مقدمة:

كيف يحول توظيف الدين في السياسة دون فهم القضايا الدنيوية والاقتصادية والاجتماعية؟

منذ زمن الحرب الباردة، دخلنا في زمن قلق حيث أخذت النقاشات، الدينية الطابع، حيزاً واسعاً من القدرات الفكرية العربية، وكأن جميع مشاكلنا تتعلق بقضايا دينية وفقهية ولاهوتية، وقد تمّ تدريب عشرات الآلاف من الشبان العرب للذهاب إلى القتال في أفغانستان في الثمانينيات، بحجة محاربة الملحدين السوفيات، وكأن قضيتنا المركزية وهي فلسطين الواقعة تحت قبضة الصهاينة، لم تعد ذا أهمية؛ فالكيان الصهيوني كان قد احتل مزيداً من الأراضي العربية باحتلاله جزءاً كبيراً من جنوب لبنان عام 1978، ومن ثمّ احتلال عاصمة لبنان بيروت عام 1982. لم تحرّك الأنظمة العربية ساكناً وهي أصبحت منشغلة في القتال في أفغانستان التي لم يكن للعرب أي مصلحة حيوية يجب الدفاع عنها في هذا البلد.

في الفترة التاريخية نفسها، انشغلت الأنظمة العربية والمثقفون العرب بإقامة نظام دستوري إسلامي في إيران التي أصبحت تُعادي الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، كبديل من جهة وبما سُمي «الصحوة الإسلامية» وما نتج منها من دعم الكثير من الحركات العربية الإسلامية كبديل من الفكر القومي العربي الذي دخل تالياً في مسار تراجعي. وقد رأى الكثير من المثقفين العرب، ومنهم تقدميون سابقون أن الدين الإسلامي قد يكوّن المخزون الهويتي الذي يحتاج إليه العرب بعد سوء أداء الأنظمة العربية التي كانت ترفع راية القومية العربية. وفي الفترة نفسها، زاد الاهتمام بالعمل على انتشار هذه الصحوة الإسلامية وتصديرها إلى جميع البلدان العربية والى دول أفريقية وآسيوية[1].

الجدير بالذكر أيضاً، أن هذا الزمن كان زمن إنشاء المصارف الإسلامية وانتشار التشدد في تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية. كما لا بد من التذكير بإنشاء مؤتمر الدول الإسلامية والمنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة ومؤسسات دولية إسلامية أخرى مختلفة خلال الفترة الزمنية نفسها، مع العلم أن كل هذا لم يمنع الاقتتال الشرس بين دول إسلامية، مثل الحرب العراقية – الإيرانية ومن بعدها غزو الكويت من قبل العراق، وكذلك الحروب الأهلية الفتّاكة في أفغانستان وفي الصومال وفي الجزائر ومؤخراً في ليبيا وسورية، على سبيل المثال. في كل هذه الأوضاع العنفية، نرى توظيف شعارات دينية ومذهبية، وكأن للعرب قضية واحدة ألا وهي الاتفاق على الأمور الدينية لكي تستتب الأوضاع.

الحقيقة، أن هذه الموجات من العنف الفتّاك لها مصادر غير دينية، قلّما تُبحث بجدية لكي نخرج من المحنة التي نعيشها منذ عقود، بل يبدو أن التجاهل المتواصل لمصادر الفتن الدنيوية الطابع، وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية، هي التي أدّت إلى أوضاع الفتن المتنقلة من بلد عربي إلى آخر، وأعني هنا الفشل التنموي الذريع في كل أنحاء الوطن العربي الذي أدّى إلى تهميش فئات اجتماعية واسعة جداً من المجتمعات العربية، وبخاصة في غياب فرص العمل اللائقة للعنصر الشاب من الذكور والإناث. ومن المستغرب في هذا الخصوص، أن موجة الانتفاضات الشعبية العربية التي اجتاحت كل المجتمعات العربية بداية سنة 2011 لم تنتج أي نموذج تنموي بديل من النموذج الذي نسير عليه منذ سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ بها أنور السادات، والذي تعمم إلى كل المنطقة العربية في ظل هيمنة النظام النيوليبرالي المعولم.

نجد أنفسنا اليوم كعرب خارج كل قنوات إنتاج العلوم والتقنيات والتكنولوجيات والابتكارات التي تؤمن كرامة الشعوب في النظام الدولي. فنحن العرب نتكّل اليوم على الخارج لتأمين معظم احتياجاتنا من الغذاء والتجهيزات الصناعية الأساسية ومن السلع والأدوات الاستهلاكية الشائعة ومن السلاح. وفي الوقت نفسه، تتواصل هجرة الأدمغة والكفاءات العربية إلى خارج الوطن بحثاً عن العيش الكريم والحياة المهنية اللائقة، كما أن موجات هجرة عائلات فقيرة ومهمّشة بكاملها عبر المتوسط وتعرّض حياة أفرادها للغرق في البحر، لهي دليل إضافي على فقدان الإنسان العربي أي ارتباط عميق بالبيئة العربية التي يعيش فيها، والتي لم توفر له الحدّ الأدنى من الكرامة الاقتصادية والاجتماعية.

هنا، تُطرح مجدداً مسألة هذه الأهمية الاستثنائية المُعطاة للقضايا الدينية في المنطقة أو لقضايا إرساء الديمقراطية الشكلية أو بالمطالبة بتجدد الخطاب الديني وكأن الإصلاح الديني لم يحصل في بلادنا خلال مرحلة النهضة العربية في القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين. كل هذه الأمور التي تُناقش بلا هوادة في كل الأندية ووسائل الإعلام والأكاديميات لا جدوى منها، بل قد تواصل حجب الحقائق الاقتصادية والاجتماعية التي نتجنب تناولها بالحد الأدنى من العمق والجدية. وهذا ما يسمح لشبكات الاستغلال الريعي للموارد العربية بأن تكمل في احتكار الثروات العربية وسوء استعمالها لصالح قلّة قليلة من الدائرين حول الحاكمين، وكذلك لصالح الدوائر الاقتصادية الخارجية.

هذا يدلّ بما لا لبس فيه على دور توظيف الدين في السياسة في حجب رؤية المشاكل الحقيقية والدنيوية الطابع التي تتخبط فيها الشعوب العربية وإيهام الرأي العام بأن المشاكل والفتن في ما بين العرب و/أو المسلمين هي محصورة في أمور دينية ومذهبية أو في قلة أو كثرة التديّن ومظاهرها الخارجية.

وما دمنا لن نعالج الأسباب الدنيوية الحقيقية لعهد الانحطاط والفتن والتدمير الذاتي الذي نعيشه منذ بدايات الحرب الباردة وتوظيف الدين فيها من قِبَل الدوائر الحاكمة الأمريكية، فإننا لن نتمكّن من السيطرة على هذه اللعبة البشعة التي تصبّ في مصلحة دوائر القرار السياسي والاقتصادي لحلف الـ «ناتو». لذلك على المؤتمر القومي العربي أن يعمل من أجل تغيير الثقافة السياسية الحالية تغييراً جذرياً والدخول في تفكير معمّق من أجل تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعمول بها في منطقتنا العربية لكي نقضي على البيئة الحاضنة للفتن في ما بين العرب.

