ملخص:

شهدت السنوات الأخيرة، محاولات من العراق ومصر والأردن لتفعيل إطار للتعاون، بعد عقود من فشل التعاون العربي المشترك في تحقيق الغايات منه، وأتى التوجه الجديد، الذي اجتمع له قادة الدول الثلاث عدة مرات، في ظرف بيئة داخلية وإقليمية ودولية مضطربة. لكن لا يوجد إجماع على الغاية من ذلك التعاون، ولا ما يمكن أن ينتهي إليه، ومدى تلاؤمه مع احتياجات العراق، والمنطقة العربية.

كلمات مفتاحية: المشرق الجديد، التعاون العربي، العراق.

 

مقدمة:

يطرح موضوع تقويم أي موضوع سياسي، موضوعات مرتبطة بالقيمة التي تتعلق بالشيء قيد النظر.

وتقوم عملية التقويم على مراعاة وجود أسس، ومنها: إما تقويم الغاية أو النتيجة من اعتماد السياسة، أو تقويم تكافؤ الوسيلة مع الغاية، أو تقويم الكلف المترتبة قياسًا بالأرباح، أو تقويم القدرة على الاستمرار والديمومة بالسياسة.

إن موضوع “مشروع الشام الجديد” أو “مشروع المشرق الجديد” والذي أخذ يُطرح منذ عام 2019، إنما يطرح عدة تساؤلات ومنها: مضمونه والأطراف الدافعة له، وأطرافه، الغاية منه؟ وماذا يتوجب أن تقدم الأطراف المنخرطة فيه؟ وما هو العبء أو الكلف على الأطراف ذات العلاقة؟ وهل هذا المشروع يمكن أن يستمر؟

والأهداف من البحث هو إعطاء تصور عن المشروع، ولماذا صار الاتجاه إلى تفعيل اللقاءات العربية المحدودة وليس المشاريع العربية الجمعية، وهل وضع البلدان الثلاثة يمكّنها من التعامل مع فكرة المشروع؟

سيشار إلى عدد من الموضوعات، يمكنها أن تعطي مؤشرات عامة عن تقويمنا لهذا المشروع، من وجهة نظر العراق، وهي كالتالي:

1- البيئة الإقليمية والدولية التي ظهر فيها المشروع.

2- أوضاع العراق واحتياجاته.

3- لماذا طرح مشروع المشرق الجديد، وموقع العراق فيها؟

4- هل العراق قادر أن يلتزم تجاه المبادرة.

 

أولًا: البيئة الإقليمية والدولية التي ظهر فيها المشروع

شهدت المنطقة العربية منذ عدة عقود أوضاعًا استثنائية، ولعل العراق كان قد سبق أغلب البلدان العربية بهذا عندما دُمرت قدراته عام 1991، ثم احتلاله عام 2003، وأُدخل في حرب أهلية حصدت أرواح وممتلكات كثيرة، ثم أُقحمت المنطقة بأحداث ما عُرف بالربيع العربي، والذي استند إلى وجود فجوة بين الشعوب العربية والحكام، ولم يكن العامل الخارجي بعيدًا منا[1].

وحتى يمكن إعطاء تصور عمّا يمكن أن يكون عليه المشروع، فإنه يجب أن يكون هناك ربط بالسياسة الأمريكية، فالدول الثلاث التي انخرطت به تربطها علاقات بالولايات المتحدة، وهي تقع في منطقة للأخيرة فيها مصالح حيوية، ولعل أهمها: أمن إسرائيل، ومن ثم يتوقع أنه لم تكن بعيدة منه أو ربما هي الداعم الخفي وراء المشروع.

في عام 2017 بدأت ملامح تغير في التكتيكات الأمريكية تظهر، بصعود إدارة دونالد ترامب، التي كانت تركز على: العائد من أي سياسة أمريكية إقليميًا، وما يمكنها أن تحققه لإسرائيل. في ظرف كانت المنطقة العربية ما زالت تعاني الانكشاف والفوضى والاضطراب وارتفاع مؤشرات ضعف الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وارتفاع معدلات التدخل الخارجي، إقليميًا ودوليًا، في الشؤون العربية.

وما إن حل عام 2018 حتى كانت الولايات المتحدة تصعّد في العلاقات مع إيران مدفوعة بأموال خليجية، وتتبنى خطوات كبيرة لإنهاء القضية الفلسطينية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس كعاصمة لإسرائيل، وتجري نقاشات مهمة بشأن صفقة تجبر الجميع على الاعتراف أن هناك فقط إسرائيل وليس فلسطين على أرض فلسطين التاريخية، وأن على العرب أن يتحملوا تسوية تلك القضية[2]، وتم ممارسة ضغوط على العراق من أجل أن لا يبتعد عن الولايات المتحدة.

