«على الأجزاء المقتطعة من تركيا، أن تكون كبيرة بما يكفي أن تعيش وأصغر من أن تستطيع الخروج من دائرة نفوذنا»

دزرائيلي

رئيس الوزراء البريطاني (1874-1881)

 

مقدمة:

هذا الاقتباس عن رئيس الوزراء البريطاني في أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأت الدول الاستعمارية تدرس وتضع خطتها لاقتسام تركة «الرجل المريض» أي الإمبراطورية العثمانية، وما قاله الصهيوني البريطاني يلخص حقيقة ما يجري، ويكشف عن مشكلتنا مع الغرب، ومشكلتنا مع أنفسنا.

فالغرب (وعلى رأسه في ذلك الوقت بريطانيا) يريد تجزئة «مخلفات الإمبراطورية العثمانية» إلى دول صغيرة وضعيفة لا تقوى حتى على «التفكير» بالخروج من دائرة النفوذ الغربي.. وهذا الوجه الأول من المسألة، أما الوجه الثاني فهو مشكلتنا (نحن) أصحاب الأرض والقضية. فقد وضعنا بعد الاستقلال (في سورية) تحت الانتداب الفرنسي، وكان يفترض حسب قرار الانتداب (الذي رفضه الشعب السوري) أن تقوم دولة الانتداب بتقديم المساعدة الفنية والإدارية للدولة المستقلة، فإذا بها تمارس أقصى حالات الاستعمار؛ فتحولت من سلطة انتداب إلى سلطة استعمارية، مارست جميع أساليب الاستعمار المباشر، وأعاقت قيام دولة حضارية تهتم بشؤون مواطنيها، بل إنها حاولت تقسيم المجزّأ، وإقامة خمس دول في سورية، وتخلت بموجب اتفاق مع تركيا عن حوالى 18 ألف كم2 من الأراضي السورية، كما تخلت عن قطاع كامل يرتبط روحيًا وبشريًا بسكان سورية (لواء اسكندرون) عندما تبنت إقامة كيان كردي – كلدو – أشوري (مع بعض القبائل السورية) وزرعت بذرة «المشكلة الكردية» في الجزيرة.

وبعد الحرب العالمية الثانية، عندما توافرت الأجواء الدولية المناسبة طالب الشعب بإنهاء الانتداب وجلاء الجيوش الفرنسية، (والبريطانية التي كانت دخلت سورية في إطار العمليات الحربية).

وقد تم جلاء الجيوش الأجنبية والإعلان عن استقلال سورية في 17/4/1946، وكان على السلطة الوطنية مواجهة مشكلات ومسؤوليات الحكم وبناء الدولة واختيار السياسات الملائمة.

أولًا: تحديات ما بعد الاستقلال

واجهت سورية بعد الاستقلال مجموعة من التحديات والمشكلات وكان عليها أن تواجه مختلف الصعوبات الناجمة عن التحولات العالمية والإقليمية، ويمكن أن نحدد على عجالة أهم تلك التحديات والمشكلات في ما يلي:

1 – مسألة الهوية والانتماء القومي

لقد أراد الغرب في تقسيمه للوطن العربي، ورسمه لحدود الدول الجديدة، خلق مشكلات مستمرة تتعلق بالهوية والحدود السياسية. وإذا كانت الحكومة الوطنية بعد الاستقلال قبلت بالحدود المرسومة (إذ لم يكن لديها حل آخر) فإن مسألة الهوية والانتماء القومي حسمت أيضًا (بوطنية الانتماء السوري بأفق عربي).

2 – الصراع على سورية

كان للموقع الجغرافي المميز لسورية، ولما تتمتع به من موارد طبيعية مهمة، وكونها جارة لتركيا (وهي من دول الناتو) والكيان الصهيوني (بما له من موقع خاص لدى الغرب الأوروبي وبالتالي الولايات المتحدة). وبما أن سورية تعَدّ المعبر الذي تمر به خطوط نقل النفط من مصادر إنتاجية إلى شرق البحر المتوسط ومن ثم إلى دول العالم، ونظرًا إلى ما تحتله سورية في التاريخ من أحداث وتراث إنساني، لكل هذه الأسباب أبدى الغرب وغيره من الدول اهتمامًا كبيرًا بسورية فكانت ولا تزال مسرحًا للصراعات.

3 – قضية فلسطين والصراع العربي – الصهيوني

فلسطين هي الجنوب السوري، وتاريخيًا جزء من سورية. وحملت سورية منذ البداية قضية فلسطين كقضية مركزية للأمة العربية، وكانت تحدد مواقفها من الأحداث والدول وفقًا لعلاقتها وتأثيرها في القضية الفلسطينية، ولهذا كانت سورية دائمًا تؤمن بالمواجهة العربية المباشرة للمشروع الصهيوني، رافعة شعار المشروع العربي النهضوي، منادية بحقوق اللاجئين وعودتهم، وكانت باستمرار تمثل عنصر دعم لأي جهد مقاوم للوجود الصهيوني.

4 – السياسات الاقتصادية والاجتماعية

كان من أهم تحديات دولة سورية (بعد الاستقلال) هو تحدي بناء الدولة ومؤسساتها واختيار سياستها الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذه النقطة الأخيرة، كان على سورية تحقيق أمرين: الأول، تحرير الاقتصاد السوري من السيطرة الأجنبية، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي؛ والثاني، تحديد السياسات الخاصة بتطوير تنمية الاقتصاد والمجتمع.

ومنذ الأيام الأولى لرحيل الأجنبي، بدأت السلطة الوطنية باتخاذ إجراءات وسياسات من شأنها تأكيد استقلالية الاقتصاد من جهة، وتطوير وتنمية الاقتصاد الوطني، فاتخذت سياسات حمائية من شأنها حماية الإنتاج المحلي وأعلنت استقلالية العملة الوطنية وفك ارتباطها بالفرنك الفرنسي، وأممت الشركات الأجنبية، لكن دخلت البلاد بعد ذلك في سنوات من الانقلابات العسكرية (كان أولها من تدبير الاستخبارات الأمريكية) فساد البلاد حالة من عدم الاستقرار، إلى جانب ما تعرضت لها سورية من ضغوط إسرائيلية، وحشود عسكرية تركية، إلى أن جاءت الوحدة المصرية- السورية، التي تحقق خلال فترتها القصيرة نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني فأصدرت أول خطة اقتصادية خمسية، وأصدرت قانون الإصلاح الزراعي وتأميم الشركات الصناعية والتجارية الكبرى. وإذا كان الإعلان الرسمي هو التحول نحو الاشتراكية، فإن ما جرى في الواقع هو بقاء القسم المهم من النشاط الاقتصادي بيد القطاع الخاص. وكان التحول الحقيقي في الريف من خلال الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين، ولكن يمكن توصيف ما اتُخذ من إجراءات بأنها تمت بهدف تحقيق التنمية، وربما كان هذا أحد أسباب تسارع خطى أعداء الوحدة للقضاء عليها.

وفي زمن الانفصال كان هناك نوع من الضبابية، فلم تستطع القوى الرجعية إلغاء قانون الإصلاح الزراعي، ولا إلغاء التأميم، خشية من تطور الأوضاع في الشارع السوري. الذي كان وحدويًا متمسكًا بإنجازات الوحدة التنموية.

وبدءًا من عام 1963 وحتى نهاية العقد انتُهجت سياسات متشددة باتجاه تطبيق وتنفيذ عملية التحويل الاشتراكي في جميع القطاعات، إلا أنه مع مطلع 1970، وتحت عنوان «التعددية الاقتصادية» انتُهجت سياسات اقتصادية انفتاحية، تهدف إلى جذب القطاع الخاص للعمل الاقتصادي والاستثمار في المشروعات الإنتاجية.

وبعد حرب 1973، وبعدما تدفقت المعونات من البلدان العربية النفطية، تم التركيز على مشروعات تنموية متعددة في مجالات البنية التحتية والصناعات الاستخراجية والتحويلية، والزراعية كما منح القطاع الخاص المزيد من فرص الاستثمار.

وفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، توقفت المعونات العربية، وحصل تأخير في إنجاز المشروعات الإنتاجية بسبب أساليب الاعتماد على الشركات الأجنبية واتساع رقعة الفساد، وعانى الاقتصاد إثر ذلك أزمة حادة في القطع الأجنبي، وبخاصة في مجال تأمين استيراد المواد والحاجات الأساسية. ومن هنا برز دور المؤسسات الدولية والاتحاد الأوروبي والليبراليين المحليين في دفع الأمور نحو سياسات التحرير والانفتاح والسماح للقطاع الخاص بالاستيراد المباشر (تحت وطأة التغيرات الحاصلة في العالم وبخاصة انهيار الاتحاد السوفياتي) بهدف خفض الضغط على موجودات القطع لدى البنك المركزي. وفي مطلع التسعينيات من القرن الماضي جاء الحل من طريق فتح باب الاستثمار أمام رأس المال المحلي والعربي والأجنبي، إلا أن ذلك لم يؤد إلى النتائج المنتظرة. وفي مطلع الألفية الثالثة طرح موضوع الإصلاح الاقتصادي، ومع تعثر هذه العملية، طرح موضوع الإصلاح الإداري كمدخل؛ ولما كانت عملية الإصلاح، سواء الاقتصادية أم الإدارية مسألة سياسية، فقد اقتصرت الطروحات على المستوى الإعلامي والثقافي، في حين تم انتهاج سياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة، وفقًا لما تطرحه المؤسسات الدولية والاتحاد الأوروبي، وطبعًا الولايات المتحدة، دون الإعلان عن ذلك؛ أي تم تطبيقها تسللًا ودون إعلان، تحسبًا من ردور الفعل.. ولكن بقي الحوار في الأوساط الأكاديمية والثقافية ما بين تيارين: الأول، تنموي يريد تفعيل مؤسسات القطاع العام وتمكين هذا القطاع للقيام بدوره القيادي في الاقتصاد الوطني، مع الإبقاء على دور نشط للقطاع الخاص ولا سيّما في ميدان التجارة والخدمات وطبعًا الإنتاج الزراعي، مع تشجيعه للإقدام على الاستثمار المنتج في الصناعة، وينادي هذا التيار بمكافحة الفساد وبالتخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج بما يحقق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. والتيار الثاني، ليبرالي يريد إلغاء القطاع العام والاتجاه نحو الخصخصة، وتحرير التجارتين الداخلية والخارجية، وانسحاب الدولة (تدريجيًا) من المهام الاجتماعية.

ثم جاء المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم /2005/ حيث اتخذ قرار بالتحول نحو (اقتصاد السوق الاجتماعي) وكان المصطلح جديدًا في إطاره العام، واستغلت الحكومة حداثة استخدام المصطلح وضعف الثقافة الاقتصادية فانتهجت سياسات اقتصاد السوق وثبتت أهداف (وفاق واشنطن) دون الإعلان عن ذلك، ظنًا منها أنها بذلك ترضي الولايات المتحدة والغرب، وأن بتطبيقها هذه السياسات، يمكن تحقيق التنمية عن طريق التساقط، فالأموال التي تتركز بيد القلة نتيجة لهذه السياسات سوف تعود لتتساقط على المجتمع بأسره!

إلا أن الغرب (وعلى رأسه الولايات المتحدة) لا يكتفي بالجانب الاقتصادي من مشروعها الذي أعلنه بوش بعد احتلال العراق تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير، بل إن ما يهمها من المشروع النهضوي إحلال مشروع التطبيع مع إسرائيل واستمرار وضع اليد على الثروة النفطية والغازية انتاجًا وتسويقًا وتكريرًا.

ولهذا فقد عمدت إلى فرض العقوبات الاقتصادية القاسية على سورية تحت عناوين مختلفة، وشملت هذه العقوبات المؤسسات السورية والشخصيات الرسمية وبعض رجال الأعمال والتجارة الخارجية والنفط والمشتقات النفطية.

وإذا كانت الولايات المتحدة هي من بدأ بفرض العقوبات الاقتصادية على سورية منذ الثمانينيات بحجة الإرهاب، فإن الدول الأوروبية وبخاصة إنكلترا وفرنسا شاركتها بفرض العقوبات الاقتصادية على سورية وللأسف فإن جامعة الدول العربية، جمدت عضوية سورية في الجامعة (وهي من ضمن الدول المؤسسة) وفرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية.

هكذا نجد أن التاريخ الاقتصادي لسورية الحديثة، تضمن سباقًا يصل إلى حد الصراع، ما بين تيارَي التنمية والليبرالية الاقتصادية.

