تمهيد:

نشرت قبل خمسة وثلاثين عامًا في مجلة المستقبل العربي دراسة بعنوان «القدس بين التهويد والأمم المتحدة ومشاريع السلام»[1] وكانت أول دراسة علمية أنشرها بعد حصولي على درجة الدكتوراه وعملي بالتدريس في جامعة الكويت. واليوم أعود لأكتب مرة ثانية عن القدس بعد هذه السنوات الطويلة، وذلك نظرًا إلى أهمية هذه المدينة في القضية الفلسطينية. لأن القدس تجمع فيها جميع الأبعاد السياسية والدينية والقانونية والتاريخية والمستقبلية للقضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي، وتظهر بوضوح معالم هذا الصراع بجميع أبعاده التي اعتمدتها إسرائيل لاحتلال فلسطين. وجاء الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل بتاريخ 6/12/1917، متجاهلًا القوانين والقرارات الدولية بما فيها قرار تقسيم فلسطين الرقم 181 عام 1947، الذي أبقى على القدس مدولة من دون أن تكون تحت السيادة الإسرائيلية. وفضح ما تريده إسرائيل من فرض سيادتها على القدس لتكون عاصمة لها أكثر من أهميتها الدينية لها. وكذلك نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. كخطوة أمريكية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن، التي تستند إلى إدعاءات دينية بحق اليهود في المدينة المقدسة بوصفها عاصمة لإسرائيل. علمًا أن الهدف هو فرض السيادة الإسرائيلية على القدس، وإعطاء الشرعية السياسية لإسرائيل في فرض سيادتها على المدينة.

لهذا من الخطأ معالجة قضية القدس من خلال التركيز فقط على الأهمية الدينية والتاريخية، من دون الأخذ في الأبعاد السياسية للقدس التي تريد إسرائيل احتلالها بحجج دينية لفرض سيادتها عليها. ولا يجوز تجزئة الجغرافيا الفلسطينية بادعاءات دينية وتاريخية بمعزل عن بقية الوطن الفلسطيني الواحد، على الرغم من خصوصية القدس. والمطالبة بزوال الاحتلال الإسرائيلي عن الضفة الغربية من دون القدس. وما ينطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 ينطبق على القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

إن الصراع على المدينة غير مرتبط بأهميتها الدينية فقط، بل لأسباب سياسية وسيادية أيضًا تريد إسرائيل تحقيقها من سيطرتها على المدينة. ولا يجوز إخراجها من الصراع على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكد الاعتراف الأمريكي بها عاصمة لإسرائيل صحة التوظيف الديني للمدينة لبقائها ضمن السيادة الإسرائيلية عليها، إذ تدعم الولايات المتحدة الادعاءات الإسرائيلية دائمًا. فقد صرّح وزير خارجية الولايات المتحدة مايكل بومبيو «أن الرب أرسل ترامب لإنقاذ إسرائيل من إيران»، أي أنه أدخل الدين، لمصلحة إسرائيل في تبرير الحرب على إيران وهو هدف سياسي. وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قد اعترف من قبل بأن «الرب كلّمه لاحتلال العراق وإنقاذ شعبها». ومن الممكن أن يعود الوزير الأمريكي قريبًا ليقول «إن الرب عاد واتصل بترامب وطلب منه الموافقة على ضم الجولان السورية المحتلة لإسرائيل». وإذا استمر هذا التواصل وتوظيف الدين في السياسة سيدّعي بعد مدة أن صفقة القرن وتصفية القضية هي إرادة ربانية بالمفهوم الأمريكي، وليست لأسباب سياسية.

تركز الورقة على الأهمية السياسية للصراع على القدس، وعلى دحض الادعاءات الإسرائيلية بأن احتلالها للمدينة يعود لأسباب دينية توراتية فقط. والتشديد من الجانب العربي والفلسطيني على أن قضية القدس هي قضية سيادة وسياسة وليس قضية عبادة فقط.

أولًا: البعد الديني للقدس

تذكيرًا بما جاء في وعد بلفور عام 1917، نجد أنه جاء فيه حق «الطوائف» في إقامة شعائرها الدينية في القدس «تحت السيادة الإسرائيلية»، وأن وعد بلفور «لن يؤتي» بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين». وأعطى الحق للفلسطينيين بالصلاة في القدس ولكن تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي. وهو ما تريده الولايات المتحدة الآن في دعم الموقف الإسرائيلي الديني لليهود كمبرر من أجل أن تكون تحت السيادة الإسرائيلية وعاصمة سياسية لها.

تربط إسرائيل سياستها، وبدعم أمريكي دائم، بالأبعاد الدينية واصفة احتلالها لفلسطين بالإرادة الإلهية. وكشف السفير الأمريكي لدى إسرائيل دايفيد فريدمان مؤخرًا، أن اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل التي وُقعت ستعرف باسم «اتفاق إبراهيم»، حيث سميت على اسم «أبي الديانات الثلاث الكبرى»، المسيحية والمسلمة واليهودية، النبي إبراهيم عليه السلام. ويجسد الاسم، ديانات الدول الثلاث المشاركة فى الاتفاقية «الإسلام (الإمارات)، اليهودية (إسرائيل)، المسيحية (الولايات المتحدة الأمريكية)، وهي الديانات السماوية الثلاث، أو المعروفة بالإبراهيمية نسبة إلى أبي الأنبياء النبي إبراهيم عليه السلام».

وتأكدت الأطماع الإسرائيلية في القدس، في الدراسة التي قام بها دوري غولد مستشار شارون ونتنياهو ومندوب إسرائيل السابق في الأمم المتحدة في دراسته بعنوان «القدس الحل الدائم» التي ذكر فيها عدم وجود أي أهمية سياسية للقدس عند العرب، على أساس أنها لم تكن في أي وقت من الأوقات عبر التاريخ، عاصمة سياسية لهم. بينما كانت القدس كما يدعي دوري غولد عاصمة سياسية ودينية لليهود في عهد داود وسليمان. وتحدث عن الأهمية الدينية للقدس عند المسلمين ولكنها ومع ذلك، لا ترقى إلى الأهمية الدينية لدى اليهود، إذ قلل من أهميتها الدينية. وقال: «ومع أن الحج يعدّ من أركان الإسلام، فإن الأمر بأداء فريضة الحج ينطبق على مكة فقط ولا ينطبق على القدس.. ولا تتضمن الصلوات اليومية عند المسلمين أي إشارة إلى القدس، بينما في التراث اليهودي كانت القدس عاصمة سياسية وروحية. وأن مكة المكرمة على الرغم من قدسيتها للمسلمين، إلا أنها لم تكن عاصمة لهم، بل كانت المدينة المنورة ودمشق وبغداد والقاهرة وإسطنبول هي العواصم السياسية. ولم تطلب الدول الأوروبية أن تكون الفاتيكان عاصمة لكل منهما[2].

إن التركيز على الأهمية الدينية للقدس فقط، يقع في محظور عدم عدها أراضي محتلة أيضًا ينطبق عليها ما ينطبق على بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة. آخذين في الحسبان أن الأمم المتحدة في قرار التقسيم الرقم (181) الصادر عن الجمعية العامة في 29/11/1947، أبقت القدس ككيان خارج السيادة الإسرائيلية التي تريد إسرائيل إخضاعها لسيادتها كعاصمة لها. وعالج الجزء الثالث من قرار التقسيم قضية القدس على أساس أنها منفصلة عن الدولتين العربية والإسرائيلية، وجعل منها كيانًا منفصلًا (Corpus Sepratum) خاضعًا لنظام دولي خاص، تابع لإدارة الأمم المتحدة. وعيّن مجلس وصاية دولي ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عن الأمم المتحدة.

وصدرت عدة قرارات تدين إسرائيل لفرضها سيادتها على المدينة كان أهمها القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة في 2/12/1998 (صوت لمصلحة القرار 149 دولة وعارضته إسرائيل فقط، وامتنعت 7 دول عن التصويت من بينها الولايات المتحدة)، وعَدّ القرارُ جميع الإجراءات الإسرائيلية في القدس باطلة وغير قانونية، وجاء فيه: «إن القانون والسيادة الإسرائيلية في القدس غير قانونية، وإن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل تعد كلها باطلة ولاغية ومن دون أي شرعية على الإطلاق».

ومع أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم (242)، عُدّ من أهم قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي، إلا أنه لم يتحدث عن قضية القدس بصورة مباشرة. بل دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967، وهذا يشمل القدس الشرقية بطبيعة الحال. وعندما أصدرت إسرائيل قانون Basic Law في 30/7/1980، بجعل القدس «الموحدة جزءًا من دولة إسرائيل وعاصمتها»، الذي كان مخالفًا لجميع القرارات الدولية السابقة، التي دعت إلى عدم تغيير معالم القدس الشرقية، اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار الرقم (478) في 20/8/1980، ردًّا على القرار الإسرائيلي، الذي عدّه قرارًا باطلًا. ودعا فيه الدول التي لها بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة المقدسة. ونتيجة لهذا القرار، سحبت 13 دولة بعثاتها الدبلوماسية من القدس. كما اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا رقمه 35/169 في 15/12/1980، انتقد بشدة قرار إسرائيل، وعَدّ التصرف الإسرائيلي بأنه يخالف القرارات الدولية السابقة واتفاقية جنيف لعام 1949.

ثانيًا: فرض السيادة الإسرائيلية على القدس

بعد توقيع الهدنة مع الأردن في عام 1949، صادرت إسرائيل 16,261 دونمًا من مساحة القدس، أي ما يعادل 84.12 بالمئة، وهي ما عُرفت فيما بعد بالقدس الغربية التي اعتبرتها إسرائيل عاصمة لها منذ عام 1950. بينما كانت مساحة القدس الشرقية التي ضُمت إلى الأردن 2220 دونمًا، تعادل 11.48 بالمئة من القدس. وبقيت 850 دونمًا أي 4.39 بالمئة مناطق تابعة للأمم المتحدة. وهذا بالطبع يتعارض مع قرار التقسيم وتدويل القدس.

كما صادرت من عام 1948 إلى ما قبل حرب 1967 ما مجموعه 23 ألف دونم لتصبح مساحة القدس الغربية عشية الحرب 39,261 دونم. ولكن تلك المساحة تضاعفت بعد ذلك نتيجة ضم القدس الشرقية ومصادرة الأراضي المحيطة بالقدس من الضفة الغربية بالقوة وبناء المستوطنات عليها لكي تصل حدود بلدية القدس الكبرى الآن أو ما تطلق عليه إسرائيل «متروبوليتان القدس» إلى 110 آلاف دونم. ولو كانت إسرائيل مهتمة فقط بالأهمية الدينية للأماكن المقدسة اليهودية في القدس، لما توسعت في مصادرة الأراضي في القدس وضواحيها وأقامت المستوطنات حول القدس، حيث ضمت إسرائيل أراضي جديدة للقدس لم تكن تابعة في أي وقت من الأوقات ضمن حدود بلدية المدينة، ليس خلال الانتداب البريطاني ولا خلال الحكم الأردني. وأصبحت مساحة القدس الآن التي تعدها إسرائيل عاصمة موحدة لها، ما يعادل 20 بالمئة من مساحة أراضي الضفة الغربية البالغة 550 ألف دونم. كما ضمت قرى عربية بكاملها وأنشأت مستوطنات إسرائيلية تحيط بمدينة القدس من جميع الجهات. علمًا بأن بعض تلك المستوطنات التابعة لبلدية القدس مثل مستوطنة معاليه أدوميم وعتسيون تبعد من مركز المدينة (القدس القديمة) 17 كم.

وأصبحت القدس الموحدة الآن، التي تعدها إسرائيل عاصمة لها، مكونة من:

(1) القدس الغربية التي كانت تابعة لإسرائيل قبل عام1967، تبلغ مساحتها 39,261 دونمًا وتعادل 35.7 بالمئة من القدس الموحدة (لا يوجد فيها أي أماكن أو آثار دينية يهودية).

(2) القدس الشرقية التي كانت تابعة للأردن (2220 دونمًا) والأمم المتحدة (850 دونم) قبل عام 1967، تعادل نحو 2.8 بالمئة من القدس الموحدة (لم تثبت الحفريات الإسرائيلية وجود ما يدل على هيكل سليمان أو آثار يهودية).

(3) القدس الشرقية مضافًا إليها الأراضي التي ضمت من الضفة الغربية (70,739 دونمًا) منذ عام 1967، تعادل 63 بالمئة من القدس الموحدة.

وهذا يدل على أن 63 بالمئة من مساحة القدس الموحدة حاليًّا، هي أراض قامت إسرائيل بمصادرتها وبناء المستوطنات عليها، أو عدّتها مناطق أمنية يمنع على الفلسطينيين الاقتراب منها بعد مصادرتها بقرار من الحاكم العسكري. وأن 70 بالمئة من عقارات القدس الغربية وأراضيها هي أملاك عربية. وهذا يعني أن القدس الموحدة التي تريدها إسرائيل عاصمة لها هي في الواقع موجودة فوق أراض قامت بالاستيلاء عليها من طريق القوة. ولا علاقة للمستوطنات التي ضمتها إسرائيل والأراضي التي صادرتها وتبعد من الأماكن المقدسة وسط القدس القديمة بالديانة اليهودية، بل استعملت العامل الديني لإعطاء شرعية دينية لهذا التوسع وضم الأراضي الفلسطينية وفرض سيادتها عليها.

وأن أطماع إسرائيل والحركة الصهيونية بالقدس، يدخل من ضمن أطماعهما التوسعية الشاملة في فلسطين والوطن العربي، ولا يمكن فصل قضية القدس ببعدها الديني الخاص عن بقية قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي الأخرى. وهذا يؤكد أن إسرائيل قد استغلت الأهمية الدينية للقدس، لكي تحتل قرى ومناطق شاسعة من أراضي الضفة الغربية وتضمّها إلى المدينة، بحجة أهميتها وبأنها تابعة للأماكن المقدسة الدينية.

وعلى الرغم من الأهمية الدينية للقدس لدى الديانات السماوية، إلا أنه لا يجوز التركيز فقط على هذا البعد على حساب الأهمية السياسية للقدس، وبأنها محتلة مثلها مثل بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة. والبحث في حل القضية على أساس الأهمية الدينية لليهود (كما تريد الولايات المتحدة)، بل لا بد من أخذ البعد السياسي في الحسبان عند البحث عن حل للقضية. وأن تعامل القدس والمستوطنات المحيطة بها مثل بقية المستوطنات المقامة في بقية أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. أي عدم التركيز فقط على البعد الديني للمدينة وهو ما تريده إسرائيل، بل الاهتمام للبعد السياسي وما تمثله القدس من أهمية سياسية للفلسطينيين والعرب كعاصمة سياسية.

ومن المعروف أن الحركة الصهيونية في الأساس هي حركة علمانية، كما أن المجتمع الإسرائيلي بأغلبيته مجتمع علماني غير متديّن. وهذا يدل على أن الإجماع الإسرائيلي على قضية القدس لا يأتي لأسباب دينية فقط، بل لأسباب سياسية أيضًا. كما أن إسرائيل لا تعَدّ دولة ثيوقراطية خاضعة لحكم رجال الدين وهي لا تخضع للقانون الديني ولا للتراث اليهودي. أي أن قوانين الدولة لا تستند إلى القانون اليهودي على الرغم من وجود الأحزاب الدينية في الحياة السياسية.

لهذا فلو كانت المسألة ذات بعد ديني فقط، لكان من الممكن السماح لليهود في العالم بأن يأتوا لزيارة الأماكن التي يدّعون أنها مقدسة بالنسبة إليهم في القدس، مثلما يفعل المسيحيون، من دون أن يطالبوا باحتلال فلسطين لتحقيق هذا الهدف الديني. وهذا يدل على أن هدف الحركة الصهيونية وإسرائيل في الحقيقة لم يكن تحقيق الهدف الديني؛ بل تحقيق الهدف السياسي، وهو استيطان فلسطين وإقامة إسرائيل كمشروع استعماري صهيوني ضد الأمة العربية من أجل تجزئتها وإضعافها، تحقيقًا للمصالح الاستعمارية.

ولهذا فإن مستقبل القدس في ضوء المشاريع والممارسات الإسرائيلية والمواقف الدينية والسياسية للحركة الصهيونية وإسرائيل، لا يدل على إمكان التوصل إلى حل لقضية هذه المدينة، بل سيؤدي إلى استمرار الصراع العربي – الإسرائيلي. لأن الحل لن يأتي من طريق فرض قوة المغتصب على صاحب الحق، ولا من خلال منطق القوة الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، لكي تحتفظ بالقدس عاصمة موحدة لها. بينما الحقوق العربية العادلة في القدس، لا تمتلك القوة للمحافظة على تلك الحقوق. لهذا فإن مستقبل القدس أمام الحقوق العربية، والقوة والغطرسة الإسرائيلية، سوف يبقى من دون حل، إلى أن يحين الوقت ويمتلك العرب القوة من أجل أن يفرضوا حقوقهم الثابتة في القدس على إسرائيل ويحرروها من الاحتلال. وبانتظار ذلك، فإن قضية القدس سوف تستمر، وعلى العرب التمسُّك بحقوقهم في هذه المدينة المقدسة، مهما كانت الظروف والضغوط عليهم. ولقد أثبتت انتفاضة القدس عاصمة فلسطين، أن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن حقوقهم في القدس، وأنهم يدافعون عنها مهما كانت التضحيات التي يقدمونها. كما أثبت التأييد الجماهيري العربي والإسلامي، أن قضية القدس حية في وجدانهم، وأنهم لن يتنازلوا عنها، مهما حاولت إسرائيل فرض السيطرة عليها واحتلالها، والادعاء بوجود حقوق لليهود فيها.

واستغلت إسرائيل موقع القدس في الديانة اليهودية من أجل حث اليهود في أوروبا والعالم على الهجرة إلى فلسطين لا للتعبد، بل من أجل العمل على إنشاء الوطن اليهودي فيها، كحل للمسألة اليهودية في العالم.

كما أن مساحة القدس التي كانت عاصمة داود القديمة لا تتجاوز 1 بالمئة من مساحة القدس الكبرى الآن التي جعلتها إسرائيل عاصمة لها. وهذا يدل على أن إسرائيل التي استغلت الأهمية الدينية والتاريخية للقدس، قد قامت بتوسيع الرقعة الجغرافية للمنطقة التي كانت مهمة لليهود قبل ألفي سنة، لكي تستولي على أراضٍ شاسعة لا علاقة لها بعاصمة داود، وفرض واقع يهودي على المدينة المقدسة وما يحيط بها من قرى وأراضٍ، بحجة الادعاء بأهميتها الدينية والتاريخية لدى اليهود. وهي تزيد على مساحة الأراضي التي تصادرها من الفلسطينيين، من أجل بناء المستوطنات اليهودية فيها وضمها إلى إسرائيل.

إن الهدف السياسي من فرض إسرائيل سيادتها على القدس وفلسطين، هو الذي تريد الحركة الصهيونية وإسرائيل أن تحققه من الإصرار على توسيع مساحة القدس لتشمل مناطق واسعة من أراضي الضفة الغربية، والمطالبة بالقدس عاصمة موحدة لها. وفي الواقع فقد قامت إسرائيل باستغلال البعدين الديني والتاريخي للقدس من أجل تحقيق الهدف السياسي. لهذا فإن الاستيلاء على الأراضي العربية ومصادرتها وإقامة مشاريع استيطانية فيها، تحيط بالقدس من جميع الجهات، وزيادة الكثافة السكانية لليهود في القدس الكبرى، وممارسة ضغوط على الفلسطينيين في القدس وسحب الهويات منهم وطردهم من مساكنهم وتنفيذ سياسة تهويد المدينة ووضع العراقيل أمام المصلين لمنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى. مثل هذه الممارسات التي لها طابع سياسي، لا توجد لها أي علاقة بما جاء في التوراة والتلمود من أهمية للقدس أو بكونها كانت عاصمة لداود. بل إن هذه الممارسات هي سياسة صهيونية استيطانية وعنصرية، تنفذها إسرائيل من أجل المحافظة على وجودها في الأراضي العربية المحتلة.

والقدس مهمة للعرب (مسلمين ومسيحيين) أكثر كثيرًا من أهميتها الدينية والتاريخية والسياسية لليهود. فقد كانت مهمة دينيًّا وسياسيًّا لليبوسيين العرب قبل خمسة آلاف سنة وقبل قدوم النبي إبراهيم، حيث كانت عاصمة دينية وسياسية لليبوسيين قبل أن تكون عاصمة لداود بنحو ألفي عام. وزادت أهميتها لدى المسلمين لكونها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وأصبحت مهمة الآن لأكثر من مليارين من المسلمين في جميع أنحاء العالم. ومهمة كذلك للمسيحيين بسبب وجود كنيسة القيامة وطريق الآلام التي سار فيها السيد المسيح بشوارع القدس، وهو ملاحق من جانب اليهود. لهذا فإن إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بها بسبب الادعاء بأهميتها لليهود الذين لا يتجاوز عددهم في العالم 13 مليون يهودي، يجب أن لا يؤثر في التمسك العربي بها والحفاظ عليها.

إن سياسة الاستيطان التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في القدس وما حولها، هو ما تطمح إليه إسرائيل من التمسك بالقدس الكبرى عاصمة لها. لهذا فمن المفروض أن يتم التعامل مع الأراضي العربية التي استولت إسرائيل عليها في محيط القدس، وأقامت فوقها المستوطنات الإسرائيلية، ذات معاملة بقية الأراضي العربية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي أنها أراضٍ محتلة في حرب 1967، لا يسمح القانون الدولي بالاحتفاظ بها. حتى لا يأتي يوم وتقوم به إسرائيل، بتوسيع مساحة القدس لكي تضم جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتصبح القدس الكبرى عاصمة إسرائيل بالمفهوم الإسرائيلي، تضم كل فلسطين.

وتبقى المطالبة بتحرير القدس وفرض السيادة الفلسطينية عليها مطلبًا سياسيًّا وعند تحقيقه يستطيع الفلسطينيون مسلمين ومسيحيين أن يحجّوا إلى القدس ويعيشوا فيها تحت السيادة العربية لا تحت السيادة الإسرائيلية. وهذا ما يؤكد أن القدس ليست قضية عبادة فقط بل قضية سيادة أيضًا. وهذا يتطلب العمل على تحريرها بالكامل من الاحتلال الإسرائيلي.

 

قد يهمكم أيضاً  فلسطين ضد الولايات المتحدة: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أمام محكمة العدل الدولية

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #القدس #الأهمية_السياسية_للقدس #السيادة_الفلسطينية_على_القدس #البعد_الديني_للقدس #سياسة_الاستيطان_في_القدس #الحركة_الصهيونية #الابعاد_السياسية_للقدس #الاهمية_التاريخية_للقدس  #الاهمية_الدينية_للقدس