عقد مركز دراسات الوحدة العربية عصر السبت 10 نيسان/أبريل 2021 ندوة حوارية رقمية عبر تطبيق زووم مع الكاتب أديب نعمة حول كتابه “التنمية والفقر: مراجعة نقدية للمفاهيم وأدوات القياس” الصادر عن المركز. وتابع الندوة عبر زووم وحساب الفيس بوك الخاص بالمركز أكثر من 70 مشاركاً من الاقتصاديين والباحثين والأكاديميين والمهتمين من بلدان عربية مختلفة، كما تخللها مجموعة من المداخلات والأسئلة. وأدارت الحوار، الذي استمر لأكثر من ساعة ونصف، الباحثة في المركز عُبادة كسر.

وقد استهلت الزميلة كسر اللقاء الافتراضي بتقديم الباحث اللبناني أديب نعمة الذي عمل مستشاراً في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر لدى برنامج الأمم المتحدة والأسكوا لعقود من الزمن، كما ساهم في تصميم دليل الحاجات الأساسية غير المشبعة لقياس الفقر في لبنان والبلدان العربية، وغيرها من المساهمات التي تصبّ كلها في موضوع الفقر ومكافحته. وهو محامٍ وحائز على إجازة في الفلسفة وماجستير في علم الاجتماع، وله الكثير من الكتب والمقالات والمساهمات المنشورة. وأوضحت كسر أن فكرة الكتاب جاءت في سياق عمله الطويل مع المنظمات الدولية.

وقدّمت كسر للكتاب قائلةً أنه يكتسب أهمية خاصة لأنه يسير وفق منهج نقدي وسجالي ويراجع عدداً من الدراسات مما يعود بالفائدة المباشرة على الطلاب وصانعي السياسات ومستشاريهم لما فيه من أمثلة عينية. موضحةً أنه يحتوي على مراجعة 35 دراسة وتقرير عن الفقر تم نشرهم من تسعينيات القرن الماضي حتى  العام 2019.

وقالت كسر أن النقاش حول الكتاب يكتسب أهمية متعاظمة لأنه يقارب الفقر بإطار أشمل فيتخطى النقاشات الاقتصادوية ليعانق مجالات أوسع تطال الصحة والبيئة والسياسة، وتعيد الاعتبار للفلسفة والأخلاق، معتبرةً أنه “مساهمة عربية مبدعة في الدراسات التنموية العالمية”، والتي يندر وجودها في العالم العربي.

وتشعب الحوار مع نعمة إلى عدد غير قليل من المحاور. ومما تحدث عنه باستفاضة الفرق بين النمو والتنمية، وإحلال مفهوم التنمية المستدامة” محل مفهوم “التنمية البشرية” الذي ساد في تسعينيات القرن الماضي. وأوضح أنه بعدما جاء مفهوم “التنمية البشرية” لإدخال بُعد بيئي واجتماعي لمسارات التطور الاقتصادي، تآكل بفعل استحواذ الشركات المتعددة الجنسيات له وإفراغه من محتواه. وشدد الكاتب على أن التنمية لا تقتصر على البعد الاقتصادي بل  تتضمن أيضاً كل من البعد الاجتماعي والبيئي والسياسي والثقافي (المعرفي)، “ولا معنى للتكلم عن التنمية إذا أغفلنا الجانبين السياسي والثقافي” على حد قوله، مؤكداً أنهما مهملان على الصعيد العالمي اليوم.

وتطرق الحوار أيضاً إلى جوانب مختلفة من التنمية فاستفاض الكاتب في الحديث عن القرار التنموي الذي صار بحوزة الدول الرأسمالية بدل المنظمات الدولية، والعلاقة بين الدول النامية ومنظومة الأمم المتحدة والقوانين الدولية الخاصة بالتنمية.

وتكلم نعمة عن أدوات قياس الفقر ناقداً وكاشفاً عيوبها ومنها “قياس أوكسفورد المتعدد الأبعاد” و”قياس البنك الدولي”، موضحاً أنها تعطي نتائج غير واقعية تثير الدهشة ولا يمكن تعميمها على كل البلدان والمناطق كما يجري التعاطي معها اليوم. ووجد أنها تعتمد أحياناً “عتبات” منخفضة جداً مما يجعلها صالحة فقط لقياس الفقر المدقع في مناطق النزوح والحروب او الأرياف والمناطق النائية.

وبحسب نعمة، فلعل أبرز العيوب في مقاربة موضوع الفقر ومكافحته هو أن الدول الصناعية هي التي تحدد ماهية الفقر وهي ليس فيها هذا النوع من الفقر، الأمر الذي أدى إلى العجز عن فهم الظاهرة، مضيفاً أن “أسلوب البنك الدولي قاصر عن فهم الفقر ومعالجته”. كما شرح أن “اللامساواة وجه آخر من أوجه الفقر لأن نسب كبيرة من الناس تتعرض  للإفقار بسبب آليات التفاوت في توزيع الثروة”.

وفي معرض التطرق لجائحة كورونا في نهاية اللقاء، اعتبر الكاتب أن كيفية تعاطي قادة الدول مع الجائحة وإعطائهم الأولية لحقوق الملكية وأرباح الشركات على حساب أرواح الناس كشف عن “فشل النسق الاقتصادي فضلاً عن فشل النموذج الحضاري والتنظيم المجتمعي ونموذج القيم الذي فرضته العولمة والرأسمالية النيوليبرالية المتوحشة لأنها محكومة بمبدأ المنفعة”. وأضاف قائلاً إنه “طالما بقيت القيمة التبادلية هي المسيطرة سنبقى بالمأزق.. وأن الاتجاه بعد كورونا هو إعادة انتاج النظام الاقتصادي من جديد بنفس تفاوتاته، في حين أن المخرج الحقيقي (من الأزمة الاقتصادية العالمية) لا يكون إلا بالتضامن والعدالة..”.

وصدر كتاب “التنمية والفقر: مراجعة نقدية للمفاهيم وأدوات القياس” عن المركز بالتعاون مع “شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية” في كانون الثاني/ يناير المنصرم. يمكنكم الحصول على الكتاب فور الضغط على الرابط التالي التنمية والفقر: مراجعة نقدية للمفاهيم وأدوات القياس

يمكنكم مشاهدة الندوة الحوارية كاملة بهذا الفيديو: