نظم مركز دراسات الوحدة العربية ندوة حوارية مع المؤرخ والباحث السياسي سلمان أبو ستة حول كتاب الاستعمار البريطاني وإجهاض الثورة العربية الكبرى في فلسطين 1936-1939 الصادر عن المركز، وذلك نهار الثلاثاء 9 أيار/ مايو 2023 في بيروت بحضور مجموعة كبيرة من الباحثين والأكاديميين والمهتمين.
قدمت الندوة المديرة العامة للمركز لونا أبوسويرح مشددة على مآثر أبو ستة في خدمة القضية الفلسطينية في عدد من المجالات والمحافل، كما دعت إلى دقيقة صمت على أرواح شهداء غزة بسبب تزامن الندوة مع بدء عدوان صهيوني جديد عليها. واستعرض منسق “وحدة التفاكر” بالمركز، محمد بلوط، الكتاب والمرحلة التي وثقها، مضيئاً على إشكاليتين بارزتين داخله. فأوضح بلوط أن هناك ثغرة كبيرة في اعتبار الكاتب تصدي الجيش البريطاني للثورة قانوني “باستثناء نفر قليل من الجنود كعمليات الفرق السرية الليلية ضد القرى العربية”، ولخص الإشكالية الثانية في تحميل الكاتب للفلسطينيين مسؤولية حرمانهم من الأرض لإقامة وطن لهم إلى جانب اليهود “لعدم تحليّهم بالواقعية في النظر إلى ميزان القوى آنذاك”، كما جاء في الكتاب.
استعرض أبو ستة المحطات التاريخية للتآمر البريطاني على الفلسطينيين معتبراً أن احتلال بئر السبع عام 1917 شكّل علامة فارقة في السيطرة البريطانية على فلسطين، الأمر الذي مهّد لإعلان وعد بلفور وصولاً إلى احتلال القدس في كانون الأول/ ديسمبر 2017. واستعرض الممارسات الصهيونية الممنهجة والترهيب الجماعي الذي تعرض له الفلسطينيون خلال أعوام ثورة (1936-1939) التي استبسل فيها أهل القرى الفلسطينيون في الدفاع عن أراضيهم وتمكنوا بفعلها من صرف النظر عن تقسيم فلسطين، على حد قول أبو ستة. كما توقف مطولاً عند هذه الممارسات المذكورة من قتل ومجازر جماعية وإعدام قادة الثورة وقصف القرى والاستيلاء على المحاصيل وفرض الغرامات التي تفوق الدخل السنوي للأسر، وصولاً إلى إفراغ القرى من أهلها وتدمير المجتمع الفلسطيني بفعل تهميش السكان وإيصالهم إلى حالة اقتصادية يرثى لها. وقد تأثر ما يفوق الـخمسين بالمائة من الشباب الفلسطيني سلباً بسبب هذه الممارسات، فتراوح التأثير ما بين قتل وجرح وسجن وأوضاع اقتصادية صعبة. وأكد أبو ستة أن كل ما تقدم حصل أمام أعين الإنكليز الذين تواطؤا مع الصهاينة وتخلوا عن مهمتهم في حماية العرب على اعتبار أنهم قوة انتداب يفترض بها حماية السكان، وكانت النتيجة تسهيل مهمة دايفيد بن غوريون في إعلان فلسطين وطناً لليهود عام 1948 من دون أي مقاومة تُذكر.
وشدد أبو ستة على مجموعة من الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الحقبة التاريخية لأن التاريخ لا يزال يعيد نفسه لليوم إن من ناحية تجنيد العملاء بسبب الأزمات الاقتصادية أو تجنيد العملاء السياسيين أو اللعب على وتر الطائفية وخلق الحروب الوهمية لتفريق أبناء الشعب الواحد، داعياً إلى مواجهة التحديات الراهنة والمستمرة في وجه القضية الفلسطينية عبر الاعتماد على النفس أولاً لأن الدول لن تقدم الدعم للقضية إلا إذا قدمه الفلسطينيون أولاً، عبر توحيد طاقات الشعب الفلسطيني بدءاً بانتخاب مجلس وطني نظيف يعبر عن روحية المقاومة وتوجه الجيل الفلسطيني الجديد، معتبراً أن الاستمرار بالدفاع عن النفس وعدم الاستسلام الطريق الوحيد لاستعادة فلسطين.
وتناولت مداخلات الحضور البعد العربي القومي للقضية الفلسطينية والتفريق بين الشعوب العربية والتواطؤ الرسمي العربي، داعيةً للتركيز على الأجيال الصاعدة والتوجه لهم بلغة الفضاء الرقمي التي يجيدون من أجل ترسيخ الذاكرة الفلسطينية في أذهانهم. وختم أبو ستة الحوار بدعوة كل شخص إلى فعل شيء واحد يومياً لفلسطين مهما كان صغيراً.
وصدر كتاب الاستعمار البريطاني وإجهاض الثورة العربية الكبرى في فلسطين 1936-1939 عن المركز في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 لكاتبه ماثيو هيوز والمترجم مصعب بشير.