هذا، يتطلب أموراً عديدة سنسعى هنا إلى تحديدها وتلخيصها لكي ننتقل إلى ثقافة سياسية تركّز على القضايا الموضوعية الدنيوية الحقيقية للشعوب العربية، وتجد لها الحلول المناسبة التي يجب أن يعتمدها العنصر الشاب الذي عليه أن يبني مستقبـلاً أفضل خارج أطر النيوليبرالية وعدم إعطاء القضايا الدينية أهمية مصطنعة وهو ما يؤجّج الأيديولوجيا السامة لـ «صراع الحضارات» وهي أيديولوجيا وقع ضحية لها الكثير من المثقفين العرب الباحثين عن مخزون هويتي وتراثي بدلاً من أن يبحثوا عن أساليب تملّك العلوم والتكنولوجيا وتوطينهما في المجتمعات العربية لكي يصبح لكل عربي فرصة إيجاد العمل اللائق والمنتج ولكي تتحول الاقتصادات العربية من نظام ريعي ظالم وفاشل إلى نظام إنتاجي وابتكاري، كما فعلته مجتمعات أخرى في ظل ظروف العولمة الاقتصادية نفسها.

أولاً: مكوّنات النمو المشوّه في الوطن العربي

1 – الطابع الريعي غير المنتج للاقتصادات العربية[2]

إن الاقتصاد العربي هو اقتصاد ريعي يؤدي إلى تشوُّه التنمية. وتتلخص الاقتصادات العربية بالسمة الغالبة عليها المتمثلة بقاعدتها الريعية التي تحول دون الدينامية والتنويع الاقتصادي والتصنيع الحقيقي وأنشطة الخدمات ذات القيمة المضافة المرتفعة، وهي الوحيدة التي يمكن أن تؤمّن فرص العمل بالأعداد الكافية واستنفار المجتمع بكل فئاته الاجتماعية من أجل الخروج السريع من حال التخلف الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وتالياً الخروج من التبعية والاتكال على الدول المتقدمة.

ليس من السهل التخلص من مصيدة النمو المشوّه الذي يعتمد أساساً على عائدات ريعية دولتية وفردية تتمحور حول تصدير المواد الأولية، ونشاطات السياحة، والاستثمارات العقارية، وأرباح الاستيراد وأنشطة التجارة المحلية. ولقد ساهمت هذه الأنشطة في جمود البنية الاجتماعية – الاقتصادية المتّسمة بانعدام الدينامية والتنويع والتفاوت في الدخل بين المناطق المختلفة في البلد الواحد. ويظهر هذا التفاوت في الدخل، في الهوة المتزايدة بين سكان المناطق الريفية التي ما زال يعيش فيها قسم كبير من السكان في البلدان وبين العائلات الميسورة مادياً في المراكز المدينية الكبيرة.

لقد أظهر التاريخ أن الاقتصادات ذات القاعدة الريعية، قد أنتجت على الدوام أنظمة سياسية استبدادية، تعتبر النخب الحاكمة فيها الموارد الطبيعية والبشرية بمثابة ملكية إقطاعية موروثة لها، تستطيع التصرف بها كما يحلو لها. ولقد كان صعود الديمقراطية في أوروبا عبارة عن مسيرة طويلة على طريق تفكيك الدولة الوراثية والبتريمونيالية وتغيير ثقافتها الاقتصادية والسياسية لوضع أسس الحريات الفردية ومساءلة النخبة الحاكمة من قبل مواطنيها.

2 – أدنى معدل عالمي من السكان العاملين إلى العدد الإجمالي للسكان

تظهر إحصاءات منظمة العمل الدولية أنّ نسبة السكّان العاملين إلى العدد الإجمالي للسكان في البلدان العربية، التي تبلغ في المتوسط 45 بالمئة، تتعارض في شكل حاد مع المعدل العالمي الذي يبلغ 61.2 بالمئة، ومعدل شرق آسيا الذي يصل إلى 70 بالمئة. إلى ذلك، فإنّ إحصاءات العمالة في البلدان العربية تظهر انخفاضاً كبيراً في معدل مساهمة النساء في أسواق العمل ونسبة عالية جداً من العمل غير الرسمي التي تنتج عائدات ضئيلة جداً. وتبلغ هذه النسبة 70 بالمئة من مجموع العمالة في المغرب، و48 بالمئة في مصر[3].

3 – أعلى معدل عالمي في البطالة بين السكّان العاملين في سن العمل

إذا كان معدّل البطالة الإجمالي في الوطن العربي لا يبدو مرتفعاً جداً (نحو 10 بالمئة) على الرغم من أنه الأعلى في العالم (باستثناء إسبانيا وأوروبا الوسطى)، فإنّ معدل البطالة بين الشباب (بين 15 و35 سنة) هو أعلى كثيراً (نحو 25 بالمئة) بينما تراوح هذه النسبة في أماكن أخرى من العالم النامي بين 8.9 بالمئة و15.7 بالمئة. ومن الخصائص الأخرى لبطالة الشباب في البلدان العربية، النسبة العالية جداً من البطالة في صفوف خريجي التعليم العالي والثانوي. وهكذا قفزت نسبة العاطلين من العمل بين ذوي التعليم العالي من 3.8 بالمئة عام 1994 إلى 17.5 بالمئة عام 2006، بينما ارتفعت نسبة الباحثين عن عمل من ذوي التعليم العالي من 23 بالمئة عام 2001 إلى 55 بالمئة عام 2007، في حين كانت نسبة عروض العمل أدنى كثيراً من ذلك. وتقدّر نسبة غير العاملين من ذوي التعليم الثانوي في مصر بنحو 80 بالمئة من مجموع العاطلين من العمل. وهي في المغرب 29.6 بالمئة، ومقابل 37.8 في الجزائر، و42.5 بالمئة في تونس[4].

4 – ركود الأجور الحقيقية ومؤشرات الفقر

تقول منظمة العمل الدولية إن الأجور الحقيقية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم ترتفع إلّا قليـلاً، هذا إذا كانت قد ارتفعت أصـلاً. وذلك فضـلاً عن أنّ إنتاجية العمال التي يستند إليها في تحديد الأجور الحقيقية ارتفعت بنسبة أقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أي مكان آخر في العالم، باستثناء أوروبا الوسطى وآسيا الوسطى اللتين خضعتا لإعادة بناء اقتصادي شامل؛ فالحد الأدنى الرسمي للأجور، في عيّنة من خمسة بلدان: أربعة عربية (الجزائر والأردن والمغرب وسورية)، وتركيا، منخفض في شكل حاد، إذ يراوح بين 164 دولاراً أمريكياً شهرياً في سورية، و425 دولاراً في تركيا، بينما يبلغ الحد الأدنى للأجور للعمل غير الزراعي في المغرب 235 دولاراً، ولا يتعدى 152 دولاراً للعمل الزراعي[5].

ويقدر مصدر إحصائي آخر، أنّ المعدل السنوي للدخل الفردي في المناطق الريفية في البلدان العربية، لم يزد على 320 دولاراً عام 2008 في حين بلغ معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد، للعام نفسه (بما في ذلك البلدان المصدرة للنفط في شبه الجزيرة العربية) 5858 دولاراً[6].

إلى ذلك، فإنّ الإحصاءات المتوافرة حول الفقر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تؤكد أن عدد الناس الذين يعيشون في حال الفقر قد غولي كثيراً في التقليل من حجمه. ذلك بأنّ حصة الناتج المحلي الإجمالي، مقابلةً باستهلاك الفرد يومياً محسوباً بالدولار الأمريكي يظهر مدى الفقر على المستوى الوطني في بلدان عربية عدة، فهي تراوح بين 2.34 دولار في موريتانيا و11.05 دولار في الأردن، على الرغم من أن الاستهلاك اليومي للفرد يبلغ نحو5 دولارات في معظم الحالات (باستثناء لبنان الذي يصل فيه إلى 22.36 دولار بسبب النسبة المرتفعة لتحويلات المغتربين في الناتج المحلي الإجمالي).

إنّ معدلات الفقر مروعة كثيراً لأنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست غنية جداً بالموارد النفطية والفوسفات فحسب، بل لأنها أيضاً تملك أراضي خصبة شاسعة وموارد مائية (العراق ومصر ولبنان والمغرب والسودان وسورية وتونس).

5 – معدلات النموّ السنوية تعتمد بقوة على المتغيرات الخارجية

إن معدلات النمو في الاقتصادات العربية مرتبطة إلى حدّ بعيد بالمتغيرات الخارجية، وهذه المتغيرات هي:

– أسعار النفط.

– تساقط الأمطار الذي يؤثر في الإنتاج الزراعي.

– عائدات السياحة.

– تحويلات المغتربين.

– المساعدات الخارجية.

في الواقع، إنّ المحرك الرئيس للنمو في البلدان العربية، ليس محلي المركز (التجديد الصناعي، التنويع الاقتصادي، الخدمات ذات القيمة المضافة المرتفعة التي يمكن تصديرها) بل هو يعتمد إلى حد كبير على متغيرات خارجيّة لا علاقة لها بالدينامية الاقتصادية المحلية.

6 – الهجرة ونزوح الأدمغة كمؤشر رئيس على النمو القاصر

ينجم تزايد ظاهرة الهجرة عن ارتفاع معدل البطالة، في البلدان العربية. وبحسب دراسة لمنظمة العمل الدولية، فإنّ تدفق المهاجرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخصوصاً البلدان الواقعة جنوب المتوسط، هو أحد السمات الرئيسيّة للنمو المنحرف، وما ينتج من ذلك من تشويه لأسواق العمل، إذ بلغ المجموع المتراكم لعدد المهاجرين من خمس دول: الجزائر ومصر ولبنان والمغرب وتونس 8.1 مليون نسمة عام 2007.

والجدير بالذكر أنّه بين عامي 1998 و2007 تضاعف عدد المهاجرين من البلدان العربية الخمسة على الرغم من الإجراءات التقييديّة التي اتخذها عدد من الحكومات الأوروبية؛ فارتفع العدد من 90.800 مهاجر عام 1998 إلى 195.600 عام 2007. وبلغ العدد الإجمالي من المهاجرين الجدد خلال هذه السنوات 1.550.000 منهم نحو 100 ألف من البلدان الخمسة، إضافة إلى العراق. كذلك، فإن عدداً كبيراً منهم (قدّر مؤخراً بـ 54 بالمئة) لا يعودون إلى بلدانهم. والحقيقة أنّ هذه الطفرة تكتسب في صورة متزايدة، شكل هجرة الأدمغة واليد العاملة المؤهلة. ولقد أدى ذلك إلى مزيد من الانحدار في الإنتاجية، وإلى أن تصبح الهجرة واحدة من ملامح النمو المشوّه، موضوع اهتمامنا[7].

ليست البلدان العربية هي الوحيدة التي تواجه مثل هذه الظاهرة، فهي موجودة أيضاً في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا الوسطى والجنوبية وآسيا. ولقد تحدث الكثير من الدراسات بإيجابية عن مزايا الهجرة، وعن الدور الإيجابي لتحويلات المهاجرين لبلدان المنشأ في الحدّ من مشاكل الفقر والبطالة. ولكن بات جليّاً الآن أنّ البلدان التي شجعت الهجرة الكثيفة لمواطنيها ونظّمتها، لكي تستفيد من تحويلاتهم، لم تكن اقتصاداتها هي التي نمت أسرع من غيرها.

في واقع الأمر، فإنه في 11 بلداً معنياً بصورة خاصة، بتصدير اليدّ العاملة (الجزائر وبنغلادش ومصر والهند ولبنان والمغرب ونيجيريا والفيليبين وسريلانكا والسودان وتونس) ازداد إجمالي تحويلات المهاجرين 800 بالمئة بين عامي 1990 و2007 ووصل إلى 800 مليار دولار، في حين أنّ معدل زيادة الدخل الإجمالي المحلي للفرد لم يتعد خلال هذه الفترة 170 بالمئة وقد كان هذا الدخل في سبعة من هذه البلدان أقل من 2000 دولار في السنة في عام 2008 وفي 5 منها أقل من 1000 دولار[8]. وتالياً، فإن هذه الإحصاءات تظهر بوضوح غياب أي تأثير إيجابي للهجرة في البلدان المصدرة للقوى العاملة.

في الفترة نفسها، تلقّت مجموعة الدول التي صدّرت الموارد الطبيعية والبشرية ما يزيد على 190 مليار دولار كمساعدات تنموية، أي أن هذه الدول استفادت بين عامي 1990 و2008 من نحو 1000 مليار دولار من الموارد الخارجية من دون أن يدخل أي منها في دائرة حميدة من تنمية قائمة على سياسة ديناميّة لتملُّك التكنولوجيا، وذلك بخلاف الدول الآسيوية التي، بدلاً من أن تشجع الهجرة، اعتمدت على سياسة تعبئة فاعلة للموارد البشرية المحلية واستفادت من انتشار العولمة بتنمية قدرتها على تصدير السلع والخدمات، ومن ثم تلبية الطلب المحلي.

إنّ حالتي نيجيريا، التي بلغت حصة الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي 1370 دولاراً عام 2008، والجزائر التي ارتفع نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4845 دولاراً في العام نفسه، بعد جمود على مستوى أدنى من 2000 دولار على مدى 10 سنوات قبل أن يتحرك صعوداً أخيراً بفعل ارتفاع أسعار النفط، إنّ هاتين الحالين تعبّران بشكل مأساوي عن فشل نموذج اقتصادي مبني على تصدير مواد أولية ويد عاملة، ذلك أنّ أيّاً منهما لم يتمكن من رفع مستوى المعيشة في شكل جوهري، على الرغم من تدفق الموارد المالية من قطاع الطاقة، وذلك بخلاف بلدان أخرى لم يكن لديها مثل هذا الدخل ذي القاعدة الريعية.