لكن ليس كل ما تريده الولايات المتحدة يتحقق، فالعراق واقع عمليًا تحت تأثير إقليمي، سهلت له الولايات المتحدة كل البيئات لأن يكون حاضرًا في القرار العراقي، والمشروع الإقليمي في العراق لا يتحمل حاليًا وجود منافس له، فموارد العراق باتت غير كافية لتمويل سياسات القوى الإقليمية الموجودة في القرار السياسي، وجاءت أزمة كوفيد 19 لتضرب التجارة العالمية وبضمنه تضرب الاقتصاد الأمريكي بانكماش حاد، كما لا يوجد طرف فلسطيني قوي يمكن الركون إليه لإيجاد تسوية تسمح بتحقيق وجود مستقر ونهائي لإسرائيل في أراضي فلسطين، وتنقل القضية الفلسطينية إلى مرحلة: نقل الفلسطينيين إلى أراضي مجاورة في الأردن ومصر وغيرها، فالمشروع مكلف في جانب إعادة توطين الفلسطينيين الذين يتوقع توطينهم خارج فلسطين التاريخية لإنهاء القضية الفلسطينية نهائيًا، ويبقى ربط العرب بالمسجد الأقصى مسألة رمزية على سبيل السياحة الدينية أو الحج الموسمي لمن يؤمن بمكانة ذلك المسجد إسلاميًا، إلى جانب أن دول الخليج مرهَقة ماليًا بأعباء: الأزمة الاقتصادية العالمية وتحمّل كلف خفض أسعار النفط عالميًا، وأعباء الحرب في اليمن، وأعباء تمويل السياسة الأمريكية في المنطقة العربية وتجاه ايران.

إن من يدير أهم التوجهات في المنطقة العربية هي الولايات المتحدة، وهي تترك بعض الملفات للفواعل الإقليمية والمحلية أحيانًا، لكن النقطة التي لا يمكن أن تتركها هي (إسرائيل)، ولهذا كان على الإدارة الأمريكية أن تفكر بخيارات مناسبة بديلة للتعامل مع إعطاء زخم جديد لتسريع عملية إنهاء القضية الفلسطينية، واستغلال الأوضاع غير المسبوقة التي وصلتها البلدان العربية.

إن تحليل أوضاع الدول الثلاث التي اتجهت إلى التقارب، ضمن إجراءات سريعة، سيلاحظ عليها الآتي:

1- مصر

تعايشت مصر مع مرحلة من ضعف الاستقرار والفوضى بين عامَي 2011- 2013، وحاول النظام السياسي بعدها أن يعيد الاستقرار السياسي للبلاد، إلا أنها ظلت تعاني نقصًا كبيرًا بالموارد، وهي مرتبطة باتفاقات مشتركة مع أمريكا وإسرائيل، ومنها اتفاقيات الكويز QIZ التي تسمح بإنشاء مناطق صناعية حرة وتكون لها أوضاعها الخاصة على صعد مشاركة رأس المال والإنتاج والتصدير.

2- الأردن

يرتبط الأردن مصيريًا بالغرب، وهو يعاني نقصًا كبيرًا بالموارد، ومرتبط باتفاقيات خاصة مع أمريكا وإسرائيل، ومنها اتفاقيات الكويز (QIZ).

3- العراق

يعيش العراق ثلاث بيئات متناقضة: عملية سياسية رسمية منكشفة على الخارج، وقوى سياسية الفاعل فيها بالمال والسلاح يرتبط بعلاقات مع البيئة الإقليمية، وقاعدة جماهيرية غير مستقرة على هدف وتعاني بشدة من تأثير وسيطرة الخارج على موارد البلاد التي يستنزف جزء منها عبر أنشطة متنوعة تسهم بتمويل أنشطة ضارة بالأمن الإقليمي والدولي (بدءًا من العنف والفواعل العنفية، ومرورًا بالجريمة المنظمة، وليس انتهاءً بعمليات الفساد التي تستنزف ما يتبقى من موارد للدولة) ولا يمكن أن يكون ذلك بعيدًا عن رضا أمريكي ضمني له.

إن رغبة الولايات المتحدة هي في تفكيك القضية الفلسطينية، طالما أن الحكام العرب لا يمكنهم معارضة أي سياسة غربية أو إسرائيلية، وطالما أن سوريا أو لبنان أو ليبيا لا يمكن الاعتماد عليهم حاليًا لتمويل أو تمرير سياسات أمريكية بحجم إعادة تفكيك القضية الفلسطينية وإعادة تركيبها خارج أراضي فلسطين التاريخية، وهكذا لا يبقى هنا إلا العراق.

إن العراق، من وجهة نظرنا، قد أُقحم بمشروع المشرق الجديد، وهو يمكن أن يحقق الآتي:

أ- إيجاد مصدر دعم مالي إضافي لتحريك ودعم الاقتصادين الأردني والمصري، من خلال المشاريع التي يمكن أن تحرّك البيئة الاقتصادية لهذه الدول.

ب- إيجاد مصدر دعم مالي لتمويل مشاريع توطين الفلسطينيين في مناطق مصرية وأردنية، وطرح حتى مشاريع توطين في غرب العراق، كما توضحه تسريبات عدة عن مضمون صفقة القرن[3].

ج- كما أن انفتاح العراق على مصر والأردن، يفيد أن هناك عاملًا يجري التأسيس له بعيدًا من المحور الخليجي وإيران وتركيا، وهو ما يتعلق بإسرائيل والقضية الفلسطينية، ومحور الطاقة.

يتطلب الأمر، تحريك بعض مصادر العراق وموارده من استنزافها بتمويل سياسة إقليمية وتمويل الفواعل العنفية وأنشطة الفساد المستشري إلى تمويل مشاريع ترتبط بمخرجاتها بصفقة القرن. ولا نتحدث هنا عن إمكان أن يحقق التعاون المشترك نتائج على صعيد الاقتصادين المصري والأردني، فهو سيفتح سوقًا عراقية قوامها نحو 40 مليون مستهلك أمام الشركات المصرية والأردنية، إلا أنه عمليًا سوق مجيّر سياسيًا لاستقبال السلع الإيرانية والتركية والصينية بمعدلات كبيرة، وهذا السوق مسيَّس بدرجة كبيرة، ويمكن غلق الطرق البرية على تدفق السلع الأردنية والمصرية للعراق من قبل أي مجموعة سياسية وعنفية ناشطة في البلد، بحكم ضعف قوة الدولة وعدم احتكارها للعنف.

تطرح الخلفية المتقدمة موضوعًا مهمًا هو: أين يقع العراق في مشروع الشرق أو المشرق الجديد؟

لن نقف خلف الأحداث والتفاصيل التي ترتبط بالمشروع إلا إن كان لها تأثير حيوي على الأطراف ذات العلاقة أو على مسار المشروع نفسه. وسواء انضمت إليه دول أخرى مستقبلًا أم لم تنضم.

 

ثانيًا: اوضاع العراق واحتياجاته

شهد العراق والمنطقة تطورات مهمة في العقدين الأولين من الألفية الجديدة، يمكن إيجازها بالآتي:

سياسيًا، تعاني المنطقة منذ عام 1990 والتحولات اللاحقة التي اشتركت بها بعض دول المنطقة إلى الضد من العراق، عقب أحداث أعوام 2001 و2003 و2011 أوضاعًا تزداد سلبية. فالمؤشرات الدالة على ضعف الاستقرار السياسي هي الغالبة، ومنها: نمط انتقال السلطة المأزوم عقب كل انتخابات نيابية، وضعف المؤسسات، وضعف في شرعية النظم السياسية وغلبة للطابع الشخصي في وجودها وأدائها، والحكومة ما زالت تركز على حماية النظام السياسي وليس الدولة والمجتمع والأفراد. والعراق هنا هو الأكثر من بين الدول الأخرى في ارتفاع مؤشرات ضعف الاستقرار السياسي[4]، وتصنّفه بعض الدراسات بأنها من الدول الهشة التي تعاني أوضاع أزمة حادة جدًا[5].

وأمنيًا، فإن هناك ضعفًا في سيطرة العراق على الأمن، ويوجد تعدد حكومي – بل وشخصي أحيانًا – في الرؤوس التي تتخذ القرار الأمني، مع عدم احتكار الدولة للعنف. وكانت أحداث يوم 25 آذار/ مارس 2021 دالّة على الضعف الذي تتخفى عنه المؤسسات الأمنية الحكومية عندما خرجت منطقة الرصافة (أكثر من نصف العاصمة) من سيطرة الحكومة الاتحادية أمنيا تزامنًا مع زيارة الرئيس المصري والعاهل الأردني إلى بغداد مما اضطُر الحكومة الاتحادية العراقية إلى تأجيل موعد عقد لقاء القمة الثلاثية في بغداد، يقابله عدم قدرة العراق على اعتماد سياسات أمنية مستقرة ومستدامة وترتبط بمصالح العراق الأمنية، فالقرار الأمني مشتت بين قوى حكومية وغير حكومية بل وإقليمية ودولية، في حين أن الأردن دولة أمنية مستقرة، ومصر دولة عسكرية قوية.

اقتصاديًا، فإن المؤشرات للدول الثلاث تظهر أن مصر دولة أكثر استقرارًا اقتصاديًا، لأنها تعتمد على اقتصاد فيه بعض الإنتاجية، في حين أن الأردن يعتمد على التصدير، والعراق يعتمد على ريع النفط رغم امتلاكه إمكانات اقتصادية جيدة، كما موضح بالجدول الرقم (1).

الجدول (1)

مؤشرات اقتصادية للعراق ومصر والأردن لسنوات مختارة

الدولة / السنواتالناتج المحلي الاجمالي

(مليار دولار)

متوسط دخل الفردمتوسط دخل الفرد وفقًا لتعادل القوة الشرائيةالتجارة الخارجية (مليار دولار)الموقع بمؤشر التنافسية العالمي
العراق2015177.5498910300136.2لم يذكر
2019234.1595511310180.1لم يذكر
مصر2015329.3356211310115.2119
2019303.1301911840130.293
الأردن201538.54164936036.464
201944.544051052038.270

الجدول من عمل الباحث، بالاعتماد على: البنك الدولي، إجمالي الناتج المحلي (القيمة الحالية بالدولار الأمريكي)، موقع البنك، بتاريخ 3 تموز/ يوليو 2021، على الرابط: https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD

 

ومجتمعيًا، العراق فيه تعدد إثني كبير، وهو مأزوم بفعل التمزق المجتمعي الذي ظهر بسبب أنشطة السياسات الإقليمية والأمريكية لما بعد عام 2003، في حين أن الأردن أكثر استقرارًا مجتمعيًا، ومصر أكثر انسجامًا إن استطاعت أن تدمج كل المجموعات السياسية ضمن بوتقة حوار وطني شامل.

