تمهيد:

تُعد السيادة من بين أهم المبادئ التي ابتكرها الفكر السياسي على الإطلاق. لقد عمل الفقهاء والفلاسفة في القرن الثامن عشر على تغيير وظيفتها ونقلها من مبدأ يتجسد في شخص الملك‏[1]، إلى مبدأ يدخل في المجال الخاص بالشعب‏[2] يوظفه على النحو الذي يجعله يتحكم في القرار السياسي، على اعتبار أن الدولة هي شأن من شؤون الشعب دون سواه. غير أن هذا الأخير لا يمكنه أن يتكلم أو يدبر شؤونه إلا من طريق ممثليه‏[3]، الذين لا يقتصر دورهم على التعبير عن إرادة الأمة بل يعتبرون بمنزلة الجهاز الذي تتبلور من خلاله تلك الإرادة‏[4].

إن مفهوم التمثيلية في النسق السياسي المغربي يختلف تماماً عن مدلولها في الأنظمة الديمقراطية. من هذا المنطلق، تتخذ السيادة (على غرار المبادئ والآليات الأخرى من فصل سلطات، وتناوب، وحزب سياسي ودستور واستفتاء… إلخ) مفهوماً محلياً يتماشى ومفهوم السلطة في النظام السياسي المغربي التي تجمع بين مصدرين مختلفين للشرعية: شرعية ملكية، ذات المصادر المتعددة (دينية، تاريخية، وراثية، شريفية، دستورية… إلخ) وشرعية ديمقراطية منبثقة من صناديق الاقتراع.

من هنا سيعالج المطلب الأول مفهوم السيادة في دستور 2011؛ والمطلب الثاني ممارسة السيادة من خلاله.

أولاً: الثقافة الإجماعية وأثرها في مفهوم السيادة بالمغرب

يعد الانتخاب الوسيلة الأساسية التي يمارس المواطن من خلالها حقه في السيادة. يعبر دستور 2011 بصورة جلية عن التلازم الموجود بين السيادة والانتخاب كآلية لتفويض السلطة السياسية وممارستها من طريق المؤسسات التمثيلية، حيث ينص: «السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالانتخاب الحر والنزيه والمنتظم»‏[5].

في حين ينص الفصل 24 من دستور 2011 على اعتبار: أن «الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى…». إذا كانت المؤسسات المنتخبة تعمل على تمثيل الأمة على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالملك هو الممثل الأسمى للدولة‏[6] التي تعتبر الأمة أحد مكوناتها ليس إلا. بذلك يكون الدستور الجديد بارتقائه بالملك من ممثل أسمى للأمة إلى ممثل أسمى للدولة يؤكد بقوة أكبر سمو المؤسسة الملكية على حساب المؤسسات التمثيلية (الأحزاب السياسية، البرلمان، الحكومة) التي تبقى في مرتبة دونية بالمقارنة مع التمثيلية السياسية العالية للمؤسسة الملكية.

من هذا الباب يعطي النص الدستوري، في تقديرنا الشخصي، للسيادة معنى مزدوجاً يتماشى ونوْعَي الشرعية المميزتان للخصوصية المغربية في مجال ممارسة السلطة السياسية: الشرعية الديمقراطية والشرعية الملكية اللتان تتعايشان مبدئياً في انسجام تام، لكن بتراتبية مختلفة وجد ملحوظة.

1 – الشرعية الديمقراطية

تتنافس الأحزاب السياسية على السلطة السياسية من خلال برامج انتخابية تعبِّر عن تطلعات وأماني المواطنين في ظرفية زمنية معينة. وعليه تعبِّر المؤسسات التمثيلية المنبثقة من صناديق الاقتراع والمتمتعة بالشرعية الديمقراطية، عن حاجات المواطن المغربي في ظرفية محددة، مرتبطة بالحاضر على المستوى الزمني.

إن المؤسسات المنتخبة تمارس سيادة محدودة بموازاة المهام والوظائف الموكولة لها من طريق الانتخاب الذي ما هو إلا تفويض للسلطة مقيد بطبيعته بقيود قانونية وأخرى زمنية. إن ممثلي الشعب هم بمثابة وكلاء. لكن كلا الوكالتين، الآمرة والتمثيلية، تشوبهما مجموعة من النواقص. الأولى تقيد من سلطة الوكيل بحيث تلزمه بتوجهات موكله، والثانية تعطيه الحرية المطلقة في الانفراد باتخاذ القرار دون الاكتراث بآرائهم‏[7]. الأمر الذي يعطل سير المؤسسات في الحالة الأولى ويحول دون الاستجابة للحاجات الحقيقية للمواطن في الحالة الثانية.

إن مفهوم السلطة السياسية في النظام السياسي المغربي، القائم على إقصاء الوسطاء بين الملك والشعب (الراعي والرعية)، يجعل المؤسسات المنتخبة تضطلع بوظيفة تمثيلية ثانوية مقارنة بالتمثيلية السامية والمتعالية للمؤسسة الملكية.

يختار الشعب ممثيله من طريق الاقتراع العام والشامل، وبالتالي يختار من يرتضيه لتدبير الشأن العام الذي تحدد التوجيهات السامية للملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى معالمه الكبرى. بمعنى آخر، إن هذه المؤسسات المنتخبة تتمتع باختصاصات مقيدة، على مختلف مناحيها، بالسلطة الملكية التي تنفرد بسلطة القرار السياسي الاستراتيجي. وهو وضع يجعلها في خضوع تام لتوجيهات الملك وتنفيذ قراراته وأوامره، وهي كلها خصائص مميزة للوكالة الآمرة. هذه الأخيرة فقط لا تمارس من قبل الشعب‏[8] بل من قبل الملك الممثل الأسمى للدولة والساهر على «صيانة الاختيار الديمقراطي»‏[9].

إن المؤسسات المنتخبة، إلى جانب تمتعها بسلطات محدودة وغير ذات قيمة على مستوى اتخاذ القرار السياسي الاستراتيجي من جهة وخضوعها للمحاسبة من جهة ثانية، فهي لا تتمتع بحرية كاملة في ممارسة الوظائف والمهام الموكولة إليها بحيث تبقى مقيدة على مستويات متعددة:

أ – يخول الدستور للملك بوصفه سلطة تمثيلية سامية، حق مخاطبة الأمة والبرلمان‏[10]. يعتبر الخطاب الملكي بمنزلة برنامج سياسي حقيقي يحتوي على إجراءات تشريعية يكون النواب مدعوين إلى الامتثال إليها والالتزام بها‏[11]. بل أكثر من ذلك، نجد بعض مشاريع القوانين المحالة على البرلمان تتضمن فقرات من الخطب الملكية‏[12]. هذا ويتمتع الملك بحق طلب قراءة جديدة لكل مشروع أو اقتراح صوَّت عليه البرلمان، بهدف إيقافه ومنعه‏[13]. وبالتالي فهو اعتراض ملكي على الاقتراحات والمشاريع القانونية. فضـلاً عن حقه في إصدار الأمر بتنفيذ القانون‏[14]، والانفراد بمبادرة التشريع في المجال الديني بموجب الفصل 41 من الدستور وعرض مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور على البرلمان بمقتضى ظهير‏[15].

ب – إن نمط الاقتراع النسبي من طريق أكبر البقايا المعمول به منذ عام 2002‏[16]، لا يمكنه بأي حال من الأحوال إفراز أغلبية واضحة مؤهلة لتأليف حكومة منسجمة قادرة على تدبير الشأن العام‏[17]. إنه يوسع تمثيلية الأحزاب السياسية داخل قبة البرلمان، بهدف تمثيل أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية ونقل مطالبها داخل هذه المؤسسات التمثيلية الدونية، لبلورتها وصياغتها في قالب إجماعي وحدوي يتماشى وتوجيهات، وأحياناً أخرى أوامر، الملك، الممثل الأسمى للدولة ورمز وحدتها‏[18]. هكذا تصبح الأحزاب السياسية غير فاعلة وبالتالي عاجزة عن القيام بالمهام الدستورية والسياسية الموكولة لها.

ج – يُعد مجلس الحكومة، كمؤسسة منبثقة من صناديق الاقتراع، من بين أهم المستجدات التي جاء بها دستور 2011. غير أن هذا الأخير جعل من هذا المجلس مؤسسة تشتغل في ظل المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك‏[19] والذي ينزل فيه العاهل المغربي بكل ثقله الرمزي والديني والدستوري. في هذا الاتجاه ينص الفصل 92 من الدستور على ما يلي: «يتداول مجلس الحكومة […] في […] السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري».

إن تقييد إرادة الحكومة، كمؤسسة منبثقة من صناديق الاقتراع، في مجال الالتزام بتطبيق برنامجها، بالإرادة الملكية، يمس، بصورة ملحوظة، بجوهر التعاقد الموجود بين الناخبين وممثليهم.

د – إن المؤسسات التمثيلية، بالرغم من الشرعية الديمقراطية التي تتمتع بها، تمارس مهامها من طريق التفويض الذي يمكن أن ينتزع منها في أي لحظة بمقتضى ما يتمتع به الملك من سلطات فعلية من خلال الفصلين 47‏[20] و51‏[21] من الدستور المتعلقين، على التوالي، بإعفاء أعضاء الحكومة‏[22] وحل مجلسَي البرلمان.

2 – الشرعية الملكية

إن تعدد مصادر الشرعية التي تنفرد بها المؤسسة الملكية دون غيرها، تجعلها تنشر بظلالها لتغطية كل فضاءات النسق السياسي المغربي (ديني – دنيوي، عصري – تقليدي، حضري – قروي … إلخ) ممتدة بذلك بعيداً إلى الماضي (14 قرناً) متطلعة إلى المستقبل مروراً بالحاضر.

هذا التصور، المتحكم في الثقافة السياسية المغربية، يجعل المؤسسة الملكية هي الوحيدة المؤهلة لتجسيد سيادة الأمة، التي تعرف من الناحية القانونية بكونها «جماعة سياسية» وليست «جماعة اجتماعية». إن الأمة في رأي «سييس» تمكن الجماعة البشرية، أي الشعب، من التحرر من مظاهر الاختلاف والتنوع (عرقية، لغوية، دينية…) التي تميز كل مكوناتها‏[23]، متطلعة إلى تحقيق وحدة الجماعة البشرية التي تمثلها، والتي يعتبر الملك، في هذه الحالة، رمزاً لوحدتها.

من هذا الباب، ليست المؤسسة الملكية محدودة بالزمن، بل تتزامن والزمن. لعل التعبير السائد في الملكيات: «مات الملك، عاش الملك» يزكي هذا الطرح . بمعنى أن الملك يموت والمؤسسة تبقى دائمة ومستمرة لأن دوامها من دوام الدولة. هذا ما يؤكده الفصل 42 من الدستور؛ «الملك، رئيس الدولة وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها…»

هذا التصور فيه انسجام تام ومفهوم الأمة التي لا تقتصر على الحاضر، بل تتجاوزه إلى الماضي والمستقبل في ذات الوقت من جهة، ومفهوم المحاسبة الذي نص عليه الدستور من جهة ثانية. بحيث إن المؤسسات المنبثقة عن صناديق الاقتراع، والمتمتعة بتفويض السلطة، تحاسب عن أدائها، الأمر الذي يجعل المواطن سيد القرار إما بإعادة التصويت عليها أو معاقبتها بالتصويت على أغلبية أخرى. بينما تبقى المؤسسة الملكية، غير معنية بالمحاسبة، بالرغم من كونها تنفرد لوحدها باحتكار القرار السياسي الاستراتيجي.

إن النظام الرقمي – الأغلبي، الذي تقوم عليه الشرعية الديمقراطية، يحدث شرخاً في الجسد المغربي، وبالتالي يقوض مرتكزات الثقافة الاجماعية التي تعتبر الملكية راعية لها.

من هذا الباب تُعدّ الانتخابات كآلية لتفويض السلطة السياسية بمثابة مرحلة أولية لوضع صورة يتم من خلالها رسم مختلف توجهات المواطن المغربي وتحديدها، كتعبير عن مظاهر الاختلاف والتعدد المميزة للمجتمع المغربي في حقبة زمنية معينة، لتبلورها في مرحلة ثانية في قالب إجماعي – وحدوي، يتجاوز الطابع الرقمي – الإقصائي الذي تنمحي في إطاره أماني الأقلية لصالح الأغلبية.

لقد أعطى الدستور المغربي للمؤسسة الملكية، كمؤسسة سامية وعالية، مقوّمات تفعيل مبدأ الإجماع، لتجاوز مظاهر الإعوجاج والنواقص‏[24] التي قد تشوب الشرعية الديمقراطية التي قد تنحو نحو دكتاتورية الأغلبية‏[25] والتي قد تحدث شرخاً في الجسد المغربي، يقوض وحدة الأمة التي يعتبر الملك رمزاً لها. الأمر الذي يجعل الدستور المغربي يعطي للديمقراطية مفهوماً لا يتوقف عند مصدرها (العنصر الرقمي) بل يتجاوزه إلى مضمونها كما أكد ذلك أندريه فيليب (André Philippe) أمام لجنة الدستور الفرنسية، حيث طالب حينها بوجوب احترام القيم الأخلاقية المميزة «لحضارة جماعة وطنية معينة»‏[26] باعتبارها روح الديمقراطية.

إن تعدد مصادر الشرعية التي تنفرد بها المؤسسة الملكية، جعلت الدستور المغربي، عبر مختلف أبوابه، يمنح الملك مكانة سامية تجعله يتمتع بحرية مطلقة في اتخاذ القرار الاستراتيجي على كل المستويات، سواء منها تلك الدينية أو الدنيوية، الأمر الذي يجعله يخترق كل مجالات النظام السياسي المغربي، ليحضر كفاعل أصيل يجسد وحدة السلطة السياسية، متجاوزاً مبدأ فصل السلط بمستوييه الأفقي (السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية) والعمودي (الحقل الديني والحقل السياسي)‏[27] الذي يعتبر خاصية أساسية لأهم مستجد جاء به دستور 2011، وهو اعتبار نظام الحكم في المغرب: ملكية برلمانية‏[28].

يتمشى هذا التصور ومفهوم الوكالة التمثيلية التي هي بطبيعتها وكالة غير محدودة‏[29]. لعل الدستور المغربي، بالرغم من التعديلات التي جاء بها، صيغ، عبر مختلف أبوابه، بشكل يحقق هذا المبتغى: حرية المؤسسة الملكية في التنقل بين الحقلين الديني (إمارة المؤمنين) والدنيوي (الملكية الدستورية) وبالتالي التحكم في اتخاذ القرار بكل أشكاله.

خاصية تؤكد مدى سمو المؤسسة الملكية على المؤسسات المنتخبة، موضوع المحاسبة، التي تحظى بتمثيلية دونية مقارنة بالتمثيلية السامية والمتعالية للملك، الذي يعتبر، بامتياز، مؤسسة المؤسسات.

إن مظاهر السمو هذه، التي تنفرد بها المؤسسة الملكية دون تلك المنبثقة من صناديق الاقتراع، تجعل منها المجسد الفعلي والحقيقي لسيادة الأمة. هذا ما يتأكد من خلال العنوان الموالي.

 

ثانياً: السيادة بين سمو الشرعية الملكية ودونية الشرعية الديمقراطية

لقد جاء الدستور الجديد بشكل ينسجم والثقافة السياسية السائدة في النظام السياسي المغربي التي تجعل من المؤسسة الملكية، كراعية لثقافة الإجماع، حجر زاوية النظام السياسي المغربي والمحور الذي تدور في فلكه باقي المؤسسات على اختلاف مصادرها ومراتبها. إنها تتمتع بوظائف سيادية وتحكيمية، تجعلها تتحكم في كل وسائل القرار الاستراتيجي. وهذا يجعل مصير هذه المؤسسات المنتخبة رهين إرادة المؤسسة الملكية‏[30].

لعل امتلاك سلطة التعيين من جهة والتحكم في السلطة التأسيسية من جهة ثانية يُعدان أهم مظاهر تجسيد السيادة في شخص المؤسسة الملكية، بحيث يؤكدان مدى سمو هذه الأخيرة مقارنة بالمؤسسات المنبثقة عن صناديق الاقتراع.

1 – سلطة التعيين

يتمتع الملك بسلطات واسعة في مجالي تعيين الوزراء، وكبار موظفي الدولة.

أ – تعيين وإعفاء الوزراء

على خلاف دستور 1996 الذي كان يعطي الحرية المطلقة للملك في مجال تعيين الوزير الأول، قيد دستور 2011 من سلطته في هذا الباب. تنص الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور على ما يلي: «يعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدَّر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها» .

في الاتجاه نفسه تضيف الفقرة الثانية من نفس الفصل: «ويعين [الملك] أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها».

من خلال ما سبق يمكن إبداء الملاحظتين التاليتين:

(1) الملك رمز سيادة الأمة يتولى تعيين رئيس أسمى مؤسسة تمثيلية منبثقة من صناديق الاقتراع وباقي أعضائها باقتراح منه (رئيس الحكومة)؛ الأمر الذي يؤكد التدخل الفعلي للمؤسسة الملكية في مجال السلطة التنفيذية‏[31] وسموِّها الجلي على المؤسسات المنتخبة‏[32].

(2) بالرغم من أهمية التضييق الذي شاب سلطة الملك، فإنه في المقابل، يتمتع بحرية مطلقة في مجال اختيار الشخصية السياسية التي يرتضيها لتولّي رئاسة الحكومة من بين قيادات الحزب الفائز بالانتخابات والتي ربما لا تكون بالضرورة الأمين العام للحزب.

في المقابل نلاحظ أن دور رئيس الحكومة ينحصر فقط في اقتراح لائحة الأشخاص المرشحين للتوزّر ليس إلا. في حين يبقى للملك الصلاحية المطلقة لرفض أو قبول الاقتراح الذي تقدم به رئيس الحكومة وبالتالي تبقى صلاحية تعيين الوزراء من المجالات المحفوظة للملك، الأمر الذي يجعل الفصل 47 من الدستور يؤكد، بامتياز، الطابع التنفيذي للملكية المغربية.

