مدخل:

تكونت في العقد الأخير رؤية أوسع لاتجاهات كفاح الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق التحرر الوطني، وتشمل هذه الرؤية مروحة واسعة من اتجاهات العمل السياسية الدبلوماسية، والكفاحية الميدانية، والاقتصادية، والقانونية، والإعلامية والمعرفية التي يشارك بها قطاعات الشعب الفلسطيني كافة في جميع أماكن وجوده في مختلف أرجاء العالم، وبمشاركة ودعم من جانب مناصري الشعب الفلسطيني وحركات التضامن معه في العالم[1].

على الجبهة القانونية اتخذ الكفاح الفلسطيني شكل العمل لإصدار قرارات متتالية من الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية لم تجد حظها في التنفيذ على الأرض بسبب الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل. في المقابل هنالك جبهة قانونية واسعة مفتوحة أمام الشعب الفلسطيني تتمثل بتقديم قضايا عينية أمام القضاء الدولي وقضاء دول تسمح قوانينها بذلك، وهي جبهة لا تزال تمثل أرضًا بكرًا لم تفلح بعد إلّا ببعض القضايا مثل قضية جدار الفصل العنصري الذي صدر رأي استشاري بشأنه من محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2003، ولم يجد هذا القرار طريقه إلى التنفيذ أيضًا، بينما هنالك سوابق دولية لقضايا رفعت أمام القضاء البريطاني وحققت النجاح، وذلك من جانب شعب جزيرة تشاجوس القريبة من جزر الموريشيوس ومجموعة الماو ماو في كينيا، وقضية السيدة القبرصية لويزيدو ضد الحكومة التركية لاستعادة أملاكها التي أصبحت في شمال قبرص بعد الاحتلال التركي لها والتعويض عنها، وغيرها التي يمكن الاستناد إليها في تنظيم كفاح قانوني فلسطيني مؤثر وفعال. ولعل إحدى القضايا التي لم تفلح بعد تتعلق بجريمة تصريح بلفور لعام 1917، وكل ما تلاه من جرائم بريطانية وصهيو- أمريكية بحق الشعب الفلسطيني ما زالت مستمرة حتى اليوم. ولربما يجدر التساؤل لماذا لم تجد هذه القضايا طريقها إلى التقديم وتحقيق النجاح فيها عبر التوجه لأنظمة القضاء في الدول المعنية؟

يهدف هذا العرض لبحث قضية تصريح بلفور كحالة دراسية يمكن أن تساهم في تعزيز الكفاح القانوني الفلسطيني تجاه كل قضايا الشعب الفلسطيني، كما يهدف إلى اقتراح سياسات ذات طابع سياسي وقانوني للتعامل مع الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني من جراء إصدارها تصريح بلفور عام 1917، وهو ما تسبب في نكبة مستمرة للشعب الفلسطيني حتى اليوم، حيث تم تأكيد تصريح بلفور في ما سمّي قانون القومية الإسرائيلي الذي صدر عام 2018، وفي صفقة القرن الأمريكية التي أعلن شقها الاقتصادي في حزيران/يونيو عام 2019، وشقها السياسي في كانون الثاني/يناير عام 2020.

هذه الوثائق كلها تعطي حقًا جماعيًا حصريًا لليهود بممارسة حقوق قومية في فلسطين، بينما لا تتعدى حقوق غير اليهود بحسب هذه الوثائق الحقوق الفردية والدينية. ينحصر البحث في هذا الهدف، ولا يتعداه إلى تقديم الجرائم التي ترتبت عن تصريح بلفور، فقد كتبت دراسات كثيرة عن ذلك وعن تبعات التصريح المذكور، كما تكررت الكتابة عنه بغزارة في عام 2017، في الذكرى المئوية لصدور تصريح بلفور، ومن هذه الدراسات ثلاثة متسلسلة للباحث القانوني الفلسطيني كمال قبعة نشرها في إعداد مجلة شؤون فلسطينية، وهي تعالج الجوانب التاريخية والآثار القانونية والسياسية والاقتصادية التي ترتبت على تصريح بلفور ضد الشعب الفلسطيني، كما تطرح بعض السوابق الدولية التي يمكن الاستناد إليها لمقاضاة بريطانيا في شأن تصريح بلفور، وورقة كتبها جوني عاصي في العام نفسه توضح أيضًا بعض الجوانب القانونية لمقاضاة بريطانيا وسوابق دولية أخرى يمكن الاستناد إليها، ومقالة عيسى قراقع عن الأسرى في عهد الانتداب البريطاني، ومؤتمر عقده مركز الزيتونة في بيروت وكان من المشاركين فيه أنيس فوزي القاسم، ومؤتمر عقدته مؤسسة الدراسات الفلسطينية وحرره ماهر الشريف ليصدر عام 2019، وهنالك دراسات سابقة مثل دراسة لوليد سالم أعدت عام 2006 عن قضية تعويض اللاجئين الفلسطينيين في إطار تحقيق حق العودة، ودراسة غيش عميت عن نهب الممتلكات الثقافية الفلسطينية عام ٢٠١٥، كما تم إطلاق «مشروع بلفور» من جانب القنصل البريطاني السابق في القدس فينسنت فين، وقبل كل هذه نشط الباحث السوري جورج جبور في العمل السياسي والدعاوي من أجل تجريم تصريح بلفور منذ عقود.

هنالك أيضًا دراسات حول جرائم الانتداب البريطاني بحق الإعلام والمكتبات ودور النشر والباحثين والكتاب وما ترتب عنه من حرق ونهب لعشرات الألوف من الكتب الفلسطينية عام 1948.
يهدف هذا العرض، بشكله المقدم اليوم، إلى تقديم إطار مقترح للمحامين ولجان التضامن والضغط يساعد على البدء بتقديم قضايا بما ترتب عن تصريح بلفور من خروق بريطانية وصهيونية وأمريكية للقانون الدولي في وقت صدوره وحتى اليوم، وكذلك بما ترتب عن التصريح من جرائم ضد الشعب الفلسطيني في المجالات كافة من هذه الأطراف الثلاثة.
من جهة أخرى يجب النظر إلى هذا العرض على أنه لا يمثل سوى مقدمة لعمل قانوني طويل المدى، وذلك لسببين: الأول، أن هذا العرض لا يغني من ضرورة قيام فريق بحثي بجمع الحيثيات والتفاصيل من الأدبيات المنشورة وكذلك من الأرشيفات العثمانية والبريطانية والصهيونية والعربية، وكذلك من الميدان عن كل الجرائم السياسية، والاقتصادية، والمعرفية، وإلإعلامية، والقانونية والميدانية التي ارتكبها الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية التي ترعرعت تحت ظلاله بحق كل قرية ومدينة وحي فلسطيني، وارتكبتها لاحقًا دولة إسرائيل التي جاءت نتاجًا لتصريح بلفور، وكذلك ما ارتكبته الولايات المتحدة الأمريكية الراعية الثانية لإسرائيل والصهيونية بعد بريطانيا. السبب الثاني، أنه لن يكون هنالك بد من قيام فريق قانوني بجمع شهادات من الأفراد بأكبر قدر ممكن وعلى مدى سنوات طويلة تستمر خلالها عملية رفع القضايا .
ربما يقتضي هذان الأمران وجود مؤسسة يشارك بها قانونيون ومؤرخون وأساتذة في السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والثقافة والإعلام تقوم على رعاية هذا الجهد وتنظيمه واستدامته لمحاكمة الاستيطان الاستعماري في فلسطين والدولتان الكبريان الأم له وهما أمريكا وبريطانيا.

أولًا: الخروقات القانونية لتصريح بلفور

لا يزال هنالك مغزى مهم اليوم لمقاضاة بريطانيا أمام المحاكم الفلسطينية والدولية في شأن تصريح بلفور، ومحاكمة الصهيونية وأمريكا على جرائمهم أيضًا بحق الشعب الفلسطيني، حيث يَعِد هذا التصريح القاضية بحقوق قومية حصرية لما سمي «الشعب اليهودي» بينما تقتصر حقوق «الطوائف غير اليهودية»، كما سميت، على الحقوق المدنية والدينية تمثل أساس المشكلة، حيث إنها ما زالت سارية حتى اليوم كما أسلفنا وتكررت في قانون القومية الإسرائيلي لعام 2018، وفي صفقة القرن الأمريكية (خطة السلام من أجل الازدهار) عام 2020. فبمحاكمة تصريح بلفور ودحض فحواه إذًا تتم أيضًا محاكمة صفقة القرن وكل الصفقات التي لا تعترف بالحقوق القومية للشعب الفلسطيني في أرض وطنه.
لقد خرقت الحكومة البريطانية بإصدارها تصريح بلفور الاتفاقيات والمواثيق التالية:

1 – وثيقة مراسلات حسين – مكماهون لعام 1915 التي اعتبرت البلاد العربية أهلًا للاستقلال. ولا سيما رسالة مكماهون للشريف حسين في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1915 حول حدود الدولة العربية، حيث استثنت هذه الرسالة من تلك الحدود «أجزاء من بلاد الشام الواقعة في الجهة الغربية لولايات دمشق وحمص وحماة وحلب لا يمكن أن يقال إنها عربية محضة، وعليه يجب أن تستثنى من الحدود المطلوبة» كما جاء في الرسالة[2]. وبما أن فلسطين تقع جنوب الولايات المذكورة وليس إلى غربها كما ادعت بريطانيا، وبالتالي تكون فلسطين غير مستثناة من وعد مكماهون للشريف حسين.