لقد عانى العراق واقعًا في حلقات مفصلية: 1968، 1979، 1990، 2003، انتهت إلى أوسع مظاهر ضعف الاستقرار داخله، واليوم فإن هناك حاجات كثيرة يتطلب توفيرها، ومنها الآتي:

  1. معالجة الضعف في الاستقرار السياسي.
  2. معالجة الانكشاف الأمني الحاد، وكون الدولة أضعف الحلقات الأمنية والعنفية في البلاد.
  3. تعرض الاقتصاد الوطني للتدهور، عبر عمليات تدمير ممنهج، والاعتماد على تصدير النفط، والحصول على ريعه، وسيادة الاقتصاد الشكلي بالاعتماد على إيرادات ضرائب من الدخل الثابت (أي تقليص مستوى المعيشة المخطط له للموظفين العموميين)، والاتجاه إلى دعم سياسي للاستيراد وزيادة ثقافة الاستهلاك، وهو ما يحتاج إلى مراجعة.
  4. إيقاف التدهور في قيم التماسك المجتمعي، التي تشن فيها حملة قوية ضد الاسلام والرابط القومي العربي
  5. معالجة الضعف في الهوية الوطنية، وبخاصة التيارات التي تدفع إلى جعل العراق كهوية تابعة إقليميًا، والعمل على تجريم الانتماءات الإقليمية التي تضر بالسلم الأهلي.
  6. معالجة الانكشاف الحاد في العلاقات الإقليمية وسيطرتها أو تأثيرها في مفاصل القرار الوطني والمحلي، ومعالجة الانكشاف الحاد على البيئة الدولية
  7. إيجاد موازن لتقاطع البيئات الإقليمية والدولية بما يضر بالأمن والاستقرار في العراق.

لقد أثر في الواقع المتقدم، قوى متقاطعة في دوافعها، هي من تشارك بثقل في صنع سياسات العراق الداخلية والخارجية، وموزعة، من وجهة نظرنا، حسب قوة تأثيرها بين:

أ. قوى ذات ولاءات إقليمية وهي الأكبر وتستحوذ على أدوات العنف والأموال وتؤثر في القرار العراقي

ب. قوى ذات ولاءات دولية، وهي تتحصن بالدعم الأمريكي.

ج. الكرد، والقوى الفاعلة ذو ولاء لقضيتهم، ويتمتعون بمركز قوة في نطاق إقليمهم، ويشاركون بقوة في إدارة الدولة.

د. قوى ذات ولاءات محلية، ويؤثرون في القرار في المناطق الشعبية والريفية.

هـ. قوى ذات ولاءات وطنية، وهي الجماعة الأضعف في العراق.

إن الدول تضع سياساتها في ضوء احتياجاتها وما تهدف إليه، لكن في العراق مثل ذلك الربط مفقود أو ضعيف. فسياسة العراق مرتبكة منذ عام 2003 وما زالت تفتقد للبوصلة التي تربط القرار الخارجي بالمصالح والهوية الوطنية رغم كل محاولات الإصلاح التي انطلقت عام 2014، وإنما يراعي القرار ثقل مصالح المجموعات التي تؤثر في القرار السياسي. وأغلب سياسات العراق إنما تقاس وفقًا لهذه المقدمة، والنجاحات المتحققة ليس مرتبطة بالنجاح في التخطيط إنما هو مرتبط بالآتي: أما المصادفة فتمثل دورًا فيها، أو أن الدول والمنظمات الأخرى المتعاملة مع العراق تريد أن يستقر البلد أو أنها تتعامل في ضوء التزامها بالقانون الدولي.

ثالثًا: لماذا طُرح مشروع المشرق الجديد، وموقع العراق فيها؟

طرُح مشروع: المشرق الجديد أو الشام الجديد، للتعامل الظاهري مع موضوعين:

اقتصاديًا، إن العراق يمتلك نفطًا، ولديه سوق استهلاكية، بينما تتمتع مصر والأردن بفائض نسبي في الإنتاج، وإنه يمكن تحقيق تكامل بينها، وإنه يمكن التوسع بالاستثمارات المتبادلة بين الدول الثلاث. فالعراق يمكنه أن يصدر نفطه إلى الدولتين، وتقوم الأخيرتان باستثماره: استهلاكًا أو إعادة بيعه. والنقطة الغائبة أن كلًا منهما مرتبط باتفاقيات اقتصادية مع إسرائيل، ولا يضمن مشروع المشرق موضوع وصول النفط العراقي إلى إسرائيل، ولا أن تتدفق المنتجات الإسرائيلية المباشرة أو عبر مشاريع الكويز للعراق، أو أن العراق لن يموِّل صراحة أو ضمنًا مشاريع مرتبطة بتوطين الفلسطينيين في الأردن ومصر، وهي من أهم التحفظات التي قد ترتبط بالعراق.

سياسيًا وأمنيًا، يتأثر العراق من الناحية الواقعية بايران منذ عام 2003، ولا يمكن له أن يعتمد سياسة تتقاطع مع مصالح إيران نظرًا إلى ثقل الأدوات الإيرانية داخل العراق[6]، ولم يحدث ذلك إلا بقبول أمريكي ضمني، ولعل أهمه إحداث انقسام داخل العراق بما لا يحقق إجماعًا على إخراج القوات الأمريكية في حينه، ومن ثم فإن تحويل اهتمامه إلى التوسع بالاتجاه عربيًا نحو العلاقات مع مصر والأردن يفيد بوجود رغبة أمريكية بنوع من الموازنة في التأثيرات التي تمارس على القرار العراقي. إلى جانب أن الاتجاه نحو مصر والأردن يمكن أن يعادل الضغوط التي تأتي من دول الخليج العربي، وهي ضغوط تقييدية للعراق قياسًا بغياب الضغوط التي تأتي من مصر والأردن. أي أن العلاقات وفقًا لمشروع الشام أو المشرق الجديد، إنما تمثل علاقات اعتدال عربي في المحيط الإقليمي المتوتر[7].

إن تحليل خريطة مشروع المشرق الجديد، يلاحظ أن كل الدول المنخرطة بالمشروع تخضع لضغط أو تأثير أمريكي-غربي، وكل الدول تعاني أوضاعًا غير مستقرة نسبيًا، ولإسرائيل علاقاتها مع مصر والأردن، وتطمح أن يكون هناك تطبيع قريب مع العراق، أي أنه يستبعد أن تكون إسرائيل بعيدة عنه.

