مقدمة:

أمام ضعف تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة، وامتثالاً للالتزامات المعبَّر عنها بمقتضى التصديق على الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بترقية الحقوق السياسية للمرأة، وفي مسعى للقفز على العديد من القيود ذات الطابع الاجتماعي والثقافي خصوصاً، تبنّت الدول المغاربية مجموعة من النصوص الدستورية والتشريعية التي تهدف في حصيلتها إلى توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، من خلال تكريس «نظام الكوتا» الذي يقضي بتخصيص حصص محددة لفائدة المرأة في المجالس المنتخبة، الوطنية والمحلية، وهو الشيء الذي كان له الأثر الإيجابي في ما يتعلق برفع التمثيل العددي للمرأة في هذه المجالس. فالتساؤل الأساسي الذي ننطلق منه هو: ما معالم تجارب الدول المغاربية في مجال ترقية التمثيل السياسي للمرأة؟ وبصيغة أخرى، ما تطبيقات «نظام الكوتا» في الدول المغاربية الثلاث؟

أولاً: الأسس القانونية الدولية لترقية الحقوق السياسية للمرأة

يمكن التمييز بين نوعين من الاتفاقيات الدولية التي تُعنى بالحماية القانونية لحقوق المرأة، وهما:

1 – اتفاقيات عامة

وهي اتفاقيات دولية ذات طابع عام تتضمن مواد تتعلق بمبدأ المساواة، وهي:

أ – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو معتمد من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 بوصفه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافة، والذي كفل في مادته الثانية لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، من دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، من دون أي تفرقة بين الرجال والنساء، كما نص في مادته 21 على حق كل شخص في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، مباشرة أو من طريق ممثليه، وفي تقلد الوظائف العامة‏[1].

ب – العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو معتمد من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966‏[2]، والذي دخل حيز التنفيذ في 23 آذار/مارس 1976، حيث نصت المادة 3 منه على تعهد الدول الأطراف بكفالة تَساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد، كما أكدت المادة 25 منه حق الترشح والانتخاب من دون أي تمييز.

2 – اتفاقيات خاصة

وهي اتفاقيات ذات طابع خاص تركز على حقوق محددة، مثل:

أ – اتفاقية القضاء على كل أوجه التمييز ضد المرأة «السيداو» (CEDAW)‏[3]، المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار المؤرخ في 18 كانون الأول/ديسمبر 1979، التي دخلت حيز التنفيذ في 3 أيلول/سبتمبر 1981، وقد نصت المادة 2 منها على دور الدولة في إدانة التمييز ضد المرأة بكل أوجهه واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير ووضع السياسات المناسبة لإنهائه من خلال تضمين المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير والتشريعات الوطنية، كما دعت المادة 4 إلى اعتماد ما يسمى مبدأ التمييز الإيجابي لصالح المرأة، ومن جانبها دعت المادة 7 الدول الأطراف إلى اتخاذ التدابير المناسبة التي تكفل مساواة فعلية بين الرجل والمرأة في جميع المجالات السياسية، كحق الترشح والانتخاب وتقلد المناصب العليا‏[4].

ب – الاتفاقية في شأن الحقوق السياسية للمرأة‏[5]، اعتُمدت من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار المؤرخ في 20 كانون الأول/ديسمبر 1952، ودخلت حيز التنفيذ في 7 تموز/يوليو 1954، حيث جاء في المادة 2 منها: «للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز»، أما المادة 3 فتنص على أن: «للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز»‏[6].

كما يتوجب هنا الإشارة إلى القرار الرقم 15 الصادر عام 1990 عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، الذي دعا إلى مشاركة المرأة في هياكل السلطة، وفي مواقع صنع القرار بنسبة 30 بالمئة، والعمل على تعبئة المجتمع رجالاً ونساء، وتوعيته بالقيام بتغيير المواقف المجتمعية السلبية المتحيزة ضد المرأة ودورها في صنع القرار وتبني آليات وإجراءات تمكّنها من إنجاز ذلك، وفي مقدمتها «نظام الكوتا» النسائية‏[7]، إضافة إلى منهاج أو خطة بكين الصادرة عن المؤتمر العالمي الرابع للمرأة المنعقد تحت شعار «العمل من أجل المساواة والتنمية والسلام» من 4 إلى 15 أيلول/سبتمبر 1995 الذي شدد على أن «تمكين المرأة ومشاركتها الكاملة على قدم المساواة في جميع جوانب حياة المجتمع بما في ذلك المشاركة في عملية صنع القرار وبلوغ مواقع السلطة، أمور أساسية لتحقيق المساواة والتنمية والسلم في المجتمع»‏[8].

وإذا كانت العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية، علاوة على الدساتير والتشريعات الوطنية، قد أكدت حق المساواة في المشاركة السياسية للمرأة، ودعت إلى ضرورة تخصيص حصة (كوتا) معيَّنة، أو ما يسمى التمييز الإيجابي، وهو نفس ما ذهب إليه الاتحاد البرلماني الدولي حين أكد ضرورة بلوغ نسبة تمثيل المرأة 30 بالمئة من عدد المقاعد في البرلمانات حتى يكنّ قادرات على التأثير الفعلي في مراكز القرار السياسي‏[9]، فقد تباينت المواقف إزاء مسألة أو نظام الكوتا».

يسوق الاتجاه الأول المدافع عن هذا النظام مجموعة من الاعتبارات التي تسند وجهة نظره، حيث يرى في «الكوتا» وسيلة لتجاوز مختلف الحواجز المتسببة في ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في المجالس المنتخبة، ولا يعتبرها تمييزاً ضد الرجل بل تعويضاً للمرأة عن التمييز السياسي الذي تتعرض له، والذي يجسده ضعف حضورها في المشهد السياسي بوجه عام، كما يستند أنصار هذا الاتجاه إلى مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على جميع مستوياتها، علاوة على منطق تمثيل المصالح، ما دام النظام السياسي يضم جماعات ذات مصالح متباينة. وعلى الطرف المقابل، يعتبر الاتجاه الثاني المعارض لـ «نظام الكوتا» أن هذا النظام يتنافى مع مبدأ المساواة بين المواطنين ويتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص، فهو إجراء غير ديمقراطي لأنه يمنح النساء حقوقاً استناداً إلى متغير النوع وليس انطلاقاً من مبدأ الكفاءة‏[10].

ثانياً: التجربة الجزائرية في مجال ترقية التمثيل السياسي للمرأة

تندرج مسألة تمكين المرأة ضمن الأهداف الإنمائية للألفية التي يسعى إلى تحقيقها رئيس الجمهورية منذ وصوله إلى سدة الحكم، حيث قال في أحد خطبه سنة 2000: «أنا لا أفهم لماذا ننفق كل المبالغ الطائلة على تعليم الإناث ثم نجبرهن على المكوث بالبيت وتربية الأجيال، أي جيل هذا الذي ننتظره من أمهات قاعدات في البيوت؟»‏[11].

لذلك، لا بد من استعراض مختلف الأسس الدستورية والتشريعية التي تنص على ترقية الحقوق السياسية للمرأة وتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة، إلى جانب تطور تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة.

1 – الأسس الدستورية لترقية التمثيل السياسي للمرأة

إن بداية إقرار الحقوق للمرأة على قدم المساواة مع الرجل كان من خلال أول دستور للجزائر المستقلة، حيث نصت المادة 12 من دستور 1963 على أن: «كل المواطنين، من الجنسين، لهم نفس الحقوق والواجبات»‏[12]، وظل هذا الأمر سارياً في الدساتير التالية.

غير أن بداية التأكيد الصريح للحقوق السياسية، في مجملها، للمرأة كانت من خلال المادة 42 من دستور 1976، التي نصت على أن: «يضمن الدستور كل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرأة الجزائرية»‏[13]، تلاه في ما بعد التشديد على حق المرأة في التمثيل السياسي، حصراً، من خلال التعديل الدستوري لسنة 2008، حيث استُحدثت المادة 31 مكرر التي تنص على أن: «تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة. يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة»‏[14].

وللإشارة فإن التعديل الدستوري لسنة 2016 تضمن نفس الأحكام الواردة في المادتين 31 و31 مكرر من دستور 1996، المعدل، المشار إليهما، لكن في المادتين 34 و35 على التوالي‏[15].

2 – الأسس التشريعية لترقية التمثيل السياسي للمرأة

لم تبقَ المادة 31 مكرر التي جاء بها التعديل الدستوري لسنة 2008 مجرّد حبر على ورق، فقد صدر القانون العضوي الرقم 12 – 03 المؤرخ في 12 كانون الثاني/يناير 2012 الذي يحدد كيفية توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة‏[16]، الذي ينص في المادة 2 على أنه: يجب ألا يقل عدد النساء في كل قائمة ترشيحات، حرة أو مقدمة من حزب أو عدة أحزاب سياسية، عن النسب المحددة أدناه، بحسب عدد المقاعد المتنافس عليها:

أ – انتخابات المجلس الشعبي الوطني

– 20 بالمئة عندما يكون عدد المقاعد يساوي أربعة (4) مقاعد؛

– 30 بالمئة عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق خمسة (5) مقاعد؛

– 35 بالمئة عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق أربعة عشر (14) مقعداً؛

– 40 بالمئة عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق اثنين وثلاثين (32) مقعداً؛

– 50 بالمئة بالنسبة إلى مقاعد الجالية الوطنية في الخارج.

ب – انتخابات المجالس الشعبية الولائية

– 30 بالمئة عندما يكون عدد المقاعد 35 و39 و43 و47 مقعداً؛

– 35 بالمئة عندما يكون عدد المقاعد 51 إلى 55 مقعداً.

ج – انتخابات المجالس الشعبية البلدية

– 30 بالمئة في المجالس الشعبية البلدية الموجودة بمقارّ الدوائر وبالبلديات التي يزيد عدد سكانها عن عشرين ألف (20,000) نسمة.

وفي محاولة من السلطات لحفز الأحزاب السياسية على منح المزيد من الفرص للنساء نصت المادة 7 من هذا القانون على إمكان استفادة الحزب السياسي من مساعدة مالية خاصة بحسب عدد مرشحاته المنتخبات في المجالس الشعبية البلدية والولائية وفي البرلمان.

3 – تطور تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة

تم إنفاذ القانون العضوي الرقم 12 – 03 وتجسيد أحكامه في الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت، على التوالي، في 10 أيار/مايو 2012 و29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، ثم في الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت، على التوالي، في 4 أيار/مايو 2017 و23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وهو ما انعكس إيجاباً على تطور تمثيل المرأة في المجلس الشعبي الوطني، كما توضحه الأرقام والنسب المئوية المذكورة في الجدول الرقم (1).

الجدول الرقم (1)

تطور نسبة تمثيل المرأة الجزائرية في المجلس الشعبي الوطني (1997 – 2022)

العهدة الانتخابيةالعدد الإجمالي للمقاعدعدد مقاعد النساءالنسبة المئوية
1997 – 2002380112.8
2002 – 2007389276.9
2007 – 2012389307.7
2012 – 201746213631.6
2017 – 202246211925.8

المصدر: إحصاءات المجلس الشعبي الوطني، من خلال موقعه الرسمي:  <http://www.apn.dz/ar>.

تحققت مكاسب محدودة في العقد الماضي بشأن حقوق المرأة في الانتخاب والتمثيل السياسي. عالمياً، تبلغ نسبة النساء من أعضاء مجالس النواب الوطنية 22,2 بالمئة، فيما كانت حصتهن في المنطقة العربية 18.1 بالمئة فقط عام 2014. وقد كانت الجزائر سنة 2012، بعد تخصيص نسبة من المقاعد للنساء، بموجب القانون العضوي الرقم 12 – 03، أول بلد عربي يتجاوز هدف 30 بالمئة لتمثيل المرأة النيابي، المطروح في منهاج عمل بكين، وفي التوصيات العامة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة‏[17]، لتحتل بذلك الجزائر الرتبة 28 عالمياً‏[18].

وثمة ملاحظة أساسية، وهي أن تمثيل المرأة الجزائرية في أول برلمان منتخب في 20 أيلول/سبتمبر 1962 وهو المجلس الوطني التأسيسي، قد بلغ 10 نساء‏[19]، وهو عدد رغم قلته لا بأس به مقارنة بعدد مقاعد المجلس، المقدرة بـ 196، وبحداثة التجربة الانتخابية وبالأوضاع السياسية التي جرت فيها الانتخابات. يمثل هذا التمثيل النسبي – على الأقل – اهتماماً، أو لنقُلْ التفاتة، من المسؤولين الجزائريين الذين أداروا هذه المرحلة إلى دور المرأة الجزائرية، وحتى الأوروبية الأصل، التي زُكيت ضمن القوائم المقدمة. ولكن هذا العدد تقلص ليصبح تمثيل المرأة مقتصراً على مقعدين فقط في انتخابات المجلس الوطني سنة 1963‏[20].

وفي الانتخابات المحلية ليوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 استحوذ الرجال على 70 بالمئة من المقاعد في المجالس الشعبية الولائية مقابل 30 بالمئة للنساء، وهذا في الوقت الذي شكل الرجال نسبة 46.72 بالمئة من المنتخبين في المجالس البلدية وشكلت النساء نسبة 54.27 بالمئة حسب وزير الداخلية‏[21].

ثالثاً: التجربة التونسية في مجال ترقية التمثيل السياسي للمرأة

لطالما كانت المرأة التونسية على قدم واحد وفي الصفوف الأمامية في كل المعارك السياسية التي شهدتها البلاد، انطلاقاً من مساهمتها في الحراك الوطني ضد المستعمر وصولاً إلى ما اصطُلح على تسميته «ثورة 14 يناير 2011»، حتى باتت توصف بأنها الاستثناء العربي من حيث الحقوق والمكتسبات التي تنعم بها‏[22].

وفي هذا السياق، عملت الحركات النسوية في تونس، منذ نشأتها، على تطوير خطابها الحقوقي والسياسي، وقد كان من بين الأهداف التي ناضلت من أجلها مقاومة كل أوجه التمييز التي كانت تمارس ضد المرأة في كل المجالات، بما فيها المجال السياسي، لذلك عملت على تغيير العقليات التمييزية السائدة وتحقيق المساواة بين الجنسين‏[23]، وهذا ما جعل أغلب الدراسات الأكاديمية والتقارير الدولية تعتبر تونس «نموذجاً» على المستويين العربي والإسلامي في تحرير المرأة ومساواتها مع الرجل، وهي الأكثر تقدماً في ما يتعلق بالقوانين الضامنة لحقوق المرأة، حيث اعتمدت مقاربة النوع الاجتماعي (Le genre) في سياستها الاجتماعية منذ الاستقلال، وأرست إطاراً تشريعياً «حداثياً» في المساواة بين الجنسين، من خلال العديد من القوانين أهمها الدستور، ومجلة الأحوال الشخصية، وقانون المجلة الانتخابية، وغيرها‏[24].

1 – الأسس الدستورية لترقية التمثيل السياسي للمرأة

في ما يتعلق بإقرار الحقوق للمرأة التونسية، لا بد من الإشارة في البداية إلى أن الفصل 6 من دستور 1959، وهو أول دستور للجمهورية التونسية، المنقح في العديد من المناسبات، نص على أن: «كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون»‏[25]، وظل هذا الأمر سارياً في الدساتير اللاحقة.

ويمثل دستور تونس المصادق عليه في 26 كانون الثاني/يناير 2014‏[26] بداية مرحلة تغيير جذري بالنسبة إلى المرأة، وذلك من خلال تضمنه العديد من الفصول التي تشجع على ترقية الحقوق السياسية للمرأة، حيث يقول الفصل 21: «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم».

أما الفصل 34 فقد نص على أن: «حقوق الانتخابات والاقتراع والترشح مضمونة طبق ما يضبطه القانون. تعمل الدولة على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة».

في حين نص الفصل 46 في فقرتيه 2 و3 على أن: «تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات.

تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة».

2 – الأسس التشريعية لترقية التمثيل السياسي للمرأة

تجسيداً للأحكام الدستورية السالفة الذكر أقر الفصل24 من القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء لسنة 2014‏[27] في الشق المتعلق بالانتخابات التشريعية، مبدأ التناصف العمودي بين الرجل والمرأة داخل كل قائمة، حيث نص على أن: «تقدم الترشحات على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة، ولا تقبل القائمة التي لا تحترم هذا المبدأ إلا في حدود ما يحتّمه العدد الفردي للمقاعد المخصصة لبعض الدوائر» .

أما في ما يتعلق بالمجالس البلدية والجهوية فقد تبنى الفصل 49 تاسعاً من نفس القانون مبدأ التناصف العمودي بين الرجل والمرأة داخل كل قائمة، ومبدأ التناصف الأفقي بين الرجل والمرأة في رئاسة القوائم الحزبية والائتلافية التي تترشح في أكثر من دائرة انتخابية، حيث نص على أن: «تقدم الترشحات لعضوية المجالس البلدية والجهوية على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة.

ولا تقبل القائمات التي لا تحترم هذه القاعدة.

كما تقدّم الترشحات لعضوية المجالس البلدية والجهوية على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال في رئاسة القائمات الحزبية والائتلافية التي تترشح في أكثر من دائرة انتخابية.

ولا تقبل قائمات الأحزاب أو الائتلافات التي لا تحترم هذه القاعدة في حدود عدد القائمات المخالفة ما لم يقع تصحيحها في الآجال القانونية التي تحددها الهيئة للتصحيح وفقاً للإجراءات المبينة بالفصل 49 سادساً من هذا القانون…».

3 – تطور تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة

لقد تم تجسيد الأحكام القانونية المتضمنة في القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء لسنة 2014، على التوالي، في الانتخابات التشريعية ليوم 26 تشرين الأول/أكتوبر 2014، وفي الانتخابات البلدية والجهوية ليوم 6 أيار/مايو 2018، والتي كان لها بالغ الأثر في رفع نسبة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة. ويوضح الجدول الرقم (2) تطور نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب التونسي على النحو التالي:

الجدول الرقم (2)

تطور نسبة تمثيل المرأة التونسية في مجلس النواب (1999 – 2019)

العهدة الانتخابيةالعدد الإجمالي للمقاعدعدد مقاعد النساءالنسبة المئوية
1999 – 20041822111.54
2004 – 20091894322.8
انتخابات 20092175927.2
انتخابات 20112174924
2014 – 20192177635

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على العديد من المصادر والمراجع. من أهمها:

– الموقع الرسمي لمجلس نواب الشعب التونسي: <http://www.arp.tn/site/main/AR/docs/composition/com​pos_​s.jsp>.

– إحصاءات الاتحاد البرلماني الدولي:    <http://archive.ipu.org/parline-e/reports/arc/2321_99.htm>.

– عبد اللطيف الحناشي، انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي: الإطار، المسار والنتائج (الدوحة؛ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012)، ص 41.

– أشرف عوض علي [وآخرون]، «دور المرأة في الحياة السياسية: دراسة مقارنة للمشاركة السياسية للمرأة العربية والغربية،» المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، برلين، 5 تموز/يوليو 2017،        <https://democraticac.de/?p=47417#_ftn12>.

– سامية فطحلي، «المرأة التونسية نصف سياسي لا يكتمل»، العربي الجديد، 8/3/2014، <https://www.​alaraby.co.uk/society/2014/3/8/>

ولا بد هنا من أن نشير إلى عدد من المحطات التي عرفها مجلس النواب التونسي، فقد شهد خلال الفترتين النيابيتين الأوليين (1959 – 1964) و(1964 – 1969) وجود نائبة واحدة، وهي السيدة «راضية حداد» التي كانت العضو النسائي الوحيد‏[28]، وهو ما كان يشكل نسبة 1 بالمئة من مجموع المقاعد في البرلمان. كما سجلت سنة 2004 زيادة مطردة في تمثيل المرأة في مجلس النواب بعد أن اعتمدت الأحزاب السياسية لأول مرة «نظام كوتا» طوعية‏[29]. كما تم تبني قاعدة التناصف والتناوب في القوائم بموجب الفصل 16 من المرسوم عدد 35 المؤرخ في أيار/مايو 2011 المتعلق بانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، بمناسبة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي جرت في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011، وهو ما مكن النساء من الوصول إلى المجلس بنسبة 24 بالمئة، ثم وصلت إلى30 بالمئة بعد استقالة بعض النواب أو شغور بعض المقاعد‏[30].