إندونيسيا هي أيضاً مثال على ذلك؛ فعلى الرغم من كونها مصدراً رئيسياً للبترول والخشب، ومن مواردها الطبيعية الهائلة، فإنّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1990 و2003 كان منخفضاً إلى حد أنه راوح بين 640 و1000 دولار. وكما في الحالة الجزائرية، فإن نصيب الفرد الإندونيسي من الناتج المحلي الإجمالي لم يرتفع بشكل جوهري إلا بعد الطفرة المذهلة في ارتفاع أسعار النفط منذ عام 2005، ما رفع دخل الفرد إلى مستوى الـ 2246 دولاراً في عام 2008.

على سبيل المقارنة، فإنّه في عام 2008، كانت ثلاثة اقتصادات، لا تملك أي موارد طبيعية، ولم تشجع هجرة مواردها البشرية، تحظى بمتوسط سنوي لحصّة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يفوق كثيراً تلك التي ذكرناها أعلاه: جمهورية كوريا الجنوبية، حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو 19.115 دولاراً، وسنغافورة بمستوى 37.597 دولاراً للفرد وتايوان بـ 16.988 دولاراً للفرد.

في الواقع، تلقّت بلدان عربية في شرق المتوسط وجنوبه بين عامي 1970 و2009 ما يعادل 396 مليار دولار. ولقد ازداد تدفق تحويلات المهاجرين في شكل متواصل خلال السنوات العشر الأخيرة؛ فارتفعت من 10 مليارات سنوياً عام 2000 إلى 27 ملياراً في حلول عام 2009. وقد أصبحت تمثّل جزءاً متزايداً على نحو مضطرد من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المعنيّة؛ اذ بلغت نحو 20 بالمئة في لبنان، و6 بالمئة في مصر، و9 بالمئة في المغرب، وذلك بحسب إحصاءات البنك الدولي.

إلى ذلك، فإنّ البيانات المتوافرة حول استخدامات تحويلات المهاجرين، تظهر أنّها عندما لا تستخدم في زيادة الاستهلاك، فإنّها تتجه إلى امتلاك أو إشادة المساكن أو إلى الأعمال التجارية الصغيرة، الأمر الذي يزيد من تركز الاستثمار المحلي في قطاع العقارات، أو في قطاع التجارة المحلية[9].

7 – التمركز العالي للاستثمار في قطاعات قليلة بما يعوق تنويع الاقتصاد

على الرغم من النمو الكبير للاستثمار الأجنبي في المنطقة العربية، إلّا أنّ ذلك لم يؤدِ إلى نهضة اقتصادات المنطقة، بل إنّ هذه الاستثمارات ظلّت أقل من مثيلاتها في الاقتصادات الناشئة الأخرى. إلى ذلك، فإنها شجعت على تركز الاستثمارات في عدد قليل من القطاعات؛ بعضها ذات قيمة مضافة متدنية ومخاطر ضئيلة (النفط، الغاز، القطاعات البتروكيميائية، الأبنية الفخمة والسياحة). وهذا يبدو واضحاً من البيانات المتوافرة حول بعض اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. على سبيل المثال، يلاحظ تقرير للإسكوا عام 2008 أنّ القطاعات التي جذبت أكبر نسبة من الاستثمارات الأجنبية هي قطاعات الطاقة والصناعات المرتبطة بها وقطاع الخدمات (وخصوصاً الخدمات المالية) وقطاع العقارات[10].

في ذلك العام (2008)، جذب قطاع الطاقة والصناعات المرتبطة بها في السعودية 41.2 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مقابل 20.8 بالمئة لقطاع العقارات و25.5 بالمئة في قطاع الخدمات و6.9 بالمئة فقط للأنشطة الأخرى. وهكذا لم تجذب الصناعات الأخرى إلّا 5,6 من إجمالي الاستثمارات. وفي الإمارات، كانت بنية الاستثمارات الأجنبية المباشرة أكثر تمركزاً. في عام 2006، ذهب 60 بالمئة من الاستثمارات إلى قطاعين فقط: قطاع البناء (29 بالمئة) والوساطة المالية والتأمينيّة (34.4 بالمئة). وفي العام نفسه، لم يتعدّ ما توجّه إلى القطاع الصناعي الـ 10 بالمئة. وفي لبنان، ذهب 50 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية إلى قطاع العقارات، بينما جذبت السياحة والخدمات المالية 33 بالمئة.

جذب قطاع النفط في مصر 57 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2008. وجذب قطاع الفنادق في العام نفسه في الأردن 36 بالمئة، وجذبت المناطق الصناعية الحرة 56 بالمئة. أمّا في المغرب، فكانت القطاعات التي جذبت إليها الحصة الكبرى من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2001 هي قطاع البريد والاتصالات (81 بالمئة)، وذلك بسبب خصخصة هذا القطاع وإطلاق نظام الهاتف الخلوي، فيما جذب قطاع العقارات 31 بالمئة في عام 2002. وقد حدث الأمر نفسه في تونس، إذ أدّت خصخصة قطاع الهاتف إلى جذب 45.2 بالمئة من المجموع المتراكم من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين عامي 2002 و2006.

8 –
المستوى المنخفض جداً للإنفاق على البحوث والتطوير
وغياب نظام وطني لدعم الابتكار

تعاني معظم البلدان العربية مستوىً متدنياً للبحوث والتطوير (R&D)، وتشتّت أنظمة تملك التكنولوجيا والعلوم وتوطينها وتجذرها في مجتمعاتها. لذا لا نستغرب أن تعاني الاقتصادات العربية كونها أكثر المعدلات الإنتاجية انخفاضاً بسبب نوعية نموها، ويبدو ذلك بخاصة من خلال مقارنة عدد براءات الاختراع المسجلة من قبل أفراد أو شركات في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعددها في بلدان أخرى.

بين عامي 1963 و2009، بلغ العدد الإجمالي المسجل من براءات الاختراعات لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 568 براءة، بينما سجلت جمهورية كوريا الجنوبية 66.729 اختراعاً وسجلت تايوان 77,285 اختراعاً. وإذا أخذنا في الاعتبار أن كل هذه الدول كانت في المرحلة من النمو متعادلة مع تلك السائدة في العالم العربي قبل خمسين سنة فقط، فإن هذه الأرقام تظهر مدى ضآلة الابتكار في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كذلك يعكس المستوى المتدني من الإنفاق على البحوث والتطوير مدى العجز في الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا والإقدام على الإنجاز الابتكاري، إذ يبلغ هذا المستوى ما لا يمثل أكثر من 0.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في معظم بلدان المنطقة العربية مقابل نسبة 1.9 بالمئة و2.5 بالمئة في البلدان الأكثر دينامية وابتكاراً. ويظهر ذلك أيضاً في العدد القليل من المجلات والمنشورات العلمية في منطقة الشرق الأوسط.

