مقدمة:

في مقدمة البيان الشيوعي، الذي وقعه كل من كارل ماركس وزميله فردريك أنجلز عام 1848، أثناء اندلاع الثورات ذات الطابع الطبقي – العمالي «اليساري/الاشتراكي» في عموم أوروبا؛ ذكر رائدا الماركسية، عبارة لافتة للنظر، تقول إن هناك شبحًا ينتاب أوروبا، شبحًا يهدد باقتلاع قلاع الرأسمالية. إنه شبح الشيوعية، الذي يهدد مراكز المال والتحكم الرأسمالي في القارة العجوز. بالطبع لم تتحقق هذه التوقعات – وفقًا لما ذهبت إليه مقدمة البيان الشيوعي – لأن الرأسمالية كما كان يردد الاقتصادي العربي المصري فؤاد مرسي، كانت تجدد نفسها باستمرار أمام عوادي الزمن!

أورد كاتب هذه الدراسة – عبارة البيان الشيوعي – الآنفة الذكر، على الرغم من اختلاف الزمان والمكان، وتبدُّل الوقائع والأفكار – وهو يسترجع أحداث الربيع العربي الأول 2011، الذي اندلع في تونس – بعد مقتل بائع الخضار البسيط (البو عزيزي).. وانتقل بعدها إلى مصر وليبيا وسورية واليمن؛ والربيع العربي الثاني 2019، الذي جاء مكملًا لوقائع الربيع الأول؛ منطلقًا هذه المرة من كل من العراق ولبنان والجزائر والسودان. وهو ربيع أفضى إلى تغيّرات في هرم السلطة.

وعلى الرغم من أن هذين الربيعين لم يغيّرا من تركيبة السلطة وبنيتها الأساسية جذريًا، إلا أنهما أحدثا تصدعًا كبيرًا في المفاهيم التقليدية، وخلقا وعيًا سياسيًا في أوساط الجماهير العربية، ولا سيما بين فئات الشباب والنساء، وهو وعي عبَّر عن نفسه، من طريق مجال عام جديد (New Public Sphere)، هو مجال التواصل الاجتماعي (Social Media) من طريق المنافذ الإعلامية المعرفية المتمثلة بأجهزة الموبايل واللابتوب، فضلًا عن القنوات الفضائية التي باتت ملزمة بنقل الأخبار والأحداث أولًا بأول حفاظًا على شيء من صدقيتها ومهنيتها.

وباتت مفردات (الديمقرطية وحقوق الإنسان والانتخابات والحوكمة والشفافية ومحاربة الفساد والتطرف…) هي المفردات المسيطرة على هذا الحراك. وهي مسميات ترتبط بإشكالية السلطة السياسية ومدى توافقها مع معايير الحكم الديمقراطي الرشيد.

هكذا أصبح الجدل أو الحوار العربي يدور جله، إن لم يكن كله، حول موضوع واحد هو الديمقراطية والحكم الرشيد. من هنا جاء هذا البحث الذي يناقش موضوعًا يبدو قديمًا، وهو علاقة العرب بالديمقراطية والثقافة الديمقراطية؛ لكنه (أي البحث) يزعم أنه جاء بإطار جديد، يتضمن أسئلة صادمة منها: هل أن العرب المعاصرين يصلحون للديمقراطية، بأشكالها النيابية والتواصلية والتشاركية؟ وإذا ما سلك العرب المسار الديمقراطي فهل سوف يفلحون في مسلكهم هذا؟ أم أنهم سينتكسون، مثلما انتكسوا في مواضع أخرى كثيرة، لأسباب تتعلق بالكوابح والعوائق البنيوية الكثيرة – وهي عوائق أشارت اليها الدراسة في فقرات كثيرة – وإذا لم ينجح العرب في عبور أبواب هذا الدرب العالمي الشائك – على الرغم من ضراوة اندفاع الشباب نحوه – فهل من بديل واقعي أمامهم يوازن بين الفسحة الديمقراطية المرتجاة وبين الدائرة التقليدية التي تقبع في محتبسها منذ ظهور الدولة العربية الحديثة وحتى اليوم؟

بمعنى هل من خيار ثالث – لا هو بالديمقراطي ولا هو بالشمولي أو الفردي – إلى حين تنضج الظروف وتتهيأ الأجواء لمرحلة التحول الديمقراطي في إطار حاضنة شعبية/ وطنية /مدنية؟

هذا ما حاول البحث أن يجيب عنه بلغة واقعية تأخذ في الحسبان الواقع العربي المتخلف، البارك في آخر الركب العالمي من جهة، وطموح الشباب العربي باللحاق بهذا الركب من جهة ثانية، حتى تكتمل شروط التحول، شأننا شأن دول ناشئة سبقتنا إلى ذلك، منها كوريا الجنوبية، سنغافورة؛ ماليزيا؛ جنوب أفريقيا؛ رواندا؛ مورشيوس وغيرها.

وفقًا لهذه المعطيات، انطلق البحث من فرضية بسيطة مفادها أن الواقع العربي الحالي لا يسمح، بأي صورة من صور التحول الديمقراطي، لأسباب بنيوية تتعلق بمخرجات الثقافة والسياسة والسوسيولوجيا. لذا اعتمد البحث المنهج السوسيولوجي المقارن، لإثبات هذه الفرضية. ومع ذلك فإنه لم يتبنَّ، ولا ينبغي له أن يتبنى، خيار القنوط واليأس، بل ظل الاستبشار يراوده، وهو استبشار مبني على توقعات، وليس على أوهام أو أمنيات، واضعًا نصب عينيه، أن الطريق إلى الديمقراطية شاق ووعر، لأنه يتطلب جهدًا وعملًا دؤوبًا مثلما فعلت أوروبا التي لم تصل إلى الديمقراطية إلا بعد نضالات عسيرة ومركبة تضمنت حراكًا سياسيًا وثقافيًا وطبقيًا – استمر لقرون – دفعت ثمنه أجيال بعد أجيال.

أولًا: عن أي ديمقراطية نتحدث وعن أي نموذج نبحث؟

لا ريب أن الخيار الديمقراطي، هو الخيار المفضَّل لدى كثير من المفكرين والفلاسفة والباحثين ورهط من السياسيين والحزبيين، لأنه يقترن اليوم بعالم الدول المتقدمة التي تتمتع بالاقتصادات القوية والرفاهية الاجتماعية والاستقرار السياسي، وسلاسة انتقال السلطة من حزب إلى آخر، احتكامًا إلى صناديق الاقتراع والاختيار الشعبي. كما أن كثيرًا من دول العالم الثالث (ما يزيد على  70 دولة)[2]، بدأت منذ التسعينيات بالتحول الديمقراطي أملًا في الوصول إلى نظم ديمقراطية توفر الاستقرار السياسي والرضا الاجتماعي والنمو الاقتصادي والبيئة الثقافية المتفاعلة مع التطور المدني والحضاري.

من هنا جاءت انتفاضات الربيع العربي الأول 2011 في مصر، وسورية، وليبيا وتونس، وتظاهرات الربيع العربي الثاني 2019 في الجزائر، والسودان، والعراق ولبنان؛ ليلحق العرب بالركب الديمقراطي العالمي على أمل أن تحقق بلدانهم شيئًا من الديمقراطية والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي والارتقاء الثقافي. مع أن الكثير من الساسة والمثقفين والشباب يدركون أن النموذج الديمقراطي المرتجى والمتخيل المثالي، لم يشهد أي تطبيق فعلي في أي دولة (في العالم مهما تغنت بالديمقراطية)[3]. بدلالة تعديل الدستور الأمريكي إلى أكثر من 25 مرة، وتعرض النظام الجمهوري الديمقراطي الذي جاءت به الثورة الفرنسية 1789 إلى خمسة تغييرات دراماتيكية؛ وهكذا الحال مع النظام البريطاني، وهو أقدم نظام «ديمقراطي» معاصر في العالم، الذي لم يتوصل حتى اليوم إلى دستور مكتوب ومتكامل متفق عليه.

