المؤلف: عدي أسعد خماس

مراجعة: سمير عبد الرسول العبيدي

تقديم: عبد السلام إبراهيم بغدادي

الناشر: دار دجلة، عمّان

سنة النشر: 2019

عدد الصفحات: 222

 

في ظل الأحداث التي شهدها العراق بعد الاحتلال عام 2003، أضحى موضوع السياسة الخارجية أحد أبرز التحديات التي تواجه الساسة العراقيين. من أبرز هذه الملفات الشائكة ملف العلاقات مع القارة السمراء، التي تأثرت، بوجه أساسي، بالتطورات في العراق بعد 2003.

مؤلف الكتاب أحد أعضاء السلك الدبلوماسي، ذلك ما يفسر اختياره للموضوع كعنوان لرسالته للماجستير في معهد التاريخ العربي التابع لجامعة الدول العربية عام 2009، والتي مثلت إضافة نوعية إلى حقل الدراسات الأفريقية، لأنها أول دراسة متكاملة اعتمدت بالكامل تقريباً على الوثائق الدبلوماسية، وتطرقت إلى علاقة العراق بالقارة السمراء وجمهورية جنوب أفريقيا. كما تكمن الإضافة في أنها تبحث في علاقة تعاني ندرة المصادر والمعلومات، في حين عزز فحوى ذلك كون المؤلف خبيرًا متمرسًا في كتابة التقارير الدولية المتعلقة بالأقليات الدينية وحقوق الإنسان، وله عدد من الدراسات والمقالات المنشورة، والمؤلفات، وأهمها:

الصابئة المندائيون (نبذة تعريفية) – 2010؛ الاحتلال الأمريكي للعراق وأثره على العلاقات العراقية – الأردنية (2003- 2010) – 2011؛ العراق والأردن (دراسة في تطور العلاقات العراقية الثنائية 2003 - 2010) – 2016.

كان العراق قد اعترف بالنظام الجديد في جنوب أفريقيا وأقام علاقات دبلوماسية معه عام 1999، وافتتح سفارته في بريتوريا وتبادل معه الزيارات السياسية ودشن علاقات اقتصادية وتجارية متنوعة، لذا تأتي الدراسة لتبحث الأمر ولا سيّما أننا بحاجة إلى فهم وتحليل تجربة جنوب أفريقيا في مجال المصالحة الوطنية والسلم الأهلي.

كذلك نحن بحاجة إلى الإفادة من هذه التجربة الناجحة لبناء سلم أهلي متماسك. كما أن العراق بحاجة إلى أن يتعامل مع هذه الدولة الناشئة (شبه المتقدمة) العضو في رابطة البريكس، التي يتمتع أعضاؤها باقتصاد صناعي – زراعي متماسك، مكنهم من الدخول في نادي العشرين. ثم تأتي أهمية هذه الدراسة من أنها جاءت من باحث جمع بين الخبرة الأكاديمية (النظرية) والخبرة العلمية المكتسبة من عمله الدبلوماسي الذي أتاح له السفر والاطلاع على مصادر المعلومات، وهو ما أنتج دراسة أكاديمية تجمع بين الإطار النظري والاتجاه الواقعي، لذا خرجت بتوصيات ومقترحات عملية تدعو إلى الاستفادة من خبرة جنوب أفريقيا في مجال بناء السلام والمصالحة الوطنية بين شرائح المجتمع المختلفة، فضلاً عن الاستفادة من تجربة التطور الاقتصادي وحاجتها إلى الموارد البترولية وهو ما يستطيع العراق تقديمه لها ولا سيما أن العراق متصل بحرياً بجنوب أفريقيا عبر الخليج العربي والمحيط الهندي.

يسلط الباحث الضوء بوجه أساسي على العلاقات العراقية – الأفريقية (الفصلان الأول والثاني؛ ص63-136)، التي انطلقت في عام 1961 في أول تمثيل دبلوماسي عراقي في القارة السمراء، مروراً بما شهدته هذه العلاقة من تطورات وميادين متعددة كصورة لها، ولغاية عام 2008، مع اختيار جمهورية جنوب أفريقيا بوصفها أنموذجاً لهذه الدراسة (الفصل الثالث؛ ص 137-183) للمدة 1994-2008، بعد أن أجريت أول انتخابات رسمية فيها عام 1994 بعد عقود من نظام التمييز العنصري، إذ برزت ضمن الدول المهمة في القارة؛ لذا تقوم فرضية الدراسة على إثبات أن مكانة القارة الأفريقية بوجه عام وجنوب أفريقيا بوجه خاص بالنسبة إلى العراق كانت محدودة على الرغم من أن جنوب أفريقيا شهدت تطوراً ملحوظاً عقب زوال حكم التمييز العنصري وإجراء أول انتخابات تعددية.

