تمهيد:

تعَدّ استطلاعات الرأي العام أحد أهم الأشكال المعبرة عن الاتجاهات الشعبية في الولايات المتحدة، وعلى حدِّ تعبير جورج غالوب (Gallup) فإن استطلاعات الرأي العام هي «نبض الديمقراطية»، وبدونها تموت الديمقراطية، وتتلاشى مقوماتها، ومن ثمَّ فهي معبر جيد عن آراء الناس واتجاهاتهم نحو القضايا والسياسات العامة[1]. وتزداد أهمية هذه الاستطلاعات، وكثافة هذه الأسئلة، كلما اقترب نظام الإدارة الأمريكية من نموذج «نظم الحكم المستجيبة» (Responsive Governments)، وجوهرها أن سياسات البيت الأبيض يجب أن تعكس تفضيلات وخيارات المواطنين[2]. ووفقاً لهذا الاتجاه، فإن الرأي العام يقوم بدور حيويّ وفعَّال في السياسات العامة، فهو مصدر هذه السياسات، وهو الحَكَم على نجاحها، ومن ثمَّ يلتمس متخذو القرار وصانعو السياسات العامة التعرف إلى توجهاته وميوله وتفضيلاته، حتى تأتي هذه القرارات والسياسات متسقة مع ميول الرأي العام، ومتفقة مع تفضيلاته[3].

على أنه في المقابل، يوجد اتجاه بحثي يشير أصحابه إلى أن الرأي العام ليس له هذه الأهمية في بناء السياسات العامة؛ فالرأي العام متقلب، وليس لديه المعرفة الكافية للحكم الصحيح على الأشياء، كما أنه غير متسق. كذلك، فإن القادة والسياسيين لا يخضعون للرأي العام لأنهم في الغالب لديهم برامج ورؤى يريدون تحقيقها، سواء رضي الجمهور عنها أم لا[4].

على هذا، فإن العلاقة بين الرأي العام والسياسات العامة هي علاقة ذات اتجاهين: في الاتجاه الأول نرى أن تفضيلات الجمهور العام تؤثر في النشاط الحكومي وفي المخرجات كما هو متوقع في أي نظام حكم ديمقراطي. ورغم ذلك، فإن العلاقة والتشابه بين ما يقوله الناس وما يرغبون فيه من ناحية وما يحصلون عليه من الحكومة هي علاقة متغيرة ومتنوعة عبر الزمن، وتختلف باختلاف القضايا. إضافة إلى ذلك، فإن بعض الجماعات في المجتمع، وبخاصة تلك الجماعات المحظوظة أو التي تتمتع بنشاط سياسي ملحوظ، تميل إلى تحقيق أهدافها السياسية، وهو ما يثير القلق بشأن النتائج المترتبة على عدم المساواة الاقتصادية والسياسية[5]. ويظل السؤال، تحت أي ظروف يحدث التوافق بين الرأي العام والسياسات العامة؟ وما الذي يفسر هذا التوافق بين الرأي العام والسياسات العامة [6]؟

في الاتجاه الثاني تظهر الإشكالية النظرية والمنهجية نفسها أيضاً في علاقة الرأي العام وصناعة القرار في مجال السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تعَدّ العلاقة بين الرأي العام وصناعة القرارات في مجال السياسة الخارجية من القضايا الجدلية المستمرة بين الدارسين والممارسين على حد سواء. وعلى الرغم من كثرة المعالجات العلمية لها والدراسات النظرية والإمبيريقية حولها، فإن هناك درجة منخفضة من اليقين عن اتجاه هذه العلاقة، وعن العوامل والمتغيرات التي تحكمها[7]. بكلمات أخرى، ومن جهة أولى، فإنه في الوقت الذي تبدو العلاقة التوافقية أو الارتباطية بين الرأي العام والسياسة الخارجية الأمريكية واضحة، فإن الدليل على أن هذه العلاقة تمثل أو تعبِّر عن علاقة سببية حقيقية غير واضحة ولا يمكن الحسم باتجاه العلاقة بين الرأي العام والسياسة الخارجية؛ فمن الصعب تحديد أو التنبؤ بما إذا كان الجمهور هو الذي يؤثر في القرار السياسي أم العكس، أي أن القرار السياسي يوجه الرأي العام، أم أن هذه العلاقة تتأثر بمؤثرات أو بمتغيرات أخرى، وهذه العوامل والمتغيرات هي المؤثرة والفاعلة في تحديد شكل العلاقة واتجاهها[8].

من جهة ثانية، هناك جدلٌ ومساجلات أيديولوجية بين المثاليين والواقعيين يتعلق بالدور الذي يجب أن يقوم به الرأي العام في عملية صنع القرار الخاص بالسياسة الخارجية. فوفقاً للواقعيين، فإن الفكرة الأساسية والأطروحة العامة تتمثل بأن الرأي العام يجب أن يكون إسهامه محدوداً جداً في مجال صناعة السياسة الخارجية، وعلى العكس، فإن التقاليد الليبرالية تضع الرأي العام في مركز شرعية القرار السياسي وفعاليته[9].

من جهة ثالثة، هناك اتجاه بحثي يشير إلى أن صناعة القرار الخاص بالسياسة الخارجية هي مباراة ثنائية المستوى، يجب على صنّاع القرار السياسي القيام بهما في الوقت نفسه بشكل متزامن: مباراة بين السياسات الداخلية والسياسات الدولية[10]. ووفقاً لوجهة النظر هذه، فإن صنّاع القرار يُنظر إليهم على أنهم يعملون في موقف ثنائي الأبعاد، ناتج من متغيرات وعوامل مرتبطة بكل من الأبعاد الداخلية والخارجية، وهذه المتغيرات تؤثر في الطريقة التي يعمل بها صنّاع القرار السياسي[11]. وقد صك روبرت باتنام مصطلح «المباراة المتداخلة/المتشابكة (Nested Game) أو ذات المستويين (Two Level Game) لتوضيح كيف يتصرف القادة على الساحة الدولية. وقد أوضحت لورا نيك (Laura Neak) (2003) أن المسافة أو الخط الفاصل بين السياسات المحلية والدولية غامضة أو ضبابية، وهو ما دعا بعض الباحثين إلى محاولة دمج الكلمتين في كلمة واحدة تجمع بينهما (Intermistic) للإشارة إلى التداخل بين هذه القضايا والاهتمامات بين المجالين. ويتم اعتبار الرأي العام واحداً من المتغيرات الداخلية المهمة التي تؤثر في عملية صنع القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية[12]. وقد أشار ريتشارد هاس إلى أن السياسة الخارجية تصنع في الداخل، وأن البيئة المحلية لها تأثير كبير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة[13].

أولاً: الهدف العام للدراسة وإجراءاتها المنهجية

يتحدد الهدف العام لهذه الدراسة في تحليل اتجاهات الرأي العام الأمريكي نحو البلدان العربية والإسلامية خلال العقود الثمانية الماضية، ومذ نشأت استطلاعات الرأي العام الأمريكية في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين وحتى اليوم، وتحليل مخرجاتها، وتحليل أبعاد الصورة العامة لهذه الدول والشعوب في مخيِّلة العقل الأمريكي كما تكشف عنها استطلاعات الرأي العام.

1 – أهداف الدراسة

أ – تحديد أهم الموضوعات التي ركزت عليها استطلاعات الرأي العام الأمريكية في ما يتعلق بالبلدان والشعوب العربية والإسلامية، وتحديد الأوزان النسبية لكل قضية من هذه القضايا في ما يتصل بكل دولة على حدة.

ب – تتبع اتجاهات الرأي العام الأمريكي في القضايا العربية والإسلامية خلال العقود الثمانية الماضية.

ج – التعرف إلى اتجاهات الرأي العام الأمريكي نحو قضية الصراع العربي – الإسرائيلي خلال الفترات الزمنية المختلفة، وتصوراته لسبل حلها.

د – رصد اتجاهات الرأي العام الأمريكي نحو بعض الأزمات والصراعات التي مرت بالبلدان العربية والإسلامية (الصراع العربي – الإسرائيلي؛ المساعدات العسكرية والاقتصادية لبعض الدول؛ ثورات الربيع العربي على سبيل المثال) وتصوراته لطرائق التعامل معها.

هـ – تحليل درجات معرفة الرأي العام الأمريكي بالمعلومات الأساسية عن البلدان العربية والإسلامية، ودرجة تعرضه للتغطية الإعلامية المتعلقة بها.

و – رصد الشخصيات العربية والإسلامية التي ورد ذكرها في استطلاعات الرأي العام الأمريكي، وتحليل اتجاهات الرأي العام الأمريكي نحوها.

ز – تحليل علاقات الصداقة والعداء بين الولايات المتحدة والبلدان العربية والإسلامية كما يتصورها الرأي العام الأمريكي.

ح – تحديد توجهات السياسة الخارجية الأمريكية نحو البلدان العربية والإسلامية وأفضلياتها كما يتصورها الرأي العام الأمريكي.

ط – تحليل معالم الصور الذهنية التي لدى الرأي العام الأمريكي عن الدول والشعوب العربية والإسلامية، وتحليل درجات الثبات والتغير في هذه الصور عبر العقود المختلفة.

2 – منهج الدراسة

تعَدّ الدراسة الحالية دراسة مسحية، تاريخية، مقارنة. فهي مسْحية، من حيث رصدها استطلاعات الرأي العام الأمريكية وتحليلها للوقوف على أهم أشكالها وأنواع أسئلتها، وأبرز نتائجها واتجاهات موضوعاتها المتعلقة بالدول والشعوب العربية والإسلامية. وهي تاريخية من حيث قيامها بتتبع موضوع الدراسة عبر ثمانية عقود، لملاحظة ما طرأ عليها من تغير وتطور. وهي مقارنة من حيث قيامها بتحليل أوجه التشابه والاختلاف، والتقارب والتباعد، بين الاستطلاعات وبعضها بعضاً من ناحية، وبين الفترات الزمنية المختلفة التي أُجريت فيها هذه الاستطلاعات من ناحية أخرى. وهي في هذا كله تستخدم أسلوب التحليل الثانوي (Secondary Analysis) للبيانات، بأشكاله المختلفة، وتصميماته المتعددة.

أسلوب التحليل الثانوي: التحليل الثانوي، في أبسط صوره، هو «إعادة استخدام البيانات المتعلقة بالعلوم الاجتماعية، بعد أن يضعها جانباً الباحثون الذين قاموا بجمعها»[14]. وهو أيضاً «استخدام البيانات المتاحة لإيجاد إجابات عن أسئلة بحثية تختلف عن تلك التي تم طرحها في البحوث الأصلية»[15]. ويمكن أن تتم عملية إعادة الاستخدام بواسطة الباحثين الأصليين الذين قاموا بجمع البيانات في الأساس، أو بواسطة باحثين آخرين لم يكونوا مشتركين أو مهتمين بالبحث الأصلي. ويمكن أن تكون الأسئلة البحثية التي يتم اختبارها في التحليل الثانوي مرتبطة بالبحث الأصلي أو مستقلة ومتميزة عنه. وقد بدأ ظهور هذا الأسلوب بعد أن توافرت، خلال العقود الخمسة الماضية، بنوك معلومات تحتفظ بالبيانات الأصلية التي جُمعت من المبحوثين، وتتيح للباحثين أن يستخدموها نظير رسوم أو مبالغ مالية معينة[16].

3 – مجتمع الدراسة

تُعد جميع استطلاعات الرأي العام التي أُجريت في الولايات المتحدة منذ منتصف الثلاثينيات (1935) من القرن العشرين وحتى نهاية تموز/يوليو 2018، المتضمنة ذكر البلدان والشعوب العربية والإسلامية، والتي تم تخزينها في بنوك المعلومات وأراشيف الرأي العام، هي مجتمع هذه الدراسة وإطارها العام.

وقد تم الاعتماد على قائمة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً)[17]ـ وهي منظمة يبلغ عدد أعضائها 57 دولة (بما فيها البلدان العربية). وقد فضلنا استخدام هذه القائمة بديـلاً لقائمة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لاتساع هذه القائمة وشموليتها من ناحية، ولارتباط كثير من القضايا العربية بالقضايا الإسلامية في الرأي العام الأمريكي، وهذا ما يجعل من الربط بينهما مطلباً بحثياً، ومن الجمع بينهما ضرورة لاستكمال المعني.

وقد تحصلنا على بيانات ونتائج استطلاعات الرأي العام عن هذه الدول، بصورة رئيسية، من خلال التواصل المباشر مع مراكز استطلاعات الرأي العام الأمريكية من ناحية، ومن خلال البحث في قواعد البيانات المتعلقة باستطلاعات الرأي العام الأمريكية، وكانت قاعدة بيانات «آيبول» (iPoll) التابعة لمركز روبر (Roper) هي قاعدة البيانات الرئيسية التي جرى البحث من خلالها، تليها قاعدة بيانات غالوب براين (Gallup Brain)، ثم قاعدة بيانات ICPSR التابعة لجامعة ميتشغان، وقاعدة بيانات معهد هووارد أودم (Howard Odum) للبحوث الاجتماعية في جامعة نورث كارولينا، إضافة إلى بعض مواقع الإنترنت التابعة لمراكز بحثية كبرى مثل مركز أبحاث بيو (Pew Research Center)، وزغبي الدولي (Zogby International)، وغيرها.

وقد بلغ عدد الأسئلة التي تم الحصول عليها وتحليلها 33695 سؤالاً بحثياً، موزعة على العقود الثمانية (1935 – 2018). وقد وردت هذه الأسئلة في 9702 استطلاع (متوسط عدد الأسئلة في كل استطلاع = 3.5 أسئلة لكل استطلاع). ويوضح الشكل الرقم (1) توزيع الأسئلة على العقود الثمانية:

الشكل الرقم (1)

عدد الأسئلة المتعلقة بالبلدان العربية والإسلامية
في استطلاعات الرأي العام الأمريكية 1935 – 2018

 

الجدول الرقم (1)

عدد الأسئلة عن البلدان العربية والإسلامية في استطلاعات الرأي العام الأمريكية (1935 – 2018)

مسلسلالدولةعدد الأسئلةعدد الاستطلاعات التي وردت فيها
1العراق191593661
2إيران30141075
3فلسطين26651035
4أفغانستان26351098
5سورية839502
6مصر838415
7الكويت753221
8السعودية706318
9لبنان652184
10ليبيا603254
11البوسنة506162
12باكستان359224
13الصومال28292
14تركيا182124
15الأردن12592
16السودان10047
17إندونيسيا7558
18اليمن5341
19الإمارات العربية4311
20نيجيريا3830
21ماليزيا2219
22تونس128
23ألبانيا88
24بنغلاديش65
25أوغندا55
26البحرين42
27الجزائر33
28المغرب33
29سلطنة عمان11
30أوزبكستان11
31تشاد11
32أذربيجان11
33موزمبيق11
34بقية دول منظمة التعاون الإسلامي00
مجموع عدد الأسئلة336959702
مجموع عدد الاستطلاعات

ومن الملاحظ، بصفة عامة، أن كثيراً من موضوعات الاستطلاعات عن البلدان العربية والإسلامية مرتبطة بعضها ببعض، وما ينبغي قراءتها إلا مجتمعة. على سبيل المثال، إن نسبة كبيرة من الأسئلة التي طُرحت على الرأي العام الأمريكي عن العراق هي أسئلة ترتبط أيضاً بالكويت، وبالسعودية، وبمنظمة التحرير الفلسطينية. كذلك، فإن استطلاعات الرأي العام عن فلسطين وعن قضية الصراع العربي – الإسرائيلي قد ارتبطت في مراحل تاريخية عديدة باستطلاعات الرأي العام الأمريكية عن مصر (1948 – 1980)، وعن السعودية (1975 – 1980)، وعن لبنان (1980 – 1983)، وعن العراق (1990 – 2006)، وعن الكويت (1990 – 1991)، وعن الأردن (1970 – 2011). كما أن استطلاعات الرأي العام الأمريكية عن سورية مرتبطة في أجزاء كثيرة بلبنان (1975 – 2006)، وهي ترتبط أيضاً في سنيّها الخمس الأخيرة (2014 – 2018) ارتباطاً كبيراً بالعراق، وبخاصة في سيادة موضوع المواجهة الأمريكية مع داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) على هذه الاستطلاعات. لذا فإن الصورة الكاملة ربما لا يمكن تكوين أبعادها ومعالمها الحقيقية من دون الإحاطة الكاملة بتاريخ الاستطلاعات الخاصة بهذه الدول مجتمعة.

تنبغي الإشارة هنا أيضاً، إلى أن ظهور بعض البلدان العربية والإسلامية في استطلاعات الرأي العام الأمريكية هو ظهور دائم ومستمر (على سبيل المثال، فلسطين، ومصر، والعراق، والسعودية) في حين أن الكثير من هذه الدول تظهر في فترة زمنية معينة وتختفي بعدها (على سبيل المثال الإمارات في ما يتعلق بأزمة شركة موانئ دبي وإدارتها للموانئ الأمريكية (2006)، الكويت في أزمتها مع العراق (1990 – 1992)، البحرين في الانتفاضة الشعبية (2011)). وهناك دول تغيب عن المشهد تماماً (قطر، جيبوتي، موريتانيا = صفر).

ثانياً: البلدان العربية والإسلامية على سلم الاتجاهات الأمريكية

تشير نتائج الدراسة إلى أن البلدان العربية والإسلامية لا يقع معظمها في النصف الإيجابي من متصل الاتجاهات نحو دول العالم، بل إن معظمها يقع في النصف البارد (السلبي)، والأكثر حظاً منها هي من تقع في المنتصف أو في منطقة حياد المشاعر؛ ينطبق ذلك على تركيا وإندونيسيا والأردن ومصر والكويت، أما أغلبية الدول (السعودية، باكستان، أفغانستان، العراق، ليبيا، سورية، فلسطين، إيران) فتقع في النصف السلبي من متصل الاتجاهات. وبصفة عامة، لا تقع أي دولة عربية أو إسلامية في منطقة الدول ذات الاتجاهات الإيجابية أو ذات الحظوة في الاتجاهات نحوها (كندا، أستراليا، بريطانيا، إيطاليا، اليابان، ألمانيا، بولندا، إسبانيا، البرازيل، تايوان…). في المقابل، فإن ثمانياً من الدول العشر التي لها النصيب الأكبر من الاتجاهات السلبية، والمشاعر العدائية في الولايات المتحدة، هي دول عربية وإسلامية، وهي على التوالي بحسب درجة العداء لها: إيران، كوريا الشمالية، العراق، فلسطين، أفغانستان، سورية، ليبيا، باكستان، كوبا، السعودية.

وعلى هذا، فإن الاتجاه العام نحو البلدان العربية والإسلامية هو الاتجاه السلبي أو العدائي. وهذا الاتجاه ليس حديثاً أو مرتبطاً بحدث معين، بل هو اتجاه قديم (له شواهد من الاستطلاعات الأولى في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين) ومستمر في العقود الثمانية منذ منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين وحتى اليوم، وهو مستقر بدون أي ارتفاعات أو انخفاضات مفاجئة.

وفي السياق نفسه، واتساقاً مع هذه الاتجاهات السلبية، فإن النظرة العامة تجاه البلدان العربية والإسلامية أنها ليست دولاً حليفة للولايات المتحدة، بل هي في أحسن أحوالها دول صديقة. على سبيل المثال، الاتجاه الغالب نحو السعودية والكويت ومصر والأردن أنها دول صديقة أكثر منها دولاً حليفة، أما إيران وأفغانستان والعراق وسورية فهي دول غير صديقة بل أعداء للولايات المتحدة.

الشكل الرقم (2)

اتجاه الرأي العام الأمريكي نحو عدد من دول العالم 2000 – 2018

المصدر:  Gallup: World Affairs Survey 2000-2018.

 

الشكل الرقم (3)

اتجاه الرأي العام الأمريكي نحو عدد من دول العالم 2000 – 2018

المصدر: المصدر نفسه.

ثالثاً: الرأي العام الأمريكي والصراع العربي – الإسرائيلي

سئل الجمهور الأمريكي عن شعوره بالتعاطف مع أحد الطرفين: الإسرائيلي أم العربي، وكان نص السؤال «في الصراع الحالي في الشرق الأوسط، هل تتعاطف أكثر مع إسرائيل أم مع العرب؟»، وكانت بدائل الإجابات على النحو التالي: أتعاطف أكثر مع إسرائيل، أتعاطف أكثر مع العرب، لا أتعاطف مع أي منهما، أتعاطف مع كليهما بنفس الدرجة. وتوضح نتائج الدراسة أنه على مدار عقود الصراع، كان تعاطف الرأي العام الأمريكي مع إسرائيل ضد العرب بارزاً وواضحاً وثابتاً مستقراً لا يتغير. والفارق كبير بين نسبة من يتعاطفون أكثر مع إسرائيل (41 بالمئة) ونسبة من يتعاطفون أكثر مع العرب (7 بالمئة). الأمر نفسه ينطبق على رؤية الرأي العام لمن المسؤول عن الصراع العربي – الإسرائيلي، إذ تم سؤال الجمهور الأمريكي عن اعتقاده في من يتحمل المسؤولية ويجب لومه على الصراع العربي – الإسرائيلى، وكان نص السؤال «أي الطرفين (إسرائيل – مصر) من وجهة نظرك يجب أن نلومه على المشكلة الحالية بين العرب وإسرائيل؟»، وكانت بدائل الإجابات على النحو التالي: إسرائيل، العرب، لا أحد منهما، كلاهما بنفس الدرجة. وتوضح نتائج الدراسة أن الرأي العام الأمريكي عبر سنوات الصراع المصري – الإسرائيلي كان يحمِّل الجانب العربي المسؤولية عن الصراع ويلومه عليه بدرجة كبيرة (34 بالمئة) مقارنةً بإسرائيل (11 بالمئة)، بينما يرى 14 بالمئة أنهما يتحملان المسؤولية بشكل متساوٍ وبنفس الدرجة، ويرى 21 بالمئة أن المسؤولية قد تقع على أطراف أخرى دولية (الروس على سبيل المثال) (لا أدري/لا رأي لي/غير قادر على الإجابة 20 بالمئة).

وتشير النتائج بصفة عامة إلى عدة مؤشرات: (1) أن أكثر من ثلث الأمريكيين يؤيدون إسرائيل بصورة قاطعة، وأن هذه النسبة شبه ثابتة عبر عقود الصراع؛ (2) أن نسبة التأييد للعرب لا تزيد على 10 بالمئة من الأمريكيين في معظم الأحوال؛ (3) أن هناك نسبة كبيرة قد تمثل أغلبية الأمريكيين (45 – 55 بالمئة) ليس لديهم اتجاه واضح نحو الصراع العربي – الإسرائيلي، أو هم متأرجحون أو ليس لهم رؤية واضحة، وهي النسبة التي كان يجب على السياسات العربية الموجهة للولايات المتحدة استغلالها والتوجه إليها برسائلها في محاولة لاستقطابها والحصول على دعمها وتأييدها عبر عقود الصراع.

الشكل الرقم (4)

في الصراع الدائر في الشرق الأوسط:
هل تتعاطف أكثر مع إسرائيل أم مع الدول العربية (فلسطين)؟

 

الشكل الرقم (5)

هل تؤيد أم تعارض قيام دولة فلسطينية
على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة؟ 1977 – 2018

الشكل الرقم (6)

هل تؤيد أم تعارض بقاء القدس تحت السيطرة الإسرائيلية مع احتفاظ العرب بحقهم في الوصول إلى الأماكن المقدسة؟ (1978 – 2011)

الشكل الرقم (7)

الاتجاه العام نحو سياسات ترامب إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي (2017 – 2018)

 

رابعاً: الرأي العام والسياسة الخارجية الأمريكية بين الانعزالية والتدخل في الشؤون الدولية

يُسأل الرأي العام الأمريكي باستمرار عن رؤيته لتوجه السياسات الخارجية الأمريكية، وهو الصراع بين مبدأين أو اتجاهين: مبدأ العزلة والانكفاء على الأوضاع الداخلية، وهو ما يعرف بمبدأ مونرو، والاتجاه الداعي إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة بدورها في قيادة العالم والانغماس في الشؤون الدولية. ومن الأسئلة التي تُطرح دائماً منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضى وحتى الآن السؤال التالي: «هل تعتقد أنه من الأفضل لمستقبل هذا البلد لو قمنا بدور فعّال في الشؤون الدولية، أم لو بقينا بعيدين من هذه الشؤون الدولية؟» واتصالاً بهذا الموضوع، فقد سُئل الجمهور الأمريكي عدة مرات عن رأيه في ما يجب على الولايات المتحدة القيام به في القضايا العربية والإسلامية.

وتشير نتائج استطلاعات الرأي العام الأمريكية إلى أن هناك اتجاهاً عاماً للابتعاد عن الشؤون العربية والإسلامية وعدم التدخل في القضايا المتصلة بها، وأن هذا الاتجاه كان مسيطراً في كل الفترات الزمنية؛ اتجاه مضطرد نحو الابتعاد وعدم التدخل، وبخاصة إذا كان الاشتراك يعني إرسال قوات أمريكية إلى الخارج، أو تقديم مساعدات اقتصادية أو عسكرية، فهنا تكون المعارضة للتدخل في الشؤون الدولية أكبر، ورغم ذلك فإن السياسات الفعلية للولايات المتحدة كانت دائماً على العكس من هذا التوجه الشعبي.

على سبيل المثال، تشير نتائج الأسئلة التي طُرحت على الرأي العام الأمريكي في ما يتعلق بالشؤون المصرية على مدار العقود الستة الماضية إلى أن هناك اتجاهاً عاماً مطّرداً للابتعاد من الشؤون المصرية وعدم التدخل في القضايا المتصلة بها، مع استثناءات محدودة. الأمر نفسه في ما يتعلق بقضية الصراع العربي – الإسرائيلي، إذ يميل الرأي العام الأمريكي إلى الابتعاد عن القضية، وترك الأطراف المتصارعة تحل مشاكلها بنفسها بعيداً من التدخل الأمريكي المباشر. وكاستجابة للسؤال المتكرر عن الطرف الذي يجب على الولايات المتحدة أن تتعاطف معه في الصراع العربي – الإسرائيلي، كانت الإجابة الأكثر شيوعاً وتكراراً هي «لا أحد منهما» والابتعاد من كليهما. الأمر نفسه كان متكرراً في ما يتعلق بالصراع الإيراني – العراقي.

الشكل الرقم (8)

هل يجب أن تتدخل الولايات المتحدة أم تبقى بعيدة عن الشؤون المصرية؟ (1952 – 2011)

خامساً: بعض تأثيرات الرأي العام الأمريكي في القرارات المتعلقة بالقضايا العربية

بصفة عامة، لا يتم ذكر البلدان العربية والإسلامية في استطلاعات الرأي العام الأمريكية إلا إذا كانت هناك «قضية»، أو «مشكلة» فيها جزء يتعلق بالولايات المتحدة أو بدورها في المنطقة. ينطبق ذلك على الاستطلاعات الخاصة بالسعودية، أو العراق، أو الكويت، أو إيران، أو غيرها من الدول. ويتوقف الدور الذي يؤديه الرأي العام إزاء هذه القضية وفقاً لنوع القيادة في البيت الأبيض، ولطريقة إدارتها لعلاقتها بالرأي العام الأمريكي.

على سبيل المثال، فإن بعض الرؤساء الأمريكيين يميلون إلى اتخاذ قراراتهم في ما يتعلق بالسياسة الخارجية من دون اعتبار كبير للرأي العام، ويحاول هؤلاء الرؤساء أن يكوّنوا الرأي العام في صورة تؤيد مواقفهم سواء بأساليب مقبولة أو بالخداع. وهناك طرق وأساليب متعددة استطاع الرؤساء الأمريكيون من خلالها خداع الرأي العام وتضليله في ما يتعلق بالقضايا العربية، وتعَدّ حرب العراق (2003) مثالاً جيداً في هذا المجال، إذ تم الربط بين العراق وأحداث 11 أيلول/سبتمبر، وزُعم وجود أسلحة نووية لديها، وربُط بينها وبين تنظيم القاعدة، وغيرها من المزاعم التي ثبت عدم صحتها فيما بعد. طريقة أخرى أو أسلوب آخر هو السيطرة على كل مصادر المعلومات عن القضية. على سبيل المثال، في حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت 1991) سيطرت وزارة الدفاع الأمريكية على كل المعلومات المتعلقة بالعمليات القتالية/العسكرية في الخليج، وكان صوت وزارة الدفاع الأمريكية هو الصوت الوحيد والمصدر الوحيد للمعلومات التي كان كثير منها غير صحيح أو مبالغاً فيه.

وأحياناً تؤدي العلاقة التبادلية بين الرأي العام والقادة دوراً كبيراً في اتخاذ القرار السياسي، حدث ذلك في قرار كلينتون بسحب القوات الأمريكية من الصومال (1993) بعد الخسائر البشرية الفادحة للقوات الأمريكية هناك، وضغوط الرأي العام الأمريكي للانسحاب الأمريكي من الصومال. حدث الأمر نفسه في قرار باراك أوباما (2012) بالانسحاب الأمريكي الكامل من العراق بحلول عام 2015، وذلك استجابة لتنامي الاتجاه الرافض لبقاء القوات الأمريكية هناك. الأمر نفسه أيضاً في قرار ريغان بسحب القوات الأمريكية (المارينز) من لبنان (1983) بعد تنامي الاتجاهات المعارضة لقرار الاستمرار لدى الرأي العام الأمريكي.

وأحياناً يؤدي الرأي العام دوراً مباشراً في اتخاذ القرار السياسي. مثال واضح على ذلك، قرار الرئيس الأمريكي والكونغرس بإلغاء قرار إدارة شركة موانئ دبي العالمية لستة موانئ أمريكية (2006) بعد الرفض الشعبي العارم، ومعارضة الرأي العام الأمريكي لقيام شركة (عربية) بإدارة موانئ أمريكية وهو ما يعرّض الأمن القومي الأمريكي لمخاطر الإرهاب العربي.

وأحياناً، يتم تجاهل اتجاهات الرأي العام وعدم النظر إليها بجدية، مثال على ذلك، قرار الرئيس ريغان بتجاهل اعتراضات الرأي العام الأمريكي على صفقة بيع أنظمة الإنذار المبكر والتحكم المتقدمة أواكس (Advance Warning and Control System (AWACS)) وغيرها من المعدات العسكرية إلى السعودية (1981) على الرغم من اعتراض الرأي العام الأمريكي لبيع هذه الأسلحة للسعودية أو لغيرها من البلدان العربية.

وعلى الرغم من هذه العلاقة الشائكة بين الرأي العام والرؤساء الأمريكيين، فإن هناك عامـلاً آخر يؤثر في هذه العلاقة، هو ظاهرة «الالتفاف حول العَلم» (Rallying Around the Flag) أو الاصطفاف الوطني، إذ يميل الرأي العام إلى تأييد ومساندة السياسات الخارجية في بدايتها أو عندما تكون السياسات متضمنة اشتراك الجنود الأمريكيين ونبذ الخلافات الحزبية أو الأيديولوجية. ومن الملاحظ أن هذه الظاهرة تتحقق في بداية أي صراع أو مهمة عسكرية أمريكية، غير أنها سرعان ما تتلاشى مع مضي عدة أسابيع وتبدأ ظاهرة الاعتراض والرفض في الظهور بقوة، إذ ينقلب الرأي العام الأمريكي، وبخاصة إذا تضمن أي صراع خسائر بشرية. حدث هذا في حرب الخليج (حرب تحرير الكويت)، إذ بلغ الاصطفاف الوطني وتأييد سياسة جورج بوش(الأب) مدى غير مسبوق، غير أن هذا التأييد سرعان ما تلاشى سريعاً، وتمت معارضة استمرار القوات الأمريكية في الخارج. حدث الأمر نفسه في الحرب على أفغانستان (2001)، والعراق (2003)، إذ، كانت درجات التأييد عالية في البداية، ثم تلاشت نسب التأييد، وظهرت نسب الاعتراض وعدم التأييد بشدة بعد مرور الوقت، وهو ما يدفع الإدارات الأمريكية إلى محاولة تحقيق أهدافها الرئيسية من أي تدخل خارجي في أقصر مدة ممكنة، إذ إن استمرار تأييد الرأي العام والالتفاف حول العَلم غير مضمون وغير قائم على المدى الطويل.

الشكل الرقم (9)

هل أخطأت الولايات المتحدة عندما أرسلت قواتها للحرب في العراق؟ (2003 – 2015)

 

كان نص السؤال الذي طرحه غالوب (Gallup) على عينات قومية منذ عام 2003 على النحو التالي: في ضوء التطورات التي حدثت منذ أرسلت الولايات المتحدة لأول مرة قواتها إلى العراق، هل تعتقد أن الولايات المتحدة قد ارتكبت خطأ بإرسال قواتها إلى العراق أم لا؟

الشكل الرقم (10)

هل ارتكبت الولايات المتحدة خطأ بإرسال قواتها إلى كل من أفغانستان والعراق؟ (2002 – 2015)

Gallup

سادساً: التحيزات الأيديولوجية في توجيه استطلاعات الرأي العام الأمريكية

يُلاحظ أيضاً أن استطلاعات الرأي الأمريكية عن القضايا العربية والإسلامية تتأثر بالخلفيات الأيديولوجية والمصالح الاقتصادية لمموليها، لذا فإن كثيراً من الأسئلة التي طُرحت على الرأي العام الأمريكي لم تكن «محايدة» تماماً تهدف إلى «القياس» المجرد والموضوعي لاتجاهات الرأي العام الأمريكي تجاه القضايا المختلفة، بل كانت تحمل في مجملها وجهة نظر، وتميل في مواقف كثيرة إلى استخدام مصطلحات ذات دلالات سياسية متفقة مع الإطار الثقافي الأمريكي أكثر منها معبِّرة عن أبعاد القضية المراد قياس الاتجاهات نحوها، كما أن كثيراً من مقدماتها هي «مقدمات إيحائية أو قائدة» أو مقدمات تحتوي على معلومات مشوَّهة عن القضية المراد قياس الرأي نحوها تدفع المبحوثين إلى تبني وجهات النظر التي تتبناها مراكز استطلاعات الرأي أو الجهات الممولة لها، وهو ما يمكن معه إدراج بعض الاستطلاعات تحت إطار حملات الإقناع والتسويق لمواقف معينة أكثر من قياسها اتجاهات الجمهور الأمريكي نحو هذه المواقف.

على سبيل المثال، في استطلاع أجرته مؤسسة بحوث قضايا الأمريكيين (Americans Talk Issues Foundation) (23 حزيران/يونيو – 1 تموز/يوليو 1991) على عينة قوامها 1000 شخص، سئل المبحوثون «من حين لآخر، إن سلوك الدكتاتوريين، مثل مانويل نورييغا في بنما وصدام حسين في العراق، يهدد الولايات المتحدة والأمن الدولي. سأقرأ عليك بعض التصرفات التي يقوم بها الدكتاتوريون، ولكل منها، من فضلك قل لي ما إذا كنت تؤيد أم تعارض أن تقوم الولايات المتحدة بتصرف لوقف هذه التصرفات. ماذا عن: الدكتاتور الذي يدعم ويموِّل الإرهاب حول العالم. هل تؤيد أم تعارض أن تقوم الولايات المتحدة بإجراء واضح لوقف هذا التصرف؟».

وفي استطلاع أجراه غالوب/سي إن إن/يو أس توداي (Gallup/CNN/USA Today) (3 نيسان/أبريل 2002) على عيِّنة قوامها 527 شخصاً، سئل المبحوثون «كما تعلم، فإن سياسة الولايات المتحدة تقضي بأن أي شخص يدعم ويساند الإرهابيين يجب أن يُعامل كعدو للولايات المتحدة. هل تعتقد أن هذه السياسة يجب أن تُطبق على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أم لا؟».

وفي استطلاع أجراه سي بي أس نيوز (CBS News) (1 – 2 نيسان/أبريل 2002) على عيِّنة قوامها 616 شخصاً، سئل المبحوثون «في الأشهر الماضية، كان هناك تزايد في الهجمات الانتحارية الفلسطينية في إسرائيل. الأسبوع الماضي، قامت الدبابات الإسرائيلية والجنود بمحاصرة المكان الذي يقيم فيه ياسر عرفات، من أجل الضغط عليه لوضع حد لهذه الهجمات. هل تعتقد أن الإسرائيليين كان لديهم الحق (تصرفاتهم مبررة) في القيام بمثل هذه الأفعال كرد فعل على التفجيرات الانتحارية أم لا؟».

وفي استطلاع أجراه مركز دراسات المجتمع اليهودي/ماكلولين وشركاه (Center for Jewish Community Studies/McLaughlin and Associates) (23 – 24 شباط/فبراير 2004) على عيِّنة قوامها 1000 من الناخبين المحتملين، سئل المبحوثون «خلال الفترة من 1948 إلى 1967 سيطر الأردن على المناطق المقدسة في القدس ولم يسمح بحرية العبادة لكل أصحاب الديانات. منذ 1967 سيطرت إسرائيل على هذه المناطق وسمحت بحرية العبادة لكل أصحاب الديانات. هل تعتقد أن السلطة الفلسطينية يمكن الثقة بها في المستقبل إذا ما تولت السيطرة على هذه المناطق أن تسمح بحرية العبادة لكل أصحاب الديانات؟». وسئل المبحوثون «منذ أن بدأت الانتفاضة الفلسطينية، فقد دنّس الفلسطينيون وانتهكوا قبر النبي يوسف، وكنيسة المهد ببيت لحم، ومعبد يهودي في أريحا. هل هذه الأحداث تجعلك أكثر أم أقل ثقة في إعطاء الأماكن المسيحية المقدسة في القدس الشرقية للفلسطينين؟».

ومن الواضح أن هذه المقدمات تتبنى وجهات نظر سلبية نحو العرب تدفع الجمهور إلى تبني مواقف في هذا الإطار السلبي أو الرافض لها.

سابعاً: الاتجاه العدائي نحو الشخصيات والقيادات السياسية العربية والإسلامية

تشير نتائج الدراسة إلى سلبية الاتجاهات نحو معظم القيادات العربية والإسلامية في استطلاعات الرأي العام الأمريكية، باستثناءات قليلة (الرئيس المصري أنور السادات). إضافة إلى هذا، فإن هناك نقصاً في المعلومات عن معظم القادة العرب لدى الرأي العام الأمريكي تجعل من الصعب إبداء الرأي فيهم. الرئيس العراقي صدام حسين، والرئيس المصري أنور السادات، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والقائد الليبي معمر القذافي كانوا أكثر القادة العرب وروداً في استطلاعات الرأي العام الأمريكية، إضافة إلى أسامة بن لادن كشخصية عربية إسلامية وكزعيم لتنظيم القاعدة. وباستثناء الرئيس السادات، فقد أُلصقت كل الصفات السلبية بالشخصيات الأربع الأخرى، وتحديداً الإرهاب، والتطرف، والدكتاتورية، والخلل النفسي، والفساد، وغيرها من الأوصاف.

على سبيل المثال، وفي إطار السؤال عن الرئيس العراقي صدام حسين، فقد وردت الأسئلة التالية: في استطلاع نيويورك تايمز (9 – 10 آب/أغسطس 1990) على عيِّنة قوامها 670 شخصاً، سئل المبحوثون: «سأذكر لك بعض المقارنات التي يجريها الناس عن الموقف الحالي في الشرق الأوسط. عن كل منها، قل لي ما إذا كانت وسيلة جيدة للنظر إلى الموقف. صدام حسين في العراق يشبه أودلف هتلر في ألمانيا في الثلاثينيات، ومن المهم أن يتم وقفه وإلا سيقوم باحتلال دولة وراء دولة. هل هذه طريقة جيدة للنظر إلى الموقف أم أن المقارنة غير جيدة؟»، أشار 61 بالمئة إلى أنها طريقة جيدة، وأشار 33 بالمئة إلى أنها مقارنة غير جيدة (وأشار إلى لا أدري 6 بالمئة).

وفي استطلاع أجراه أي بي سي نيوز/واشنطن بوست ABC News/Washington Post (8 آب/أغسطس 1990) على عينة قوامها 769 شخصاً، سئل المبحوثون «قارن الرئيس بوش بشكل مباشر الرئيس العراقى صدام حسين بهتلر وستالين. هل تعتقد أن هذه مقارنات عادلة أم لا؟»، أشار 45 بالمئة إلى أنها مقارنات عادلة، وأشار 15 بالمئة إلى أنها مقارنات غير عادلة (لا أدرى 40 بالمئة). وفى استطلاع أجراه غالوب/نيوزويك (Gallup/Newsweek) (15 – 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1990) على عيِّنة قوامها 754 شخصاً، سئل المبحوثون «بعض الناس قارنوا بين صدام حسين وأودلف هتلر. هل تؤيد أم تعترض على هذه المقارنة؟»، أشار 53 بالمئة إلى تأييدها، في مقابل 41 بالمئة أشاروا إلى معارضتها (لا أدري 6 بالمئة). وفي استطلاع أجرته «سي بي أس نيوز» (CBS News) (25 شباط/فبراير 1991) على عيِّنة قوامها 517 شخصاً، سئل المبحوثون «إلى أي درجة تلوم الشعب العراقي على السماح لصدام حسين بالبقاء في السلطة كدكتاتور؟»، أشار 36 بالمئة إلى درجة كبيرة من اللوم، وأشار 38 بالمئة إلى درجة متوسطة من اللوم، وأشار 17 بالمئة إلى عدم اللوم على الإطلاق (لا أدري 9 بالمئة). وفي استطلاع أجراه «بي أس أر أيه/نيوز ويك» (PSRA/Newsweek) (25 – 29 أيلول/سبتمبر 1996) على عيِّنة قوامها 601 شخص، سئل المبحوثون «هل تعتقد أن صدام حسين وغد/نذل حقيقى أم لا؟»، أشار 92 بالمئة بالإيجاب، في مقابل 7 بالمئة بالنفي (لا أدري 1 بالمئة). وفي استطلاع أجراه «فوكس نيوز/أوبنيون ديناميكس» (Fox News/Opinion Dynamics) (25 – 26 شباط/فبراير 1998) على عيِّنة قوامها 900 شخص، سئل المبحوثون «بصفة عامة، هل تعتقد أن صدام حسين صادق ويمكن الثقة به؟»، أشار 2 بالمئة بالإيجاب، في مقابل 95 بالمئة بالنفي (لا أدري 3 بالمئة).

الشكل الرقم (11)

الاتجاه العام نحو رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات (2002)

 

وفي ما يتعلق بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، فقد وردت أسئلة عديدة تشير إلى ذات المعاني السلبية. على سبيل المثال، وفي استطلاع أجراه «غالوب/سي إن إن/يو أس آي توداي» (Gallup/CNN/USA Today) (5 – 7 نيسان/أبريل 2002) على عيِّنة قوامها 1009 أشخاص، سئل المبحوثون «هل تصف القائد الفلسطيني ياسر عرفات بأنه عدو للولايات المتحدة أم لا؟». أشار 59 بالمئة إلى أنه عدو للولايات المتحدة، وأشار 35 بالمئة إلى أنه ليس عدواً للولايات المتحدة (لا أدري 6 بالمئة). وفي استطلاع أجراه «تايمز/سي إن إن/هاريس إنتراكتيف» (Time/CNN/Harris Interactive) (10 – 11 نيسان/أبريل 2002) على عيِّنة قوامها 1003 أشخاص، سئل المبحوثون «قل لي ما إذا كنت ترى أن هذا الوصف ينطبق على ياسر عرفات: عدو للولايات المتحدة؟»، أشار 59 بالمئة إلى أنه ينطبق، وعارض 29 بالمئة (وقال «لا أدري» 12 بالمئة). وسئل المبحوثون عن صفة أخرى: «شخص يريد جدياً تحقيق السلام؟»، أشار 19 بالمئة إلى أنه «ينطبق»، وعارض 72 بالمئة، وقال 9 بالمئة «لا أدري». وسئل المبحوثون عن صفة أخرى: «شخص يهتم بشعبه؟» أشار 39 بالمئة إلى أنه ينطبق، وأشار 51 بالمئة إلى أنه لا ينطبق (لا أدري 10 بالمئة). وسئل المبحوثون عن صفة أخرى: «إرهابي؟»، أشار 62 بالمئة إلى أنه ينطبق، وأشار 26 بالمئة إلى أنه لا ينطبق (لا أدري 12 بالمئة). وسئل المبحوثون عن صفة أخرى: «شخص يمكن الثقة به؟»، أشار 10 بالمئة إلى أنه ينطبق، وأشار 79 بالمئة إلى أنه لا ينطبق (لا أدري 11 بالمئة). وسئل المبحوثون عن صفة أخرى: «داعية حرب/مشعل حرب؟»، أشار 55 بالمئة إلى أنه ينطبق، وأشار 32 بالمئة إلى أنه لا ينطبق (لا أدري 13 بالمئة).

الشكل الرقم (12)

الاتجاه العام نحو الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن

ثامناً: ظاهرة الـ «لا أدري» في ما يتعلق بالبلدان العربية والإسلامية

يشير تحليل استجابات المبحوثين الأمريكيين عن الأسئلة المتعلقة بالاتجاهات نحو البلدان العربية والإسلامية إلى وجود نسبة كبيرة من الجمهور الأمريكي لا يستطيعون تغليب اتجاه بعينه، أو أنهم ليس لديهم اتجاه واضح، ومن ثم يميل هؤلاء إلى استخدام استجابة «لا أدري»، أو «لا رأي لي»، أو «غير قادر على التحديد» وذلك عند سؤالهم عن اتجاههم نحو مصر وتقييمهم لها. وتراوح هذه النسب بين 10 إلى 30 بالمئة في بعض القضايا، وهو مدى واسع، ويثير علامات استفهام كثيرة. وفي الاستطلاعات السنوية التي أجراها غالوب خلال الفترة من 2000 وحتى 2018، وسُئل فيها المبحوثون عن طبيعة اتجاهاتهم نحو بعض البلدان العربية (مصر، العراق، السعودية، الأردن، الكويت، السلطة الفلسطينية)، تراوحت نسب من أشار إلى هذه الاستجابة بين 10 و16 بالمئة من عدد المبحوثين.

وما يلفت النظر في هذه النسب السابقة أمران: الكِبر النسبي من ناحية والاستمرارية والتكرار في الظهور من ناحية أخرى؛ فأن تراوح نسب من لا يستطيع التحديد بين 30 بالمئة (كحد أقصى) و10 بالمئة تقريباً (كحد أدنى) فهذه نسب كبيرة نسبياً تستطيع أن تغيِّر معالم الاتجاه العام الذي يشير إليه أي استطلاع أو يمكن استنتاجه منه. وكذلك فإن استمرار هذه النسب وتكرارها عبر السنين المختلفة يجعلها استجابة ثابتة ولها مدلولها، وأنها لا تحدث عشوائياً. وقد يمكن تفسير هذه النسبة في ضوء فرضيات نظرية دوامة الصمت (Spiral of Silence) التي تشير إلى أن الأفراد الذين يكون لديهم آراء مخالفة للسياق العام يميلون إلى الصمت أو إنكار المعرفة بالموضوع عند سؤالهم عن الموضوع، تجنباً للعزلة الاجتماعية أو الشعور بالإحراج، وهو ما ينطبق على أولئك الذين لديهم اتجاهات إيجابية نحو العرب والمسلمين وهي اتجاهات غير سائدة في المجتمع الأمريكي.

ظاهرة أخرى تتعلق بالاتجاهات نحو القضايا العربية والإسلامية، وهي ظاهرة التأرجح بشأن هذه القضايا. وتشير ظاهرة التأرجح في دراسات الرأي العام إلى «تذبذب الاتجاهات في وقت ما بحيث تتساوى مبررات التأييد ومبررات المعارضة لموضوع معيَّن، مما يترتب عليه عدم قدرة الأفراد على حسم مواقفهم تجاه القضية المعينة»، أو «أن تتعايش في الوقت ذاته كلٌّ من الاتجاهات الإيجابية والسلبية المتكونة نحو شخص أو موضوع ما». ويشير بعض الباحثين إلى وجود نوعين من التأرجح: الأول وهو التأرجح الموضوعي أو الخارجي (Objective) ويكون بين المشاعر والأفكار المتصارعة لدى الفرد، والثاني وهو الـتأرجح الشخصي أو الداخلي (Subjective) وهو يعكس الشعور الحقيقي للفرد الذي تعتمل في داخله هذه الأفكار والاتجاهات المتصارعة، وتشير الدراسات إلى أن التأرجح الموضوعي عادةً ما يؤدي إلى التأرجح الشخصي أو الذاتي. وقد تكون قلة المعلومات المتاحة أو المنشورة عن القضايا العربية والإسلامية في المجتمع الأمريكي سبباً في ذلك، وبخاصة مع ما تشير إليه نتائج الدراسة من انخفاض مستوى الوعي والمعرفة بالمعلومات العامة أو المتعمقة عن البلدان العربية وعن القضايا المرتبطة بها □

الشكل الرقم (13)

نسب الاستجابة بلا أدري في استطلاعات غالوب الدولية (2000 – 2018)
عن اتجاهات الأمريكيين نحو بعض دول العالم

 

قد يهمكم أيضاً  قضايا العرب والشرق الأوسط في ظل السياسة الخارجية الأمريكية

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #استطلاعات_الرأي_العام_الأمريكية #البلدان_العربية #البلدان_الإسلامية #أمريكا_والعراق #الرأي_العام #أمريكا_والبلدان_العربية #الرأي_العام_الأميركي #دراسات