المؤلف: عوني فرسخ
مراجعة: أحمد سعيد نوفل(**)
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت
سنة النشر: 2018
عدد الصفحات: 416 ص
ISBN: 9789953828183
– 1 –
يعَدّ المؤلف عوني فرسخ، من الكتّاب العرب المتخصصين بالصراع – الصهيوني والقضايا العربية القومية، والمؤمنين بأهمية الوحدة العربية كطريق لتقدم الأمة العربية وتحرير فلسطين. يتناول الكتاب – كما يشير عنوانه – أهم محطات الصراع العربي – الصهيوني والمتغيرات التي استجدَّت عليه خلال نصف قرن.
يتكون الكتاب الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2018، من 416 صفحة من الحجم الكبير، موزعة على مقدمة وثمانية فصول. استعرض فيه المؤلف أهم الأحداث الرئيسية التي مرت على الصراع العربي – الصهيوني. وحمل الفصل الأول عنوان التداعيات العربية للنكبة، وتوزع على تسعة مباحث: عالج المبحث الأول، التداعيات التي أحدثتها النكبة على الصعيد القومي العربي، شرح فيه الظروف السياسية والاجتماعية التي عاشها الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية والتي أدت إلى نكبة فلسطين. ورصد المؤلف مواقف بعض السياسيين والمفكرين العرب في تلك الفترة. وأشار إلى أنه «قلّما أشغلت قضية سياسية أذهان المفكرين ورجال السياسة والدين والأدب والفن في الوطن العربي، منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، كما أشغلتهم قضية فلسطين».
وأورد وصفاً للمفكر القومي العربي قسطنطين زريق للنكبة التي حلت بفلسطين بأنها لم «تقف عند خسارة بعض الأراضي العربية، وإنما أدت إلى الانهيار المعنوي المتمثل بشك العرب بأنفسهم وقابليتهم للحياة». والمفكر جورج حنا الذي وصف النكبة بأنها «المعركة التي خسرناها في فلسطين ليست المعركة الفاصلة ولا تغلق أبواب الرجاء».
ووصف الكتاب، سخط الجماهير العربية على نتائج مشاركة الجيوش العربية في حرب 1948، التي أدّت إلى ضياع فلسطين. وهو ما أدى إلى تشكيل قيادات فلسطينية كجورج حبش وهاني الهندي وآخرين «كتائب الفداء العربي» التي ضمّت عدداً من الشباب العربي. كما ثار ضباط من الجيوش العربية التي شاركت في تلك الحرب ضد الأنظمة العربية التي تقاعست في الدفاع الحقيقي عن فلسطين. وكان من أهمها ثورة الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر في مصر عام 1952، الأمر الذي أدى إلى تنامي الحركة القومية العربية لدى الجماهير.
– 2 –
وأشار المبحث الثاني، إلى تداعيات النكبة على الصعيد الوطني الفلسطيني، فتناول فيه تأثير النكبة في الفلسطينيين. واستعرض ردود فعل بعض من عاشوا تلك الفترة، كجورج حبش الذي وصف لحظة الخروج من مدينته اللد بقوله «أتذكر أنه في تلك الليلة صدر عني تعبير لعله كان المؤشر إلى ما فعلته بعد ذلك. في تلك الليلة اجتمعت بأحد رفاق المدرسة، وقد عرضنا الظروف ثم وجدنا أنفسنا نقول بكثير من البراءة من دون وعي أو فهم لما تعنيه الكلمة: لن نخسر بلادنا».
ووصف فرسخ، الظروف الصعبة التي عاشها الفلسطينيون بعد النكبة التي حلّت بهم، وانضمام العشرات من الشباب الفلسطيني إلى الأحزاب العربية ذات التوجهات القومية والإسلامية والماركسية. كطريق للنضال الفلسطيني من أجل تحرير الوطن المغتصب، ورفضهم الاعتراف بالأمر الواقع بوجود الكيان الصهيوني في فلسطين وتصميمهم على المقاومة.
وعالج المبحث الثالث، واقع الظروف التي عاشها الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، وقسوة النكبة عليهم، وتحولهم من مواطنين يتمتعون بالأغلبية في وطنهم إلى أقلية تخضع للاحتلال الإسرائيلي وتمارس عليها شتى أنواع العنصرية، فضلاً عن تطبيق القوانين الإسرائيلية عليهم، كقانون أملاك الغائبين، لمصادرة أملاكهم وقوانين الطوارئ. وشرح المؤلف الظروف السياسية للفلسطينيين في داخل الكيان الصهيوني، وتطور النضال الوطني الفلسطيني من خلال انتمائهم إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتأليف تنظيمات وطنية كجماعة الأرض وأبناء البلد.
وبحث المبحث الرابع بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وتوزيعهم على دول الجوار وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بهم، ومحاولات الدول الكبرى توطينهم في البلدان العربية. وخُص المبحث الخامس لحق شعب فلسطين في تقرير مصيره وإقامة دولته، والمبحث السادس بعنوان المقاطعة العربية لإسرائيل.
– 3 –
توزعت بقية المباحث في الفصل الأول على الاعتداءات الصهيونية بعد توقيع اتفاقات الهدنة مع مصر والأردن وسورية ولبنان عام 1949، ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، والبيان الثلاثي الأمريكي – البريطاني – الفرنسي.
وركز الفصل الثاني على «الإنجازات الصهيونية عقب حرب 1948» التي حققتها إسرائيل بعد حرب 1948. ومن ضمنها ما أطلق عليه المؤلف «إعلان الاستقلال». وشرح في هذا الفصل دلالاته وخطورته على الصراع العربي – الصهوني. وأشار إلى أن الإعلان لم ينص على حدود الدولة. وأن اليهود قد عادوا «من الشتات إلى أرضه».
واستعرض المؤلف تطورات الصراع العربي – الصهيوني بعد قيام إسرائيل وقبولها عضواً في الأمم المتحدة، وتدفق اليهود إلى فلسطين المحتلة بعد صدور قانون العودة وتعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. والبيئة التي سيطرت على إسرائيل في تعاملها مع المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية من خلال تشجيع المنظمة الصهيونية العالمية لهذه الهجرة. وأشار إلى توزيع اليهود في العالم، والامتيازات والحوافز التي تقدم لهم للهجرة، واغتصاب ممتلكات الفلسطينيين من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي وتقديمها للمستوطنين اليهود. ومحاولات تزوير التاريخ الفلسطيني خدمة لأهداف إسرائيل العنصري، من طريق تغيير أسماء المدن والقرى الفلسطينية بأسماء يهودية.
وحلل فرسخ استراتيجية الجيش الإسرائيلي القتالية وتحوُّله من عصابات مسلحة قبل عام 1948، إلى جيش نظامي يملك قوة نووية، وأحدث الأسلحة القتالية. ومن نظام اقتصادي إسرائيلي استعماري في خدمة جيش الاحتلال، إلى إقامة مشروعات مائية وتجفيف بحيرة الحولة وتحويل مياه نهر الأردن.
– 4 –
وتناول الفصل الثالث، تطور الصراع العربي – الصهيوني من ثورة 23 تموز/يوليو 1952 إلى حرب الاستنزاف التي خاضتها مصر في عهد عبد الناصر ورحيله عام 1970. ويُظهر الباحث أهمية هذه المرحلة، بسبب ثقل مصر الكبير في الصراع. ووضع فرسخ تفاصيل حدثت في تلك الفترة وتطور الصراع بسبب موقف عبد الناصر القومي من القضية الفلسطينية، وتناقضه مع الاستراتيجية الأمريكية المؤيدة لإسرائيل – وتوظيف الموقف المصري العربي والدولي لصالح القضية الفلسطينية – من خلال عزل إسرائيل في مؤتمر عدم الانحياز الذي طالب بعزل إسرائيل.
واستعرض المؤلف موقف الاتحاد السوفياتي من الصراع ومن العدوان الثلاثي على مصر؛ وتأثير الوحدة المصرية – السورية في الصراع العربي – الصهيوني؛ وتحويل مياه نهر الأردن من جانب إسرائيل تمهيداً للعدوان الإسرائيلي على مصر والأردن وسورية في الخامس من حزيران/يونيو 1967؛ وتفاصيل صدور قرار مجلس الأمن الدولي 242 المطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي احتلتها في سيناء والضفة الغربية والجولان. وأشار إلى حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، ورحيل عبد الناصر عام 1970، وانعكاس ذلك على الصراع العربي – الإسرائيلي.
وخص الفصل الرابع للثورة الفلسطينية وخروجها من الأردن مع تنامي وجود المقاومة الفلسطينية كرد فعل فلسطيني على هزيمة الجيوش العربية أمام جيش العدو الإسرائيلي. وشرح المؤلف تفاصيل عن التنظيمات الفلسطينية الرئيسية التي ظهرت بعد حرب حزيران/يونيو 1967. وتعرض لمنظمة التحرير الفلسطينية والميثاق الوطني الفلسطيني ودورها النضالي في تمثيل الشعب الفلسطيني، وتطور العمل الفلسطيني من نكسة 1967 إلى معركة الكرامة عام 1968.
أما الفصل الخامس، فقد خصصه المؤلف لفترة حكم الرئيس أنور السادات وتراجع دور مصر القومي في قيادة النظام الرسمي العربي، بعد حرب تشرين (رمضان) 1973، التي خاضتها مع سورية ضد إسرائيل لاسترجاع سيناء والجولان. واسترجع تفاصيل تلك الحرب والاتفاق على الفصل بين القوات المتحاربة على الجبهة المصرية، وما ترتب على ذلك من تحولات سياسية في الموقف المصري بعد حرب تشرين. ومروراً بمبادرة السادات الذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي وإلقاء خطاب دعا فيه إلى أن تكون حرب تشرين آخر الحروب مع إسرائيل. وانتهاءً بتوقيعه معاهدة كامب دايفيد مع إسرائيل عام 1977، التي خرجت مصر معها من ساحة الصراع العربي – الصهيوني بتوقيعها معاهدة السلام المنفرد مع إسرائيل.
وفي الفصل السادس من كتابه، تحدث المؤلف عن المقاومة الفلسطينية في لبنان من عام 1971 إلى عام 1981، بعد انتقالها من الأردن. وكذلك نمو المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة بقيادة جيل جديد من الشباب الفلسطيني، وصولاً إلى تفجُّر الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وظهور المقاومة اللبنانية.
وتابع المؤلف في الفصل السابع تطور الأحداث الرئيسية التي مر بها الصراع العربي – الصهوني، ويصل إلى مرحلة مهمة من غزو لبنان عام 1982، إلى اتفاق أوسلو عام 1993. ويبدأ بخروج قوات الثورة الفلسطينية بعد غزو القوات الإسرائيلية للعاصمة اللبنانية، الذي يعد أول مرة تحتل فيها إسرائيل عاصمة عربية. وتناول تفاصيل الأحداث الداخلية التي تعرض لها لبنان واغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل. ويشير إلى رسالة مهمة أرسلها الرئيس المصري حسني مبارك عن طريق المخابرات المصرية، للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، تتضمن المعلومات التالية:
1 – أن حملة شارون سوف يدخل بقوات كبيرة إلى لبنان خلال أيام.
2 – أن حملة شارون وحسب المعلومات التي لدى مصر – لن تتوقف عند عمق 30 كم داخل لبنان، بل ستكمل احتلالها لتصل إلى بيروت.
3 – دعوة القيادة الفلسطينية إلى إبطال دعاوي شارون وحججه، وتقبل وضع الأسلحة الفلسطينية تحت الرقابة.
4 – أن مصر لا تطلب من الثورة الفلسطينية تسليم سلاحها، بل تطلب «إغماده».
وهذا يؤكد أن مصر وبعض الدول العربية كانت على علم بالعدوان الإسرائيلي على لبنان والمقاومة الفلسطينية قبل وقوعه بفترة طويلة.
ويؤكد المؤلف بطولات ومقاومة الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في معركة بيروت، إلا أن الإمكانات والقدرات العسكرية كانت لمصلحة القوات الإسرائيلية. وأن من أسباب موافقة قيادة الثورة الفلسطينية على الخروج من لبنان، طلب الحركة الوطنية اللبنانية من المقاومة الفلسطينية ذلك خوفاً من استمرار قصف القوات الإسرائيلية لبيروت. واستعرض تفاصيل المفاوضات بين الأطراف المختلفة الفلسطينية والعربية والأمريكية والإسرائيلية التي سبقت خروج المقاومة من بيروت، ومجازر صبرا وشاتيلا التي تلت الخروج، وحرب المخيمات.
وأشار إلى تطورات القضية الفلسطينية بعد عام 1982، وانتفاضة الحجارة وظروف ولادة حركة المقاومة الفلسطينية الإسلامية (حماس). واعتراف منظمة التحرير الفسطينية بقرارَي مجلس الأمن الدولي 242 و338، وإصدارها لوثيقة الاستقلال عام 1988. وشعار الأرض مقابل السلام والتمهيد لمؤتمر مدريد للسلام عام 1992. وظروف صدور اتفاق أوسلو عام 1993، وانعكاسه على القضية الفلسطينية.
وخصص الفصل الثامن لعنوان رئيسي ومهم وهو تطور القضية الفلسطينية «من إقامة السلطة الفلسطينية إلى فشل العدوان على قطاع غزة 1994 – 2009» وهي مرحلة مهمة من مراحل الصراع العربي – الإسرائيلي. وحلل فرسخ تأثير إقامة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1994، وانتقال قيادة المنظمة وكوادرها من تونس إلى رام الله، وتأثير ذلك في القضية الفلسطينية، وردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسرائيلية. وبناء الجدار العنصري في الضفة الغربية وفتوى محكمة العدل الدولية بضرورة تفكيكه.
كما تطرق المؤلف إلى حزب الله في لبنان، ومجزرة قانا وانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، والعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وصمود المقاومة الإسلامية اللبنانية والشعب اللبناني في مواجهة العدوان. وينهي المؤلف الفصل التاسع بتحليل تأثير الحرب في قطاع غزة في عملية «الرصاص المصبوب» عام 2009. واعتبار صمود المقاومة في غزة، المحطة الأخيرة من محطات الصراع العربي – الصهيوني.
– 5 –
هذه الرمزية من جانب المؤلف، لمسيرة القضية الفلسطينية من عام 1949 التي وقعت فيها الدول العربية الهدنة مع إسرائيل، إلى صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضد الجيش الإسرائيلي عام 2009، لها دلالات مهمة تشير إلى أن اتفاقات الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل لم تنه الصراع الذي ما زال مستمراً بصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومقاومته ضد الاحتلال. وأن الصراع مع العدو الصهيوني طويل ولن ينتهي بتوقيع الهدنة ولا اتفاقيات كامب دايفيد وأوسلو ووادي عربة، بل باستعادة الشعب الفلسطيني كامل حقوقه في وطنه المغتصب.
يُعَد الكتاب مرجعاً مهماً للباحثين العرب بالصراع العربي – الصهيوني، لأن المؤلف أشار إلى تطور الأحداث والمتغيرات التي مر بها الصراع الذي ما زال مستمراً منذ نصف قرن، ومن أجل فهم أفضل لمستجدات الصراع حالياً في ظل ظروف صفقة القرن الأمريكية التي يراد بها تصفية القضية الفلسطينية.
المصادر:
(*) في الأصل نُشرت هذه المراجعة في مجلة المستقبل العربي العدد 478 في كانون الأول/ ديسمبر 2018.
(**) أحمد سعيد نوفل: باحث في الشأن الفلسطيني.
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.