انتهجت الأنظمة العراقية عقب انقلاب 14 تموز/يوليو 1958 عدة وسائل لتعزيز تلك العلاقة ورفدها بعناصر قوة مضافة، ولعل من أبرزها الوسائل السياسية والاقتصادية والثقافية فضلاً عن تلك الوسائل التي عدّت روابط مشتركة بين الجانبين، فإن كلا البلدين تجمعهما روابط مشتركة أخرى، إذ إنهما ينتميان إلى عالم رحب وهو البلدان النامية، وكلاهما ناضلا ضد الاستعمار من أجل استقلالهما، وهما عضوان في حركة عدم الانحياز والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتأتي أهمية الدراسة من:

1 – أنها تدرس العلاقة بين العراق ودولة تعد من الدول المهمة في أفريقيا سواء أكانت هذه الأهمية سياسية أم اقتصادية أم عسكرية.

2 – أنها تعدّ من الموضوعات الحديثة نسبياً التي لم تحظ بأهتمام الباحثين.

3 – تعدّ بداية لموضوع مهم ينتظر من لدن باحثين آخرين، إذا ما علمنا بأنه لم يسبق لأحد التطرق إلى الموضوع، وبحجم هذه الدراسة.

قسمت الدراسة البحثية إلى أربعة فصول (ص 25-183)، وخاتمة (ص 185-188)، وملحقين على درجة كبيرة من الأهمية (ص 189-204)، إذ ضم الملحق الأول المعاهدات والاتفاقات والبروتوكولات الثنائية التي وقعها العراق مع الدول الأفريقية؛ (ص 189-197) واحتوى على 51 فقرة للمدة 1965-1982، أما الملحق الثاني (ص 199-204) فاحتوى على «مسودة اتفاقية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني الثقافي بين حكومة العراق وحكومة جمهورية جنوب أفريقيا» تم توقيعها بالأحرف الأولى في بريتوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2002، كما تضمنت الدراسة 11 جدولًا و4 خرائط.

كرس الفصل التمهيدي (دراسة حالة جنوب أفريقيا الإطار العام للدولة؛ ص 25-62) الذي تكوّن من خمسة مباحث، لدراسة حالة جنوب أفريقيا أنموذج البحث، وكما يأتي:

المبحث الأول طبيعة المجتمع، والمبحث الثاني الطبيعة الجغرافية، المبحث الثالث المناخ، المبحث الرابع الاقتصاد، والمبحث الخامس نظام الحكم.

الفصل الأول (العلاقات العراقية- الأفريقية؛ ص63-102): خصص لاستعراض الجانب التاريخي للعلاقات مع أفريقيا، وتم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث، عرض المبحث الأول العلاقات مع أفريقيا (1961-1980) وهي المدة المحصورة بين أول تمثيل دبلوماسي عراقي في القارة السمراء ولغاية بدء الحرب العراقية – الإيرانية، بينما تناول المبحث الثاني تلك العلاقات للحقبة (1980 – 1990) وهي المرحلة الممتدة بين بدء الحرب العراقية – الإيرانية وحرب الكويت، وجاء المبحث الثالث ليتناول العلاقات في الحقبة 1990 – 2003 وهي المرحلة الممتدة بين حرب الخليج الثانية واحتلال العراق في عام 2003.

الفصل الثاني (ميادين العلاقات مع أفريقيا؛ ص 103-136) تناول ميادين العلاقات العراقية مع أفريقيا من خلال تقسيم الفصل إلى ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأول الجانب السياسي، والمبحث الثاني تضمن الجانب الاقتصادي، أما المبحث الثالث فقد تناول الجانب الثقافي.

الفصل الثالث (ص137-183) تناول العلاقات العراقية مع جنوب أفريقيا في ثلاثة مباحث: المبحث الأول للمدة 1994 -1999 وهي المدة الممتدة بين أول انتخابات ديمقراطية بعد إلغاء نظام الفصل العنصري ولغاية الانتخابات الديمقراطية الثانية، والمبحث الثاني للمدة 1999-2003 وهي المدة الممتدة بين ثاني انتخابات ديمقراطية في جمهورية جنوب أفريقيا ولغاية احتلال العراق، والمبحث الثالث للمدة 2003 -2008، بينما تضمن المبحث الرابع نظرة مستقبلية لطبيعة العلاقات العراقية مع جنوب أفريقيا.

كخلاصة، عمل العراق على تعزيز علاقته بالعديد من الدول الأفريقية من خلال فتح بعثات دبلوماسية منذ عام 1961، واستعمال وسائل مساندة لتعزيز هذه التوجهات، وهو ما تمثل بالمساعدات الاقتصادية والاتفاقيات المتعددة التي وقعها في هذا المجال إبان مرحلة السبعينيات التي شهدت توسعاً في العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، التي تمثلت بالتوسع في فتح بعثاته سواء أكان التمثيل الدبلوماسي مقيمًا أم غير مقيم، حتى وصل عدد هذه البعثات إلى 35 بعثة عراقية توزعت جغرافياً على القارة الأفريقية.

وعلى الرغم من الظروف التي مر بها العراق والمتمثلة بالحرب العراقية – الإيرانية وحرب الخليج الثانية وما تبعه من حصار اقتصادي وقرارات دولية متعددة، أثّر كل ذلك في التوجهات العراقية تجاه القارة الأفريقية إلا أنه عاد في عام 1996 إلى التحرك مجدداً تجاه القارة متمثلاً بالتحرك نحو نيجيريا وجنوب أفريقيا.

شهدت العلاقات الكثير من العقبات المختلفة ضمن سياقات زمنية متباينة، في الوقت الذي شرع العراق بإعادة الصلات الدبلوماسية وإيجاد الحلول للمعوقات التي اعترت تلك العلاقات. حيث لم تحظ أفريقيا بالاهتمام الكافي من جانب قادة النظام السياسي بعد عام 2003، من جراء المشاكل والأحداث التي شهدتها البلاد وانعكست بالسلب على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، الأمر الذي جعلها تحظى بالأهمية القصوى، إضافة إلى السعي لتقوية العلاقات مع الدول المعنية أكثر بالشأن العراقي كالولايات المتحدة الأمريكية وإيران وأوروبا.

أما مستقبل العلاقات العراقية – الجنوب أفريقية فإنه يرتبط بالأهمية التي تحتلها جنوب أفريقيا في السياسة العراقية، إذ إن تلك العلاقة كشفت عن سعي العراق لتحقيق تقارب وتعاون كبيرين مع جنوب أفريقيا. وما يزيد الأمر وضوحاً هو توسيع آفاق التعاون بين الطرفين، إذ عمل الجانبان على وضع آلية وصيغة استراتيجية مستقبلية تجاه جنوب أفريقيا مرتكزة على جوانب سياسية واقتصادية وثقافية. وهذا يعني أن هدف هذه العلاقة هو السعي لوضع خطط مستقبلية مرتكزة على أسس وثوابت تعمل على ديمومة هذه العلاقة. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الثنائية اهتماماً كبيراً خلال السنوات المقبلة ولا سيما بعد أن بدأت ميادين العلاقة بين الطرفين تشهد توسعاً كبيراً، إذ أصبح البعد المستقبلي في طبيعة العلاقة يشهد تقدماً، وبخاصة مع بداية التسعينيات من القرن الماضي.

تكمن أهمية إصدار كتب متخصصة كهذه تعنى بالعلاقات العراقية مع دول العالم في إنها تسهم في رفد المكتبة الدبلوماسية التي تعاني نقصًا واضحًا في هذا المجال، فالعلاقات العراقية – الأفريقية تتميز بالعمق، إذ انطلقت عام 1961 في أول تمثيل دبلوماسي عراقي داخل القارة السمراء، وشهدت تطورات في عدة ميادين. وخرج المؤلف بتوصيات عامة متعددة منها أهمية توسيع حجم التمثيل الدبلوماسي في الدول الأفريقية المقتصر اليوم على 4 دول هي السنغال، ونيجيريا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، ليشمل دولًا أخرى، وزيادة الملاك الدبلوماسي ضمن البعثات العاملة الآن في الساحة الأفريقية، وتعزيز خبراتها في هذا المجال، وإقامة ملحقيات تجارية متعددة لتمارس دورها في هذا المجال، وإعادة تفعيل اللجان العراقية – الأفريقية المشتركة، وإعادة إحياء بعض الاتفاقيات التجارية والاقتصادية.

في الختام إن هدف العلاقة التي سعت إليه الحكومة العراقية تجاه جنوب أفريقيا بوجه خاص يكمن في الآتي:

1 – العمل على التعامل مع جنوب أفريقيا بوصفها شريكاً مستقبلياً مع العراق.

2 – السعي لتحقيق نوع من الشراكة الاستراتيجية مع جنوب أفريقيا.

3 – محاولة توسيع النفوذ العراقي في جنوب أفريقيا (سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً) من خلال فسح المجال أمام الحركة السياسية والاقتصادية نحو القارة السمراء.

4 – إن المبدأ الأساسي الذي يحكم السياسة العراقية تجاه دول العالم هو: توسيع وتوثيق علاقاتها مع دول العالم ولا سيما الدول التي تجمعها معها عدة مشتركات ولعل جنوب أفريقيا هي إحدى هذه الدول؛ فالمكانة التي تحتلها تجعلها تشغل موقعاً متميزاً وأن تكون في صلب اهتمامات السياسة الخارجية العراقية وتمثل أنموذجاً رائداً في القارة الأفريقية من حيث التحولات الديمقراطية والاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تشهده. بعبارة أخرى، إن جنوب أفريقيا تمثل اليوم الدولة الأكثر جذباً للعراق في علاقاته مع الدول الأفريقية لكونها الأكثر تقدماً من الناحية الاقتصادية بين نظيراتها الأخرى في القارة السمراء، وتعد ذات تجربة ديمقراطية حديثة وناضجة في المجال السياسي مع مؤسسات وهياكل عمل فاعلة تكاد تكون متشابهة إلى حد بعيد مع التجربة السياسية في عراق اليوم.