ثانيًا: ضد الليبرالية الاقتصادية الجديدة… لماذا؟

باختصار لأنها لا تؤدي إلى التنمية المنشودة، وهي تقع ضمن برنامج الإصلاح الغربي من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير (الأمريكي-الصهيوني) ومن خلال البرنامج الاقتصادي للشراكة الأوروبية، وهذان المشروعان يقدمان كبديل عن المشروع العربي النهضوي.

فضلًا عن ذلك فإن جوهر برامج الإصلاح المقدمة من خلال «وفاق واشنطن» هو الليبرالية الاقتصادية الجديدة، المتمثلة بالتثبيت الاقتصادي والتكليف الهيكلي بهدف التحول إلى اقتصاد السوق، وهو ما قدم إلى الدول الاشتراكية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وقد أثبتت تجارب الدول التي سبقتنا أن اتباع هذا البرنامج، قد أدى إلى المزيد من التبعية للرأسمال العالمي، وإلى البطالة، والتحول من الاقتصاد المنتج إلى اقتصاد الريع..

تقوم الفكرة الأساسية لاقتصاد السوق الحر، على فرضيات أثبتت الوقائع بطلانها، وأولى هذه الفرضيات، أن السوق أداة جيدة لتنظيم النشاط الاقتصادي، وأن قدرة السوق هذه تعود إلى مفعول «اليد الخفية» القادرة على تنسيق القرارات الفردية من خلال الاستجابة لتحركات الأسعار. ويرى أصحاب نظرية السوق الحرة أن الدولة يجب أن لا تتدخل في الحياة الاقتصادية، لأن تدخلها يعيق فاعلية «اليد الخفية»، ولهذا تنادي الليبرالية الاقتصادية الجديدة، بخفض النفقات العامة (وبخاصة في المجالات الاجتماعية) واقتصار دور الدولة على الوظائف التقليدية.

ولعل أبرز ما تنادي به الليبرالية الاقتصادية الجديدة، إعادة توزيع الدخل والثروة لصالح أصحاب رؤوس الأموال بتخفيض الضرائب على الدخول والثروات الكبيرة، وبيع مؤسسات القطاع العام ونقل ملكيتها للأفراد والمؤسسات الخاصة.

وبعد الطفرة العولمية مع بداية التسعينات، اكتسب برنامج الليبرالية الاقتصادية الجديدة زخمًا متزايدًا من خلال الظروف والمتغيرات التي رافقت ذلك والتي يمكن إبراز أهمها كما يلي:

انهيار نظام بريتون وودز بإعلان الولايات المتحدة عام 1971 وقف تحويل الدولار إلى ذهب.

عولمة النشاط الإنتاجي والعالمي المصرفي وأسواق المال.

تغيير مراكز القوة العالمية، وصعود الصين وروسيا.

تغيير هيكل الاقتصاد العالمي والتطور الهائل في الاتصالات والمعلوماتية، وقد ترافق ذلك مع:

ظهور بوادر ركود طويل المدى في الاقتصادات الرأسمالية.

نمو الادخار بما يزيد عن الاستثمار العالمي.

نمو هائل في الأموال التي تتحرك يوميًا بالمليارات من الدولارات حول العالم.

وضمن هذه الظروف والمعطيات أصبحت الليبرالية الاقتصادية تحتل مواقع متقدمة خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وفشل تجربته الاشتراكية حيث اعتبر ذلك بمثابة انتصار للرأسمالية والسياسات الاقتصادية والنقدية التي تطرحها، وقد تبلورت السياسات الاقتصادية في:

تحرير التجارة الخارجية وتعويم سعر الصرف.

إضعاف الدولة الوطنية وتهميش اقتصادها.

الضغط على الدول النامية من أجل استجابتها لمتطلبات التحول نحو اقتصاد السوق والليبرالية والانخراط بالعولمة والالتحاق بالاقتصاد العالمي.

من هنا تأتي أهمية السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة في الاستراتيجية الأمريكية، فهي تريد دولًا ضعيفة هشة، يمكن لتلك السياسات أن تحققها وصولًا إلى الدول الفاشلة التي تستدعي التدخل في شؤونها ويفسر هذا التحليل، جانبًا مهمًا مما جرى ويجري في سورية، منذ اندلاع حركة الاحتجاج في شهر آذار/مارس عام 2011.

ولم تنتهِ (الأزمة/الحرب) في سورية حتى الآن أي بعد ما يزيد على تسع سنوات فلا تزال الحرب دائرة في وسط سورية وشمالها، وشمالها الشرقي، ولا يزال العدوان الإسرائيلي مستمرًا، ولا تزال الولايات المتحدة ومعها (للأسف أوروبا وبعض مشايخ الخليج) تعمل من أجل تقسيم سورية وتركز على إقامة دويلة (للأكراد والكلدو أشوريين وبعض العشائر العربية) في شرق الفرات والجزيرة السورية.

وعلى الصعيد الاقتصادي لا تزال السياسات الحكومية تتخبط، بين التدخل وانتشار فوضى السوق والاحتكار وتبدو الإجراءات الحكومية موالية لفئات معينة من التجار وأصحاب الأموال الاستثنائية من رجال الأعمال الجدد، ولا تزال معاناة المواطنين في الحصول على حاجاتهم الأساسية قائمة، لا بل ومتحكمة في شروط معيشة السكان، ولا يزال حوالى عشرة ملايين سوري بين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها دون أن نلمس أي أفق لحل قريب.

وإذ تحتاج التنمية إلى الاستقرار والتقدم فإن الليبرالية الاقتصادية الجديدة، تنتعش وتزدهر بالفوضى وعدم الاستقرار، ويستمر الصراع…!

أعدَّ هذا النص أواخر عام 2019. ولم تكن ازمة كورونا قد تحولت إلى جائحة عالمية. وقد تناول العديد من المفكرين الاقتصاديين وعلماء الصحة والاجتماع والساسة هذا الموضوع بالدراسة والتحليل. وتعددت الآراء حوله. ويكاد يكون هناك اتفاق على محق الأزمة وتداعياتها كما كان هناك اتفاق على أن هذه الأزمة كشفت عن مناحي الضعف في إدارة الازمة في معظم دول العالم. ويكاد يكون شبه اتفاق على أهمية قوة الدولة في مواجهة الأزمة وغيرها من المعضلات.

وعلى الرغم من مرور حوالى تسعة أشهر على الأزمة ورغم الجهود التي تبذلها المراكز البحثية والصحية فلا يبدو أن إنجازًا حقيقيًّا قد أُحرز لإيجاد اللقاح المناسب للحد من انتشار هذا الوباء فما زلنا نشهد المزيد من الإصابات والوفيات في جميع أنحاء العالم.

إن سورية، وباقي الأقطار العربية، ليست بعيدة عن ما يجري.. لكن ما هو جدير بالملاحظة أن هذه الجائحة تجتاح دولنا في وقت تشهد فيه الأمة العربية أصعب لحظاتها التاريخية.. فعدا عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاوتة الحدة من بلد إلى آخر، تتعرض البلدان العربية الى هوس المشروع الأمريكي.. الصهيوني كما تتعرض أغلب البلدان العربية إلى اضطرابات اجتماعية وحصارات اقتصادية. فضلًا عن هذا المعاناة من وطأة السياسات الاقتصادية الليبرالية والتبعية الاقتصادية للنظام الإمبريالي العالمي. وهذا يزيد من الأعباء لمواجهة تبعات ذلك فضلًا عن مواجهة الأزمات الطارئة كأزمة وباء كورونا.. وتتعرض سورية، على وجه الخصوص، لمشكلات وأزمات حقيقية ولدتها سنوات الحرب والخنق الاقتصادي.

وإضافة إلى ما يجب انتهاجه من إجراءات لعبور مرحلة التعافي لا بد من عمل حثيث لإيجاد الوسائل والآليات لمواجهة أزمة الكورونا وتأمين الوسائل والتجهيزات اللازمة والنظر بجدية على الصعيد السياسي لدفع عملية الانتقال من وقف إطلاق النار إلى مرحلة متقدمة على طريق الحل السياسي وإعادة اللحمة البشرية والجغرافية الى الجسد السوري.

إن ذلك يحتاج إلى درجة عالية من المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية كما يحتاج إلى دولة قوية وإلى جهد عربي مشترك. يستطيع استقطاب التفاف دولي ودعم عالمي وأن يتحقق ذلك لا بد من أن تتوجه الجهود داخليًّا لتأمين وعي اجتماعي وتفعيل أداء المنظومة الصحية والارتقاء به إلى مستوى المسؤولية.