هذا ما يفسّر أسباب انخفاض المحتوى التكنولوجي في صادرات المنطقة، فهو يراوح حسب أنواع السلع بين 0.3 بالمئة و9 بالمئة من إجمالي صادرات المنطقة، وهو تالياً يتباين في شكل حاد مع نسبة الصادرات التكنولوجية الكورية (32 بالمئة) والماليزية (47.1 بالمئة) والسنغافورية (49.1 بالمئة) والتايلاندية (26.2 بالمئة)[11].

هذا النقص في العلوم والتكنولوجيا لا يعود إلى عدم وجود جامعات؛ فالمنطقة العربية لديها الكثير من المؤسسات التعليمية والجامعية، وبعضها من مستوى رفيع، بل يعود إلى عدم انخراطها في نظام ابتكار وطني يحظى بدعم الدولة القوي بالتشارك مع القطاع الخاص والقطاع التربوي. ولقد وفر الكثير من الدراسات والتقارير التي أجريت مؤخراً حول التأخر العلمي والتكنولوجي في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أدلة كثيرة على أنّ مؤسسات العلوم التكنولوجية القائمة هي ذات طاقة إنتاجية ضئيلة[12]، فهي جميعاً معزولة عن بعضها بدلاً من أن تشكّل شبكة متطورة مندمجة في كل أقسام الاقتصاد بحيث توفر له القدرة على الابتكار.

إلى ذلك، ونظراً إلى عدم وجود أهداف علمية وتكنولوجية قومية محددة ولا سياسات عامة لدعمها، فإنّه يبدو أنّ تشتّت مؤسسات العلوم والتطوير يعيد إنتاج نفسه دائماً. هكذا، فإنّ فائدتها لا تظهر بصورة مباشرة، والتمويل الذي يكرّس لها منخفض. إلى ذلك، فإنّ التواصل شبه منعدم بين المؤسسات التعليمية وجمعيات وأرباب العمل ونقابات أصحاب المهن الحرة والنقابات العمالية، كما أنّه لا توجد آلية للتشاور بين الدولة وأرباب العمل وجمعيات أصحاب المهن الحرة ونقابات العمال والفلاحين. ويمكن أن يعزى ذلك إلى غياب هدف وطني يتمثل بامتلاك التكنولوجيا الصناعية ونشرها لدى فئات المجتمع كافة. وكذلك انعدام وجود استراتيجية صناعية شاملة ولا سياسة بحوث وتطوير لتحقيق هذه الأهداف.

9 –
العجز في التجارة الخارجية عارض رئيسي آخر من عوارض النمو السيئ

يشير تحليل التجارة الخارجية للبلدان العربية إلى إحدى النتائج المهمة الأخرى للخلل في نموذج النمو والتنمية السيئة التي نجمت عنه، ذلك أن العجز في الميزان التجاري قد بلغ نحو 67 مليار دولار لعام 2009 لسبع دول عربية (الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وسورية وتونس)، وذلك على الرغم من صادرات النفط لهذه المجموعة من الدول التي بلغت 57 مليار دولار في السنة نفسها. وبكلمات أخرى، إذا لم يحسب المرء صادرات الطاقة، فإنّ العجز لهذه المجموعة من البلدان يصل إلى 127 مليار دولار، أي ما يساوي 675 دولاراً للفرد سنوياً.

يظهر تحليل دقيق لمعطيات التجارة الخارجية لهذه المجموعة من البلدان أن قطاعاتها الصناعية تعتمد بشكل كامل على بلدان أخرى، ذلك أن عجزها في مجال التجارة في السلع والتجهيزات الصناعية يتعدّى الـ 82 مليار دولار في تلك السنة، بينما لم يتعدّ معدل تغطية الواردات الصناعية الـ 35 بالمئة. وهو رقم ينخفض أكثر إذا استثني منه المنتجات المحولة من الموارد الطبيعية والصناعات المرتبطة بها، مثل المنتجات الكيميائية غير العضوية والأسمدة التي تقدّر صادراتها بـ 5 مليارات دولار. وذلك فضـلاً عن كون جزء كبير من صادرات السلع المصنعة لهذه البلدان ناتجاً من أنشطة العقود من الباطن (sous traitance) أي 23.9 مليار دولار. وهذه السلع هي أساساً الملابس والسلع الملحقة بها والأحذية والنسيج والأقمشة والآلات والأدوات الكهربائية وأدوات التجميل.

أما التبعية الأكثر خطورة فهي العائدة إلى النسبة المتدنية جداً لتغطية تبادل المنتجات الطبية والأدوية مع الخارج؛ إذ إن الصادرات في هذه السلع والمواد لا تتعدى 19.3 بالمئة من الاستيراد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى آليات ومعدات النقل التي تبلغ نسبة التغطية 17.8 بالمئة. أمّا المعدات المهنية والعلمية، فتبلغ تغطيتها 18,6 بالمئة، بينما تبلغ تغطية الأجهزة الفوتوغرافية والسلع البصرية والساعات 13.1 بالمئة. كما يمكن أن يشير المرء إلى اعتماد كبير في المواد البلاستيكية في شكلها الأولي، ذلك أن تغطيتها لا تزيد على 14.8 بالمئة. وذلك فضـلاً عن الاعتماد الكبير نسبياً في قطاع مركبات الطرق (تغطية بنسبة 6.7 بالمئة) والآلات والأدوات المتخصصة (5.4 بالمئة) وآليات وأدوات صناعة المعادن (3.4 بالمئة) وغيرها من التجهيزات الصناعية وقطع الغيار (6.5 بالمئة) وآلات ومعدات توليد الكهرباء (10.4 بالمئة).

تجدر الإشارة أيضاً، إلى أن العجز في الميزان التجاري للبلدان موضوع التحليل مرتفع جداً على مستوى المنتجات الغذائية (12.16 مليار دولار) وكذلك بالنسبة إلى الزيوت الحيوانية والنباتية والدهون والشموع (1.64 مليار دولار)، وذلك على الرغم من غنى سورية ولبنان والمغرب ومصر وتونس بالموارد الزراعية.

ومن المثير للاهتمام أن نقارن هذا الأداء السلبي مع أداء الاقتصادات الأربعة في جنوب شرق آسيا التي اتبعت سياسات صناعية دينامية وإبداعية. وهذه البلدان هي كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وتايوان. ولقد تمكنت هذه البلدان الأربعة التي يبلغ مجموع عدد سكانها 104.8 مليون نسمة، وهو عدد يساوي تقريباً عدد سكان أربع دول فقط في المشرق العربي، وهي مصر والأردن ولبنان وسورية، من تحقيق فائض في الميزان التجاري بلغ 127مليار دولار، وقد بلغ مقدار الفائض الذي حققته في المنتجات الصناعية 257 مليار دولار، مقابل عجز مقداره 80 مليار دولار تحمّلته مجموعة الدول العربية السبع المذكورة سابقاً. بينما بلغ ما حققته البلدان الآسيوية المذكورة في تجارة آليات ووسائل النقل من فائض 178 مليار دولار، مقابل عجز بنحو 46 مليار دولار لدى البلدان العربية السبعة. وسجلت البلدان الآسيوية الأربعة في الوقت نفسه عجزاً قدره 99 مليار دولار في تجارة الوقود، مقابل فائض بـ 33 مليار لدى البلدان السبعة العربية. وهكذا فإنّ مجمل الفائض في الميزان التجاري بلغ في المحصلة العامة لدى الدول الآسيوية الأربع 127 مليار دولار، مقابل عجز بقيمة الـ 67 مليار دولار في البلدان العربية السبعة، على الرغم من الفائض في صادراتها من الطاقة.

