لا توجد منطقة في العالم في مأمن من التحديات البيئية، لكن تلك التي تواجه الوطن العربي هي تحديات ذات طبيعة شديدة بشكل خاص، فرغم أن المنطقة العربية غنية ببعض الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، لكنها تواجه عجزاً خطيراً في موارد أخرى كالماء والأرض الزراعية اللازمة لدعم متطلبات النمو. وعند الأخذ في عين الاعتبار سياق التحولات الديمغرافية المتوقعة والنمو السكاني، والتدهور البيئي في الماضي والحاضر، إضافة إلى أثر العولمة والتبدل المناخي، فإن هذه العيوب تثير سؤالاً خطيراً: هل يمكن للموارد البيئية أن تدعم حياة الأجيال القادمة في الوطن العربي؟ كثيراً ما يُطرح هذا السؤال على المستوى العالمي مرتبطاً بانتشار التدهور البيئي ونضوب الموارد وانقراض الأنواع والتبدل المناخي، لكن المنطقة العربية قد تكون من بين المناطق الأولى في العالم التي تواجه السؤال بشكل مباشر نتيجة لطبيعتها البيئية الفريدة.

إن التحدي لا يتعلق بمجرد تحقيق التنمية المستدامة، وهو المفهوم الذي حظي بالاهتمام العالمي لأول مرة في لجنة برنتلاند، ثم لاحقاً[1] في قمة الأرض في ريو دي جانيرو في عام 1992‏[2] وبعد ذلك، شكَّل جزءاً من المرامي الإنمائية للألفية، وهو يدور حول البقاء والرخاء وجودة الحياة لنسبة كبيرة من سكان المنطقة.

أولاً: المقاربة

هناك طرق عديدة للتعاطي مع القضايا البيئية ومقاربتها، فمن الممكن النظر إلى التدهور البيئي على أنه فشل في «التنمية»، وعليه فقد يقارَب من هذه الزاوية. كما يتم التعاطي مع التحديات البيئية، بشكل متزايد، على أنها قضايا أمنية[3]، وهذا هو الحال في الأمن المائي، بشكل خاص، الذي يمكن أن يؤدي إلى صراعات وحروب في منطقة هي أصلاً منكوبة بالعنف السياسي. سنركز في هذه الدراسة على المشكلات والمحدِّدات والعواقب والاستجابات والآثار البيئية في الصحة العامة، وسنستخدم الإطار DPSIR (المحركات، الضغوط، الدولة، التأثير، الاستجابة)[4]بتصرّف، مع إدراكنا للانتقادات والبدائل[5].

يرتكز تحليلنا على الوقائع الإقليمية، فالوطن العربي يملك صورة بيئية فريدة، تعكس موارده الطبيعية ومميزاته، وتميزه من مناطق أخرى في العالم. وفي الوقت نفسه، فإن المنطقة تضم تنوعاً بيئياً مهماً (مثل تساقط الثلوج الموسمية على جبال لبنان والمغرب، وندرة المياه في بلدان الخليج وشمال الصحراء الأفريقية)، وإن استعراض النظام البيئي على صعيد المنطقة بكاملها يزوّد القارئ بمنظور أوسع. ومع ذلك، فقد حاولنا استعراض المميزات البيئية المختلفة التي تتمتع بها البلدان والأقاليم الفرعية المختلفة، إضافة إلى عدد من التحديات البيئية التي تعكس المحركات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة المؤثرة.

وقبل المضي قدماً، هناك نقطتان بحاجة إلى توضيح: النقطة الأولى، رغم أننا نركّز هنا على الروابط بين البيئة والصحة العامة، فإننا ندرك أن منظوراً أوسع حول البيئة يجب أن يتجاوز المقاربة التي تتمحور حول الأنثروبولوجيا، وندرك أن المحافظة على البيئة هو نفسه أمر حيوي وهدف أخلاقي لا يحتاج إلى مبرر. والنقطة الثانية هي أننا نكرس الاهتمام بالبيئة «الطبيعية» أكثر من البيئة «المبنية»، وأن البيئة المبنية ـ مثل الإسكان والتعرض للملوّثات والوصول إلى الإصحاح ـ ذات صلة وثيقة بالصحة العامة، وتحظى عادة باهتمام أكبر في البحوث والممارسة المتعلقة بالصحة العامة في المنطقة، لكنها تتطلب مراجعة متخصصة.

ثانياً: محركات التبدل والتدهور في البيئة

إن تقييم الظروف البيئية في المنطقة العربية وتأثيراتها في بحوث الصحة العامة وأعمالها يتطلب تفهماً جيداً لمحركات تدهور البيئة، إضافة إلى تلك التي تخلق فرصاً لعمل إيجابي في مجال البيئة والصحة العامة. وإن المحركات المختلفة عبر المنطقة تعكس صوراً سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة في بلدان وأقاليم فرعية مختلفة، بل أكثر من ذلك، فإن بعض المحركات الرئيسية مؤثرةٌ، وآثارها تعمّ المنطقة.

في القرن الماضي، ولا سيما في السنوات الخمسين الماضية، عانت المنطقة تغيرات اقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية عميقة، انعكست كلها في زيادة الضغوط على البيئة. إن تنامي اقتصاد النفط، وبخاصة منذ ازدهاره في سبعينيات القرن العشرين، كان له أثر عميق في المنطقة بأكملها. فقد حدث توافر متزايد للموارد والاستثمارات في وقت كانت فيه معظم البلدان العربية بحاجة إلى مثل هذه الموارد لغايات تنموية في مرحلة ما بعد الاستقلال. وفي البلدان الغنية بالنفط استُخدمت عائدات الموارد لتمويل مشاريع تنموية ضخمة، أما تلك غير المنتجة للنفط فقد اعتمدت على التحويلات النقدية إلى الوطن من العمال الذين يعملون في البلدان النفطية التي، بدورها، قدّمت المساعدات والاستثمارات، ودعمت المشاريع التنموية أيضاً. إضافة إلى ذلك، فإن المساعدات الدولية وسياسات الحرب الباردة قد أدت دوراً في هذا الأمر، مثل الدعم السوفياتي لمشروع السد العالي الضخم في مصر وسد الفرات في سورية.

لكن التنمية السريعة التي تلت لم تكن مراعية أو صديقة للبيئة بشكل خاص، فعلى سبيل المثال، ورغم ضعف القطاع الصناعي في المنطقة حالياً، فقد تحمّلت هذه المنطقة عبء الكثير من الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، وخاصة تلك المتعلقة بالبتروكيميائيات. لم تُعتبر الصناعات المعتمدة على النفط والغاز والصناعات المرتبطة بهما مستدامة بيئياً على المدى الطويل. وبشكل مشابه، ورغم أن البلدان استثمرت بشدة في الزراعة، فإن خيارات الاستثمار التي اتبعتها لم تكن مستدامة على المستوى البيئي، ولم تكن تدار من أجل جلب الأمن الغذائي إلى الوطن العربي.

لقد أسفرت زيادة الثروة وتوافر المزيد من الموارد للبرامج الاجتماعية والصحية عن تحسن متوسط العمر المتوقع والنمو السكاني المتسارع، والتحول نحو أنماط الحياة المرتكزة على الاستهلاك. كل هذه التغيّرات، مقرونة بثقافة عامة ضعيفة بحماية البيئة، كانت لها آثار بيئية ضخمة. وكما في بقية أرجاء العالم، فقد أصبحت المدن محركات لدفع النمو الاقتصادي، مُحْدِثةً زيادة في الفروق الريفية ـ الحضرية في الفرص والتحضُّر غير المسبوق (الذي لا يخضع للمراقبة إلى درجة كبيرة)[6]، الأمر الذي أدى إلى الضغط على الموارد الطبيعية والمرافق البيئية (الماء، الإصحاح، تدبير الفضلات الصلبة)[7]، وأدى إلى ظهور العشوائيات التي لم تكن معروفة سابقاً في الوطن العربي، مع آثار مهمة في الصحة العامة. فعلى سبيل المثال، يعيش 1.1 مليون شخص تقريباً في القاهرة «في مناطق غير آمنة» أو محفوفة بالمخاطر[8].

وقد كان للصراعات في المنطقة (حروب، احتلال، نزاع أهلي) آثار ضخمة في البيئة والصحة العامة، حيث يمكن للحرب أن تخرب النظم البيئية. على سبيل المثال، أدت عمليات القصف الإسرائيلي لمرفق لتخزين المواد البتروكيميائية في حرب تموز/يوليو عام 2006 في لبنان إلى تسرب نفطي ضخم في البحر الأبيض المتوسط، وأدى استخدام القنابل العنقودية إلى جعل الكثير من الغابات والمراعي في الجنوب غير آمنة، ولا يمكن الوصول إليها غالباً. كما أن التجفيف المتعمّد للمستنقعات الجنوبية في العراق من قبل نظام صدام حسين أثناء مطاردته للمتمردين بعد حرب الخليج الأولى أحدث دماراً هائلاً لَحِقَ بالنظام البيئي الثمين والهشّ، ناهيك باستخدام اليورانيوم المُنَضَّب من قبل القوات الأمريكية في الحرب نفسها الذي أدّى إلى تلوّث إشعاعي دائم. بتعميم أكثر، إن الحروب الأهلية في العراق ولبنان أدت إلى تدهور البيئات الحضرية، وغيّرتها بشدّة في الكثير من المدن المصابة، ويأتي ذلك جزئياً نتيجة الأولويات التي أعطيت للأمن على حساب اعتبارات أخرى. وما يمكن أن يكون أكثر ضرراً هو الطريقة التي تحطِّم فيها النزاعات قدرة البلدان على وضع الأولويات والتخطيط بشكل استراتيجي، حيث تستهلَك الموارد لتلبية الطوارئ الصحية والاقتصادية والاجتماعية، في حين يتفاقم تدهور البيئة، الأمر الذي يزيد العبء الاقتصادي ـ الاجتماعي الإجمالي.

وفي حين أَمْلَت ديناميات المنطقة أنماطاً نوعية من تدهور البيئة، فإن المحركات العالمية يمكن أن يكون لها القدر نفسه من الأهمية، إذ إن الأنماط الدولية للتجارة والصناعة ومتطلبات الطاقة وإمداداتها، والتلوث الواسع النطاق مثل الاحترار العالمي، هي محدّدات مهمة للديناميات البيئية في المنطقة. فقد كان للاحترار العالمي عواقب رهيبة، بخاصة في هذا الجزء القاحل والجاف من العالم. ومن ناحية أخرى، فإن تنامي الضمير العالمي المهتم بالتهديدات التي تواجهها استدامة البيئة، وضغط الوكالات الدولية من أجل جلب الانتباه إلى هذه التهديدات، تظهر حالياً على استحياء في المناقشات الإقليمية[9].

إن الكثير مما يحدث للبيئة يتعلق بمن يمتلك القدرة على التأثير في السياسات البيئية، ويؤثر في الممارسات على أرض الواقع، وبشكل خاص في عصر هيمنة الإطار الاقتصادي لليبرالية الجديدة. فيمكن للسياسات أن تسهِّل أو تخفِّف أثر المحرِّكات والعمليات البيئية المختلفة، لكن البيئة لم تحظ بمكانة مرموقة في البرامج السياسية، وبالتالي لم تحظ بها في السياسة العامة. لذا، فإن الميزانيات المخصصة لحماية البيئة في المنطقة لم تتجاوز 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في أفضل الحالات، بل أكثر من ذلك، فإن الوكالات البيئية الموجودة ذات فعالية محدودة، وليس لديها تفويض لإصدار التشريعات[10]. وبوسعنا أن نقول إن التركيز على النمو الاقتصادي وتأثير المصالح الخاصة قد أخّرا النهضة البيئية عند الحكومات العربية، لكن هناك علامات على أن الوضع يمكن أن يتغير.

إن التداخل المعقّد للمحرِّكات المختلفة التي بُحثت آنفاً يجعل من الصعب جداً، بل ربما من المستحيل، عزل وتجسيد تأثير أي محرك أو مجموعة محركات في الحالة البيئية، وهذا مجال مهم للبحوث البيئية مستقبلاً. مع ذلك، ومهما كانت المحركات مؤثرة، يمكننا تمييز ثلاث عمليات رئيسية أثّرت فيها تلك المحركات بيئياً وسوف تستمر في التأثير، وهذه العمليات تتضمن ما يلي:

1 ـ نضوب الموارد وندرتها، وهي عادةً بسبب الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، الأمر الذي يذكّرنا بالأنماط الموجودة في البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل، والتي تزداد سوءاً بتأثير تغيّر المناخ العالمي.

2 ـ تزايد النزعة الاستهلاكية، ويذكّرنا ذلك بالأنماط الموجودة في البلدان المرتفعة الدخل، مع تطور مفرط وتزايد استخدام الطاقة والموارد وتدهور البيئة التالي لذلك.

3 ـ خراب وتدهور البيئة المباشر المرتبط بالنزاعات أو الفساد أو الاستخدام من دون تحمل المسؤولية.

إن هذه العمليات متداخلة وهي تأخذ مجراها عبر المنطقة، ولو بدرجات متفاوتة في مختلف البلدان والأقاليم الفرعية. على سبيل المثال، إن النزعة الاستهلاكية المتزايدة سائدة في بلدان الخليج بشكل خاص، وهي لديها بالفعل موارد طبيعية قليلة عدا النفط والغاز، بينما النزعة الاستهلاكية المتزايدة في لبنان، أُضيفَت إلى تحديات الاستخدام المفرط المتسارع للموارد الطبيعية الوافرة، والآثار البيئية للحروب الكثيرة والنزاع الأهلي المتكرر[11].

ثالثاً: الظروف البيئية وتحديات الاستدامة والصحة العامة

نقدم هنا مراجعة محدودة للظروف البيئية، ونحيل القارئ على تقارير حديثة شاملة اعتمدت عليها هذه المراجعة بشدّة[12].

1 ـ ندرة المياه والحصول على المياه والإصحاح

تعتبر ندرة المياه مَلْمَحاً بيئياً مميِّزاً للمنطقة[13]، فقد أدت عوامل مختلفة إلى نقص في حصة الفرد السنوية من الماء المتجدّد العذب من 3500م3 في عام 1960 إلى 1000م3 حالياً (مقارَنة بالمتوسط العالمي المقدر بـ 7240م3)، وهو مستوى يُعبر عن فقر مائي، وسوف ينخفض أكثر من ذلك ليصل إلى 740م3 بحلول عام 2015، وإلى 550 م3 في عام 2050. وهناك خمسة بلدان فقط، هي السودان وسورية والعراق والمغرب ولبنان، لديها موارد مائية عذبة كافية للتوسع في الزراعة، بينما تعاني بقية المنطقة شحّاً[14].

وقد أحسنت بعض البلدان، وخصوصاً مصر وسورية، في إعادة استعمال مياه الصرف الصحي، ففي حين استعملت مصر 5228 مليون م3 في عام 1999، استعملت سورية 1200 مليون م3‏[15]. وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على محطات تحلية لتأمين 79 بالمئة من حاجاتها من الماء العذب[16]، بعد أن كانت 65 بالمئة في عام 2000 [17].

تزداد هذه النسبة المئوية مع زيادة الحاجة، مسبّبة تنامي الاهتمامات المتعلقة بالطاقة والبيئة والاقتصاد. ومن السهولة تفهُّم الآثار الأمنية المترتبة على ندرة المياه، إذا علمنا أن 81 بالمئة من الإمدادات الإقليمية تأتي من مصادر سطحية، وأن 66 بالمئة من هذه المصادر هي أنهار تنبع من خارج المنطقة، وأنها غير مغطاة بمعاهدات دائمة تضمن تشاركاً عادلاً في الموارد. إن هذه الحالة تضع المنطقة العربية ضمن المناطق الأقل أمناً مائياً في العالم[18].

كما أن إنتاج الغذاء يمثل تحدياً خاصاً لكل من إدارتي الموارد المائية والبرية، إذ تستهلك الزراعة 88 بالمئة من الماء، مع أن الإنتاجية محدودة، لا تسمح للمنطقة بالوصول إلى الأمن الغذائي. وإن الحصول الآمن على الماء والإصحاح ما زال يشكّل تحدياً (الشكل الرقم (1))، فحوالى 83 مليون شخص يفتقدون طرق الحصول الآمن على الماء، لكن هذه المعدلات أظهرت تحسناً متفاوتاً بين عامي 1990 و2002 (86.7 بالمئة لسكان الحضر، و72 بالمئة لسكان الريف). وإن حوالى 96 مليون شخص يفتقدون إصحاحاً ملائماً، يعيش معظمهم في بلدان منخفضة الدخل أو بين المحرومين في البلدان الأغنى. وإذا لم تعالج هذه المشكلات، فإن معدلات الحصول على الإصحاح سوف تستمر بالانحدار في المستقبل، مع آثار عميقة في الصحة العامة والعافية والعدالة والإنجاز الاقتصادي[19].

2 ـ الموارد الأرضية

هناك حوالى 90 بالمئة من الأراضي في المنطقة العربية قاحلة، مع معدل هطول أمطار سنوي أقل من 250 مم (المجال 50 ـ 500 مم). وقد شكّلت عوامل مختلفة، تتضمن النمو السكاني والسياسات الاقتصادية وتبدل العادات الاستهلاكية، ضغوطاً هائلة على الأرض في السنوات الخمس والعشرين الماضية، التي أدت، مقرونة بتأثيرات الاحترار العالمي[20] إلى تردّي 68.4 بالمئة من إجمالي الأراضي[21].

ويعزى حوالى 98 بالمئة من التردّي إلى أنشطة بشرية. وتشكل الأراضي المنتجة للغذاء 14.1 بالمئة، منها 5.1 بالمئة جاهزة للزراعة (المتوسط العالمي 11.5 بالمئة)، وهذا يمثل تراجعاً بحوالى 72 بالمئة عما كانت عليه عام 1980. كما أن التردّي شديد بشكل مماثل في أراضي الرعي الضعيفة التي تمثل 33 بالمئة من المساحة الإجمالية في الوطن العربي. إن عوامل مختلفة، بما فيها الحراثة والرعي المفرط، قد أثرت في هذه النظم البيئية، مؤدية إلى تدهور التربة وتصحرها، فقد انخفضت حصة الفرد من أراضي الرعي بمقدار 33 بالمئة بين عامي 1980 و2005. كما أن في المنطقة العربية غابات محدودة، وتشكّل حالياً 6.4 بالمئة فقط من إجمالي اليابسة (المتوسط العالمي 30.3 بالمئة)، ثلاثة أرباعها في السودان. كما أن فقد الغابات ليس أقل أهمية من ندرتها أصلاً، حيث فقد 34 بالمئة منها خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة[22].

الشكل الرقم (1)

إتاحة الإصحاح في البلدان العربية ما بين عامي 1990 و2006

النسبة المئوية للسكان الذين يحصلون على خدمات صحية محسنة

المصدر: United Nations Environment Programme (UNEP), Environment Outlook for the Arab Region: Environment for Development and Human Well-being (Nairobi, Kenya: UNEP, 2010).

ويأخذ تردّي التربة أشكالاً عديدة تتضمن الملوحة، والانحسار، والتصحر، وفَقْد الموائل (المَواطن البيئية)، وضياع التنوع الحيوي. ويجسِّد التصحّر بشكل جيد خطورة المشكلات البيئية في المنطقة، حيث أثّر في 68 بالمئة من إجمالي اليابسة، ويهدد 20 بالمئة أخرى منها في المستقبل[23].

3 ـ التنوع الحيوي وموارد الرزق

يواجه التنوّع الحيوي في المنطقة تحدي التخريب والتدهور المتفاقمين لكل من الموائل البحرية والبرية. وتشكل المناطق المحمية حالياً أقل من 5 بالمئة من إجمالي اليابسة، وذلك أقل من المتوسط العالمي بشكل واضح (13 بالمئة)، حيث يهدد الانقراض 1084 نوعاً (24 بالمئة من الأسماك، و22 بالمئة من الطيور، و20 بالمئة من الثدييات)[24].

ولهذه الحالة غير المسبوقة آثار عميقة في موارد الرزق والاستدامة والصحة العامة. لقد تكيّفت الكثير من النظم البيئية في المنطقة بالفعل مع الندرة والجفاف. وباتت المحاصيل المحلية والأراضي مقاومة للأمراض وللإجهاد غالباً. مع ذلك، فإن الموائل والأنواع في مثل هذه البيئة أكثر ما تعيش قريباً من نقاط التغيّر الذي لا يقبل التراجع في البيئة (درجة الحرارة، توافر الماء، مغذيات التربة… إلخ). ويُعدّ شمال أفريقيا واحداً من النقاط الساخنة الخمس والعشرين الأولى للتنوع الحيوي العالمي، ومن المناطق الأقدم والأغنى في العالم من حيث تقاليد استخدام النباتات الطبية. ويمكن أن تفاقم خسارة التنوع الحيوي انعدامَ الأمن الغذائي، وتضعف الأساس البيئي للصحة العامة. وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار الأهمية المتزايدة للتنوع الحيوي في الاقتصاد العالمي، حيث يعتمد 40 بالمئة من الأنشطة الاقتصادية على منتجات وعمليات حيوية، فإن الكثير من فرص التنمية المستدامة سوف تُفقد في هذه المنطقة إذا استمرت مخاطر الانقراض الحالية[25].

4 ـ جودة الهواء والغازات المسبّبة للاحتباس الحراري

إن تدهور جودة الهواء في مدن الوطن العربي موثّق بشكل جيد، حتى إنه أصبح يشكّل تحدياً رئيسياً. فمع التملّك المرتفع للسيارات الخصوصية[26]، صار النقل مصدراً رئيسياً للانبعاثات، حيث يساهم في 90 بالمئة من مجمل كمية أحادي أكسيد الكربون. ويعتبر إنتاج الطاقة واستهلاكها من الوقود الحجري/الأحفوري مصدراً رئيسياً لثنائي أكسيد الكربون الذي ازدادت انبعاثاته بمقدار 15 بالمئة بين عامي 1990 و2003، بسبب زيادة الأنشطة الصناعية والتنموية بشكل رئيسي. وتنتج الأنشطة الصناعية المختلفة ملوّثات وغازات أخرى كثيرة مسبّبة الاحتباس الحراري. وإجمالاً، تساهم البلدان العربية بـ 4.7 بالمئة من الانبعاثات العالمية للغازات المسبّبة للاحتباس الحراري. وتؤدي الرمال الموسمية والعواصف الغبارية دوراً أساسياً في نقل ونثر الملوّثات الهوائية المختلفة عبر البلدان وضمنها، الأمر الذي يزيد من التشديد أكثر على الحاجة إلى مقاربات شاملة للمنطقة[27].

5 ـ الفضلات الصلبة

ازدادت الفضلات الصلبة في البلدية منذ عام 1970 بمقدار 900 بالمئة (من 4.5 مليون طن/السنة إلى 81.3 مليون طن/السنة حالياً) ويتوقع أن تزداد إلى أكثر من 2200 بالمئة (لتصل إلى 200 مليون طن/السنة) في عام 2020، وهذه مشكلة كبيرة عند أخذ عجز أنظمة معالجة الفضلات الحالية عن تلبية المتطلبات في عين الاعتبار، حيث يعالَج 20 بالمئة فقط من الفضلات المتولّدة بشكل ملائم، ويُعاد تدوير أقل من 5 بالمئة منها. ويعالج بعض البلدان أكثر من 50 بالمئة من هذه الفضلات، إضافة إلى الطبية والصناعية منها، بطرق بدائية، مثل التفريغ في مكان مفتوح والحرق المفتوح[28].

وتثير المعالجة الخطرة (1.6 إلى 3.2 بالمئة من الفضلات الصلبة البلدية) المزيد من المشكلات والمخاطر. وقد أحرز بعض البلدان تقدماً في وضع أطر قانونية لإدارة النفايات بشكل ملائم[29]، ومع ذلك، يبقى هذا استثناءً أكثر من كونه القاعدة.

6 ـ الظروف البيئية والأقاليم الفرعية: بلدان الخليج مثالاً

من غير الممكن، في هذا الحيِّز الضيق، أن نأخذ بالحسبان الاختلافات الملحوظة في الظروف البيئية، والتحدّيات بين مختلف الأقاليم الفرعية والبلدان والمحليات، مع أن فهم هذه الاختلافات له آثار عميقة في العمل في المنطقة، كما سنبيّن ذلك لاحقاً، وفي الحلول الخاصة بكل مكان أو بلد على حدة. فعلى سبيل المثال، إن النمو السكاني السريع في الاقتصادات الغنية لبلدان الخليج، الناجم غالباً عن العمال المهاجرين والتطور الاقتصادي المتسارع، أدّيا إلى مجموعة كبيرة من التحدّيات، تتضمن تخريب النظم البيئية البحرية والساحلية، وإنتاجاً واسعاً للفضلات الصلبة المرتبطة بالهدم والبناء، وانبعاثات كبيرة لغازات مسبّبة للاحتباس الحراري، تصل إلى 50 بالمئة من غازات المنطقة[30]، إضافة إلى المشكلات المزمنة، مثل تدهور اليابسة، وانعدام الأمن الغذائي، والنقص الخطير في المياه، المؤدي إلى الاعتماد على توليد المياه من خلال التحلية.

وغالباً ما تحاول هذه البلدان تخفيف آثار الاتفاقات الدولية حول إنقاص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الأمر الذي يزيد من بصماتها البيئية أكثر. ومن ناحية أخرى، فقد سنَّ بعض هذه البلدان حديثاً سياسات ومشاريع بيئية، مثل «مدينة مصدر»، التي يُتوقع أن تصبح المدينة الأكثر اخضراراً في العالم، قرب أبو ظبي، وقوانين الأبنية الخضراء في دبي في الإمارات العربية المتحدة[31].

7 ـ آثار تدهور البيئة وندرة الموارد في سبل العيش والصحة العامة

بينما يبدو المستقبل كئيباً إن لم تعالج المشكلات البيئية الحالية، فإننا، بالفعل، بدأنا نعاني آثار هذه المشكلات منذ الآن. وللتعبير عن ذلك بمصطلحات اقتصادية، فإن تكلفة تدهور البيئة مقدرةً بنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي هي 2 ـ 5 بالمئة (في الجزائر 3.6 بالمئة، وفي مصر 4.8 بالمئة، وفي لبنان 3.4 بالمئة، وفي المغرب 3.7 بالمئة، وفي سورية 3.5 بالمئة، وفي تونس 2.1 بالمئة)، ويُقدَّر أن هذه الأرقام أعلى بمقدار 1.5 ـ 2 ضعف من تلك الموجودة في البلدان الصناعية[32]. إن العبء الأقل في تونس قد يعكس إنجازاً بيئياً أفضل بشكل عام، بحسب ما هو موضَّح في المؤشرات الدولية التي ستُبحث لاحقاً.

تبلغ تكلفة الضرر الذي يلحق بالبيئة في العالم حوالى 0.5 ـ 1.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي[33]، علماً أن هذه الأرقام قد تقلل من التكاليف الحقيقية، لأنها تستند إلى دراسات أجريت في ستة بلدان فقط في أواخر تسعينيات القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة. وثمة مصدر محتمَل آخر للتقدير الأقل، هو المنهجيات ومصادر البيانات. وتُقدَّر التكاليف عادة لثلاثة أنماط من الفقدان، وهي:

أ ـ فقدان الحياة الصحية، ويقدر بأنه يساهم في 60 ـ 65 بالمئة من التكاليف الإجمالية.

ب ـ الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انخفاض قيمة الموارد الطبيعية وتراجع السياحة الدولية.

ج ـ فقدان الفرص البيئية وتكاليف إعادة التأهيل لعكس أو لتصحيح التدهور البيئي.

إن غياب المراقبة المنظَّمة وقصور أنظمة التبليغ عن البيانات في هذه المناطق، بما في ذلك عبء المرض واعتلال الصحة، قد يقلل إلى حدّ كبير من تقدير الخسائر والتكاليف المرافقة.

تعتبر الروابط بين البيئة والصحة معقّدة، مع وجود مسارات متعددة الأسباب والنتائج، يمكن أن تُستعرض ضمن أطر مختلفة[34]. وتراوح هذه الأطر، على سبيل المثال، بين النظرة الأكثر تركيزاً على عبء المرض الناجم عن تعرّضات بيئية نوعية، أو النطاق الأوسع لمقاربة النظم البيئية للصحة والبيئة (يشار إليها أحياناً بالصحة البيئية). إن أسلوب الصحة البيئية يبحث، إضافة إلى التأثيرات السلبية، في الآثار الصحية الإيجابية لبيئات فضلى، ويَنظر إلى مسارات متعددة بدلاً من أن ينظر إلى عوامل خطر مفردة، كما ينظر إلى نتائج المرض.

على أي حال، فإن البيانات والبحوث في المنطقة العربية تقع ضمن الإطار الأول أكثر منها ضمن الإطار الأخير. ومع أنه لم تُجْرَ مراجعة منهجية للتعرّضات المختلفة ونتائج الأمراض، لكن يُقدَّر أن حوالى 25 بالمئة من عبء المرض على الصعيد العالمي ينجم عن تعرُّضات بيئية، وأن عبء المرض المرافق لتدهور البيئة والمقدَّر كنسبة مئوية من العبء الإجمالي يختلف عبر المنطقة (الشكل الرقم (2))، حيث يكون العبء الأعلى في البلدان الأشد فقراً.

الشكل الرقم (2)

العبء البيئي للمرض (النسبة المئوية من عبء المرض الإجمالي) في البلدان العربية

المصدر: «Environmental Burden of Disease: Country Profiles» World Health Organization (WHO), (2007),  <http://www.who.int/quantifying_ehimpacts/countryprofiles/en/>.

ومن منظور العدالة، فإن البلدان الأفقر والفئات الضعيفة من السكان في كل بلد (حوالى 60 بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر)[35] تعاني أكثر من غيرها عبء الأمراض المرتبطة بالبيئة. كما أن الأمراض المنقولة بالماء التي تنجم عن تدني جودة مياه الشرب المحفوفة بالمخاطر، وعن الإصحاح السيئ والممارسات غير الصحية، هي مساهِمات رئيسية في عبء المرض والوفاة، وبخاصة في البلدان الأفقر، كجزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والصومال واليمن، حيث تسبّب أمراض الإسهال وحدها ما يقدر بـ 16 ـ 19 بالمئة من الوفيات بين الأطفال[36].

ويمكن عزو حوالى 36 بالمئة من عبء الملاريا إلى تدهور البيئة (السياسات والممارسات الخاطئة حول استخدام اليابسة وإزالة الأحراج وإدارة الموارد المائية ومواضع السكن). وهذا العبء يتركّز مرة أخرى في البلدان الأكثر فقراً، كموريتانيا والصومال والسودان واليمن (التي تشكل 98 بالمئة من الحالات المبلّغ عنها). وتبلغ معدلات وفيات الأطفال نتيجة الملاريا في هذه البلدان نسباً مرتفعة[37].

ويمثل التغيّر المناخي مجموعة جديدة من التحدّيات الصحية للمنطقة، وهو أكثر وضوحاً في البلدان الأفقر[38]. وتشير الأدلة إلى خطر انتشار الأمراض الحاصلة بالنواقل، مثل الملاريا والبلهارسيا في مصر والمغرب والسودان، وزيادة الإصابات بالحساسية والأمراض الرئوية في لبنان والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وتفاقم الآثار الصحية الناجمة عن موجات الحرارة في البلدان ذات المناخات الحارة.

رابعاً: إطار السياسات للعمل البيئي

وقَّعت البلدان العربية منذ عام 1986 عدة اتفاقيات حول البيئة والتنمية، وتبنّت برنامجاً إقليمياً للعمل حول التنمية المستدامة في عام 1992 بعد قمة ريو. وفي عام 2002، وتحت راية جامعة الدول العربية، التزمت مختلف البلدان بـ «مبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية» الهادفة إلى تطوير استراتيجيات تستهدف بلوغ المرمى السابع من المرامي الإنمائية للألفية حول الاستدامة البيئية[39]. ولدى معظم هذه البلدان الآن استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة، لكن إدراج هذا المفهوم في عملية صنع القرار والإدارة والممارسات اليومية، ووضعه موضع التنفيذ العملي، ومن ثم لمس تأثيراته في أرض الواقع، يختلف بحسب هذه البلدان، فهو ضعيف في تلك التي تشهد مستوى مرتفعاً من عدم الاستقرار السياسي والأمني بشكل خاص.

وبما أن العمل البيئي يتم على مستويات كثيرة، فإن تفهم التحدّيات المختلفة في الأقاليم الفرعية والبلدان وحتى المحليات المختلفة، يجب أن يشكّل الأساس للعمل، خاصة ضمن إطار من التنسيق أو التعاون أو التكافل أو التكامل في المنطقة. على سبيل المثال، فإن المعدلات المختلفة من تردّي التربة (35.6 بالمئة في بلدان المشرق، مقابل 89.6 بالمئة في شبه الجزيرة العربية) تثير أهمية المحافظة على الأراضي في البلدان الغنية بها، مثل مصر والسودان وسورية وتونس، لتحسين فرص الأمن الغذائي لكامل المنطقة. إن الاعتماد على المحاصيل الموجّهة إلى التصدير، التي تسبّب تدهور التربة، وعلى المحاصيل التي تستهلك كمية كبيرة من الماء، مثل القطن، في بعض هذه البلدان، مثل مصر وسورية، لاستجلاب العملة الأجنبية قد ساهم في تدهور الأراضي، وكان لهذا الأمر تأثيرات على امتداد المنطقة يجب أن تعالج من خلال عمل يغطي المنطقة بكاملها ويستهدف تأمين الموارد لحماية البيئة.

ومن خلال كل الأعمال التي استهدفت إعداد الأطر الإقليمية والاستراتيجيات الوطنية للتنمية المستدامة، ظهر إدراك واسع النطاق بأن العمل في شؤون البيئة عموماً، وفي إطار السياسات، والقدرات التقنية، ومؤسسات الدولة المعنية بالعمل البيئي، لا تزال ضعيفة[40]. فقد عولجت وظائف الصحة والبيئة والتنمية والاقتصاد بشكل منفصل في معظم البلدان من قبل وزارات ومؤسسات عديدة بدلاً من أن تعالج بطرق متكاملة لضمان الاستدامة. كما أن المؤسسات البيئية الوطنية ووزارات البيئة هي حديثة التشكل وقليلة التمويل، وأضعف كثيراً من باقي الوزارات الاجتماعية والاقتصادية، ولها صلاحيات وقدرات محدودة من أجل القيام بالتغيير المطلوب. إن أنشطة بناء القدرات على صعيد المؤسسات بغية استدامة البيئة مستمرة منذ قمة ريو في عام 1992 مع نتائج متواضعة. كما أن العديد من المشاريع المشتركة بين الوكالات الدولية والوزارات توظف مستخدمين متعاقدين، يغادرون الوحدات الحكومية بعد اكتمال المشروع، الأمر الذي يضعف استدامة مثل هذه المشاريع. لذلك تختلف القدرات اللازمة لتقييم الأثر البيئي في ما بين البلدان، ولم تكن جهود منظمة الإسكوا في الأمم المتحدة في هذا المجال في البلدان الأعضاء ناجحة.

إن الإطار القانوني لحماية البيئة، ناهيك بالاستدامة، ما زال ضعيفاً عربياً؛ فالتشريعات البيئية لا يتم إعدادها بشكل جيد، ويغلب أن تكون استجابة لأضرار بيئية، وليست استباقية وذات رؤية مستقبلية. ثم إن القوانين لا تنفّذ بشكل جيد، كما أن غياب المراقبة والتبليغ المنتظمين وغياب سلطات الجهات الفاعلة السياسية والاقتصادية يزيد من تقويض إنفاذ القانون. وتتم تسوية العديد من القضايا البيئية في المحاكم المدنية والتجارية التي لا تفهم خطورة التدهور البيئي.

ليست عملية وضع الأولويات البيئية استراتيجية بالضرورة، حتى وإن وجدت استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة. إن مصالح الفئات السياسية والمستثمرين، وتوافر تمويل المشاريع والقروض، ومشاريع الأمم المتحدة المحدّدة على الصعيد العالمي، والنواتج المباشرة القصيرة الأمد، والمنافسة الشديدة بين قطاعات التنمية المختلفة، تؤثر في وضع الأولويات، كما أن العديد من المشاريع المختارة قد تكون محدودة التأثير في التكلفة العالية للتدهور البيئي وعبء الأمراض المنسوبة إليه والتقدم نحو التنمية المستدامة.

خامساً: الأطراف الفاعلة التقليدية والجديدة في البيئة

مع بقاء الدولة الطرف الفاعل الرئيسي المسؤول عن استدامة البيئة، ظهرت أطراف فاعلة أخرى تدعو إلى قوانين وسياسات أكثر صرامة وأفضل تنفيذاً، تتحدّى الدولة بها وتحمِّلها المسؤولية. فعلى المستوى العالمي، دفعت وكالات الأمم المتحدة الحكومات إلى الاستجابة لمشكلات البيئة التي يساهم المجتمع المدني محلياً في أساليب مبتكرة للتعامل معها. كما أن الكثير من المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية على امتداد المنطقة تخصّص موارد لتعزيز الوعي البيئي والدعوة إلى التغيير البيئي، وتنفيذ مشاريع إيضاحية حول استدامة البيئة. وبعض هذه المنظمات غير الحكومية، وبخاصة المحلية منها، مقيدة ضمن حدود الموارد المالية والبشرية، كما أن غياب المساءلة والمسؤولية الحكومية يضعف من تأثيرها. ويمكن أن يكون نقد السياسات البيئية للحكومة خطِراً إذا تجاوزت المنظمات غير الحكومية الخط الأحمر وهدّدت أصحاب النفوذ القوي. ومن غير المستغرب أن يكون العمل السياسي البيئي ضعيفاً حتى الآن، ضمن البيئة السياسية الحالية للوطن العربي. وكحالة استثنائية، فإن لبنان الآن هو موطن لثلاثة أحزاب سياسية بيئية، وبغضّ النظر عن دوافعها وأثرها الحالي، الذي لا يزال ضئيلاً، فإن مجرد تأسيس مثل هذه الأحزاب يحمل أملاً لعمل بيئي مستقبلاً.

هل تعمل مختلف الأطراف الفاعلة بعضها مع بعض؟ تشير خبراتنا إلى أن الأمر ليس كذلك عادة. هذا السؤال وغيره من الأسئلة المرتبطة بفرص وأطر العمل المشترك هي أسئلة بحثية واضحة الأهمية. ومهما كانت الأجوبة، فإن خطورة التحديات البيئية تشير إلى أنه على الجهات الفاعلة المختلفة، بما في ذلك الصحة العامة، أن تعيد دراسة أدوارها. وسوف نأخذ هذه المسألة في عين الاعتبار لاحقاً.

دعم البرامج البيئية

لقد نفَّذت البلدان العربية، منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، أو هي بصدد تنفيذ، مشاريع مختلفة، تهدف إلى حماية واستدامة البيئة. ويلقى الكثير منها دعماً من المنظمات الدولية، بما في ذلك مرفق البيئة العالمي، وهو مؤسسة مشتركة بين مختلف البلدان، أسست في عام 1991 لدعم الجهود البيئية حول القضايا البيئية العالمية، كما أنشئ مرفق البيئة العربي في عام 2007 للغاية نفسها. وقد وضع مرفق البيئة العالمي قائمة بـ 169 مشروعاً وطنياً في 15 بلداً عربياً، بتكلفة إجمالية تقترب من ملياري دولار أمريكي، يساهم مرفق البيئة العالمي بـ 19 بالمئة منها (GEF Project Database) (2011)، تستأثر مصر وحدها بـ 51.3 بالمئة من هذه التكاليف والمغرب والأردن وموريتانيا بـ 35.8 بالمئة أخرى.  كما تجمع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية أموالاً من موارد وطنية، وتتلقى دعماً للمشاركة في المشاريع البيئية الإقليمية والعالمية، ويوفر عدد من البلدان برامج منح صغيرة لدعم المشاريع والبحوث البيئية. وهذا يعني أن الجهود قد تلقت دعماً لوجستياً ومالياً، وأن هذا الدعم لا يزال متوافراً حالياً من خلال آليات مختلفة.

والسؤال الأكثر صعوبة يرتبط بتأثير واستدامة هذه المشاريع، فرغم أن بعضها تلقّى تقييماً نال رضا الأطراف المعنية، فإن المتابعة الطويلة الأمد لا تجرى عادة. ومن غير المعروف ما إذا كانت المشاريع البيئية المختلفة قادرة على إزاحة العوامل المحركة لتدهور البيئة والإجهاد الواقع عليها. ولم نطَّلع على دراسات طولية أو دراسات لنماذج للإجابة عن هذا السؤال، لكن هناك طريقة غير مباشرة للإجابة، وهي الاطلاع على أداء البلدان العربية بشأن مؤشرات الاستدامة البيئية خلال السنوات التي شاركت فيها هذه البلدان في مشاريع كهذه.

سادساً: أمثلة عن برامج وأنشطة بيئية

عادة ما يتم التصدّي للتحديات البيئية من خلال العمل على عوامل الإجهاد البيئي (مثل ندرة المياه)، والتعرّض للخطر (مثل تلوّث هواء المدن)، والنتائج الصحية (مثل الأمراض المنقولة بناقل)، أو النظم البيئية (مثل الأنظمة البيئية البحرية المشتركة)، ولا تتعارض هذه المقاربات بعضها مع بعض. وسنقدم أمثلة قليلة فقط، بسبب ضآلة المساحة المتاحة لذلك.

1 ـ تحديات التصدّي لندرة وجودة المياه

لقد لفتت المياه الانتباه بشكل كبير كقضية شديدة الأهمية ذات آثار أمنية مهمة، ابتداءً من مشاريع تحدِّدها الأمة، مثل السد العالي في مصر، مروراً بتعاون إقليمي حول التشارك في المياه، وصولاً إلى برامج محلية حول زيادة إنتاجية المياه. وتعتبر الإدارة المتكاملة للموارد المائية مقاربة أساسية لندرة المياه في المنطقة[41].

كما أن مختلف البلدان هي في مراحل متعددة من تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية للإدارة المتكاملة للموارد المائية، إلا أن العقبات كثيرة[42]، وتشمل عقبات جغرافية وسياسية وإقليمية، كما تشمل النزاعات، وحاجات الأمن الغذائي مقابل الاكتفاء، وإنتاجية المياه. ومع ذلك، فإن الفرص كثيرة أيضاً، وتشمل استراتيجيات التعاون الإقليمي، واستبدال المحاصيل المستهلِكة للماء بمحاصيل الأراضي الجافة، وإشراك الجمهور في معالجة الإجهاد المائي.

وتوضح دراسة لحالة مسجلة حديثاً من الأردن[43] كيف يمكن لتحسين إدارة المياه الزراعية والمنزلية، بإنقاص تسرب المياه المنزلية، واستخدام تقنيات التروية بالتنقيط، أن تفيد في آن واحد الاقتصاد (توفير الماء) والبيئة (تخفيف نضوب المياه الجوفية، وإنقاص الحاجة إلى الطاقة من أجل ضخّ المياه)، والصحة (خفض معدلات الإسهال). وقد قُدر المعدل التراكمي للمنفعة/التكلفة بأكثر من 1:2.4، ومن اللافت ذكره أن العاملين في الصحة العامة قد أدّوا دوراً رئيسياً في هذا الصدد.

2 ـ النجاح في إنقاص استهلاك المواد المستنفِدة للأوزون

هناك تدابير ومشاريع تنفذ حالياً، أو يخطّط لتنفيذها، في مجالات مختلفة للتخفيف من تأثير التغيّر المناخي[44]. فقد بذلت البلدان العربية جهوداً كبيرة في تنفيذ بروتوكول مونتريال لإنقاص المواد المستنفِدة للأوزون، فسنَّت قوانين ووضعت برامج لخفض ومراقبة وضبط استهلاك المواد المستنفدة للأوزون، وخصوصاً مركبات الكلوروفلوروكربونات. ومنذ عام 2000 بدأت كل البلدان بالتبليغ عن تراجعات في الاستهلاك الإجمالي للمواد المستنفدة للأوزون، وكان أكثرها أهمية ما بُلِّغ عن بلدان المشرق (معدلات الإنقاص 40 بالمئة)[45]، والتحدّي الأكبر هو استمرار البرامج وتحقيق الأهداف الموضوعة.

وما زالت هناك موارد غير مستغَلّة يمكن أن تنقص الاعتماد على الطاقة الأحفورية، إذ إن المنطقة العربية تمتلك إمكانات عالية من موارد الطاقة المتجدّدة، مثل الموارد الشمسية والقوة المائية وقوة الرياح والكتلة الحيوية[46]، لكن تطوير هذه البدائل ما زال محدوداً، ويبقى الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري هو القاعدة.

3 ـ التضارب بين الدولة والمجتمع المدني حول تدبير الفضلات الصلبة

قام الزبّالون (وهو الاسم الشائع لجامعي النفايات)، وعددهم ستون ألفاً في القاهرة، بجمع وإعادة استخدام وإعادة تدوير كلٍ من النفايات العضوية وغير العضوية لخمسة عقود على الأقل[47]، وكانت معدلات إعادة الاستخدام والتدوير مرتفعة جداً، وصلت حتى 85 بالمئة، بحسب بعض التقارير. وقد ضُربت مصالحهم في عام 2005 عندما قررت محافظة القاهرة التعاقد مع ثلاث شركات أجنبية للقيام بخدمات جمع النفايات، وهو ما اصطُلِح عليه بـ «إعادة تأهيل» صورة القاهرة كمدينة حديثة[48]، كما اندلع تضارب آخر في المصالح بسبب قرار اتخذته الحكومة بذبح الخنازير على نطاق واسع، وكانت الخنازير تقتات على النفايات العضوية التي يجمعها الزبّالون، وذلك أثناء جائحة الإنفلونزا (H1N1)، واعتبر الزبّالون هذا القرار بمنزلة رد فعل مفرط تمّ بدوافع سياسية.

سابعاً: قياس الأداء البيئي للبلدان العربية

يرسم التقرير الأحدث والشامل حول البيئة[49] صورة كئيبة للظروف والنزعات الحالية منذ بداية سبعينيات القرن العشرين. وفي مواجهة هذه الحالة، من المفيد أن نعرف مدى حسن استجابة البلدان العربية، وهناك الكثير من المَناسب العالمية التي تقيس الأداء البيئي للبلد[50].

ومع أن هذه المَناسب قد تكون مفيدة كأدوات تخدم الحملات الإعلامية، لكن يجب التعامل معها بشكل انتقادي واستخدامها بحذر. فإضافة إلى النقد التقني لكيفية تطوير المَناسب المختلفة، حذَّر بعض المؤلفين من أن بعضها يحابي بلدان الشمال، ولا يعطي تقديرات صادقة لمدى مشاركتها الحقيقية في تدهور البيئة العالمي[51].

إن نظرة إلى الوطن العربي يمكن أن تلقي الضوء على هذه الناحية، فعلى سبيل المثال، إذا كانت البلدان التي شاركت في غزو واحتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة مسؤولة عن الضرر البيئي الذي سبّبته للعراق، فإن أداءهم بحسب مَناسب البيئة العالمية يمكن أن ينخفض بشكل واضح. وليس مصادفة أن ينجز العراق والأراضي الفلسطينية المحتلة أقل تقدم لتحقيق المرمى السابع من المرامي الإنمائية للألفية، بشكل مشابه للبلدان العربية الأفقر.

وهناك مشكلة أخرى في المؤشرات العالمية المرتكزة على أساس قطري، وهي أنها لا تأخذ التعاون الإقليمي في العمل البيئي بعين الاعتبار كمؤشر على النجاح. ورغم هذه التحفظات، فإن المَناسب يمكن أن تسمح بمقارنة في ما بين البلدان العربية من جهة، وبين المنطقة العربية ومناطق أخرى من جهة أخرى. إذ إنّ التراكب بين البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل في مؤشرين يُستخدمان بكثرة، وهما مَنسب الأداء البيئي، ومَنسب الاستدامة البيئية (الشكل الرقم (3))، يشير إلى الحاجة إلى دراسة عوامل تتجاوز الثروة الوطنية.

الشكل الرقم (3)

مَناسِب مُحَوْسبة للاستدامة في البلدان العربية

المصدر: Yale Center for Environmental Law (YCELP) and Policy and the Center for International Earth Science Information Network (CIESIN) (2005 and 2008 Reports), <http://sedac.ciesin.columbia.edu/es/esi/>.

ثامناً: دور الصحة العامة

ما الذي يمكن للصحة العامة أن تأمل تحقيقه في ضوء التحديات البيئية الهائلة والعراقيل التي تعيق عملها؟ في الواقع، هناك فرص كثيرة للبحث والممارسة نوقشت على المستويات العالمية[52] والإقليمية[53]. والبحوث التي أجريت في الوطن العربي حول عدد من المواضيع الخطيرة ما زالت نادرة، وتعتبر الروابط بين الصحة والبيئة ذات أهمية خاصة، حيث يُتوقَّع أن تعاني المنطقة العربية عواقب تغير المناخ بشكل أشدّ. إن قدرات واستعداد المجتمع والنظم الصحية المحلية للاستجابة للتهديدات البيئية والظواهر المناخية بالغة الشدة، ويمكن أن تشكل الأساس لتدخلات مستقبلية. كما أن تفهُّم أوضاع وقدرات وممارسات مؤسسات الصحة العامة والأطباء الممارسين من أجل استدامة البيئة وتحدياتها هي تساؤلات بحثية مهمة. ويمكن لنتائج البحث أن تكون أدوات فعالة في أيدي الأطراف الفاعلة في البيئة للدعوة إلى الاهتمام بالأولويات في مختلف المحليات والبلدان والأقاليم الفرعية.

