مقدمة:

يشهد قطاع الطاقة حول العالم تغييرات كبيرة، نتيجة تزايد الاستهلاك وارتفاع التكاليف من جهة، وتأمين إمدادات الطاقة من جهة أخرى. وأصبح من المؤكد أن مصادر الطاقة التقليدية أو ما يعرف بالوقود الأحفوري معرضة للنضوب عاجلاً أم آجلاً، كونها مصادر غير متجددة، ناهيك بالاستغلال المفرط لهذه المصادر الطاقوية، قصد تأمين الطلب المتزايد على الطاقة على المستوى العالمي، وهو ما تسبب في استنزاف تلك المصادر، وعجَّل بالبحث عن بدائل لهذه الطاقة الآيلة للنضوب؛ وهو ما تجلى في الاهتمام ببعض المصادر الطاقوية البديلة في صورة الغاز الصخري، الذي أصبح محل اهتمام كل دول العالم، خاصة تلك التي تملك إمكانات كبيرة منها، ومن بينها الجزائر، التي أولت اهتماماً كبيراً للاستثمار في هذا المجال، بالتوجه إلى استغلال الغاز الصخري، خاصة بعد نجاح التجربة الأمريكية، التي أصبح يمثل فيها الغاز الصخري جزءاً كبيراً من إمدادات الغاز بصفة خاصة والطاقة بصفة عامة.

سوف نعالج من خلال هذه الورقة البحثية بروز إشكالية الطاقة، وأهمية التوجه إلى الاستثمار في الغاز الصخري والتكنولوجيا المرافقة له، وهذا من خلال عرض التجربة الأمريكية في استغلال الغاز الصخري، وتوجه الجزائر نحو استغلال إمكاناتها من الغاز الصخري، وسنحاول الإجابة عن السؤال التالي:

ما هو واقع الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية وآفاق استغلاله، وما مدى إمكان استفادة الجزائر من التجربة الأمريكية؟

كما تهدف هذه الدراسة إلى تبيان دور الغاز الصخري كمصدر طاقوي بديل في ميزان الطاقة، وما يمكن أن يؤديه في المستقبل، وإيضاح دوره المهم في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وتأمين إمداداتها خاصة في المستقبل؛ كما تهدف إلى إبراز التحديات التي تواجهها الجزائر في مجال استغلال الغاز الصخري.

تكمن أهمية الدراسة في كونها تتناول أحد المواضيع المهمة والحديثة المطروحة خصوصاً في الآونة الأخيرة. كما تتجلى من خلال إبراز الدور الاستراتيجي للغاز الصخري كمصدر بديل للطاقة التقليدية، في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من أجل ترشيد استهلاك الطاقة وتنويع المصادر البديلة لها. وتكمن أهمية الدراسة في إمكان استفادة الجزائر من التجربة الأمريكية، باستغلال احتياطاتها من الغاز الصخري كمصدر طاقوي غير تقليدي، من أجل تثمين استراتيجية الجزائر الطاقوية لتطوير مصادر بديلة لخدمة التنمية المستدامة.

أولاً: ماهية الغاز الصخري

1 – تعريف الغاز الصخري

الغاز الصخري أو غاز الأردواز أو غاز الشيست، هو غاز طبيعي يكون حبيساً بين تشكيلات الطفل الصفحي[1].

والطفل الصفحي هو أحد أهم أنواع الصخور الرسوبية، أو هو بمعنى آخر تكوين صخري رسوبي يحتوي على الطين والكوارتز ومعادن أخرى. وينتمي الغاز الصخري إلى فئة الغازات الطبيعية غير التقليدية، التي تضم أيضاً ميثان الطبقة الفحمية وغاز الصخور الرملية المحكمة (أو الغاز المحكم)، وهيدرات الميثان. إن الكثير من النفط أو الغاز المتكونين في الطفل الصفحي (هذا التكوين يعرف بصخور المنشأ بما أنه مصدر الهيدروكربون) يهاجر إلى الصخور ذات المسامية والنفاذية العاليتين، على غرار الصخور الرملية مثلاً[2].

كما يعتبر الغاز الصخري غازاً طبيعياً يتولد داخل الصخور التي تحتوي على النفط بفعل الحرارة والضغط، ويحتاج هذا الغاز إلى المزيد من المعالجة قبل تدفقه، ولهذا السبب يصنفه المختصون بأنه غاز غير تقليدي. وكما هي حال الغاز الطبيعي التقليدي، يكون الغاز الصخري إما جافاً أو غنياً بالسوائل، ومنها الإيثان المفضل في صناعة البتروكيميائيات[3].

2 – تاريخ ظهور الغاز الصخري

إن أول بئر غاز تجارية في الولايات المتحدة، التي حفرت في ولاية نيويورك سنة 1821، قبل سنوات طويلة من حفر أول بئر للنفط، كانت في الحقيقة بئراً للغاز الصخري، ومن ثم، أنتجت كميات غاز محدودة من تكوينات الطفل الصفحي المتشققة قليلة العمق. مع ذلك، وإلى عهد قريب، فقد ظل إنتاج الولايات المتحدة الإجمالي للغاز الصخري متواضعاً، إذ طغت عليه الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي المستخرجة من مكامن الصخور الرملية. وعلى الرغم من إثبات وجود ثروات في صخور الطفل الصفحي حول العالم منذ سنوات عديدة، لم تعتبر أكثرية هذه الصخور مصادر محتملة لكميات تجارية من الغاز الطبيعي[4].

واستناداً إلى علماء الجيولوجيا، يوجد أكثر من 688 ترسباً للطفل الصفحي في 142 حوضاً رسوبياً حول العالم. ولم تحدد حالياً إمكانات الإنتاج إلا في بضع عشرات منها فقط، أغلبها في شمال أمريكا. وهذا يعني حرفياً إمكان إنتاج الغاز الطبيعي من مئات التكوينات الطفلية حول العالم، وتعد الكميات المحتملة ضخمة جداً، وهو ما يرجح تغيير خارطة سوق الغاز الطبيعي، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والسوق العالمية للغاز الطبيعي المسال[5].