تظهر كل هذه المؤشرات والمقارنات بين أرقام التجارة الخارجية مدى ضآلة التصنيع في البلدان العربية، الأمر الذي يفسّر كون التبادل التجاري بين هذه البلدان منخفضاً جداً. إنّ نسبة التجارة العربية البينية من إجمالي التجارة الخارجية العربية لا تزال ضئيـلة، وتراوح بين 8 و9 بالمئة للصادرات، و10 و13 بالمئة للواردات (بما في ذلك النفط والغاز)، وفي بعض البلدان فإن نسبة الصادرات أكبر كثيراً؛ فهي بلغت في لبنان 47 بالمئة في عام 2008 وفي الأردن 41.7 بالمئة وفي سورية 40.1 بالمئة، بينما لا تبيع تونس إلى البلدان العربية الأخرى، إلا 9.7 بالمئة من إجمالي صادراتها، فيما لا تزيد صادرات الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب إلى البلدان العربية الأخرى، عن 3.7 بالمئة [13].

أمّا في ما يتعلّق ببنية التجارة العربية البينية، فإنّ نسبة التجارة في منتوجات الطاقة تكاد تناهز الـ 60 بالمئة من إجمالي الصادرات، مقابل 13 بالمئة للصادرات الغذائية، و9 إلى 10 بالمئة في المنتجات الكيميائية و12 إلى 13 بالمئة للسلع المصنّعة و4 إلى 5 بالمئة لآليات ومعدات النقل[14]. وهكذا فإنّ مستوى التبادل التجاري العربي البيني متدنٍ جداً، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار إنشاء منطقة التبادل الحر العربية. وهذا ما يظهر أنّ جمود الهياكل الاقتصادية الذي وصفناه أعلاه، هو عائق رئيس في وجه نمو إنتاجية هذه البلدان وتنويعها.

ثانياً: التحول من النمو المشوّه إلى النمو الصالح

نبحث هنا في ماهية التغييرات المطلوبة على صعيد السياسة الاقتصادية الإجمالية والسياسات القطاعية للتخلص من النظام ذي القاعدة الريعية. ذلك أنه ليس هناك أي شك في أن التحدّي الأكبر الذي تواجهه الثورات العربيّة هو تغيير نموذج النمو السيئ القائم على الاقتصاد الريعي، لأنّه يشكّل قاعدة الفساد المعمّم والدولة البتريمونيالية الطابع والأنظمة السياسيّة الاستبدادية. هذا النموذج السيئ للنمو هو الذي أدخل ومارس عدداً من السلوكات الاجتماعيّة – السياسيّة المتعارضة مع الإنتاجيّة والمنافسة النزيهة والتنويع الاقتصادي والقيام بالمشاريع الريادية والابتكارية.

إن هيمنة التفكير النيوليبرالي لم تمنع حتى الآن أي تحليل معمّق للنموذج الريعي فحسب، بل يمكن القول أيضاً إنّ طريقة تطبيق إجماع واشنطن في معظم الاقتصادات العربية عبر برامج المساعدات الدولية هي على الأرجح مسؤولة – جزئياً على الأقل – عن الزيادة في الفساد والتهميش الاجتماعي لقطاعات كبيرة من السكان المدنيين والريفيين وإلى هدر ضخم للموارد الطبيعيّة والبشريّة. لذلك، فإنّ الاستمرار في قبول المساعدات المالية المشروطة بتحقيق المزيد من المرونة في سوق العمل وتخفيف آليات وإجراءات المراقبة القانونية وعدم حماية الموارد الطبيعيّة والبشرية، إنما هو وصفة لمفاقمة الصعوبات، قد تؤدي إلى أن تنحو القطاعات المهمّشة من السكان إلى التطرف السياسي أو الديني والمذهبي.

يجب تطوير أساليب جديدة من التفكير حول الإصلاحات الاقتصادية التي يمكن أن تساعد على قيام تحوّل حقيقي إلى الديمقراطية ودولة القانون وذلك كبديل من التفكير النيوليبرالي التقليدي الجامد والمجرّد، وتالياً البعيد من الواقع الميداني واحتياجاته. إنّ تحليل النمو المشوّه الذي أجريناه في هذه الدراسة، وكذلك المقترحات التي تقدّمنا بها لتحوّل حقيقي في نموذج النمو العربي، يساهمان في مساعدة المواطنين العرب على الحصول على حياة أفضل تستنفر فيها عقولهم ومواهبهم وطاقاتهم في سبيل القيام بالتنويع الاقتصادي عبر توزيع إنتاجي لمصادر الريع المختلفة وتشجيع قطاعات الأعمال المبدعة والمنتجة في إطار الأهداف الوطنيّة لتملك العلم والتكنولوجيّات وتوفير شروط حياة أفضل لكل مواطن.

في الحصيلة، لا يمكن تطوير حياة ديمقراطية حقيقيّة في البلدان التي تقوم قاعدتها الاقتصادية على التدفّقات الريعيّة غير الموزّعة بشكل صحيح وغير المستثمرة في الاقتصاد بما يراعي متطلبات المجتمع، مما يحول دون تعزيز العدالة الاجتماعية والعمالة الكاملة على قاعدة الإنتاجيّة وتنويع القدرات في إنتاج السلع والخدمات ذات القيمة المضافة العالية.

من أجل الانتقال من النموذج التنموي المشوّه إلى النموذج الصالح على الحكومات العربية تغيير السياسات الاقتصادية العامة في المحاور الأساسية الستة التالية.

1 – مكافحة الفساد وتشجيع المساءلة والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص: كشفت الثورات العربيّة حجم الفساد المرتبط بطبيعة الأنظمة السياسيّة عبر توزيع الريع على دائرة مغلقة من رجال الأعمال المقربين من رئيس الدولة وكبار المسؤولين. ولا يمكن أن يكافح الفساد بالاكتفاء بتحميل مسؤوليته إلى المسؤولين في الدولة. ذلك أنّ كل صفقة يشوبها الفساد، لا بدّ من أن تكون بين شريكين: رجل أعمال من جهة ومسؤول حكومي من جهة أخرى. لذلك، فقد بات من الضروري أن نركّز على الطرفين وأن نسنّ القوانين التي تسمح باكتشاف، ومن ثمّ معاقبة، أي سلوك مسيء من قبل رجال الأعمال في القطاع الخاص المقرّبين من بعض الدوائر الحكوميّة والذين ينتهزون ذلك للحصول على امتيازات خاصّة أو معلومات سريّة. إن هذا لا يشكّل انتهاكاً لمبدأ المنافسة العادلة فحسب، بل إنّه يسبّب أيضاً هدراً اقتصاديّاً ويبقي وتيرة الإنتاجية منخفضة.