2 – تقرير بعثة كينغ كرين الأمريكية لسورية لعام 1919 التي رفضت تصريح بلفور وطالبت باستقلال فلسطين كجزء من استقلال كل سورية، واتهمت الصهيونية بالسعي للسيطرة على كامل فلسطين وترحيل أهلها الأصليين[3].

3 – المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم المتحدة الذي أقر في مؤتمر فرساي عام 1919، التي نصت على الحق في الاستقلال لكل الولايات العربية التي كانت خاضعة سابقًا للحكم العثماني، على أن يتم إرشاد هذه الولايات وحكوماتها من جانب دولة منتدبة تختارها كل ولاية منها وفق مشيئتها. وتقوم الدولة المنتدبة بتقديم الإرشاد والمساعدة للولاية المحددة إلى أن يحل الوقت الذي تصبح فيه تلك الولاية قادرة على حكم نفسها بنفسها. وقد أشار عوني عبد الهادي في شهادته أمام لجنة بيل عام 1937 إلى خرق بريطانيا لكل الجوانب الأربعة لهذا النص، فهي قد فرضت انتدابها على فلسطين من دون موافقة مسبقة من أهاليها عبر آلية الاستفتاء، كما أن بريطانيا لم تقدم النصح والإرشاد للشعب الفلسطيني ليصبح قادرًا على حكم نفسه بنفسه، بل تولت رعاية إقامة «وطن قومي لليهود» على حساب الشعب الفلسطيني، كما أنها منعت السماح بتشكيل حكومة وطنية فلسطينية تقوم بإرشادها وقامت بدلًا من ذلك بمهمة الحكم مباشرة في فلسطين من خلال إدارة انتدابية بريطانية وبالتعاون مع الوكالة اليهودية في ما يخص تطور المجتمع اليهودي في فلسطين وتسهيل الهجرة اليهودية. وأخيرًا لم تراعِ بريطانيا أماني الشعب الفلسطيني، ولم تأخذ رأيه بشأن مستقبل بلاده[4].

4 – المادة 20 من ميثاق عصبة الأمم التي نصت على واجب الدول الأعضاء في العصبة إلغاء كل الاتفاقيات والتفاهمات السابقة والتي تتناقض مع مواد ميثاق عصبة الأمم.

5 – قيام بريطانيا بتضمين تصريح بلفور في وثائق دولية بطريقة خادعة، وذلك في تناقض مع المادتين 20 و22 من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك مثل اتفاقية سان ريمو سنة 1920، وما تلى ذلك من تضمين التصريح في نص صك الانتداب الذي صدر عن عصبة الأمم المتحدة تموز/يوليو 1922، وهو ما رفع التصريح من مستوى الإعلان إلى مستوى الوعد الهادف للتنفيذ على الأرض. وقد قامت بريطانيا بإصدار صك الانتداب بنفسها، حيث قال السير إريك دريموند الأمين العام لعصبة الأمم المتحدة آنذاك للحاج أمين الحسيني عندما قابله: «إن الحكومة البريطانية هي التي وضعت الصك وليست عصبة الأمم» ثم فرضت الصك على بقية الدول المشاركة في العصبة في تناقض مع ميثاقها[5]. هذا ولم تتم أيضًا مصادقة البرلمان البريطاني بمجلسيه: اللوردات والعموم على صك الانتداب، حيث تراجعت الحكومة البريطانية حينذاك عن عرض الصك على المجلسين خشية منها أن مجلس العموم سيرفض الصك[6].

6 – تناقض تصريح بلفور مع اتفاقية لوزان التي وقعت يوم 24 تموز/يوليو 1922، حيث قبلت من خلالها تركيا، التي كانت صاحبة الولاية السابقة على فلسطين، بالانتداب البريطاني على فلسطين لتهيئتها للاستقلال وليس لتطبيق وعد بلفور على أراضيها[7].
إضافة إلى النقاط أعلاه أكد الجنرال اللنبي للوفد العربي أثناء زيارته له في بيته في لندن عام 1922 أن فلسطين كانت مشمولة في تعهد مكماهون – الشريف حسين بوصفها جزءًا من البلاد العربية المؤهلة للاستقلال[8]. لهذا فإن تصريح بلفور وصك الانتداب قد خرقا القانون الدولي الذي كان قائمًا في حقبتهما، كما أن ميثاق عصبة الأمم كوثيقة عامة يجبهما.

تفيد هذه النقاط أن بريطانيا كانت مجردة من أي سند قانوني دولي لتصريح بلفور، وبالتالي فإن كل ما قامت به بناءً على هذا التصريح هو خرق فاضح للقانون الدولي يتطلب مقاضاتها عليه.
وقد قال جمال الحسيني أمام لجنة بيل بأن «الوعد سينفذ بالرغم من أنه أصبح لاغيًا حسب عصبة الأمم، لأن الوعد المذكور مناقض كل المناقضة لعهد عصبة الأمم، ولا سيما المادتين 20 و 22»[9]. يترتب على كل ما سبق أن تصريح بلفور، الذي أصبح لاحقًا وعدًا تنفيذيًا، قد استند في تطبيقه إلى حق القوة، لا قوة الحق، فلم يكن من حق بريطانيا أن تعطي أرض شعب لا تملكها إلى جهة أخرى، ولكن قوانين الاستعمار غير الشرعية وموازين القوى لمصلحتها هو ما مكنها من فرض إرادتها بما في ذلك على عصبة الأمم المتحدة.
خلف تصريح بلفور معضلة كبرى لا تزال تنتصب أمامنا حتى اليوم وهي اعتباره لفلسطين بلدًا للحقوق الجماعية لشعب واحد فقط سمي الشعب اليهودي.

ثانيًا: ظروف صدور تصريح بلفور

عشية الانتصار في الحرب العالمية الأولى، قررت بريطانيا وفرنسا اقتسام الولايات التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، فكانت بينها اتفاقية سايكس – بيكو السرية عام 1916، التي شارك فيها نظام روسيا القيصري، وظلت سارية المفعول إلى أن كشف البلاشفة عن هذه الاتفاقيات بعد ثورة 1917. تضمنت اتفاقية سايكس – بيكو المناقضة لتعهدات مكماهون للشريف حسين عام 1915 اعتبار فلسطين منطقة دولية، وهو ما تجاوزته بريطانيا عام 1917 بإصدارها لتصريح بلفور في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917 لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مستندة إلى الدعم الأمريكي الذي حصلت عليه بهذا الخصوص. فقد صدر تصريح بلفور بعد أن تم الحصول على موافقة الرئيس الأمريكي ويدرو ويلسون على مسودته يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1917، ودعا ويلسون إلى إقامة «كومنولث يهودي» في فلسطين[10]. وكانت القوات البريطانية قد بدأت عملية احتلالها لفلسطين قبل صدور تصريح بلفور، حيث تم احتلال بئر السبع من جانب الجنرال إدموند أللنبي قادمًا من مصر يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر عام 1917.

واحتلت غزة ويافا في تشرين الثاني/نوفمبر 1917، واحتلت القدس يوم 9 كانون الأول/ديسمبر 1917، وأعلن الجنرال أللنبي من قلعة صلاح الدين في المدينة الأحكام العرفية عليها (لنلاحظ رمزية اختيار قلعة صلاح الدين لهذا الأمر). أما القسم الشمالي من فلسطين كنابلس وعكا وحيفا فقد دخلها الإنكليز بين أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر عام 1918، وبهذا استكمل احتلال الإنكليز لفلسطين[11].

هدف الاحتلال الإنكليزي لفلسطين إلى مساعدة اليهود على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك انطلاقًا من معتقدات دينية أنجليكانية نشأت في بريطانيا منذ القرن السادس عشر حينما انشق الملك هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية، ومنذ ذلك الحين انتشرت في بريطانيا أفكار تؤمن بحق اليهود في فلسطين، تبناها إيرل شافتسبري على سبيل المثال وسواه في القرن التاسع عشر، كما تبنتها جمعيات نشطت في فلسطين مثل صندوق اكتشاف فلسطين منذ القرن التاسع عشر لإيجاد أماكن المواقع المذكورة في التوراة فيها. إضافة إلى ذلك تولت القنصلية البريطانية مسألة «حماية اليهود في فلسطين» منذ نشأتها في القدس عام 1938، ودخلت في هذا الإطار بمنافسة (وأحيانًا تعاون بناءً على اتفاقيات مشتركة) مع القنصلية الألمانية التي تبنت أيضًا اليهود، بالتوازي مع تبني فرنسا لحماية الكاثوليك وتولي روسيا مسؤولية حماية الأرثوذكس في الأراضي المقدسة. وقد استمر هذا التوجه البريطاني كجزء من النظام السياسي حتى القرن العشرين، فقد كان رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج ووزير خارجيته آرثر بلفور عند صدور تصريح بلفور أفنجليكانيين، يحملان ذات معتقدات بعض السياسيين الإنكليز من سابقيهم التي تستند إلى تفسير معين للمسيحية يقول بضرورة تجميع كل يهود العالم في أرض فلسطين (منظورًا إليها على أنها أرض إسرائيل) تمهيدًا لنزول المسيح من السماء لهدايتهم للمسيحية وذبح من لا يقبل منهم بذلك، حيث يسود بعدها ألف عام من السلام[12]، وبسبب هذه المعتقدات جاء تصريح بلفور ليقضي بحقوق قومية لليهود في فلسطين وحقوق مدنية ودينية لسواهم في وقت لم يكن فيه اليهود في فلسطين يمثلون أكثر من 5 بالمئة من سكان فلسطين[13].  وقد اعترف بلفور بحقيقة ارتباطه والقوى الكبرى بالصهيونية ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، وعلى نحوٍ عقيدي، كما بينت وثائق بريطانية تم الكشف عنها عام 1952 وتعود إلى الحقبة بين 1919 – 1931، حيث نسبت الوثائق لبلفور قوله:
«إن القوى الأربع الكبرى ملتزمة بالصهيونية، وسواء كانت الصهيونية على حق أم على باطل، جيدة أم سيئة، فإنها متأصلة الجذور في الثقافة القديمة العهد وفي الحاجات الحالية وفي آمال المستقبل، وهي ذات أهمية تفوق كثيرًا رغبات وميول السبعمئة ألف عربي الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة»[14].

ثالثًا: تطبيق تصريح بلفور

خضعت فلسطين للحكم العسكري البريطاني لمدة تقارب 3 سنوات امتدت من 31/10/1917 وحتى 7/1/1920 حين تم التحول إلى الحكم المدني وتم تعيين السياسي اليهودي البريطاني هربرت صموئيل ليكون المندوب السامي البريطاني الأول على فلسطين.
تبنت الإدارة البريطانية على فلسطين فورًا موضوع إقامة الوطن القومي اليهودي، فخلال فترة الحكم العسكري وصلت إلى فلسطين بعثة يهودية برئاسة حاييم وايزمن للتنسيق مع الإدارة العسكرية بشأن هجرة اليهود من أوروبا الشرقية وروسيا إلى إسرائيل[15].

وفي عهد هربرت صموئيل أُرسيت السياسات لإنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين بحيث شملت السماح بهجرة 16500 يهودي إلى فلسطين سنويًا، وإصدار قانون للأراضي في أيلول/سبتمبر 1920، شمل تشكيل لجنة للأراضي لتسهيل عمليات بيع الأراضي لليهود، واعتبار اللغة العبرية لغة رسمية في البلاد، ومنح امتيازات الكهرباء لشركة روتنبرغ الصهيونية، وكذلك منح اليهود مشروع استخراج البوتاس من البحر الميت[16]. أدى الانتداب البريطاني إلى سلخ فلسطين عن وطنها الطبيعي سورية، وظلت الحركة الوطنية في القدس ويافا ونابلس وحيفا وسواها حتى عام 1920 تطلق عليها إسرائيل سورية الجنوبية. لذلك فإن إحدى أهم جرائم الانتداب الواجب إضافتها تتمثل بتمزيق بلاد الشام وضرب الدولة العربية الواحدة التي وعد مكماهون – الشريف حسين بإنشائها عام 1915.
في عام 1920 احتلت فرنسا كلًا من سورية ولبنان وذلك بناءً على اتفاق سان ريمو في ذلك العام، وبهذا تكرس تمزق الشام. لذلك بدأت الحركة الوطنية في فلسطين[17]، رافعة شعارات خاصة بفلسطين هي: إنهاء الانتداب وإنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس تشريعي، ووقف الهجرة، ووقف بيوع الأراضي. هذا ولا تزال هذه المطالب من دون تحقيق بدرجة معينة حتى اليوم حيث يصادر الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية ويجلب إليها المستوطنين المستعمرين في الأراضي المحتلة عام 1967 برعاية أمريكا الدولة الأم الثانية للمشروع الاستيطاني الاستعماري بعد أن غابت شمس الدولة الأم الأولى ممثلة بالإمبراطورية البريطانية مع حلول منتصف القرن الماضي.

حققت الصهيونية ما أرادت بإقامة دولة إسرائيل عام 1948 وذلك بدعم من بريطانيا التي أعطت للمنظمة الصهيونية العالمية ثم للوكالة اليهودية دور المنفذ للهجرة اليهودية والسيطرة على الأراضي وبناء المستعمرات، كما قامت بريطانيا بتدريب قوات «الهغاناه» الصهيونية وقمعت بالحديد والنار هبات وثورات 1920، 1921، 1929، 1933، و1936 – 1939، مستخدمة قصف مناطق بالطائرات كأحياء في يافا، وعملياتٍ إعدام وقتل واعتقال وتشمل الدراسات الثلاثة للباحث كمال قبعة، التي تتبع في هذا الملف جردًا بكل ما ارتكبته بريطانيا من جرائم، بما يشمل القضايا السياسية وكذلك جرائمها بحق الاقتصاد الفلسطيني، كما أن مقالة عيسى قراقع المرفقة تغطي عمليات الأسر والتعذيب التي قامت بها بريطانيا آنذاك في فلسطين.
أما على الجانب الفلسطيني فقد استطاع الفلسطينيون بكفاحهم تحريك بند الحقوق المدنية والسياسية الوارد في تصريح بلفور (ولاحقًا في صك الانتداب عام 1922) ليصبح حول تحقيق حقوق سياسية لهم، لذا نجد وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرتشل يعرض كتابه الأبيض عام 1922 متحدثًا عن «وطن قومي لليهود في فلسطين» وليس عن جعل فلسطين «الوطن القومي لليهود»، كما أشار أن وطن اليهود القومي في فلسطين مخطط ليكون مثالًا لاعتزاز اليهود في العالم به، وليس مقدمة لإنشاء دولة يهودية[18].

ورغم أن كتاب تشرتشل الأبيض حاول تهدئة الفلسطينيين بأن وطن اليهود القومي لن يشمل كل بلادهم فقد رفضوه لتضمنه فكرة إقامة وطن قومي لليهود ظلمًا على جزء من بلادهم.
وكما جلبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 اعترافًا إسرائيليًا بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، فإن ثورة 1936 قد تمخضت عن كتاب أبيض بريطاني في 17 أيار/مايو 1939، يرفض تقسيم فلسطين إلى دولتين كما اقترحت لجنة بيل البريطانية عام 1937 [19]، ويطرح إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل تراب فلسطين بعد فترة انتقالية من 10 سنوات بحيث يتشارك العرب واليهود في الحكم كل حسب نسبته من عدد السكان، على أن يهاجر إلى فلسطين خلال السنوات الخمس الأولى من المرحلة الانتقالية 100 ألف مهاجر يهودي جديد، وتكون هجرة اليهود في فترة الخمس سنوات التالية من المرحلة الانتقالية مشروطة بالموافقة العربية[20]. وقد أدى اندلاع الحرب العالمية الأولى في أيلول/سبتمبر 1939 إلى منع انعقاد جلسة عصبة الأمم المتحدة للمصادقة على الكتاب الأبيض مما أدى لطويه نهائيًا[21].
خلال فترة الحرب نشطت الحركة الصهيونية في فلسطين باستكمال بناء مؤسسات الدولة بغض نظر من الانتداب البريطاني بحيث تشكلت «دولة داخل دولة»[22].  وبدأت بمهاجمة القوات البريطانية لإخراجها من «دولتها»، في وقت أوصت فيه لجنة تحقيق أنجلو – أمريكية سنة 1946 بدخول 100 ألف يهودي إلى فلسطين[23].

وظلت الأوضاع تتدهور بعد ذلك بحيث أعلنت بريطانيا تحويل ملف فلسطين إلى الأمم المتحدة، فكان أن صدر قرار التقسيم رقم 181 في 29 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1947، حيث امتنعت بريطانيا عن التصويت واقفة بذلك ضد الموقف الفلسطيني والعربي الذي رفض القرار[24]. هذا وقد انسحبت بريطانيا من فلسطين بشكل مفاجئ بالنسبة للفلسطينيين «ولم تعط الفلسطينيين أي فرصة حتى آخر لحظة لأن يمتلكوا أي مقومات للدفاع عن أنفسهم.  بينما كانت قد انسحبت من المناطق اليهودية قبل ستة شهور تاركة للصهاينة الكثير من السلاح والعتاد ومعسكرات الجيش البريطاني المجهزة، وأهمها خط تحصينات أيدن في شمال شرق البلاد الذي كان مجهزا لصد أي هجوم ألماني أثناء الحرب العالمية الثانية»[25]. النتيجة من أعلاه واضحة، راوغت بريطانيا مع الفلسطينيين بالوعود بتلبية أمانيهم، وأن وطن اليهود القومي لن يكون على حسابهم وأنه لن تقوم هنالك دولة يهودية في فلسطين. قامت بريطانيا بذلك تحت الضغط الفلسطيني الكفاحي والتفاوضي، ولكنها أثبتت في النهاية أنها لم تكن تعني ما تقول بهذا الخصوص، فاهتمامها الرئيس كان يدور حول إقامة دولة لليهود في فلسطين تحت ستار التلاعب الكلامي حول مجرد وطن قومي لليهود فيها، فهذا الوطن عنى دولة في النهاية قامت على 78 بالمئة من فلسطين عام 1948 وتمددت إليها كلها في عدوان عام 1967.

رابعًا: هل اعتذرت بريطانيا عن تصريح بلفور؟

يشير جورج جبور إلى تصريح لوزير الخارجية البريطاني جاك سترو في 16 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2002 حيث قال عن تصريح بلفور أنه لم يكن مشرفًا جدًا[26]. ولكن بريطانيا قامت بالاحتفال بالتصريح بعد مرور مئة عام على صدوره وعبرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي في حينه عن الفخر بهذا التصريح، هذا بينما أصدرت الحكومة البريطانية تصريحًا في 12 نيسان/أبريل 2017 للرد على حملة تواقيع بادر إليها مركز العودة في لندن يطالبها بالاعتذار عن التصريح، ومما ورد في بيان الحكومة البريطانية أنها تدرك أن الإعلان (بلفور) كان ينبغي أن يدعو إلى حماية الحقوق لجميع الطوائف في فلسطين ولا سيما حق تقرير المصير، ولكن بيان الحكومة البريطانية ترك تحقيق حق تقرير المصير ليأتي نتاجًا لمفاوضات السلام بين الطرفين[27]. هذا وكان جورج جبور قد دعا بريطانيا للاعتذار عن الوعد منذ عام 2002، كما دعا الأمم المتحدة لعقد جلسة للنظر في مدى شرعية صك الانتداب، ويقول إنه وصلته رسالة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر السفارة الفلسطينية في دمشق يعده فيها بطرح مسألة اعتذار بريطانيا عن تصريح بلفور في القمة العربية التي عقدت في نواكشوط في تموز/يوليو 2016 وذلك ما كان [28].

وقد كان الرئيس عباس قد استبق القمة العربية بطرح ضرورة اعتذار بريطانيا عن تصريح بلفور والنكبة التي ترتبت عنها وكان ذلك خلال خطابه في الذكرى الـ 69 للنكبة، في 15 أيار/مايو  2016. وفي العام نفسه اجتمع وزير خارجية فلسطين رياض المالكي مع وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون في ذلك الوقت، حيث طالب المالكي جونسون بإصدار وعد جديد ينهي الوعد السابق قبل 100 عام بحيث تلتزم بريطانيا من خلال الوعد الجديد بتحقيق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة والاعتراف بتلك الدولة، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لبحث تأثيرات تصريح بلفور على فلسطين خلال المئة سنة منذ صدوره[29].

السؤال الذي يمكن أن يثار هنا هو ماذا جرى بشأن هذه اللجنة منذ ذلك الحين، ربما من المناسب التوجه بسؤال إلى وزارة الخارجية الفلسطينية بهذا الخصوص، علما أن الاحتفال البريطاني بتصريح بلفور عام 2017 قد يكون جمد عمل هذه اللجنة، والسؤال اليوم ربما يكون حول ما إذا كانت هنالك فرصة لإعادة إحيائها. هذا وقد قدم السيد منيب ربيح المصري دعوة أمام القضاء الفلسطيني في مدينة نابلس لمقاضاة بريطانيا حول إصدارها لتصريح بلفور وآثاره في تشرين الأول/أكتوبر 2020، وهي ربما تكون أول محاولة فلسطينية لمقاضاة بريطانيا، ولم يصدر القرار القضائي بهذا الخصوص حتى لحظة إنهاء هذه الورقة.

خاتمة: مساران قانونيان غير متناقضين

من الأدبيات المتوافرة يجد المرء طريقين للعمل القانوني على تصريح بلفور وما ترتب عليه، أشار إليهما جوني عاصي في ورقته المذكورة أعلاه. الأول ينطلق من الطعن في تصريح بلفور على أنه غير شرعي لأنه مجرد تصريح وحتى لو تم تضمينه لاحقًا في صك الانتداب عام 1922، وهو ما ذهب إليه القانوني الفلسطيني هنري قطان في كتابه فلسطين والقانون الدوليّ (1976)[30]، أما الثاني فيرى أن تصريح بلفور قد أصبح وثيقة قانونية دولية رسمية بعد تضمينه في صك الانتداب، وهو ما ذهب إليه كل من توماس وسالي ماليسون في كتابهما، القضيّة الفلسطينيّة في القانون والنظام الدوليّين (1986)[31]، حيث استخلصا أنه سيكون من غير المجدي الطعن بالتصريح، ولكن سيكون مجديًا الطعن في طريقة تطبيق بريطانيا له من جهتين: الأولى: قيام بريطانيا بتحويل مقولة «وطن قومي لليهود في فلسطين» الواردة في التصريح إلى جعل فلسطين «الوطن القومي لليهود»  وبالتالي إلى مكان لإقامة الدولة اليهودية. والثانية: الاجحاف الذي قامت به بريطانيا تجاه «الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين» كما سماها التصريح حيث لم تحفظ بريطانيا هذه الحقوق لهذه الطوائف في بلادها، بل إنها مهدت السبيل للصهيونية لتقوم بتدمير القرى والمدن الفلسطينية وطرد أغلبية الشعب الفلسطيني من أرضه بما لم يبق أي إمكان لتحقيق الحقوق المدنية والدينية حيث كانوا يقيمون كما وعد بذلك تصريح بلفور. وقد تبنى القانوني الفلسطيني أنيس فوزي قاسم الطرح الثاني هذا في مداخلة له في مؤتمر عقده مركز الزيتونة في بيروت عام 2017 بمناسبة مئوية تصريح بلفور، وانتقد قاسم السلطة الوطنية الفلسطينية لطلبها الاعتذار من بريطانيا عن تصريح بلفور، وطالب بدلًا من ذلك بمقاضاة بريطانيا على انتهاكها للتصريح بدعمها إقامة دولة يهودية بدل وطن قومي وبإخلالها بالحقوق المدنية والدينية لغير اليهود في فلسطين[32].

