تقديم:

ستظل سنة 2011 بارزة في التاريخ المعاصر كونها شهدت سقوط أنظمة استبدادية تسلُّطية أمعنت في قمع شعوبها وكبح طموحها نحو الحرية والتقدم، بعدما انعتقت من نير الاستعمار واستغلاله الفاحش لخيراتها وقتله خيرة شبابها، لتسقط في أيدي أنظمة متسلطة لم تكن أرحم من المستعمر. كان يُرجى من «الربيع العربي» فتح صفحة جديدة في تاريخ هذه الشعوب مفتوحة على الكثير من الاحتمالات المتفائلة بغدٍ عربي أفضل.

وتعاني المجتمعات العربية الآن عدم الاستقرار لأسباب تتعلق بطبيعة تركيب السلطات السياسية، فضلاً عن الانقسامات التي تعانيها، وعدم الوفاق الجماعي على وجودها الشرعي وكذلك ضعف بنيتها السياسية والهيكلية.

إن عدم الاستقرار الذي تعانيه أغلب المجتمعات العربية في الوقت الحاضر له انعكاساته على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي غالباً ما تكون أسبابها الأساسية عدم فعالية السلطات السياسية وانحيازها لفئة أو طائفة، حيث لم تعكس إرادة الجماهير الشعبية في قراراتها السياسية، ولم تعمل على تحقيق حريتها وكرامتها الإنسانية، ما خلق هوّة شاسعة بين السلطة الحاكمة والقاعدة الشعبية. ومن هذا المنطلق، فإن كفاءة الحكومة وفعاليتها في إدارة شؤون المجتمع وتحقيق أهدافه وتجسيد قيمه، تعتبر إحدى وسائل بناء الشرعية وتكريسها[1].

وما لا شك فيه أن الاستقرار بصورة عامة، فضلاً عن التماسك الاجتماعي، يمثل صمام الأمان في أي مجتمع بما يمنحه من فرص للنمو والتطور وقدرة على مواجهة مختلف التحديات الداخلية منها والخارجية.

إن المسار الذي اتخذته الثورة في بلدان مثل سورية وليبيا واليمن، والوضع في العراق، يزيد تعميق حالة اللاستقرار ويزيد التوتر ويوفر بيئة مناسبة لتقوية الاتجاهات المناهضة لبناء دولة ديمقراطية تتسع للجميع. وقد يرى البعض أن التغيير في الوطن العربي صعب المنال في ظل الأوضاع التي يعيشها الآن وأن ليس بالإمكان أحسن مما كان؛ أي العودة إلى ما قبل ما يسمى «الربيع العربي» والارتماء مجدداً في أحضان السلطوية. لكن هذه النظرة التشاؤمية لا يجب أن تمنعنا من التفاؤل والتفكير في الإمكانات المتاحة للتغيير الإيجابي شريطة توافر الإرادة الحقيقية لدى جميع القوى الحية في الوطن العربي. وبناء عليه يمكن طرح سؤال مركزي هو: ما هي الأسس التي يمكن الانطلاق منها لتحقيق الاستقرار في الوطن العربي؟ سنجيب عنه انطلاقاً من النقاط التالية:

أولاً: في الحاجة إلى تفعيل الوظيفة التطويرية للدولة

تعرف المجتمعات السياسية، في كل مرحلة من مراحل تطورها، تغييرات في مقوِّمات العلاقات السياسية المرتبطة بواقع التغيير الاقتصادي والاجتماعي، يؤدي بها إلى الانتقال من وضع إلى آخر. ومن شأن هذا التغيير الذي يفرز الاختلال في علاقات التوازن بين مختلف العناصر أو الأجزاء المكونة للجسم السياسي، أن يحدث سلسلة من التأثيرات في صورة توترات خطيرة، قد تسفر عن ثورات أو انقلابات سياسية أو اجتماعية كبرى، إذا لم يكن مصحوباً بنقلة على طريق التطور السياسي الدائم والمستمر من خلال التطوير المستمر للقواعد القانونية الملائمة والمناسبة، والارتقاء بالتنظيمات والمؤسسات الأكثر فعالية، إلى مستوى يجعلها تستجيب لكل تغير عادي أو مفاجئ. ومن هذا الجانب يبدو الارتباط الوثيق بين الوظائف التقليدية أو القانونية للدولة، ولا سيّما الوظائف التأسيسية والتشريعية والتنفيذية، وبين وظيفتها التطويرية؛ فهذه الأخيرة تتمثل بسعي الدولة، ومن خلالها النظام السياسي، إلى القيام بمجهود سياسي – قانوني لتطوير وتكييف الأنظمة القانونية بشكل دائم، وفي طليعتها الوثيقة الدستورية، تطويراً يجعل هذه الأنظمة القانونية قادرة على تحقيق التوازن، وعلى استيعاب الأوضاع الاجتماعية الجديدة وكل القوى السياسية الجديدة بشكل سلمي؛ وتشكل حلاً لعدم المساواة في الحصول على الموارد، وعلى السلطة السياسية، وعلى التعليم، والصحّة، والعدالة. ومن ثمّ يتعلّق الأمر بالقضاء على شكلٍ من أشكال العنف التي تنتجها مؤسّسات الدولة أو الممارسات الاجتماعية التي تمنع الأفراد أو الجماعات من تلبية حاجاتهم الأساسية.

أما إذا عجز الإطار التنظيمي عن استيعاب هذه القوى السياسية الجديدة بأسلوب سلمي، فإن هذه الأخيرة تلجأ إلى الوسائل العنيفة لفرض وجودها على الساحة السياسية للمجتمع السياسي، فتجتاح هذا الأخير الأزمات وتتقاذفه الاضطرابات والفوضى والمعاناة وعدم الاستقرار، وهو الوضع الذي عاشته وتعيشه العديد من البلدان العربية.

إن أمثل النماذج السياسية من حيث أداء الدولة لوظيفتها التطويرية هي تلك التي تتميز بالمرونة وبالقدرة على الخروج من الصور الجامدة والقالب العتيق لتتحلى بالواقعية السياسية وتطبع بالمرونة الواضحة واللازمة، فتسير في الطريق الطبيعي للتطور سيراً متزناً وتلقائياً ينسجم مع درجة نضج المجتمع السياسي الذي تمثله[2].

وبالرجوع إلى الوطن العربي، نجد أن الأزمات الحادة التي تعرضت – وتتعرض لها – دوله، ترتبط بتفاعل وتطور عناصر الأنظمة القائمة فيها من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ذلك أن التطورات غير المتوازنة لمختلف العناصر المكونة للمجتمعات العربية لم يصاحبها تطور مقابل في المؤسسات الاجتماعية والأنظمة السياسية التي ظلت جامدة في أغلبها. وقد أدى هذا الجمود إلى إحداث فجوة بين المجتمعات وبين الأنظمة التي لم تستطع استيعاب القوى السياسية الجديدة، سواء بالوسائل السلمية أو حتى بوسائل العنف، والتعبير عن التطورات الاجتماعية المستجدة. ومع اتساع هذه الهوة وتجاوزها حدود المطلق، تتولد الرغبة بل الحاجة الماسة إلى إدخال تطورات وتغيرات جذرية وفجائية على النظام والمؤسسات لجعلهما متوافقَين ومنسجمَين مع الأوضاع الاجتماعية الجديدة التي لا يمكن للبلدان العربية أن تتفادى حدوثها إلا بإقرار التوازن والاستقرار، والاعتماد في التطور السياسي على مبدأ مشروعية الحكم الديمقراطي، ورفع التناقض الحاصل بين التطور الاجتماعي وعدم مرونة بعض المؤسسات لتقبُّل فكرة التجديد والتطور.

ثانياً: بين الأمن والديمقراطية والتنمية

تعددت المخاطر والتهديدات التي تحدق بكيان الدولة العربية وتغيرت طبيعة العدو من وحدة سياسية واضحة هي الدولة – الأمة التي تحتكر الوسائل الشرعية للقهر على حسب تعبير عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (Max Weber) إلى مجموعة من الفواعل قد تكون سياسية دولية أو سياسية خاصة أو حتى العاهات والأمراض المعدية أو الجريمة المنظمة. ففي فترة ما بعد الحرب الباردة، هنالك أخطار ذات طبيعة متغيرة تماماً هي في تزايد؛ قد تذهب من السيدا إلى التطرف الديني مروراً بالمخدرات وازدياد حرارة الأرض، والجريمة، والبطالة، والمافيا، والسحب المشعة، والتلوث والكوارث الطبيعية[3]. فلم تعد التهديدات في مجملها خارجية، بل إن أكبر تهديد للدولة والمجتمع أصبح ينبع من الداخل، أي إنه نتاج داخلي.

وإذا كانت الأهمية تعطى للدفاع عن الأقاليم والمجموعات ضد أي اعتداء خارجي، فإن متطلبات الأمن اليوم تقتضي تغيير العقيدة الأمنية للأنظمة السياسية العربية، بمعنى حماية المجموعات والأفراد في مواجهة العنف الداخلي؛ فالفرد وليس الدولة هو الذي يجب أن يكون المرجع للأمن. أكثر من ذلك فإن الفرد ليس هو الفاعل الوحيد الذي يحتاج إلى الأمن بل كذلك المجموعة تحت وطنية، وفوق وطنية، و«الأمة»، ولكن ضمان أمن الفرد يعني ضمان أمن باقي المجموعات.

إن السلطوية هي خاصية مشتركة لكل الدول والأنظمة التي تعرف أزمات سياسية خطيرة في الوطن العربي، فكل هذه الدول تعترف بالتعددية وحرية تأسيس الجمعيات ولكنها تحكم قبضتها عليها وتمعن في مراقبتها، وهو ما يحد من قدرتها على الحركة والعمل بطريقة مستقلة؛ فالنظام السلطوي معادٍ بطبيعته لكل استقلالية فردية أو جماعية، في حين أنها شرط لاحترام الحريات والحقوق الفردية والجماعية، وإقامة ديمقراطية حقيقية قائمة على الحوار والتعددية والاحترام، ستعمل بدورها على القضاء على التطرف والعنف بصفة آلية. كما أن المشكل الأساسي في البلدان العربية يتعلق بالأمن الإنساني قبل أن يكون أمناً سياسياً؛ أي الأمن الإنساني بمفهومه العام كالعدالة الاجتماعية والأمن الغذائي والأمن الثقافي وهي التي تعتبر في الواقع اللبنات الأساسية التي من شأنها أن تضمن الأمن السياسي الذي تطمح إليه شعوب المنطقة[4].

والصلة بين التنمية والديمقراطية صلة بديهية، فهناك ارتباط بينهما لأن الديمقراطية تشكل الأساس طويل الأجل الوحيد لاحتواء المصالح المتنافسة العرقية والدينية والثقافية. وهما مترابطتان، كون الديمقراطية حق أساسي من حقوق الإنسان، والنهوض بهذا الحق في حد ذاته يعتبر إجراءً مهماً من إجراءات التنمية[5]، كما أنهما متلازمتان؛ ففي ظل الديمقراطية تكون حقوق الإنسان محترمة في الممارسة، وتشكل ضمانة للديمقراطية، لكن هذا الترابط سيتلاشى ولن يطول ما لم يتم الاهتمام بتحقيق التنمية الاقتصادية.

إن الدروس المستشَفَّة من عمليات التنمية الفاشلة أوضحت أن التنمية لا تأتي بالمساعدات الاقتصادية وحدها، لكنها كذلك مرتبطة بالتنظيم البنيوي للمجتمع. وفي هذا السياق تم الإقرار بأنه لا تنمية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون احترام حقوق الإنسان، وأخيراً لا ديمقراطية بدون تنمية[6]. فأي دولة تدعي الديمقراطية حقاً وصدقاً لا بد من أن تلتزم بالأسس التالية:

– نظام انتخابي حقيقي.

– الفصل بين السلطات.

– وجود أحزاب متعددة وفاعلة.

– تداول على السلطة.

– حماية واحترام الحقوق والحريات وفي طليعتها الحقوق السياسية[7].

ثالثاً: تحقيق المواطنة الكاملة

إن المواطنة الحقة لا تتحقق إلّا إذا علم المواطن حقوقه كاملة (مدنية وسياسية – واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية)، وبعد علمها عليه ممارستها والسعي لتحقيقها وعدم التنازل عنها. وبهذا المعنى تكون المواطنة في نهاية المطاف انتماءً للوطن، ودرجة المواطنة مرتبطة بمدى الشعور بهذا الانتماء كون الانتماء هو الارتباط الوثيق بالوطن. وثمة علاقة عميقة وجوهرية، بين مفهوم المواطنة والأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية السائدة. وذلك لأن الكثير من مضامين المواطنة على الصعيدين الذاتي والموضوعي بحاجة إلى فضاء سياسي جديد، يأخذ على عاتقه تحريك الساحة بقواها ومكوناتها المتعددة لتجدير هذا المفهوم في التربة العربية.

فالمواطنة كمبدأ ومرجعية دستورية وسياسية، لا تلغي عملية التدافع والتنافس في الفضاء الاجتماعي، بل تضبطها بضوابط الوطن ووحدته القائمة على احترام التنوع وليس على نفيه، والساعية إلى تمتين قاعدة الوحدة الوطنية، حتى يشعر الجميع بأن مستقبلهم مرهون بها، وأنها لا تشكل نفياً لخصوصياتهم، وإنما مجالاً للتعبير عنها بوسائل منسجمة وواضحة. ولا يكتمل مفهوم المواطنة على الصعيد الواقعي، إلا بنشوء دولة الإنسان تلك الدولة التي تمارس الحياد الإيجابي تجاه قناعات ومعتقدات وأيديولوجيات مواطنيها. بمعنى أن لا تمارس الإقصاء والتهميش والتمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية. كما أنها لا تمنح الأفضلية لمواطن بفضل معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية. فهي مؤسسة جامعة لكل المواطنين، وهي تمثل في الحصيلة الأخيرة مجموع إرادات المواطنين[8].

ولقيامها لا بد من مقومات أساسية:

  • المساواة بين المواطنين.
  • تمكين المرأة وضمان حقوقها.
  • المشاركة السياسية.
  • وجود مجتمع مدني فاعل من خارج أجهزة السلطة.
  • عدم إضفاء طابع القداسة على الحاكم

إن المواطنة تبنى عن طريق بناء ديمقراطية حقيقية لا ترتبط بنظرة مقتصرة على الانتخابات وإنما الديمقراطية التي تعبر عن المشاركة السياسية والحوار وكذا تفاعل الجمهور، ويجب أن يكون الهدف الحاسم للنقاش العام في ممارسة الديمقراطية مرتبطاً بفكرة مركزية وهي العدالة[9]. وهي حل لأزمة الشرعية التي تعرفها الأنظمة العربية التي وبسبب تآكل شرعيتها التقليدية أو الثورية، أصبحت تركز في خطابها على شرعية الوعد بالإنجاز، أو تعتمد على صيغة مبسطة وهي أن استمرار هذا النظام هو أهوَن الشرَّين، وخط الدفاع الأخير ضد الاستبداد الأصولي، وهو ما أسماه الكثير من المفكرين «شرعية الابتزاز»[10]، واضطرار المواطنين إلى اللجوء إلى توظيف الوساطة أو المحسوبية ودفع الرشوة، للحصول على خدمات غالباً ما تكون مشروعة[11].

رابعاً: النهضة الثقافية والاجتماعية

يقول المفكر مالك بن نبي «إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها»[12]. وعليه فإن الأساس الأولي لأي بناء حضاري هو التعليم الجيد والشامل. فلم تتحرك البلدان العربية في معظمها بالسرعة اللازمة لتحسين نوعية التعليم والارتقاء بما لديها من أصول معرفية وتحفيز الابتكار المحلي والانتقال إلى نماذج تنموية ترتكز على التقانة وبذلك غدت عاجزة عن توفير فرص عمل كافية أو مرضية وبأجور مناسبة لملايين العرب وجلهم من الشباب[13].

وفي هذا الصدد تنتصب مسألة الهوية الضائعة والتصالح مع الذات والتي لن تتم بدون إصلاح حقيقي للتعليم[14]، وخاصة التعليم العالي الذي لا يزال معدل القيد به دون المعدل العالمي والذي يعتبر أحد المؤشرات الدالة على تقدم الدول نحو إرساء مجتمع المعرفة[15]، كونه المدخل الرئيسي لأي نهضة أو تغيير؛ تعليم متاح أمام جميع أبناء الوطن يضمن لهم فرصاً متساوية[16]، وبمستوى رفيع قادر على خوض غمار المنافسة في مجتمع المعرفة، تعليم يربي على الاستقلالية والحرية في الاختيار والاحترام وبذل الجهد في الفهم[17] والابتكار بدل الحفظ والتلقين[18] وتنمية شخصية الإنسان العربي، وهو ما من شأنه إحداث ثورة ثقافية حقيقية واجتثاث الأمية والقطيعة مع الموروث الثقافي الاستعماري السلبي والتصالح مع التراث والانفتاح على الحداثة الإنسانية في جوانبها العلمية والتكنولوجية والفكرية والأدبية الراقية وليس تلك الحداثة الوضعية الممسوخة.

إن ميدان التعليم هو المجال الذي يجب أن تنصب عليه الجهود وتستثمر فيه الأموال. فرأس المال البشري هو الثروة التي يمكن أن تنافس بها البلدان العربية في عالم اليوم خاصة أن معظم سكانها شباب وهو ما يشكل تحدياً حقيقياً وفرصة في الآن نفسه.

خامساً: تطوير بديل اقتصادي

تقف البلدان العربية عند مفترق طرق بين التقدم والرغبة في التغيير وبين التنمية المتعثرة والأزمات، فمثلاً تسبب النزاع الدائر في سورية بآثار كارثية، ما أدى إلى تراجع التنمية بحوالى 35 سنة ودفع نحو 2.5 مليون شخص إلى اللجوء إلى البلدان المجاورة التي أربكها حجم تدفق اللاجئين[19]، وارتفعت نسبة السكان تحت خط الفقر إلى مستوى 7.4 سنة 2012 بالمقارنة مع 4.1 سنة 2010 بالنسبة إلى البلدان العربية ككل[20].

وستواجه البلدان العربية تحديات كبيرة في المستقبل، من أهمها: ضرورة الحد من الفقر، وتوفير فرص العمل لاستيعاب الأعداد المتزايدة من العاطلين من العمل، وضرورة تحقيق قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا، فضلاً عن محاولة استغلال الموارد المتاحة بالطرق المثلى، وتتطلب تلك التحديات مواصلة الجهود التنموية، من خلال توفير بيئة اقتصادية واجتماعية ملائمة في تحقيق استدامة النمو ورفع مستوى المعيشة[21].

ولا يمكن أن تنهض أي ديمقراطية بدون تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثروات، ومنع الاستغلال الرأسمالي، إذ ليس المهم امتلاك ثروات ولكن المهم هو التوزيع العادل لما هو موجود وتحقيق الاستقلال الاقتصادي. وهذا لن يتحقق إلا إذا تم استبدال النموذج الاقتصادي للدولة الحالية السائدة في الوطن العربي أي النمودج النيوليبرالي المتهافت عالمياً وتبني نموذج الدولة الإنمائية التي تتحمل مسؤوليتها في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ أبانت سياسة الخوصصة وبرامج التكييف الهيكلي التي نهجتها بعض البلدان العربية – مع ما رافقها من اختلال وفساد – عن فشلها في تحقيق الأهداف التي رسمت لها، وخاصة عندما تمت خوصصة القطاعات الحيوية والمرتبطة بالمعيش اليومي للمواطن، وفك ارتباط الدولة بالمجال الاقتصادي والاجتماعي، ما جعل حياة الإنسان العربي رهن إرادة الشركات متعددة الجنسيات والسوق المفتوحة الليبرالية التي همها هو تحويل المواطنين إلى مستهلكين، وهو ما يعكسه ترتيب أغلب البلدان العربية في سلم التنمية البشرية. فضلاً عن الأثر المدمر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي[22].

خاتمة

ختاماً يمكن القول إن فتح مجال الحريات، وخاصة حرية الإبداع والتفكير وتكريس الديمقراطية والحكم الرشيد ورفع الحجر عن الفكر باسم الدين، ونشر ثقافة الحوار والاختلاف والمسؤولية والمحاسبة وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، وذلك وفق تعاقد اجتماعي جديد قوامه التعاون وتحقيق المشترك بين جميع أطياف المجتمع ولمس العذر لما يتم الاختلاف بشأنه، مع ضرورة نبذ وتحريم اللجوء إلى العنف في الدفاع عن الآراء والمعتقدات، وترسيخ ثقافة الاحترام والتسامح والنزاهة والكفاءة وتداول السلطة وتقوية عوامل التماسك الاجتماعي بين مختلف الفئات بما من شأنه أن يجعل هذه الفئات في حالة انشداد وتفاعل اتجاه بعضها بعضاً تنتج منها علاقات اجتماعية إيجابية، تعتبر المداخل الرئيسة لأي تغيير ينشد تحقيق الاستقرار في الوطن العربي.