يتطلع العرب اليوم إلى تجاوز الأزمات التي يعانونها على مختلف الصعد، ومنها أزمة الثقافة وارتباطها بالعلم، وكيف يمكن أن تتلاقح الثقافة مع العلوم ونحتكم في العقل العربي إلى الانتقال بالثقافة إلى معايير العلم، تلك الإشكالية التي ربما ظلت تواكب ثقافتنا المعاصرة كموروثات تحمل صفات الرتابة وعدم الإبداع والكلاسيكية. وقد أخذ المثقفون العرب في طرح تساؤلات جدلية حول دورهم في حل أزمة الثقافة وعلاقتها بالعلم، وبالتالي محاولة طرح الحلول للإشكاليات البنيوية في الواقع العربي الراهن.

تهدف هذه الدراسة إلى تقصّي واقع الثقافة العربية في ظل ثورة العلوم، ومدى العلاقة الجدلية بين العلم والثقافة أو الثقافة بالعلم، التي أفرزت في الغرب ما يعرف بـ «الثقافة العلمية». ولا شك في أن للعلم أهميته المتزايدة في عالم اليوم، مع ضرورات تفعيل العقلية العلمية لتقدم الشعوب والأمم، إذ إنه من دون العلم لا يمكن تحقق النهضة، ومن دون العلم والمعرفة لا يقوم النمو ولا يقوى التقدم وإن العكس منه هو التخلف والجهل، وبذلك يصبح العلم أساس الحضارة فهو يضبط بمنهجيته العلمية تطور المجتمعات الإنسانية.

نطرح في هذه المقالة عدة تساؤلات جوهرية من أجل حل الإشكالية حول مفهوم الثقافة وماهية العلم، وما علاقة الثقافة بالعلم، وأثر المجتمع في خلق العلم وشروطه، وهل أن العلم نخبوي أكاديمي أم أن العلم للجميع، ثم كيف يفهم المثقف العربي أهمية «الثقافة العلمية»[1].

إن الوصول إلى الحضارة، وتلك هي الغاية التي يسعى إليها العرب في حاضرهم، يحتاج إلى ركائز الثقافة وجانبها التمدن، وإن التمدن يحتاج إلى العلم وهذا بحاجة إلى بيئة مجتمعية، وبالتالي تقدم الثقافة بدورها إلى الحضارة الشكل النهائي.

يعَدّ العلم ظاهرة بعيدة عن الثقافة في البلدان العربية ويتم التعامل معه بصورة منفصلة، وهذا يحرم الثقافة من البنية العلمية التي تعتمد عليها أفكارنا ونظرتنا إلى التعامل مع الحياة. فالعلم بحاجة إلى بيئة حاضنة تفهمه وتفهم شروطه ومرتكزاته، وإقامة بيئة علمية تتجاوب مع العصر بتغييراته المتسارعة. فالثقافة لا تنمو إلا بالعلم ونسعى كنخب علمية في تأسيس «الثقافة العلمية» تحدث تغييرات في ذهنية الإنسان العربي، وتغيير في آلية تفكيرنا وأساليبنا التقليدية ونظرتنا إلى الحياة لتحل محلها أطر جديدة كدعائم يمثل العلم العامل الأساسي لها.

أولًا: في مفهوم الثقافة والمثقف

تعرف الثقافة بأنها حرث الأرض ونماؤها، وأطلق الفلاسفة القدماء تعريفًا لها بأنها زراعة العقل وتنميته. وهناك الكثير من التوصيفات لمفهوم الثقافة، فتعرّف بأنها منظومة معايير وقيم تمثل المنطق الأساسي للفكر، ويمثل النظام الثقافي بنية التصورات الخاصة بإدراك الكون والرموز الثقافية والقيمية. يرى إدوارد سعيد أن الثقافة ممارسات واقعة ضمن الوصف والاتصال والتمثيل. ويصف محمد الرميحي الثقافة كمفهوم تطور حيث إن إدوارد تيلور في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر قد أعطى للفظة «الثقافة» معنى أنثروبولوجيًا سيطر عليها، ثم تطور المفهوم لدى المفكرين الألمان لجعله يتعلق بالإنسانيات. ولكن الإنكليز نظروا إلى الثقافة بوصفها تطبيقًا عمليًا أي القيمة العلمية للثقافة في محاولة الوصول إلى الكمال بالحياة عن طريق العلم[2].

إن كلمة «الثقافة» تستخدم في محدودية المعارف التي يحتاج إليها الفرد في مجتمع ما لتكون لها أهمية في مجتمع النخبة أو المثقفين عامةً، وهذه هي مفردة الثقافة. أما «المثقف» فيعرف بأنه المتعلم أو المتنور الذي يتمتع بروح فلسفية أو نقدية لمراجعة الماضي والتأمل في الحاضر وتفسير الظواهر الإنسانية، وهو المبدع الذي يجهد بعقله وفكره عالمًا ومتعلمًا، باحثًا وأديبًا وكاتبًا في مجالات الحياة والإبداع المختلفة. فالمثقف هو المبدع والموسوعي وهو العارف بالقضايا الجزئية في الموضوعات العامة.

وتبرز «الإنتليجنسيا» التي هي النخبة المثقفة القادرة على التأثير في المجتمع إذا ما توافرت لها الظروف والوسائل، وتتميز بالإبداع والتعامل بعمق مع الأفكار ونقد الأوضاع السائدة، وهي الداعية إلى حرية الإنسان والالتزام بالقيم العليا. فالمثقف العضوي هو المؤثر في حياة المجتمع من خلال إنجازاته الإبداعية. إلا أن عبد الله العروي يؤكد أن انكفاء الإنتليجنسيا لا يدل على تخلف الأمة بل نهضتها لكونه يعرض مشكلاته الخاصة، وإن أزماته ومشكلاته ما هي إلا انعكاس لأزمات مجتمعه فيصبح بذلك دوره مؤثرًا وفعّالًا[3].

لقد جاء بروز الإنتليجنسيا العربية في ظل التطور الأيديولوجي الذي عرضه العرب تعبيرًا عن عملية التفاعل والاحتكاك مع أوروبا وبخاصة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وظهور المتنورين الذين سعوا إلى سلك طريق النهضة، والانتقال نحو أوروبا في خط العلم والصناعة بعد قرون طويلة من التخلف أبعدتهم عن ركب العلوم الأوروبية[4].

إن كونية الثقافة اليوم تطرح أمام المثقف العربي مهمة الابتعاد من حماية الثقافة المحلية في عزلها أو حمايتها من المؤثرات الخارجية ولا سيّما في ظل ثورة العلم والتكنولوجيا، لأن الثورة المعلوماتية امتدت إلى الثقافة والمطلوب مسايرة حركة الإبداع الثقافي الكوني ولكن بلغة العلم[5].

ثانيًا: في مفهوم العلم والمنهج العلمي

إن للعلم تأثيرًا كبيرًا في تاريخ الإنسان، لذلك نطرح تساؤلًا بديهيًّا: ما هو العلم؟ ثم ما هو المنهج العلمي؟

إن العلم مثل أي نشاط بشري لا يمكن تقسيمه أو تصنيفه إلى أنماط. إلا أن أهم خاصيتين تميزان العلم هما الملاحظة والاختبار. تطور العلم من خلال حوارات علمية منذ عدة عقود من الزمن فبلغ هذا التطور الهندسة الوراثية والخلايا الجذعية، وما لا نعرفه أو ندركه سيصل إليه العالم في المستقبل، ولا بد من الإشارة في خلفية تاريخية إلى أن ما وصل إليه العلم اليوم يعود في جذوره إلى التقدم العلمي الذي حصل في أوروبا، والذي وصف بأنه «برجوازي» لأن من صاغوه كانوا ينتمون إلى طبقة البرجوازية الأوروبية، واستخدمه كوبرنيكوس وغاليلي وكبلر ونيوتن ووظّفته تلك النخبة لإثبات رؤيتها للعالم، وحملت العلم الحديث منذ نشأته في عصر النهضة الأوروبية، مؤكدة أن التقدم في القرن الثامن عشر والتغلب على التخلف مسألة ممكنة وفقًا لروابط تاريخية للوصول من التخلف إلى التقدم، والمفارقة إن صنع العلم الحديث لم يتم إلا بمشاركة وصنع العرب[6].

تبدأ المعرفة العلمية بالملاحظة، والملاحظة العلمية محملة بالنظرية، والعلماء المتميزون هم الذين يصلون إلى الواقع، والنتائج حين لا تتطابق مع التوقعات المنتظرة، فإن العالم يسلم مقتنعًا بما تقوله الطبيعة، وأن العالم لم يغيّر تصوراته وأفكاره عما كان يتوقع من النتائج، وأن هذه العملية التي تسقط الأفكار بناء على مدى صلاحيتها لتفسير المشاهدات ينقلها إلى الوجه الآخر للعلم أي «الاختبار».

أما الاختبار فهو الأهم في العلم في المقارنة بين التنبؤات التي تقول بها النظرية وبين ما يحدث بالفعل في الطبيعة، وهنا يكتسب العلم بصفة غير موجودة بأي مجال من الأنشطة البشرية، كحكم مرجعي خارجي غير متحيّز بل صارم في عدم تحيّز لا يفرّق بين هذا وذاك، بين عالم ذرة أو طالب مبتدئ بالماجستير أو الدكتوراه. ويتفق العلماء أن أي خلافات في شأن أي نظرية هي الأفضل لتفسير المعطيات هي التي تحسم القضية في النهاية. ولا يتخلى العلماء مهما طال الزمن عن البحث للإجابة عن التساؤلات المهمة. وإن اقتراح نظرية واختبارها هو عملية يتم تنفيذها على نحو جيد، ويمكن الاعتماد عليها في التطبيق العملي لاستنباط التأويل الصحيح عن الطبيعة. ولكن ما لا يمكن أن تفعله هو إثبات تلك التأويلات ونقلها وفق برنامج عمل محدد والذي يسبب الكثير من الإشكاليات[7].

إن العلم ليس هو المعارف الخاصة بالعالم الطبيعي، لأن تاريخ العلم يشير إلى استخدام المعرفة العلمية من أجل تغيير العالم وبناء عوالم جديدة يعيش فيها الإنسان حياته، ويحيط به أشخاص يحاطون من كل جانب بعالم اصطناعي أنشأته التكنولوجيا، وأدى انتشارها في العالم إلى تغيير في حياة البشر وسمّي لدى العلماء «الانفجار التكنولوجي» الذي يعتمد على البحث العلمي ويشجع عليه[8]. ويرى الأمريكي جيروم كيغان أن أغلب العاملين في العلوم التطبيقية والعلمية الصرفة ينظرون إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية بطريقة الاستخفاف والاستعلاء، ويعدون نتائج العلوم هذه مجرد أحكام إنسانية لا تستند إلى منهجية علمية موثقة مثل الأحكام التي تستند إلى السلوكيات أو التقارير الشفهية[9].

أصبحت الوسائل التكنولوجية الحديثة التي يمكن استخدامها في البحث العلمي في الجامعات والمراكز البحثية في الوطن العربي مع ظهور طرائق جديدة لم تكن معروفة من قبل، مثل الإنترنت العلمي والفضائيات التعليمية والأقراص والفيديوات التعليمية والمواقع العلمية للدوريات المحكمة، والمواقع المتخصصة للمجلات العلمية بحسب التصنيفات العالمية الجامعية مثل سكوبس ومعامل التأثير كلاريفيت، ومواقع التصنيفات لأفضل الجامعات في العالم مثل تصنيف شنغهاي الصيني والتايمز البريطاني وتصنيف جامعة بنسلفانيا الأمريكي وسيماغو الإسباني وغيرها، والتي هي عوامل مهمة تساعد طلبة التعليم الجامعي وطلبة الدراسات العليا والباحثين عمومًا على فهم نوعية وجودة وكفاءة العملية البحثية، وتقليل التدريس التقليدي والاتجاه نحو البحث المعتمد على الآليات الحديثة بحيث يجعلها في متناول الجميع، وتوفير فرص أهم وأسرع وأفضل نوعية وكفاءة للبحث العلمي والتكنولوجي.

هكذا فإن تطور العلم باستخدام القواعد العلمية والتطبيقات التكنولوجية في البحث العلمي والمعالجة الحياتية بات ضرورة عربية، وإن أزمة انتقال المعلومات والتقنيات حقيقة في الواقع العربي، وفي البحث العلمي والمؤسسات الأكاديمية والعلمية في ظل ثورة المعلومات والتقنيات يتطلب التناغم العربي للعلاقة الجدلية بين الثقافة والعلم[10].

ثالثًا: في مفهوم الثقافة العلمية

إن الترابط بين الثقافة والعلم يصل بنا إلى مفهوم «الثقافة العلمية» والتي يطلق عليها في الغرب تسمية «محو الأمية العلمية»، وهي مجموعة المعارف والمفاهيم التي يفترض المتعلمون أن يعرفوها، وهي تحصيل المعارف الأولية عن العلم ومجال المعارف اللازمة لكي نفهم على نحو جيد ما يتعلق بالكون الطبيعي والتعامل مع قضايا تعترض آفاق ومفاهيم المواطن[11].

إن الحصول على هذه المعارف يلزم عمليًا المشاركة الإيجابية لخلق مجتمع ديمقراطي يحصل العلماء في العلوم التطبيقية على معرفة من علم التاريخ، ومعلومات في الفلسفة، ونتاجات العلماء في الثقافة العلمية والتي تمثل الحد الأدنى من الأهداف في أي عمل تعليمي، وأن تغير العلم بعد أن أصبح الحاسوب والإنترنت متاحًا للجميع وظهور الاختراعات والابتكارات العلمية، وإن العلم في المستقبل والبحوث العلمية التي تمثل النوع السائد في المباحث العلمية التقليدية والتي شكّلت أساس النظام التعليمي التقليدي، ليس في دول العالم الثالث فحسب بل في العالم الغربي أيضًا، والتي تستدعي مطالبة المعنيين بالعلم والبحث العلمي بتغيير هذا النظام[12].

ربما لا يكون من السهل وجود تعريف واضح ودقيق للثقافة العلمية؛ فيصفها أسامة الخولي بأنها تتطلب تثقيف غير العلميين علميًا وتوعية العلميين ثقافيًا وعلميًا. وبات الكثير من العلماء العرب بحاجة إلى تثقيفهم علميًا بالتحرر من تخصصاتهم الضيقة والفجوات الفكرية والثقافة الأحادية نحو ثقافة علمية أوسع وأعمق[13].

إن الثقافة العلمية هي منصة للمعارف التي يُفترض أن يصل إليها العلماء والعاملون في البحث، وهي أساسيات في الثقافة، فهي حقائق وأشياء وعناصر مركبة، تصل إلى مفاهيم وأفكار جديدة. لذلك فخصوصية الثقافة هي في قدرتها على مواكبة الثقافة العالمية ذات التنوع في الاتصالات والعصر الإلكتروني وثورة المعلومات والحوار العلمي وحريّة الآراء وتبادل المعلومات وتطور الإعلام الرقمي وسيادة الحريّات الأكاديمية، وهو ما يحتم على العرب اليوم التوجه من «الثقافة» إلى «الثقافة العلمية» على قاعدة ترابط العلم مع الثقافة[14].

استنتاجات

إن الثورة العلمية أو العلم له استمرارية وتغيير من الابتكار والتجديد، أضاف الأوروبيون الأوائل العلوم الطبيعية في سبيل إرساء المعرفة والمنهجية كأساس للعلوم[15].

إن الرؤى التي تطرح في شأن حال الثقافة العربية، هي كيف يستطيع العرب تضييق الفجوة بين العلم والثقافة، أي بين العلمي والثقافي في أفق قرن جديد بات يتكون في إطار تسابق علمي وتكنولوجي متسارع في الضفة الأخرى من العالم الغربي. وإن تصور سيناريوهات عربية تعطي توصيفات وحلولًا ترفع الثقافة وتنهض بها وتوصل الجسور بين العلم والثقافة، وتأكيد دور المؤسسات العلمية العربية في التجديد العلمي والتحديث المعرفي والتكنولوجي والحريّات الأكاديمية. فالعرب يتطلعون منذ سنوات للحاق بركب الثقافات العالمية وفتح أبواب الحوار العلمي مع الآخر[16].

ويمثل العلم والتعليم جزءًا أساسيًا في العلوم والتقانة العربية، وخلق البيئة العالمية والمجتمع العلمي المعرفي الذي هو في حالة من تجليات التغيرات والاختراعات العلمية، وتأسيس جيل من المربين والمتلقين لهم زمام العلم والمعرفة. فالعلم والثقافة أساس عملية التكوين الثقافي للمجتمعات بحاجة إلى آفاق للعلوم كأساس للنهضة العربية وبناء العقول، التي هي بناء للشعوب والأمم بالحصيلة النهائية.

إن العلم والمنهج العلمي مفاتيح الريادة في الألفية الثالثة، حيث ترتبط الثقافات العالمية مع العلم وتقبل الإنسانية على منعطف جديد في التعامل مع المنهج العلمي والعلوم الصرفة، ومتابعة المستجدات العلمية والتقنية الحديثة، وتطوير الثقافة العلمية وتضييق الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية. وإن الغاية الأساسية هي تطور العرب في الألفية الثالثة والتحول إلى المجتمع التكنولوجي. ولكن هذا المجتمع يمكن أن يبقى متخلفًا في ظل تقاليد تراتبية غير محدثة، لذلك العلم والمنهج العلمي يعملان على تغيير في بنية المجتمع العربي الثقافية.

