الكيان الصهيوني مليء بالأزمات، لكن على الواجهة توجد أزمتان: تأليف الحكومة والكورونا. تم تكليف زعيم كتلة «أزرق – أبيض» بيني غانتس، بعد حصوله على دعم 61 نائباً، وهو الحد الأدنى لتأليف الحكومة في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً، وذلك بعد عام من الجمود السياسي وفي ظل أزمة انتشار وباء كورونا. وعلى الفور دعا غانتس خصمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو إلى الانضمام إليه قائلاً: «سأفعل كل ما في وسعي لتأليف حكومة وطنية واسعة في غضون أيام قليلة، أردت دائماً الوحدة»، مشدِّداً على أن «إسرائيل يجب ألا تذهب إلى انتخابات رابعة». من جهة ثانية، قال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريبلين في رسالته إليه: «أطلب من مندوبي الأحزاب كافة الممثلة في البرلمان أن يدركوا ضرورة تأليف حكومة في أسرع وقت ممكن، الأمر الذي يمكنه أن يخرج «شعبنا» من هذا الوضع المعقد»، مشيراً إلى أزمة كورونا. ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن في إسرائيل؛ فالحقيقة أن غانتس اعتمد على خصمين لدودين في حساباته، فحصل على تأييد ما يسمونه «تحالف يسار الوسط»: العمل – غيشر والمعسكر الديمقراطي، إضافة إلى تصويت القائمة العربية المشتركة وحزب «إسرائيل بيتنا» القومي الفاشي بزعامة أفيغدور ليبرمان. ولا يجمع القائمتين الأخيرتين المناهضتين لنتنياهو أي أرضية مشتركة تقريباً. وهدد نتنياهو غانتس بانتخابات جديدة رابعة، وبأن إطاحة إدلشتاين (رئيس الكنيست) ستوقف الاتصالات حول حكومة وحدة.

أيد زعيم ائتلاف القائمة المشتركة أيمن عودة من جانبه المرشح غانتس، وقال في اجتماع بثه التلفزيون مع الرئيس ريفلين إن الناخبين المؤيدين للقائمة قالوا «لا» قاطعة لحكومة يمينية بزعامة نتنياهو. للعلم، إن الاصطلاح الوحيد الذي يتوجب التعامل فيه مع تقسيمة الأحزاب الصهيونية هو أحزاب متطرفة وأحزاب أكثر تطرفاً، ولا يجوز تقسيمها إلى يمين ووسط ويسار، فهذا تقسيم خاص بالدول العادية الأصيلة التي تطورت بصورة طبيعية، وليس في دولة اغتصابية إحلالية عنصرية تقوم بعملية ترانسفير لأهالي البلاد الأصليين.

ما نود تأكيده أن بعض أهلنا في المنطقة المحتلة عام 1948 يخطئون كثيراً في المشاركة في الانتخابات الصهيونية، فإلى جانب تأثيرهم الهامشي ودورهم الأقل من محدود في إنجاز أي هدف حقيقي كبير لشعبهم منذ دخول راكاح الكنيست الأول، فإن وجودهم يجري استغلاله لمصالح صهيونية دعائية والتبجح عالمياً وإقليمياً بـ«عدالة» إسرائيل، فالملاحظ أن كل الأحزاب الصهيونية المتطرفة والأكثر تطرفاً تستبعدهم من الائتلافات الحكومية، هذا ما عبّر عنه نتنياهو وغانتس وأفيغدور ليبرمان، مردّ ذلك إلى العنصرية المتفشية كوباء في هذه الدويلة، لذلك يتعاملون مع النواب العرب كـ «فيروس كورونا» أو كـ«مرض الجرب»، فما بالك بالأحزاب اليمينية الدينية المتطرفة والقومية العنصرية الدينية، التي ترى «أن العربي الجيد هو العربي الميت» كما يقول الحاخام كشتئيل، وأن العرب «ليسوا أكثر من أفاعي وصراصير» كما يرى رافائيل إيتان، وكما أصدر مجمع الحاخامات – السندهرين – من فتوى تجيز «قتل العرب حتى أطفالهم»… إلخ.

من هنا نسأل إخوتنا في أراضي الـ 48: أتستطيعون العمل وسط هؤلاء المستوطنين المتوحشين؟ أتذكرون كم مرة أُخرج كل واحد منكم بالقوة بأمر من رئيس الكنيست أثناء إلقائه خطابه! ثم إنه يتوجب على كل واحد منكم، وقبل أن يبدأ الكنيست عمله، أن يحلف يمين الولاء لدولة «إسرائيل» كدولة يهودية وديمقراطية! تعرفون بالطبع أن جميع القوانين العنصرية، بما فيها قانون القومية، جرى سنّها في الكنيست بوجود النواب العرب. وفي النهاية نسألكم ماذا تستفيدون؟ في الوقت الذي يستغل الكيان الصهيوني، العنصري حتى العظم والفاشي بامتياز، وجودكم للادّعاء بديمقراطية دويلته المغتصبة لوطنكم من أقصاه إلى أقصاه!

وحول تأليف الحكومة، هذا التحالف الشكلي الذي يعتمد عليه غانتس لا ولن يملك أوراق القوة لتأليف الحكومة، فليبرمان أعلن مراراً أنه لن يشارك في حكومة تحوي أحداً من القائمة العربية، حتى إن غانتس صرّح أكثر من مرة أنه لن يشرك أيّاً من القائمة العربية في حكومته، وما جمع الطرفين مع ليبرمان هو هدف إسقاط نتنياهو. لكن غانتس يحمل ذات التوجه في تطبيق «صفقة القرن» التصفوية، والاستيطان والعمل على ضم منطقة غور الإردن وشمال البحر الميت، والإبقاء على القدس عاصمة موحدة للكيان، وعدم الاعتراف بأيّ من الحقوق الفلسطينية، وهو كذلك يؤمن بمبدأ «الترانسفير» لأهلنا في المنطقة المحتلة عام 1948، وقد سبق للكيان طرح ترحيل (طرد) عرب منطقة المثلث ذات أكبر كثافة سكانية في الأراضي المحتلة عام 1948، إلى الضفة الغربية، وهو يؤمن كنتنياهو والأحزاب الصهيونية كافة بما ذكره إيلان بابيه في كتابه التطهير العرقي للفلسطينيين: بوضع أهلنا في منطقة 48 في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة، لدفعهم إلى الرحيل عن وطنهم على نحو ذاتي.

لعل البعض ينسى ولوج غانتس في استباحة الدم الفلسطيني! فأثناء رئاسته الأركان خاض حربين داميتين ضد غزة في عامي 2012 و 2014 أسفرت الأولى عن استشهاد 174 فلسطينياً وإصابة 1200 آخرين، أما حرب عام 2014 فقد استشهد فيها 2147 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 10 آلاف آخرين. غانتس مجرم حرب في حقه قضايا بارتكاب «جرائم حرب» في دول كثيرة، وشارك في غزو لبنان عام 1982. بالطبع، تعكس نتائج الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني توجه الشارع اليهودي نحو المزيد من اليمين والتطرف والفاشية. أجرت جريدة يديعوت أحرونوت عام 2018 استطلاعاً أثبت أن اليمين سيتزايد في الكيان عام 2025 وسيصل إلى ما نسبته 56 بالمئة بين اليهود. نتائج الانتخابات الأخيرة تعزز هذه الظاهرة. هذا لا يعني أن الـ ـ32 بالمئة الذين صوتوا للأحزاب الأخرى هم يساريون. علينا ألاّ ننسى أن عدد الفلسطينيين العرب في المنطقة المحتلة عام 1948 تساوي 21 بالمئة من سكان الكيان الصهيوني، كما أنه لا وجود فعلياً ليسار صهيوني حقيقي (الكلمتان أصلاً لا تجتمعان). أما حزب ركاح فمعظم أعضائه كانوا من اليهود في البداية، وكان يتحكم فيهم موقف الاتحاد السوفياتي الذي اعترف رأساً بإقامة دولة إسرائيل، وكان ذلك جزءاً من صفقة عقدت عام 1945 (4 – 11 شباط/ فبراير) في مؤتمر يالطا بين ستالين وروزفلت وتشرشل. وكان هذا المؤتمر هو الثاني بين ثلاثة مؤتمرات أساسية انعقدت وقت الحرب عُرفت باسم الثلاثة الكبار. فقد سُبق مؤتمر يالطا بمؤتمر طهران في تشرين الثاني/نوفمبر 1943 وتلاه مؤتمر بوتسدام في تموز/ يوليو 1945.

وها هي الحكومة الإسرائيلية اليوم تواجه مأزقاً آخر، فقد ووجهت وزارة الصحة الإسرائيلية بانتقادات شديدة لتقصيرها في مواجهة كورونا؛ فعدد الوفيات في إسرائيل سيصل إلى 621 شخصاً، في الوقت الذي وصل عدد المصابين إلى 743 شخصاً. وقدّر خبراء اقتصاد والقناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي أن وضع إسرائيل في حالة طوارئ في القطاع العام سيفاقم من الخسائر. وقدرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل ستخسر ثمانية مليارات شيكل (2.16 مليار دولار) حتى نهاية الشهر الجاري بفعل الإجراءات المتخذة لمواجهة الفيروس. لكن العدو لا يأخذ أي احتياطات لحماية معتقلينا في سجونه.

تبقى كلمة أخيرة أوجهها إلى أهلنا في المنطقة المحتلة عام 1948، أنتم يا من صمدتم في وجه أعتى اغتصاب كولونيالي إحلالي فاشي عنصري على مدى يزيد على سبعة عقود، وحافظتم عل فلسطينيتكم وعروبتكم الأصيلة رغم الاعتقال والقتل وهدم ما يقارب 500 قرية وبلدة عربية، والاستيلاء على 92 بالمئة من أراضيكم. يا من واجهتم وتحديتم الحكم العسكري حتى عام 1967 و42 قانوناً تمييزياً عنصرياً، كما ثبتتها منظمة «عدالة»- منظمة الدفاع عن حقوق عرب 48 – لقد هدف الكيان الصهيوني إلى «أسرلتكم» حتى ثقافتكم الفلسطينية العربية الكنعانية، ولكنكم وقفتم بالمرصاد لكل هذه المخططات الاقتلاعية. أدركُ أن جماهيرنا في منطقة 48 منقسمة حول المشاركة في الانتخابات في الكنيست بنسبة 50 بالمئة لكل طرف. أذكّر المنادين بالمشاركة بيوم 30 آذار/ مارس عام 1976 حين فتح الجيش الصهيوني النار على تظاهرتكم السلمية التي نظمتموها دفاعاً عن الأرض بعد مصادرة آلاف الدونمات من أراضينا، وسقط ستة شهداء سيظلون نبراساً مضيئاً لاستمرار نضالنا حتى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني. كيف يمكن هؤلاء الصهاينة القتلة أن يكونوا ديمقراطيين؟ يا أهلنا، يا من تشاركوننا النضال دوماً لأنكم جزء أساسي منا. ننحني إجلالاً لتضحياتكم كنتم… أنتم… وستظلون سند ثورتنا من أجل تحرير تراب وطننا الغالي، وشعبنا يناضل على مدى يزيد على قرن زمني، منذ بدايات الهجمة الاستيطانية الجماعية الفلسطينية بمساندة قوات ما سمي «الانتداب – الاحتلال». التحية لكم أهلنا… يا سندنا… يا أملنا الذي نراهن عليه في استعادة حريتنا وكامل وطننا. وفي النهاية أستذكر ما قاله شاعرنا الكبير محمود درويش في شهيدة يوم الأرض، خديجة قاسم شواهنة التي لم تبلغ حينها سوى 23 عاماً، واستشهدت ورفاقها برصاص الغدر:

أنا الأرض

والأرض أنت

خديجة! لا تغلقي الباب

لا تدخلي في الغياب

سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل

سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل

سنطردهم من هواء الجليل.

 

قد يهمكم أيضاً  التطبيع والمطبِّعون والمواجهة

من المواضيع ذات الصلّة  في المأزق الفلسطيني والمأزق الإسرائيلي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الكيان_الصهيوني #أزمة_كورونا_في_إسرائيل #الكورونا_في_إسرائيل #وباء_كورونا #الحكومة_الإسرائيلية #وجهة_نظر