ويمكن أن تثبت المشاريع الإيضاحية، التي تبيّن فعالية الأساليب المرتكزة على النظام البيئي، فائدة تشجيع الحكومات والضغط عليها عند الحاجة، من أجل تبنِّيها على نطاق أوسع وحتى على نطاق وطني. وقد تأكدت الأهمية العالمية لمثل هذه المشاريع بسبب ما وُجد من أن بحوث الصحة واستدامة البيئة، في مجال تغيّر المناخ، على سبيل المثال، تركّز عادةً على الأثر الصحي والسياسات والاستراتيجيات المقترَحة، مع تشديد ضعيف جداً على الأمثلة وتنفيذ الاستراتيجيات الفعلية[54]. ويمكن للصحة العامة، من خلال المشاركات المجتمعية والبحوث التشاركية، أن تتعلم دروساً مستفادة من الجهود الأهلية، وأن تدعمها بواسطة المجتمعات لحل المشكلات البيئية على المستوى المحلي، مع تشجيع الابتكار في مختلف المواقع.

إن النظم الصحية الموجَّهة نحو الرعاية العلاجية في الوطن العربي غير مهيأة للاستجابة لتحديات الاستدامة البيئية، وهذا يوفر حتمية أخرى لتغيير النظام الصحي استناداً إلى منظور صحة السكان، بحيث يمكن تخفيف الكثير من الآثار المرتبطة بتغير المناخ في الصحة من خلال الصحة العامة وعمل النظام الصحي، مثل اللقاحات ومكافحة نواقل المرض والاستعداد للكوارث والترصُّد. ولأن التدهور البيئي يؤثر في الفقراء والضعفاء أكثر مما يؤثر في غيرهم، فيمكن لهؤلاء الناس أن يعانوا نتائج صحية أكثر جوراً وجسامة، مما يشكّل واجباً آخر للعمل المتوجّه نحو تحقيق العدالة الاجتماعية من أجل الصحة العامة في هذا النطاق. ويمكن لصدقية الصحة العامة، المعزّزة من خلال ممارسات مراعية للأرض، ومستدامة ضمن مؤسساتنا الصحية، أن تكون مفيدة في زيادة الوعي الشعبي حول إلحاح القضايا البيئية، وتكلفة التراخي عن العمل، والمنافع المحتملة للوقاية.

من الصعب التنبؤ كيف يمكن للصحة العامة، كقوة جماعية، أن تقدم مساهمة أقوى، تتعدّى توفير قدرة تقنية محدودة، من دون أن تصبح هي نفسها طرفاً فاعلاً مهماً يعمل إلى جانب الآخرين في مجال البيئة. وتنطوي هذه العملية على عملية تحويلية للصحة العامة، تقتضي أن يتأملها الباحثون في الصحة العامة، إضافة إلى الأكاديميين، والممارسين، في مكانة البيئة، ويضعوها في جداول أعمالهم الخاصة إلى جانب القضايا الكثيرة الأخرى التي تحوز اهتمامهم والتشكيلات المؤسساتية اللازمة للاستجابة للتحديات البيئية. فمثلاً، قد تفكّر مؤسسات الصحة العامة الجامعية بدمج استدامة البيئة في كل الأنشطة بدلاً من أن تخصّصها بقسم من أقسام الصحة البيئية. وهناك سؤال أكثر صعوبة يتعلق بتخفيف شدّة التوترات المتأصلة بين تحسين صحة السكان التي قد تستهلك الموارد، وضمان استدامة البيئة[55]، في سياقنا الإقليمي. إن مثل هذا التأمل يمكن أن يؤدي إلى تحديد ما يلزم لوضع إطار مؤسسي من أجل العمل على القضايا البيئية المختلفة، وتنشئة عدد كبير من الباحثين والممارسين لتنفيذ العمل، وبناء شراكات مع الجهات الفاعلة الأخرى.

خاتمة

إن الحالة البيئية في الوطن العربي مرعبة، مع تهديدات هائلة تتعلق بالاستدامة، وهي تثير تساؤلاً حول القدرة المستقبلية لدى سكان المنطقة على البقاء في قيد الحياة. وقد درسنا في هذه الدراسة مختلف العوامل المحركة التي تؤثر في تدهور البيئة، فحدّدنا ثلاثة منها رئيسية هي: التطور السريع المرتبط بشكل خاص، بتوافر النفط والاستثمارات في مرحلة ما بعد الاستقلال، والنمو السكاني وزيادة الاستهلاك، والنزاعات. وحدّدنا ثلاث عمليات أساسية تعمل العوامل المحركة من خلالها، وهي: استنفاد الموارد وندرتها، وتزايد النزعة الاستهلاكية، والتخريب المرتبط بالنزاعات.

كما بيَّنا، في مراجعتنا للظروف البيئية في المنطقة، التحديات المهمة في مجالات ندرة المياه، وإتاحة الماء والإصحاح، والموارد البرية، والتنوّع الحيوي وسبل العيش، وجودة الهواء وغازات الاحتباس الحراري، وتدبير الفضلات الصلبة. إن للتدهور البيئي، ولندرة الموارد، آثاراً مهمة في سبل العيش، وفي الصحة العامة، وقد أُثبت ذلك من خلال النسبة المئوية للناتج المحلي الإجمالي، الذي هو أعلى بمقدار 1.5 ـ 2 مرة مما هو عليه في البلدان الصناعية، ومن خلال عبء المرض، الذي يراوح بين 14 بالمئة (الكويت والبحرين) و33 بالمئة (موريتانيا)، مثيراً مخاوف مهمة حول العدالة.

ويتعزّز الفعل البيئي ببطء في المنطقة، ويصبح إطار السياسات العامة، على نحو متزايد، داعماً لاتخاذ إجراءات أقوى، لكنه يتعرقَل بمحدودية التمويل، وعدم كفاية التعاون بين القطاعات، ومحدودية التعاون الإقليمي، وقِدَم الإطار القانوني، وضعف الاستراتيجيات في وضع الأولويات. وقد ظهرت أطراف فاعلة جديدة في مجال البيئة، إضافة إلى الدولة، مثل المنظمات غير الحكومية، ومع ذلك بقي الفعل السياسي ضعيفاً في مجال البيئة. إن بلداناً قليلة فقط فيها أطراف تدعم زيادة المساحات الخضراء، لكن الدعم العالمي للعمل البيئي يحمل أملاً في هذا المجال. وقد راجعنا أمثلة عن البرامج البيئية في مجالات ندرة المياه ونوعيتها، وإنقاص المواد المستنفدة للأوزون، ومعالجة الفضلات الصلبة، وأساليب مبتكرة للنظام البيئي، ومع ذلك، فإن قياسات الأداء البيئي للبلدان العربية تشير إلى الحاجة إلى التحسين.

 

إطّلعوا أيضاً على  نحو مقاربة جيلية للعدالة المناخية

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #البيئة #المناخ #التغيرات_المناخية #المخاطر_البيئية #أيكولوجيا #التغير_المناخي_في_العالم_العربي #التدهور_البيئي #دراسات_بيئية