إن علاقة المؤسسة الملكية بأعضاء الحكومة تتجاوز تعيينهم لتمتد إلى إعفائهم دون أي قيد ما عدا استشارة رئيس الحكومة‏[33]، وهو إجراء شكلي ليس له أي تأثير في سلطة الملك‏[34]. أما سلطة رئيس الحكومة، في هذا المجال، فهي مقيدة بتقديم طلب إلى الملك الذي له الصلاحية المطلقة، كما هو الحال بالنسبة إلى اقتراح التوزير، في قبوله أو رفضه.

إن تعيين وإعفاء الوزراء من قبل الملك واستنبات وزراء السيادة يجعلنا أمام ثنائية رئاسية تختلف من حيث تراتبيتها، تدفع أعضاء الحكومة إلى التسليم بأن مصيرهم السياسي مرهون بالملك‏[35]. مبررات تضعف من سلطة رئيس الحكومة أمام أعضاء حكومته من جهة، وتحول دون تمكينه من تنفيذ البرنامج الحكومي باستقلالية تامة من جهة ثانية.

عوامل تزيد من تعميق إحساس المواطن بسمو المؤسسة الملكية على حساب المؤسسات التمثيلية، على اعتبار أن السلطة موجودة بين يدي الملك دون الحكومة. في حين يقتصر دور الأحزاب، بالرغم من التعديلات التي كانت موضوعاً لها، على الترشيح للانتخابات دون التطلع إلى وظيفتها الأساسية والأصلية: ممارسة السلطة السياسية‏[36]. هذا ما يزيد من إضعاف الأحزاب السياسية وتقزيمها وبالتالي فقدان المواطنين الثقة فيها وفي باقي المؤسسات التمثيلية الأخرى.

ب – التعيين في الوظائف المدنية السامية

كما هو معلوم، حتى يتمكن الفريق الحكومي من ضمان تنفيذ برنامجه بالشكل المرغوب فيه وإنجاح سياساته القطاعية في مختلف المجالات، يجب أن يتمتع بصلاحيات واسعة في مجال تعيين الأشخاص الذين يرى أنهم يؤمنون ببرنامجه وأهدافه من جهة، ومؤهلون لتدبير الشأن العام بمهنية ومسؤولية من جهة ثانية.

تحقيقاً لهذا الغرض، أعطى الدستور الجديد صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، في هذا المجال، لتمكينه من تدبير الشأن العام والإشراف على الإدارة العمومية والقطاعات الحيوية في البلاد. في هذا الاتجاه ينص الفصل 91 من الدستور على ما يلي: «يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدنية، في الإدارات العمومية وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية».

أكيد أن دستور 2011 قلّص اختصاصات الملك في مجال التعيين في المناصب السامية، بتمكينه رئيس الحكومة من سلطات مهمة في هذا الباب، لكنه قيدها في الوقت نفسه بمقتضيات الفصل 49 على مستويين:

أولاً، استثناء بعض الوظائف الحيوية والحساسة وإخراجها من مجالات سلطة رئيس الحكومة‏[37]. في هذا الاتجاه ينص الفصل 49: «يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية: […] التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف المدنية لوالي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي، والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية».

ثانياً، بخلاف الفصل 91 الذي يتحدث عن «المؤسسات والمقاولات العمومية» يتحدث الفصل 49 عن «المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية التي سيحدد قانون تنظيمي لائحتها»‏[38]. وهذا ما يطرح إشكالاً كبيراً يتعلق بتحديد المعايير التي قد تجعل من مؤسسة أو مقاولة عمومية معينة تكتسي طابعاً استراتيجياً دون غيرها وبالتالي إدخالها ضمن المجال الخاص بالملك دون رئيس الحكومة‏[39].

لقد كان تأويل هذين النصين موضوع خلاف كبير بين الباحثين المغاربة؛ ولعل ذلك يرجع إلى كون الخلاف في شأن هذين الموضوعين هو مظهر من مظاهر الخلاف حول جوهر السلطة السياسية بالمغرب وصراع حول من له أحقية ملكية القرار السياسي الاستراتيجي: هل المؤسسات المنتخبة أم المؤسسة الملكية؟ بمعنى آخر إن الصراع حول هذين الموضوعين يحيل ضمنياً على الصراع حول المؤسسة التي تستحق تجسيد السيادة.

إن المشرع المغربي لم يشر إلى القطاعات الواردة في الفصل 49 بشكل عرضي أو عفوي بل تم انتقاء هذه القطاعات لأهميتها الحيوية بالنسبة إلى سيادة البلاد: الأمن، الخارجية…، فضـلاً عن أن إدراجها في الباب الخاص بالملكية له أكثر من معنى بحيث يدخل في المجال الحصري للمؤسسة الملكية التي تنفرد بتجسيد السيادة دون غيرها من المؤسسات الدستورية الأخرى أياً كان مصدر شرعيتها. لو لم يكن الأمر بهذه الأهمية لما تم اللجوء إلى استخلاصها من سلطة رئيس الحكومة، الذي بالرغم من كونه مؤسسة منبثقة من صناديق الاقتراع وبالتالي مظهراً للتعبير عن الإرادة الشعبية كحال من أحوال تجسيد سيادة الشعب، فهو يمثل سيادة محدودة من الناحية الزمنية وبالتالي وجوده في مرتبة أدنى من تلك التي يجسدها الملك: أي سيادة الأمة التي يعد الاستقرار روح استمرارها ودوامها، الأمر الذي يقتضي التحكم في وسائل القرار الاستراتيجي بمعنييه الاقتصادي والسياسي، اللازمين لضمان الاستقرار السياسي للبلاد‏[40].

هذا من جهة. ومن جهة ثانية، حتى إذا ما افترضنا عرضاً أن سلطة الملك في هذا الباب تتوقف عند التداول بدل التعيين، فإن رئاسة الملك للمجلس الوزاري ليست رئاسة شرفية أو فخرية بقدر ما هي رئاسة فعلية‏[41]، والتداول بشأن القضايا المطروحة عليه، تعطي للملك، الممثل الأسمى للدولة، السلطة المطلقة في قبول أو رفض أي اقتراح. بحيث لا أحد يلزمه بقبول الاقتراح موضوع التداول، لكن رأيه ملزم لكل أعضاء المجلس الوزاري.