وفي ما يخص الانتخابات التشريعية لسنة 2014 فقد بلغت نسبة النساء المسجلات في القوائم الانتخابية أكثر من 50 بالمئة، بينما بلغ عدد المترشحات حوالى 47 بالمئة من إجمالي عدد المترشحين، إلا أنهن استبعدن من رئاسة القائمات الانتخابية، حيث إن 12 فقط منهن ترأسن قائمات انتخابية، فيما ترأس العنصر الرجالي الأغلبية الساحقة للقوائم الانتخابية‏[31].

أمام هذا الوضع، ورغم الزيادة الكبيرة في نسبة تمثيل المرأة في مجلس نواب الشعب التونسي، بالمقارنة مع العهدات السابقة، إلا أن هناك من يقلل من أهمية هذه النسبة، ويدعو إلى ضرورة اعتماد مبدأ التناصف الأفقي في الانتخابات التشريعية، زيادة على التناصف العمودي، على غرار ما هو معمول به في انتخابات المجالس البلدية والجهوية، حتى تكون هناك مساواة وتناصف حقيقي بين النساء والرجال في التمثيل النيابي، أو يتم فرض حصة محددة للنساء بالبرلمان‏[32]، حيث يرى الكثير من المتخصصين أن الاكتفاء بالتنصيص على التناصف العمودي بين الرجل والمرأة داخل القائمة الانتخابية دون التناصف الأفقي يخرق أحكام الدستور لكونه لا يحقق التناصف الفعلي بين النساء والرجال في تولي المناصب العامة بالمجالس المنتخبة، وخصوصاً أن النظام الانتخابي الذي وقع اعتماده في تونس يعطي أوفر الحظوظ لرؤساء القوائم في الفوز بالمقاعد الانتخابية في سياق توزيع البواقي‏[33].

وفي ما يتعلق بالمجالس المحلية، فقد بلغت نسبة تمثيل المرأة التونسية 47.7 بالمئة من العدد الإجمالي للفائزين، وترأست 29.55 بالمئة من القوائم في الانتخابات البلدية التي جرت في 6 أيار/مايو 2018، وهي الانتخابات البلدية الأولى التي شهدتها تونس‏[34] بعد ما اصطُلح على تسميته «الثورة».

رابعاً: التجربة المغربية في مجال ترقية التمثيل السياسي للمرأة

يُعَدُّ إقرار الحقوق السياسية للنساء في المغرب مكسباً تحقق منذ السنوات الأولى للاستقلال، فقد حرص أول دستور للبلاد سنة 1962 على تضمين تلك الحقوق للرجال والنساء من دون تمييز، وتعزيزاً لهذا التقدم صادق المغرب على الاتفاقية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة سنة 1976. وفي سنة 2008 رفع تحفظاته عن بعض مواد اتفاقية القضاء على جميع أوجه التمييز ضد النساء، ولا سيَّما المادة الثانية التي تخص المساواة بين الجنسين في التشريعات الوطنية‏[35].

1 – الأسس الدستورية لترقية التمثيل السياسي للمرأة

لا بد من التنويه بداية إلى أن أول دستور للمملكة المغربية سنة 1962‏[36] نص في الفصل 5 منه على مبدأ مساواة جميع المغاربة أمام القانون، كما نص الفصل 8 منه على المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق السياسية، وظل هذا الأمر سارياً في الدساتير المتعاقبة.

لقد حصل في العقدين الأخيرين تطور كبير في اتجاه تعزيز المساواة والمناصفة بين الجنسين، حيث نص دستور 2011‏[37] على عدة أحكام تكفل ترقية الحقوق السياسية للمرأة، فينص الفصل 19 منه على أن: «يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.

تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحْدَث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز».

أما الفصل 30 من الدستور نفسه فينص على أن: «لكل مواطنة ومواطن، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية…».

للتذكير، كان الفصل الثامن من دستور المملكة المغربية لسنة 1996 ينص على أن: «الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية. لكل مواطن، ذكراً كان أو أنثى، الحق في أن يكون ناخباً إذا كان بالغاً سن الرشد ومتمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية»‏[38].

2 – الأسس التشريعية لترقية التمثيل السياسي للمرأة

بعد إقرار دستور 2011، اعتُمد قانون جديد متعلق بمجلس النواب، هو القانون التنظيمي الرقم 27.11‏[39]، الذي رفع عدد مقاعد مجلس النواب إلى 395، كما تضمن بنوداً تحفيزية جديدة تتعلق بالتمثيل السياسي للمرأة، حيث نصت المادة 23 منه على تخصيص لائحة ترشيح وطنية بعدد 90 مقعداً، تشتمل على جزأين، جزء أول يضم 60 مقعداً مخصصاً للنساء، أي ما يفوق قليـلاً 15 بالمئة من إجمالي عدد المقاعد، وجزء ثان يضم 30 مقعداً مخصصاً للشباب الذكور الذين لا يتجاوز سنهم أربعين سنة، أما المقاعد الـ 305 فيُنتخبون على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية. وفي سنة 2016 وقع تغيير وتتميم هذا القانون بالقانون التنظيمي الرقم 20.16، الذي بمقتضاه تم تعديل المادة 23، حيث نصت على أن الجزء الثاني المخصص للشباب ضمن لائحة الترشيح الوطنية، يتضمن أسماء مترشحين من الجنسين دون سن الأربعين.

وهكذا، فإن حظوظ تمثيل المرأة في مجلس النواب تمت زيادتها من خلال هذا التعديل، فعلاوة على المقاعد الـ 60 المضمونة ضمن اللائحة الوطنية، يمكن أن تفوز نساء أخريات من بين المترشحات عن الجزء المخصص للشباب ضمن اللائحة الوطنية، هذا ناهيك بالنساء اللاتي قد تفزن من بين المترشحات على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية.

أما في ما يتعلق بالمجالس المحلية، فقد نص القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، والذي وقع تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي الرقم 34.15‏[40]، في مادته 76 على تخصيص ثلث المقاعد على الأقل للنساء في كل دائرة انتخابية، على أن لا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المخصصة للجزء الأول من لائحة الترشيح. ووفق المنظور نفسه، استُحدث سنة 2013 صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء، الموجه لتقوية قدرات النساء التمثيلية، والذي يهدف إلى تعزيز مشاركة النساء في الاستحقاقات الانتخابية مشاركة وفي الحياة السياسية عموماً، إلى جانب تقوية قدرات النساء في مجال تدبير الشأن المحلي‏[41].

3 – تطور تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة

في ما يتعلق بتمثيل المرأة في مجلس النواب المغربي، فإذا كانت سنة 1993 قد شهدت وصول المرأة إلى هذا المجلس بنائبتين، فإنه منذ سنة 2002 تحسنت مواقع المرأة في المؤسسات المنتخبة، إذ إنه قبيل الانتخابات التشريعية في 27 أيلول/سبتمبر 2002، حدث توافق بين مختلف الفرقاء والفاعلين الحزبيين في إطار التزام سياسي على تخصيص اللائحة الوطنية المكونة من 30 مقعداً لفائدة النساء، وهذا من ضمن عدد 325 مقعداً، وذلك انسجاماً من التوجهات الإصلاحية للدولة، ورغبة في رفع مستوى وجودهن في المؤسسة البرلمانية، حيث حصدت النساء 30 مقعداً بفضل اللائحة الوطنية، بينما فازت 5 مرشحات أخريات في اللوائح المحلية، ليصبح العدد الإجمالي 35 مقعداً بنسبة 10.76 بالمئة‏[42]. ويوضح الجدول الرقم (3) كيف تطور تمثيل المرأة المغربية في مجلس النواب، على النحو التالي:

الجدول الرقم (3)

تطور نسبة تمثيل المرأة المغربية في مجلس النواب (1997 – 2021)

العهدة الانتخابيةالعدد الإجمالي للمقاعدعدد مقاعد النساءالنسبة المئوية
1997 – 200232520.61
2002 – 20073253510.76
2007 – 20113253410.46
2011 – 20163956716.96
2016 – 20213958120.50

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على العديد من المصادر والمراجع. من أهمها:

– الموقع الرسمي لمجلس النواب المغربي: <http://www.chambredesrepresentants.ma/>.

– حسن الأشرف، «ازدياد تمثيل النساء في النواب المغربي،» العربي الجديد، 13/10/2016،  <https://www.alaraby.co.uk/society/2016/10/13/>.

وبخصوص انتخابات المجالس المحلية، ففي الوقت الذي شهدت الحقبة 1983 – 2003 تضاعف نسبة المرشحات في الانتخابات المحلية نحو 16 مرة، لم يتضاعف في مقابل ذلك عدد المنتخبات إلا 2.5 مرة‏[43]، مع التذكير أن الانتخابات الجماعية لسنة 2009 وبفضل «الكوتا» انتقل عدد النساء المنتخبات من 127 سنة 2003 إلى 3428 مستشارة جماعية، وارتفعت تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة الجماعية بما يناهز 3000 بالمئة‏[44]. في حين شكل اقتراع 4 أيلول/سبتمبر 2015 خطوة نوعية نحو تعزيز التمثيلية النسائية في هذه المجالس حيث حصلت النساء في الانتخابات الجماعية على 6673 مقعداً، أي ما يعادل تقريباً ضعفي العدد المسجل خلال الاقتراع الجماعي لسنة 2009‏[45].

خلاصة القول، إن دستور 2011 في المغرب والقوانين والتدابير المتخذة لتطبيق مقتضياته قد ساهمت في السنوات الأخيرة في ارتفاع حجم ووتيرة المشاركة السياسية للمرأة، لكنه ارتفاع غير كافٍ للوصول إلى المناصفة، إذ يبقى حضور المرأة في مراكز صنع القرار محدوداً، بسبب إكراهات الحقل السياسي والمعيقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واستمرار النظر إلى المرأة على أنها شخص غير سياسي‏[46].

خامساً: مقارنة التجارب المغاربية في مجال ترقية التمثيل السياسي للمرأة

من خلال عرض تجربة كل دولة من الدول المغاربية الثلاث المعنية بالمقارنة، وهي: الجزائر وتونس والمغرب، في مجال ترقية التمثيل السياسي للمرأة على حدة، يمكننا الخروج بالنقاط التالية:

1 – كانت الجزائر سباقة في نسبة تمثيل المرأة في أول برلمان وهو المجلس الوطني التأسيسي المنتخب في 20 أيلول/سبتمبر 1962، الذي ضم 10 نساء من بين 196 نائباً، وهو ما يؤلف ما يقارب نسبة 5 بالمئة من مجموع النواب، في حين ضم أول برلمان تونسي سنة 1959 نائبة واحدة، بينما لم يتحقق وصول أول إمرأتين إلى البرلمان المغربي إلا في سنة 1993 مع بداية الولاية التشريعية الخامسة.

2 – نصت كل دساتير الدول المغاربية المعنية بالمقارنة على مبدأ المساواة بين الجنسين، الجزائر في دستور 1963، وتونس في دستور 1959، والمغرب في دستور 1962، غير أن الظروف الاجتماعية والثقافية حالت دون وجود تمثيل محترم للمرأة في المجالس المنتخبة. فالمجتمعات المغاربية تتميز بسيادة الأنماط الثقافية والرواسب الاجتماعية القائمة على توزيع المهمات بين المجال العام كفضاء ذكوري والمجال الخاص كفضاء نسائي، إلى جانب التمثلات والعقليات السائدة في هذه المجتمعات، حيث تخصص للمرأة دوراً أو نشاطاً أساسياً يرتبط بالحياة الخاصة داخل البيت: تربية الأبناء والقيام بالشؤون المنزلية، في حين أن الرجل مخصص بطبيعته للاضطلاع بالتكاليف وشغل المسؤوليات في المجال العام. فالثقافة والقيم تخلق من دون شك حواجز تحد من مساهمة المرأة في المجال السياسي‏[47].

تهيمن على الحياة السياسية ما يسميه البعض «العقلية الالتباسية» وثقافة «الهيمنة الذكورية»، التي تشكل عمق المخيال السياسي لمجتمعاتنا المغاربية؛ ففي حين تحاول البلدان المغاربية أن تضمن في دساتيرها ما يستجيب لمضامين الاتفاقيات والمواثيق الدولية الضامنة للحقوق السياسية للمرأة، نجد على العكس من ذلك تفاوتاً كبيراً بين جوهر هذه القوانين والسياسات وبين الواقع التمكيني السياسي للمرأة على صعيد الممارسة‏[48].

3 – كانت الجزائر سباقة في التنصيص على عمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة، بمناسبة التعديل الدستوري لسنة 2008، متبوعة بالمغرب من خلال تنصيصها في دستور 2011 على سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، ثم تلتها أخيراً تونس التي نص دستورها لسنة 2014 على سعي الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة.

4 – اختلفت الدول المغاربية، المعنية بالمقارنة، في المقاربات المعتمدة في ترقية التمثيل السياسي للمرأة في المجالس المنتخبة، ومن ثم تكريس الأحكام الدستورية المتعلقة بهذا الشأن في عدتها القانونية والتشريعية، ففي الوقت الذي تبنت الجزائر «نظام الكوتا النسبية»، من خلال وضع نسب محددة للنساء في المجالس المنتخبة تراوح ما بين 20 بالمئة و50 بالمئة من المقاعد بالنسبة إلى انتخابات المجلس الشعبي الوطني، وما بين 30 بالمئة و35 بالمئة من المقاعد بالنسبة إلى انتخابات المجالس الشعبية الولائية والبلدية، عبر تخصيص قانون كامل وهو القانون العضوي الرقم 12 – 03 الذي يحدد كيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، اعتمدت تونس «كوتا تناصفية» عبر إعداد قانون جديد للانتخابات والاستفتاء نص على قاعدة التناصف والتناوب بين الرجل والمرأة (التناصف العمودي) في قوائم الترشيحات لانتخابات مجلس نواب الشعب. أما بالنسبة إلى انتخابات المجالس البلدية والجهوية فقد تبنت قاعدة التناصف بين الرجل والمرأة داخل كل قائمة (التناصف العمودي)، مع تطبيق قاعدة التناصف بين الرجل والمرأة في رئاسة القوائم الحزبية والائتلافية التي تترشح في أكثر من دائرة انتخابية (التناصف الأفقي). أما المغرب فقد خصص «كوتا عددية» من 60 مقعداً للنساء في الانتخابات التشريعية عبر إصدار قانون تنظيمي جديد متعلق بمجلس النواب، و«كوتا نسبية» للنساء تعادل على الأقل ثلث (1/3) المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية في الانتخابات المحلية عبر إصدار قانون تنظيمي جديد متعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية.

5 – كانت المغرب، من الناحية التشريعية، سباقة في تبني قانون يخصص حصة أو «كوتا» للنساء في المجالس المنتخبة سنة 2011 بمقتضى القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، والقانون التنظيمي الرقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، تلتها الجزائر سنة 2012 بناء على القانون العضوي الرقم 12 – 03 الذي يحدد كيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، وأخيراً تونس سنة 2014 بموجب القانون الأساسي عدد 16 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء.

6 – كانت المغرب، من الناحية الواقعية، سباقة في تخصيص «كوتا» للنساء، حتى في ظل عدم وجود قانون ملزم بذلك، حيث اتفقت الأحزاب السياسية المغربية على تخصيص اللائحة الوطنية المكونة من 30 مقعداً لفائدة النساء بمناسبة الانتخابات التشريعية في 27 أيلول/سبتمبر 2002، تلتها تونس التي اعتمدت لأول مرة «نظام كوتا» طوعية بين الأحزاب السياسية بمناسبة الانتخابات التشريعية لسنة 2004، في حين لم تطبق الجزائر «نظام الكوتا» إلا في سنة 2012 بعد صدور القانون العضوي رقم 12 – 03.

7 – في ضوء نسب التمثيل الحالية للمرأة في البرلمانات، فقد كان ترتيب الدول المغاربية المعنية بالمقارنة على النحو الذي يبيّنه الجدول الرقم (4):

الجدول الرقم (4)

ترتيب الدول المغاربية في مجال نسب تمثيل المرأة في البرلمانات

الدولةعدد النساءعدد النوابالنسبة المئويةالترتيب المغاربيالترتيب العربيالترتيب الإفريقيالترتيب العالمي
الجزائر11946225.8231665
تونس7621735111143
المغرب8139520.5392594

المصدر: إحصاءات الاتحاد البرلماني الدولي، <http://archive.ipu.org/wmn-e/classif.htm>.

8 – أقرت تشريعات الدول المغاربية المعنية بالمقارنة تحفيزات مالية للأحزاب السياسية من أجل تشجيع ترقية التمثيل السياسي للمرأة في المجالس المنتخبة، وفي المقابل نصت نفس التشريعات على رفض القوائم الانتخابية التي لا تتضمن الحصص المخصصة للمرأة كإجراء عقابي.

خاتمة

انطلاقاً مما سبق، يتضح أنه في سبيل التكيف مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة، أخذت الدول المغاربية، ومنها الجزائر، على عاتقها مسألة التكفل بضمان التمثيل السياسي للمرأة في المجالس المنتخبة، وقد تم ذلك من خلال تضمين الدساتير أولاً مبادئ وأحكاماً متعلقة بهذا الشأن، ثم وضع الإطار التشريعي المناسب، الذي أقر إجراءات استثنائية، متمثلة على الخصوص بتبني «نظام الكوتا» بمختلف تطبيقاته.

إن تعزيز التمثيل العددي للنساء لا يعني بالضرورة زيادة تأثيرهن ونفوذهن السياسي، حيث يسيطر الرجال تقليدياً على السياسة في المنطقة العربية، لأن معظم الأحزاب والمشرعين الذكور ينظرون بازدراء إلى «نظام الكوتا»، وهم لا يكادون يتيحون فرصاً، أو لا يتيحون أي فرص على الإطلاق لتدريب النساء أو إشراكهن‏[49].

ولمواجهة مختلف التحديات والإكراهات التي تحول دون تمثيل حقيقي وفعّال للمرأة في الحياة السياسية، يتعين العمل على خلق مناخ ملائم ومحفز على مشاركة المرأة وانخراطها الفعّال في الحياة السياسية من خلال تشجيعها على الانضمام إلى الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات التي تتولى الدفاع عن الحقوق السياسية للمرأة، ومرافقة النساء وتكوينهن وتدريبهن على تولي المسؤوليات السياسية والقيادية ومواقع القرار، إلى جانب استغلال الوسائط الإعلامية المختلفة في الترويج للنماذج النسائية القيادية الناجحة، علاوة على إيلاء عناية خاصة للمرأة المنتمية للأوساط الاجتماعية الهشة، كون ظروفها قد تزيد عزلتها وتحول دون انخراطها في الحياة السياسية واهتمامها بالشؤون العامة، مع عدم إغفال ضرورة مواصلة المسعى الإصلاحي التشريعي من أجل كافة إزالة أوجه التمييز بين الرجل والمرأة.

 

قد يهمكم أيضاً  تصنيف نمط الرفاه الاجتماعي المغربي باعتماد منظور النوع الاجتماعي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #التمثيل_النسائي #المساواة #التمثيل_السياسي_للمرأة #حقوق_المرأة #المرأة_في_الدول_المغربية #المرأة_في_المغرب_العربي #دراسات