تحتاج بعض القوى في العراق إلى تطمينات أن المشروع ليس صفقة تعمل على: تقليص العلاقة أو الموارد التي تحصل عليها إيران أو أنه سيكون على حساب المصالح التي وضعتها إيران في العراق، أو أنه سيكون معبرًا لتحويل الإيرادات لتمويل متطلبات صفقة القرن، أو أن يصل النفط العراقي إلى إسرائيل. أما بالنسبة إلى النقاط الإيجابية (للتعاون والتكامل الاقتصادي) فالعراق يحتاجه أكثر من غيره.

إن التفكير بمكانة العراق في المشروع تأتي من أن هناك صفقة قرن ملتزمة بها الإدارة الأمريكية، وأن إسرائيل مهتمة بتسريع إنهاء القضية الفلسطينية، ومهتمة بإيجاد منظومة إقليمية عربية تدعم استمرار قوة إسرائيل تلعب على وتر: العداء لإيران، ولا يمكن التأسيس لتلك المنظومة من دون العراق، فرغم كل الضعف الحاصل في البلد فإن الرأي الراجح هو أن: إسرائيل لا يمكن أن تكون بعيدة عمّا جرى. سواء بفعلها المنفرد أو بتعاونها الصريح أو الضمني مع أمريكا وإيران.

أما الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها العراق من المشروع، فإنه قد ترتب على المشروع عدد كبير من الزيارات المتبادلة بين مسؤولي العراق والدولتين، ومنها: لقاء القمة في آذار/مارس 2019 في القاهرة، ولقاء القمة في نيويورك في أيلول/سبتمبر 2019، ولقاء قمة في آب/ أغسطس 2020 في عمان، ولقاء وزراء الصناعة والتجارة في الدول المعنية في تشرين الأول/ كتوبر 2020، وفي تشرين الأول/ كتوبر 2020 زار السيد مصطفى مدبولي (رئيس وزراء مصر) العراق ووقع 15 اتفاق تفاهم، وجرى لقاء قمة في بغداد في نهاية حزيران/ يونيو 2021.

إن تحليل أوجه الفائدة للعراق، سيرجعنا إلى المؤشرات المتاحة للتقويم[8]، وهي:

1- تقويم الغاية أو النتيجة من اعتماد السياسة

أي سياسة التعاون مع الدول العربية، فالواضح أن التعاون الذي يتم بين الأنظمة الحكم في المنطقة العربية ثبت أن الأثر فيه ضعيف، بحكم كونها الأنظمة يغلب عليها الانكشاف أو التبعية في العلاقات مع الغرب وإسرائيل. ومن ثم فإن أي منفعة لا يمكن أن تتحقق من ذلك، ولا التزام سياسي يقف خلف ذلك، وكل الالأنظمة الحاكمة تبحث عما يحقق منافع للسلطة وللمجموعات الولائية التي ترتبط بها أكثر من اهتمامها بتطوير مجتمعاتها، أي لا يمكن أن يتحقق نتائج إيجابية على صعيد المجتمعات العربية، وهو أحد أهم التفسيرات لأحداث ما عرف بالربيع العربي، وبالنتيجة فلا فائدة تذكر للعراق من الانخراط بهذا المشروع، باستثناء أنه ستضاف دول جديدة للتأثيرات في القرار السياسي، وتوسع نطاق خروج الموارد، والمؤشر المتاح أن العلاقات العراقية العربية لم تحقق للعراق شيئًا يذكر عبر المدة التالية لعام 1921 ولغاية اليوم قياسًا بالتدمير الذي تعرض له البلد بعد 1991.

2- مؤشر تقويم تكافؤ الوسيلة مع الغاية

أ. إن كان المشروع هو مبادرة عراقية فإنه يتطلب معرفة ما يحتاجه العراق من وراء الدخول فيه: تعديل المؤشرات التي تسود بالوضع العراقي، ومنها: تسريع الإعمار وتسريع تحقيق الاستقرار السياسي وتقليل الضغوط الإقليمية على البلد.

ب. أما إن كان المشروع مبادرة مصرية-أردنية، فإن المزايا النسبية التي يفترض أن تقدمها الدولتان للعراق ترتبط بمزايا سيحصل عليها العراق، ومنها تحسين التعامل مع العراقيين في البلدين والزائرين لهما، وقدوم البضائع المصرية والأردنية للعراق من خلال تشجيع التنافس في السوق العراقية.

ج. أما إن كان المشروع مبادرة أمريكية –غربية فيصعب أن لا نجد أذرعًا ونوايا إسرائيلية تقف خلفها، فالغرب عامة يتعامل بعاطفية مفرطة في ما يخص إسرائيل، وعلينا أن نطرح تساؤلات كثيرة، لماذا فقط الدول القريبة من فلسطين، وهل أمريكا مهتمة بشأن عربي، وهل توجد موضوعات فلسطينية في المشرق الجديد، وهل ضغطت أمريكا ليكون من ضمن صادرات مصر والأردن بضائع الكويز للعراق…؟

إن الوسيلة المتبعة في المشروع هي: الاقتصاد والسياسة والأمن، ومقارنة ما طرح مع الغاية، سنجد أن ما طرح لا يمكن أن يحقق للعراق ما يصبو إليه، واحتياجاته، فالسلع والبضائع والخدمات يمكن الحصول عليها من أي منشأ، وبأفضليات كبيرة. والمشكلة حاليًا أن الاقتصاد العراقي مسيَّس، والموارد العراقية مسيّسة، وعندما نكون أمام تعاملات تجارية واقتصادية سليمة مبنية على الكلف والتفضيلات وليس تبعًا للتأثير السياسي، سنجد أن السوق العراقية ستستقر، وسيخفض حجم التعاملات التجارية الإقليمية التي تسبب الهدر الواضح في الموارد بمعدلات كبيرة، وربما ستكون التعاملات التجارية مختلفة نسبيًا.

والموضوع الذي لا يمكن التوسع به هو ربط المشروع بـ: اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري وبرنامجها التنفيذي لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بين البلدان العربية، فكل الأطراف العربية غير ملتزمة بالتعاون العربي-العربي[9].

إن العراق لا يملك غير النفط كسلعة مهمة يمكن ان يقدمها للدول الأخرى، لكنه يعطيها: سوق استهلاكية، وإمكانية الاستثمار في مشاريع الإعمار ومشاريع صناعية في العراق، وإمكانية تدفق أموال عراقية للاستثمار في الدول الأخرى. وتتبع حجم تجارة العراق مع مصر يلاحظ أنه شهد ارتفاعًا متدرجًا، من نحو 800 مليون دولار عام 2015، ونحو 1.65 مليار دولار عام 2018 (432 مليون دولار صادرات العراق)، ونحو 486 مليون دولار عام 2019 (7 ملايين دولار صادرات العراق)، ونحو 486 مليون دولار عام 2020، ويستورد العراق نحو 3 بالمئة من صادرات مصر من المواد الغذائية، في حين صدّر العراق لها نحو مليون برميل من النفط كل شهر (نحو 33 ألف برميل / يوم) منذ كانون الثاني/ يناير 2017 ، والميزان التجاري هو لصالح مصر، وأغلب الصادرات المصرية هي: الأثاث والمواد الغذائية والمواد الصناعية والاستهلاكية واللدائن والمواد الصحية. إن التعاون العراقي-المصري يستند إلى اتفاق كانون الثاني/ يناير 2001، لإقامة منطقة تجارة حرة وتحرير السلع ذات المنشأ الوطني من القيود الجمركية، وقد تشكلت لجنة مشتركة عام 2009 وقعت بموجبها عدد من مذكرات التفاهم بينهما، وتتطور العلاقات بينهما منذ ذللك التاريخ[10].

أما حجم تجارة العراق مع الأردن فهي بحدود 1.6 مليار دولار عام 2010، وتأثرت بأحداث وجود تنظيم داعش في غرب العراق بين عامي 2013- 2017، وبلغت نحو 654 مليون دولار عام 2018، ونحو 700 مليون دولار عام 2020، والميزان التجاري لصالح الأردن (62 مليون دولار صادرات العراق)، وقد وقع البلدان في نيسان/ أبريل 2013 اتفاق لمد أنبوب لتصدير النفط العراقي من البصرة إلى ميناء العقبة وبطاقة 1 مليون برميل/ يوم، وبكلفة 18 مليار دولار. ثم أعلن العراق في 2019 عن إعادة النظر بالمشروع، وفي شباط/ فبراير 2021 أعلن عن تقدم بالدراسات الخاصة بإنشاء هذا المشروع ضمن الحدود العراقية، في حين أنه تم إحالة العطاء داخل الحدود الأردنية، وعلى أن ينتهي بمصر وليس بخليج العقبة[11].

إن المبادرة أو المشروع، وبعيدًا من مبالغة الروابط القومية، يطرح عدة موضوعات، ومنها:

  1. إنشاء مشاريع صناعية مشتركة، لتصدير السلع إلى العراق.
  2. كما أن العراق سيلغي التعريفة الجمركية للسلع من الدولتين.
  3. يمكن أن يتحقق ربط العراق بسوق الطاقة الإقليمي العربي: النفط والغاز والكهرباء، وتقليل ارتباط سوقه بالعلاقة مع إيران.
  4. يمكن للعراق أن يستقبل عمالة مصرية- أردنية.
  5. يمكن للعراق أن يستقبل ويقيم مشاريع مشتركة إنتاجها للداخل العراقي، مستقبلًا.
  6. يمكن للعراق أن يسهل تدفق الأموال والاستثمار إلى مصر والأردن. والعائد المتصور من هذا المشروع لا يعطي مزايا كبيرة للعراق من الانخراط فيه.

 

3- مؤشر الكلف المترتبة قياسًا بالأرباح

إن المطلوب من العراق بموجب الاتفاق:

أ. تصدير نفط إلى مصر بنحو 12 مليون برميل نفط كل 6 شهور، اي نحو 500 ألف برميل شهريًا أو نحو 16 ألف برميل / يوم، بشكل مستمر، بعد أن كان يجهزها بنحو 1.5 مليون برميل كل شهر أو 50 ألف برميل / يوم، مقابل تصدير مصر الغاز المسال إلى العراق في آب/ أغسطس 2020، والسماح للشركات النفطية المصرية دخول السوق العراقية للعمل في سوق النفط والغاز.

ب. وتوسع فتح السوق العراقية امام الصادرات المصرية.

ج. أما الأردن فإنه يتوقع زيادة تدفق سلعه إلى العراق، وزيادة تدفق رؤوس الأموال العراقية للاستثمار في الأردن.

د. يتوقع الأردن أن يحصل على مزايا إضافية من النفط العراقي، بإنشاء أنبوب لتصدير نحو مليون برميل يوميًا تغذي احتياجات الأردن بأسعار تفضيلية، ويحصل منها على عمولة الترانزيت للمتبقي منه.

ه. والأهم هو زيادة التعاون السياسي والأمني بين الدول الثلاث بما يحقق استقرارًا أكبر من خلال التعاون بين الدول الثلاث.

هذا المؤشر فيه إيجابية للعراق، باستثناء الحاجة إلى ضمانات بعدم تحمل العراق لالتزامات صفقة القرن، وهو موضوع افتراضي.

4- مؤشر القدرة على الاستمرار والديمومة بالسياسة

لا ضمانات أن المشروع يمكن أن يستمر من جهة العراق، بحكم الضعف السياسي والأمني الذي يسود، ولأن الغلبة في القرار السياسي هي للبيئة الإقليمية، ومن ثم فإن أي التزام للعراق حاليًا ومستقبلًا مع الدول العربية هو التزام هشّ.

لقد طرح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في آذار/ مارس 2021 أن العراق يتبنى مبادرة: المشرق الجديد[12]، ويهدف إلى:

  1. دعم الإعمار في العراق بتوفير بدائل مصرية وأردنية، مقابل صادرات نفط عراقية.
  2. إحداث تغييرات كبيرة لم تشهدها المنطقة على مختلف الصعد الاقتصادية والاستثمارية، من خلال تصدير النفط العراقي عبر ميناء العقبة الأردني، وربط الكهرباء الثلاثي، واستقدام العراق وتشغيله للعمالة المصرية (يوجد حاليًا نحو 100 ألف عامل مصري في العراق)، ومزيد من الإعفاءات الجمركية للسلع المنتجة من مصر والأردن.
  3. تنسيق المواقف حول قضايا المنطقة في المحافل الدولية والإقليمية.

لكن يجب أن لا يتم إغفال، أنه ما إن أعلنت الحكومة العراقية عن اتفاقيات وقعت مع الصين تضمن قيام الصين بعمليات إعمار مقابل صادرات نفط عراقية في أيلول/سبتمبر 2019، حتى تعرضت لضغوط، ومنها ضغوط أمريكية، واتجهت إلى توقيع مذكرات تفاهم مع مصر، ليكون بديلًا من التعاون مع الصين، ثم صار الحديث عن مشروع الشام الجديد.

وما يلاحظ على التعاون مع مصر على وجه التحديد، أن العلاقات الاقتصادية معها لا يمكن أن تتسع لأن الإنتاج المصري يبقى محدودًا، في حين أن أغلب التزامات العراق الاقتصادية هي إقليمية، وأن مصر لا تطمح لأداء أدوار سياسية إقليمية، فعلاقاتها مع العراق ستبقى اقتصادية، كما أن الشركات المصرية ليست بمستوى يؤهلها لأن تلبي كل احتياجات العراق التنموية، وإلا كان الأحرى أن تكون مصر قوة إقليمية صناعيًا، والنقطة المهمة للعراق هي أن مصر والأردن يمكن أن يوسعا من صادرات العراق النفطية إن كان موضوع تصدير النفط موضوعًا اقتصاديًا وليس سياسيًا.

 

رابعًا: هل العراق قادر على أن يلتزم تجاه المبادرة

إن تقييمنا الشخصي لموضوع مدى قدرة العراق على التزام المشروع هو: لا يمكن للعراق أن يلتزم تجاه المبادرة، وهو ما يمكن أن نفسره بالآتي:

– تاريخيًا تعتبر الحكومات في المنطقة العربية من أضعف الأطراف التزامًا بأي اتفاق ثنائي أو متعدد الأطراف، ولا تتجه إلى تقديم مبادرات جديدة لخفض عامل السيادة.

– إن مستوى جودة الشركات المصرية والأردنية لا يتفق مع احتياجات العراق الاقتصادية قياسًا بالشركات الغربية والصينية التي يمكن أن تقدم خدمات والتزامات أفضل.

– الفساد عامل يؤثر في القرار العراقي.

– الولاءات الإقليمية عامل يضعف قدرة القرار العراقي على التزام تجاه البيئة الخارجية خاصة العربية.

– إن إيران وتركيا هما أبرز المتضررين المحتملين من هذا المشروع، ولا يتوقع أن تبقيا خارج دائرة فقدان الامتيازات من السوق العراقية.

إن المزايا التي يمكن أن تحققها المبادرة للعراق، لا تنفي أنه لا يمكن للمشروع أن يحقق أيًا من الأهداف التي يسعى العراق إلى بلوغها. وهو ما يطرح موضوع: البديل الذي يمكن للعراق أن يلجأ إليه لمعادلة الضغوط التي يتعرض لها لاستمرار انخراطه بالمبادرة، سياسيًا.

إن كان الارتباط مع مصر والأردن خطوة لمشاريع عربية وإقليمية، تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي فلا توجد مشكلة، لأن الابعاد السياسية والأمنية تسيطر عليها إدارة ذات أبعاد تنظيمية واسعة بين: إسرائيل والدول الغربية وروسيا وإيران، منعًا من ظهور مد عربي أو إسلامي يمكن أن يتسبب بضرر لمصالح تلك الأطراف.

أما سياسيًا وأمنيًا، فإن المشروع يمكن أن يحقق تعاونًا نحو التهيئة لاستقرار العراق، فالوضع الذي يوجد به ما كان له أن يحدث لولا سلبية البيئة العربية منذ العام 1990 تجاه العراق. والملاحظ أنه لا يمكن استبعاد حضور العاملَين السياسي-الأمني من المشروع.

إن للعراق اليوم خيارات محدودة:

  • إن الاعتماد على الصين كمن سيخلق هلاكه بيده مستقبلًا، لأن المصالح الاقتصادية تجلب معها مصالح سياسية وأمنية قادمة وربما احتلال صيني قادم في المنطقة العربية.
  • استمرار الاعتماد على إيران تسبب بأن يستهلك العراق أغلب موارده في تجارة يغلب عليها البعد السياسي، على نحو أضرّ بأمن واستقلال القرار السياسي والاقتصادي العراقي.
  • الاعتماد على تركيا رفع من معدل الاستهلاك واللجوء إلى الاستيراد.
  • الاعتماد على أمريكا عديم الجدوى للعراق لأنها هي من وضعت البلد بهذا المكان.
  • لا يمكن الوثوق بأي التزام روسي.

إن المنطقة العربية يمكن أن تهيئ للعراق فرصًا، لكن:

1) يجب التأكيد أن تكون هناك بنى مؤسسية ترافق أي تعاون اقتصادي وسياسي، وليس تبادلات تجارية مؤقتة، ولا يمكن تجاهل موضوع: مجلس التعاون العربي عام 1989، ولا موضوع الضعف في جامعة الدول العربية، ولا موضوع: العقوبات على العراق عام 1990، أو استهداف العراق بتسهيلات عربية عامَي 1991 و2003.

2) إن العراق يحتاج إلى أن يتحول فائض رؤوس الأموال العراقية إلى الاستثمار داخليًا، بما يسهم برفع الصادرات غير النفطية وتقليل الواردات.

3) إن احتياجات العراق الأخرى وخاصة السياسية هي: تحقيق التوازن بين الأطراف الفاعلة في العراق، وتحقيق توازن في التأثير الإقليمي.

ويمكن لمصر أن تشارك بإعادة ترتيب أوضاع العراق أكثر من الأردن، ويتحقق ذلك بالآتي:

أ) إن عملت على إحداث تعديلات على اتفاق المشرق أو الشام الجديد، بأن تطرح صراحة أن المشروع لا يتضمن تسريع إنهاء القضية الفلسطينية، تمويلًا وتوطينًا.

ب) أن تجعل الاتفاق يتضمن تعاونًا عسكريًا وأمنيًا يسمح بنشر قوات والتدخل العسكري إن تعرضت المصالح في الاتفاق إلى الضرر.

ج- أن تعمل على توطين صناعات مصرية في العراق، أو من خلال دفع العراق إلى بناء مشاريع تصدير في داخل مصر، يكون إنتاجها مخصصًا للتصدير للعراق، ويستفاد من مزايا الإنتاج المصري: السكر والرز والزيوت،… إلخ.

د) تخصيص مقاعد جامعية للطلبة العراقيين بمختلف الاختصاصات، وتسهيل تدفق العراقيين إليها.

والامر نفسه ينطبق على نحو أقل، على حالة الأردن، لأن الأردن لا يمتلك مؤهلات قوة تقليدية واستراتيجية على غرار مصر، فاقتصاده لا يسمح له بذلك، وقوته العسكرية محدودة. إلا أن الأردن يمكن أن يكون معبرًا إضافيًا لتجارة العراق مع العالم الخارجي، ويبقى الغائب الأكبر الذي يمكن أن يحقق مزايا فعلية هو سورية، لأنها ستضمن وصوله إلى البحر المتوسط.

 

خاتمة

أوضحنا أن المشروع لن يعفي من الأبعاد السياسية، وبصيغته الراهنة ما زال لا يحمل مغريات للعراق للانخراط فيه.

إن استدامة التزامات العراق مع البيئة العربية موضوع فيه صعوبة، لأن القرار السياسي لا يخضع أحيانًا لمنطق: حوار وطني يحدد الأولويات الوطنية، وفقًا للمصلحة العراقية وحاجات الدولة، إنما هناك تأثيرات خارجية فيه.

وأكثر ما تتخوف منه بعض الأطراف العراقية هو أن أمريكا ليست بعيدة عن المشروع، ومن ثم فلا ثقة فيها، ويتطلب الانخراط الواسع بالمشروع ضمانات صريحة أن لا تتجه أي إيرادات أو سياسة لتوفير مظلة لدعم إجراءات صفقة القرن، بالتهيئة لتوطين الفلسطينيين، أو لتوفير ضمانات عربية لحماية إسرائيل.

وتبقى أبرز احتياجات العراق من الدول العربية، التي يجب أن تذكر في المشروع، هي: توفير ضمانات أمنية للدولة العراقية، وليس مجرد ضمانات لتعاون اقتصادي، بما يهيئ لتعادل التأثيرات الإقليمية في العراق، وتوفر ضمانات لحماية حق العراقي بالتنقل والانتقال بلا قيود تحدّ من كرامته في البلدان العربية، وان تكون التزامات المشروع قابلة للمراجعة من حيث فوائدها وعوائدها، ومنها ضمانات بتوطين الصناعات في العراق.

 

قد يهمكم أيضاً  قضايا العرب والشرق الأوسط في ظل السياسة الخارجية الأمريكية

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #العراق #الأردن #مصر #المشرق_الجديد #مشروع_المشرق_الجديد #التعاون_العربي #المشرق #موارد_العراق #العمل_العربي_المشترك #العلاقات_العربية