إن توافر العقل العلمي ضروري بغية تطور المعرفة والفكر باتجاه العلمية، فلا بد من شيوع العقلية النقدية والاختراعات والابتكارات والروح الناقدة، وهذا يدفع العلم والمنهج العلمي إلى الأمام بشيوع العلم والحضارة في العقل والبراهين والمنطق والحقائق، وإن التغيرات المتسارعة في العلم تحتاج إلى عقلية علمية بحاجة إليها العرب اليوم والغد[17].

إن مجتمع المستقبل يستمد قوته من عالم التقنيات ليصبح العلم أساس التعليم مع ظهور أجيال من العلماء العرب الشباب، بحيث تبدو أزمة انتقال الثقافة إلى العلم والمنهج العلمي، فالعالم اليوم مقبل على مزيد من الثورات المعلوماتية والعلمية تتطلب مواكبة الثقافة العربية لها[18].

إن الثقافة العربية أمام تحديات الثورة العلمية والمنهج العلمي. تحتاج إلى ضرورات الإنتاج وامتلاك العقل والعلم في صوغ الثقافة العلمية، ولا بد من إدراك حقيقة أن التنمية والديمقراطية والعلم مقومات لـ«النهضة» أي «التجدد الحضاري»، لأن عملية التحديث أصابها الإخفاق ولم تستطع تحقيق النهضة الصناعية أو الثورة التكنولوجية (كالنموذج الياباني) ولا الثورة الشاملة (كالنموذج الصيني) ولا الديمقراطية مع الاحتفاظ بالتراث الروحي (كالنموذج الهندي) فهي أمم حققت التحديث بنجاح باهر.

ولكن الثقافة العربية استمرت في معركة ما بعد الحداثة على الرغم من التناقضات الفكرية والاختلافات المطروحة التي تسعى لتجاوزها، وبخاصة بعد انهيار المشروع الحداثوي العربي في الواقع في عدة تجارب للبلدان العربية، ومحاولة إرجاع الثقافة العربية إلى دائرة التخلف بعيدًا من التطور والنمو وانشغالها في إشكاليات خارجية وأزمات وصراعات داخلية كان المفترض أن لا يعرفها القرن الحادي والعشرون[19].

إن المشكلة التي تواجه الثقافة العربية تتعلق بالتجديد والحداثة في بناء مجتمع علمي يستند إلى العلم، وإن الاعتماد عليه يخلق تنافسية بين الثقافات توصل إلى نقلة نوعية باستخدام العلم مع تعدد الثقافات واللغات والهويات والأديان والأجناس والثقافات الفرعية، وهو ما يمثّل بالتأكيد تحديًا جديًا أمام الثقافة العربية في دخول «العلم» كمعطى له القوة والانتشار في الثقافة، لكون المستوى العلمي لأي مجتمع مرهون بامتلاك العلم والمنهج العلمي لكي تعطي القوة للثقافة والأرضية المتجددة، ويبين تلك الترابطية النحو التالي:

الثقافة + العلم + المنهج العلمي = الثقافة العلمية

إن المثقفين العرب لا بد من أن يدركوا أن النهضة تبدأ بتلازم الثقافة والعلم، وولادة «الثقافة العلمية» بعيدًا من النقل والاجترار، وفي إحلال لغة الابتكار والاختراع بفضل العلم والمنهج العلمي، وفي بناء الأسس العلمية للثقافة، التي ننشدها، وهي معرفة الناس بالجزئيات للوصول إلى الكليات أو العموميات في المعارف والثقافات والتي تخلق هذه الرؤية العلمية.

فهل يدرك العرب اليوم أهمية قراءة الثقافة العلمية وتجسيدها في الواقع العربي، إن الغد كفيل بالإجابة عن هذه التساؤل.

 

قد يهمكم أيضاً  محمد عابد الجابري: ونقد العقل العربي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #العلم #الثقافة #الثقافة_العلمية #الثقافة_العربية #التطور #المجتمعات_العربية #العلم_في_العالم_العربي #البحث_العلمي_في_الوطن_العربي #المنهج_العلمي