مقدمة:

أثبت واقع ما يدور في أغلب الأقطار العربية، أن هناك مقاربتين تحكمان تفسير ظاهرة الثورات العربية؛ تتعلق أولاهما بالتفسير التآمري للظاهرة، الذي يركز على الأدوار الخارجية (الأجنبية منها على وجه الخصوص)، بينما تؤكد الثانية التفسير السنني للظاهرة، أي تفاعل سنّة التدافع ومآلات الدول الظالمة وفقاً لقانون «العدل أساس الملك».

ومهما برّرنا مدى ملاءمة إحدى المقاربتين على الأخرى، وحاولنا التدليل على أولوية اعتماد إحداهما في المجال السياسي للأمة العربية، فإنّ ما يصلح التفسير به في المجال الاقتصادي لا يقبل التعدد، وإنّ التفسير السنني هو المقاربة الوحيدة التي ينبغي أن نسوق ضمنها ما يمكن أن نطلق عليه «الربيع الاقتصادي العربي»؛ سنّة تغليب لغة القيام بالواجبات على لغة المطالبة بالحقوق، لانتفاء إمكانية الإيعاز الخارجي لتغيير أوضاعنا الاقتصادية إلى الأحسن، وتحقيق الأمن الغذائي والرفاه المجتمعي للشعوب العربية والمسلمة.

ولأنّ أي نظام اقتصادي معتمد في بلد ما يتبع نظاماً اجتماعياً موازياً له، فإنّ الشعوب المتحررة من الاستعمار التقليدي رهينة استعمار جديد في حُلّة منمقة، أوهمَ تلك المجتمعات بأنها مسايرة لما يدور في العالم المتقدم، بينما هي صورة لا تعدو أن تكون إحلالاً لطريقة جديدة، استبدلت فيها السيطرة العسكرية على تلك المجتمعات بسيطرة اقتصادية تخوّل للمستعمر البقاء في مناطق نفوذه؛ بل منحته نفوذاً جديداً لا يقابل بالرفض بل بالترحيب والقبول والتعاون.

وفي الوقت الذي ركّزت فيه أغلب الدراسات التي تناولت أفكار المفكر الفذّ مالك بن نبي على المفهوم السياسي لـ «القابلية للاستعمار»، ولـ «إرادة التغيير»، نحاول أن نتناول الموضوع من وجهة نظر اقتصادية اجتماعية، بل حضارية شاملة، وتسهم في اقتناص فرص واستراتيجيات النهوض بالأمة، بما يواكب تحديات ورهانات الواقع الداخلي والخارجي.

لذا، سوف نحاول في هذه المساهمة المزاوجةَ بين إمكان استغلال البدائل المتاحة في موارد بلداننا، وبين فرص التكامل الاقتصادي بين مختلف الأقطار العربية والإسلامية، بما يفيد التخلص من الظاهرة الاستعمارية الحديثة، مثلما تمثّلها مالك بن نبي في بعض كتاباته.

أولاً: إطار مفاهيمي

نتناول في ما يلي أهم المصطلحات والمفاهيم التي نستخدمها في المقال:

1 ـ النظام الاقتصادي

يعتبر النظام الاقتصادي في بلد ما الصيغة التفاعلية بين الإنسان وتراب بلاده بكل ما فيه من ثروات، وفقاً لقانون أخلاقي إنساني يوجه عمل الأفراد، وينظم علاقته الاقتصادية بغيره من أبناء مجتمعه[1].

وهذا النظام وفقاً لنظرة نسقية متكاملة، هو جزء من نظام شامل يستمد مدخلاته من بيئته المحيطة به الداخلية منها والخارجية، حيث ينتج من النظام الاقتصادي نظاماً اجتماعياً مثلما يساعد على إنتاجه، بما ينعكس تأثيره على رفاه المجتمع وتطوره، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الواقع الجغرافي والتاريخي والبشري لهذا البلد.

فالنظام الاقتصادي الذي لا يلامس الحقيقة الثقافية للمجتمع وأفكار ضميره الشعبي، ولا يوافق القيم السائدة ضمن شبكة العلاقات الاجتماعية، لا يمكنه أن يلبي حاجات ذلك المجتمع[2]، وتلك هي «العجلة الضخمة التي يجب دفعها لإنشاء حركة اجتماعية واستمرار تلك الحركة»[3].

2 ـ الاستعمار الناعم

بعد تشخيصه لوضعية الاقتصاد الجزائري في ظل السيطرة العسكرية، حيث نمّى المستعمِر في نفسية الرجل المستعمَر صورتين من الخوف الدائم، عندما خلق من جموع الكادحين جياعاً في صورة «مسغبة» (Hypogastrisme) مثلما خلق من الطبقة البرجوازية خائفين من الجوع في شكل «بطنة» (Hypergastrisme)، جعلتا منه الرجل الجائع دائماً أو الخائف من الجوع دائماً، وحطمتا عنده كل إمكانية للتكيف مع التكوينات والأوضاع الاقتصادية في القرن العشرين[4].

لم يقدم الاستعمار «نظاماً للتلمذة الاقتصادية إلى البلاد المستعمَرة، حيث لم يعدّل في واقع التكوينات الشخصية طبقاً للتكوينات الاقتصادية الجديدة. بل فرض في هذه البلاد حكم العبودية الاقتصادية فحسب، ذلك الحكم الذي ترك طابعه البارز على نفسية الطبقات البرجوازية، كما تركه على نفسية الطبقات الكادحة»[5].

انتقل إلى مرحلة ما بعد الاستعمار العسكري؛ في ما وصفه بالعبودية الاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها الشعوب العربية والإسلامية، والتي رأى فيها طريقة عوضت بها القوى الاستعمارية سيطرتها العسكرية بسيطرة اقتصادية تخوّلها البقاء في مناطق نفوذها السابقة، بل تخولها بسط نفوذ جديد لا يقابل بالرفض بل بالقبول والرضا والتعاقد [6].

3 ـ القابلية للاستعمار الاقتصادي

أحدث مالك بن نبي نقلة نوعية في الفكر العربي والمسلم، ونبغ في اكتشاف ظاهرة جديدة رغم قِدمها، حيث ركّز قبله علماء الاجتماع والسياسة على «الاستعمار» باعتباره متغيراً مستقلاً، بينما ركّز هو على المفهوم باعتباره متغيراً تابعاً؛ وبرّر صناعته لمصطلح «القابلية للاستعمار» بوجود مصطلح أطلقه التاريخ قبله على أوضاع معينة تحت اسم «الاستعمار»، فكان من واجب المسلمين أن ينتبهوا ـ وهو من حاز شرف تنبيههم ـ إلى أنّ الاستعمار هو مجرد بذرة صغيرة حقيرة، ما كان لها أن تنبت وتؤتي أُكلها لو لم تُهيَّأ لها التربة الخصبة في عقولنا ونفوسنا[7].

ولئن ركزت أغلب الفهوم لكتابات بن نبي في هذا الصدد على البعد السياسي، فإننا نحاول التركيز في هذا المقام على المدلول السوسيو ـ اقتصادي في كتاباته، حيث يدخل في تركيبة شخصية الإنسان الإطار الثقافي الذي تلقى تربيته ضمنها، باعتباره عمود بناء أي خطة اقتصادية ونجاح تنفيذها، بحيث «لا يمكن أن نتصور نجاح خطة اقتصادية، تقتنع بأرقام وإحصائيات وأدوات مادية، إن لم يكن إنجازها آخذاً في الاعتبار قيمة الإنسان ذاته في رتبة القيمة الاقتصادية الأولى، على شرط أن تكون إرادته شرارة مقتبسة من إرادة حضارة»[8].

يقارن مالك بن نبي، في هذا الإطار، بين أوضاع السيادة الاقتصادية على محورين؛ اصطلح على تسمية الأول محور واشنطن ـ موسكو وعبّر عن حاله بما سمّاه «نفسية القوة»، بينما ألصق صفة «البقاء» بحال ما يدور في فلك المحور الثاني طنجة ـ جاكرتا، وقابل بينهما أيضاً من حيث طبيعة وضعهما الاقتصادي، حيث يمثل الأول محور الصناعة، بينما يمثل الثاني محور المواد الأولية. هذا الوضع يربك الرجل الأفرو ـ آسيوي لحظة إقحامه في النشاط الاقتصادي كمستهلك وكمنتج، لأن عملية إقحامه تتطلب أن نعطيه أولاً لقمة الخبز قبل أن نسلّمه الفأس والمعول[9]، وهو ما يجعله منكسر الجناح يتطلع إلى أفق مسدود أقصاه سد الرمق لا أكثر، وهو يكرّس لديه قابلية بالوضع الاقتصادي القائم، رغم أنه يمثل مفارقة عجيبة، يقع فيها مالك الشيء تحت رحمة صاحب الاستغلال، ويعمّق شعور البؤساء بالدونية والذيلية والتبعية للآخرين.

وللتدليل على هذه الوضعية، باعتبارها عاملاً نفسياً سوسيولوجياً، يلجأ بن نبي إلى ضرب مثال واقعي، قابل للاحتذاء والتكرار في بيئتنا الاجتماعية والاقتصادية، حينما فسّر سر نجاح المشروع الزراعي الذي تم في ذلك الوقت في مصر، حيث تغيّرت حالة الفلاح، الذي أصبح عاملاً يربطه بالأرض «وعي اقتصادي» لوضعه كمنتج وكمستهلك، فتحول الرقيق إلى فلاحين يكتسبون من القوة والدفع النفسي ما يكفي للانطلاق في الوجهة الصناعية الجديدة للبلاد، نتيجة تحويل رأس المال العقاري إلى ميدان للاستثمار الصناعي[10].

وفي السياق عينه؛ يؤكد مالكٌ المفهومَ في ما يطلق عليه «الوعي الاقتصادي»، حيث لا يفسّر تحديد السعر بعناصر اقتصادية بحتة تخضع لقانون العرض والطلب فحسب، بقدر ما يفسّره بعناصر غير اقتصادية تفصح عن اعتبارات مالية وسياسية واستراتيجية، هي الإرادة الخاصة لأحد طرفي العلاقة: عملة ـ موارد؛ بمعنى أنّ الطرف الذي يشعر بالقوة هو من يفرض شروطه على الطرف المنهزم نفسياً القابع تحت وطأة الأمر الواقع، والقابل للاستعمار في شكله الجديد، مثلما يحدث تماماً في حالة الدول المصدرة للنفط، حينما يتعلق الأمر بتحديد سعر البرميل[11]، وهو المنطق ذاته والفلسفة التي حكمت العلاقات بين الطرفين في الحقبة الاستعمارية بالمفهوم السياسي العسكري.

وانطلاقاً من وطنيته المرهفة، يتحسر بن نبي على المفارقة الغريبة بين «الحَلْفاء» الجزائرية ـ باعتبارها مادة أولية ـ التي يقل سعرها عن سعر منتجاتها، أي الورق وعجينة السليلوز، بأزيد من أربعين مرة في ذلك الوقت، الأمر الذي يفسّر العلاقة بين ساعات العمل التي يتكبّدها العامل الجزائري تجاه مجهود أقل يبذله نظيره الإنكليزي[12].

وعلى هذا الأساس؛ ينبغي أن يتخلص الرجل الأفرو ـ آسيوي من عقدة «العامل المقلّل» الذي يخفّض من قدرة وسائل التأثير لديه، حين ينتقل انتقالاً غير مشروط من المرحلة النباتية إلى الوضع الإيجابي الفعال باعتباره مبدأً[13].

ثانياً: التخبط في الخيارات الاقتصادية غداة الاستقلال

إنّ أي نظام اقتصادي توجهه القوى الأخلاقية، وهي التي تخلع عليه تفسيراً إنسانياً وغاية تاريخية، بما يجعله يختار ـ في أغلب الحالات ـ بين «المنفعة» و«الحاجة»، وذلك اعتماداً على الوظيفة الاجتماعية الجوهرية لهذا النظام. حيث يختلف المذهب التجاري الاحتكاري القائم على المنفعة وفقاً لقانون العرض والطلب عن المذهب القائم على فكرة الحاجة وفقاً لمبدأ الإنتاج والاستهلاك[14].

جرت الأمور، بخلاف هذا الأساس؛ بالنسبة إلى الدولة الحديثة الاستقلال الخاضعة فكرياً وروحياً لمحور طنجة ـ جاكرتا وأغلبها عربي وإسلامي، حيث يرجع التخبّط في التطوير الاقتصادي لديهم إلى تخبّط في العالم الداخلي للإنسان الذي تحوّل إلى فوضى اجتماعية، وارتجال في تحديد الخطط والأهداف[15]، ذلك أنّ التخطيط الاقتصادي «ليس قضية إنشاء بنك وتشييد مصانع فحسب، بل هو قبل ذلك تشييد الإنسان وإنشاء سلوكه الجديد أمام كل المشكلات»[16]. فقد لجأت أغلب دول العالم الثالث، ومنه العرب والمسلمون، إلى استيراد كل شيء من العالم المتقدم، بما في ذلك النظريات والأطروحات، واختارت النموذج الغربي للاستهلاك منبهرة بمستوى الرفاه التقني لتلك الدول.

غير أن بن نبي نبهنا إلى شذوذ بعض الحكومات في الدول المتخلفة التي انساقت وراء سياسة الكبرياء، لتضع مشاكلها في لغة «القوة»، في مجال كان ينبغي عليها أن تصوغها بلغة «البقاء»، بحكم ضروراتها الداخلية[17]، أي أنه في مقابل الانسياق التام لأطروحات المستعمر السابق، فضّلت بعض الحكومات ـ مُجبرة تحت رزح الاعتبارات السابقة ـ الارتماء في أحضان الند الأيديولوجي والغريم الاقتصادي لمستعمرها السابق، بغرض إغاظته أو الانتقام منه، وهو ما يعزز وصفنا للخيارات التي تبنتها هذه الدول أو تلك، بوضعية التخبط.

فبالرغم من محاولات الاستنهاض والتقدم التي استخدمت فيها الدول العربية والإسلامية أفكاراً مستوردة من الشرق أو الغرب، لم تقوَ تلك المحاولات على شد الإنسان المسلم والعربي للعمل من خلالها، لأنها لم تعبّر عن تطلعاته، ولم تراعِ قيمه وخصوصياته[18].

ثالثاً: الثورة والتغيير عند بن نبي

في حين يعزو أغلب دارسي الأوضاع الاقتصادية للبلاد التي كانت مستعمَرة إلى ترهل البنى التحتية لتلك الدول بفعل الآلة المستعمِرة، والانفجار السكاني داخلها، وانعدام التكنولوجيا، وغيرها من الأسباب التي تبرّر استمرار الوضع على ما هو عليه بحكم استمرار وجودها، يعتبر بن نبي مسألة التخلف مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقابلية لذلك الاستعمار ومواصلة الخنوع لتأثيراته، الفكرية والثقافية والنفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحضارية بصفة أشمل، وهو ما جعله يؤكد أنّ «وطناً متخلفاً لا بدّ له أن يستثمر سائر ما فيه من طاقات، يستثمر كافة عقوله وسواعده ودقائقه، وكل شبر من ترابه، فتلك هي العجلة الضخمة التي يجب دفعها لإنشاء حركة اجتماعية واستمرار تلك الحركة»[19].

وحينما نتأمل عبارته الشهيرة: «لا يقاس غنى المجتمع بما يملك من أشياء بل بمقدار ما فيه من أفكار»، حيث يضرب مثالاً بألمانيا التي مرّت بظروف حالكة محت فيه الحرب عالم الأشياء محواً كاملاً، أو روسيا التي تعرضت لبعض تلك الظروف، واللتين سرعان ما أعادتا بناء كل شيء، بفضل رصيدهما من الأفكار[20]؛ حينئذ نقترب من المعالم الكبرى لنظرته التشخيصية الاستشرافية لمعاني التطور.

والواقع أنّ تأثيراً خفياً لفهم خاطئ لمعاني البدعة في الإسلام انطلاقاً من مرحلة ما بعد الموحدين، برّر للأوضاع التي ذكرنا أن تستمر. فمن العوامل التي عطلت نمو الفكر الاقتصادي في العالم الإسلامي، ما أثير ويثار بخصوص الاجتهاد في المجال الاقتصادي، وجمود مواكبة التطورات الحاصلة[21]، وهو ما يعارض روح الشريعة التي تهتم بمقاصد الأمور وبمآلات الأفعال، وتشجع وتحض على الاجتهاد ومسايرة النوازل، بل تفرض على المتخصصين الإبداع في هذا المجال وتحمّلهم مسؤولية ذلك باعتبارها فرضاً كفائياً ينوبون به عن جموع الأمة.

1 ـ الديمقراطية والثورة الأخلاقية في المجال السوسيو ـ اقتصادي

يقوم مفهوم الديمقراطية في المجال الاقتصادي في نظر مالك بن نبي على مبادئ عامة، تهدف إلى توزيع الثروة، كي لا تكون دولة بين المترفين، وهو الأساس التشريعي الاجتماعي العام لفريضة الزكاة، قبل أن تدرج في العالم الأفكار الاجتماعية[22].

ويوصف الفرد المحرك لعجلة التقدم الاقتصادي بالثورية إذا كانت نظرته إلى الوضع تغييرية رافضة للوصاية، بينما يوصف بالخنوع والاستسلام لفخ القابلية للاستعمار من كان محبَطاً في ذاته محبِطاً لغيره ولأي عملية تقدم، تعشش في داخله عقدة نقص تجاه الأجنبي، وتكبر مسؤولية كل منا في تحمّل تبعات الوضع الراهن، وحمل بذور الثورة، كلما كبُرت مواقعه في السلطة وزادت رقعته في النفوذ[23].

هكذا نجح «غاندي» يوم حرّر العامل الهندي من أسْر البدلة البريطانية المستوردة من هناك، بإحلال المغزل البدائي اليدوي لإنتاج ألبسته، وكانت دعوته المواطنين لإحراق الثياب المصنوعة في بريطانيا في الساحات العمومية أمام مرأى الجند البريطانيين، بمنزلة الامتحان الأول لجاهزية الفرد الهندي للثورة، واختباراً لقوة إرادته في التغيير، ونذير شؤم للاستعمار، ومؤشراً لانطلاق مسيرة التحرير والتقدم [24].

وهو ما تحتاج إليه شعوبنا التي «تعيش نتائج صدمة ثقافية تحرمها من حرية التصرف في أكثر من ميدان، ففي الميدان الاقتصادي يجب عليها أن تكتشف قدرتها الحقيقية التي لا توجد على محور القدرة المالية ولكن على محور القدرة الاجتماعية، وطالما لم تقم البلدان المعنية بهذه الخطوة من أجل تحرّرها النفسي ـ الثقافي، فإن تحرّرها الاقتصادي يصعب أو يستحيل»[25].

لذلك يرى بن نبي أنه حَريّ ببلدان العالم الثالث الثورة على أوضاعها، ثورة ثقافية تذلل مصاعبها وتكسر عقدها وتزيح العراقيل ـ ولا سيما النفسية ـ التي تعترض طريق نهضتها، حيث تتمتع مجتمعاتها بسلطان اجتماعي يمثله الإنسان والأرض والزمان، وهي العناصر المتاحة له دائماً، على خلاف سلطان المال الذي لا يملكه دائماً، والذي هو سبب تكبيل تحركاته دائماً[26].

فالثورة والنهضة عملة لها وجهان هما السياسة والاقتصاد، ومن المستحيل تنفيذ خطط اقتصادية تقدمية، في ظل حكم سياسي مسيّر من الاستعمار، أو تحكمه نظرة أنانية وسلبية في الامتلاك، مثلما لا تكون لأي حكم سياسي ثوري مصداقية ما لم تتوّج ثورته بإنجازات اقتصادية تنعكس على أوضاع العامة وشؤونهم[27].

تقوم المعادلة الإسلامية، من هذا المنطلق، حيث تحوّل الأخلاق عنصرَي السياسة والاقتصاد إلى وظيفة اجتماعية تُحدث الثورة بكل معانيها في المرافق كافة، والعكس هو الحاصل إذا تجردت تلك المكونات من الأخلاق. فالعلم والتقنية المتجردان من الأخلاق مصيرهما حتماً وضع اقتصادي مناقض للأخلاق[28]، تحوّل الرفاه الحاصل جراءه إلى مجرد نزوات عابرة ولذّاتٍ مشبعة بطريقة باهتة، لا تتوافق حتماً مع متطلبات سعادة البشر وراحتهم.

ويعزز بن نبي ثورية الحل الاقتصادي، بتركيزه على المبدأ الأخلاقي الأساسي لفكرته الأفرو ـ آسيوية، مبدأ «عدم العنف»، حيث يستبعد تصور اقتصاد موحد في منطقة لم يزُل عنها خطر الحرب نهائياً، فيصبح الاقتصاد عنصراً جوهرياً في هذه البلدان ليس فقط كونه وسيلة تلك الشعوب للحياة، بل وسيلة لها كي ما تتحمل رسالتها الداعية إلى السلام، التي تقع على عاتقها في مواجهة الكتلتين[29]، في ذلك الوقت أو في مواجهة استبداد القطبية الأحادية تحت غطاء ضرورات العولمة.

 

2 ـ الإمكان الاجتماعي

يرى مالك بن نبي أن محاولات الاستنهاض والتقدم بالنسبة إلى العالم الإسلامي، ليست قضية إمكانٍ ماليٍ، بقدر ما هي تعبئة للطاقات الاجتماعية، أي الإنسان والتراب والوقت، في مشروع تحركه إرادة حضارية لا تحجم أمام الصعوبات، ولا يأخذها الغرور في شبه تعالٍ على الوسائل البسيطة التي في حوزتنا منذ الآن، ولا ينتظر العمل بها حفنة من العملة الصعبة، فالإمكان الاجتماعي هو من يقرر مصير الشعوب والمجتمعات والدول[30].

وانطلاقاً من ربط مدلول القابلية للاستعمار بالوضع الاقتصادي للمجتمعات العربية والمسلمة، حيث يتوهم أغلبيتهم بأن مراوحة المراتب الأخيرة بكل المؤشرات ومحاولة اللحاق بالركب لا تتم إلا عن طريق المال، هذا الأخير الذي يمتلك جلّه ويفرض شروط استخدامه العالم الاستعماري، فإنّ التقدم المنشود في تلك الدول لا يتم إلا عن طريق رأس المال الحقيقي وقوتها العاملة المصممة على النهضة وفق إمكاناتها الاجتماعية الضخمة.

إنّ العالم الإسلامي والعربي يملك من القدرات ما يؤهله ليس لإنقاذ وضعه الخاص فحسب؛ بل لإنقاذ البشرية كلها، إن هو أدرك ما يضم من طاقات، وشحَذ هممه، وعقَد عزائمه لتحسين أوضاعه، وتخلص من واقعه المتخلف الذي يفرضه مداومة الارتباط بالاستعمار، والقابلية لذلك الواقع؛ ذلك أنّ التاريخ أثبت أنّ « المجتمع الإسلامي أجدر من يحقق له، وللإنسانية، التجربة التي تعيد إلى عالم الاقتصاد أخلاقيته، ويتلافى بذلك الانحرافات الإباحية التي تورطت فيها الرأسمالية، كما ينجو من ورطة الماركسية المادية التي سلبت الإنسان ما يميّزه عن الآلات والأشياء»[31].

رابعاً: النظرية الاقتصادية ذات الخصوصية عند بن نبي

لقد أثبتت التجربة مساوئ التخبط في تبنّي خيارات اقتصادية من الشرق أو الغرب، وتراكم تلك الأوضاع، بل تعقيد المشكلات الاقتصادية لبلداننا، وعليه فإنّه تحت تأثير حوائجه الداخلية يجب أن يقدم العالم العربي والإسلامي تصوراً لنظريته الاقتصادية التي تراعي خصوصياته وحاجاته الفعلية، مثلما حدث في المجتمع الغربي، ولعله أحجم عن ذلك الأمر تحت وطأة سيطرة نفسية تقسّم المجتمع المسلم وتفصم وحدته[32]؛ إلى زاهد متواكل ينتظر السماء تمطر ذهباً أو فضةً، يعلل أوضاعه بمقولات تفيد التخاذل وتبرّر له التنصل من دور الاستخلاف في الأرض، أو منبهر بما عند الأجنبي، مستهلك لكل ما ينتجه[33].

على هذا الأساس؛ علينا تبنّي استراتيجية مناسبة لوضعنا الاقتصادي، توزَّع ضمنها رؤوس الأموال بين مختلف الشرائح، وتُشرك جميع الأفراد في المساهمة في تحسين أوضاعهم، في انسجام تام بين مصلحة الجماعة ومصالح الأفراد[34]، تلك الاستراتيجية التي تعتبر دفعة كفيلة بأن تخلّص العالم الثالث من سائر أصناف الجمود، هذا الأخير الذي هو في أمسِّ الحاجة في الميدان الاقتصادي إلى نظرية جديدة[35]، يظهر فيها مدلول الاقتصاد كفنٍ قريناً بمدلوله كعلمٍ، ذلك أنّ الفن يعتمد على قيمته الذاتية، وعلى مقدرته على التأثير في ظروف معينة، دون إغفال إمكان الاستفادة من النظريات السابقة التي لا تتناقض مع روح حاجاتنا، مثلما أشار إلى ذلك بن نبي عندما أشار إلى أفكار المهندس الزراعي تيرانس مالتسيف‏[36].

1 ـ ثنائية واجبات ـ حقوق

لعل من أهم ما أبدعت فيه إسهامات مالك بن نبي التركيز على مفهومَي الحق والواجب، والتعامل معهما باعتبارهما ثنائية تشكل وجهان لعملة واحدة، فقد استصحب هذه الثنائية ابتداءً في النظر إلى أصل المشكلات الاقتصادية ثم بعد ذلك في المساهمة في حل تلك المشكلات. فهو يرى أنه من الواجب النظر إلى تلك المشكلات في البلاد المتخلفة من خلال طبيعتها البشرية، وإلا انتهى بنا الأمر إلى نتائج نظرية[37]، أي انطلاقاً من العناصر النفسية مثلما تقدم بيانه.

وإذا كانت هذه النظرة منوطة بالأفراد، فإن ما يناط بالحكومات كواجبات في هذا المجال أهم؛ ففي الوقت الذي تشّكل لقمة العيش في الدول الغربية ورقة ضغط تحت غطاء مزيف اسمه الحرية السياسية، وفي الدول الشرقية مؤمنة نوعاً ما باسم الحزب الواحد والاقتصاد الموجّه، في مقابل سلب حريته الثقافية والسياسية، أقام الإسلام تزاوجاً بين حرية المعتقد من جهة، وبين التأمين والتكافل الاجتماعي من جهة أخرى، وهو الذي يضم في تشريعاته: ﴿لا إكراه في الدين﴾[38] و﴿‍‌في أموالهم حقٌّ معلوم. للسائل والمحروم﴾[39]، فكان ـ بهذا المعنى ـ توفير العيش الكريم لأبناء المجتمع دون استثناء وبعيداً من أي ولاءات، وتطوير الإنتاج في مجال الغذاء بما يحقق الاكتفاء، هو أول واجبات الحكومات[40].

وللمساهمة في تنفيذ الحلول المقترحة؛ يرى بن نبي أن شرط الحركية الاقتصادية مقرون بهذه الثنائية: الحق في لقمة العيش لكل فم، وواجب العمل على كل ساعد[41]، ذلك أنه يربط الإقلاع الحضاري وصناعة التاريخ بالانطلاق من مرحلة الواجبات المتواضعة، الخاصة بكل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة، لا بانتظار الساعات الخطيرة والمعجزات الكبيرة، التي قد لا تحدث أبداً.

ومن الطبيعي أنّ كلمة واجب ترتبط بمفهوم العقبة، أي أنها ترتبط ببذل الجهود المرتبطة باقتحام العقبة، وهو ما يحدد تلقائياً ثقافة جديدة[42]، نادراً ما مارسها العقل المسلم بعد عصور الانحطاط.

يجب التفرقة، على هذا الأساس؛ بين الاقتصاد الذي يقوم على اختيار الواجبات، وبين الاقتصاد الذي يقوم على المطالبة بالحقوق؛ لأن كلمة واجبات تحدد اقتصاداً، بينما تحدد كلمة حقوق اقتصاداً مغايراً تماماً[43]، وهو ما أصلّ له السلوك النبوي الشريف الذي قرّر دروساً اجتماعية عميقة في صورة رموز بسيطة، حينما يطالبه أعرابي بحقه المشروع في الزكاة من بيت مال المسلمين، فعالج القضية لا على أساس الحق، بل على أساس الواجب، تاركاً في نفوس الحاضرين ـ رضوان الله عليهم ـ الأثر العميق، وقدسية شريفة لمعاني القيام بالواجبات، حينما خاطبهم بقوله: «جهزوا أخاكم كي يحتطب»، فحوّل ـ وهو الموصوف بالريح المرسلة في السخاء صلى الله عليه وسلم ـ ذلك الإنسان ومن خلاله الحاضرين إلى فرد فعالٍ منتج، بدل مستهلكٍ عالةٍ على المجتمع، انطلاقاً من اقتحامه العقبة[44].

وللتدليل على أولوية القيام بالواجبات على المطالبة بالحقوق، قام مالك بن نبي بصوغ متراجحتين، ترجم فيهما الحق والواجب إلى قيمتين اقتصاديتين على النحو التالي:

الواجب + الحق  صفر

الإنتاج + الاستهلاك  صفر

وهو في هذا يربط بين القيمة الاقتصادية والقيمة الأخلاقية، أي أن المجتمع يحقق وفقاً لاتجاهه الأخلاقي احتمالاتها الثلاثة، أي أن التركيز على مفهوم الواجب يجعل المعادلة الاقتصادية إيجابية بفائض الإنتاج على الاستهلاك، مما يدعو المجتمع إلى استثمار فوائض إنتاجه في النشطة المقبلة، أما إذا استوى الطرفان فيكون التعادل، بمعنى أن السمة الغالبة على المجتمع هي الركود والخمول، بينما إذا كانت العلاقة سلبية فإنّ الاستهلاك أكبر من الإنتاج، فإنه مؤشر على انهيار المجتمع وتقهقره[45]، وهو واقع الحال منذ حقبة طويلة من الزمن.

2 ـ الاستغلال الرشيد للموارد

قبل التركيز على الموارد بمفهومها المادي باعتبارها مدخلات أولويةً تسبق أي عملية تشغيل أو تحويل تتطلبهما عملية التنمية، ركزّ مالك بن نبي على المورد البشري باعتباره القيمة الأولى لنجاح أي مشروع اقتصادي، وربط فشل تجارب العالم الثالث في الإصلاح الاقتصادي بتجاهلها قضية الإنسان في المقام الأول[46].

وحينما يربط النمو الاقتصادي والتقدم بالإنسان، فأي إنسان يقصد؟ وأي بناء لذلك الإنسان يقصد؟ الإنسان الذي كرّمه الله، وسخّر له ما في البرّ والبحر والجو، الإنسان الذي تربّى على الالتزام الدقيق بالقيم الحضارية لمجتمعه، في إشارة واضحة إلى النظرة المادية الغربية، التي لا تزيده إلاّ تسلطاً استعمارياً وانحداراً خلقياً[47]. حيث لا يتصور نجاح أي خطة اقتصادية، تستخدم الأرقام والإحصاءات والأدوات المادية، إذا لم يكن إنجازها آخذاً في الاعتبار الإنسان كقيمة اقتصادية أولى، شرط أن تكون إرادته شرارة مقتبسة من إرادة حضارة [48].

فالاستثمار المالي وحده غير كفيل بحل مشكلات البلدان المتخلفة، لا كمّاً ولا كيفاً، فهو لا يحلها كمّاً لعدم تناسب الحاجات الحقيقية مع التقديرات مهما تواضعت، ولا كيفاً باعتباره مشروطاً بالتزامات يرتبها المانحون، خدمة لأغراض استراتيجية تناقض حاجات تلك المجتمعات أو لتنصيع صورتهم لديها[49]. وعلى هذا تعطى الأولوية في الاستثمار للأفراد على الأموال، لأنه وبكل بساطة بإمكان الأفراد تدبير الأموال أو المحافظة عليها، بينما ليس بإمكان الأموال شراء ذمم الأفراد وولاءاتهم، إلّا بالقدر الذي ينتهي فيه استهلاك تلك الأموال، فالتركيز على المورد البشري يولّد القدرة على العطاء والاستمرار، بينما يتسم التركيز على المورد المالي بالندرة والقابلية للنفاد.

من ناحية أخرى؛ تجد الدول المتخلفة نفسها مضطرة إلى تصدير موادها الخام، لأنها لا تمتلك وسائل تحويلها وتصنيعها، ما يضعها في مواجهةٍ أمام الدول المصنّعة، تكبدها خسائر مستمرة في ميزانها التجاري، لأنّ اقتناء تلك المواد يحكمه منطق البورصات بكل ما يحمل ذلك المنطق من اصطناع ومكيافيلية وتزييف، حيث لا يحدد العلاقة بين المواد الأولية والعملة قانون العرض والطلب، وإنما يخضع للإرادة المنفردة للطرف القوي في العلاقة، وهو ما يدعوه مالك بتسلط العملة على المادة الأولية[50].

لكنه في المقابل؛ يدلل بأمثلة واقعية على إمكان تجنُّب ذلك التسلط، على أساس مقايضة مادة أولية بمادة أولية أخرى، أو مادة أولية بتجهيز صناعي، مثلما بادلت مصر قطنها مقابل تجهيزات صناعية، أو مادة أولية بعمل، رغم إمكان اصطدام تلك المبادلات بكتلة نقدية ضخمة تمتلكها الدول الغربية، وهو ما اقترح لحله تشكيل «كتلة مواد أولية ضخمة»[51] عند حديثه عن الاقتصاد الموحد أي مفهوم التكامل.

وكتطبيق للاستغلال الرشيد للموارد المتاحة في المشروع الاقتصادي العربي والإسلامي، يركّز مالك بن نبي على قطاع الزراعة، حيث المساحات الشاسعة من الأراضي، فهو نقطة انطلاق أي اقتصادٍ كونه يقوّت سائر الأفواه ويشغّل بالتدريج كل السواعد. فهو يعتقد أن بإمكان العالم العربي والإسلامي أن يعيد للتراب وظيفته الاقتصادية وبوسائله المتوافرة[52]، ويتمنى ذلك مستبشراً بقوله: «إننا ننتظر نيران الأفراح تعلن أن البلدان الإسلامية تسير على هذا الطريق»[53].

3 ـ التكامل الاقتصادي

يراهن بن نبي على النخبة المثقفة وطبقة العلماء ويحمّلها مسؤولية النهوض بمشروع «شامل تتّحد فيه الأيدي والعقول والأموال في الرقعة العربية أو في أكبر جزء ممكن منها، بقدر ما تكتمل فيه شروط الاقتصاد التكاملي، حتى يستأنس الناس والقادة بوجه خاص بأنّ الأوطان التي لا تستطيع مواجهة الظروف الاقتصادية العالمية بمفردها، تستطيع الصمود لها والنمو إذا تكاتفت عقولها وأيديها وأموالها في ورشة عمل مشترك من أجل اقتصاد متحرر لا يخضع لضغط خارجي… وهذا يعني في مجال الاقتصاد، أن يوحدوا إمكانياتهم وحاجاتهم حتى يحققوا في أسرع ما يمكن شروط الاكتفاء الذاتي، أي الحلقة الاقتصادية التي تستطيع الانغلاق على نفسها، إذا ما اقتضت الضرورات الداخلية والخارجية ذلك»[54].

ويمضي في طرحه بكل ثقة، مدللاً بأمثلة واقعية قابلة للتحقيق، فيتمثّل مشروعاً يجمع بين شساعة مساحات ليبيا وفائض العمالة في مصر وفوائض الأموال في الكويت في نموذج تنموي نهضوي حضاري عربي إسلامي رائع[55]، ويتخيّل اتفاقاً ثلاثياً بين السعودية ومصر والسودان في مجال الري، على غرار النموذج السوفياتي ـ الصيني المتوّج بإنشاء إمبراطورية زراعية مشتركة، يقوم الإنتاج فيها على القمح الروسي والقطن الصيني، يمدّان قطاع الصناعة بشريان حياة في العالم الشيوعي[56].

وهو ما يفسح أمامنا في المجال كباحثين لإعمال خيالنا الاقتصادي، لاستشراف صورة المغرب العربي الكبير التي بُترت بواكيرها، قبل أن تؤتي أولى ثمارها، وهي الفرصة التي لا تزال قائمة لاستكمال الربيع العربي الحقيقي، في منطقة وحّدها تاريخ فتوحات الأندلس مثلما وحّدتها الجغرافيا المرابطة على ثغور مهمة في العالم الإسلامي والعربي والأفريقي.

خاتمة

أما وقد بيّنا معالم النظرية الاقتصادية كما حددها مالك بن نبي، فإنه ينبغي أن نختم بالتأكيد أنّ الهوّة الحاصلة بين عالم الفكر وعالم التطبيق هي السبب الأساسي في التخلف الحاصل في العالم الإسلامي، ما يوجب نقل الأفكار إلى حيز التطبيق العملي لتكمل عجلة البناء دورتها، وتتحول تلك الأفكار إلى وظيفة اجتماعية ثورية الآفاق تقدمية الأبعاد[57]؛ الأمر الذي يتطلب نقل تلك الأطر النظرية إلى واقع ملموس، وهو ما يتطلب حركة نوعية يساهم فيها كل أبناء المجتمع على مختلف اختصاصاتهم، عنوانها التضحية، لأن الحضارات لا تبنى بغير العطاء والكفاح[58]، وهو ما يُلزم «الفقهاء وأصحاب الاختصاص تقدير مسؤولياتهم على أساس أنّ القضية المطروحة ليست قضية تحقيق استمرار الحياة الاقتصادية، بل هي قضية دفع العجلة من أجل إنقاذ السفينة وأهلها، ولو تعطلت من أجل ذلك بعض المصالح الفردية»[59].

 

قد يهمكم أيضاً  عبد الـحميد مهري: سيرة وعطاء

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الربيع_العربي #مالك_بن_نبي #مفكر_عربي #غقتصاد #الاستعمار #الاستعمار_الاقتصادي #الجزائر #النهضة #الثورة #النظام_الإقتصادي #التخلف_في_العالم_الإسلامي #العالم_الإسلامي #دراسات