منذ إعلان قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام (1948)، حظيت بدعم غربي مادي وعسكري ومعنوي كبير، وخصوصاً رعاية أمريكية استثنائية؛ حيث قدمت الولايات المتحدة الأمريكية دعماً سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً لإسرائيل على مستوى العلاقة الثنائية، وعلى مستوى الموقف والدور الأمريكي في الأمم المتحدة ومنظماتها المنبثقة، فكانت الولايات المتحدة الأمريكية تعترض عبر حق النقض (Veto) على أي محاولة لإدانة إسرائيل، أو أي محاولة لاستصدار أي قرار يلزم إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، ذات الصلة بالصراع العربي- الإسرائيلي أو الاتفاقيات أو المرجعيات القانونية، المتعلقة بالصراع الفلسطيني -الإسرائيلي وعملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية.

إن مواقف الإدارات الأمريكية وسياساتها المختلفة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وعملية السلام، كانت تنسجم إلى حد كبير مع التصورات والرؤى الإسرائيلية؛ فقد عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إقصاء أي دولة أو أي منظمة دولية وغيرها عن أي دور يمكن لها القيام به في قضايا الحل النهائي. وواصلت الإدارة الأمريكية انحيازها في محادثات عملية السلام الفلسطينية -الإسرائيلية عام 1991 في مؤتمر مدريد للسلام، وما تبعه من مفاوضات سرية مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث أدى في النهاية إلى توقيع اتفاقية أوسلو (في أيلول/سبتمبر1993)، والتي لم تعبر في جوهرها عن طموح الشعب الفلسطيني وتضحياته وآماله بنيل حقوقه المشروعة واستقلاله، وكل ذلك كان تحت الرعاية الأمريكية التي قدمت لإسرائيل كل المقوّمات من تسلط وانتهاك للالتزامات والمرجعيات القانونية الدولية.

وقد استمرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدعمها المطلق لإسرائيل على نفس المنهج والمضمون، حتى تبنى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية (آذار/مارس2016) الأجندة اليمينية الإسرائيلية بالكامل؛ حيث تعهد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، والاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل، كما كشف عن تخليه الصريح عن خيار حل الدولتين، وهو الخيار الذي تبناه ثلاثة من أسلافه والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة؛ بكونه السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتحقيق عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية.

ووفق تلك الرؤية، تجاهل ترامب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وعملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية في خطابه الرئاسي الأول (20 كانون الثاني/يناير2017)([1])، فأعطى انطباعاً أولياً على أنه حسم أمره على منح إسرائيل ما تريد تحقيقه، موضحاً بذلك أن عملية السلام يجب أن تتم بين الفلسطينيين والإسرائيليين من دون أي إملاءات أو ضغوط من الآخرين، وبما يتوافق بالدرجة الأولى مع المصلحة الإسرائيلية. فإدارة الرئيس ترامب، تؤكد دائماً بأنها غير مستعدة للضغط على إسرائيل لإجبارها على الالتزام بمرجعية السلام أو بقرارات الشرعية الدولية، وعلى الضد من ذلك فهي تقوم بالضغط السياسي والاقتصادي والمالي على الجانب الفلسطيني المحتلة أراضيه؛ لتقديم المزيد من التنازلات لمصلحة إسرائيل.

لذلك فإن سياسة ترامب وإدارته بخصوص عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية،  اتّسمت بوجه عام بالتخبط وعدم الوضوح والثبات والاستقرار؛ فقد اعتقد الرئيس ترامب بأنه سيحقق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال إدارته الأولى، وذلك بعد أن عجز طوال الوقت أسلافه في الإدارات الأمريكية السابقة عن تحقيقه، إلا أنه تراجع عن مواقفه السابقة بقوله “إن إدارته غير متمسكة بحل الدولتين كأساس لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي”([2])، معتبراً بذلك أن حل الدولتين ليس الطريقة الوحيدة لتحقيق عملية سلام. فبعد حديثه الأول عن حق الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم، والوقوف على الحياد أثناء حملته الانتخابية، انقلب بالكامل متعهداً بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، والدعم المطلق لإسرائيل.

وقد وضعت توجهات ورؤية ترامب تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في منزلة التحول الجذري والتمايز للسياسة الأمريكية التي تبنتها الإدارات الأمريكية السابقة؛ فمواقفه وسياساته الخارجية تخالف سياسات الإدارات الأمريكية السابقة حتى قرارات الشرعية والمرجعية الدولية، وبخاصةٍ في ما يتعلق بقضايا الحل النهائي المتمثلة بمستقبل مدينة القدس المحتلة، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، ومسألة الحدود والأمن والمياه، والمستوطنات الإسرائيلية والاستيطان وحل الدولتين، منسجماً بذلك مع اليمين المتطرف الإسرائيلي وسياساته وأهدافه.