من هنا قال ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، خلال الحرب العالمية الثانية، وهو من أكثر سياسييها شهرة في القرن العشرين، إن الديمقراطية «ليست هي الأفضل، ولكنها أقل الأنظمة السياسية سوءًا»[4].

هذا يعني أن النظم الديمقراطية هي أفضل النظم، وإن لم تكن مكتملة أو مثالية، وتحتاج إلى وقت وجهد وكفاءة، كيما تنجح وتنضج، لكن هذا لا يمنع من القول، وفقًا لأحد الكتَّاب المصريين - في ضوء تظاهرات واحتجاجات الربيع العربي 2011 – أنه مهما يكن الأمر، فإنه «لا يعني هذا السماح بالعودة إلى الديكتاتورية العسكرية والديكتاتورية الدينية. لقد عبر المصريون في العام 2011 حاجز الخوف ولن يقبلوا بالعودة إلى الوراء»[5].

إذًا هناك شبه اتفاق على أن الخيار الديمقراطي – على الرغم مما يشوبه من تعقيدات – هو الأفضل لإدارة الدول، من جانب، وامتصاص التوترات المتعلقة بالكبت السياسي والحرمان الاجتماعي والتفاوت الاقتصادي من جانب آخر. فالديمقراطية – في نظر مؤيديها – هي المواجهة بين مجتمع مفتوح يتيح عبر مؤسسات الديمقراطية إمكان المناقشة النقدية والحوار العقلاني الحر والشراكة الوطنية الفاعلة (الشراكة في صنع القرار ورسم السياسات العامة)، ومجتمع مغلق يمكن اختزاله في عبارة صغيرة «العنف مقابل العقل»[6]، إذ إن للديمقراطية، وفقًا لما تقدم، جانبين مضيئين هما الحرية والمساواة. ذلك أن جوهر النظام الديمقراطي، كما يقول المفكر الفرنسي المعروف ريمون آرون، يقوم على احترام كل الآراء السياسية، بما فيها الآراء المعارضة[7]. وإذا كانت الديمقراطية – برأي مناصريها – لا تنجح دائمًا في حل الصراعات الإثنية (العرقية/الثقافية)، فلم يثبت أبدًا أن الدكتاتورية قادرة على ذلك بصورة أفضل[8]. ويتساءل أصحاب هذا الرأي – وهم محقون – «هل أثبت النظام اليوغسلافي ذو الحزب الواحد أنه أكثر قدرة على الحفاظ على السلم الأهلي من التعددية الحزبية» [9].

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل نحن العرب مهيأون لممارسة الديمقراطية في الوقت الراهن؟ بدءًا نقول إنه لا خلاف/عربيًا/على الخيار الديمقراطي بأشكاله الجديدة التشاركية (السلطة السياسية، المجتمع المدني والقطاع الخاص)، والتواصلية المرتبطة بالمجال العام؛ لكن الخلاف هو على التوقيت والبيئة العربية؟ وهنا يبدر سؤال، كيف ولماذا؟

بمعنى – وفقًا لما يطرحه كاتب عربي – «هل العالم العربي مهيأ للديمقراطية؟» سؤال شديد الصعوبة، وبالغ الخطورة عند محاولة التصدي للإجابة عنه إجابة صادقة وموضوعية بعيدة من الهتاف والشعبوية والكلام الذي سعى إلى دغدغة مشاعر الجماهير الملتهبة. بالتأكيد، أستطيع أن أقول: إن الشعب العربي بحاجة ماسة إلى التمتع بمباهج الديمقراطية، ولكن أستطيع أيضًا أن أؤكد أن الشعب العربي لم يدفع حتى الآن الفاتورة الباهظة التي دفعتها حضارات سبقتنا في الحصول على الحكم الديمقراطي القائم على الدولة القانونية التي تؤمن بتداول السلطة سلميًا عبر الصندوق الانتخابي الحر. الحكم الديمقراطي هو ذلك الحكم الذي يأتي عبر تراكم من الخبرات والثقافات والتشريعات التي ناضل من أجلها الشعب والنخبة بطريق سلمي. في حالة الديمقراطيات العربية، نحن نريد الحصول على كعكة الديمقراطية والتهامها دون التحضير لمقاديرها الصعبة، ودون إتقان طهوها، ودون الصبر على إنضاجها! نحن نريد أن نحصل على الجائزة دون أن ندفع الثمن الباهظ لها! نحن الآن في كثير من دول الربيع العربي ندفع ثمنًا باهظًا، ولكن للأسف، ليس من أجل الحصول على الديمقراطية ولكن بسبب الفشل الذريع في اختيار الصحيح للوصول إليها» [10].

أي أننا نرغب في الديمقراطية من دون أن ندفع ثمنها؟ بمعنى آخر من دون أن نهيئ مستلزماتها (الوقت/التدرج الزمني/الجهد/الكفاءة)؛ والأهم من ذلك كله ثقافة مدنية تقبل بالتغيير والخروج من جمود بعض التقاليد البالية التي تحبس أي خروج من المألوف المتآكل الذي تحدث عنه رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر، الذي جعل شكيب أرسلان[11] يطرح السؤال الأشهر في تاريخنا العربي المعاصر «لماذا تقدم الآخرون وتأخرنا»؟!

في ضوء ذلك، فإذا كان لا بد من الرهان على الخيار الديمقراطي في الوطن العربي، الذي يبدو حتى الآن حلمًا أو وهمًا أو خيالًا طوباويًا وصولًا إلى المدينة الفاضلة (Utopia)،[12]، التي تحدث عنها أفلاطون (ت. 347 ق.م) والفارابي (ت. 950 م) وتوماس مور (ت. 1535 م)[13]؛ فإن هذا الخيار – كما أسلفنا – يحتاج أولًا وقبل أي شيء آخر، إلى إنجاز مجموعة من المشاريع التي تمهد لقيام الدولة المعاصرة، منها: إكمال ملف الاندماج الوطني أو الوحدة الوطنية، الذي يفضي في النهاية إلى تحديد ملامح الهوية الوطنية المتفق عليها بين الفرقاء الوطنيين، والولاء لعلم واحد (راية/بيرق)، وشعار وطني واحد (Slogan) من جانب جميع الفرقاء السياسيين وعموم المواطنين، إذ إن المفترض بالدولة أنها أمة سياسية وطنية تحتوي التعددية المجتمعية على تنوعها العرقي والطائفي [الإثني] على أساس من مبدأ المواطَنة الذي يعني «وحدة انتماء عضوي بين الفرد والدولة»، بغضّ النظر عن دينه وطائفته وقوميته وإثنيته. فالدولة هنا جمهور المواطنين وأمة أفراد الدولة، ومجموع رعاياها، توحدهم (على تنوعهم) هوية سياسية موحدة، هي هوية الدولة (السياسية الوطنية) لا غير؛ وحينما نقول لا غير، فإننا نعني بذلك أن الشرعي في عرف الدولة فقط، وفقط، إنما هويتها السياسية، فليس للدولة هوية دينية أو طائفية أو عرقية، وأدنى ركون من الدولة لهوية فرعية مجتمعية يجعلها دولة تمييز وإقصاء وليست دولة وطنية جامعة لأمة الدولة[14]. ذلك أن الدولة العرقية أو الطائفية هنا، هي دولة الجزء لا الكل، هي دولة طائفية أو عرقية على حساب الطوائف أو الأعراق أو الجماعات الأخرى. وبعد، «هي تفرض التجانس السياسي من خلال إلغاء التعددية؛ وهو محال، فالولاء والتجانس المطلوب للدولة إنما هو سياسي هنا، فالدولة «كفكرة ومعايير ومصالح» لا تعنى بالصهر المجتمعي، بل بالصهر السياسي. وليس للدولة حق إقصاء التعددية المجتمعية الفكرية أو الطائفية أو العرقية أو السياسية… وسواها، بل لها الحيز المشترك الذي تخلقه بين مواطنيها، والمشترك هنا تؤسسه الإرادة العامة والمصالح المشتركة لمجموع المواطنين، ولا يتأسس على وفق طائفة أو قومية أو إثنية محددة. الذي يولد الهوية الوطنية، إنما هو الانتماء القانوني والسياسي للدولة، وهو الذي يخلق جمهور الدولة وأمتها، فجميع دول العالم غير صافية العرق أو الديانة أو الطائفة، فالدولة الصافية (Pure State) أكذوبة تاريخية. وهنا ليس للدولة إلا الاعتراف بالتنوع وإعطاء التعددية حقها ومجالها الطبيعي لدى اشتغالها في حقل المجتمع «كأمة إنسانية» وليس الدولة «كأمة سياسية»، فللمجتمع حق ممارسة ذاته على أساس من تنوعه العرقي وتعدديته الطائفية بما يحقق هوياته الفرعية الطبيعية، لكن تبقى هذه الممارسة ضمن إطارها المجتمعي وليس السياسي»[15]. وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا في ضوء إنجاز مشروع المصالحة والعدالة الانتقالية والوئام والسلام على مستوى الدولة، والمضي قدمًا في ملف التنمية بكل أبعادها ومستوياتها الاستراتيجية[16].

والتنمية، كما هو معروف بحاجة ماسة إلى الأمن والسلام، إذ لا تنمية من دون أمن مثلما أن لا أمن من دون تنمية – وفق ما ذهب إليه روبرت مكنمارا، رئيس البنك الدولي الأسبق[17] – منذ أكثر من نصف قرن، ووفق ما أثبتته وقائع الحياة اليومية في مختلف دول العالم. إذًا من ينشد النظام الديمقراطي والدولة المدنية العادلة، ليس أمامه سوى أن يسلك طرقًا متوازية متمثلة بالتنمية وبناء السلام، وإنجاز مشروع الهوية الوطنية المتكاملة للدولة، التي تفصح عن نفسها في خطاب سياسي موحد، مهما تعددت القوى والتيارات السياسية المحلية[18].

وهذا يعني أن الديمقراطية والسياسة الاثنية (العرقية/الثقافية)، أو فلسفة المكونات (Components)، ضدان لا يلتقيان، مثلما أن ما يسمى «الديمقراطية التوافقية» ليست من الديمقراطية في شيء، لأنها تكرس الانقسام والتجزئة بين أبناء الوطن الواحد تحت رايات عرقية أو طائفية أو مناطقية. وهنا يقول الكاتب المعروف فريد زكريا: أجري مسح للديمقراطيات الأفريقية، والديمقراطيات الآسيوية في الستينيات، واستنتج عالمان أن الديمقراطية «بكل بساطة، ليست فعالة في بيئة تطبعها الفوارق العرقية الحادة».

ومؤخرًا أكدت دراسة عن أفريقيا وآسيا الوسطى على وجه الخصوص هذا التشاؤم. استنتج خبير في النزاع العرقي، دونالد هوروبيتز «تجاه هذه الحصيلة الشديدة الكآبة… من حالات الفشل القاسية للديمقراطية في المجتمعات المنقسمة… يميل المرء إلى الاستسلام. ما الهدف من إجراء الانتخابات إذا كان كل الهم في النهاية استبدال نظام يهيمن عليه بيمبا بنظام نيانا في زامبيا، والاثنان محدودان على حد سواء، أو نظام جنوبي بآخر شمالي في بنين، لا يشمل أحدهما النصف الآخر من الدولة؟»[19].

تحتاج الديمقراطية، بعد كل ذلك، إلى ثقافة تشاركية مستنيرة منفتحة على الجميع، لأن السياسة من دون ثقافة لا يمكن أن تستجيب لما هو عقلاني.

«وما تشهده البلدان العربية، من حراك ونقاش مؤشر على أن السياسة وحدها، ليست كافية لفهم تشابك مختلف الانتظارات والمطالب وتضاربها. فكيف إذًا، يمكن الانخراط، وبالسرعة المطلوبة في الديمقراطية من دون ثقافة ومؤهلات ديمقراطية؟ من المؤكد أن الحديث عن «انعدام الكفاءة» الديمقراطية لا يعني نقصًا في المهارات الحزبية أو القدرات التنظيمية لدى بعض الأعضاء، وهذه مواصفات قد تكون متوافرة، لكن الأمر يتعلق، إضافة إلى هذه الشروط، بالاقتدار الذي تستوجبه المسؤولية السياسية من تفكير وتخطيط وتأطير، ومحادثة وتواصل وتفاوض واستشراف» [20].

للأسف نحن العرب حتى الآن «ليست لدينا ثقافة الديمقراطية، ومؤسساتنا ما زالت عتيقة فاسدة هرمة تعمل الهيكل الإداري نفسه والقيم والثقافات القديمة البالية نفسها التي لا ترتبط بأي شيء ديمقراطي. لقد نالت أوروبا حريتها وثقافتها الديمقراطية وتعلمت فكر الحرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عبر تفاعلات طويلة. خاضت أوروبا حربًا ضروسًا ضد الدكتاتوريات وأطلقت ثورات ناجحة وأخرى فاشلة، وقامت بمواجهة عصور الظلام لاستبداد الكنيسة ومحاولة سيطرة رجال الدين على الحكم، وأبدعت في ثقافات يقودها علماء مستنيرون يدفعون بفكر التنوير في السياسة والفلسفة والاجتماع والاقتصاد والفنون. دفعت أوروبا فاتورة السعي إلى إرساء قيم الديمقراطية منذ 500 عام حتى الآن. أما وطننا العربي فهو يتحدث عن الحرية بينما يمارس الاستبداد، ويتغنى بدولة القانون بينما يستبيح العدالة، ويرفع شعارات مواجهة الفساد وهو يرعى زواج المال بالسلطة. نعم، نحن بحاجة إلى الديمقراطية، ولكن هل نحن بالفعل نستحقها، وهل نحن مؤهلون لها؟»[21].

هنا نقول إن الديمقراطية ليست أُمنيةً أو حلمًا، كما أنها لا يمكن أن تكون بضاعة نستوردها من هذا الطرف أو ذاك، أو أنها يمكن أن تفرض بقوة الاحتلال أو من طريق الانقلاب العسكري. إنها ثمرة ثقافة وطنية متواصلة وعمل شاق يستغرق وقتًا كيما ينضج ويرى النور.

والديمقراطية في أيامنا «لا توجد أو تستمر أو تبقى من دون ثمن وجهاد، فهي تأتي وتترسخ بالسلم لا بالعنف، بالعرق لا بالدم، تأتي عندما نرى تغيير الحكومات والأنظمة بالطريقة السلمية لا بالتهديد والوعيد والإكراه؛ تأتي عندما نعرف أن مستقبلنا مرهون بجعل شبابنا عنصرًا حيويًا ومحركًا لإدارة التغيير نحو الرفاه والاستقرار والعدالة الاجتماعية»[22].