كذلك، يجب أن يُحمل القطاع الخاص على تحسس مسؤوليّاته الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أنّ إدارة مؤسّسة أعمال لا تقتصر على امتلاك «آلة ربح» وزيادة أرباحها إلى أقصى حد ممكن. فشركات القطاع الخاص هي أيضاً جزء من المجتمع وتدين له بالعمل من أجل منفعته في ما يتعلق بنوعية الإنتاج والخدمات كما يتوجب عليها تدريب الموارد البشرية وتوفير فرص العمل اللائقة. ويجب عليهم ألا يدفعوا الموارد البشرية والطبيعيّة في البلاد إلى التقهقر بتبخيس ثمنها والمساهمة بتدهور البيئة، وذلك عبر توفير وظائف ورواتب محترمة لموظّفيهم وعمّالهم واحترام مقتضيات الحفاظ على البيئة ودفع الثمن المناسب لاستغلال الموارد الطبيعية.

يجب أن يصبح القضاء في البلدان العربيّة مدرباً وقادراً على إصدار الأحكام في انتهاك لقواعد المنافسة النزيهة أو التعدي على الموارد الطبيعيّة والبيئة وسوء استخدام النفوذ عبر علاقات خاصة مع المسؤولين الحكوميين.

إنّ سلوكاً أفضل للقطاع الخاص وإقدامه على تحمل مسؤولياته الاجتماعيّة، من شأنه أن يحسِن كثيراً من إنتاجيّة الاقتصاد وأن يقلّل إلى حد كبير من ممارسات الفساد بين كبار المسؤولين ورجال الأعمال الأغنياء.

2 – تنويع الاستثمارات والحد من هجرة الأدمغة: وهذا شأن ملح آخر، لا بدّ من معالجته. أشرنا في ما سبق إلى التمركز الشديد في الاستثمارات المحليّة والأجنبيّة في عدد قليل من القطاعات الإنتاجية والخدمية ذات الأرباح المرتفعة وذات القيمة المضافة المتدنية والقدرة التوظيفيّة الضئيلة (العقارات، المصارف، تجارة التوزيع على المستوى المحلي إضافة إلى قطاعات الطاقة والبتروكيميائيات التقليديّة). وتالياً، فإن تنويع الاستثمارات في الكثير من الأنشطة الإنتاجية الأخرى، سيؤدي إلى الحد من البطالة وهجرة أصحاب المهارات والمؤهلات العلميّة والمهنية العالية. وهناك الكثير من الحقول يمكن للقطاع الخاص أن ينشط فيها بدعم من الدولة، كما في نموذج النمو في آسيا الشرقيّة، ونذكر منها على سبيل المثال:

  • إنتاج الطاقة البديلة والمتجددة (الشمسيّة والريح والماء).
  • إنتاج المعدّات الخاصة باستغلال مصادر الطاقة البديلة (ألواح شمسيّة) أو لمعالجة النفايات أو لتنقية المياه.
  • استقطاب عقود من الباطن (In sourcing) للبحوث والتطوير من دول أخرى متطوّرة تكنولوجياً قي قطاعات تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات والأبحاث الطبية والصحية، بما فيه صناعة الأدوية.
  • تنمية المناطق الريفية والمنتجات الغذائية الماكروبيوتيكيّة.
  • تنمية الصناعات الميكانيكيّة والمعدّات والتجهيزات، بغية تقليص الاعتماد الكلّي على استيرادها من الخارج.
  • مكافحة التصحّر عبر إعادة التحريج.

3 – دمج القطاع اللاشكلي بالقطاع الحديث: هناك حاجة ملحّة إلى العمل من أجل التكامل في الاقتصادات العربية بين المؤسسّات اللاشكلية والعائليّة الصغيرة والشركات العاملة في القطاع الحديث عبر التعاقد معها على القيام بأجزاء صغيرة من عمليّة الإنتاج، مثلما تمّ بنجاح في الكثير من البلدان الأخرى. ويتطلب هذا من الشركة المحليّة الحديثة، أن تحدّد أي أجزاء من الإنتاج يمكن إسنادها إلى المؤسسات الصغيرة، وماهية التدريبات والمعدات التي يتعيّن توفيرها لها.

وإذا أخذنا في الاعتبار حجم القطاع اللاشكلي والدور الذي يضطلع به في التوظيف، فإنّ هذه مهمة ملحّة، وهي تتطلّب سياسة فاعلة تخطّط لها جمعيّات الأعمال الرئيسيّة (جمعيّة الصناعيين، غرفة التجارة والزراعة)، إضافة إلى نقابات المهن الحرّة كنقابة المهندسين.

4 – الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تعريف الأهداف الوطنيّة للتمكّن من مجموعة من التكنولوجيّات: تحتاج البلدان في زمن العولمة الاقتصادية إلى التقدّم في التمكّن من العلوم والتكنولوجيات في حقول رئيسيّة من الصناعات والخدمات الحديثة لكي تستطيع القيام بالتنويع الاقتصادي والتوظيف الكامل لمواردها البشريّة المؤهلّة. ويتطلّب ذلك تحديد الأهداف الوطنيّة في مجالي العلوم والتكنولوجيا عبر التوافق بين الدولة والقطاع التربوي والقطاع الخاص. كذلك يجب أن يتم وضع نظام وطني للابتكار يموّله القطاعان العام والخاص في آن.

وبالنظر إلى التأخر في مجالي العلم والتكنولوجيا في المجتمعات العربية كافة، وغياب الترابط بين التعليم والمهارات التقنيّة والابتكار أو تشرذم أنظمة الابتكار ومؤسّسات البحوث والتطوير، فإنّ هذا الحقل يتطلّب اهتماماً وتمويـلاً كبيرين. ذلك أنّ تحقيق إنتاجية الاقتصاد والزيادة في تصدير السلع والخدمات ذات القيمة المضافة العالية يتطلّبان أن تسارع الاقتصادات العربية إلى تبنّي هذه السياسات.

5 – القضاء على جيوب الأميّة والاهتمام بتنمية المناطق الريفيّة: لعلّه من المشين حقاً أن يكون الوطن العربي لا يزال يعاني وجود جيوب واسعة من الأميّة في بعض البلدان المهمة، كمصر والمغرب واليمن والسودان وموريتانيا. وعلى الدول المعنيّة أن تتبنّى خطةً تمحو فيها الأميّة في خلال سنوات قليلة. ويمكن أن تكلّف المنظمات غير الحكوميّة المعنية بمكافحة الفقر بتطبيق هذه الخطة.

والجدير بالملاحظة، أن الأميّة تتركز في المناطق الريفية ما يشكّل سبباً إضافيّاً لدفع البلدان العربية إلى أن تكون أكثر فاعلية في تبنّي سياسات خاصة لزيادة الاستثمارات في هذه المناطق وتحسين وضعها. فالسكان الريفيّون في الوطن العربي لم يشهدوا أي تحسّن في وضعهم الاقتصادي الاجتماعي في العقود الأخيرة. ولقد حدً ذلك من ديناميّة النمو الإجماليّة في الوطن العربي.

6 – إعادة النظر في النظام الضريبي بحيث تتساوى في معدلات الربح بين القطاعات التكنولوجية التي سيتم تطويرها والقطاعات التقليديّة ذات الربح المرتفع: تعدّ الأنظمة الضريبيّة العربية غير ملائمة لكي تقضي على السمات السلبية الرئيسية للاقتصاد الريعيّ. ولا يكاد يوجد أي ضريبة على الأرباح الرأسمالية، وبخاصة الماليّة والعقاريّة منها. أمّا الضرائب على العوائد الريعيّة من الاستثمار في الأسهم أو السندات، فهي منخفضة إن وجدت.

تجدر الإشارة إلى أن تحت غطاء قوانين تشجيع الاستثمار تعطى إعفاءات ضريبية لأنواع من الأعمال لا تتطلّب أخذ أي مخاطرة اقتصادية أو تكنولوجيّة. وفي البلدان العربية الغنيّة المصدّرة للنفط في الجزيرة العربية، لا يوجد ضرائب دخل أو هي موجودة في السعودية على شكل زكاة فقط. ولا يوجد في البلدان العربية أي ضريبة دخل على المؤشرات الخارجيّة للثروة كملكيّة العقارات وعدد السيارات واليخوت أو الطائرات الخاصة، بينما أعداد أصحاب الملايين والمليارات في ازدياد مضطرد.

لذلك، يجب أن تتجدّد النظم الضريبيّة على نحوٍ كلّي، بما يدفع الشركات الخاصة والأجنبية إلى الاستثمار بالأنشطة ذات القيمة المضافة العالية الجديدة، والإنفاق على البحوث والتطوّير في سياق الأهداف الوطنيّة ونظام متكامل للابتكار يعد وينفّذ في إطار التعاون بين القطاعين العام والخاص، وبالتنسيق مع القطاع التربوي.

خلاصة: من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج

إن البدء بعملية الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج هو المدخل الوحيد في الحالة العربية إلى القضاء على المصدر الرئيس للفتن والعنف بين العرب؛ ذلك أن الخلافات العربية لا تدور فعلياً حول الأمور الدينية، بل هي تدور حول تقاسم المغانم الاقتصادية المتأتية من مصادر الريع المختلفة والمحتكرة من قبل أقلية فاسدة ومُفسدة داخل أندية الحكّام العرب وأصحاب الثروات الطائلة، وتجد هذه الأقلية وسيلة لحماية نفسها من الغضب الشعبي عبر المزايدات في رفع شعارات دينية وإغراق الساحة الفكرية بالقضايا الدينية الشكلية للحؤول دون تركيز الجهود الفكرية العربية على المشاكل الدنيوية الحقيقية التي تفسّر وحدها استمرار التخلف الاقتصادي والاجتماعي في الوطن العربي، ناهيك بغياب أي نوع جديد من التعاون والتنسيق الاقتصادي الإنتاجي بين الكيانات العربية المختلفة.

لن تتغير أحوال الفتنة التي نعيشها إلّا عبر ثورة فكرية تتخلص من الأدبيات الحالية المتمحورة حول الدين، لكي تنجلي القضايا الجوهرية الاقتصادية والاجتماعية. وربما قد حان الوقت لكي يتطلع المثقفون العرب، وعلى رأسهم القوميون إلى تجارب الدول الأخرى التي وقعت في قبضة الاستعمار عقوداً طويلة وتخلصت منها ودخلت في حلقات إيجابية من النمو المبني على تملك وتوطين العلم والتكنولوجيا ووضع الابتكارات الصناعية والتكنولوجية الجديدة، وتالياً تأمين كرامة هذه المجتمعات أمام النفوذ النيو – إمبريالي (وهذا ما نجحت فيه دول شرق آسيا، مثل تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية والصين) وقد أصبحت قوى اقتصادية عملاقة في النظام الاقتصادي الدولي المعولم، وهي تحظى باحترام جميع الدول.

نذكر هنا، أن هذه الدول كانت أفقر من البلدان العربية بالنسبة إلى معدل الدخل الفردي في الستينيات من القرن الماضي، كما أنها لا تتمتع بأية موارد طبيعية تؤمن لها ريعاً مالياً ضخماً من دون جهد إنتاجي على غرار الكثير من البلدان العربية. أما اليوم، فهي أصبحت في عداد الدول المتقدمة صناعياً وعلمياً ومستويات البطالة فيها متدنية جداً، بينما ذكرنا في هذه الدراسة كيفية تحول الاقتصادات العربية إلى اقتصادات تابعة للخارج، تعاني الفقر والتهميش والمعدلات العالية للبطالة، وتهرب منها وتهاجر الكفاءات المهنية والعلمية كما أبناء الشعب من المقهورين.

أمام هذه الحقائق المفجعة: ألمْ يحن الوقت ليغيّر المفكرون والباحثون العرب الأجندة الفكرية التي يعملون بهاـ وهي تتميز بإعطاء القضايا الدينية والمذهبية حيزاً عملاقاً مصطنعاً، للعمل على أساس أجندة مختلفة تماماً تعتمد قضايا الواقع الملموس الحقيقي والاقتصادي والاجتماعي؟

إن مثل هذا الانقلاب في طريقة التفكير سيسهّل عملية القضاء على الأطروحة السخيفة والمدمّرة لـصمويل هنتنغتون بوجود صراع حضارات، وبخاصة بين البلدان العربية والإسلامية والدول الغربية، وهي الأطروحة التي انجرّ إليها الكثير من المثقفين العرب والغربيين، فأصبح الجميع فقهاء في تفسير النصوص المقدسة، بدلاً من أن يكونوا خبراء في التغلب على التخلف الاقتصادي والاجتماعي، والبحث عن كيفية الخروج منه. هذا، مع الإشارة إلى أن أطروحة هنتنغتون هي التي أعطت شرعية للسياسة الأمريكية العدوانية في العالم، بحجة مكافحة الإرهاب الذي أصبح يرفع رايات دينية بدوره ويندّد بالـ «الصليبية الجديدة اليهودية – المسيحية».

لقد آن الأوان لكي نقوم بانقطاع جريء مع الأجندة الفكرية التي وقعت الأمة العربية ضحية رئيسة لها.

 

قد يهمكم أيضاً  التسويق الأخضر : التسويق الصديق للبيئة

اقرؤوا أيضاً  الثروة البترولية والأمن الاقتصادي العربي