لا يعتقد أحد أن الحرب ضد لبنان هدفها إبعاد حزب الله عن الحدود لإعادة النازحين الصهاينة إلى شمال فلسطين. الحرب تهدف إلى القضاء على المقاومة في لبنان من أجل توفير الأرضية للقضاء على القضية الفلسطينية وتنفيذ المشروع الأميركي – الإسرائيلي للتطبيع العربي الشامل مع إسرائيل، وهذا مشروع يبدو أنه ينتظره كثيرون في الدول العربية بما في ذلك بعض القوى في لبنان وفي سورية. وهذا أمر سيؤدي إلى إنهاء محور المقاومة وسيمهد إلى إخراج إيران من المنطقة العربية وإضعافها جيوسياسيا، تمهيدا لضرب برنامجها النووي. وتضييق الحصار عليها للوصول إلى اسقاط نظام الثورة الاسلامية فيها من الداخل، وهو رهان له مؤيدوه أيضا داخل إيران نفسها. هذا هو مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدث عنه نتنياهو ويراهن على تحقيقه انطلاقا من البوابة اللبنانية، عبر تدمير خط الدفاع الأول فيه. لكن نجاح تحقيق هذا المشروع ليس حتميا، وقد سبق للولايات المتحدة واسرائيل محاولة تحقيق هذا المشروع عام 2006، انطلاقا من البوابة اللبنانية أيضا، وفشلتا فشلا ذريعا، سواء في حرب 2006 أو عبر إجبار الولايات المتحدة على التقهقر والانسحاب من العراق عام 2011. طبعا الظروف مختلفة اليوم، فالولايات المتحدة وإسرائيل استطاعتا تطوير جيل جديد من الحروب وهو جيل الحرب الذكية القائمة أساسا على تكنولوجيا المعلومات التي نرى نتائجها في أوكرانيا وغزة ولبنان من إيقاع عدد كبير من القوى البشرية بمن فيها قادة الصف الأول. لكن المقاومة طورت قدراتها العسكرية في المقابل، وبخاصة على مستوى منظومة الصواريخ الدقيقة والفرط صوتية، وعلى مستوى الطائرات المسيرة التي تفعل فعلها أيضا امتدادا من اوكرانيا مرورا بالبحر الأحمر وبحر العرب وباب المندب والقواعد الأمريكية في الخليج وبلاد الشام وصولا إلى الكيان الصهيوني. لذلك، هذه الحرب يمكن مواجهتها وإفشالها بالتأكيد، رغم التضحيات الكبيرة، أولا من خلال تعزيز البنية التحت أرضية الشاملة للجبهة الأمامية والخلفية، الممتدة من الشريط الحدودي في جنوب لبنان، مرورا بالضاحية الجنوبية لبيروت والداخل اللبناني، مرورا بسوريا والعراق واليمن، وصولا الى ايران. وثانيا من خلال تشبيك كل الجبهات واعتماد استراتيجية الرد الشامل لجبهات المقاومة، وقطع الطريق على الولايات المتحدة وإسرائيل للاستفراد بكل جبهة على حدة، لأن انتصارهما في أية جبهة سيدفعهما إلى الانتقال إلى اسقاط الجبهة التي تليها وصولا الى طهران. إن شمولية المشروع العدواني الأمريكي – الإسرائيلي يتطلب شمولية في المواجهة والرد، قبل فوات الأوان. وأعتقد أن محور المقاومة مجتمعا لديه من القوة والإرادة لهزم مشروع كهذا. وإنما النصر صبر ساعة، فإذا واجهنا هذا العدوان بكل قوانا سننتصر حتما، رغم التضحيات.
كتب ذات صلة:
لبنان والطائف: تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل
أفكار في الدولة اللبنانية: وقائع في الفشل وتطلعات إلى البناء
المصادر:
فارس أبي صعب: باحث ومدير التحرير في مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت.
فارس أبي صعب
مدير قسم التحرير ومدير تحرير مجلة المستقبل العربي
فارس أبي صعب مدير التحرير في المركز ومدير تحرير مجلة المستقبل العربي منذ عام 2012. باحث في العلوم الاجتماعية، نشر عدداً من الدراسات في دوريات عربية، أو فصولاً في كتب، حول قضايا عربية أو عالمية معاصرة، كتجارب الأحزاب السياسية في العالم العربي، والثقافة السياسية للفساد، والانتخابات وأزمة الديمقراطية في لبنان، والعرب والحداثة، والقضية الفلسطينية، والثورات العربية في عالم متغير ومستقبل الشرق الأوسط… فضلاً عن مجموعة من الدراسات والمقالات حول موضوعات متنوعة نشرت في صحف لبنانية أو عربية، وعن غيرها من الأبحاث غير المنشورة.
منذ بداية التسعينيات حتى اليوم، أدار الباحث على التوالي أقسام التحرير والنشر أو الدراسات في عدد من مراكز الدراسات العربية، منها مركز دراسات الوحدة العربية (2012-2018)، والمركز اللبناني للدراسات (1993-2006)، ومركز الخليج للأبحاث (2009-2006)، والمعهد المالي – بيروت (2011-2009). وهو ساهم في تأسيس مجلة أبعاد الفصلية (بيروت) وأدار تحريرها (1997-1993)، كما ساهم في تأسيس مجلة السادسة الفصلية (بيروت) ورَأَس تحريرها (2011).
حائز دبلوم الدراسات العليا في علم اجتماع التنمية من الجامعة اللبنانية.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.