والديمقراطية تعني بناء وطن حر يحتضن جميع مواطنيه من دون تمييز، إنها تعني أيضًا «التحرر من قيود المحاصصة والطبقية والفساد الإداري والسياسي». إنها تعني حكم الشعب من طريق الشعب من أجل الشعب – كما ذهب إلى ذلك الرئيس الأمريكي الأسبق السادس عشر أبراهام لنكولن (1861-1865) الذي حاول أن يصلح وضع «العبيد الأرقاء» في المجتمع الأمريكي[23]، وإعادة الولايات التي انفصلت عن الاتحاد بقوة السلاح، والقضاء على الحرب الأهلية التي انتهت باغتياله[24].

والديمقراطية لا يمكن أن تتزعزع أو تستمر إلا عندما تدرك الأنظمة السياسية أن بقاءها مرهون بقدرتها على تحقيق رغبات ومتطلبات الشعب وطموحات الشباب الذي يتظاهر في أكثر من ساحة عربية، وأن انتخابها ليس صكًا (شيكًا) على بياض، بل إنه عقد اجتماعي مع مواطنيها قد يفسخ إذا ما أخلّت ببنوده[25].

والديمقراطية المعاصرة كما يقول فريد زكريا، ينبغي أن تكون تحررية؛ بمعنى أن تكون متساوقة مع الحرية، أي ديمقراطية تتسع للجميع، لا أن تكون ضيقة الآفاق[26]. ديمقراطية تواصلية مرتبطة بإنماء المجال العام (Public Sphere) وفقًا لما أشار إليه عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني المعاصر يورغن هابرماس، لأن المجال العام، عنده يفضي إلى قيام دولة القانون الديمقراطية التي لا تتمتع بالشرعية (Legislation) وحسب، بل بالمشروعية أيضًا؛ والأخيرة «المشروعية» (Legitimacy) لا تتحقق إلا من طريق مشاركة الاشخاص الخواص الفاعلين في الشأن العام، والذين يمتلكون في نظره سلطة لا تقل شأنًا عن السلطة السياسية القائمة. ذلك أن هدف هابرماس الأساس ارتبط أولًا وأخيرًا بإنجاز مشروع ديمقراطي حقيقي لا يقوم على شكلية الانتخابات في إطار نظام ليبرالي فحسب أو تبني نموذج (Paradigm) اجتماعي يقوم على دولة الرعاية الاجتماعية فقط، وإنما نموذج يقوم على ديمقراطية تواصلية، تفاعلية مرتكزة على دعائم مشروعية نابعة من «الفضاء العام» الذي يلتزم بتجسيد «المواطنة الدستورية» على أرض الواقع، وهي مواطنة تقوم على مبدأ المساواة بين جميع المنضوين تحت فضاء الدولة الوطنية المدنية التي لا تفرق بين مواطن وآخر مهما اختلفت هوية هؤلاء المواطنين الفرعية، فالجميع ينبغي أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات[27].

 

ثانيًا: الطريق إلى الديمقراطية: كوابح آنية وفرص مرتقبة

على الرغم مما تقدم من تأكيد أهمية الديمقراطية ومزاياها في إدارة الدولة وتحقيق رغبات الشعب على نحوٍ سلمي ومنطقي، إلا أن علينا أن نعترف – كما ذكرنا سابقًا – أن البيئة العربية، وبعد مرور أكثر من مئة وخمسين عامًا على النهضة العربية المعاصرة التي بدأت ملامحها في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، من طريق إسهامات وكتابات مجموعة من الرواد، من بينهم إبراهيم اليازجي، بطرس البستاني، شكيب أرسلان، عبد الرحمن الكواكبي، رفاعة الطهطاوي، جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، زكي مبارك وغيرهم… لم تتهيأ بعد للمناخ الديمقراطي. وهذا الأمر ليس له علاقة بالعوامل الوراثية «الجينات» (Genes) أو «الخريطة الجينية» (الوراثية) (Genetic Map) أو طبيعة المجتمع العربي أو نفسيته أبدًا، إنما هناك عوائق موضوعية كثيرة، نذكر منها:

1 – الكابح الثقافي وغياب المناخ التواصلي السليم، وغلبة الأيديولوجيات والصورة السمعية/البصرية

سبق للمفكر العربي المعروف محمد عابد الجابري، أن لاحظ، أنه «فضلًا عن شقاء الوعي العربي، فإن المناخ الثقافي الراهن مناخ مريض ومرتبك: مريض بما لا يزال يشده إلى القوالب الجاهزة غير المبيَّأة، وهي كثيرة؛ ومرتبك بسبب ما يحاصره من إفرازات اللحظة العربية الراهنة المتموجة المضببة، ولا سيما أننا نعيش زمن «الاختراق الثقافي»، الذي يستهدف «الأداة» التي يتم بها تأويل الحاضر وتفسير الماضي والتشريع للمستقبل»، أي يستهدف العقل والنفس، ووسيلته في التعامل مع العالم هي الإدراك. وهكذا كانت وسيلة تكوين الوعي هي الأيديولوجيا، أما وسيلة السيطرة على الإدراك فهي «الصورة السمعية – البصرية» الأمر الذي أدى إلى حالة من تسطيح الوعي، أي جعله – كما يقول الجابري – يرتبط «بما يجري على السطح من صور ومشاهد ذات طابع إعلامي إشهاري، مثير للإدراك، مستفز للانفعال، حاجب للعقل»[28].

وللأسف فإن جموعًا كثيرة من أفراد الشعب أو المجتمع غارقة في الأمية بأشكالها المختلفة «الأبجدية والمعرفية»؛ لذا فإن البعض لا يعد الشعب قوة سياسية بسبب الجهل. وهذه المسألة ليست جديدة؛ إذ على الرغم من أن طبيعة الفكر الديمقراطي قائمة أساسًا على تزكية مسبقة لإرادة الأكثرية، حيث يبرر المؤمنون بالديمقراطية «هذه التزكية أنها الوسيلة الأقل ظلمًا وربما الأكثر عدالة في التمثيل ووضع البرامج. ولكن الركون للأكثرية هو واحد من مبادئ هذا الفكر الديمقراطي التي واجهت اعتراضات فلسفية، منذ حقبة المهد اليوناني الأول للديمقراطية؛ فانصبت اعتراضات مثقفي أثينا على مشكلات متوقعة في إدارة السياسة والشؤون العامة، حين يجري الإذعان للعمل بمبدأ وإرادة الأكثرية. كانت تلك الاعتراضات «الأرستقراطية» تريد الترفع على مؤهلات «العوام»؛ لكن هل أي اعتراض محكوم بنزعة ارستقراطية يستحق الطعن والتشكيك بدافعه الأخلاقي والطبقي؟

في الفكر السياسي المعاصر نصادف أيضًا مثل هذه الاعتراضات.. ينتقد أوليفيه مونغن ما يسميه «ديمقراطية الرأي»، ويعني بها الضغوط التي يمارسها «الجهل الاجتماعي» حين يستفتى هذا «الجهل» أو يستطلع رأيه. وهو ما يدينه خبير اقتصادي فرنسي، مثل آلن كوتا، حين ينتقد السياسات التي تتبع «رأي جمهور عام يرفض التغيير»، فيرى أن هذا الرأي العام وتلك السياسات ينتهيان إلى الجمود[29].

مع الإقرار، بصحة هذا الكلام أو بعضه، إلا أن علينا أن نعترف بأنه لا يمكن تجاهل قوة الشعب أو تأثيره في أي مكان في العالم، ولا سيما بعد اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي التي غيرت شكل العالم وصورته. فالجموع البشرية – مهما كان مستوى تحصيلها الدراسي ودرجة تعليمها – تبقى حاضرة في صنع الإدارة والقرارات بأكثر من طريقة، وما حق التصويت والترشيح ثم التعبير عن الرأي والتظاهر واستخدام الميديا إلا مظاهر لطرائق كثيرة تعبر عن ذلك الحضور[30].

ينضاف إلى ما سبق من عوائق ثقافية أمام طريق تحقق الحلم الديمقراطي – عربيًا – عائق آخر يتمثل بتحريف الثقافة أو اهمالها تحت حجج واهية من قبل كثير من الأحزاب والقوى السياسية. ففي العراق على سبيل المثال «دأبت القوى والأحزاب الحاكمة سابقًا وراهنًا – على توظيف جميع فروع الثقافة لأيديولوجيتها – فهي تطوعها لمصالحها الحزبية من دون اعتبار لمصلحة الوطن، حتى اكتمل تسطيح النتاج الثقافي. ووصل حضيض الإسفاف في ترويجه لأيديولوجيا الفئة الحاكمة، وهذه السلطة التي ترى العالم بلون واحد لخدمة مشاريعها السلطوية تغض النظر عن تجاوزات أعضاء الجماعات المسلحة في تصديهم للحريات العامة والمؤسسات الثقافية وتتيح لهم مصادرة الحريات الشخصية المكفولة بالدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما تسمح لهؤلاء الذين يمثلون أذرعها الخفية، أن يمنعوا الأنشطة الثقافية والفنية بذرائع تنتهك الدستور والمواثيق الدولية، إضافة إلى عدم اعتراف السلطة عمليًا بالتعددية الثقافية وتجاهل حقيقة أن ازدهار البلد الثقافي هو الداعم للتجربة الديمقراطية والضامن للتنمية البشرية ومحاربة الإرهاب والقضاء على البؤر الظلامية. ولو تفحصنا برامج الأحزاب والكتل المتحاصصة في السلطة فإننا لا نعثر على مشاريع للتنمية الثقافية أو اعتماد اقتصاد قائم على المعرفة، بل سيقول لك أحدهم وما شأننا باقتصاد المعرفة ونحن في مرحلة مواجهة الإرهاب؟ إن الأولوية لحماية الأمن الوطني ومحاربة العدو الخفي والظاهر وحتى المفتعل لتحتفظ الأحزاب والفئات الحاكمة بهيمنتها وسطوتها على عقول الناس وحياتهم ويصرح قادتها: لا تطالبوا بالكثير الآن ونحن نحارب الإرهاب، وهم يعلمون جيدًا لو كانوا مخلصين للوطن والثقافة، أن التنمية الثقافية كمشروع وطني متكامل هي ما يحمي المواطن من جائحة أي إرهاب، وعبر التنمية الثقافية سنقطف ثمار الأمان المجتمعي ونعزز مهارات الأفراد ليسهموا في إعادة بناء أنفسهم والبلاد الخربة»[31].

وما دمنا نحن في ميدان الثقافة وعلاقتها بالمسار الديمقراطي المستعصي على التغيير – على الأقل حتى الآن – فإن المشهد العربي يسجل قصورًا بيِّنًا للمثقف العربي في مسار الأحداث المتعلقة بمحاولات التحول أو التغيير الديمقراطي على مدى أكثر من قرن من الزمن العربي المنصرم. وهنا يعلق أحد الكتَّاب بالقول: «لم نقرأ أن مثقفًا قلب نظام حكم، لأنه كتب منتقدًا ذلك النظام… حدث هذا الأمر… مرة في فرنسا، حين اعترف الملك لويس السادس عشر، بأن فولتير[32] وروسو[33] هما اللذان أفسدا عليه فرنسا. هنا عند هذا الاعتراف، انتصر المثقف على الملك، أو بلغتنا انتصر المثقف على السياسي» [34].

هنا نستحضر آراء المفكر الإيطالي اليساري المعروف أنطونيو غرامشي[35] الذي تحدث كثيرًا عن دور المثقف في التحولات المفصلية في تاريخ الشعوب. وفرّق غرامشي في هذا الإطار بين نوعين من المثقفين، التقليدي والعضوي، وعد الأخير فاعلًا في حركة التاريخ. ويعني به المثقف الملتزم سياسيًا، المتصل بالميدان (الحراك الشعبي)؛ فهو يجمع بين إنتاج المعرفة والتفكير وأداء دور اجتماعي/سياسي في الوقت نفسه. وهذا لا يعني بنظر الفيلسوف الفرنسي الوجودي المعاصر جان بول سارتر[36] أن المثقف العضوي عندما يكون ملتزمًا سياسيًا أن يكون حزبيًا. للأسف البيئة العربية لم تنتج إلا قلة من المثقفين العضويين، لأسباب كثيرة، أهمها تحالف الاستبداد السياسي والتخلف الاجتماعي، وهو ما أدى إلى تعرض طاقات من الذكاء لا حدّ لها للتشريد والضياع[37].

لذا فإن الأمر يتطلب تبني ثقافة نقدية عقلانية جريئة، ثقافة تؤمن بالشراكة الوطنية بين جميع الفرقاء الوطنيين المتنورين[38]/المستنيرين[39]. ثقافة تنتج أناسًا ديمقراطيين، عندها تكون الديمقراطية بمنأى من التدمير والتخريب، وهنا يقول أحد أساطين الفكر الغربي النافذين والمعروف بسلبيته من العرب إن «إقامة الديمقراطيات أشد صعوبة، لكن تدميرها أصعب كذلك»[40].

إذن نحن بحاجة – في الأمد البعيد عندما تنضج ظروف وشروط الديمقراطية – إلى ثقافة تتبنى مشروعًا اجتماعيًا – وطنيًا، يتضمن بناء دولة مدنية ديمقراطية عمادها التنمية والسلام الاجتماعي، وهوية متفق عليها بين الفرقاء الوطنيين. وقوانين تضمن عدم تحول القوى الساعية نحو التحول الديمقراطي (المستعصي عربيًا – حتى الآن) إلى نوع من الأوليغارشيات النخبوية التي تتحكم بإدارة السلطات بصيغ ديمقراطية وتكسبها نوعًا من الشرعية[41]. ولا سيما ونحن نعيش أجواء عمل سياسي غير منظم أو شبه معدوم أو مشوّش مع كل ما يعنيه ذلك من معاناة يواجهها أي ناشط سياسي يسعى نحو الإصلاح والتغيير السياسي[42].

2 – الكابح الاجتماعي – الطبقي

علينا أن ندرك أننا لن نجد طريقًا يفضي إلى واحة الديمقراطية إلا بتوفير مستلزمات إعادة بناء وتشكيل ودعم الطبقة الوسطى (Middle Class) وحماية مصالحها المشروعة، وهذه هي مهمة الدولة والقوى السياسية الفاعلة وشرائح المتعلمين والمثقفين ومبادرات رجال الأعمال أنفسهم في هذه المرحلة[43].

إذًا من دون طبقة وسطى عريضة وفاعلة ومتنورة، لا يمكن تصوُّر وجود سوق عمل حيوية، أو إعادة الاعتبار لقيمة العملة الوطنية، ولا يمكن الحديث عن حقوق المواطن المدنية والسياسية، كما أنه – وهذا هو الأهم – لن يكون هناك مجتمع مدني حقيقي وفاعل، لأن المجتمع المدني (Civic Society) هو وليد الطبقة الوسطى، وأحد مخرجاتها الأساسية وهو المجتمع الذي أسس للدولة المدنية الحديثة في أوروبا والعالم المتقدم، إذًا من دون مجتمع مدني لا وجود لدولة مدنية، ولا وجود لمؤسسات فاعلة، وبالتالي لا وجود لديمقراطية حقيقية. فهناك متلازمة (Syndrome) تواصلية بين الطبقة الوسطى والمجتمع المدني والديمقراطية والدولة المدنية.

إن سر التقدم والنهضة والرخاء الذي حققته البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان المتقدمة إنما يكمن جزء كبير منه في ظهور وتطور المجتمع المدني على يد أبناء الطبقة الوسطى المستنيرة، أو ما يطلق عليها «البرجوازية» التي قادت الثورة الفرنسية 1789، والتغييرات الكبرى في أوروبا والعالم، إذ وجد هذا المجتمع تعبيره السياسي والقانوني لأول مرة في كتابات جون لوك (1632-1704) وفيرغسون (1733-1806) وغيرهما[44]، حيث مثل المجتمع المدني إطارًا تعاقديًا بين أفراد أحرار؛ مجتمعًا مقابلًا للمجتمع الطبيعي، وبذلك كان نواة للدولة العصرية العقلانية الديمقراطية، وهذا ما لم يحصل عندنا حتى الآن، لأن الدولة عندهم نشأت من تحت، من رحم المجتمع المدني، ومن صنع الطبقة البرجوازية، في حين ظهرت الدولة عندنا كيانًا فوقيًا اصطناعيًا، لذا لم تستقر أركانه، ولن تستقر، ما لم ينشأ عندنا مجتمع مدني متكامل، يقوم على الترابط الوظيفي والتمايز البنيوي، بفواعل اجتماعية «تكنوقراطية» وطنية، تأخذ على عاتقها بناء دولة حديثة متكاملة الأركان والبنيان[45].

وهذا يعني أن أي حلقة مفقودة في هذه السلسلة المترابطة، لن تؤدي إلى النتيجة المتوخاة، وهي الحكم الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة[46].

خاتمة

إذا كان الخيار الديمقراطي، على المستوى العربي يعد طوباويًا أو مستعصيًا حتى الآن؛ فإن هذا لا يعني أن نيأس أو نقنط، بل ينبغي المضي قدمًا قي دروب هذا الطريق الوعر، حتى يؤتي أُكله في يوم من الأيام. ومثل هذا السفر الطويل يحتاج إلى زاد مكتنز من الخبرة والمعرفة والجهد. من مفردات هذا الزاد: تحرير الثقافة من السياسة وإطلاق دور المؤسسات على حساب الأشخاص، وإنماء المشتركات الوطنية، وتدوين الممكنات الإيجابية في عقد اجتماعي سياسي (دستور) جديد، يؤطر لقيام كتلة تاريخية تتجاوز الخلافات الحادة والتناقضات المتقاطعة بين القوى السياسية الوطنية بمختلف توجهاتها ومتبنياتها. واضعين في الاعتبار دائمًا أن الأكبر يكسب والأصغر يخسر، سواء على مستوى الأحزاب أو على مستوى الأوطان. لأن الصغر خطر في عالم الحيتان الذي لا يرحم. لذا فإن الشراكة الوطنية هي الحل، ومفتاحها الحوار بين الفاعلين في المجتمع، بما يفضي إلى إنماء مجال عام ديمقراطي يسعى لتحقيق نوع من التوافق الوطني المرتبط بالمصلحة العامة والنفع العام، فنحن بحاجة دائمًا إلى «حوار وطني موسع يضع المخاوف على طاولة النقاش العام»[47].

لا ريب في أن وجود مجال عام تواصلي قائم على الحوار وتبادل الآراء والأفكار يرشد العمل السياسي وينمّي دور المؤسسات ويفعل من دور الطبقة الوسطى، صانعة التنوير والمجتمع المدني. وأن يكون هدف الجميع، البحث عن مشروع وطني جامع، مشروع واقعي قابل للتحقيق، لا مشروع قائم على أيديولوجيات عقيمة أو خيال مريض أو مدينة أفلاطونية لا يمكن أن يكون لها وجود على أرض الواقع.

مشروع لا يركز على التاريخ المشترك (لكن من دون إهماله) بل يضع عينيه على المستقبل المشترك والمصير المشترك والمصالح المشتركة. وإنماء ثقافة السوق وحركة التجارة والمواصلات والعمل داخل السوق «الوطني»، فهذه مجتمعة، هي التي تخلق المصالح المشتركة، وهذه المصالح هي التي توحد الناس، وترسي دعائم التواصل بين شرائح المجتمع كافة. كما أن على جميع المعنيين بالعمل الوطني والحراك السياسي الباحث عن المشتركات أو ترسيخها النابذ للشقاق الاجتماعي والمتوافق مع الذات الوطنية العليا، أن يلزم نفسه بالترويج لقيم التسامح والصفح والتعايش والشراكة، بما يؤسس لثقافة التحصن والتحصين ضد العنصرية والتعصب والتنافر والكراهية… ففي البلدان المتقدمة، لاحظنا أن قادتها ومفكريها، وبعد سلسلة من الحروب الأهلية والخارجية، وبفعل تراكم الخبرة في ممارسة الديمقراطية، تمكنوا (إلى حد كبير) من تحصين إنسانهم «من أمراض العنصرية والحزبية والدينية والطائفية التي أصبح متعاطوها لديهم عرضة للتجريم والمساءلة القانونية. كذلك قضية الدين والتدين قضية شخصية بحكم معظم السنن والتشريعات القديمة والجديدة»[48].

في نهاية هذا المشوار المثقل بالاستعصاء، لا بد أن نستذكر مبدأً إنسانيًا أبديًا مفاده «متحدين نقف متفرقين نسقط» (United We Stand Divided We Fall).

أن نكون متحدين في وطن نصون وحدته ويحفظ كرامتنا… (لأن خير الأوطان ما حملك) كما قال الإمام علي (عليه السلام)[49].

وأن ندرك أن الطريق إلى الديمقراطية لا يمكن أن يكون معبدًا بالورود أبدًا، بل هو درب وعر المسالك. وعربيًا – كما ورد سابقًا – لا يزال مستعصيًا لكن علينا أن لا نفقد الأمل، ونبقى نكرر المحاولة تلو الأخرى، فلربما، تفلح واحدة من بين المحاولات، نبحث ونبحث ولا نيأس، فالحقيقة - كما يقول الزهاوي – بنت البحث، لا تختص بقوم أو أفراد دون آخرين[50]. وأن لا نقنط أبدًا، لأن القنوط مرفوض: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [51].

 

قد يهمكم أيضاً  الحراك الجزائري: نحو انتقال ديمقراطي سلس؟

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الحراك_العربي #الديمقراطية #الديمقراطية_في_العالم_العربي #ثقافة_الديمقراطية #الوحدة_العربية #الثورات #الربيع_العربي #أسس_الديمقراطية #المسار_الديمقراطي

المصادر:

(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 518 في نيسان/أبريل 2022.

[1] عبد السلام إبراهيم بغدادي: أستاذ العلوم السياسية، وباحث في الشؤون الأفريقية والدراسات الإثنية، جامعة بغداد.

البريد الإلكتروني: dr.salam54@yahoo.com

[2] بتصرف عن: غانم النجار، «الفارق بين الناشط الحقوقي والناشط السياسي في دول الخليج،» الشرق الأوسط، 16/12/2013، ص 10.

[3]  انظر مداخلة فارس أبي صعب، في ورقة: محمد نور الدين أفاية، «حول أداء المثقفين في معمعة الأحداث ملاحظات وتساؤلات،» المستقبل العربي، السنة 36، العدد 415 (أيلول/سبتمبر 2013)، ص 127.

[4]  خالد العبيوي، «الديمقراطية بين الوهم والعقلانية في الفكر السياسي لكارل بوبر،» المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 38 (ربيع 2013)، ص 88.

[5] نقلًا عن: «علاء الأسواني: المصريون تخلصوا من عقدة الخوف،» ترجمة جودت جالي، الصباح، 10/5/2014، ص 11.

[6]  العبيوي، المصدر نفسه، ص 75-76.

[7]  نقلًا عن: المصدر نفسه، ص 89.

[8]  أمين معلوف، «ترويض الفهد،» الفكر التقدمي (بيروت)، العدد 18 (تشرين الثاني/نوفمبر 2013)، ص 107.

[9]  المصدر نفسه، ص 107.

[10] عماد الدين أديب، «هل يستحق العرب جائزة الديمقراطية؟،» الشرق الأوسط، 16/4/2013، ص 16.

[11]     شكيب أرسلان (1869-1946)، كاتب ومفكر عربي لبناني، من رموز النهضة العربية، دافع عن العربية والإسلام والتقدم العلمي للعرب، كان يجيد عدة لغات (الألمانية/الفرنسية/التركية)، لقب بأمير البيان، نشر كتبًا متعددة، أشهرها لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ ورأى أن من أهم أسباب تأخر المسلمين هو ابتعادهم عن الإسلام، وسبب تقدم الآخرين يرجع إلى غيرتهم الشديدة على ما يؤمنون به، وتمسكهم بهويتهم التي لا يرضون عنها بديلًا.

[12]  يوتوبيا أو يوطوبيا، من لفظ يوناني، معناها «لا مكان»، وكان توماس مور (1516 م) أشهر من استخدم التعبير، صور فيه دولة مثالية يتحقق فيها الخير والسعادة للناس وتمحى الشرور، ثم أصبحت الكلمة تصف كل عمل أدبي أو فلسفي بخصوص المدينة الفاضلة. وفي الاستعمال المعاصر، تعني كلمة اليوطوبي كل من ينادي بإصلاحات اجتماعية وسياسية مثالية، إلى حد يتعذر معها تطبيقها لأنها تقوم على الخيال أو الوهم والحماسة، بعيدًا من الواقع والعملي. انظر في ذلك: منير البعلبكي ورمزي منير البعلبكي، المورد الحديث: قاموس انكليزي-عربي (بيروت: دار العلم للملايين، 2009)، ص 1297. انظر أيضًا: <http://arz.wikipedia.org>

[13]  البعلبكي والبعلبكي، المصدر نفسه، ملحق «معجم أعلام Biographical Names» ص 31، 62 و69.

[14]  عبد السلام إبراهيم بغدادي، «الدولة العربية المعاصرة بين إشكالية المكونات الإثنية المغلقة وخيار المؤسسات الوظيفية المفتوحة،» دراسات البيان (مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد)، العدد 1 (حزيران/يونيو 2017)، ص 119.

[15]  انظر الحوار الذي أجراه الصحافي توفيق التميمي مع المفكر حسين درويش العادلي (2-3) تحت عنوان: «ثورات الربيع العربي فجرها الشباب المدني الحالم بالحرية/استخدام المقدس للوصول إلى السلطة احتيال على الديموقراطية،» الصباح، 11/3/2014، (ملحق ديموقراطية ومجتمع مدني)، ص 13.

[16]  عبد السلام إبراهيم بغدادي، المصالحة الوطنية وبناء السلام في العراق الفرص والتحديات (بغداد: بيت الحكمة، 2020) ص 76-79.

[17]  روبرت مكنمارا، جوهر الأمن، ترجمة يونس شاهين (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970)،  ص 125.

[18]  بغدادي، المصالحة الوطنية وبناء السلام في العراق الفرص والتحديات، ص 78-79.

[19]  فريد زكريا، مستقبل الحرية: الديمقراطية الضيقة الآفاق في الداخل والخارج، ترجمة فادي أديب فحص (بيروت: الشركة العالمية للكتاب 2006) ص 128.

[20]  أفاية، «حول أداء المثقفين في معمعة الأحداث ملاحظات وتساؤلات،» ص 116.

[21]  أديب، «هل يستحق العرب جائزة الديمقراطية؟،» ص 16.

[22]  لقمان عبد الرحيم الفيلي، «مسار العراق.. ديمقراطية أم غيرها؟،» الصباح، 3/12/2019 ص 13.

[23]  انظر: almasryalyoum.com المصري اليوم، <http://almasryalyoum.com> تمت المتابعة 30 أيلول/سبتمبر 2020 نقلًا عن: صحيفة إثيوبيان أوبزرفر، وكذلك: <http://ar.wikipedia.org>

[24]  المصدر نفسه.

[25]  الفيلي، المصدر نفسه، ص 13.

[26]  زكريا، مستقبل الحرية: الديمقراطية الضيقة الآفاق في الداخل والخارج، ص 27.

[27]  عبد السلام إبراهيم بغدادي وعبد العزيز عليوي العيساوي، المجال العام إطار نظري مع إشارة إلى التجربة العراقية (بغداد: المكتبة القانونية، 2019)، ص 9-10.

[28]  نقلًا عن: أفاية، «حول أداء المثقفين في معمعة الأحداث ملاحظات وتساؤلات،» ص 116.

[29]  عبد الزهرة زكي، «من يراقب النخب، من يراقب الشعب،» الصباح، 25/11/2013، ص 12.

[30]  بتصرف عن: المصدر نفسه، ص 12.

[31]  لطفية الدليمي، «أزمة الثقافة في بلادنا وبرامج الأحزاب،» المدى، 21/9/2014، ص 17.

[32]  فرانسوا ماري آروويه  (فولتير Voltaire) (1694-1778)، فيلسوف وأديب فرنسي، يعد أحد أكبر رجال الفكر التنويري/العقلاني في القرن الثامن عشر الميلادي. عُرف بنقده الساخر للأوضاع الاجتماعية والسياسية، وذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة، ودفاعه عن الحريات المدنية، ولا سيما حرية العقيدة والمساواة وكرامة الإنسان؛ تعرض للاعتقال مرتين، وأمضى عدة سنوات في المنفى، بسبب معارضته للسلطات الملكية الفرنسية من طريق كتاباته السياسية والأدبية. زار بريطانيا في بداية تكوينه السياسي والفلسفي، وأُعجب بالنظام الملكي الدستوري البريطاني وبأفكار الفيلسوف البريطاني جون لوك (1632-1704)، وباستقلال الكنيسة البريطانية عن الدولة، وعدم ارتباطها بالفاتيكان. يعد فولتير من كبار المفكرين الذين مهدوا للثورة الفرنسية 1789؛ ومن أشهر أقواله «إني أخالفك الرأي، لكني مستعد للدفاع حتى الموت عن حقك في إبدائه».

انظر في ذلك: البعلبكي والبعلبكي، المورد الحديث: قاموس انكليزي-عربي، ص 87. انظر أيضًا: <http://www.arageek.com>  وكثير من المصادر التي تحدثت عن هذا الفيلسوف الكبير.

[33] جان جاك روسو (1712-1778) فيلسوف وتربوي وعالم نبات فرنسي، من فلاسفة عصر التنوير، الذي امتد من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر. كان لآرائه السياسية أثر كبير في تطور الديمقراطية الحديثة. مهدت أفكاره التحررية مع آخرين لقيام الثورة الفرنسية.من أقواله المشهورة: الحرية صفة أساسية للإنسان. وحق غير قابل للتفويت.

فإذا تخلى الإنسان عن حريته فقد تخلى عن إنسانيته وعن حقوقه كإنسان. والحرية تعني تمتع الفرد بجميع حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار قانوني.

انظر في ذلك: البعلبكي والبعلبكي، المصدر نفسه، ص 76؛ وكذلك <http://www.arageek.com>  <http:// ar.m.wikipedia.org>  وغيرها من المصادر التي تحدثت عن هذا المفكر المتميز وأحد أعمدة نظرية العقد الاجتماعي مع توماس هوبز وجون لوك.

[34]  نوزاد حسن، «المثقف وصناعة التغيير،» الصباح، 20/1/2014، ص 11.

[35]  أنطونيو غرامشي (1891-1937) فيلسوف ورجل سياسة ماركسي إيطالي، من مؤسسي الحزب الشيوعي الإيطالي 1924 وترأس لجنته التنفيذية، وعمل نائبًا في البرلمان الإيطالي. قضى السنوات العشر الأخيرة من عمره في السجن خلال العهد الفاشي بأمر من موسوليني (الدكتاتور الإيطالي)، وفي السجن أعلن قطيعته مع جوزيف ستالين (الرئيس السوفياتي)؛ ومات في السجن من فرط التعذيب. أشهر مؤلفاته كراسات السجن؛ يعد غرامشي صاحب فكر سياسي مبدع داخل الحركة الماركسية. ويطلق على فكره اسم «الغرامشية»، التي هي فلسفة البراكسيس (النشاط العملي والنقدي- الممارسة الإنسانية والمحسوسة). وهو من أوائل من كتب عن المثقف العضوي والكتلة التاريخية.

والمثقف لديه هو ذلك الإنسان المرتبط بالجماهير الراغب في التغيير، الذي يعمل أو عليه أن يعمل من أجله. والمثقف العضوي في فكر غرامشي هو صاحب مشروع ثقافي يتمثل بـ «الإصلاح الثقافي والأخلاقي»، سعيًا وراء تحقيق الهيمنة الثقافية للطبقة العاملة بصفة خاصة وللكتلة التاريخية بصفة عامة، ككتلة تتألف في الحالة الإيطالية لعشرينيات القرن العشرين (وغرامشي يفكر من داخل السجن) من العمال بالشمال والفلاحين بالجنوب «والمثقفين العضويين» الذين لهم قدرة صياغة مشروع «إصلاح ثقافي وأخلاقي» وإرادة هزم الكتلة التاريخية القديمة، المؤلفة من برجوازية الشمال واقطاع الجنوب و«المثقفين التقليديين» أصحاب المشروع الفكري المحافظ والأيديولوجيا السياسية اليمينية المرتبطين بالكنيسة والإقطاع. وعند غرامشي فإن للمثقف العضوي دورًا أساسيًا لا يتمثل بـ «الفصاحة المحركة للعواطف والانفعالات، بل الاندماج بالحياة العملية، والقدرة على الإقناع والتنظيم».

انظر في ذلك: <http:www.noor-book.com>  ومحمد يحيى حسين، مفهوم المجتمع المدني لدى أنطونيو غرامشي من خلال كراسات السجن، من التنوير إلى الحياد (برلين: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2017)، <https://bit.ly/3CoP8n1>.

انظر أيضًا: مركز التنمية البيئية والاجتماعية (Center for Environmental and Social Development) <http://etccmena.com>

[36] جان بول سارتر (1905-1980) فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي وسينارست، يعد زعيم المدرسة الوجودية الفرنسية، غزير الإنتاج المعرفي، انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية ضد النازية، يساري متطرف، من كتبه: الوجودية والعدم 1943، الوجودية مذهب إنساني 1945.

انظر في ذلك: البعلبكي والبعلبكي، المورد الحديث: قاموس انكليزي-عربي، ص 77. انظر أيضًا: <http://foulabook.com>

[37] لمزيد من التفاصيل، انظر: ورقة العمل التي تقدم بها محمد نور الدين أفاية مع المناقشات بعنوان: أفاية، «حول أداء المثقفين في معمعة الأحداث ملاحظات وتساؤلات،» ص 112 و117، 137 و139.

[38] المتنورون أو الاستنارة أو التنوّر (Enlighteneds/ Enlightenment)  دلت في معانيها الأولى على حركة التنوير الفلسفية في القرن الثامن عشر، المناهضة لمساعي القوى المقاومة للتغيير والتحديث في أوروبا من رجالات الاإطاع والكنيسة. وبالتالي فهي حركة ارتبطت بالعقلانية والحداثة، والانتقال بالمجتمعات من سمتها الأهلية الراكدة إلى وضعها المدني القائم على الوظيفية وتشابك المصالح والتمايز البنيوي بما يؤدي إلى قيام دولة مدنية مستندة إلى تداول السلطة وفق آليات منتظمة وشفافة. انظر: بغدادي، «الدولة العربية المعاصرة بين إشكالية المكونات الإثنية المغلقة وخيار المؤسسات الوظيفية المفتوحة،» ص 116، والبعلبكي والبعلبكي، المصدر  نفسه، ص 397 – 398.

[39] 32 المصدر نفسه، ص 112، 117، 137 و139.

[40]  برنارد لويس، أزمة الإسلام: الحرب الأقدس والإرهاب المدنس (رؤية المحافظين الجدد واليمين الأميركي للإسلام المعاصر)، ترجمة حازم مالك محسن (دمشق: دار صفحات للنشر والتوزيع، 2013)، ص 116.

[41] بتصرف عن: زكي، «من يراقب النخب، من يراقب الشعب،» ص 12.

[42]  بتصرف عن: النجار، «الفارق بين الناشط الحقوقي والناشط السياسي في دول الخليج،» ص 10.

[43] عبد السلام بغدادي، السلم الوطني (المدني) دراسة اجتماعية سياسية في قضايا المصالحة والتسامح والصفح والوئام والتآزر الوطني (بغداد: بيت الحكمة، 2012)، ص 92-93.

[44]  عزمي بشارة، «تجسيد المجتمع التعاقدي والسيادة السياسية،» عرض راضي محسن، الصباح، 1/4/2014، ملحق ديمقراطية ومجتمع مدني، ص 10؛ وقارن مع: فريال حسن خليفة، المجتمع المدني عند توماس هوبز وجون لوك (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2005).

[45] بغدادي، «الدولة العربية المعاصرة بين إشكالية المكونات الإثنية المغلقة وخيار المؤسسات الوظيفية المفتوحة،» ص 125.

[46] للمزيد من التفاصيل حول أهمية ودور الطبقة الوسطى في التحولات الاجتماعية وبناء الدولة والسلم الأهلي، انظر على سبيل المثال: أحمد عباس صالح، «مستقبل وأزمة الطبقة الوسطى المصرية،» الهلال (القاهرة) (نيسان/أبريل 1992)، ص 35-44؛ محمد عبد المنعم شلبي، «تحولات الطبقة الوسطى في ظل العولمة،» أحوال مصرية (القاهرة)، العدد 1 (صيف 1998)، ص 116-120، وعامر حسن فياض، «الطبقة الوسطى: الشرط السوسيولوجي لإعادة السلم المدني وبناء الدولة العراقية،» المجلة العراقية للعلوم السياسية (الجمعية العراقية للعلوم السياسية)، السنة 2، العدد 1 (آذار/مارس 2008)، ص 9-21.

[47] مازن الزيدي، «الكتلة التاريخية وممكنات الإصلاح المدني،» المدى، 17/3/2016، ص 4.

[48] طالب عبد العزيز، «الإرهاب صناعة أميركية، أم نبتة إسلامية،» المدى، 18/11/2015، ص 7.

[49] نقلًا عن: المدى، 12/12/2019، ص 6.

[50]  وردت في: سالم بخش، «الجاذبية وتعليلها 1910: رسالة أم تحفة علمية للزهاوي،» الصباح، 12/1/2020، ص 14.

[51]القرآن الكريم، «سورة الزمر،» الآية 53.


عبد السلام إبراهيم بغدادي

أستاذ العلوم السياسية وباحث في الشؤون الأفريقية والدراسات الإثنية، جامعة بغداد.

مقالات الكاتب
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز