عقد مركز دراسات الوحدة العربية مساء الجمعة 30 تموز/يوليو 2021 ندوة حوارية رقمية حول كتاب الراحل الدكتور عبد الغني عماد بعنوان في جينالوجيا الآخر: المسلم وتمثلاته في الاستشراق والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا الصادر عن المركز عام 2020. وتحدث في الندوة كل من الدكتور ساري حنفي، وهو أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت ومدير مركز الدراسات العربية والشرق أوسطية ورئيس برنامج الدراسات الإسلامية فيها ورئيس تحرير المجلة العربية لعلم الاجتماع “إضافات” ورئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع منذ 2018 ومؤسس البوابة الالكترونية حول الأثر الاجتماعي للبحث العلمي؛ والدكتور مولدي الأحمر، وهو أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية ويعمل حالياً في معهد الدوحة الدراسات العليا ورئيس تحرير مجلة عمران للعلوم الاجتماعية؛ والدكتور عروس الزبير، وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر الثانية ومدير مخبر الدين والمجتمع وعضو مؤسس للشبكة العربية للتسامح وعضو مؤسس للمنتدى المغاربي ومدير مجلة أسئلة ورؤى.

قدّمت وأدارت الندوة، التي استمرت لما يقرب الساعتين، الباحثة في قسم الدراسات بالمركز عُبادة كَسَر، وتمّ بثها مباشرة عبر تطبيق زووم وصفحة المركز على فايسبوك حيث تابعها مجموعة من الأكاديميين والمهتمين.

وتخللت مداخلة الدكتور ساري حنفي بعض تفاصيل علاقته الشخصية بالكاتب الراحل. وقدّم ملخصاً تعريفياً بالكتاب لمن لم يقرأه معتبراً أن “الكتاب نظرة نقدية لنقد الاستشراق.. ورفض فهم إدوارد سعيد للاستشراق” مضيفاً أن “نظرة عماد كانت منفتحة.. وهو رفض “الإمّاوية” وكان يريد أن يؤكد أننا لا يمكننا وضع كل المستشرقين بسلة واحدة” على حد تعبير حنفي. وأشار إلى حديث لعماد في اتصاله الهاتفي الأخير معه والذي اعتبر فيه أنه “لم تعد نظرة صناعة الآخر صناعة غربية بل صناعة محلية”.

وقدم الدكتور مولدي الأحمر قراءة في الكتاب وأهميته بالنسبة للباحثين والطلبة على حد سواء لما فيه من تأريخٍ لامعٍ وربطٍ محكمٍ بين السياقات التي دار فيها النقاش حول الموضوع، فضلاً عن “الجهد الحفري الذي بذله عبد الغني عماد للكشف عن الكيفية التي تشكّل بها تاريخياً الاستشراق مستفيداً من البحوث السابقة” على حد قول الأحمر. ومن ثم تحرر الأحمر من بنية الكتاب مقدماً مداخلة بعنوان “في تجاوز “هو” الاستشراق: ملاحظات على كتاب عبد الغني عماد جينالوجيا الاستشراق”، معتبراً أن هناك تقاطع إشكالي بين “هو” المستشرق و “هو” موضوع الاستشراق أي الشرق، وذلك بهدف فتح طريق أمام التحرر من هذا ال “هو” المكبل الذي يستنزف فكرنا” بحسب الأحمر.

وأثنى الدكتور عروس الزبير في مداخلته على كتاب عبد الغني عماد معتبراً إياه “حوصلة معرفية لجهد بحثي كبير ثم أتى تركيزاً على مسألة الاستشراق”. ومن جهة أخرى، نقد بعض ما جاء فيه معتبراً أن “الاستشراق ليس منتوج معرفي للحروب الصليبية وإنما هو منتوج معرفي للآخر الغربي في مرحلة الضعف فكان يبحث عن مكامن القوة لدى الجهة المقابلة بدءاً من الأندلس..”. وأضاف الزبير أن “المنسي في كتاب عبد الغني عماد هو رؤية المستشرقين للعربي بالتحديد وليس المسلم” معتبراً أنه لا بد من الرجوع الى الفضاء الواسع للعلوم الانسانية والاجتماعية وخاصة التاريخ. وأضاف قائلاً “على سبيل المثال عبد الغني عماد لم يقدم رؤية تقييم للاستعمار ورؤية الاستعمار للعربي والذي يرى أنه لا بد من إخضاعه (العربي) بكل الوسائل كالتجويع والإذلال وحرمانه من سبل العيش للسيطرة على الفضاء العربي”. ومن مآخذ الزبير على الكتاب أيضاً أن الكاتب “أهمل الدراسات الاثنوجرافية.. والتي يذهب مجموعة من أصحابها إلى تقسيم سكان المنطقة لصنفين هما: العرب القابلين للجمود ولعدم التحضّر ويجدون أن الحلّ معهم يكون بالإبادة أو الإخضاع القهري؛ والصنف الآخر هو الذي يرفض العمل ولكن مطيع ويمكن إخضاعه بالقهر والقوة..”. ولكن الزبير أكد في نهاية مداخلته أنه “لولا الاستشراق لضاع الكثير من الذاكرة وإنتاج المعرفة لدينا”، على الرغم من أن “نقد الاستشراق جاء من طرف الكثير من المستشرقين الذين انتقدوا المنهج المعرفي للاستشراق..” على حد قوله.

وتخلل الندوة مداخلة لمدير قسم الدراسات في المركز الدكتور يوسف الصواني الذي أوضح أن الكتاب كان “مقدمة لمشروع”، وخلال مهاتفته للكاتب للمرة الأخيرة قبل أسابيع قليلة من وفاته عبّر عماد عن “قدر من الإحباط” لعدم تمكنه من استكمال هذا المشروع. وبرأي الصواني فقد “غاب عن الكتاب بعض الزوايا لأنه جاء مقدمة لمشروع ولذلك جاء في أغلبه كما تحدث الدكتور المولدي مدرسياً.. لكنه يقدّم أرضية هامة للطلاب المهتمين بالموضوع ويمكن أن يكون جزءاً من المقررات الدراسية التي تتناول مسألة الاستشراق”.

ودارت الأسئلة والمداخلات في نهاية الندوة حول “انعكاسات الاستشراق على قضايانا العربية”. فاعتبر الزبير أن أحد أسباب فشل الثورات العربية الأخيرة هو “التناطح بين أهل الاتجاه للديمقراطية والإسلاميين.. والحالة الجزائرية خير دليل”. فاعتبر أننا “نجد إشارات في إخراجات متون الاستشراق وهي لا تزال قائمة لليوم، كالطغيان أو الجمود.. وهي مثبتة ببعض الدساتير العربية”. وأحد أمثلته جاء عن قيم العيش مع بعضنا “فمواقفنا من الآخر المختلف أكثر تشدداً من الأحكام التي أصدرتها بعض الدراسات الاستشراقية فنرفض الآخر إن كان على مستوى الإعتقاد أو نمط العيش ونقول بالثبوت” على حد تعبيره. وختم بالقول أنه “لا بد من الرجوع إلى ما قيل عنا سلبياً في متون الاستشراق.. فعللنا نجد تفسيرها متجذراً في تاريخنا ولا بد من الرجوع ومناقشة هذه المسائل التاريخية لنتبصّر الطريق من جديد”.

واختتمت الزميلة عُبادة كَسَر الندوة بالتأكيد على ما قاله الدكتور الصواني حول الكتاب الذي كان “بداية لمشروع غير أن الكاتب وافته المنية قبل استكمال حلمه”.

وصدر كتاب في جينالوجيا الآخر: المسلم وتمثلاته في الاستشراق والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا عن مركز دراسات الوحدة العربية في شباط/فبراير 2020.

تستطيعون طلب الكتاب ورقياً عن موقعنا عند الضغط على الرابط التالي: في جينالوجيا الآخر: المسلم وتمثلاته في الاستشراق والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا

ويمكنكم مشاهدة الندوة كاملة في الفيديو أدناه: