس، لم تستطع البلدان المغاربية أن تستفيد بصورة جماعية من الفرصة التي يوفرها الاهتمام الأمريكي والأوروبي المزدوج بالمنطقة المغاربية، حيث إن الإعانات القليلة التي يمكن للمنطقة المغاربية أن تستمدها على نحو منفصل من «إخلاصها» لأي من الجانبين، لا تمثل أي شيء أمام العجز الحاصل في البلدان غير المغاربية، فهي ممزقة بين النموذج الأوروبي الكلاسيكي والنموذج الأمريكي الجديد، حيث نادراً ما تمكنت من تبني مواقف منسقة تجاه محاوريها من جميع أنحاء البحر المتوسط ​​وعبر المحيط الأطلسي. هذا الأخير لا يطلب الكثير، لأنه من خلال الاقتراب من البلدان المغاربية بصورة فردية، يكون من الأسهل عليهم خدمة مصالحهم الخاصة والسيطرة على المنطقة، إن هذه الصعوبات في الظهور كوحدة واحدة، تجعل من الضروري إضافة أن دول المغرب العربي عليها مواجهة الرأي العام الرافض بوجه عام للسياسة الخارجية الأمريكية.

إن مثل هذا السيناريو، الذي قد يبدو خيالياً اليوم، سوف يفتح أمام البلدان المغاربية شروطًا أفضل للتعاون مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، أو حتى للقوى الصاعدة. لكن هذا لا يزال مشروطًا من جهة بتعبئة حقيقية للدول الخمس التي يجب أن تتحد وتتجاوز خلافاتها من خلال التركيز على العوامل الموحدة، ومن ناحية أخرى على الموقف الذي الأقطاب الأخرى في ما يتعلق بالحلم المغاربي ومسألة الصحراء الغربية. في ظل هذه الظروف، يمكن للمغرب العربي أن يدعي أنه يلعب في ملعب الكبار.

 

قد يهمكم أيضاً  الطاقة المتجددة وتحديات استغلالها في بلدان المغرب العربي

اقرؤوا أيضاً  العلاقات الموريتانية – المغربية: محددات التواصل ومبررات القطيعة

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #المغرب_العربي #العلاقات_المغاربية_التنافسية #العلاقات_المغربية_الخارجية #علاقة_المغرب_العربي_بالاتحاد_الأوروربي #العلاقات_المغاربية_الأميركية #المغرب_العربي_وحلف_شمال_الأطلسي #اتحاد_المغرب_العربي #تونس #ليبيا #الجزائر #المغرب #موريتانيا #الصحراء_الغربية #العلاقات_العربية #منطقة_المغرب_العربي