وأيًا كان الرأيان أعلاه، فإن هنالك طريقًا ثالثًا بينهما اشتقته القيادات الفلسطينية في مداخلاتها أمام لجنة بيل الملكية البريطانية عام 1937، حيث ركزت تلك القيادات من جهة على خرق تصريح بلفور وصك الانتداب الذي تضمنه للقانون الدولي ولميثاق عصبة الأمم المتحدة وللاتفاقيات الواردة في القسم الأول من هذه الورقة. من جهة أخرى ركزت تلك المداخلات على خرق بريطانيا لتصريح بلفور وصك الانتداب خلال انتدابها على فلسطين، بحيث تحول «وطن قومي» إلى «فلسطين الوطن القومي لليهود» وتم خرق تعهدات بريطانيا لغير اليهود، تقترح هذه الورقة استخدام هذا الطريق الثالث في دعاوانا لمقاضاة بريطانيا عن جريمة إصدار تصريح بلفور، ومقاضاتها وأمريكا والصهيونية وإسرائيل عن كل تبعات تنفيذه في فلسطين.
لا يغني المسار القانوني بالطبع عن مسارات أخرى لا بد أن تترافق معه، منها مثلًا المسار السياسي والدبلوماسي مترافقًا مع الضغط الشعبي من جوالي فلسطين في العالم وغيره من المسارات لإقناع الحكومة البريطانية وغيرها من الحكومات الغربية للاعتراف بدولة فلسطين وتبني قيامها على الأرض والاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين وبالحقوق القومية للفلسطينيين الباقين في وطنهم داخل إسرائيل بعد نكبة 1948.

وإلى حين مأسسة الجهد القانوني وفق ما اقترح في المقدمة، تقترح هذه الورقة في النهاية البدء بثلاث خطوات: الأولى، تقديم قضايا شخصية من متضررين من تصريح بلفور وآثاره عليهم أمام القضاء الفلسطيني؛ الثانية، تقديم قضايا من مواطنين أوروبيين وأمريكان وغيرهم من أصل فلسطيني بنفس الاتجاه أمام القضاء البريطاني، ومحاكم دول أوروبية ودول عالمية مختلفة، وكذلك أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي لها سوابق في الإنصاف على غرار إنصافها للسيدة القبرصية لويزيدو عام 1996 بإجبارها السلطات التركية على إعادة أملاكها إليها وتعويضها عنها بعد أن أصبحت في الجزء الشمالي من قبرص الذي دخلته القوات التركية عام 1974. كما أن هنالك كما سبق ذكره قضايا حصلت على النجاح في القضاء البريطاني، منها ما رفع ضد جرائم بريطانيا في جزر تشاجوس، المستمرة منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، ومنها أيضًا التعويض عن الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا بحق الماو ماو في كينيا وفق قرار قضائي بريطاني صدر عام 2013، وغير ذلك من السوابق القضائية الدولية التي يمكن الاستناد إليها من أجل تحقيق الانصاف للشعب الفلسطيني على الجرائم المرتكبة ضده. ثالثًا، التوجه بطلب من دولة فلسطين إلى جمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة النظر في شرعية صك الانتداب لعام 1922 وذلك نظرًا إلى تناقضه مع ميثاق عصبة الأمم في حينه، ومع التطورات اللاحقة له على القانون الدولي التي يشرحها جوني عاصي في ورقة له[33].

تجاوزًا لإحراج حكومة دولة فلسطين التي ربما لا تريد مواجهة بريطانيا حاليًا في ظل موقف الأخيرة المندد بتوجهات الضم الإسرائيلية، تقترح هذه الورقة أن يقوم قطاع الأعمال، والمجتمع المدني والأكاديميين الفلسطينيين في الداخل والخارج بالعمل على أولًا وثانيًا، فيما تترك ثالثًا لدولة فلسطين لتقديمها رسميًا في الأمم المتحدة في الوقت المناسب.

 

قد يهمكم أيضاً  فلسطين ما بين الوعدين: وعد بلفور ووعد طرمب، 1917 – 2017

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #وعد_بلفور #الكفاح_الفلسطيني #الكفاح_القانوني_الفلسطيني #االقضية_الفلسطينية