وتشير المعلومات إلى أن أكبر الفرص لإنتاج الغاز الصخري مستقبلاً متاحة في الصين والأرجنتين والمكسيك والجزائر وأستراليا. كما تشير المعلومات الجيولوجية إلى أن هناك مناطق واعدة في بولندا وفرنسا وبريطانيا. وهناك من يفترض أن ترسبات الغاز الصخري موجودة كذلك في الشرق الأوسط، وبخاصة في السعودية[6].

وتؤكد أكثر الدراسات صدقية أن حجم مخزون موارد الغاز الصخري تقدر بنحو 16110 تريليونات قدم مكعب، أي 456 تريليون متر مكعب مقارنة بـ 187 تريليون متر مكعب للغاز التقليدي، ويفترض أن نحو 40 بالمئة من هذا المخزون سيكون ذا جدوى اقتصادية[7].

ويبين الجدول الرقم (1) الاحتياطيات المقدرة من الغاز الصخري، لأهم 10 دول ذات إمكانات كبيرة من الغاز الصخري.

الجدول الرقم (1)

الاحتياطيات المقدرة من الغاز الصخري (البلدان العشرة الأولى)

المرتبةالدولةالاحتياطي المقدرة (مليار م3)
01الصين31220
02الأرجنتين22456
03الجزائر19796
04الولايات المتحدة الأمريكية17500
05كندا16044
06المكسيك15260
07أستراليا12236
08جنوب أفريقيا10920
09روسيا7980
10البرازيل6860
المجموع204372

المصدر: «إدارة معلومات الطاقة الأمريكية،» منتديات الجلفة،          <http://www.djelfa.info/vb/showthread.php>.

وتعتبر الاحتياطيات المقدرة من الغاز الصخري، موارد قابلة للاستخراج اقتصادياً، أو تكوينات صخرية جاذبة، وهي احتياطيات كبيرة، إذا ما قورنت بالاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي بكل أنواعه، فالغاز الصخري المقدَّر في الصين يبلغ 31220 مليار م3، وهي كمية كبيرة، وتأتي الجزائر في المرتبة الثالثة، حيث تبلغ فيها احتياطيات الغاز الصخري المقدر 19796 مليار م3، وتملك الولايات المتحدة الأمريكية ما يعادل 17500 مليار م3 من الغاز الصخري المقدر وهي بذلك تحتل المرتبة الرابعة عالمياً.

3 – استغلال الغاز الصخري: مزايا وعوائق

إن استغلال الغاز الصخري كمصدر طاقوي بديل يمتاز بعدة إيجابيات ومزايا كثيرة، وهذا لا ينفي وجود مجموعة من العوائق أمام استغلال الغاز الصخري. ولعل أهم المزايا والعوائق ما يلي[8]:

أ – مزايا استغلال الغاز الصخري

– إضافة كميات مهمة من الغاز الطبيعي لقاعدة الموارد العالمية.

– تتطلب وقتاً أقصر لأول عملية إنتاج مقارنة بالغاز التقليدي.

– استعمال مصادر طاقة أنظف.

– الاستغلال الواسع لتقنيات الحفر الجديدة حول العالم.

– الرفع من سلامة التموين للبلدان المستوردة للغاز.

ب – عوائق استغلال الغاز الصخري

– ارتياب في التكاليف والقدرة على الدفع.

– شكوك حول إمكان قبول البيئة لتقنيات الإنتاج.

– نسب تراجع غير واضحة ما قد يؤثر، على نحو محسوس، في تقديرات الاحتياطي.

– المعارضة المحلية لاستثمار الغاز الصخري.

ثانياً: تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في استغلال الغاز الصخري

حتى عام 2013، كانت الولايات المتحدة، أهم دولة منتجة للغاز الصخري بكميات تجارية على مستوى العالم، وأصبح يمثل فيها الغاز الصخري جزءاً كبيراً من إمدادات الغاز بصفة خاصة والطاقة بصفة عامة.

1 – إمكانات الغاز الصخري

تقدر آخر الدراسات مخزون الموارد (أي كمية الغاز الحبيس في مكمنه) لخمسة من أكبر أحواض الغاز الصخري في الولايات المتحدة بنحو 3760 تريليون قدم مكعب، تعد 475 تريليون قدم مكعب منها (هناك إحصائية تقول 665 تريليون قدم مكعب) قابلة للاستخراج اقتصادياً[9].

بدأ إنتاج الغاز من التكوينات الصخرية في الولايات المتحدة الأمريكية في وقت مبكر، ففي منتصف عام 2012، بلغ عدد حقول استخراج الغاز الصخري النشطة في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 30 حقلاً[10]. وإذا نظرنا إلى الجدول الرقم (2) فيتبين لنا أكبر تسعة حقول لإنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية.

الجدول الرقم (2)

مستقبل الإنتاج في أكبر حقول الغاز الصخري في الولايات المتحدة

الحقلالآبار الواجب إضافتها سنوياً لتعويض التراجععدد الآبار التي أضيفتعدد الحفارات في تشرين الأول/أكتوبر 2012التوقعات المستقبلية
هانسفيل77481080تراجع
بارنيت1507111242تراجع
مارسيليوس5611244110نمو
فاتفيل70767915تراجع
إيغل فورد9451983274نمو
وودفورد22217061تراجع
غرانيت واش239205لا يوجدتراجع
باكين6991500186نمو
نيوبرارا1111117860ثبات

المصدر: فهد التركي وبيير لاروج، «مستقبل إنتاج النفط والغاز من المصادر غير التقليدية،» جدوى للاستثمار (المملكة العربية السعودية) (كانون الأول/ديسمبر 2013)، ص 23، <http://content.argaam.com.s3-eu-west-1.amazonaws.com/cdc56476-6d54-4ba5-b7f1-7ddd4e8916dd.pdf>.

ولكل حقل خصائص معينة، وهناك تفاوت كبير في الإنتاجية حتى بين أجزاء الحقل الواحد. هذه الخصائص ضرورية لزيادة إنتاج الغاز الصخري في المدى الطويل في الولايات المتحدة الأمريكية. ويتراجع إنتاج آبار الغاز الصخري بسرعة، لكنها تنتج سوائل الغاز الطبيعي، التي تجعل من تلك الآبار مجدية اقتصادياً.

يدعم احتياطي الغاز الصخري المؤكد في الولايات المتحدة الأمريكية، طبعاً مع البنية الأساسية الموجودة للغاز الطبيعي المسيل، إمكان تصدير الغاز الطبيعي المسيل إلى أوروبا، ما ينوع مصادر تزودها بالغاز كما قد يمكِّن من توفير كميات هامشية من الغاز الطبيعي ولكنه لن يعوِّض حاجتها إلى الغاز من روسيا والشرق الأوسط.

2 – طرق البحث والاستكشاف

إن التحول الذي طرأ على إنتاج الغاز الصخري قد تحقق عن طريق الجمع بين تقنيتَي الحفر الأفقي والتصديع المائي، ويتم في هذا الإجراء حفر بئر إلى عمق أقل قليلاً من مستوى الترسبات المعروفة للغاز الصخري، ومن ثم تتم إمالته تدريجاً حتى تقتحم لقمة الحفر طبقة الطفل الصفحي بشكل أفقي، وعند انتهاء الحفر، تكون الصخور المحيطة بالتجويف الأفقي قد ثقبت في العديد من المواضع، وذلك من خلال التصديع الاصطناعي المستحَث عن طريق ضخ المياه عالية الضغط المخلوطة بإضافات خاصة مع الرمل (المعروف بالدعامة) لإبقاء الصدوع مفتوحة[11].

كما تستخدم تقنيات الحفر الأفقي وتشقيق الصخور بالسوائل، وتمتاز هذه التقنيات بالدقة والكفاءة العالية، وهو ما أدى إلى خفض تكاليف الإنتاج إلى درجة تدفع البعض إلى الاعتقاد أن تكاليف مشاريع استخراج الغاز الصخري، تكون أحياناً أقل من تكاليف مشاريع استخراج الغاز الطبيعي التقليدي[12].

ويتم تصديع الصخور بدفع المياه المخلوطة بمواد كيميائية إلى البئر تحت ضغط عال، وتحتوي هذه المياه في الآبار التقليدية، على هلام يرفع من نسبة اللزوجة (عادة ما يكون مشتقاً من صمغ بذور القوار وهو أساساً المستحضر نفسه المستعمل لتكثيف الآيس كريم والسوائل الأخرى)، ويتم ضخ هذا السائل اللزج بضغط عالٍ، وهو ما يصدع الصخور، ويقع بعد ذلك تكسير هذا السائل بكميات قليلة من مركب ذي أساس معدني يسمى مشبكة لخفض لُزُوجته، ومن ثم يتدفق راجعاً إلى خارج الصخور، وقبل أن يتم ذلك، يقع حقن الرمل أو بعض من المادة الأخرى المعروفة بالدعامة في الصدوع، وهذا ما يدعم فتح الصدوع لتمكين الغاز من التدفق.

إن تقنيات التصديع التقليدية اعتبرت مضرة بالإنتاج بسبب مخلفاتها الهلامية، ثم جاء اعتماد تقنية التصديع بالمياه الناعمة (بدون هلام في السائل) بمنزلة ارتقاء معرفي باهر، وأغلب عمليات استخراج الغاز الصخري تجري اليوم بشكل ناعم، غير أنه يمكن استعمال بعض الهلام أحياناً، كما أن الغياب التام للهلام، يسمح بدخول سائل التصديع إلى الشقوق الدقيقة وتوسيعها، والعيب في ذلك هو تفاقم الحاجة إلى كميات أكبر من المياه التي قد تبلغ 5 ملايين غالون للبئر الواحدة[13].

أ – تقنية الحفر الأفقي

ومع التقدم الكبير، الذي منح الغاز الصخري آفاقاً واعدة أصبح يعتمد على تقنية الحفر الأفقي، وهذه التقنية في حد ذاتها ليست بجديدة، إذ يجري العمل بها في جميع أنحاء العالم، كما أن الارتفاع المثير في نسب إنتاج الآبار الأفقية مقارنة بالآبار العمودية يبرر تكلفتها الباهظة، وأغلب هذه الآبار مبطن بأنابيب فولاذية مغلفة بالإسمنت، وسواء كانت مبطنة أم لا، فإن معظم هذه الآبار تنجز عن طريق ما يعرف بعمليات الإكمال متعدد المراحل. إنها تقنية تتمثل في عزل المناطق المنتجة من البئر ومن ثم تصديعها دون سواها. ويجري استعمال تقنية أخرى تقتضي توجيه البئر بزاوية محددة من اتجاه الإجهاد الجيولوجي الأفقي الأقصى، ما يسمح بتكون الصدوع المستعرضة، وهو ما يرفع الإنتاج إلى حدوده القصوى.

ب – تقنية الحفر متعدد الأذرع

لقد برزت تقنية حديثة ومهمة وملائمة لاستغلال الغاز الصخري، وهي تقنية الحفر متعدد الأذرع، ويتم خلالها حفر عدة آبار وإكمالها انطلاقاً من منصة واحدة، وهذا من شأنه أن يقلل الحاجة إلى الطرقات ويقلص من جملة آثار العمليات التي تكون شديدة الوطأة، بخاصة على الأماكن المأهولة والأراضي الزراعية وغيرها من المناطق الحساسة بيئياً. بالإضافة إلى ذلك، تفسح هذه التقنية في المجال لمستوى أرفع من التطور في التعامل مع المواد ما يجعلها مهمة في عملية معالجة المياه.

وتستعمل بعض المواد الكيميائية في عمليات التصديع التي يمكن أن تشتمل على[14]:

– مواد هلامية لإحداث اللزوجة، وهي مشتقة من بذور طبيعية هي صمغ القوار، وأغلب عمليات استخراج الغاز الصخري تجري الآن بنعومة، أي بلا أي مواد هلامية، ولكن قد يستعمل البعض منها أحياناً.

– عامل مشبك يستخدم لرفع لزوجة الهلام (مركبات عضوية – معدنية أساسها البورون أو الزركونيوم).

– مكسرات تستخدم لكسر روابط التشابك في حالة استعمال الهلام (كثيراً ما تكون أنزيمات).

– مزلقات (غالباً بوليميرات).

– مبيدات حيوية (تستعمل الآن تلك التي أساسها البروم عوض تلك التي أساسها الكلور).

3 – إنتاج الغاز الصخري

يتركز إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية في حقول قليلة، حيث بلغ إنتاج أكبر ثلاثة حقول، وهي هانسفيل وبارنيت (في تكساس) ومارسيلوس (في غرب فرجينيا)، نحو 66 بالمئة من إجمالي إنتاج الغاز الصخري في منتصف 2012، وهناك ثلاثة حقول أخرى تلي الثلاثة الأولى من حيث الإنتاج، وهي فايتفيلي (أركنساس) وإيغل فورد ووودفورد (أوكلاهوما)، ويمثل إنتاجها 22 بالمئة من إجمالي إنتاج الغاز الصخري، وبالتالي فإن إنتاج الحقول الستة يشكل 88 بالمئة من إنتاج الغاز الصخري الأمريكي.

تتخذ آبار الغاز الصخري منحنيات تناقص أكثر حدة، فمثلاً تراجع إنتاج آبار هانسفيل بمتوسط 68 بالمئة في السنة الأولى، ثم بنسبة 50 بالمئة في السنوات الثانية والثالثة والرابعة، وهذا الأمر يؤدي إلى تراجع الإنتاج بصورة حادة، ما لم يتواصل حفر الآبار، وعليه فإن إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة سيعتمد على حفر الآبار بصورة متواصلة في الحقول الصخرية[15].

لقد ارتفعت حصة الغاز الصخري من مجموع إنتاج الولايات المتحدة للغاز الطبيعي من 1,6 بالمئة سنة 1996، إلى نحو10 بالمئة سنة 2008. لقد حققت تقديرات احتياطي الغاز الصخري بالولايات المتحدة قفزة هائلة سنة 2008، إذ ارتفعت من 21,7 تريليون قدم مكعب في أواخر سنة 2007، إلى 32,8 تريليون قدم مكعب بعد سنة، وعند نهاية سنة 2008، مثَّل احتياطي الغاز الصخري 13,8 بالمئة من إجمالي موارد الولايات المتحدة المؤكدة من الغاز الطبيعي، بعد أن كان في حدود 9,1 بالمئة عند نهاية سنة 2007. لقد أثار النجاح غير المتوقع لمشروع غاز بارنت الصخري في تكساس بوجه الخصوص التهافت على مصادر أخرى للغاز الصخري في كل الولايات المتحدة[16].

وفي عام 2000 كان الغاز الصخري المؤكد يمثل 1 بالمئة من إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات، وبحلول 2010 بات يمثل 20 بالمئة، وحسب توقعات إدارة معلومات الطاقة التابعة للحكومة الأمريكية، بحلول 2035، سيمثل الغاز الصخري 46 بالمئة من إمدادات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة[17]، وستبقي موارد الغاز الصخري في الولايات المتحدة أسعار الغاز الطبيعي منخفضة نسبياً لفترة ممتدة من الزمن، وكلما طالت هذه الفترة ازداد الطلب على الغاز الطبيعي في قطاعَي النقل وتوليد الطاقة.

وتتوقع وكالة معلومات الطاقة الأمريكية أن يشكل الغاز الصخري نصف إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من الغاز خلال العقدين القادمين، مقارناً بنحو الثلث في الوقت الحاضر، ومن المرجح لثورة الغاز الصخري هذه، أن تقود الولايات المتحدة، إلى الاستقلالية في مجال الطاقة بحلول عام 2020، وعندها لن تكون الولايات المتحدة بحاجة إلى استيراد الغاز أو النفط لتلبية حاجاتها من الطاقة[18].

وحسب وكالة الطاقة الدولية فإن الغاز الصخري الأمريكي سيلبي الزيادة السنوية في الطلب على النفط، التي تتراوح ما بين 1,5 و2 مليون برميل يومياً، وذلك بدلاً من زيادة الإنتاج في الحقول التقليدية التي ستبقى المزود الرئيسي من النفط للأسواق الدولية[19].

وارتفع معدل استغلال احتياطيات الولاﻳﺎت المتحدة من الغاز الصخري بشكل سريع، ومن المرجح استمراره بالوتيرة نفسها خلال السنوات المقبلة مع تطور التقنيات والخبرات في هذا القطاع وانخفاض تكاليف الاستخراج. ومن الأسباب الكامنة وراء حدوث هذه الطفرة:

– إدخال تحسينات كبيرة على عمليات الحفر والتكسير وتقنيات الاستخراج بوجه عام.

– المعرفة التراكمية التي أدت إلى مزيد من خفض في التكاليف وزﻳﺎدة في هوامش الأرﺑﺎح، ما سيضمن استمرار الطفرة إلى ما بعد مراحل الإنتاج الأولى السهلة، ولعل أحد أبرز الأمثلة التي تدعم هذه التوقعات ما حصل في حقول مارسيلو حيث انخفضت تكاليف البئر من 8 ملايين دولار أمريكي إلى 4 ملايين دولار أمريكي[20].

وأكد ديك هولمس (مدير عام سابق للشركة البترولية العالمية «آناداركو»)، أن الاستثمارات الأمريكية التي تقودها هذه الشركة، لاستخراج الغاز الصخري ستمكن من رفع احتياطي الغاز الأمريكي إلى مستوى يضمن تغطية حاجاتها من طاقة الغاز على مدى 100 سنة مقبلة. كما أن الاستثمارات المرتقبة في هذا المجال ستمكن في آفاق 2035 من استحداث ما لا يقل عن 1,6 مليون فرصة عمل جديدة. وفي ما يخص الجوانب المرتبطة بالطرق والأساليب التكنولوجية المتبعة لاستخراج هذه الطاقة، وكذا تقنيات تفتيت الطبقات الصخرية وآثارها في الثروات المائية الباطنية، فقد أكد هولمس أن التقنيات المعتمدة من طرف هذه الشركة مطابقة للمعايير المتعارف عليها، واتخذت كل الاحتياطات البيئية اللازمة للحفاظ على سلامة المحيط[21].

 

4 – تكاليف إنتاج الغاز الصخري

يوجد جدل كبير حول تكاليف إنتاج الغاز الصخري، إذ تتراوح تقديرات أسعار استخراجه في شمال أمريكا بين 4 و8 دولارات أمريكية لكل ألف قدم مكعب. إن هذا التفاوت في التقديرات مهم ومعقد، فمن جهة، يحتج المساندون لفرضية السعر المنخفض بأن استغلال الغاز الصخري يمكن أن يبقى في مستوى ضآلة الثلاثة أشهر الأولى من انطلاق أعمال الحفر، ويقولون أيضاً إن سهولة القيام بالتصديع المائي لمرات عديدة هو سبب وجيه لبقاء الأسعار منخفضة في المستقبل. في المقابل يحتج مساندو فرضية السعر المرتفع بأن تكاليف عمليات الحفر الحالية تعد باهظة وبأنها ستستمر في الارتفاع مع سن قوانين تحمي البيئة، وستضاف تكاليف التعويض عن المياه وإزالة المخلفات الكيميائية إلى أسعار الإنتاج[22]، وتكلف آبار الغاز الصخري النموذجية بين 5 و8 ملايين دولار أمريكي للحفر وإكمال العمل[23].

ويتحدد سعر استخراج الغاز الصخري إجمالاً في ضوء إمكان الوصول إليه، بالإضافة إلى القوانين البيئية ومدى القرب من البنية الأساسية للغاز الطبيعي، وفي أحواض الطفل الصفحي المنعزلة، ستكون الأسعار أعلى بالتأكيد نتيجة الحاجة إلى محطات المعالجة وخطوط أنابيب النقل نحو الأسواق.

ثالثاً: توجه الجزائر نحو استغلال إمكاناتها من الغاز الصخري

بعدما أصبحت قضايا توافر الغاز التقليدي وتكلفته تمثّل إشكالية كبيرة، بدأت الجزائر تخطط لاستبدال تدريجي لهذا الغاز من خلال استغلال مصادر أخرى، قصد تأمين إمدادات الطاقة. ويعتبر استغلال الغاز الصخري، من بين الأهداف التي وضعتها الحكومة الجزائرية في الآونة الأخيرة. وتملك الجزائر احتياطيات كبيرة من الغاز الصخري، ويعتبر استغلال هذا المصدر الطاقوي غير التقليدي، كبديل للغازات التقليدية، من أهم انشغالات الدولة.

1 – إمكانات الجزائر من الغاز الصخري

تمتلك الجزائر تكوينات صخرية جاذبة كبيرة (707 تريليونات قدم مكعب، نحو 19796 مليار م3). تقع أكثر التكوينات جاذبية في جنوب البلاد، ولكنها بعيدة من الموارد المائية، ومع ذلك فإن العديد من شركات النفط العالمية مثل أكسون – موبيل، وإي أن آي وشركة شل، أبدت رغبتها في القيام باستكشافات في تلك المناطق. وفي ضوء بعض التراجع في حصتها في أسواق تصدير الغاز المسال، وكذلك بلوغ إنتاجها من احتياطيات النفط التقليدي مرحلة الثبات، فقد ذكرت تقارير أن الحكومة ستقوم بتخفيف النظام الضريبي بهدف جذب المستثمرين الأجانب، وستتضح الرؤية حول مدى سرعة الجزائر في تطوير إنتاجها من الغاز الصخري بعد أن تثبت الاستكشافات الأولية للآبار جاذبية التكوينات الصخرية، وبعد أن تقر الحكومة سياساتها الرامية إلى جذب المستثمرين الأجانب[24].

وصادق البرلمان الجزائري في بداية حزيران/يونيو الماضي على قانون يتيح للحكومة البدء في استخراج الغاز الصخري، وتعهد رئيس الحكومة خلال محاولته إقناع نواب البرلمان بالقانون باتخاذ الاحتياطيات اللازمة والتدابير الوقائية خلال عمليات استغلال هذه الطاقة الكثيرة للجدل، للحفاظ على البيئة والمياه الجوفية، ويتخوف السكان من تأثير استغلال الغاز الصخري في المنطقة في البيئة والزراعة وفي المياه الجوفية، ومن انتشار مرض السرطان، بفعل المواد الكيميائية التي تستعمل عادة في استخراج الغاز الصخري، وهي المواد التي يعتقد المحتجون أنها ستمس المياه الجوفية والأراضي الزراعية والواحات التي تعج بها المنطقة.

أعطى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الضوء الأخضر للحكومة للشروع في استغلال احتياطيات البلاد من الغاز الصخري من دون المساس بالبيئة.

وجاء في بيان لمجلس الوزراء نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أن الاجتماع الذي ترأسه بوتفليقة، وافق على ممارسة نشاطات تتعلق باستغلال التشكيلات الجيولوجية الطينية والصخرية. ووفق البيان، فإن المؤشرات الأولى المتوافرة تبرز قدرات وطنية معتبرة من الغاز الصخري، كما تبرز آفاقاً واعدة من حيث الكميات الممكن استخراجها. ويستدعي تأكيد الطاقة التجارية لهذه الموارد برنامجاً يتضمن 11 بئراً على الأقل، ويمتد بين 7 و13 سنة. وكان تقرير لوزارة الطاقة الأمريكية حول احتياطيات المحروقات غير التقليدية أكد أن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالمياً، بعد الصين والأرجنتين من حيث احتياطيات الغاز الصخري القابلة للاستخراج.

ووفق التقرير، تقع هذه الاحتياطيات المقدرة بـ 19800 مليار متر مكعب، في أحواض جنوب البلاد[25]. يبين الجدول الرقم (3) أهم أحواض الغاز الصخري في الجزائر.

الجدول الرقم (3)

أهم أحواض الغاز الصخري في الجزائر

الرقمالحوضالاحتياطيات المقدرة
1مويدير 

نحو

19800 تريليون م3

2أحنات
3بركين
4تيميمون
5رقان
6تندوف

المصدر: من إعداد الباحثين بالاعتماد على:
“الجزائر تسمح ببدء استغلال الغاز الصخري،”
الحياة، ٢٢ / ٥/ ٢٠١٤، <http://alhayat.com/Articles/ 2533615>.

وحسب نائب رئيس المجمع الطاقوي النرويجي ستات أويل (الجزائري قدور عواد)، فإن احتياطي الجزائر من الغاز الصخري، يصنف ضمن العشرة الأوائل في العالم. وقد أوضح، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية في شباط/فبراير 2014، أن تصنيف الجزائر في قائمة البلدان العشرة الأكثر توافراً على احتياطيات الغاز الصخري، يأتي نتيجة إجماع جل الهيئات الدولية المتخصصة في هذا المجال. وأكد أن الجزائر تتوافر على أحواض معتبرة ومتفرقة من الغاز الصخري، ما سيكون حافزاً لإحداث نهضة صناعية واقتصادية مستقبلاً بالاعتماد على هذه الموارد الغازية الجديدة[26].

وكانت شركة سوناطراك، قد حققت في 2011، أولى آبارها من الغاز الصخري في حوض أحنات الواقع جنوب عين صالح، وتبين أن هناك إمكانات واعدة[27].

وتبين الخريطة الرقم (1) التمركز الجغرافي لأهم أحواض الغاز الصخري في الجزائر.

2 – ضرورة الاستفادة من خبرة الشركات الأمريكية

إن تقنيات وتكنولوجيات استغلال الغاز الصخري يمكن أن تكون متاحة في كل مكان في العالم، كونها مستعملة من قبل كبريات الشركات العاملة حول العالم، وقد تكون تقنية الحفر الأفقي أسهل الخبرات نقلاً، ولكن التكلفة الباهظة للمعدات ومواد التصديع، فضلاً عن حجمها الهائل، قد تحد من إمكان إتاحتها في بعض الأمكنة في العالم. إضافة إلى ذلك، فإن أكبر الشركات العاملة مستقرة في الولايات المتحدة، ويمكن الاستفادة منها، عن طريق إقرار السياسات الرامية إلى جذب المستثمرين الأجانب، وتوفير المناخ اللازم لذلك.

الخريطة الرقم (1)

أماكن وجود أحواض الغاز الصخري

المصدر: «Gaz de schiste en Algérie: Un nouveau désastre pour la population, une nouvelle rente pour son gouvernement,» Frack Free Europe (Octobre 2014), <http://www.algeria-watch.org/pdf/pdf_fr/gdS-algerie.pdf>.

وفي هذا المجال أكد كاتب الدولة الأمريكي للطاقة إيرنست مونيز الذي عقد جلسة عمل بوزارة الطاقة بالجزائر، أن الشركات الأمريكية مهتمة باستغلال المحروقات غير التقليدية في الجزائر. وصرح مونيز عقب لقائه بوزير الطاقة يوسف يوسفي أن الشركات الأمريكية مهتمة بالسوق الجزائرية، لأنها تتمتع بخبرة كبيرة في مجال استغلال الغاز الصخري، سمحت لها بضمان ازدهار اقتصادي واستقلالية طاقوية. وأكد أهمية استغلال الخبرة المكتسبة في الجزائر، مشيراً إلى فرص الاستثمار العديدة التي تتيحها الجزائر لرجال الأعمال الأمريكيين في قطاع الطاقة.

وقد أبرز وزير الطاقة والمناجم الجزائري من جهته، الأهمية الحيوية للأمن الطاقوي في الوقت الراهن مؤكداً أن استغلال المحروقات غير التقليدية وضع الولايات المتحدة في الطريق الصحيح من أجل بلوغ هذا الهدف. وأضاف أن الجزائر تطرقت مع الجانب الأمريكي إلى الأخطار الناجمة عن استغلال الغاز الصخري، والاحتياطيات التي يجب أخذها في عملية الإنتاج. وأكد أن استغلال المحروقات غير التقليدية ليس أكثر تلويثاً من الموارد الأخرى. وحسب الوزير يوسفي، فإن ما يكتب حول أخطار التلوث الناجم عن استغلال الغاز الصخري مبالَغ فيه ومن الأمر الحيوي بالنسبة إلينا استغلال كل الموارد الممكنة من أجل تحقيق الأمن الطاقوي[28].

وكشف أيت الحسين، الوزير السابق في الطاقة والرئيس الحالي لمكتب نالتشيك للاستشارة في مجال الطاقة ويوجد مقره في سويسرا، في حديث أدلى به على شبكة الإنترنت للمجمع الدولي «سي وا سي»، الذي يشرف على تنظيم لقاءات طاقوية وهو مقره بلندن، أن الجزائر تمتلك وسائل لتحويل الغاز الصخري إلى بترول، وفق التجربة الأمريكية التي حققت نتائج كبيرة، لكن يجب ألا تقوم بذلك إلا على المدى الطويل. وأوضح أن تحقيق مثل هذا الهدف يتطلب تحويل تكنولوجيا الشركات البترولية الدولية وتوفير إطار مناسب للاستثمار[29].

3 – تحديات استغلال الغاز الصخري في الجزائر

إن الجزائر مطالبة بتوفير الطاقة للمواطن من جهة، وملزمة بتنويع مصادرها المالية لتتخطى الأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم من جهة ثانية. وعلى هذا الأساس يقول الخبراء إن من الضروري أن تبحث الجزائر عن بدائل للطاقة كاستغلال الغاز الصخري الموجود في الصحراء، رغم أنهم لم يستغربوا تخوفات المواطن الصحراوي من الآثار السلبية التي قد تنجم من وراء هذه العملية، ووصفوها بالمشروعة، لهذا حاولوا طمأنتهم لأن الدولة الجزائرية حريصة على أمنهم. ويرى مسؤولون في وزارة الطاقة أنه لا توجد مخاطر من استغلال الغاز الصخري على صحة المواطنين، وذلك بعد الدراسات العديدة التي سبقت مرحلة الاستكشاف وما من داعٍ للخوف. من جهة أخرى، طمأنت وزارة الموارد المائية مواطني الصحراء، وأكدت أنه لا توجد أي خطورة من عملية استكشاف الغاز الصخري على المياه الجوفية التي تزخر بها المنطقة، كما طمأنت وزارة البيئة من عدم وجود تأثير سلبي في البيئة من جراء عملية استغلال الغاز الصخري[30].

إلى ذلك، طمأن الخبير الطاقوي والبيئي بوزيان مهماه الجنوب الجزائري، بعدم وجود أي أخطار أو تهديدات للغاز الصخري، الذي تعتزم الحكومة استغلاله، مؤكداً أن هذه المادة الحيوية ستكون بديلاً وتشكل إضافة نوعية للاقتصاد الوطني، من خلال استحداث آلاف فرص العمل. وقدم الخبير رؤية علمية في استغلال الغاز الصخري معتبراً أنه، من الناحية الكيميائية، مادة لا تختلف عن الغاز الطبيعي والغاز المنزلي لكنه موجود في الصخرة الأم على مسافة تزيد على 1000 متر. وأوضح أن هذا الغاز موجود في تجويفات صخرية تتميز بكونها ذات مسامات ضيقة جداً ولا تسمح له بالانسياب بشكل جيد على عكس الغاز الطبيعي الموجود في الأحواض الموجودة في التجويفات الباطنية. لذلك ينبغي تكسير هذه الصخرة الأم التي يوجد في تجويفها الغاز الصخري، لتمكينه من الانسياب بشكل جيد. وأوضح أن التجربة الأولى التي خاضتها الجزائر تمت من خلال حفر أول بئر، حيث تم حفرها على عمق 1800 متر عمودياً، و1000 متر أفقياً، وتم استخدام 7 مواد كيميائية فقط، أثبتت التجارب أنها لا تشكل أي خطر على الإنسان أو البيئة. ورداً على سؤال يتعلق بمخاوف سكان الجنوب من احتمال اختلاط مياه الشرب بالمواد الكيميائية المستعملة في استخراج الغاز الصخري، أوضح الخبير، أن الخرائط الجيولوجية الموجودة، تؤكد أن هناك تراكماً بين الأحواض المائية الباطنية والتجويفات الحاوية للغاز الصخري، لكن المعلوم علمياً أن المسافة بين هذه التجويفات والأحواض المائية كبيرة جداً، حيث إن الماء موجود على مسافة 300 متر فقط بينما الوصول إلى الغاز الصخري يتطلب حفر أكثر من 1000 متر، وبالتالي من المستبعد من الناحية العلمية تسرب الغاز الصخري أو المواد الكيميائية من منطقة الصخر الغازي إلى منطقة الأحواض المائية[31].

وفي هذا الاتجاه، أكدت الحكومة الجزائرية أنه لا بد من إيجاد طاقة بديلة في الجزائر، لضمان المستقبل للأجيال القادمة. وأكدت أيضاً مضيَّ الدولة نحو الاستثمار في هذا المجال، ولا سيَّما أن الجزائر تملك ثالث مخزون من الغاز الصخري في العالم، ولا مفرَّ من استغلاله، لكن على المدى الطويل. كما أكدت الحكومة، أنه إذا واصلت الجزائر بالإنتاج الحالي نفسه للمحروقات، فإن كل الدراسات تشير إلى أنه حتى سنة 2030، فالجزائر بإمكانها ضمان الاكتفاء الذاتي فقط، مع نسبة قليلة موجهة للتصدير، وهذا ما يعرض مستقبل البلاد والأجيال القادمة للخطر[32].

من جهة أخرى، ورغم تأكيد إيجابيات الغاز الصخري، فإن عمليات استخراج هذا الغاز تثير تخوفات الخبراء من إمكان تأثيرها في الوضع الصحي للمواطنين وتهديدها المباشر لاحتياطيات البلاد من المياه والطبيعة الجيولوجية للصحراء. وهو ما يجعل استغلال هذا النوع من الغازات مجازفة غير محسوبة العواقب على البلاد. واستخراج الغاز الصخري ربما لا يهدد حياة الجزائريين من منطلق الاستهلاك المباشر، إنما تأتي مخاطره جراء عمليات الاستخراج، التي تتطلب استعمال مواد كيميائية خطيرة وتقنيات التكسير الهيدروليكي، وهذه الأخيرة التي قد تتسبب في تلويث المياه الجوفية في الصحراء ونقل عدوى الإصابة بالأمراض السرطانية، نتيجة وجود كميات من بعض الغازات، التي تعتبر مواد مسببة للأمراض السرطانية، وأمراض أخرى ناجمة عن تلوث الماء بكميات مواد مشعة مثل اليورانيوم. ودعا خبراء في الطاقة الحكومة إلى فتح نقاش وطني بين الفاعلين حول كيفيات استخراج هذا الغاز ومحدداته وكيفية تسويقه، وحذروا من خطورته على البيئة والمواطن، في ظل التقنيات المعقدة التي ينبغي التحكم فيها لاستخراجه، ما ينبغي اللجوء إلى دراسات معمقة لتحديد وقت الاستخراج، والتفكير في تقنيات جديدة لتقليص التكلفة المالية والأثر في البيئة. كما أنه يتوجب منح البلاد الوقت الكافي لدراسة الوضع. وأبدى الكثير من الخبراء، تخوفاتهم من مضاعفات عملية الاستخراج لكون العملية تتطلب استهلاكاً كبيراً للمياه، حيث يتم استهلاك مليون م3، من المياه المحلاة لكل مليار م3 من الغاز الصخري، ما يوجب على الحكومة إلحاق مشاريع الاستخراج باستثمارات واسعة لحفر آبار المياه وإنجاز محطات للتحلية ومحطات لإعادة رسكلة المياه المستعملة[33].

ويرى مختصون أن كل المعطيات التي وفرتها الدراسات العالمية في مجال استغلال الغاز الصخري، تؤكد أن استخراج الغاز الصخري غير مفيد اقتصادياً في المرحلة الأولى، ذلك أنه يوجه لتلبية الطلب الداخلي، وأوضح خبراء أنه من منطلق أن قانون الاستثمار يفتح المجال للأجانب من أجل استغلال هذا النوع من الغاز في الصحراء، ما يؤدي إلى استفادتهم من عمليات الاستغلال دون استفادة الجزائر، فإن التسرع في منح الحقول للأجانب من أجل استخراج الغاز الصخري في هذه الفترة مأساة، ذلك أنها تقنياً وعلمياً لا يمكن أن تتحقق في البلاد إلا بعد 30 سنة[34].

خاتمة

رغم النتائج المحققة من خلال استغلال الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، فليس من المتوقع والسهل أن تنتقل ثورة إنتاج الغاز الصخري من الولايات المتحدة إلى مناطق أخرى من العالم مثل الجزائر. فبالرغم من وجود احتياطيات كبيرة مؤكدة من الغاز الصخري في الجزائر، إلا أن هناك مشكلات فنية، مثل عمق الرواسب الصخرية، وقربها من المناطق الحضرية، ونقص المهارات التقنية، تجعل استغلال تلك الاحتياطيات أمراً مكلفاً، يصعب معها تطوير صناعة مماثلة لما تحقق في الولايات المتحدة في المدى القريب، ما لم تستفد من التجربة الأمريكية في مجال الاستغلال والإنتاج، والاستثمار في خبرات الشركات الرائدة التي تعتمد على أحدث الوسائل والتقنيات اللازمة لعمليات الاستغلال والإنتاج.

كما أن إدراك نتائج تطبيق التجربة الأمريكية في إنتاج الغاز الصخري في الجزائر، وتأثيراتها في إنتاج الغاز الطبيعي والبيئة، يتطلب وقتاً طويلاً، لوجود كميات كبيرة من احتياطيات الغاز الطبيعي، ناهيك بالاستكشافات الجديدة، بالإضافة إلى العديد من المخاوف والتحذيرات، التي من شأنها أن تؤثر في مستقبل استغلال الغاز الصخري في الجزائر. وفي ظل المواقف المنددة باستغلال الغاز الصخري، فربما لا يوجد محفز كافٍ لاستغلال الغاز الصخري، على الأقل في المدى القريب، أضف إلى ذلك ارتفاع تكاليف إنتاج الغاز الصخري مقارنة بإنتاج الغاز الطبيعي، وستواجه الجزائر حتماً تحديات كبيرة في مجال التكاليف وتوفير البنية الأساسية، لاستغلال احتياطياتها من الغاز الصخري، لأن العائدات الاقتصادية ستكون ضعيفة في البداية.

ومن المنتظر أن يثير موضوع استغلال الغاز الصخري لتعزيز الاحتياطيات الغازية للجزائر، نقاشات كبيرة على المستوى العام، لكون الطريقة التي يتم بها استغلال الغاز الصخري، بالتكسير الهيدروليكي تثير انتقادات كبيرة كونها تؤدي إلى تلويث طبقات المياه الجوفية، وبذلك ينبغي على الجزائر – على غرار البلدان التي تزخر بهذا النوع من المخزون الطاقوي الكبير – منح الوقت والتريث للتحكم في التكنولوجيات واكتساب التقنيات اللازمة حتى يتم تفادي مختلف المخاطر سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد البيئي.

ومن خلال دراستنا توصلنا إلى النتائج التالية:

1 – تطور استغلال الولاﻳﺎت المتحدة لاحتياطيات الغاز الصخري بشكل سريع، ومن المرجح استمراره بالوتيرة نفسها خلال السنوات المقبلة، وذلك مع تطور التقنيات والخبرات في هذا المجال بما يؤدي إلى انخفاض تكاليف الاستخراج.

2 – لم يتم تحقيق نتائج مرضية في مجال إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة من الناحية التجارية، إلا بعد تطوير تقنيات التكسير الهيدروليكي، أي عملية دفع المياه والمواد الكيميائية والرمل تحت ضغوط عالية داخل الرواسب الصخرية الزيتية، لاستخراج كميات ضخمة من الغاز، وهذا ما يفرض على الجزائر الاعتماد على تلك التقنيات المتطورة، وذلك بفتح المجال أمام الشركات الأمريكية.

3 – بالنظر إلى الاحتياطيات المقدرة من الغاز الصخري في الجزائر، فإنها تحتل المركز الثالث عالمياً بعد الصين والأرجنتين، وقبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتل المركز الرابع.

4 – رغم وجود احتياطيات كبيرة من الغاز الصخري في الجزائر، وإمكان استغلالها، فإنه لن يخفض بشكل ملحوظ اعتمادها على استغلال الغاز الطبيعي والبترول.

5 – تعتمد تكاليف استغلال إنتاج الغاز الصخري على البيئة الموجود فيها، خاصة عمق تكوين الزيت الصخري، وتوافر المياه اللازمة، والبنية التحتية، وتقع أغلب احتياطيات الغاز الصخري في الجزائر في أمكنة بعيدة في الصحراء، ما قد يشكل عقبة كبيرة لتطوير آﺑﺎر منتجة.

6 – يدعم استغلال الغاز الصخري المؤكد في الجزائر مع البنية الأساسية الموجودة للغاز الطبيعي إمكان زيادة تصدير الغاز الطبيعي.

7 – إن التخوف من الآثار البيئية الناتجة من عمليات التصديع المائي المستعملة في إطار استغلال الغاز الصخري (خاصة من الجانب الشعبي) سوف يؤثر في التوجه نحو البدء في الاستغلال.

ومن أهم التوصيات والاقتراحات التي خرجنا بها بعد دراستنا هذه ما يلي:

أ – لعل الخطوة الأولى في أي تطلع وتوجه نحو المستقبل في مجال الطاقة، تكمن في الاستخدام الرشيد لمصادر الطاقة، بما يشمل البحث عن مصادر بديلة في صورة الغاز الصخري.

ب – ضرورة البدء في عمليات البحث والاستغلال، باستعمال أحدث التقنيات والوسائل المستعملة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي من شأنها أن تكون أكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية والبيئية.

ج – ضرورة زيادة البحث والتطوير في مجال تقنيات استغلال الغاز الصخري، مع الأخذ في الاعتبار أحدث التقنيات المستخدمة في التجربة الأمريكية، والاستفادة من خبراتها على أن يكون ذلك مبنياً على أساس المنفعة المتبادلة.

د – يتعين على الحكومات زيادة الإنفاق على البحث والتطوير وتقديم المعلومات، ودعم الإنفاق من خلال علاقات شراكة، على المستويين المحلي والدولي.

هـ – تشجيع التبادل العلمي والمشورة العلمية بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق عقد الندوات واللقاءات الدورية، وتحديث الدراسات في مجال استغلال الغاز الصخري في الجزائر.

 

قد يهمكم أيضاً  النفط بين النعمة والنقمة دراسة حالة الجزائر (2000-2015)

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الجزائر #الغاز_الصخري #الموارد_الطبيعية #الغاز_في_الجزائر #الثروات_الطبيعية_في_الجزائر #دراسات