مقدمة:

إن استطلاعات الرأي العام هي إحدى الطرائق المؤثرة في تكوين الصورة لدى صانعي القرار كالحكام والمسؤولين، وإن لاتخاذ القرار تأثيره المباشر في الجمهور وفي حياتهم اليومية. فبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر اتجه الكثير من المؤسسات العالمية إلى دراسة صورة العرب من خلال استطلاعات الرأي العام في معظم البلدان العربية والإسلامية، واستهدفت معرفة قيم وآراء الأمريكيين بالولايات المتحدة الأمريكية ونظرتهم إلى العرب.

وكانت هذه هي أول تجربة لمعرفة العرب المسلمين عن كثب من وسائل أخرى غير وسائل الإعلام المتحيِّزة والمعروفة باتجاهاتها المسبقة وغير الموضوعية، وذلك باستخدام استطلاعات الرأي العام لفهم الصورة الحقيقة للعرب والمسلمين[1]، فهي صورة سريعة للرأي ولكن الاتجاهات هي المواقف الحقيقية[2].

أولاً: الإطار المنهجي والمفهومي

1- في المنهج

أ ـ مشكلة البحث: يصعب على الباحث، الذي لا يستطيع تحديد مشكلة البحث، الوصول إلى نتائج بحثية علمية. لذا تعد عملية تحديد مشكلة البحث من أولويات الباحث، ومن ثم الانطلاق لوضع استراتيجية العملية لتناول الظاهرة موضوع الدراسة، إذ إن العديد من البحوث والدراسات العلمية تفشل إلى حدٍ كبير لإخفاقها في تحديد مشكلة البحث تحديداً واضحاً، يتم من خلالها تعريف الأسباب التي أدت إلى المشكلة من جهة، والأبعاد المكونة للمشكلة نفسها من جهة أخرى[3].

يعادل تحديد مشكلة البحث نصف البحث، ويوفر على الباحث الكثير من الجهد والوقت[4]. ويبقى نوع الموضوع أو المشكلة والدقة في صوغها ونصها مسؤولة عن تقدم البحث ونجاحه أو تعثره وفشله[5]. كما أن اهتمام الباحث بالمشكلة هو ليس إرضاء للآخرين أو لجلب اهتمامهم، وإنما يعتمد على الخبرة والمقدرة على الخوض بمثل الموضوع الذي اختاره ودرجة تمكنه منه[6].

وفي ضوء ما ذكر سابقاً وضع الباحث مجموعة من التساؤلات للإجابة عنها عن طريق البحث الأكاديمي:

ـ ما الصورة المرسومة لدى الجمهور عن الأمريكي بعد 2003؟

ـ هل اختلفت الصورة الذهنية للأمريكي بعد 2003 عن الصورة السابقة له؟

ـ ما هي أسباب هذا الاختلاف لدى الجمهور؟

ـ هل تغيرت الصورة الذهنية للأمريكي بسبب الأوضاع التي يمر بها العراق؟

ب ـ أهمية البحث: تحتل أهمية البحث مكانة بارزة في السلّم الهرمي لمفردات منهجية البحث، فهي تبين أهمية موضوع البحث وضرورة التوصل إلى حلول جديدة لمشكلة قائمة، فضلاً عن الضرورات الاجتماعية أو الإنسانية التي تقتضي إجراء مثل هذا البحث[7].

تنطلق أهمية هذا البحث من دراسة الصورة الذهنية للأمريكي، فاختلاف آراء الناس ووجهات نظرهم إلى الأمريكي بعد 2003، ما بين مؤيد ومساند له وما بين رافض لعمله، لم يأتِ من فراغ؛ بل من سؤال الباحث لمجموعة من الناس عن رأيهم لكي لا تكون الدراسة مبنية على تخمينات أو توقعات أو فراغ. وتعد دراسة الصورة الذهنية للأمريكي من الدراسات المهمة، لأنها تمثل دراسة مكوّن من مكوّنات المجتمع الدولي.

ج ـ هدف البحث: «يعني تحديد هدف البحث الكشف عن مكوّن هام من مكونات الفكرة التي ينطلق الباحث منها، يتمثل في المضمون النظري للعالم النظري الضيّق من المفاهيم، وأبعاد المفاهيم الذي يجري البحث فيه حصراً»[8].

إن الهدف من البحث هو معرفة الصورة التي تكونت لدى الجمهور العراقي عن الأمريكي بعد 2003، أتغيّرت الصورة يا ترى، أم ما زالت على حالتها السابقة. كذلك كشف الجوانب الإيجابية والسلبية للأمريكي، ولا سيّما أنه أصبح على احتكاك مباشر مع الجمهور من خلال وجودهم في الشارع العراقي وانتشارهم في مناطق العراق كافة. كما يرى الباحث أن النتائج التي سوف تظهر من خلال الدراسة ستبين الصورة الواضحة المرتسمة لدى الجمهور عن الأمريكي ومن ثم سوف تفيد هذه الصورة كلا الطرفين.

د ـ المنهجية: يقصد بمنهج البحث هو الطريقة الموضوعية التي يتبعها الباحث في دراسةٍ أو ظاهرةٍ من الظواهر، أو مشكلةٍ من المشاكل، أو حالةٍ من الحالات، بقصد تشخيصها أو وصفها وصفاً دقيقاً، وتحديد أبعادها بشكل شامل يجعل التعرف إليها وتمييزها سهلاً، ويتيح معرفة أسبابها ومؤثراتها والأنماط التي تتخذها أو تتشكل فيها العوامل التي أثرت فيها أو تأثرت بها، ومن ثم قياس هذا الأثر أو التنبؤ به بشكل موضوعي دقيق يفسر العلاقات التي ترتبط عواملها الداخلية والخارجية، بقصد الوصول إلى نتائج عامة محددة يمكن تطبيقها أو تعميمها[9].

وانسجاماً مع مقتضيات البحث وطبيعته الإجرائية فقد اتبع الباحث المنهج الوصفي المسحي للوصول إلى النتائج المرجوة لتحقيق أهداف البحث.

هـ ـــ أدوات البحث: استعان الباحث، لغرض إنجاز متطلبات البحث، باستمارة استبيان أُعدت لهذا الغرض اشتملت على أسئلة متعددة وتضمنت أسئلة مغلقة وزعت على عيِّنة البحث.

و ـ حدود البحث ومجالاته: استغرق العمل الميداني الذي قام به الباحث في توزيع وإجراء المقابلة المباشرة مدة ستة أشهر وهي المدة الواقعة بين تاريخ أول تموز/يوليو ولغاية 31 كانون الأول/ديسمبر2013. ولم تكن هناك أسباب لاختيار الحدود الزمنية، غير أنها جاءت مع فترة انتهاء إعداد الاستمارة، ولكن من المصادفة أن الاستمارة وُزعت تزامناً مع ذكرى انسحاب القوات الأمريكية من العراق.

اختار الباحث تطبيق الدراسة على محافظة بغداد العاصمة مجالاً مكانياً ولعدة أسباب منها أن بغداد تعدُّ المحافظة الأولى من حيث التطور الثقافي وكذلك الكثافة السكانية، وتعد كذلك مجتمعاً مفتوحاً بدرجة كبيرة أمام المواطنين كافة بشتى أنحاء القطر، الأمر الذي يعطي لها خصوصية معيِّنة من حيث تنوعها وتمايز تركيبها السكاني. قام الباحث بتوزيع 500 استمارة استبيان على سكان المحافظة بجانبيها (الكرخ والرصافة) وعلى كلا الجنسين.

ز ـ عيِّنة البحث: بلغ عدد أفراد عيِّنة البحث 500 فرد (250 من الذكور راوحت أعمارهم بين 18 و75 سنة، و250 من الإناث راوحت أعمارهن بين 18 و75 سنة) في محافظة بغداد بجانبيها الكرخ والرصافة.

2 ـ الإطار المفهومي

من الضروري بدايةً التمييز بين مفهوم الطابع القومي ومفهوم الصورة، حيث يعبّر الأول عن سمات موضوعية للثقافة في مجتمع ما بما يتضمنه من نماذج سلوك وقيم ومعايير واتجاهات وتوقعات، أما تصور هذه السمات من جانب شعب إزاء شعب آخر، فهذا هو ما يعبّر عنه بالصورة، التي يعتبرها بعض الباحثين ضمن عناصر الثقافة المدنية، وهي تعتمد في تكونها وتطورها على عمليات التنشئة والاتصال بين المجتمعين، وتطور العلاقات بينهما وارتباطهما بحوادث مؤثرة كالحروب أو الهجرات أو الاتحاد والاندماج مثلاً، والتقارب الجغرافي والتشابه في اللغة والتقاليد والنظام السياسي والمصالح. وتنعكس صورة دولة ما في دولة أخرى على تطور العلاقات بين الدولتين. مع ذلك فإن إدارة العلاقة بين الدولتين وعمليات صنع السياسة الخارجية عموماً ترتبط بتكلفة ومخاطر كبيرة قد تلحق بالدولة نتيجة أي أخطاء، ومن ثم فإن الصورة قد تؤدي دوراً في العملية الإدراكية، لكن هذا الدور قد يكون تشويهياً، إذ إن القرارات المتخذة استناداً إلى تلك الصور ستكون خاطئة. وقد يكون للصور المشوهة تأثيرات تشويهية من خلال تفسير المعلومات والأنباء[10].

تنقسم الصورة في العادة ـ وكما سبقت الإشارة ـ إلى سلبية وإيجابية. حيث تنتج الصورة السلبية من «عدم الثقة» بين حكام كل طرف ضد القابضين على الحكم في الطرف الآخر، نتيجة إدراك هؤلاء ووجود أحكام مسبقة يحملها كل طرف عن الآخر، وقد يأتي ذلك أيضاً نتيجة انقطاع الصلة بينهما وعدم محاولتهما تطوير علاقاتهما لمعرفة أحدهما بالآخر بشكل أفضل.

تتغير الصور بمقادير مختلفة. ففي بعض الأحيان تضرب رسالة ما نوعاً من جزئية التصور أو تركيبته الداعمة، ليقوم ذلك الشيء بكامله بإحداث تغيير راديكالي في التصور. ومن الأمثلة البارزة على مثل هذا التغير هو «التحويل». وهناك ظاهرة إعادة تنظيم التصور وهي مسألة مهمة جداً تحدث لدى الناس جميعاً، لكنها على درجة أقل من «التحويل»[11].

على سبيل المثال، أظهرت صور مختلفة جداً عن اليهود في نتائج الاستطلاعات أجريت في الولايات المتحدة، حيث بينت نتائج استطلاعات الرأي العام في سنة 1938 أن 58 بالمئة من الجمهور الأمريكي يرى أن اضطهاد اليهود في أوروبا يعود، كلياً أو جزئياً، إلى خطأ اليهود أنفسهم، وأن النتائج المستحصلة من استطلاع للرأي تبدو اليوم غريبة. وأجريت مرة أخرى في سنة 1939، وظهر أن 38.9 بالمئة من الأمريكيين يقولون إن اليهود في الولايات المتحدة لا يجب أن يكون لهم المركز ذاته ولا وينبغي أن يعاملوا في الأمور كافة كالأمريكيين الآخرين تماماً[12].

أما اليوم فإن معظم هذه الأحاسيس غير موجودة لدى الأمريكيين، والواقع أن الصورة الأمريكية عن اليهود والإسرائيليين هي اليوم إيجابية تماماً، إذ وجدت دراسة لمعلمي الاجتماعيات في الثانويات في جنوب كاليفورنيا أن المعلمين ينظرون عموماً إلى اليهود والإسرائيليين على أنهم مقاتلون جيدون شجعان[13]، مجدّون، ويتجهون بأفكارهم للإعمار والتطوير. وقد جرى الحصول على نتائج مشابهة من استطلاع للرأي أوسع غطّى خمس ولايات أمريكية، بما فيها كاليفورنيا. وإذ تغيرت الصورة الأمريكية عن اليهود والإسرائيليين نحو الأحسن، فإن الصورة عن العرب لدى الأمريكيين تغيرت نحو الأسوأ[14]. ويمثل الفكر في حقيقته انعكاساً للواقع وصورة حية له، بل هو يقف على أرض الواقع الصلدة، لذلك يفترض فيه التعبير عن الحاجات الأساسية والاتجاهات الصحيحة لحركة الرأي العام.

إن صوغ آراء وأفكار الناس وترتيب مفاهيم الجماعات البشرية وفق فلسفة واضحة مهمة المفكر بالدرجة الأولى، إذ إن المجتمعات البشرية تطور باستمرار آراءها ومعتقداتها وأساليب تفكيرها وفق «نظام فكري» متماسك؛ ذلك النظام الفكري الذي يمكن اعتباره دالة واضحة للرأي العام. وتؤثر النظم السياسية في ذلك النظام الفكري باعتبارها جزءاً من التركيب الحضاري، ولها أهمية في تكوين الرأي العام ووجود تياراته[15].

ثانياً: المسح الميداني

يتناول هذا المبحث عرضاً للنتائج وإجابات المبحوثين (ذكوراً وإناثاً) التي تم التوصل إليها في ضوء الأهداف التي حُددت في البحث، إذ أُجريت دراسة ميدانية على عيِّنة ممثلة للمجتمع العراقي من الريف والحضر والنساء والرجال، وبعيِّنة متعددة المراحل وزعت الإحصاء السكاني لسنة 1997 استناداً إلى تخمينات 2007 الصادرة من الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية.

وصممت أداة الاستمارة بأسئلة تتقصى عن صورة الأمريكي في العقل العراقي بعد احتلاله العراق سنة 2003. أجريت الدراسة عام 2013 بطريقة المقابلة المباشرة وجهاً لوجه وبعيِّنة مقدارها 500 شخص، حسب المعلومات الديمغرافية التالية:

1 ـ المعلومات الديمغرافية

أظهرت نتائج الاستبيان أن المبحوثين توزعوا بالتساوي بين الذكور والإناث بواقع 250 بنسبة مئوية بلغت 50 بالمئة (انظر الجدول الرقم (1)).

الجدول الرقم (1)

نوع الجنس للمبحوثين

الجنسالعددالنسبة المئوية
إناث25050
ذكور25050
المجموع500100

وأظهرت نتائج الاستبيان أن أغلب المبحوثين هم ممن راوحت أعمارهم بين 36 و45 سنة وبنسبة بلغت 37.5 بالمئة. وجاءت الفئة العمرية ما بين 46 و55 في المرتبة الثانية بنسبة مئوية بلغت 22 بالمئة، وفي المرتبة الثالثة الفئة ما بين 26 و35 بنسبة بلغت 13.5 بالمئة. أما المرتبة الرابعة فقد احتلتها الفئة ما بين 18 و25 سنة وبنسبة بلغت 12 بالمئة، وفي المرتبة الخامسة جاءت الفئة العمرية ما بين 56 ـ 65 سنة بنسبة 11 بالمئة. أما المرتبة الأخيرة فاحتلتها الفئة العمرية ما بين 66 و75 سنة حيث بلغت نسبتها 4 بالمئة. من هنا يمكن الإشارة إلى عمر أغلبية المبحوثين ممن هم بأعمار تتصف بالاتزان والتفكير عند اتخاذ القرارات المختلفة في الحياة (انظر الجدول الرقم (2)).

الجدول الرقم (2)

الفئات العمرية للمبحوثين

الفئة العمريةالنسبة المئوية
36 ـ 4537.5
46 ـ 5522
26 ـ 3513.5
18 ـ 2512
56 ـ 6511
66 ـ 754
المجموع100

كما أظهرت نتائج الاستبيان أن الحالة الاجتماعية للمبحوثين اختلفت، حيث احتلت فئة متزوج المرتبة الأولى وبنسبة بلغت 50.5 بالمئة، تلتها فئة أعزب بالمرتبة الثانية وبنسبة بلغت 24 بالمئة. أما فئة أرمل فقد احتلت المرتبة الثالثة بنسبة بلغت 21.5 بالمئة. وجاءت فئة مطلّق في المرتبة الأخيرة إذ بلغت نسبتها 4 بالمئة (انظر الجدول الرقم (3)).

الجدول الرقم (3)

الحالة الاجتماعية للمبحوثين

الحالة الاجتماعيةالنسبة المئوية
متزوج50.5
أعزب24
أرمل21.5
مطلق4
المجموع100

أما على صعيد التحصيل الدراسي للمبحوثين فقد توزعت على خمس فئات، فجاءت في المرتبة الأولى فئة شهادة البكالوريوس بنسبة بلغت 49 بالمئة، وفي المرتبة الثانية فئة شهادة الدبلوم بـ 24.5 بالمئة. وجاءت فئة الشهادة الثانوية في المرتبة الثالثة بنسبة بلغت 11 بالمئة. في حين حلت فئة الشهادة العليا في المرتبة الرابعة بنسبة 10.5 بالمئة. وفي المرتبة الأخيرة جاءت فئة الشهادة الابتدائية بنسبة 5 بالمئة (انظر الجدول الرقم (4)).

الجدول الرقم (4)

التحصيل الدراسي للمبحوثين

التحصيل الدراسيالنسبة المئوية
بكالوريوس49
دبلوم24.5
ثانوية11
شهادة عليا10.5
ابتدائية5
المجموع100

2 ـ صورة الآخر الأمريكي لدى العقل العراقي

شملت هذه الدراسة التي أعدّت للكشف عن اتجاهات الرأي العام العراقي حول صورة الآخر الأمريكي، التصورات التالية:

أولاً، الكشف عن توجهات العراقي نحو الآخر الأمريكي بصفة عامة وتأثير تغيرات المجتمع الدولي بهذه الصورة.

ثانياً، تصورات العراقي ورؤيته حول العوامل المؤثرة في هذه الرؤية.

ثالثاً، معرفة مصادر تكوين صورة الآخر الأمريكي، إذ شملت الدراسة مجتمع مدينة بغداد وهدفت إلى معرفة ملامح صورة الآخر الأمريكي لدى المواطنين العراقيين وإدراك وتفسير العوامل التي أسهمت وتسهم في تكوين هذه الصورة، إضافة إلى تحديد المصادر التي تستقي منها الذات والآخر ملامح تصور بعضهما لبعض وعلاقتها بملامح الصورة المشكلة.

حيث أظهرت الصورة أن أول شيء يتبادر إلى ذهن العراقي عند سماعه كلمة أمريكي هي «الاحتلال» وبنسبة 47.2 بالمئة من العيِّنة، وهذا يدل على أن الصورة التي يحملها الجمهور العراقي عن أمريكا هي أنها جهة محتلة للعراق، وقد يعود ذلك بسبب التدخلات الأمريكية في الشؤون العراقية، فضلاً عن الأحكام والقوانين التي سنّها الحاكم العسكري آنذاك برايمر والتي لا يزال أغلبها نافذ التطبيق. ثم تلتها صورة «العنف» بنسبة 22.6 بالمئة، ويعود سبب ذلك إلى أحداث العنف التي مر بها البلد بعد دخول القوات الأمريكية وحتى بعد انسحابها، إلا أن أعمال العنف استمرت وهذا يدل على أن أمريكا هي السبب بذلك. وجاء «تدمير العراق» بالنسبة الثالثة بمقدار 17 بالمئة، ويعود السبب بذلك أيضاً إلى الخراب والتدهور الذي أصاب البنى التحتية للبلد. ثم «سقوط النظام السابق» وبنسبة 8.4 بالمئة، وجاءت «الديمقراطية» بنسبة 4 بالمئة، وهذا يرجع أولاً إلى أن الأغلبية العظمى من الجمهور ربطت فكرة الديمقراطية بأمريكا لكونها الراعي الأول والداعي لتطبيق هذا النظام في العراق بعد الحكم الدكتاتوري الذي استمر لمدة 35 عاماً، وثانياً بسبب فشل تطبيق النظام الديمقراطي في العراق وما سببته للعراق والعراقيين من أزمات مستمرة من السياسيين في الساحة الحكومية. وجاء أخيراً «بناء العراق» بنسبة 0.2 بالمئة، وقد يكون سبب ذلك أن الأحداث التي استمرت منذ عام 2003 إلى يومنا هذا لم يشهد فيها العراق أي بناء أو إعمار بل على النقيض تماماً، وهذا ما سبّب تشكيل صورة أن بناء العراق لم يتحقق كما دعت إليه أمريكا بعد دخولها وإسقاط نظام الحكم.

أما عن الصفات الإيجابية في ذهن العراقي عن صورة الأمريكي فكانت أنه «متحضر» حيث جاءت بنسبة 10.4 بالمئة، وتلتها 10.2 بالمئة من العيِّنة أنه «قوي»، ثم تلتها «متعلم» بنسبة 6.6 بالمئة.

وبالنسبة إلى الصفات السلبية فكانت أعلى نسبة هي 26.0 بالمئة لصورة أنه «يعمل من أجل مصالحه فقط» ثم تلتها «عدواني» بنسبة 23.4 بالمئة، ثم «تحكمه القيم المادية» بنسبة 21.2 بالمئة. ويرى الباحث أن هذه الصورة ارتسمت عن الأمريكي من خلال الاتصال المباشر مع الجمهور في فترة وجود الجنود الأمريكيين على الأراضي العراقية وتنقلّهم في المناطق المختلفة، إذ كان هناك من ينظر إليهم بأنهم الحامي والمدافع عن مصالح الناس والمهتم بالدفاع عن حقوقهم، وفي المقابل كان هناك من ينظر إليهم على أنهم يعملون من أجل مصالحهم فقط. وجاءت أسباب الاختلاف على النحو الآتي: لاختلاف المظهر الخارجي من حيث الملبس والتسليح مقارنةً مع الجندي العراق، وللسلوك الذي انعكس في أماكن تواجدهم.

واحتلت صورة «مهيمنة» المكوّنة في الذهن العراقي عن الأمريكي أعلى نسبة (32.6 بالمئة)، ثم تلتها 23.0 بالمئة صورة «لا تقبل الآخر»، ومن ثم 19.2 بالمئة أنها «متحيزة دوماً لإسرائيل».

أما عن الخصائص الإيجابية؛ فكانت أعلى نسبة هي 16,6 بالمئة لتصور «الاهتمام بتقدم أمريكا» ثم تلتها 3.2 بالمئة «قيادة ديمقراطية»، وبعدها «رعاية حقوق الانسان» بنسبة 2.8 بالمئة. ويعيد الباحث السبب بذلك إلى السلوك الذي كان يتصرف به الأمريكي خلال السنوات التي دخلت فيها القوات الأمريكية للعراق.

أما عن الصورة المتكونة حول من يحكم سياسات الولايات المتحدة تجاه الآخر، فكانت أعلى نسبة 63.0 بالمئة لـ «المصلحة الأمريكية»، ثم لـ «حرب صليبية أخرى» 15.0 بالمئة، وتلتها رؤية  «ظاهرة الإرهاب» بنسبة 14.2 بالمئة، ثم «الرغبة في نشر الديمقراطية» 2.8 بالمئة، وتلتها «إحلال السلام في العالم» وبنسبة 2.0 بالمئة، ثم «مساندة الشعوب المقهورة» بنسبة 1.8 بالمئة.

ويرى الباحث أن هذه الصورة تجذّرت لدى الجماهير بسبب حروب الولايات المتحدة الأمريكية وتفرّدها في القرارات المعادية لإرادة الشعوب، وخصوصاً بعد حربي فيتنام والعراق، وما سببتها تلك الحروب بحجة نشر الديمقراطية والتخلص من الحكومات المستبدة.

وعن صورة أمريكا قبل الاحتلال فكانت أعلى نسبة هي 26.8 بالمئة لـ «دولة كبرى متقدمة»، وتلتها 17.9 بالمئة إنها «متحيزة دائماً لإسرائيل» ثم «ضد العرب والمسلمين» بنسبة 17.7 بالمئة فـ «دولة الحريات» بنسبة 15.2 بالمئة و«دولة العلم والتكنولوجيا» بنسبة 12.6 بالمئة ثم «دولة استغلال الشعوب» بنسبة 9 بالمئة. وعن اختلاف صورة أمريكا بعد احتلال العراق كانت نسبة 65.0 بالمئة أنها «اختلفت»، ونسبة 35.0 بالمئة أنها «لم تختلف». ويمكن إرجاع ذلك إلى الظروف التي مر بها العراق والمراحل المختلفة التي شهدها عام 2003، أي بعد دخول القوات الأمريكية إلى الأراضي العراقية، والتي كانت السبب بتكوين ذلك الانطباع لدى المجتمع، الذي اختلف عن انطباعهم المتكون من المدرسة أو من وسائل الإعلام المختلفة، وحتى من العائلة، وخصوصاً تلك التي لديها أقارب أو أصدقاء في أمريكا.

وعن الصورة الجديدة المتكونة في الذهن فكانت أعلى نسبة 51.0 بالمئة أنها «دولة استغلال الشعوب»، تلتها 27.0 بالمئة أنها كانت «ضد العرب والمسلمين»، ثم تلتها «متحيزة دائماً لإسرائيل» بنسبة 9.8 بالمئة، ثم «دولة كبرى متقدمة» بنسبة 8 ثم «دولة العلم والتكنولوجيا» 3 بالمئة، ثم «دولة الحريات» بنسبة 0.8 بالمئة. ويعتقد الباحث أن الصورة الأمريكية تعود إلى الدعم الأمريكي للحكومات العربية السلطوية، وللسياسات الإسرائيلية تجاه الشعوب العربية. فلا يمكن تجاهل حجم المتناقضات في السياسة الأمريكية، وبخاصة عندما تروّج للديمقراطية في المنطقة، وعندما تأتي هذه الديمقراطية بقيادات تعارض مصالح واشنطن بالمنطقة، تُعلن أن الشعب العربي غير قادر على تطبيق الديمقراطية، وهو ما يترتب عليه غياب الصدقية الأمريكية.

كما ظهرت أعلى نسبة وهي 36.4 بالمئة ترى أن «استخدام العنف ضد العراقيين» أحدث أثراً في صورة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الذهن العراقي، ثم تلتها 28.4 بالمئة في «تعذيب السجناء العراقيين»، ثم في «الاعتقالات العشوائية» بنسبة 16.6 بالمئة، ففي «ضرب المدن» بنسبة 13.4 بالمئة ثم في «اعتقال قيادة البعث» بنسبة 5.2 بالمئة. ويعود سبب ذلك من وجهة نظر الباحث إلى الفضائح التي كشفتها وسائل الإعلام عن تصرفات الأمريكي، وخصوصاً ما حدث في سجن أبو غْريب وما تلاها من تصرفات كالاعتقالات العشوائية والقتل والتعدي على العوائل، والتي اتصفت بالتصرفات الإجرامية.

وأظهرت الدراسة أن نسبة 86.6 بالمئة من العراقيين لا يوافقون على طريقة الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية في البلدان العربية والإسلامية مقابل 13.4 بالمئة يوافقون. فكانت نسبة متساوية لأسباب الموافقة على التدخل الأمريكي لأن «الشعوب العربية والإسلامية مقهورة»، والنسبة نفسها «لأن قيادات الدول العربية والإسلامية» ترفض التغيير بنتيجة 25.6 بالمئة لكل منهما من العيِّنة، ثم تلتها «لأن الديمقراطية الأمريكية متميزة» بنسبة 24.8 بالمئة، ثم «لأن الوقت حان لتغير تلك الأنظمة» وبنسبة 24 بالمئة.

وتوزعت أسباب عدم الموافقة على التدخل الأمريكي لإقرار الديمقراطية على ثلاثة أسباب رئيسية برزت في نتائج الاستطلاع، وهي «لأن الدوافع الأمريكية المعلنة غير حقيقية» بنسبة 36.4 بالمئة، ثم تلاها «التغير يجب أن ينبع من الداخل» بنسبة 26.6 بالمئة، ثم تلاها «لأن هذه الطريقة تنطوي على فرض الحكم بالقوة» بنسبة 18.8 بالمئة، وأخيراً، تلاها «لأن هذا التغير هو تدخل من قوى خارجية» بنسبة 18.2 بالمئة.

يرى الباحث أن الحكومة التي نُصِّبت هي في نظر المواطن العراقي قد فشلت في ضمان الحد الأدنى من أمنه وسلامته وإقامة حد أدنى من حكم القانون والقضاء النزيه والعادل، إلى جانب أن ممارسات الأمريكي القائمة على إهانة كرامة المواطن العراقي وكبريائه جعلته يتجه نحو تصرفات عدوانية مؤذية للمجتمع، هي في الأصل غريبة ودخيلة على الثقافة العراقية القائمة على التكاتف والتعايش السلمي في إطار المجتمع الواحد المتعدد الأطياف والأعراق والأديان، وهذا كله جاء بحجة الديمقراطية وتطبيقها كنظام.

وعن اختلاف صورة الأمريكي عن صورة الأوروبي في ذهن العراقي ظهر (بنسبة 45.4 بالمئة) أنها لا تختلف، في حين قالت نسبة 45.6 بالمئة إنها تختلف و9 بالمئة لا يعرفون. وعن إمكانية تغير صورة الأمريكي لدى العرب والمسلمين في المستقبل فأظهرت 29.6 بالمئة أنها نعم يمكن أن تتغير، مقابل 70.8 بالمئة رأت أنها لا تتغير. ويرى الباحث أن الجمهور يعتقد ذلك بسبب الترابط في القيم والعادات المتبعة في تصرفات الأوروبي والأمريكي والتي يعمل فيها من أجل مصلحته الشخصية ومصلحة بلاده، فضلاً عن كون الإعلام لم يساهم في إيصال الصورة الخاصة بهم إلى الجمهور العراقي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة.

وعن أسباب عدم إمكانية تغير صورة الأمريكي لدى العرب والمسلمين في المستقبل فكانت نسبة 60 بالمئة تقول «لأن سياسة أمريكا ثابتة نسبياً»، ثم تلتها نسبة 18.8 بالمئة «فشل الإعلام العربي في تقديم صورة إيجابية عن أمريكا»، وتلتها 12.6 بالمئة «بسبب عدم انفتاح العرب»، وكانت نسبة 8.6 بالمئة لمن لا يعرفون.

وعن أهم مصادر المعلومات عن الآخر الأمريكي كانت أعلى نسبة للفضائيات بمقدار 70.6 بالمئة، تلاها «الاحتكاك المباشر» بنسبة 21.6 بالمئة، ثم «الصحف» بنسبة 7.2 بالمئة.

وعن الحوادث التي تمت مشاهدتها والتي أعطت انطباعاً سلبياً أو إيجابياً من خلال تصرفه، فكانت نسبة 47.2 بالمئة تقول «نعم شاهدت حادثاً سلبياً»، و7.2 بالمئة «نعم شاهدت حادثاً إيجابياً»، ونسبة بالمئة 45.6 تقول «لا، لم أشاهد». ويرى الباحث أن الحوادث السلبية التي تصرف بها الأمريكي كانت كثيرة وظلت راسخة في ذهن المواطن، فضلاً عن وجود الأمريكي في المعسكرات الخاصة التي منعت الاحتكاك المباشر بالجمهور، وهو ما أدى إلى عدم التعرف إلى أي حادث ممكن أن يكون إيجابياً، هذا إن وجد.

ثالثاً: نتائج البحث

ظهر أن هناك صورة ذهنية لدى العراقي عند سماعه كلمة أمريكي هي «صورة المحتل» وتليها صورة «العنف»، كما ظهر أن الصورة الأكثر تكوّناً في الذهن العراقي هي صورة «الأمريكي يعمل من أجل مصالحه فقط».

1 ـ من الصور المتكوِّنة لدى العراقي حول القيادة الأمريكية هي الصورة القيادية المهيمنة على العالم، وأن المصلحة الأمريكية هي ما يحكم سياسة الولايات المتحدة تجاه الآخر.

2 ـ كانت صورة أمريكا قبل الاحتلال لدى الذهن العراقي أنها دولة كبرى متقدمة، واختلفت بعد الاحتلال فأصبحت أنها «دولة استغلال الشعوب».

3 ـ أظهرت نتائج الدراسة أن هناك أحداثاً بعد الاحتلال غيّرت مواقف العراقيين تجاه أمريكا، وأكثر حدث غير هذه المواقف هو استخدام العنف ضد العراقيين.

4 ـ ظهر أن بعض العراقيين لا يوافقون على طريقة الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية.

5 ـ تبين أن الصورة لدى العراقي عن الأمريكي لا تختلف عن صورة الأوروبي في ذهنه.

6 ـ اتضح أن صورة الأمريكي لدى العرب والمسلمين لن تتغير في المستقبل لأن سياسة أمريكا ثابته نسبياً.

7 ـ تبيّن ضعف ثقافة الجمهور العراقي حول مفهوم الاستطلاع بسبب قلة نشر استطلاعات للرأي العام في وسائل الإعلام، وأن هناك حاجة إلى نشر ثقافة وفهم أعمق عن الاستطلاع وأهميته لدى المجتمعات المتحضرة.

8 ـ ظهر أن الوضع الأمني المتردّي في العراق هو أكبر معوقات تطبيق منهجية صارمة لاستطلاع الرأي العام، والعمليات العسكرية للقوات متعددة الجنسية والجيش العراقي في بعض المناطق تسبب مشكلة كبيرة للباحثين لتطبيق عيِّنة علمية دقيقة، ومن ثم فإنها تنعكس على النتائج وتعطي صورة مشوّهة.

9 ـ المعوّق الثقافي وعدم وجود مفهوم واضح لاستطلاع الرأي العام في العراق فقد ظهر أن هناك صورتين لدى الجمهور عن القائم بالاستطلاع (الباحث): الأولى، هي أنهم يعملون لمصلحة جهات خارجية غير معروفة؛ والثانية، هي أنهم يقومون بعمل إيجابي ويريدون أن يقدموا شيئاً للجمهور.

10 ـ الحذر والخوف من أهم العوامل التي تجعل المستجيبين يقومون بالرفض وعدم الاستجابة وبعض الأحيان إعطاء إجابات غير صادقة أو متحيزة مخافة عقاب جهات معيِّنة على إجابات غير متوافقة مع هذه الجهات.

11 ـ أثرت الفضائيات بشكل مباشر في مصادر المعلومات عن صورة الآخر الأمريكي في الذهن العراقي.