محررون: Alessandro Soro, Margot Brereton and Paul Roe
مراجعة: وليد رشاد زكي[1]
الناشر: Springer Nature, Switzerland
سنة النشر: 2019
عدد الصفحات: 210
يقدّم هذا الكتاب رؤية اجتماعية لإنترنت الأشياء (Internet of Things). فالمتأمل للواقع يدرك أن هذا المفهوم ذاع صيته في المكتبات التقنية، وقد فطن بعض الباحثين بقيادة كلٍّ من أليساندروا سورو ومارغوت بريريتون وبول روي إلى الدور الاجتماعي لإنترنت الأشياء وقاموا بتحرير كتاب يتناول الرؤية الاجتماعية لتطبيقات إنترنت الأشياء.
تعني إنترنت الأشياء ببساطة العلاقة بين الإنسان والأشياء المادية من حوله عبر الإنترنت، فيستطيع على سبيل المثال أن يتحكم الإنسان في المكيِّف عبر الإنترنت بمستشعرات ذكية، ويجهزه لتبريد المنزل قبل الولوج إليه، وتستطيع الثلاجة أن تعطي إشارات لانتهاء الأغذية أو تخبر المستخدم عبر تطبيقات إنترنت الأشياء بما انتهت صلاحيته من الطعام، كما يمكنها أن تخبر محل البقالة بما ينقصها، كما تستطيع الملابس الذكية أن تخبر الإنسان بوزنه والسعرات الحرارية التي تم حرقها، وتتبع مكانه، وأساور اليد يمكن أن تخبر الإنسان بحالة ضربات القلب والتنفس… وغيرها. وهنا تكشف إنترنت الأشياء عن علاقة بين الإنسان والأشياء المادية من حولة، وعلاقة بين الأشياء المادية بعضها مع بعض.
طرح الكتاب في مقدمته مجموعة من التساؤلات المهمة منها: كيف سيتفاعل الناس مع الأشياء؟ وكيف ستجذب الأشياء انتباه الناس؟ وكيف سيفهم الناس الأشياء؟ وكيف سيتواصل الناس من خلال الأشياء؟ وما تداعيات الأشياء على مشاركة الناس في الحياة الاجتماعية؟ وما هي القيم المتضمنة في إنترنت الأشياء؟
يضم الكتاب بين دفَّتيه ثلاثة أجزاء، تناول الجزء الأول الرؤية الاجتماعية لإنترنت الأشياء من خلال ثلاثة فصول، وعنون الثاني بتفاعلية التصميم في الرؤية الاجتماعية لإنترنت الأشياء، وعنون الثالث بالتطبيقات الاجتماعية لإنترنت الأشياء.
أولاً: الرؤية الاجتماعية لإنترنت الأشياء
يتضمن هذا الجزء ثلاثة فصول؛ عُنون الفصل الأول «تجميل إنترنت الأشياء: إنترنت الأشياء كأجندة ثقافية». كتب هذا الفصل ثلاثة من الباحثين جيفري بارديل (Jeffrey Bardzell) وشاوين بارديل (Shaowen Bardzell)، وسين ليو (Szu-Yu Cyn Liu). ناقش الفصل جوانب الجمال في إنترنت الأشياء ومنتجاتها، وكيف تجاوز إنترنت الأشياء مسألة التقنية إلى فلسفة الفن والجمال، وبحثوا فكرة تجميل الأشياء من أجل حرية أكثر للإنسان، وقاموا بجمع بيانات إثنوغرافية حول الموضوع من تايوان. وقدموا الدعوة إلى مراعاة الصفات الجمالية في التكنولوجيا الناشئة، وأكدوا أن تكنولوجيا الإنترنت ليست مجرد تكنولوجيات فحسب، ولكنها نتاج ثقافي، ومن المرجح أن تؤثر مبادئ إنترنت الأشياء بعمق في نوعية الحياة. وضرب الباحثون مثالاً على تطبيقات إنترنت الأشياء بأجهزة الاستشعار البيئي الموجودة في تايوان؛ فوفقاً للإحصاءات فإن هناك سبع حالات بين كل عشر حالات مصابين بالسرطان أصيبوا بالمرض بسبب الملوثات البيئية، وبناء على ذلك طُبِّق نظام الاستشعار البيئي عام 2015، يقوم هذا التطبيق بتعريف المواطنين درجة الحرارة والرطوبة وثاني أكسيد الكربون والمواد الضارة، حتى يختار المواطنون الوقت المناسب لممارسة الرياضة أو التنزه أو الخروج من المنزل.
وقدم للفصل الثاني جاك كارول (Jack Carrole) بعنوان إنترنت الأماكن (Internet of Places). ومن أبرز القضايا التي تناولها الفصل قضية الأشياء والأماكن، والماضي والحاضر والمستقبل والتعايش، وتغيُّر التقنيات الاجتماعية. وبوجه عام شرع الباحث في فحص العلاقة بين الناس والبيئات. وقد أوضح أن الرؤية الاجتماعية لإنترنت الأشياء لابد أن تأخذ في اعتبارها المكان. وبنظرة مثالية يعتبر المكان حالة مثالية تجمع بين التفاعلات والخبرات. وقد أشار إلى أنه من السهولة تحديد المكان بالمعنى الجغرافي عبر المستشعرات والتقاط أبعاد المكان بالكامل، ولكن من الأجدى ربط المكان بالمستويات الثلاثة: الشخصية والأسرية والمجتمعية. ويمكن للبنى التحتية الجديدة أن تمكن من حدوث تفاعلات وخبرات أكثر ثراء، ولكنها سوف تؤدي إلى مقايضات اجتماعية وتقنية، فعلى سبيل المثال قد يؤدي الاستيلاء على الأمن وإداراته إلى تقويض الشراكة في الأماكن، فيسهم في تهديد إنترنت الأشياء.
جاء الفصل الثالث بعنوان «من إنترنت الأشياء إلى إنترنت الممارسة» كتب فيه ثلاثة من الباحثين توماس ليدويبغ وبيتر توليمي وفولكمار بيبك. وقد أشار هولاء الباحثون إلى إعادة تطوير تقنيات إنترنت الأشياء لتشمل الطرائق التي توجد بها التقنيات عملياً. وأشاروا إلى أنه في الغالب تقوم المستشعرات في جعل الأشياء تتعرف إلى أنماط الاستخدام والسلوك لدى مستخدميها، وهذا هو قمة التطور في إنترنت الأشياء، حيث تقوم الأشياء ذاتها بالتعرف إلى عادات المستخدمين. وقد ذهب الباحثون إلى أن الأشياء لديها القدرة على الإحساس والمشاركة في الممارسات العملية، وضربوا مثالاً على ذلك بكاميرا التصوير الفوتوغرافي وكيفية اعتمادها على الفيزياء السيبرانية، التي تجعل من الآلة قادرة على اتخاذ الموضع المناسب للالتقاط الصورة طبقاً لأذواق المستخدمين، وذلك عبر المستشعرات. وتتضمن الخلاصة هنا التأكيد أن الممارسات التي تقوم بها الآلات الذكية مرتبطة بالممارسات التي يسعى الإنسان لبلوغها. وقد أفرد البحث مجالاً للحديث عن العلاقة بين الممارسة والوعي، وأكد أن هذه الثنائية مهمة لمستخدمي هذه التطبيقات.
ثانياً: إنترنت الأشياء والتصميم الاجتماعي التفاعلي
طرح الجزء الثاني من الكتاب لفكرة التصميم التفاعلي لإنترنت الأشياء عبر ثلاثة فصول. تناول الفصل الأول منه لماكينة تحديد الاحتياجات كتبه كـلاً من نيكولاس ماتيلارو (Nikolas Martelaro) وويندي جو (Wendy Ju)؛ وعرَّف الفصل ماكينة تحديد الحاجات على أنها «نشاط لإدراك الاحتياجات المعينة لمجموعة من الناس» ويتمثل الغرض منها بتوسيع نطاق المصمم للآلات من خلال التعرف إلى أذواق وآراء الناس في طريقة تصميم الآلات الذكية. وقد أشار الفصل إلى إطار يتم في ضوئه التعرف إلى الحاجات. يضم هذا الإطار خمس آليات: الأولى الحوسبة المضمنة (Embedded Computing)؛ والثانية الخدمات السحابية (Cloud Services)؛ والثالثة التعلم الآلي عبر الإنترنت (Online Machine Learning)؛ والرابعة، وكلاء المحادثة (Conversion Agents)؛ والخامسة، الوسطاء التكيفيين (Adaptive Interfaces). كما أشار الفصل إلى منهجيات أخرى متعلقة بتحديد الحاجات منها الإثنوغرافيا والمجسّات.
وقدّم دونالد داغرين (Donald Degraen) للفصل الثاني حول استكشاف التفاعلية في التصميم الاجتماعي لإنترنت الأشياء. قدم الفصل للتحديات التي يمكن أن يواجهها المستخدمون في فهم الأجهزة الذكية والتحكم فيها. وأكد الفصل الطابع الاجتماعي والمردود الاجتماعي للأجهزة الذكية. وأكد مسألة الثقة في الأجهزة الذكية، والثقة بين الأجهزة الذكية، وطرح فكرة مهمة عن رأس المال الاجتماعي للأشياء، فقد تم التأكيد في إطار الفصل أن إنترنت الأشياء قادرة على بناء رأس مال اجتماعي من خلال دمج مبادئ الشبكات الاجتماعية في تصميم الآلات الذكية. وأكد الفصل بأن ثمة علاقة بين الإنسان والآلة وثمة علاقات تتأسس بين الآلات بعضها مع بعض. تمثل هذه العلاقات أرصدة تسهم في تراكم أشكال جديدة من رأس المال الاجتماعي، وبخاصة أن الآلات الذكية لديها القدرة على أن تخاطب بعضها بعضاً عبر بروتوكولات الشبكة.
قدّم للفصل الثالث غاجارغار Ghajargar وزملاؤه فيبرغ (Maliheh Mikael Wiberg) وإيريك ستولتيرمان (Erik Stolterman) حول استبصار تصميم الأماكن: دراسة إنترنت الأشياء كمقاربة علائقية في تصميم المساحات وتأثيرها في التفكير. أشار الفصل إلى أنه مع ظهور الأجهزة الذكية أدّت إنترنت الأشياء دوراً مهماً في تغيير أسلوب الحياة لدى العديد من البشر، وإلى ظهور أنماط جديدة من التفكير منها التفكير التفاعلي، والتفكير المعقول. وانقسم الفصل إلى أربعة عناصر بدءاً بمقدمة وإعادة التفكير والمعرفة الموزعة، وقدم أيضاً لفكرة استبصار تصميم الأماكن؛ طرح هذا العنصر للأماكن وإعادة التفكير، والتفاعلية مع ما صنعه الإنسان، وقدّم الفصل مقاربة علائقية لإنترنت الأشياء من الزاوية الاجتماعية، وتم التركيز في هذه المقاربة على أماكن الأنشطة، وأماكن الفعل، وأماكن الناس.
ثالثاً: التطبيقات الاجتماعية لإنترنت الأشياء
عرض الجزء الثالث من الكتاب للتطبيقات الاجتماعية لإنترنت الأشياء في أربعة فصول. وقدم آرني بيرغر وزملاؤه (Arne Berger) الفصل الأول في هذا الجزء بعنوان الاستشعار المنزلي: الاستكشاف التشاركي للمستشعرات الذكية في المنزل. قدم رؤية حول مصطلح المستشعرات الذكية المنزلية واستخداماتها، وأكد أن هناك المزيد والمزيد من الأجهزة الذكية المستخدمة في المنزل والمتصلة بأجهزة استشعار متصلة بشكبة إنترنت الأشياء. وتقدم هذه الأشياء الذكية طرائق جديدة للتفاعل ولكنها تثير أيضاً أسئلة حول تداعياتها الاجتماعية. كما قدم الفصل تقريراً عن تصميم وتطوير المنازل الذكية. وقدم ثلاث حالات الأولى استكشاف سيناريوهات الاستخدام، والثانية البحث والنمذجة، والثالثة إعادة تحديد أثار إنترنت الأشياء بشكل نقدي.
قدّم الفصل الثاني من هذا الجزء كـلاً من ماركوس ريتنبريش (Markus Rittenbruch) ودونوفان (Jared Donovan). طرح الفصل في مستهله عدة أسئلة منها كيف استطاع المستخدمون أن يتفاعلوا أحادياً مع الآلات؟ وكيف يمكن لأجهزة إنترنت الأشياء التفاعلية من أجل مساعدة المستخدمين في فهم البيانات؟ كما قدم الفصل محاولة لفهم التوترات المتزايدة بين زيادة الاعتماد على الآلة، وأكد أن الناس تلجأ إلى استخدام استراتيجيات متنوعة أحياناً وصعبة التوفيق، ويعتمدون بالأساس على تصوراتهم الذاتية والتي قد تتواءم مع التفضيلات العامة. وركز الفصل على مستويين لإنترنت الأشياء: الأول المستوى المادي والذي يتضمن الإعدادات وأجهزة الاستشعار، والثاني المستوى الاجتماعي والذي يتضمن أفكاراً منها التفضيلات والراحة، ويؤكد الفصل في مجمله الذاتية في التعامل مع إنترنت الأشياء.
ويقدّم الفصل الثالث في هذا الجزء غارزوتو وزملاؤه (Franca Garzotto) حول اشتراك الأطفال الذين يعانون اضطراب النمو العصبي من خلال تجارب تفاعلية متعددة الحواس في الفضاء الذكي. يستكشف الفصل تطبيقات إنترنت الأشياء لإنشاء منصة قادرة على دعم الأنشطة متعددة الوسائط والتي تعزز التنسيق الحركي والاهتمام والتفاعل الاجتماعي للأطفال الذين يعانون اضطراب النمو العصبي. وأشار الفصل إلى أن إنترنت الأشياء لديها القدرة على تحسن نوعية حياة الأطفال وعائلاتهم أكثر فأكثر، إضافة إلى دعم عمل المعالجين. ومع ذلك فإن التحدي بالنسبة إلى الرؤية التكنولوجية هو التكيف مع الحاجات الفردية لكل مستخدم، ولكي يتم تخطي ذلك ينبغي أن تتكامل نماذج تطوير المستخدم مع مبادرات إنترنت الأشياء، بحيث تتواكب مع المعالجين ومع حاجات الأطفال. ويعرض الفصل لإعادة النظر في فرص المشاركة الاجتماعية في إنترنت الأشياء والمتعلقة بالأماكن والمجتمعات المحلية. وناقش المؤلفون الأدوار الخاصة بتكنولوجيا إنترنت الأشياء في هذا الفضاء والتي تتسم بالتنوع والثراء.
قدم الفصل الأخير كان لين وزملاؤه (Can Lin) بعنوان: من الاجتماعي إلى المدني: المشاركة العامة مع إنترنت الأشياء في الأماكن والمجتمعات. استعرض الفصل المشاركة العامة مع أنظمة إنترنت الأشياء من منظور اجتماعي، وناقش تصنيف الظواهر الاجتماعية الناشئة حول إنترنت الأشياء في الأماكن والمجتمعات. كما ناقش أهم الطرائق التي يمكن من خلالها مشاركة المواطنين ودور التكنولوجيات في عمليات المشاركة العامة. انقسم الفصل إلى مقدمة وثلاثة عناصر، تناول العنصر الأول تصنيف المشاركات العامة في إنترنت الأشياء؛ قدم التفاعلات الاجتماعية في علاقاتها بإنترنت الأشياء وتعزيز المشاركة المدنية للمواطنين؛ وتناول العنصر الثاني للدروس المستفادة من البعد الاجتماعي لإنترنت الأشياء. وتناول العنصر الأخير للتوجهات المرتبطة بإنترنت الأشياء والاختيارات التكنولوجية.
وفي النهاية يمكن القول إن هذا الكتاب قدّم مبادرة اجتماعية لدراسة إنترنت الأشياء، بصورة مستفيضة. كما قدم الكتاب رؤية شمولية حول الأبعاد الاجتماعية للمفهوم، وقدم للعديد من التطبيقات الاجتماعية لإنترنت الأشياء، وطرح لبعض الفئات الاجتماعية مثل الأطفال ذوي الإعاقة وكيف يسهم إنترنت الأشياء في تقديم فرص لهم. إلا أن الأمر لم يخلُ من بعض المسالب، فقد افتقر الكتاب إلى التعمق في دراسة المشكلات الاجتماعية المرتبطة بإنترنت الأشياء، وبخاصة أن التطبيقات المرتبطة بها ليس كلها خير، فثمة تحديات تواجه المجتمعات والأفراد من هذه التقنيات الجديدة لم تأخذ حقها في المعالجة. كما أن الحديث عن إنترنت الأشياء كتكنولوجيا ناشئة كان يستوجب تقديم رؤية مستقبلية وهو ما أهملته معظم المعالجات في الكتاب. ولكن هذا الكتاب يفتح الآفاق أمام سلة من المفاهيم تستحق التأمل وتفتح المجال أمام بحوث مستقبلية أكثر عمقاً.
اقرؤوا أيضاً الإعلام والتنمية: الواقع والتحديات في عصر العولمة
#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #إنترنت #إنترنت_الأشياء #سوسيولوجيا_إنترنت_الأشياء #سوسيولوجيا
المصادر:
(*) نُشرت هذه المراجعة في مجلة المستقبل العربي العدد 480 في شباط/فبراير 2019.
[1] وليد رشاد زكي: أستاذ مساعد علم الاجتماع، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – مصر.
البريد الإلكتروني: walid489@hotmail.com
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.