2 – السلطة التأسيسية الفرعية

تكتسي السلطة التأسيسية، بنوعيها الأصلية والفرعية، أهمية بالغة. إن السلطة التي تمتلك السلطة التأسيسية هي التي تتحكم في مصير كل السلطة‏[42] السياسية ومترتباتها. لهذا الاعتبار، كانت موضوع صراع حاد بين الأحزاب المنبثقة من الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية‏[43]. صراع انتهى في آخر المطاف لصالح هذه الأخيرة لاعتبارات عدة نذكر من بينها: تمتع المؤسسة الملكية بمشروعية تاريخية، ضاربة في القِدم، تتجاوز تلك التي تتمتع بها الأحزاب الوطنية من جهة، وانفرادها بالمشروعية الدينية التي تجعل من الملك – أمير المؤمنين، راعياً، باسم عقد البيعة، لأمور الرعية (الأمة) من جهة ثانية. في هذا الاتجاه يقول الحسن الثاني: «هذا الدستور […] هو قبل كل شيء تجديد للبيعة المقدسة التي جمعت دائماً بين الشعب والملك»‏[44].

لقد جاء دستور 1970 بتعديلات جوهرية في مجال السلطة التأسيسية، قيَّدت على نحوٍ ملحوظ سلطة البرلمان وأقصت الوزير الأول عن أي مبادرة في هذا المجال. وهو وضع، جعل الأحزاب السياسية تعي مدى استحالة إمكان قيامها بأي مبادرة من داخل قبة البرلمان، لتلجأ إلى أسلوب المذكرات كوسيلة جديدة للمطالبة بالإصلاحات الدستورية. وهو سلوك يفسر بمنزلة اعتراف ضمني بانفراد المؤسسة الملكية باختصاص السلطة التأسيسية.

حرصت كل الدساتير المغربية منذ عام 1970 حتى التعديل الدستوري الأخير على تمكين المؤسسة الملكية من التحكم في كل مظاهر ممارسة السلطة التأسيسية وآلياتها‏[45]. في هذا الاتجاه يقول الملك: «[…] قررنا تعديل دستوري شامل يستند على سبعة مرتكزات أساسية»‏[46].

انسجاماً مع روح القواعد التي أرساها دستور 2011 والتي تتمحور حول ترسيخ وتأكيد هيمنة المؤسسة الملكية، كمؤسسة تنفيذية فاعلة وحاكمة، على باقي المؤسسات الدستورية الأخرى، عضد المشرع المغربي جانب المؤسسة الملكية بصلاحيات حيوية جديدة في مجال السلطة التأسيسية الفرعية على حساب المؤسسات التمثيلية‏[47]. إن توسع صلاحيات المؤسسة الملكية في مجال السلطة التأسيسية جاء في انسجام تام والارتقاء بالملك من ممثل أسمى للأمة إلى ممثل أسمى للدولة‏[48].

إلى جانب صلاحيته التقليدية المتمثلة بعرضه مشروع تعديل دستوري مباشرة على الاستفتاء الشعبي‏[49] يمكن للملك «أن يعرض بظهير على البرلمان، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور»‏[50] ولا يقيد من مبادرته في هذا الاتجاه إلا إجراء شكلي يتوقف عند استشارة رئيس المحكمة الدستورية. تضيف الفقرة الرابعة من الفصل نفسه: «ويصادق البرلمان، المنعقد، باستدعاء من الملك، في اجتماع مشترك لمجلسيه، على مشروع هذه المراجعة، بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم». وهو ما يفيد أن اختصاص الملك لا يقتصر على عرض المشروع على البرلمان، بل يمتد إلى مرحلة المصادقة التي لن تتم إلا باستدعاء الملك للبرلمان بالاجتماع المشترك لمجلسيه، وذلك ما يمكن من ضبط الأمور ومعالجتها حتى تكون مواتية للوصول إلى الهدف المرجو.

إن هذه المسطرة الجديدة تعد بمنزلة تأمين مزدوج للصلاحية الملكية على حد قول رقية المصدق، «إنها أولاً تؤمن الملك من اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي الذي لم تعد نتائجه مضمونة وبالتالي قد يتحول إلى مجازفة خطيرة العواقب، إنها تجنب الملك المجازفة بإعادة النظر في بعض الانفلاتات التي قد تتخلل مضمون الدستور ويضطر إلى تداركها…»‏[51]. إنها بمنزلة سلاح احتياطي « تقويم بعض الاختلالات الموجودة في الدستور»‏[52].

أما الاقتراح الذي يتقدم به رئيس الحكومة في هذا المجال، لا بد له أن يعرض «على المجلس الوزاري بعد التداول بشأنه في مجلس الحكومة»‏[53]. أي وجوب المصادقة الملكية عليه قبل عرضه على الاستفتاء بظهير.

أما في ما يتعلق بالمبادرة التي يتقدم بها عضو أو أكثر من بين أعضاء أحد مجلسَي البرلمان، فلا تتم الموافقة عليها إلا بتصويت أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منه المجلس‏[54].

من هذا المنطلق نلاحظ أنه ليس هناك توزيع عادل للسلطة التأسيسة الفرعية، بقدر ما يتأكد شبه احتكار لهذه السلطة من جانب الملك – رئيس الدولة، الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال تصور إجراء أي تعديل لمقتضيات الدستور من دون مباركته، ما دام هو الوحيد الذي يملك صلاحية عرض أي مشروع أو مقترح لتعديل الدستور على الشعب من أجل الاستفتاء بمقتضى ظهير، حتى لو لم يكن هو من اتخذ المبادرة بإجراء التعديل. من هذا الباب، يتحكم الملك بمفرده في جميع السبل المؤدية إلى تعديل الدستور. لقد أصبح الملك هو المتحكم الوحيد في السلطة التأسيسية الفرعية، أياً كان مصدرها، بعد أن كان غير معني بها في دستور 1962.

خاتـمة

يتبين من خلال ما سبق، أن هذا التصور، الذي يجسده الفصلان 2 و42 من الدستور المغربي، يعطي للسيادة مفهوماً ينفصل فيه مبدأ التمثيل عن مؤسسة الانتخاب. فـ «النيابة لا تستند إلى اختيار تصويتي، وإنما الأصل فيها هو امتياز دستوري»‏[55]. بمعنى آخر، إذا كان البرلمان هو ممثل الأمة، فالملك هو الممثل الأسمى للدولة، بكل مكوناتها وعناصرها، الذي يتمتع بحق الاتصال المباشر بها وبالتعبير عن حاجاتها متجاوزاً بذلك المؤسسات الوسيطة والمنتخبة حتى لا تغدو حجاباً يحول دون التواصل بين الراعي والرعية‏[56]. وهذا يجعل المؤسسات المنتخبة تابعة للمؤسسة الملكية وجزءاً لا يتجزأ منها كونها مصدر كل السلط ومنبعها.

أمام هذا الوضع لا يمكننا إلا أن نتساءل حول وظيفة الأحزاب السياسية والانتخابات في النظام السياسي المغربي، وبخاصة أن دستور 2011 أقر باعتبار المغرب ملكية برلمانية.

إن الأحزاب السياسية، على اختلاف أنواعها وأيديولوجياتها، لا تمثل أفراد الشعب داخل المؤسسة التشريعية‏[57]، بل تعمل على ترجمة ثقافة الاختلاف التي تميز المجتمع المغربي على المستوى المؤسسي من أجل تأطير الاختلاف وصياغته في قالب إجماعي يحقق وحدة الأمة المغربية حول المؤسسة الملكية، وبالتالي الانسجام بين الراعي والرعية‏[58]. وهذا ما يفرغ المؤسسة التشريعية من مدلوليها الدستوري والسياسي في التعبير عن إرادة الأمة وتجريدها من ممارسة السلطة السياسية، كونها مجرد مؤسسة تعين الممثل الأسمى للدولة (إلى جانب الوزراء) على حمل أعباء الدولة ليس إلا. هذا التصور يفرغ الانتخابات، كآلية للتداول على السلطة السياسية، من مضمونها لتتخذ معنى يتمشى وخصوصية الثقافة السياسية بالمغرب، الذي يجعل مفهوم السلطة السياسية يتنافى مع أي ممارسة سياسية تتطلع إلى السلطة السياسية‏[59].

 

قد يهمكم أيضاً  مفارقات المشهد الديني المغربي: الملامح والمآلات

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الثقافة_السياسية_المغربية #المؤسسة_الملكية_في_المغرب #السيادة #المغرب#السيادة_في_المغرب #الشرعية_الديمقراطية_في_المغرب #الشرعية_الملكية_في_المغرب #الأحزاب_السياسية_ف_المغرب

المصادر:

(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 480 في شباط/فبراير 2019.

(**) محمد فؤاد العشوري: أستاذ باحث في كلية الحقوق، مكناس – المغرب.

البريد الإلكتروني: fouadelachouri@gmail.com

[1] يُعد المفكر الفرنسي جان بودا (Jean Boudin) أول من ابتكر فكرة السيادة. لقد أعطاها هذا المفكر معنى خاصاً يتجسد في شخص الملك الذي أصبح بمقتضاها بمثابة إمبراطور في مملكته.

[2] يجب التمييز في هذا الاتجاه بين سيادة الأمة التي كان مونتيسكيو (Montesquieu) وإيمانويل جوزيف سييس (Sieyès) من كبار منظريها اللذين أثرا بشكل ملحوظ في ثوار 1789 وسيادة الشعب التي جاء بها جان جاك روسو الذي كان من المدافعين الأشداء عنها لقيامها على مبدأ الاقتراع العام والشامل الذي يتجاوز الطابع الإقصائي، الذي كانت تقوم عليه نظرية سيادة الأمة، مكونة بذلك النواة الأولى لتجسيد الثقافة الديمقراطية.

[3] بهذا المعنى يقول جورج فيدال: «La Nation ( …) est muette et c’est l’assemblée qui s’exprime à travers elle»,

ورد في: Dominique Chagnollaud, Droit constitutionnel contemporain, tome1, théorie générale, les régimes étrangers histoire, 6ème éd. (Paris: Dalloz, 2009), p. 206.

[4]  Philippe Blachèr, Droit constitutionnel (Paris: Hachette, 2007), p. 44.

[5] الفصل 2 من دستور 2011.

[6] الفصل 24 من دستور 2011.

[7] Le Marquis Marie de Condorcet, après son élection à la constituante en 1791, confirmait cette exigence: «mandataire du peuple, je ferais ce qui je croirai le plus conforme à ses intérêts, Il m’a envoyé pour exposer mes idées, non les siennes»;

ورد في:          Patrick Fraisseix, Droit constitutionnel (Paris: Vuibert, 2013), p. 42.

[8] للتميز بين الشعب، كهيئة ناخبة والأمة انظر: François Borella, Eléments de droit constitutionnel (Paris: Presses de Sciences Po, 2008), p. 168.

[9] الفصل 42 من الدستور 2011.

[10] تنص المادة 52 من دستور 2011 على ما يلي: «للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان، ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما».

[11] انظر في هذا الموضوع: مصطفى قلوش، «قراءة جديدة لاختصاصات وصلاحيات المؤسسة الملكية على ضوء الفصل 19 وما يقرره الدستور بأكمله،» المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العددان 54 – 55 (2004)، ص 31، ومحمد أشركي، الظهير الشريف في القانون العام المغربي (الدار البيضاء: دار الثقافة، 1983)، ص 68.

[12] الحبيب الدقاق، العمل التشريعي للبرلمان، أية حكامة؟ (مقاربة نقدية في القانون البرلماني والممارسة التشريعة بالمغرب) (الدار البيضاء: مطبعة الأمنية، 2009)، ص 44.

[13] إن النصوص الدستورية لا تبيِّن الأسباب التي من أجلها يطلب الملك هذه القراءة الجديدة، الأمر الذي يخوله صلاحيات واسعة جداً في تكييف الأسباب التي تحدو به لاتخاذ هذا الإجراء.

[14] الفصل 50 من دستور 2011.

[15] الفقرة الثالثة من الفصل 174 من دستور 2011.

[16] إن تمثيل أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية داخل قبة البرلمان فيه انسجام كبير والفلسفة الوحدوية التي تعمل المؤسسة الملكية جاهدة على ترسيخها من خلال ثقافة الإجماع.

[17] إن نمط الاقتراع النسبي عن طريق أكبر البقايا، يعد أكثر الأنماط ديمقراطية لضرب الديمقراطية. إنه يجعل المؤسسات التمثيلية غير فاعلة لصعوبة انسجام مكوناتها، وبالتالي عدم تمكينها من القيام بمهامها الدستورية والتشريعية والسياسية. مهام تضطلع بها المؤسسة الملكية كراعية لثقافة الإجماع. انظر في هذا الاتجاه: محمد فؤاد العشوري، «معوقات الديمقراطية والتمثيلية بالمغرب،» مداخلة ألقيت بمناسبة اليوم الدراسي الذي نظّمته كلية الحقوق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2006 حول موضوع «الديمقراطية والتمثيلية».

[18] الفصل 42 من دستور 2011.

[19] محمد الساسي، «الملك يقدم الدستور: قراءة في العلاقة بين نص الخطاب الملكي لـ 17 يونيو 2011 ونص الدستور الجديد،» في: مجموعة من المؤلفين، الدستور الجديد ووهم التغيير (الرباط: دفاتر وجهة نظر، 2011)، ص 16.

[20] ينص الفصل 47 من الدستور على ما يلي: «للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة أن يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم».

[21] ينص الفصل 51 من الدستور على ما يلي: «للملك حق حل مجلسي البرلمان أو إحدهما بظهير، طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و97 و98».

[22] قام العاهل المغربي يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وتفعيـلاً لأحكام الفصل الأول من الدستور، وخاصة الفقرة الثانية منه، المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة ؛ باتخاذ مجموعة من التدابير والعقوبات، في حق عدد من الوزراء والمسؤولين السامين.

[23] لقراءة في هذا المعنى، انظر:     Blachèr, Droit constitutionnel, p. 42.

[24] ينص الفصل 42 من الدستور على ما يلي: «الملك […] رمز وحدة الأمة […]».

[25] لقراءة في هذا المعنى، انظر: Philippe Ardant, Institutions politiques et droit constitutionnel, 14ème éd. (Paris: LG.D.J., 2002), p. 169.

[26] لقراءة في نفس المعنى لخطاب فيليب أندريه أمام لجنة الدستور في عام 1946، ورد في: Charles Débbache et Jean-Marie Pontier, Introduction à la politique, 4ème éd. (Paris: Dalloz, 1995), p. 104.

[27] بحيث لا يمكن لرجال الدين (العلماء) أن يتدخلوا في الحقل السياسي ولا يمكن، في المقابل، لرجال السياسة أن يتدخلوا في الحقل الديني. في حين يحق للملك أمير المؤمنين أن يتنقل، بحرية مطلقة، بين الحقلين الديني والدنيوي لضمان احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وصيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات من أي انحراف محتمل. انظر في هذا الاتجاه: العشوري، «معوقات الديمقراطية والتمثيلية بالمغرب».

[28] للمزيد من المعلومات، انظر في هذا الاتجاه: محمد فؤاد العشوري، «مفهوم الملكية البرلمانية في النظام السياسي المغربي من خلال دستور2011،» في: عبد العزيز غوردو [وآخرون]، دستور 2011 بالمغرب: مقاربات متعددة (الرباط: منشورات مجلة الحقوق، 2012).

[29] Chagnollaud, Droit constitutionnel contemporain, tome1, théorie générale, les régimes étrangers histoire, p. 207.

[30] انظر في هذا الاتجاه، حسن طارق، الربيع والدستورانية: قراءة في تجارب المغرب، تونس، ومصر، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية؛ رقم 105 (الرباط: المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، 2014)، ص 120 – 136.

[31] المصدر نفسه، ص 133.

[32] انظر في هذا الاتجاه، أحمد بوز، «الاختيار الديمقراطي في الدستور المغربي الجديد،» ورقة قدمت إلى: الدستور المغربي الجديد على محك الممارسة: أعمال ندوة 18 – 19 نيسان/أبريل 2013، تنسيق عمرو بندورو [وآخرون]، (الرباط: مجموعة البحث في القانون الدستوري وعلم السياسة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، 2014)، ص 113 – 114.

[33] انظر في هذا الاتجاه الفقرة الثالثة من الفصل 47.

[34] انظر في هذا الاتجاه، عمر بندورو، «العلاقات بين السلط: فصل أم خلط في السلط؟،» دفاتر وجهة نظر، العدد 24 (2011)، ص 121.

[35] انظر في هذا الاتجاه: عبد العلي حامي الدين، «السلطة التنفيذية في مشروع 2011: من هيمنة المؤسسة الملكية إلى ضرورة تعايش مع رئيس الحكومة،» أخبار اليوم، العدد 480، ص 18.

[36] انظر في هذا الاتجاه: عبد الله حريف، «معارضو دستور محمد السادس»، الحياة (الرباط) (23 حزيران/يونيو 2011)، ص 9 .

[37] يرى بعض الباحثين المغاربة أنه بالرغم من تنصيص الفصل 49 على هذه المناصب فإنها تدخل في المجال الخاص برئيس الحكومة وبالتالي يجب التعيين فيها بمقتضى مرسوم وليس بظهير.

[38] انظر الفصل 49 من الدستور.

[39] انظر في هذا الاتجاه، عبد العالي حامي الدين، «التأويل الديمقراطي للدستور»، جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية، 2 آذار/مارس 2012.

[40] انظر في هذا المعنى: Fahd Iraqi, «Partage des pouvoir, la grande désillusion,» Telquel (25 fé­vrier 2012), p. 23,

ورد في: طارق، الربيع والدستورانية: قراءة في تجارب المغرب، تونس، ومصر، ص 117.

[41] انظر في هذا الاتجاه: الساسي، «الملك يقدم الدستور: قراءة في العلاقة بين نص الخطاب الملكي لـ 17 يونيو 2011 ونص الدستور الجديد،» ص 17.

[42] رقية المصدق، «وهم التغيير في مشروع الدستور الجديد،» في: مجموعة من المؤلفين، الدستور الجديد ووهم التغيير، ص 65.

[43] نظراً إلى حساسية المهام الموكولة إلى السلطة التأسيسية وحيويتها عمدت الأنظمة الديمقراطية إلى انتخابها من قبل الشعب حتى تعكس مطالب وتوجهات الرأي العام.

[44] الملك الحسن الثاني، خطاب 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1962.

[45] ينص «خطاب مارس 2011» على ما يلي: «عمـلاً بما رسخناه من انتهاج المقاربة التشاركية في الإصلاحات الكبرى، فقد قررنا تكوين لجنة خاصة لمراجعة الدستور، راعينا في اختيار أعضائها الكفاءة والتجرد والنزاهة […] وتلقي تصورات في هذا الشأن على أن ترفع إلى نظرنا السامي نتائج أعمالها في غضون شهر يونيو المقبل».

[46] للمزيد من التفصيل في هذا الباب انظر «خطاب 9 مارس 2011».

[47] على خلاف التوجه الملحوظ في «خطاب 9 مارس 2011»، بشأن الارتقاء بالمؤسسات المنتخبة ومنحها الوسائل التي تجعل منها مؤسسة فاعلة وفعالة، وسع دستور 2011 من صلاحيات المؤسسة الملكية على حساب المؤسسات المنتخبة في مجال السلطة التأسيسية.

[48] تعني الدولة معنيَين مختلفين لكن متكاملين:

– معنى واسع: الإقليم، الجماعة البشرية، السلطة السياسية.

– معنى ضيق: السلطة السياسية المالكة لوسائل الإكراه المادي، أي الحكام دون المحكومين. إنها بذلك شخص معنوي، متمتع بالسيادة لكن محدودة بالقانون (بالقاعدة القانونية).

إن الجماعة البشرية (الأمة) ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإقليم، أي المجال الذي يمارس الحكام سلطتهم السياسية في نطاقه وبالتالي فهي ترتبط بالسيادة. إن الدولة، كما يقول موريس هوريو (Maurice Hauriou)، «ظاهرة مجالية بالأساس»، بمعنى قد توجد أمة من دون إقليم، لكن لا يمكن تصور وجود دولة دون إقليم. إن الدولة بمعناها المجالي هي ذلك الوعاء الذي توجد به الأمة، التي هي عنصر أساسي في تكوينها من الناحية القانونية. من هذا المنطلق نعتبر أن دستور 2011، على خلاف ما يراه عدد من الباحثين المغاربة، باستعماله عبارة الممثل الأسمى للدولة بدل الممثل الأسمى للأمة، ارتقى بالعاهل المغربي إلى مستوى أعلى، وليس العكس.

[49] ينص الفصل 172 على ما يلي: «للملك أن يعرض مباشرة على الاستفتاء المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه».

[50] الفقرة الثالثة من الفصل 174 من الدستور.

[51] المصدق، «وهم التغيير في مشروع الدستور الجديد،» ص 66.

[52] الساسي، «الملك يقدم الدستور: قراءة في العلاقة بين نص الخطاب الملكي لـ 17 يونيو 2011 ونص الدستور الجديد،» ص 11.

[53] الفقرة الثالثة من الفصل 173 من الدستور.

[54] نظراً إلى طبيعة نمط الاقتراع المعمول به حالياً (التمثيل النسبي من طريق أكبر البقايا)، الذي يحول دون تمكين أي حزب من الحصول على الأغلبية، يكون تحقيق نصاب الثلثين من الشروط التعجيزية التي يستحيل استقاؤها.

[55] محمد الطوزي، «حقوقيو النظام: رد الاعتبار للمكانة السامية لمؤسسة أمير المؤمنين (إمارة المؤمنين بين الفهم الأصيل والتأويل الدخيل)،» ألوان مغربية، العدد 3 (تشرين الأول/أكتوبر – تشرين الثاني/نوفمبر 2004)، ص 15.

[56] يمثل هذا المبدأ (إقصاء الوسطاء) روح الثقافة الإجماعية التي رسخها الملك الراحل حسن الثاني في الثقافة السياسية المغربية القائمة على تركيز السلطة وتوحيدها في شخصه. في هذا الاتجاه يقول الحسن الثاني: «إن الصعوبة الرئيسية تكمن في تطبيق مقتضيات الدستور ومبادئ الملكية الدستورية دون أن تصبح المؤسسات الدستورية مثل البرلمان أو الجهاز التنفيذي بمثابة حجاب بين الملك والشعب […] فما دام لا يوجد رابط بين الملك وشعبه، فإن التيار لن يمر حينئذ…». انظر: انبعاث أمة، العدد 26، عام 1981، ص 364.

[57] محمد معتصم، الحياة السياسية المغربية، 1962 – 1991 (الدار البيضاء: مؤسسة إيزيس للنشر، 1992)، ص 122.

[58] يرى محمد ضريف أن مهام الملك – أمير المؤمنين، تتحدد في وظيفتين مركزيتين هما: وظيفة سياسية تتمثل بإدارة الاختلاف السياسي، وهذه الوظيفة تستوجب السماح بالتعددية الحزبية؛ ووظيفة دينية تتجسد في «حفظ الوحدة الدينية للأمة…»، انظر: محمد ضريف، المغرب في مفترق الطرق: قراءة في المشهد السياسي (الدار البيضاء: منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، 1996)، ص 71 – 72، الأمر الذي يجعل «التعددية الحزبية في المغرب ليست إلا واجهات متعددة لتوجه سياسي واحد» (ص 9).

[59] أقنوش زكريا، «قراءة في المهمة المرغوبة من الأحزاب السياسية في النسق السياسي المغربي،» ضمن ملف: «تجديد السلطوية بالقواعد الديمقراطية: قراءة في انتخابات شتنبر 2007،» وجهة نظر، العددان 33 – 34 (صيف – خريف 2007)، ص 31.

 


محمد فؤاد العشوري

أستاذ باحث في كلية الحقوق، مكناس- المغرب.

مقالات الكاتب
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز