ملخص

تتخذ هذا الورقة البحثية من الواقع التاريخي والمعيش إطارًا مرجعيًا بهدف الكشف عن تمفصلات عالمية وعربية مرتبطة بالقضية الفلسطينية، ثباتًا وتحولًا، حضورًا وغيابًا  ثمّ صهرها في بوتقة واحدة تمكننا من العودة إلى الماضي واستقرائه، بوصفه نتيجة للحاضر وإرهاصًا للمستقبل الذي يدخل في علاقة بمفردات دائمة الحضور تعبر عن العدالة، والمساواة، والحرّية، والإنسانيّة؛ يستخدمها الغربي بصورة عامة والأمريكي بصورة خاصة منفردة ومتفردة، فيكون السؤال هو: هل يسود عالمنا العدل والمساواة فيأخذ كلّ ذي حقّ حقّه؟ أم أنّ هذه المفردات محض شعارات رنانة تحمل من الوهج ما يعمي الأبصار والبصيرة بمجرد الحضور الذي ينقلب قي الغياب إلى راديكالية تنفي الصفة البشرية عن مستخدمها.

الكلمات المفتاحيّة: نسق؛ مساواة؛ حرية؛ فلسطين؛ يهودي؛ غربي؛ قضية؛ هولوكوست؛ طوفان؛ أقصى؛ مقاومة.

مقدمة

منذ عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف أظلمت شمس فلسطين، وخيم عليها ظلام لا ينفك إلى يومنا هذا، ومنذ ذلك الوقت أضحت القضية التي لا تمحى على رغم كلّ محاولات المحو بمخططات يجري التحضير لها على مرّ السنين الطوال إلا أنّها تتجذر أكثر فأكثر، وتأتي النتائج مغايرة لرغبة قوة الإمبريالية، فلو أرجعنا الذاكرة إلى بداية ما سمّي الربيع العربي، ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أُطلق عليه شعار تجزئة المجزأ، وتقسيم المقسم، أدركنا أن الربيع لم يحضر إلى الشرق الأوسط منذ ذلك الحين؛ لأنّ الخريف كان هو الحاضر وما تبقى من فصول في غياب، فقد خيم القتل والدمار والفتن على الأوطان المختلفة بين صورة عابرة وأخرى مستدامة؛ أي إن نسب الصراع كانت متفاوتة المدة، فالأكثر طولًا الأقرب إلى فلسطين، والأبعد هو الأقصر احتضانًا للظلام. في بادئ الأمر لم ينتبه أحد إلى تلك المسألة؛ لأن الهرج والمرج كانا في بدايتهما. وفي الوقت نفسه، لم يكن المخطط قد باح بخفاياه كلّها، أما اليوم وبعد مرور تلك الأعوام كلّها أضحت قراءة المشهد ممكنة، والغاية واضحة، خصوصًا بعد التطورات الأخيرة (طوفان الأقصى وما تبعه من أحداث هزت العالم، وفضحت زيف ادّعاءات الحرية والسلام والمساواة، وثبّتت في المقابل حقيقة مفادها الراديكالية، والعنصرية، والاحتلال، فضلًا عن دونية النظرة إلى شعوب الشرق الأوسط، والكيل بمكيال واحد أو بعبارة أخرى النظر بعين واحدة وإعماء الأخرى؛ لذا سنعمل على معالجة ذلك في هذه الورقات، انطلاقًا من اتّخاذ أحداث الواقع نصًّا قابلًا للتحليل، والتفسير، عبر تفكيك مضمر الأفعال والأقوال وربطها بسياقاتها التاريخيّة والثقافيّة.

أهمية البحث وأهدافه

يهدف البحث إلى الكشف عن ازدواجية المعايير الغربية وخصوصًا الأمريكيّة في التعامل مع القضية الفلسطينيّة على نحو خاص والإنسانيّة على نحو عام، كما يهدف إلى الإجابة عن سؤال مؤدّاه: هل ازدواجية المعايير الغربية الأمريكية وليدة حادثة طوفان الأقصى أم أنّها غائرة في القدم؟، هذا من جانب، ومن جانب آخر يرتبط السؤال الأول بثانٍ يتقاطع معه ويلتقيان عند نقطة الإجابة؛ هل الراديكالية الغربية مقتصرة على القضية الفلسطينية أم أنّها تتعدّاها إلى قضايا أخرى تختلف بالتسمية وتتلاقى بالأسلوب؟.

منهجية البحث: سيعتمد البحث على آليات النقد الثقافي، لما تقدمه هذه الآليات من حرية في عملية قراءة المضمرات الثقافيّة والفكريّة وتأويلها.

أولًا: المساواة ونسق المكيال الواحد

إنّ الناظر إلى القيم التي يحتكم إليه العالم يعتقد أن لا مظلومًا يعيش على وجه هذه البسيطة، بل إنّ مفهوم الظلم لا وجود له في القواميس الحياتيّة لهذا العالم؛ هذا على المستوى الظاهر، فلا يغيب على أحد أنّ هذا العالم المثاليّ تُديره دولة تمثال الحرية والدولار؛ لذا يفرض علينا المضمر الفكري التساؤل عن حقيقة الحضور الواقعي لتلك المثاليّة، وهل هي للناس كافة لا فرق بين عربيّ وأعجميّ، وبين أبيض وأسود، وبين مسلم ويهوديّ ومسيحيّ؟

لا بد في بادئ الأمر قبل الإجابة عن هذه التساؤلات من إرجاع عقارب السّاعة إلى الحرب العالميّة الثانية حتى يتأتّى للذاكرة استرجاع أفعال وأحداث وتمفصلات تاريخيّة منوطة بدولة الحرّيّة والدولار وصولًا إلى طوفان الأقصى. بيد أنّ هذه العودة والرجوع إلى تلك التواريخ لا تحملان الغاية التكراريّة؛ تكرار ما حفر في أذهان الأجيال، ووعته العقول من آلام وقتل براءة الأحلام، إنما سنعمل على استرجاع بعض التصريحات أو آراء القيادة في تلك الحقبة، بوصفها إرهاصات تمكننا من كشف المضمر الفكري لعقليّة الحرّية والدولار.

إنّ الظهور الفعلي الأول لأمريكا كان بعد قنبلة هيروشيما ناغازاكي بالتحديد، بوصفها الحاكم الجديد للعالم أو اللاعب الأقوى فيه، وما انطوت عليه تلك الحادثة من بشاعة شاهدتها الأعين، واحتفظت بها الذاكرة، لكن ما لم تشاهده الأعين وتتداوله العقول تسويغ القيادة السياسيّة الذي كاد أن يكون أبشع وأشدّ فظاعة من الجريمة ذاتها، إذ يقول المسؤول الأمريكي عن إلقاء القنبلة على هيروشيما “إن إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما كان عملًا إنسانيًا؛ لأنه أوقف الحرب”([1]). إنّ قراءة هذه الكلمات تجعل العقل مجنونًا، فأيّ إنسان أو أيّ إنسانيّة تدعو إليها أمريكا عندما تصف قتل الآلاف بالعمل الإنسانيّ، فيكون السؤال هنا هل عرف التاريخ أكثر إجرامًا من هذه العقليّة؟ لا أظنّ! لكن قد يقول قائل من أصحاب الإيمان الأمريكي الغربيّ: إنّ هذا التصريح شخصيّ؛ أي إنّه لا يمثّل دولة تمثال الحرّية والدولار، إنّ هذا الكلام يحمل قدرًا من الحقيقة المشروطة بعد تكرار مضمون التصريح في حالة إبادة وحشيّة مماثلة في الأسلوب مغايرة في المكان مثل الفيتنام، فالأميرال زامولت المسؤول عن رشّ الغابات الفيتنامية بمادة (أيجنت أورنج السامة) يؤكد، على الرغم من إصابة ابنه الذي كان يقاتل في ذلك المكان بالسرطان، عدم الشعور بالذنب ولو بالنزر اليسير، والأكثر فظاعة وتوحّشًا من ذلك تأكيده العزم على إعادة الفعلة مرّة أخرى إذا اقتضت الضرورة([2]). وهنا نتساءل هل يعقل أن يكون المسؤولان قد اتفقا على عدم الندم وإظهار الوحشية، أم أنّها محض مصادفة؟ بالطبع لا؛ لأن السؤال الأول يكون الرد عليه بالنفي بفعل الفارق الزمني الكبير بين الحادثتين، الأمر الذي ينفي الثاني على نحو بدهي، ويؤكّد في الوقت نفسه أنّ العقليّة العسكريّة الأمريكيّة عقلية قاتمة بالسواد والوحشية، بيد أنها تصيّر البشر الذين يعملون في مؤسساتها ودوائرها المظلمة وحوشًا لا يمتلكون أدنى مشاعر الإنسانية والقيم الأخلاقية، إن لم تكن هذه الوحشية والبربريّة شرط الانتساب والتدرّج في الرتب؛ أي إنّها المعيار الرئيس والجوهري في تخيّر الأشخاص، والدليل على ذلك كلام جورج بوش الذي يطلب فيه مما حوله إيجاد حرب شبهها بـ Big Bang الانفجار العظيم يقول: “الشعب الأمريكي يريد عملًا كبيرًا، مهولًا، فرقعة عظيمة (استعمل بوش تعبير الانفجار العظيم Big Bang الذي يصف به علماء الطبيعة تلك اللحظة التي انفجر معها خلق الكون) لا أريد معركة واحدة، ولكن أريد حربًا ممتدة يشعر بها الأمريكي ويتأكد أننا نواصل الدفاع عنه حتى أقاصي الأرض. لا يهمني اعتقال رجل واحد ولا اعتقال عدة رجال*، إنما يهمني أن نتوصل إلى صيغة فعل تعطينا تفويضًا مفتوحًا للعمل حيث نشاء”([3]). إنّ القارئ المؤمن بالفكر الأمريكي الغربي سيقول عن هذا الحوار إن جاز التعبير: إنه رئيس مثاليّ لا همّ له سوى راحة شعبه وسعادته، ونحن بدورنا سنؤكّد ذلك بالقول إنّه شيء عظيم، لكن قبل أن نؤكد، وقبل أن يعمينا وهج الحلم الأمريكي علينا أن نفكر لهنيهة ونتساءل ما الحلّ أو المشورة التي أعطيت لبوش في ذلك الموقف، لنقرأ إن دون* طرح موضوع ضرب العراق في اتّصال معي أمس وقد رفضت الاقتراح”([4]). في بادئ الأمر لا بد أن نغض الطرف عن الرفض؛ لأنّنا نعلم ما آلت إليه الأمور فيما بعد، فهذا الأخذ والردّ كان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي سنتوقف عندها في الأسطر القادمة، لنعد الآن إلى ذلك الحوار ولا أظنّ أن هناك حاجة إلى توقّع رد فعل صاحب الإيمان الأمريكيّ الغربيّ؛ لأنّنا سنحاول الوقوف عند المضمر الحواريّ وتفكيكه.

إنّ اللافت في الطلب والاقتراح العقليّة الملغية للآخر؛ لأنّها سعت إلى تنفيذ المشاريع والمخطّطات بغضّ النظر عن الثمن الذي سيدفعه الآخر، فالمهم في الأمر أن تتحقّق الغاية والمصلحة، وهنا يلتقي هذا الحوار مع التصريحين السابقين ضمنًا ويخالفهما في الوقت نفسه؛ لأننا أمام عقليّة لا تقف عن طلب الدماء والقتل من دون أيّ خجل، أما عن الاختلاف فنبرة المصلحة الخاصّة التي لا يريد ولم يرد منها بوش في ذلك الوقت إلا تقديم صورة مفادها أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، ليبقى السؤال أي فكر قاتم في السواد والتوحّش سيطر على هذا العالم وما زال يسيطر؟، فكر امتلأ بالدماء بقدر امتلائه بالتطور في حالة تتحقق فيها نبوءة كبار العصر الفيكتوري مثل دارون، وإمرسون، وسبنسر وغيرهم بأن تقدم الإنسان إلى الأمام سيكون منوطًا بالصعود على أشلاء الموتى إلى الأعالي([5])، هذا على مستوى التصرفات الخارجية، أما على المقلب الآخر؛ أي الحالة التي يكون فيها الداخل الأمريكي هو المسرح للعمليات كما حدث في الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد، فكيف كان رد فعل أمريكا، وكيف تصرّفت هذا ما سنعالجه في ما تبقى من أسطر تحت هذا العنوان.

يمكننا عند تذكر أو ذكر تلك الحادثة وصفها باليوم الذي غيّر مجرى التاريخ؛ لأنّ صور تدمير برجي التجارة العالميّة في نيويورك بعد اصطدام طائرتين بهما خلال ما سمّي هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي استهدفت منشآت أمريكيّة أسفرت عن قتل ما يقارب ثلاثة آلاف شخص وتبنّاها تنظيم القاعدة، كانت بمنزلة البداية لحرب طويلة أو حجّة تسوّغ الأفعال الأمريكية في القادم من الأيام. فقد أعلنت الولايات المتّحدة الحرب على ما أسمته “الإرهاب” الكلمة التي يتمخّض عنها حمولة دلاليّة وثقافيّة لا تزال آثارها حاضرة إلى يومنا هذا. فالإرهاب إذا ما تعاملنا معه بوصفه قانونًا يميّز صنّاع الحياة من أعدائها سنجد أن المعايير الطبيعة التي نحتكم لها وإليها غير موجودة، بمعنى أن أمريكا تحرك وتتحكم بهذه الكلمة وفقًا لما تقتضي مصلحتها وأهواؤها، وهذا الحكم لا نلقيه جزافًا؛ لأن تأمّلًا بسيطًا في الأحداث التي توقّفنا عندها، والتي لم نقف عندها يعطي الحكم المطلق ذاته، فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن على نحو بدهي ألا يعدّ إلقاء قنبلة ذرّيّة على مدينة كاملة ومحوها عملًا إرهابيًا؟ ألا يعدّ رشّ منطقة بالمواد السّامة عملًا إرهابيًّا؟ من ثمة أي سؤال يتناسب مع تدمير مدن بحجج واهية لا يعرف الصدق إليها طريقًا مثلما حدث في العراق. هل يعقل أن يحكم على تلك الأفعال بغير الإرهاب والعداء ضد الإنسانيّة؟ لا أعتقد؛ لكن واقع الحال ينفي القول ويثبت العكس، فأمريكا تمكنت بعد حادثة الحادي عشر من جعل كل فعل لا يوافق رغباتها ويخدم مصالحها عملًا إرهابيًّا، والعكس بالعكس، فكلّ ما تقوم به مهما بلغ من البشاعة والوحشيّة يعدّ عملًا إنسانيّة؛ لأنّه حقق شرط الخدمة لمصالح دولة الحرّية والدولار، وهذا مناقض لمفهوم الخير الحياتيّ عند إريك فروم في كتابه قلب الإنسان إذ يقول: “الخير هو كل ما يدعم الحياة والشر هو كل ما يدعم الموت، إن الخير هو تقديس الحياة”([6])، وليس تقديس المصالح الشخصيّة والعرقيّة؛ لذا كان النسق الظاهر الحاكم العادل لعالم تملؤه المساواة، في حين أن النسق المضمر كان نسق المكيال الواحد الذي يتجلّى على نحو مؤلم في القضايا البشرية بعامة والقضيّة الفلسطينيّة على وجه الخصوص منذ الثامن والأربعين إلى يومنا هذا؛ لذا كان لا بدّ من معالجتها وفق نسق آخر لا ينفي النسق الذي نحن في صدد معالجته أو أنهينا ذلك، بل العكس يشتغلان على نحو يدعم كل منهما الآخر في تعرية حقيقة فكر دولة الحرّيّة والدولار أو بتعبير آخر الدولة المبصرة في عالم العميان.

ثانيًا: عالم العميان والمبصر الوحيد

إنّ الإيمان المنبعث من نفس ذاتية ملغية للآخر لا بدّ لها من الجزم بأنها أفضل من غيرها والأجدر بالحكم والاحتكام لها وإليها في الأزمنة كلّها، فكيف إذا كان الجازم دولة أوتيت سعة من المال والعلم وبسطة في النفوذ؟ لا محالة ستكون النتائج على قدر عظيم من التكبّر والغرور والفوقيّة، ناهيك بجعل نفسها المقياس الذي يجب أن يتبع ويحتذى به؛ لأنّها المبصر الوحيد في عالم العمى والتعامي، فلا تزال الذاكرة التاريخيّة والثقافيّة تحتفظ بذكرى عام 1948 بوصفها علامة فارقة استيقظ العالم في صباحها على حدث ما زال أثره مترامي الأطراف إلى يومنا هذا، إنّه يوم احتلال فلسطين أو يوم النكبة كما نقش في وجدان شعوب الأمة على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، لكنّ المؤكد أن ذلك اليوم لم يكن وليد لحظة الحدوث، إنما هو زمن من التخطيط والتجهيز الذي قُرر له أن يولد في تاريخه ووقته؛ لذا سيسعى البحث إلى تفكيك بعض الشيفرات التي دفعت ما وقع إلى الوقوع عبر تحليل  بعض التصريحات والخطط اللتين كُشفتا للعلن من أجل كشف المضمر الاعتقادي لدولة الحرّيّة والدّولار ونقده، بيد أنّ كثيرًا من الكتابات والتأريخات الشّائعة اللتين تناولتا الحديث عن تلك الحقبة المؤلمة تركّز على الدور البريطانيّ، وهو دور محوري، ولا شكّ، في وضع الركيزة الأولى للصهاينة في فلسطين، ولا نقول الأساسيّة؛ لأنّنا نتساءل عن الدور الأمريكي، هل كان حياديًّا في بادئ الأمر؟ أم أن راديكاليتها كانت حاضرة منذ بداية المخطط، مشكّلةً حجر الزاوية والأساس في الغزو والنهب والاستيطان؟. إن الإجابة عن هذا السؤال تستدعي البحث في الذاكرة التاريخيّة والثقافيّة على حد سواء، وتحديدًا قبل مئة عام ونيف من النكبة، وصولًا إلى عام النكبة، ثمّ التاريخ المعاصر، ففي منتصف القرن التاسع عشر وتحديدًا في عام 1847 طالب وليام فريسيس وغيره بضرورة احتلال فلسطين من أجل إحداث تغيير في المنطقة، وذلك عبر إرسال خمسين من الفرنجة الخارقين، كما طلب أو دعا إلى ضرورة إعادة اليهود إلى فلسطين([7])، لتكون هذه الدعوة بما حملتها من راديكالية ونفي للآخر النواة الأولى لفكرة احتلال الصهاينة فلسطين، وفي الوقت نفسه، كشفًا لجذور الاستعلاء الأمريكيّ أو المبصر الوحيد. فجملة (خمسين رجل من الفرنجة الخارقين) هي جملة ثقافيّة تكشف المضمر الاعتقادي لدولة تمثال الحرّية والدولار التي تتعامل مع الآخر وفق ثنائيّة السيد الأبيض/ العبد الأسود، فالمنطق العقلي يأبى التصديق أن خمسين رجلًا يمكنهم احتلال منطقة كاملة أو إحداث تغيير فيها؛ لأنها تحتوي أضعافًا مضاعفة من ذلك العدد، إلا إذا كانت الحكاية أسطورة والمقاتل أو المغامر رجلًا أبيض، ليكون السؤال هنا أي استحقار ومحو للآخر يضمره الفكر الأمريكيّ؟ وأي فوقية ورغبة إلى استبعاد الآخر؟ إنّ الإجابة عن هذه التساؤلات تتأتّى بطرح سؤال مضاد، ثمّ الإجابة عنهم جميعًا، وهذا السؤال مفاده: قد يقول قائل من أصحاب الإيمان الأمريكيّ الغربيّ إنّ هذا الفكر يحمل طابعًا راديكاليًا في ذاته؛ لأن الغرب على نحو شبه كلّي كان وما زال يدعم تلك الفكرة، حقيقة إنّ هذا الكلام صحيح، إلا إذا أكدنا بدليل واضح لا يساوره الشك أن فكرة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وما انطوت عليه من قتل وتهجير واعتقال ونهب وسرقة واستيطان… أمريكية بصورة خالصة؛ لأنَ التاريخ عرف قصصًا كثيرة عن احتلال شعوب لشعوب أخرى رغبةً في السيطرة على الموارد الحيوية المهمة تبعًا لكلّ زمان، أما أن يأتي الاحتلال على صورة ساعية إلى إبادة أصحاب الأرض الأصليين، فهذا ما لم يعرفه التاريخ قبل نحت تمثال الحرّية وطباعة الدولار، وهنا نقصد إبادة الهنود الحمر وأخذ أرضهم، ولا نريد من هذا الاسترجاع إعادة المعروف وتكراره، إنما سيكون الاشتغال على نحو مقارن بين أفعال الأمريكيين وأفعال الصهاينة، بوصف الأخير تابعًا للأول بفارق الزمن، أو سائرًا على خطاه إن أردت.

إنّ الفكرة المحوريّة التي يتمحور حولها الاحتلالان: الأرض الفارغة، فالأمريكيون أعلنوا أنهم عثروا على أرض خاليّة([8])، والصهاينة قالوا بالمثل أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهنا نكون أمام تداخل فكري إلى حدّ التوحّد مع فارق بسيط يتجلّى بأنّ الطرفين كليهما قالا بفراغ أرض سيستولي عليها على الرغم من وجود بشر فيها، أما الفارق فيأتي من استعمال الصهاينة كلمة شعب، وليس أي كلمة أخرى مثل أرض خاوية لشعب بلا أرض أو أرض مهجورة لشعب مهجّر، فلماذا تخيروا هذه المفردة من بين  مفردات كثيرة أو بتعبير أدق لماذا جعلوا من هذه العبارة شعارًا لهم من دون غيرها؛ لأنّ كلمة شعب في سياقها الوارد جاءت حاملة لنسق ثقافي استعلائي، فالمقولة على المستوى الظاهر لا تنفي وجود أناس في الأرض، لكنها على المستوى المضمر تثبت أنهم ليسوا شعبًا، الأمر الذي يعني أن كلمة شعب ذات حمولة دلالية في قاموس الدولة المبصرة الوحيدة ومرآتها الصهيونية، تعني التحضر بحسب مقاييسهم أو بعبارة موجزة الشعب هو الذي يستحق الحياة ودون ذلك يجب أن يكون الموت مصيرًا لهم، طبعًا إذا ما تذكرنا أنّ القائل أناس يؤمنون بأنهم شعب الله المختار؛ أي إن مكانتهم أرقى وأعلى من البشرية جمعاء، لنكون من جديد أمام ثنائية السيد/ العبد، ومن نافلة القول قبل الانتقال إلى الفكرة الفرعيّة أو الأفكار في هذه المقارنة التأكيد  أن النظرة الأمريكيّة إلى الهنود الحمر لم تكن أفضل، بدليل أنهم لم يعترفوا بوجودهم أساسًا، فإذا كان الصهاينة قد اعترفوا على نحو مضمر بوجود أناس لكنهم ليسوا شعبًا، فالأمريكيون لم ينظروا إلى الهنود بوصفهم بشرًا أو ينتمون إلى الجنس البشري من قريب أو بعيد، وهذه النظرة هي التي وطّأت لفكرة الاستعمال الإحلالي، بوصفها ثاني الخطوات، فالأمريكيون عملوا منذ اللحظة الأولى على تفريغ الأرض المكتشفة من سكانها وإحلال شعب آخر مكانه، وهذا ما فعله ويفعله الصهاينة تحت مسمّى الاستيطان مع فارق أمريكي بسيط من أجل المحافظة على مرتبة السيادة في قتل الشعوب وتجهيلها وسرقة كل ما هو جميل من الحياة الإنسانية وتحويله إلى جحيم، فإذا كان الأخير أضمر الاستيلاء على الأرض الفلسطينية كلّها، وأعلن ذلك في مناسبات عدّة، فإنّ الأول لم يكن حجم القارة المكتشفة واضحًا ولا عدد ساكنها، لكن الواضح الوحيد في ذلك الوقت أن الشعبين لا مكان لهما على الأرض نفسها؛ لذا قلنا إن الاستعمار التقليديّ يختلف عن الاستعمال الاستيطاني؛ لأن الأول يقتصر على نهب خيرات البلد المحتل في حين أن الأخير لا يكتفي بذلك، إنما يعمل على إبادة السكان الأصليين وتهجيرهم والادعاء بأن هذه الأرض وما تستبطنه من خيرات لهم([9]) على أساس الحجة التاريخيّة، فلا يغيب على عاقل أن المشروع الصهيوني في فلسطين قائم على حجة الحقوق التاريخيّة، لكنّ العجاب أن تكون أمريكا قد ابتدعت الحجة نفسها في الاستيلاء على أرض الهنود الحمر (أمريكا الحالية) أو بتعبير أدق أن تكون أمريكا هي مصدر فكرة الحقوق التاريخيّة في الاستيلاء على الأوطان؛ إذ إنّهم قالوا بوجود رجال بيض في بعض قبائل الهنود الحمر، ويعد هذا دليلًا مؤكدًا على وجود أسلاف أوروبيين في المنطقة؛ لذا راحوا يبحثون عن بقايا هؤلاء الأوروبيين، وهذا البحث يعيد إلى الأذهان عملية بحث الصهاينة عن بقايا الهيكل أو حطامه([10])، وهنا يكون السؤال الملحّ أي تشابه انطوت عليه هاتان القضيتان والممارسات المنوطة بهما، فلا يمكن لقصتين أو حادثتين أن تتطابقا على هذا النحو إذا ما أخذنا بالحسبان الفارق الزمني إلا إذا كان الكاتب واحدًا في عالم العميان والمبصر الوحيد الذي يبدل المفاهيم، ويحول الحقّ إلى باطل و الباطل إلى حقّ من دون أن يعيا في ذلك؛ لأنه المبصر الوحيد وعلى العميان أن يذعنوا له حتى يأخذهم إلى جادة الصواب بغض النظر عن قدرتهم على التكيف مع الحضارة أو كذبة التحضر، الأمر الذي دفع باولا ماكس إلى استنتاج يقول فيه “إن المطلوب من الهندي لم يكن التكيف الخلاق مع الحضارة، بل طاعة الأوامر”([11])، وهو قول لا ينفك الصهاينة عن ممارسته ضد الفلسطينيين، بدليل أنّ الفلاح المتحضر من الفلسطينيين في نظر الصهاينة لم يكن القادر على استعمال الجرار الزراعي (التراكتور)، إنما البائع لأرضه، ولاعب القمار، فأول منجزات الحضارة بعد أوسلو إنشاء نادي قمار في أريحا؛ لأن القمار ممنوع في الكيان الصهيوني بسبب المتدينين اليهود، مثلما كان ممنوعًا في بعض الولايات الأمريكيّة، ومنتشرًا في بعض محميات الهنود الحمر،([12]) وهنا  نكون أمام مخطط على شكل هرمي.

وهكذا تتفكك تشابكات الخيوط مفصحة عن لوحة يقف بها سكان العالم خلف بعضهم على هيئة سلسلة ممتدّة يقودهم مبصر وحيد؛ لأنّ العمى قد أصاب الجميع، فاختاروا بحرّية السير خلفه والعمل بمقتضاه. إنّ هذه اللوحة التي ارتسمت تعبر عن حقيقية عالمنا، وتفصح عن زيف الحرّيّة الظاهرة والمعلنة التي تضمر سياسة القطيع من يخرج عنه أو عليه يلاقي الموت عبر وضعه في محرقة صنعت من أجل إحراق شعب فعاش ذلك الشعب، وأُحرقت سائر الشعوب.

ثالثًا: المحرقة ونسق إحراق الشعوب

صحيح أنّ الجريمة قانونيًا تنقسم إلى طرفين قاتل ومقتول يتمخض عنهما تعاطف مع الأول وذمٌّ ونبذٌ للثاني، ويصدق ذلك على الشعوب بمعزل عن الخلفية العقائديّة والإثنية*؛ لأنّ القتل والإسراف فيه يتنافى مع الشعور الإنساني، والإنسانيّة جمعاء، أما أن يكون المجرم قاتلًا ومقتولًا في وقت واحد، فهذا ما لم تعرفه البشريّة قبل الهولوكوست (المحرقة النارية)، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال ملحّ على نحو بدهي مفاده: كيف يكون المقتول قاتلًا، أو الضحية جلّادًا مجرمًا، هذا ما سنناقشه في القادم من الصفحات بغض النظر عن إثبات حقيقة الحدث أو نفيها، إنما الغاية تتبّع التمفصلات التي عقدت عليه، بوصفها مرتكزًا لتسويغ أفعال صهيونية لا تقل عن وحشية الهولوكوست، ولربما تفوقها أعدادًا وتماثلها أسلوبًا، هذا إذا صدّقنا جدلًا أنّ الهولوكوست فريد من نوعه تاريخيًا، فالهولوكوست ينفي عن نفسه البناء التعسفي؛ لأنّه يمتلك تماسكًا داخليًا قائمًا على مبادئ تدعم مصالح سياسيّة واجتماعيّة معينة؛ أي إنّه سلاح أيديولوجي على نحو ينفي المستوى الإنساني عنه، فالمجموعة الإثنية الأكثر ازدهارًا (اليهود) في دولة انتفاضات حقوق الإنسان (أمريكا) قدمت نفسها، بوصفها ضحية من أجل تحقيق مكاسب مادية مهولة إضافة إلى هالة الكمال التي أحيطت بها تلك المجموعة التي لا يمكن نقد تصرفاتها والتعقيب عليها([13])؛ لأنّ الهولوكوست يقوم في بعده الفكري على مستويين: الأوّل الكراهيّة الأزليّة لليهود، والثاني العداء للسامية أو اللاسامية، ولا سبيل إلى القضاء على هذه الكراهيّة والعداء إلا بإقامة دولة يهودية ضد أشرار العالم([14])، وهنا لا بدّ من أن نسوق سؤالين ملحين مفادهما: هل الكراهيّة الأزليّة لليهود حقيقة والعداء للسامية أيضًا؟ أعتقد أنّ الجواب عن الأخير يتأتّى من سارتر الذي يقول “اللاسامي هو في وضع بائس؛ لأنه بحاجة لعدو يريد تدميره”([15]).

إنّ هذه العبارة تنطوي على مستويين: ظاهر هو عدم رغبة اللاسامي في مواجهة السامي، ومضمر يؤكّد أنّ السّامي (اليهودي) هو من أنتج العداء ضد اللاسامي، أو بتعبير أدق هو الذي أنتج أسطورة العداء المزعومة؛ لأن منطق الحياة المجبول على التنوع والتعدد يرفض الصبغة الواحدة، لكنّ شعب الله المختار يرفض ذلك، ويؤمن بأنّ الأقوام كلّها لا بدّ أن تكون تابعة له، وإذا رفضت أو خالفت أضحت عدوًا لا بدّ من القضاء عليه باسم الإنسانيّة، في حين أنّ السؤال الأول، بوصفه حضورًا يستدعي من الغياب عبارتين ما فتئ اليهود يرددونها العالم يريد إزالة اليهود، العالم أراد دومًا إزالة اليهود، اللافت في هذين العبارتين التأكيد على إجماع العالم قاطبًا على إبادة شعب الله المختار، لكنّ العُجاب أنّهم ما زالوا أحياء، وأنّهم على عكس البشرية لا يموتون من الجوع([16])، ولكي لا يفهم الكلام على غير وجهه أو يحمّل ما لم يرد، لا بدّ من توضيح أنّنا لا ندعو أو نرغب في إبادة اليهود أو تجويعهم، إنما الغاية فضح كذب الصهيونية التي أضحت كما يقول الحاخام أرنو جاكوب “يبدو أنهم يبيعون الهولوكوست عوضًا عن أن يعملوه”([17]). فالصهيونية عملت على استغلال ما حدث وتعظيمه كثيرًا انطلاقًا من مبدأ جون ستيوارت ميل الذي يقول “إن الحقائق التي لا يعاد طرحها باستمرار تتوقّف عن أن تكون حقائق؛ لأنها تقع في المبالغة التي تؤدي إلى الزيف والبطلان”([18])، وهنا يتضح السبب وراء تخليد ذكرى الهولوكوست منذ احتلال فلسطين، والتذرّع به في كلّ حالة اعتداء تقوم به إسرائيل، فإنّنا لا نعلم مرة واحدة كانت فيها إسرائيل مظلومة، طبعًا هذا من منظورنا، أما من منظور دولة انتفاضات حقوق الإنسان، فهي دائمًا مظلومة ومعتدى عليها، كيف لا وهي الحاكم مبصر العالم الوحيد الذي يكيل بمكيال واحد يتحرك وفق هواه، فالإنسانيّة حكر عليه، أو بتعبير أدق من يستحق أن يكون إنسانًا هو الذي يتبع القطيع أو العميان كما أشرنا في سابق الصفحات، لنعد إلى أسطورة الهولوكوست ونتساءل مما تتكون أحداثه من أجل الوقوف عند الركيزة الخارقة التي تميزه من المصائب كلَها التي ألمّت بالشعوب وتلمّ بهم، إنّ الهولوكوست يتكون حقيقة من ثلاثة أحداث أو مفردات بتعبير أدق: “إبادة جماعيّة، محرقة، غرف غاز”، وهنا نتساءل مع فوريسون الأستاذ في جامعة السوربون “هل تبدو لك أن غرف الغاز الهتلرية أسطورة أم حقيقة؟”([19])، لا ندعي أنّنا أوردنا هذا السؤال من أجل الإجابة عنه، إنما من أجل الإشارة إلى أن وجود هذه الغرف واستخدامها يخالفان الحقائق العلمية إلى يومنا هذا، إضافة إلى عدم رؤيتها من قبل أيّ شخص أو وجود صورة واحدة لها([20])، لكنّ ماذا عن العزل الذي قام به الألمان ضد اليهود أو ما يعرف بمعازل الغيتو، قد نفاجأ إذا ما علمنا أنّ الغرض منها لم يكن من أجل إبادتهم كما يصور التاريخ الذي كتبه اليهود ودولة انتفاضات حقوق الإنسان، فهم المنتصرون والتاريخ يكتبه المنتصر، إنما السبب كان لمنع انتشار وباء التيفوس في العالم كله ما بين عامي 1943_ 1945([21])، ومن نافلة القول: إن هذه المعلومات وغيرها لا تلقى رواجًا كبيرًا من صناع الأفلام؛ لأنّها تخالف الصورة الرمزية التي يُراد لها أن تبقى إلى الأبد، وهي صورة الضحية، لكنّ الحقيقة تقول: إن العالم ضحية تلك الضحية، هذا من جانب، ومن جانب آخر عرفت أمريكا  العزل أو الغيتو واستخدمته فيما يسمّى بالغيتو الأسود وهي أحياء الزنوج التي تعاني من الفقر، والنظرة الدونية بوصفهم أناسًا غير جديرين بالاحترام([22])، ولا يستحقون العيش؛ لأنهم ليسوا شعبًا مثل ما أوضحنا فيما سبق، ولكن ألا يتعارض هذا الكلام مع ما يقوله الدستور الأمريكي (حياة السود مهمة)؟ حقيقة إنّ هذا الكلام يتعارض مع ما ذهبنا إليه في المستوى الظاهر أما على المستوى المضمر، فإنه يتوافق ويتطابق مع ما ذهبنا إليه؛ لأنّ الجملة الثقافيّة (حياة السود مهمة) تحمل التحديد والتمييز ضد الأفارقة الذين جاؤوا إلى أمريكا قسرًا، فأفريقيا الأرض والبشر تعيش مرسومة على وجوههم؛ أي إن اللون يشكل وطنهم وهويتهم وأثر وطنهم الأم الذي يعلن عن وجوده دائمًا عبر الخريطة البشريّة المحاكية للخريطة الجغرافيّة، فيكون صاحب البشرة السوداء في حالة من الانفصال والاغتراب الدائمين؛ لأنّه يعيش في وطنين: وطن عيني (أمريكا) يتكلم لغته، ويحمل جوازه، ووطن جذري (أفريقيا) مرسوم على وجهه، بيد أن وطنه العيني ينعم بقانون المساواة، لكنّ هذه المساواة تتقلص عند ما تلامس أثر الوطن الأم([23]) أو الجذري في مفارقة راديكالية تعبر عن العقلية التجارية في الإنسان وحقوقه في الفكر الأمريكي الذي يعدّ نفسه الرجل الأبيض الذي قال: فيه جون ستيوارت مل “بأن الرجل الأبيض يصبغ النظرية الثقافية بصبغته لدرجة أن تصبح الحرية نظرية سياسية في صناعة الربح والكسب الذاتي”([24])، وهنا نقول: لماذا لا يعدّ هذا ظلمًا بحقّ البشريّة أو إرهابًا، أو هولوكوستًا؛ أ لأنّ الفاعل مبصر العالم الوحيد ومعظّم أسطورة الهولوكوست التي يجب أن نعود إليها من أجل الوقوف عند قسميها: الإبادة الجماعيّة والمحرقة أو عدد القتلى والطريقة التي قتلوا فيها، وهما شيء واحد؛ لأن القتل يؤدي إلى الغرض نفسه (الموت) وإن تفاوتت بشاعة الطرائق المستخدمة، لكن هل هنالك بشاعة أكثر من إلقاء قنبلة ذرية تذيب البشر والحجر في ثوانٍ معدودة، كما فعلت دولة انتفاضات حقوق الإنسان، وقتل من فوره الآلاف، لكن هذا الرقم لا يشكل شيئًا إذا ما قورن برقم قتل اليهود في الهولوكوست والذي بلغ ستة ملايين شخص، قبل التعليق على هذا النقطة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الرقم غير متفق عليه في الروايات كلّها، فهنالك مؤرخون من أمثال مايكل، جوتمان، جورج ويللز اليهودي، يؤكدون أن الرقم يتراوح بين المليون والمليونين([25])، لكننا أوردّنا الرقم الأعلى نظرًا إلى شيوعه، ولغاية أخرى تتمثل بدحض رواية الرّقم الأعلى قتلًا، فالتاريخ الذي خلّد وتغنى وتباكى على إبادة لا يتفق اثنان على عددها، والطريقة التي تمت بها، ينسى في مفارقة عجيبة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي قامت به دولة انتفاضات حقوق الإنسان في حق الهنود الحمر، إذ راح ضحيّتها اثنا عشر مليون شخص في كامل الأراضي الأمريكية كلّها([26])، والسؤال هنا لماذا يكون ذلك هولوكوستًا، وهذه بطولة أو تحرير أو شيء لا يجب ذكره؟ وأيّ المعايير اتخذت لوصف إبادة اليهود بالجريمة، ووصف إبادة الهنود الحمر بالإنسانيّة؟ إنّها ولا شكّ في ذلك معايير المبصر الوحيد الذي يحقّ له ما لا يحق لغيره، فهو يقتل باسم الإنسانيّة، ويذبح باسم التطوير، ويجوّع الشعوب باسم الارتقاء بها، ويسرق الحياة باسم الحفاظ عليها، إنّها معايير الظلم والظلام التي أنتجت قنبلة ذرية واصطنعت الحروب من أجل أن تبيع أسلحتها الأكثر تطورًا، بوصفها فخر الصناعة الأمريكية وسرّ ثرائها الذي لا يتوقف عن حصد الأرواح من أجل أن تبقى دولة الدولار وتمثال الحرية سيدة العالم وحاميته التي تقتل وتدمر فيه كما تشاء وفي الوقت الذي تشاء، لكن قد يتساءل سائل ما دخل أمريكا بالهولوكوست، فالذين أبيدوا هم اليهود وليس سكان أمريكا، نقول: إنّ هذا صحيح، لكن نحن لا نتحدث عن جدلية القاتل والمقتول هنا؛ أيّ من قتل ومن قُتل، إنما نحاول فهم الكيفية التي تتم بها تخليد ذكرى ومحو الأخرى، بوصف هذا الفعل إرهاصات تجلت وستتجلى عن حقيقة صنّاع موت الشعوب وحرقهم، هذا من جانب ومن جانب آخر قلنا سابقًا: إنّ الصهيونية تتخذ من أمريكا قدوة تحذو حذوها وأثبتنا ذلك، وسنثبت ذلك حتى لا يساور الشكّ عقلًا أو تتوجس نفس منه، فصنّاع الهولوكوست عندما دخل فلسطين محتلين لها ماذا فعلوا؟ فعلوا مثل ما فعلت دولة انتفاضات حقوق الإنسان: قتلوا، وأبادوا، ومحوا قرى وبلدات كاملة حتى بلغت عدد المجازر خمسين مجزرة يضاف إلى ما يقارب اثني وخمسين قرية وبلدة دمرت بصورة كاملة، ومن تلك المجازر: مجزرة دير ياسين 360 شهيدًا، واللد 500 شهيد هذا فقط في عام 1948 إضافة إلى سائر السنين، ونتساءل هنا ألا يعدّ هذا الرقم قليلًا أمام رقم الهولوكوست، بلى إنّه قليل جدًا فنحن نتحدث عما يقارب 860 شهيدًا في مقابل ستة ملايين([27])، لكنّ السؤال كم كان عدد الفلسطينيين في ذلك الوقت؛ أي في عام 1948؟ إن عددهم كان مليونين متضمنًا اليهود الذي يعيشون في فلسطين قبل الاحتلال؛ أيّ إنّ الصهيونية بعملية حسابية بسيطة قتلت ما يقارب نصف سكان فلسطين، ولربما لو كان عدد الفلسطينيين أكبر لكان عدد القتلى أكبر، وهنا لا بدّ من التساؤل لماذا لا يعدّ هذا هولوكوستًا أو إبادة جماعية ومحرقة وهل الموت يميز عرقًا من عرق، وعربيًا من أعجمي؟ بالطبع لا، فالموت موت يتساوى فيه البشر كافة من دون تفريق أو تمييز، لكنّ الموت عندما يصنع من وهم، بوصفه إبادة لشعب منذ أن تجمع في فلسطين لا يفعل شيئًا غير القتل والنهب واستعباد الناس يكون تمييزًا وكذبة، فهل يعقل أن يكون هذا الشعب ظلم يومًا وذاق الآلام والويلات؟ فلو كان كذلك لما فعل ويفعل كل تلك الجرائم حتى يومنا هذا، فالآن في أثناء كتابة هذه الورقة تقوم عقلية محرقة الشعوب بقتل سكان غزة وتجويعهم حتى بلغ العدد غير النهائي أكثر من عشرين ألف شهيد، إضافة إلى المفقودين.

أما عن الأسباب التي آلت إلى كلّ هذا الألم هذا ما سنعالجه فيما تبقى من أسطر.

رابعًا: سيزيف أسطورة القضية

إذا كان سيزيف* رجلًا حكمت عليه الآلهة بدفع صخرة ضخمة إلى أعلى سفح جبل عظيم الطول من دون أن يبلغ قمته ويرجع إلى الأسفل في كل مرة يحاول فيها، فإن الصهيونية على الحال نفسه، فكلما دفعت القضية الفلسطينية نحو المحو والتصفية بمخططات تنفذ على مر السنين الطوال رجعت من كل ذلك صفر اليدين وانحدرت إلى القاع من جديد، فلا نتيجة تحصد إلا الإخفاق والمزيد من خيبة الأمل التي يتوارثونها جيلًا من بعد جيل. لقد عملت الصهيونية ودولة انتفاضات حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة على إشعال الفتن والحروب في البلدان العربية المجاورة لفلسطين والبعيدة منها على حد سواء مع فارق في زمن تأجيج الصراعات؛ أي إن الدول الأكثر قربًا من فلسطين هي صاحبة النصيب الأكبر من الألم والدمار وإراقة الدماء والسعي إلى تقسيمها إلى دويلات صغيرة على حد تعبير كسنجر الذي قال: “علينا أن نبني حول كل بئر نفط دويلة”([28])، ناهيك بمخطط تقسيم سورية، ولبنان، والعراق. فسورية خطط لها أن تقسّم إلى أربع دول أو بتعبير أدق دويلات: سنية في دمشق وحلب، علوية في الساحل والجبال المحاذية له، وكردية في الشرق، ودرزية في السويداء والمناطق المجاورة لها، أما لبنان والعراق فيرجع التقسيم فيهما إلى الطوائف والمذاهب والهويات([29])، إن الجلي الواضح من هذه المخططات وغيرها الحاملة للفكر ذاته إقامة دويلات على أساس من الفتنة والتناحر من أجل أن تبقى ضعيفة مسيطرًا عليها وعلى خيراتها، أو بتعبير آخر فرّق تسد. أما المضمر فيها فقد كان محو القضية الفلسطينية من أجل الوصول إلى مرحلة عدم التحرج من التطبيع مع الكيان الصهيوني والاعتراف بدولته المارقة مثل ما شهدنا ونشهد من تسابق إلى ذلك، وهذا ما شعر به الفلسطينيون على نحو عام وسحر خليفة على نحو خاص، إذ تقول في سيرتها الذاتية الأدبية “كانت الرواية قد حققت نجاحًا منقطع النظير، وطارت شهرتها بين دُور النشر الأوروبية، وبدأت أتلقى العروض لنشرها في كل اللغات. ولم تتوقف تلك العروض منذ ذلك الحين، ولو أنها قلّت كثيرًا بعد اتفاقية أوسلو، وشبه انعدمت بعد ما ألمّ بالعالم العربي من تشرذم ودمار في إثر انتشار الفكر الإسلامي المتشدّد وسطوة الجماعات الإرهابية التي كرهت العالم بنا وأنقصت تعاطفه مع قضايانا، وبالذات القضية الفلسطينيّة، التي أُهمل ذكرُها تمامًا، وضاعت أهمّيّتها التاريخية في لجج العنف، وغرقت في بحر راكد يجلّله الغموض”([30]).

وهنا نلاحظ حقيقة تأثير الأحداث التي مرت بها الشعوب العربية في السنوات الأخيرة التي عملت على تقويض القضية الفلسطينية، وتحويلها من المركز إلى الهامش من أجل تصفيتها ومحوها، إلا أن مجيء مطلع يوم السابع من أكتوبر المجيد نسف خبث مخططات السنوات الأخيرة، وأعاد القضية التي لا تمحى إلى المركز والمركزية، فبعد أن ظنّ شذاذ الآفاق أنهم تمكنوا من غرس جذورهم، وبدؤوا يحظون بالقبول والتقبل بين بعض الدول، جاء مشهد عبور المقاومة الفلسطينية للجدار الأكثر تطورًا وحداثة، ليعيد الأمل إلى أمة أثقلت الحروب العبثية كاهلها، فمشهدية العبور التي لا مثيل لها في تاريخ فلسطين منذ احتلالها، والتاريخ العالمي بأسره حملت إرهاصات ودلالات فكرية وثقافية أكثر من الدلالات السياسية، إضافة إلى كسر خوارزميات العالم الغربي وما حملته من أجهزة إندار ومراقبة وضعت وتوضع تحت إمرة الصهاينة عبر طائرات شراعية بدائية الصنع. فمشهدية العبور لم ينظر إليه الغربي مثلما نظر إليها العربي، فلا شكّ في أن الأخير نظر إليها على نحو عاطفي قومي طاغٍ يجسد الأمل بالعودة والتحرر والتحرير، أما الأول فقد شكل له الحدث صدمة فكرية وثقافية كبيرة؛ لأن العبور بوصفه كسرًا عسكريًا واختراقًا، انطوى في الوقت نفسه على كسر نسق صورة العربي في الذهنية الغربية التي تنظر إليه من منظور العاجز الذي لا يجيد التفكير والتخطيط. فالعقلية الغربية تعلم أن خطة عبور الجدار من أذكى الخطط العسكرية في التاريخ المعاصر إن لم تكن الأذكى، فأن تحاصر أناسًا وتراقبهم بمختلف أنواع أجهزة المراقبة وأحدثها وتسيطر على مواردهم اللوجستية، وتحيطهم بعشرات القطع العسكرية تحت مسمى غلاف غزة، وفي النهاية يخرجون عليها، ويأسرون فريقًا من الجنود، ويقتلون فريقًا، فهذا ما لم تعتقد العقلية الغربية بإمكانيته؛ لأنها عقلية علمية بحتة تنظر إلى الأشياء من منظور واحد زائد واحد يساوي اثنين، وهذا المنظور يصدق على غزة فالغلبة العسكرية (عدّة وعتاد) للكيان الصهيوني، إضافة إلى الأسباب التي ذكرناها سابقًا، ليكون السؤال هنا كيف تمكن أولئك الرجل من كسر قاعدة واحد زائد واحد يساوي اثنين وصنع استثناء لها. هذا ما تحاول العقلية الصهيونية والغربية الداعمة لها الإجابة عنه وتفسيره منذ السابع من أكتوبر من دون أن تصل إلى استنتاج يرضي غرورهما؛ لذا شاهدنا منذ الساعات الأولى التهافت الغربي إلى دولة الاحتلال والتباكي على قتل الكيان تحت مسمى الإنسانية المعوجة، كما أوضحنا في السابق من الصفحات إضافة إلى فتح مخازن الأسلحة من مختلف الدول الغربية تحت شعار دعم غير محدود وغير مشروط، لكن اللافت في هذه الجملة أنها مجزوءة أو غير مكتملة المعنى؛ أي إنّ الدعم غير المحدود، وغير المشروط لم تعرف الغاية منه أو الأهداف التي يجب تحقيقها لقاء هذا الدعم غير المحدود والمشروط. ربما يجيب متعجل من أجل أن يدافع الكيان عن نفسه مثل ما زعم الداعمون، وهنا نتساءل هل الكيان بحاجة إلى كل هذا الدعم من أجل أن يدافع عن نفسه أمام مقاتلين يحملون أسلحة بدائية؟ من ثمة أين اختفت أسطورة الجيش الذي لا يقهر؟ بالطبع لا؛ لأنه ولا شكّ في أن مخازن الأسلحة لدى الاحتلال مملوءة هذا إذا ما غضضنا الطرف عن المخازن الأمريكية الموجودة مسبقًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت إمرة الكيان، إذًا لماذا هذا الدعم كله أو غير المحدود وغير المشروط، إنّ الجواب من دون شكّ يكون من أجل أن يطفئوا ذلك النور الذي قد يشكل صحوة للعربي، ويجعله ينظر إلى نفسه من جديد، فعلى مر السنين أو منذ عُرفت التكنولوجيا غُرس في ذهن العربي أنه لا يقدر على الإتيان بشيء في هذا المجال أو المشاركة فيه؛ لذا اقتصر دوره على الاستهلاك في المجالات كلها وخصوصًا التسليح أو سباق التسليح كما ينظر الغرب إلى الأمر، فكيف لأمة أن تنتصر على أمة تشتري القديم من سلاحها، وتعتمد على خبرائها من أجل التعلم على تلك الأسلحة المشتراة، ومن نافلة القول: إنّ هذا السبب الجوهري في تبعية العربي للغربي، لهذا نرى الغربي دائم الراحة عندما ينظر إلى العربي الذي لا يقدر أن يشكل خطرًا عليه ما دام سلاحه الذي وجد من أجل أن يدافع به عن نفسه من إنتاج الغربي؛ لذا قلنا: إن مشهدية العبور شكلت صدمة وخطرًا من منظور الغربي، فسلاح من إنتاج العربي اخترق سلاحًا من إنتاج الغربي؛ أي إنّ العقل العربي زحزح هيمنة العقل الغربي، وبدأ العمل على تفكيكها في حالة من التجاذب بين ثنائية المركز والهامش التي بقي العربي مرتبطًا بالأخير، في حين أن الغربي احتلّ الأول زمنًا غير قليل، لهذا سعت الدول الغربية وما زالت تسعى منذ السابع من أكتوبر المجيد إلى إطفاء هذا النور مخافة أن ينتقل إلى أماكن أخرى ويتطور، فيكون البداية لتحرر العربي من هيمنة الغربي وانقلابًا في حالة الهامش والمركز؛ أي إنّ الهامش قد ينقلب إلى المركز، وفي ذلك إزاحة  للمركز “الغربي” إذا لم يكن للهامش، سيكون للمناصفة والتنافس، وهذا جلّ ما تخافه دولة تمثال الحرية وأحلافها، فشرعوا باستعراض قوة أسلحتهم التدميرية القادرة على إهلاك الحرث والنسل في غزة من أجل أن يبددوا مخاوفهم، ويذكرون أنفسهم التي نسيت عند أول هزة أنهم أصحاب العرق الأبيض المتفوق على سائر الأعراق، لكن قد يسأل سائل أو يقول قائل: إن المقاومة الفلسطينية وتحديدًا حماس هي السبب في كل هذا الخراب والدمار؛ لأنهم أقحموا أنفسهم وغزة في مغامرة غير محسوبة النتائج. قبل الإجابة عن هذا السؤال أو القول لا بدّ من الإشارة إلى أن هذا السؤال أو القول تردد على نحو غير قليل من مختلف فئات الناس: النخبة السياسية الثقافية، والشعبية على حدّ سواء من دون الانتباه إلى مصدر هذا الكلام الذي يرجع إلى الصهيونية التي سعت وما زالت تسعى إلى التظاهر بصورة الضحية المعتدى عليها، أما عن الإجابة فالأمر يرجع إلى سببين: الأول حالة الاضطهاد التي يمارسها الاحتلال على الشعب الفلسطيني منذ خمسة وسبعين عامًا إضافة إلى عشرات ألوف المعتقلين في السجون الإسرائيلية الذين شكلوا الهدف والغاية في عملية النور طوفان الأقصى الذي تنفتح تسميته سيميائيًا إذا ما ربطناها بسياقات مرجعية وتاريخية على إغراق الظلم والظالمين مثل ما فعل طوفان نوح، ولا ننسى إغراق فرعون الذي نجا منه بنو إسرائيل أنفسهم؛ هذا من جانب، ومن جانب آخر فالطوفان لا يقف عند مكان محدد ويمحو كل الحدود، وكأنّ المختار لهذه التسمية يذكر العرب أنه أمة واحدة وأن فلسطين جزء من سورية الطبيعية، فلا حدود تفصل بينهم والطريق الوحيد إلى التوحد يكون عند الانطلاق لتحرير أقدس مقدساتهم ألا وهو الأقصى، أما السبب الثاني فيرجع إلى كينونة هؤلاء الظاهرين على الحقّ، وماهيتهم وصيرورتهم ما دامت أرضهم محتلة وشعبهم يضطهد من دون النظر إلى المآل، فقد أعدّوا ما استطاعوا من قوة صنعوها من الصفر وبنوها من المستحيل من أجل كفاحهم ضد عدو غاشم متغطرس لا يركع إلا تحت النار الذي لا يفهم لغة غيره، وهم يوقنون بأنّ طريقهم إلى هدفهم ينطوي على نور كيفما انتهى أو قضي؛ لأن القضية جهاد نصر أو استشهاد.

خاتمة

لربما الظلم وسرقة ابتسامة الحياة هما أمران مؤلمان وعلى قدر كبير من السواد والسوداوية، لكن الأكثر مدعاة للألم من هذا وذاك أن يكون الظالم هو القاضي والجلاد في وقت واحد، فلا ينال المظلوم حقّه، وإذا سعى إلى المطالبة به أو أخذه غلبة صار ظالمًا ومتوحشًا لا يمت للإنسانية بصلة؛ لذا كان لزامًا على الأخيرة أن تنبذه من أجل أن تحافظ على حضور بريق التسمية وغياب المعنى الحقيقي والفعلي في واقعية الحياة والقضايا التي تخلّد أو لا تمحى؛ لذا نوجز القول في ما سبق على نحو ختامي في ما يأتي:

  1. أكد البحث أن الاستخدام الواقعي لكلمة المساواة من أمريكا والصهاينة ومعظم الغربيين لا يحمل شيئًا من اسمها، إنما يقتصر استخدامها على أناس من دون غيرهم على نحو راديكالي.
  2. أكد البحث أن الإنسانية في قاموس أمريكا وأخلافها الصهيونية وغيرها عمياء معوجة يقتلون ويذبحون ويجوّعون الشعوب باسمها.
  3. وقد أكد البحث أن الهولوكوست أو المحرقة يتم استغلالها من أجل تسويغ أعمال الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وغيره، والتي تعد محرقة بحد ذاتها، هذا بغض النظر عن جدلية حقيقة الحادثة.
  4. كشف البحث أن سيمياء صورة عبور الجدار التي انطوت على بعد ثقافي لا يقل أهمية عن البعد العسكري؛ لأنها كسرت جدار وهم العجز الذي أحيط به العربي بفعل الغربي، والذي غرسه الأخير في ذاكرة الأول على مر السنين عبر الاستعمار العسكري والثقافي على حد سواء حتى أضحى أمرًا مسلمًا به لدى العربي لا يشك عقله في حقيقته أو يسعى إلى مناقشته.

كتب ذات صلة:

القضية الفلسطينية والمشكلة الإسرائيلية: رؤية جديدة

دور السلطان عبد الحميد الثاني في السيطرة الصهيونية على فلسطين؟

فلسطين: أربعة آلاف عام في التربية والتعليم