فقد تعددت توجهاته التي تتبنى تحقيق الرؤية الإسرائيلية وأهداف يمينها المتطرف، من التخلي عن عملية حل الدولتين إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، والاعتراف بها عاصمةً موحدةً لإسرائيل، وغضّ الطرف عن المستوطنات الإسرائيلية والاستيطان، وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتعيين الكثير من المتشددين الداعمين لإسرائيل في إدارته. والانحياز وتقديم كل الدعم الممكن لإسرائيل، ومحاولة البحث عن حل إقليمي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يضمن التطبيع العربي معها؛ فقد اعتبرت إدارته أن إسرائيل ومصالحها أساس ومحور السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والانحياز وتغطية احتلالها وجرائمها، ودعمها ورفض العقوبات عليها، الطابع العام لهذه السياسة.

وبناءً على ذلك، سعى ترامب لفرض التطبيع العربي -الإسرائيلي كشرط لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من طريق بناء شبكة من التحالفات الإقليمية تضم مجموعةً من البلدان العربية الوازنة مثل السعودية ومصر إلى جانب إسرائيل، يستجيب الحلف الجديد للمصالح الإسرائيلية الإقليمية وبخاصة تحجيم النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد في سورية. ويهدف التحالف أيضاً إلى التعامل مع التهديدات الناشئة عن المنظمات والحركات التي تتبنى المقاومة مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان. وهناك تسريبات عديدة في هذا الجانب تلفت بصورة محددة إلى دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ممارسة ضغوط شديدة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للاستجابة للمقترحات الأمريكية مع تهديدات بقطع المساعدات المالية للسلطة في حال عدم الاستجابة([3]).

ويوفر كل ما سبق فرصةً توظفها حكومة نتنياهو لمواصلة العمل على تهميش حل القضية الفلسطينية لمصلحة التركيز على إطلاق مسار للتعاون الإقليمي المعلن بالاستفادة من المتغيرات في السياسة الأمريكية الشرق أوسطية، وخصوصاً في ما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والمصالح الأمنية المشتركة بين إسرائيل وعدد من البلدانل العربية تحت شعار مواجهة مخاطر السياسة الإيرانية في المنطقة من جهة، وما يسمى “الإرهاب الإسلامي” من جهة أخرى([4]). فطبيعة مواقف ولغة خطاب بعض العواصم العربية بشأن الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي قد تغيرت، باعتبار أنها لم تعد القضية الرئيسية وأن الخطر الحقيقي على استقرارها يتمثل بالمشروع الإيراني.

وقد عبر تساحي هنغبي* (Tzachi Hanegbi) عن ذلك بوضوح إذ اعتبر أن مصلحة إسرائيل الأساسية تتمثل بتعزيز علاقاتها مع الوطن العربي من خلال جعل تعاونهما السري القائم حالياً أكثر علانيةً، وأشار إلى “أنه من خلال زيادة التعاون العلني، سيتمكن كلا الجانبين من بناء قاعدة أقوى تمكنهما من الانطلاق لمواجهة هذه التهديدات، مع توفير الغطاء للفلسطينيين في الوقت نفسه من أجل التراجع عن مواقفهم في المفاوضات والتقارب من إسرائيل”([5]). وهذا من شأنه أن يزيد من الضغوط على الفلسطينيين في مقابل الضغوط الإسرائيلية وضغوط الإدارة الأمريكية عليهم.

وتسعى الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، إلى إضفاء طابع اقتصادي على عملية السلام، كمغريات أو رشىً في مقابل تنازلات عن ثوابت يتبناها المفاوض الفلسطيني؛ فقد أشار دونالد ترامب أثناء اجتماعه مع محمود عباس في البيت الأبيض (بتاريخ 3 أيار/مايو2017)، إلى تطلعه لدعم الاقتصاد الفلسطيني. ويهدف ترامب إلى دعم وتحسين الوضع الاقتصادي في مناطق السلطة الفلسطينية([6]لتشجيع السلطة الفلسطينية على العودة إلى المفاوضات دون شروط ودون وقف الاستيطان، وبذلك يصبح السلام الاقتصادي بديلاً من السلام السياسي القائم على أساس حل الدولتين. وذلك بتوفير فرص عمل للفلسطينيين مقابل التخلي عن حلمهم بالتحرر وإقامة دولتهم، ومن دون عاصمة في مدينة القدس المحتلة أو عودة اللاجئين الفلسطينيين، أو إزالة للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية المقامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد أوضح كوشنير أن المدخل للسياسات الأمريكية في ظل إدارة ترامب هو المال السياسي، حيث قال: “نقاط الصفقة الفعلية هي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن الخطة الاقتصادية التي نعمل عليها يمكن أن تظهر ما يأتي كجزء من صفقة عندما يتم تحقيقها مع بعض الاستثمارات الضخمة التي تمتد إلى الشعبين الأردني والمصري أيضاً”([7]).

ومن انعكاسات ما سبق، مؤتمر البحرين الذي دعت إليه المنامة وواشنطن والذي عرف باسم “ورشة عمل السلام من أجل الازدهار بهدف التشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية” (عقد بتاريخ 25-26حزيران/يونيو2019) ، حيث جاء متوافقاً مع الرؤية الأمريكية للرئيس ترامب وإدارته؛ حيث تسعى إدارة الرئيس ترامب لجمع وعرض التبرعات والاستثمارات من الدول المشاركة كالسعودية ودول الخليج والتي قد تصل إلى 50 مليار دولار، وذلك من أجل تشجيع السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على القبول برؤية وسياسات الرئيس ترامب وإدارته، من طريق هذا المال السياسي الذي لا يمثل سوى رشوة سياسية فاسدة هدفها نزع الشرعية عن حقوق الفلسطينيين وتصفية قضيتهم.

وفي اختتام مؤتمر البحرين، اتهم كوشنر القيادة الفلسطينية بالفشل في مساعدة شعبها، مؤكداً أن الباب لا يزال مفتوحاً أمامها للمشاركة في خطة واشنطن للسلام الذي انطلق الجانب الاقتصادي منها في هذا المؤتمر. وقال كوشنر إن الباب لا يزال مفتوحاً أمام الفلسطينيين للانضمام إلى خطة السلام الأمريكية التي لم تتضح معالمها السياسية بعد، قائلاً “لو أرادوا فعلاً تحسين حياة شعبهم، فإننا وضعنا إطار عمل عظيماً يستطيعون الانخراط فيه ومحاولة تحقيقه”([8]). وبناءً على تلك المعطيات، فإن إدارة ترامب لا تحمل سوى مقترحات اقتصادية هدفها تحسين الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، وتحسين الحياة اليومية للفلسطينيين، وليس مساعدتهم في الحصول على حقوقهم المشروعة ونيلها. وهذه الخطة تعتبر متناسقة ومنسجمة مع فكر الاحتلال الإسرائيلي.

ويرى الرئيس ترامب أن إسرائيل هي الحليف الأول للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولا بد من حمايتها والدفاع عنها والعمل على تأمين مصالحها وتدعيم أمنها القومي، فالتعامل مع إسرائيل كأمر ثانوي، أو يأتي فيما بعد، لا يجب أن يستمر كما كان هو الحال في عهد أوباما وكلينتون، طبقاً لما أشار إليه ترامب في حديثه أمام مؤتمر (الإيباك)، وقد شدّد على معارضة التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين لأنها تُفقد إسرائيل شرعيتها وتكافئ الإرهاب الفلسطيني بدلاً من مواجهته([9]). وهذا ما يبرر اهتمامه بالسلام الاقتصادي القائم على المال والدعم والرشى بدلاً من السلام السياسي، متجاهلاً ومتنكراً لحقوق الشعب الفلسطيني وتضحياته، ولقرارات الشرعية والمرجعية الدولية ذات الصلة.

وقد وصفت رؤية الرئيس ترامب لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بـ”صفقة العصر”، ويبقى الحديث عنها إعلامياً بأنها مجموعة من السياسات والأفكار لمشروع تسوية أمريكي جديد خارج إطار الشرعية والمرجعية الدولية أو الاتفاقات والتفاهمات المسبوقة والموقعة بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، رغم أنها لم تعرض حتى نهاية (آب/أغسطس 2019)، إلا أن الإعلام والسياسيين يستمرون في الترويج لها، واعتبار رؤية الرئيس ترامب لحل الصراع هي صفقة العصر. وقد أدانت السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خلال فصائله وأحزابه وحركاته هذه الصفقة، واعتبروها بمثابة تخاذل وخيانة جديدة من الولايات المتحدة الأمريكية لحقوقه وقضيته.

وقد أظهر الرئيس ترامب انحيازه بكل صراحة ووضوح، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو قبيل مباحثاتهما في اللقاء الأول الذي جمعهما في البيت الأبيض بتاريخ (20 كانون الثاني/يناير2017)؛ ففي هذا المؤتمر تراجع ترامب عن السياسة الأمريكية الداعمة لحل الدولتين والمنتقدة لاستمرار الاستيطان([10]). وقد أغدق ترامب المديح على نتنياهو، وأكد علاقته الوثيقة بالشعب اليهودي والتزامه بإسرائيل وأمنها، وفي الوقت نفسه كال الاتهامات للفلسطينيين.

ونتيجةً لما سبق، أكدت الإدارة الأمريكية في ظل الرئيس ترامب، مراراً وتكراراً ضرورة تقديم أشكال الدعم كافة لضمان تفوّق إسرائيل، وقد كانت مواقفها متطابقةً تقريباً للمواقف التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة؛ حيث التزمت بصورة واضحة أنها لن تستمر فقط في تقديم المعونة الأمريكية التي لا مثيل لها في دعم إسرائيل، بل إنها سوف تبذل قصارى جهدها لتوسيع هذا الدعم وتعزيزه. وقد أضفت وعود ترامب بزيادة الدعم لإسرائيل؛ جواً من السعادة على الحكومة الإسرائيلية، وبخاصة ضمن صفوف المستوطنين، الذين اعتقدوا بأن إدارته لن تنتقد التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، وهذا أدى إلى ازدياد الدعوات المنادية بضم مستوطنات الضفة الغربية وشرعنتها، وبالتالي القضاء على عملية حل الدولتين التي بات حلم إقامتها وتحقيقها معدوماً.

 

وفي تلك الظروف، تشير كل الدلائل إلى أن ترامب سيستمر في دعم التوجهات والمواقف والأهداف الإسرائيلية، وكَيل الاتهامات على الفلسطينيين والتنكر لحقوقهم، بالتالي شدد على ضرورة حماية إسرائيل من إيران وردعها، وتأييده لإعلان إسرائيل بأنها الدولة اليهودية (The Jewish State). ولم يكتفِ الرئيس ترامب بهذا الانحياز فقط، بل جاوزه إلى أقصى الحدود، إذ أعلن أن “معاملة إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية ستنتهي”، وأشار إلى أن أي اتفاق تفرضه الأمم المتحدة على إسرائيل والفلسطينيين سيكون كارثةً، متهماً المنظمة الأممية بأنها ليست صديقةً لإسرائيل([11])، وشدد على التزامه بأمن إسرائيل، وضرورة اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية، ووقف جميع الهجمات الإرهابية ضدها.

بالتالي انتقلت واشنطن مباشرةً إلى تبني مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف، وكما خالفت التقاليد الأمريكية المتعارف عليها، وذلك عندما أدان ترامب (في كانون الأول/ديسمبر2016) قرار إدارة الرئيس السابق أوباما بالامتناع عن نقض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم (2334) الذي أدان التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، واعتبر الأراضي المحتلة بعد الرابع من (حزيران/يونيو1967) أراضي محتلةً، وكل المستوطنات الإسرائيلية التي بنيت فيها غير شرعية([12]). وهذا يدلل ويبرهن على مدى انحياز إدارة ترامب إلى الجانب الإسرائيلي، وتماهيه في حماية إسرائيل والدفاع عن مصالحها أكثر من اليهود أنفسهم.

ولذلك فإن اعتراف الإدارة الأمريكية في عهد ترامب بمدينة القدس المحتلة عاصمةً موحدةً لإسرائيل (يوم السادس من كانون الأول/ديسمبر2017)، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، أظهر حقيقة الوساطة الأمريكية وانحيازها إلى إسرائيل. وقد أثار الرئيس ترامب باعترافه أن مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة لإسرائيل ردود أفعال عربية وعالمية ساخطة، فعلى الفور أدانت عدة حكومات عربية وإسلامية الخطوة الأمريكية، وعدّت هذه الخطوة بمثابة القضاء على عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنها تمثل تهديداً لاستقرار وأمن المنطقة برمتها.

اعتبر الرئيس محمود عباس، من جانبه، أن قرار ترامب يعكس انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من دورها في الوساطة لعملية السلام، وأن القرار لن يغيّر هوية المدينة وتاريخها، وستظل عاصمة فلسطين الأبدية. بينما دعا إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى النفير الفلسطيني والانتفاضة في وجه القرار الأمريكي([13])، وهو الموقف الذي قارب في مضمونه مواقف الفصائل المسلحة الفلسطينية التي دعت إلى إضراب في الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس المحتلة. بينما دولياً أبلغ الإتحاد الأوروبي إسرائيل رفضه قرار ترامب، في حين انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار الإدارة الأمريكية واصفاً إياه بأنه سيزيد التعقيد في المنطقة ويعرقل عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية([14]).

ويعَدّ قرار الاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمةً موحدةً لإسرائيل، إطاحةً بسبعين عاماً من السياسة الخارجية الأمريكية والتوافق الدولي، ونقطة تحول في عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ التي اعتبرت مصير مدينة القدس المحتلة من أهم قضايا الحل النهائي، والأساس لأي عملية سلام، وذلك لأنها تعدّ أكثر مسائل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تعقيداً ورمزاً دينياً وسياسياً مهمّاً للمليارات من الناس حول العالم.

وتعود ملكية أرض السفارة الأمريكية في مدينة القدس المحتلة إلى لاجئين فلسطينيين والأوقاف الإسلامية في مدينة القدس المحتلة، صادرتها إسرائيل عام 1948. فالأدلة والوثائق الرسمية تثبت الملكية الفلسطينية لهذا الموقع الذي تبلغ مساحته نحو 31.250 م2. وتثبت  محفوظات لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين (UNCCP) في نيويورك، ومكتب السجلات العامة (PRO) في لندن، ووزارة الخارجية الأمريكية، وبلدية القدس، وسجل ملكية الأراضي (الطابو)، ووزارة العدل الإسرائيلية، والأوراق الثبوتية من ورثة الملاك الفلسطينيين، تثبت كلها أن الأرض فلسطينية وتعود أملاكها للفلسطينيين([15]). وهذا يدلل على نيته وهدفه بتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وقد اشترط القانون القاضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، افتتاح السفارة في موعد أقصاه (31 أيار/مايو 1999)، لكن تم منح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سلطةً تخوله تأجيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مدة 6 أشهر، إن وجد في ذلك مصلحةً للأمن القومي الأمريكي. وحده الرئيس ترامب خرج عن الرتابة الأمريكية وكسر كل ما يرتبط بها من تقاليد، حين أعلن عن تفعيل الاعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة عاصمةً موحدةً لإسرائيل، وأكد أنه بذلك “إنما يفي بوعد فشل أسلافه في الوفاء به”([16]). وهذا يؤكد أن ميوله اليمينية المتطرفة وقناعاته الفكرية التي تظهر كراهيته للمسلمين والعرب، ووعوده بدعم إسرائيل بلا حدود، ورؤيته للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وقضايا الحل النهائي، التي اتصفت بها دعايته الانتخابية، بدأت تتحول إلى سياسات عملية على أرض الواقع، متجاهلةً ومتنكرةً لحقوق الشعب الفلسطيني وقرارات الشرعية والمرجعية الدولية.

إن القرار الأمريكي المتمثل بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، والاعتراف بها عاصمةً موحدةً لإسرائيل، قضى على كل الآمال في حل الدولتين، مما أصبح من الماضي ولم يعد منه جدوى، وأن الإدارة الأمريكية لا تقيم أي وزن للحقوق الفلسطينية وتتبنى رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف وأهدافه. ويعَدّ قرار ترامب بمثابة إعلان نهاية الوساطة الأمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحرير الفلسطينيين منها.

فقد أقر نفتالي بينيت – وزير التعليم الإسرائيلي – أن مواقف ترامب المسبقة والداعمة لإسرائيل ستقضي على فكرة الدولة الفلسطينية([17]). وأن هذا الموقف مباغت للسلطة الفلسطينية ولمفاوضاتها؛ حيث ظهر ذلك تماماً في بعض تصريحات الرئيس محمود عباس التي ذكر فيها “أن الفلسطينيين انتظروا أن يفصح الرئيس ترامب عن صفقة القرن، لكن وبشكل منصف لحقوقهم، فإذا به يوجه إليهم صفعة القرن”([18]).

وعلى الرغم من أنه قد كان لقضايا الحل النهائي دور رئيسي في تعقيد الصراع، وعدم تحقيق عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، وتتمثل هذه القضايا بمستقبل مدينة القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من أرضهم عام 1948، ومسألة الحدود والأمن والمياه، والمستوطنات الإسرائيلية والاستيطان، وحل الدولتين. إلا أن إدارة الرئيس ترامب عملت على تفتيتها من طريق الخطوات والإجراءات أحادية الجانب وفرضها بالإكراه على الجانب الفلسطيني ووضعهم تحت الأمر الواقع، وذلك بعد تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بعدم التدخل في هذه الملفات فردياً واتخاذ قرارات حاسمةً بشأنها منذ اتفاقية أوسلو.

فقد تخلت إدارة ترامب عن وعود الإدارات الأمريكية السابقة بخصوص قضايا الحل النهائي؛ حيث أقدمت على خطوات وإجراءات فردية، تمحورت حول إزالة قضايا الحل النهائي التي نتجت من اتفاقية أوسلو، واستخدام أسلوب الإغراءات والعقوبات والضغوط على السلطة الفلسطينية والفلسطينيين للقبول بتلك الخطوات والإجراءات الفردية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، والاستجابة للأهداف والمصالح الإسرائيلية، وذلك من طريق حسم هذه القضايا وإزالتها عن طاولة المفاوضات، بوصفها عائقاً في وجه تحقيق عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية.

وتستند خطوات وإجراءات إدارة الرئيس ترامب على ميزان القوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى الرغم من ذلك؛ فإنها تصرح عن عزمها لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، رغم سياساتها التي تتماهى مع السياسة الإسرائيلية الاحتلالية. فقد بات واضحاً أن الخطوات والإجراءات الأمريكية وسياستها تعمل على تصفية القضية الفلسطينية، من خلال إرغام الفلسطينيين على خطتها، رغم أنها تخالف قرارات الشرعية والمرجعية الدولية والاتفاقات السابقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

وعلى الرغم من توقف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية وفشل كل المحاولات للوصول إلى اتفاق بخصوص قضايا الحل النهائي، إلا أن الإدارة الأمريكية مستمرة في الاستجابة للمصالح والأهداف الإسرائيلية؛ وذلك من طريق تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم، وإهمال قرارات المرجعية والشرعية الدولية التي ضمنت حق عودتهم وتعويضهم، وخصوصاً قرار الأمم المتحدة الرقم (194) الذي كفل حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويض من لحق به ضرر منهم.

فقد انتقلت إدارة ترامب إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين، بعد أقل من شهر على قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، ودأبت هذه الإدارة على تصفية ملف اللاجئين الفلسطينيين – أحد أكثر المواضيع حساسيةً وصعوبةً في قضايا الحل النهائي -؛ فقد أوقفت في (كانون الثاني/يناير2018) نصف الدعم الذي كانت تقدمه (للأنروا)، والذي يقدر بـ 65 مليون دولار. وقررت في (31 آب/أغسطس 2018) وقف التمويل كلياً عنها([19]).

وترى إدارة ترامب أن (الأنروا) تسهم أكثر فأكثر في تعقيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتقلل من فرص تحقيق عملية السلام، وهذا ما يؤكده مبعوث الرئيس الأمريكي كوشنر لعملية السلام ونيكي هيلي – سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة وقتها -، بأن (الأنروا) قد أحدثت حالةً من الاتكالية بين الفلسطينيين، وبأن إصرارهم على حق العودة يناقض كون دولة إسرائيل “دولة الشعب اليهودي”، ويديم الصراع ومن ثم يعطل إمكان تحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين([20]). وبحسب تقارير إعلامية أمريكية، فإن قرار وقف التمويل عن الأنروا قد أتخذ خلال اجتماع بين كوشنر ووزير الخارجية بومبيو، وذلك على الرغم من تحذيرات ومعارضة وزارة الدفاع والمؤسسات الاستخباراتية الأمريكية التي حذرت من العنف الذي قد ينجم نتيجة قطع المساعدات عن الفلسطينيين.

وعلى أثر سياسات الإدارة الأمريكية الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين خدمةً لتل أبيب، بدأ الاحتلال الإسرائيلي بالتنفيذ الفعلي بالضفة الغربية والقدس المحتلة لإنهاء صفة اللاجئ وإغلاق مخيماتهم ومصادرة أراضيها. فقد كشف تقرير بثته شركة الأخبار الإسرائيلية (في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2018)، عن مخطط لبلدية الاحتلال في القدس، لسلب وكالة الغوث جميع صلاحياتها وإنهاء عملها وإغلاق جميع مؤسساتها في المدينة المحتلة، بما في ذلك العيادات ومراكز الخدمات المعنية بالأطفال، إضافة إلى سحب تعريف شعفاط كـ “مخيم للاجئين” ومصادرة الأرض المقام عليها المخيم([21]).

إضافة إلى ما سبق، تسعى إدارة ترامب أيضاً لإقناع البلدان العربية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وهذا ليس غريباً وليس جديداً؛ فالولايات المتحدة الأمريكية هي أول من دعت إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين، عبر خطة مستشار وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ماك غي (McGhee) عام 1949. فقد ضغطت إدارة ترامب على بلدان عربية مضيفة للاجئين الفلسطينيين مثل الأردن، لتوطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، مقابل توجيه المساعدات المالية الأمريكية إليها مباشرةً([22]). وقد يكون الانحياز الكبير والمتماهي للرئيس ترامب ناحية إسرائيل هو الدافع إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً مضمون قرار الأمم المتحدة الرقم (194) وقرارات المرجعية والشرعية الدولية ذات الصلة بهذا القرار؛ فقد أكد الرئيس ترامب أهمية الاعتراف وترسيخ فكرة “يهودية إسرائيل” ونقائها العرقي.

وفي ذات السياق، يعَدّ موقف ترامب من المستوطنات الإسرائيلية والاستيطان، داعماً لها ومتوافقاً مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهذا يدلل على أن هذا الموضوع لن يكون نقطة خلاف أو توتر بين إدارة الرئيس ترامب والحكومة الإسرائيلية كما كان عليه الحال مع إدارة أوباما؛ فقد ندد الرئيس ترامب بقرار مجلس الأمن الرقم (2334) – نص القرار على أن المستوطنات الإسرائيلية كافةً التي أُنشئت على الأراضي المحتلة بعد عام 1967 هي غير قانونية -، وكما أن أيضاً فريق إدارته داعم للاستيطان.

وفي مؤشر على الاطمئنان الإسرائيلي لإدارة الرئيس ترامب، أعلنت بلدية القدس عن المضي قُدماً في مشروع بناء 550 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية يوم تنصيب ترامب رئيساً؛ وذلك بعد أن أجلته بطلب من الحكومة الإسرائيلية حتى انتهاء ولاية أوباما، وحسب نائب رئيس بلدية القدس مئير ترجمان فإن “قواعد اللعبة تغيرت بعد وصول ترامب”([23]). وهذا ما يدلل على دعم إدارة ترامب للمستوطنات الإسرائيلية والاستيطان، فمن الواضح أن الإدارة الأمريكية لن تراقب المستوطنات والاستيطان ولن تقوم بتنديده.

وقد تحدث الرئيس ترامب في (أيار/مايو 2016) لصحيفة ديلي ميل (Daily Mail) البريطانية، موضحاً عن موقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قائلاً: “قد يكون الحياد أمراً غير ممكن، وعلى إسرائيل السير قدماً في بناء المستوطنات في الضفة الغربية”([24]). ومن هنا يكون الرئيس ترامب قد أحدث تمايزاً في السياسة الخارجية الأمريكية بخصوص المستوطنات الإسرائيلية والاستيطان؛ بعد أن كانت الإدارات الأمريكية السابقة ترى في الاستيطان عقبةً بوجه السلام.

في ضوء ما سبق، ليس غريباً إذاً رضا وسرور الحكومة الإسرائيلية واليمين الإسرائيلي والأوساط الإسرائيلية بنجاح ترامب وإدارته بالرئاسة الأمريكية؛ إذ اعتبرت حكومة نتنياهو فوز ترامب فاتحة مرحلةً جديدةً في العلاقات مع الإدارة الأمريكية بعد سنوات من التوتر في العلاقات مع إدارة أوباما، وأنه يمنح إسرائيل فرصةً تاريخيةً للقيام بحملة استيطانية في جميع أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة([25]). وفي ضوء دعم إدارة ترامب للاستيطان من بداية حملته الانتخابية حتى وصوله إلى الرئاسة، فقد أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو بعد تولي ترامب مقاليد الحكم بيومين، في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي السياسي الأمني (الكابينيت)، أنه قرر إزالة جميع القيود السياسية المفروضة على بناء الوحدات السكنية في القدس الشرقية المحتلة، وأكد في الوقت نفسه أن جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية([26]).

وسوف تستثمر إسرائيل أيضاً رؤية وتحركات الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، الهادفة إلى محاربة ما يطلق عليه الإرهاب الإسلامي، للزجّ بالفلسطينيين في هذه الأزمات ومحاولة تصويرهم على أنهم جزء من التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة، مستغلةً بذلك كرهها أيضاً لحركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية، مثل: حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي. فقد اتخذ الرئيس ترامب موقفاً حدّياً ومعادياً من المقاومة الفلسطينية، ويعد أكثر كراهيةً للمقاومة المسلحة لطبيعتها الإسلامية، وقد اتهم كلاً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي تحديداً، بتربية الأطفال الفلسطينيين على “العنف وكراهية اليهود”، علاوةً على اشتراطه قبول الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية، وأبدى تشككه في النزعة السلمية لدى الطرف الفلسطيني، مشيراً إلى أن نزعة الإسرائيليين للسلام هي الأوضح([27]). ويعتقد الرئيس ترامب أن رؤيته وسياساته إزاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تصويب للعلاقات مع إسرائيل.

وقد اعترف ترامب بعد تفاخره لأكثر من مرة، بأنه الأقدر على حل الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي وتحقيق عملية السلام، بـ”أن التوصل لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مهمة صعبة، وأصعب مما كنت أعتقد”([28]). بالتالي فإن المخرجات السياسية كافة لإدارة ترامب تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تبدو أنها لا تبشر بالكثير من التفاؤل لإحياء آمال الفلسطينيين في نيل حقوقهم وإقامة دولتهم المستقلة في المستقبل القريب، وإنما ستراوغ بين استراتيجية إدارة الأزمة واستراتيجية التأييد والدعم المطلق لإسرائيل واستراتيجية تغليب العقوبات والضغوط السياسية والاقتصادية على الدبلوماسية.

وبعد تنفيذ ترامب سياساته المتمثلة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، والاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمةً موحدةً لإسرائيل، وسياساته التي بدأ يعلن عنها بخصوص الصراع وقضايا الحل النهائي، سارع الرئيس محمود عباس إلى رفض الرؤية والخطة الأمريكية التي وصفها بـ”صفعة العصر” في دلالة واضحة على رفض القيادة الفلسطينية لها”([29])، ولا يزال عباس من أقوى المدافعين عن عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، حتى إنه ربط مصيره بالمفاوضات تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية دون أن يطور خطةً بديلةً أو يفكر حتى بحل آخر غير المفاوضات.

والرئيس محمود عباس اليوم في موقف حرج، فهو لا يستطيع التراجع والانقلاب على أسس عملية السلام خوفاً من غضب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عليه، كما حدث سابقاً مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولا يستطيع أيضاً قبول الرؤية الأمريكية لحل الصراع فهي مرفوضة شعبياً وحزبياً من الفلسطينيين بشدة.

وبعد رفض السلطة الفلسطينية لرؤية ترامب وسياساته لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وسياسات إدارته المتمثلة بتبني الرؤية الإسرائيلية للحل، أعلن الرئيس عباس عن قطع الاتصالات الدبلوماسية مع واشنطن، ورفضه للوساطة الأمريكية كوسيط لحل الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي. إلا أن رد إدارة ترامب جاء سريعاً؛ حيث أوقفت الدعم المالي عن مؤسسات السلطة الفلسطينية، وحاربت جهود الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة وتوعدت السلطة بالمزيد من العقوبات في حال التحرك الدولي وتدويل الصراع. وقد أعلنت إدارة ترامب (في 10 أيلول/سبتمبر 2018) عن إغلاق بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، مما أثار ردود فعل غاضبة من المسؤولين الفلسطينيين([30]). وقد تم منح البعثة الدبلوماسية الفلسطينية مهلة شهر؛ لحزم أمتعتها ومغادرة الولايات المتحدة الأمريكية.

وتابعت واشنطن عقوباتها على السلطة الفلسطينية، حيث قررت (في 31 آب/ أغسطس 2018)، وقف التمويل كلياً عن الأونروا، وذلك بسحب أكثر من 200 مليون دولار أمريكي من برامج مساعدات الإغاثة للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. وقد اتخذ هذا القرار بعد قيام الإدارة الأمريكية بتوجيه من ترامب نفسه، بمراجعة المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية وسكان الضفة الغربية وقطاع غزة؛ “لضمان أن يتم إنفاق هذه الأموال بما يتماشى مع المصالح القومية للولايات المتحدة الأمريكية”([31]).

وتزايدت الضغوط على السلطة الفلسطينية بعد أن أعلنت إسرائيل اقتطاع وخصم 500 مليون شيقل من أموال المقاصة* الفلسطينية، وهي تمثل حسب زعمها الأموال التي دفعتها السلطة كرواتب لعائلات الأسرى والشهداء خلال عام 2018 ([32])، وهذا أدى إلى تأخر صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية عن موعدها أو صرفها منقوصةً. وقد دافع كوشنر المكلف من ترامب لإيجاد حل للصراع، عن خطوات الإدارة الأمريكية الأخيرة المتمثلة بالعقوبات وقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ورأى أن سلسلة الإجراءات العقابية ضد السلطة الفلسطينية والفلسطينيين سوف تساعد ولن تؤذي احتمالات تحقيق عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حيث قال: “تم خلق العديد من الوقائع الكاذبة –التي يعبدها الناس- والتي أعتقد أنه يجب تغييرها”، وأضاف “كل ما نفعله هو التعامل مع الأمور كما نراها وبلا الخوف من القيام بالشيء الصحيح، اعتقد أنه في أعقاب ذلك، سيكون هناك احتمال أكبر بكثير لتحقيق سلام حقيقي”([33]).

وحتى تتضح الرؤية، فإن إدارة ترامب تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، من طريق الإجراءات والسياسات الأمريكية إزاء قضايا الحل النهائي، والانسحاب من أي التزام للفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الدولية، ومن ثم السعي لفرض تسوية سياسية أمريكية جديدة، تحاكي الرؤية الإسرائيلية وأهدافها، وإنهاء المطالب الفلسطينية المتمثلة بدولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو (1967) وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة، والاعتماد على الاقتصاد والمال السياسي كمدخل لتسوية الصراع بدلاً من الحل السياسي.

 

للمزيد من المواضيع ذات الصلّة.. اطّلعوا على  قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس: الدوافع والتداعيات

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #ترامب #السياسة_الخارجية_الأميركية #القضية_الفلسطينية #القدس_الشرقية #عملية_السلام #الرؤية_الأمريكية_لعملية_السلام_الفلسطينية_الإسرائيلية #عملية_السلام_في_ظل_إدارة_ترامب #حل_الدولتين #نقل_السفارة_الأميركية_إلى_القدس #صفقة_القرن #وجهة_نظر