أولاً: مفهوم الوقود الحيوي وأنواعه والحاصلات الزراعية المستخدمة في إنتاجه

تعتبر الطاقة الحيوية واقعاً معيشاً منذ القِدم، ولو في أبسط أشكالها، وخصوصاً في المجتمعات الريفية التي تعتمد في الطهي؛ التسخين والإضاءة بحرق الحطب والمخلفات العضوية، حيث ما زالت الطاقة الحيوية التقليدية تقدّم نحو 95 بالمئة من احتياجات الطاقة في البلدان النامية؛ أي أنها تعتبر مصدر طاقة لنحو 2,4 مليار شخص، ومن ثم فإن فكرة الطاقة الحيوية ليست جديدة، ولو أن تطوير أشكالها واستخداماتها يعتبر أمراً لافتاً للانتباه في مجال الطاقة الأولية[1].

تعرّف الطاقة الحيوية بأنها الطاقة المتحصل عليها من تحويل الكتلة الحيوية المتمثّلة بإجمالي النباتات: الخشب والمحاصيل الزراعية، ويعود ظهور فكرة الاهتمام بالطاقة الحيوية كبديل للطاقة الأحفورية إلى السبعينيات من القرن العشرين، إبان ارتفاع أسعار البترول آنذاك، وذلك لاستعمالها على شكل وقود حيوي كبديل للوقود الأحفوري في مجال النقل، حيث أطلقت البرازيل البرنامج الوطني للإيثانول سنة 1979، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية بإطلاق برنامج لصناعة الإيثانول انطلاقاً من الذرة كمادة وسيطة في ذلك، وتبعتها في السياق نفسه عدة دول كالصين، وكينيا، وزيمبابوي، لكن محاولاتها باءت بالفشل[2].

1 – مفهوم الوقود الحيوي وأنواعه

الوقود الحيوي هو وقود نظيف يعتمد إنتاجه في الأساس على تحويل الكتلة الحيوية سواء أكانت ممثلة في صورة حبوب ومحاصيل زراعية مثل الذرة وقصب السكر أم في صورة زيوت مثل زيت فول الصويا وزيت النخيل وشحوم حيوانية إلى إيثانول أو ديزل. وينقسم الوقود الحيوي من ناحية شكله إلى ثلاثة أنواع[3]:

أ – الوقود الحيوي السائل: ويستعمل خصوصاً في عملية النقل، ويكون على شكل «إيثانول حيوي» يستخرج من المحاصيل المحتوية على سكريات أو نشويات كالذرة، والقمح وقصب السكر، أو يكون على شكل «زيت ديزل حيوي» يستخرج من المحاصيل الزيتية كفول الصويا وعباد الشمس.

ب – الوقود الحيوي الصلب: والذي يتحصل عليه بحرق الكتلة الحيوية في شكل خشب، ويستعمل في الطهي، والتسخين والإضاءة.

ج – الوقود الحيوي الغازي: وينتج من تحلّل المادة العضوية التي ينتج منها غاز الميثان الذي يمكن تجميعه والاستفادة منه كطاقة بديلة.

– الجيل الثاني من الوقود الحيوي السائل

دفعت عملية إنتاج الوقود الحيوي السائل من المواد الوسيطة الزراعية التي تعتبر مواد غذائية أساسية لدى الكثير من شعوب العالم، إلى ظهور جدل واسع يخصّ من جهة توجيه جزء كبير من المواد الوسيطية الزراعية إلى إنتاج الوقود الحيوي بدل استعمالها كغذاء للإنسان، ومن جهة أخرى يخصّ حجم الضرر الذي يلحقه الوقود الحيوي بالبيئة جرّاء الانبعاثات الناتجة منه خصوصاً أثناء عملية تصنيعه. ومن هذا المنطلق فقد أجري عديد من الدراسات والأبحاث تصب في سبيل إيجاد بدائل طاقوية أخرى أكثر إيجابية، حيث طور الوقود الحيوي السائل في شكله الأول والمصنوع من المحاصيل السكرية والنشوية (حالة الإيثانول) ومحاصيل البذور الزيتية (حالة زيت الديزل) إلى شكل آخر تستعمل فيه الكتلة الحيوية السيليلوزية الخشبية[4].

2 – أسباب التوجّه نحو استخدام الطاقة الحيوية

أ – ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية

يمثّل البترول المصدر الرئيس للطاقة الأحفورية التقليدية بنسبة تقارب 35 بالمئة من مجموع الطاقة الأولية ككل، يليه الفحم بنسبة 25 بالمئة ثم الغاز الطبيعي بنسبة 21 بالمئة[5].

ونظراً إلى السباق المتواصل للحصول على الطاقة في إطار عملية النمو الاقتصادي خصوصاً مع بداية السبعينيات من القرن العشرين، فإن أسعار الطاقة شهدت ارتفاعات حادة نتجت منها أزمة سنة 1973 التي أدّت بواضعي السياسات وبصناع القرار إلى التفكير في ضرورة إيجاد مصادر أخرى للطاقة بديلة من النفط كونه المصدر الرئيسي لها، حيث كانت تلك بداية للتوجه نحو وضع مستقبلي مغاير يتراجع فيه الاعتماد على الطاقة الأحفورية التقليدية، لكن معاودة انخفاض أسعار النفط من جديد أدت إلى تراجع الاهتمام بإيجاد بدائل أخرى للطاقة الأحفورية حتى بداية الألفية الجديدة، إذ وصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية قاربت 150 دولاراً للبرميل[6]. حيث إنه كما يتضح من الشكل الرقم (1) فإن أسعار النفط تضاعفت سنة 2008 بـ 5 مرات مقارنة بقيمتها المسجلة سنة 2002، وذلك راجع إلى عدة أسباب منها: ازدياد الطلب على النفط كمصدر للطاقة مع تزايد معدلات النمو في العالم؛ والحروب والاضطرابات الجيوسياسية في البلدان المصدّرة للنفط كالعراق ونيجيريا؛ وتدهور قيمة الدولار الأمريكي.

الشكل الرقم (1)

ارتفاع أسعار النفط بالدولار وباليورو، 1980 – 2009

المصدر: Philip C. Abbott [et al.], «What’s Driving Food Prices in 2009?,» Farm Foundation, Issue Report (2009), p. 20.

ب – التغيرات المناخية

لم يقتصر الأمر على ضرورة إيجاد بديل للطاقة من النفط فقط بسبب ارتفاع أسعاره، حيث أن الانبعاثات المتزايدة والناتجة من أنواع الوقود الأحفوري (البنزين والديزل) تسبّبت في بروز ما يعرف بظاهرة «الاحتباس الحراري» أو «تغيّر المناخ» والتي أبرزت وضعاً مناخياً جديداً أثر سلبياً في البيئة عموماً وفي الزراعة خصوصاً.

نتيجة لذلك زادت الضرورة المُلحّة لإيجاد بديل للطاقة الأحفورية التقليدية بشكل يخدم عملية التنمية المستدامة التي تضمن عدم إلحاق الضرر بالبيئة، إذ ظهر مفهوم الطاقة الحيوية كمدعم رئيس للتنمية المستدامة ليطغى من جديد على الساحة العالمية بشكل يظهر أنه مستقبل الطاقة البديلة في الاقتصاد العالمي.

3 – الطاقة الحيوية: البديل والمستقبل

أ – الإنتاج العالمي من الوقود الحيوي

برز الوقود الحيوي لينافس في العقود الأخيرة وبشدة الوقود الأحفوري التقليدي المتمثّل بالبنزين والديزل، إذ يتركز الإنتاج العالمي منه بحسب تقديرات سنة 2011 في كل من الولايات المتحدة الأمريكية بـ45.3 بالمئة، والبرازيل بـ30.9 بالمئة والاتحاد الأوروبي بـ 13.4 بالمئة ثم تأتي الصين بنسبة ضعيفة تقدر بـ 3.1 بالمئة[7]، ويستحوذ الوقود الحيوي السائل على الاهتمام الأكبر في عملية الإنتاج من بين أنواع الوقود الحيوي، وخاصة أنه يحدّ من التكاليف الخاصة بعملية النقل التي تنتج من ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري التقليدي (البنزين والديزل) الناتجة من ارتفاع أسعار النفط.

يتركز إنتاج الوقود الحيوي السائل على شكلين هما: الإيثانول الحيوي وزيت الديزل الحيوي، وقد حظي بالكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة لاستعماله في عملية النقل كما يوضحه الجدول الرقم (1)، وتتوقّع الوكالة الدولية للطاقة أن الوقود الحيوي مع مطلع سنة 2050 سيوفر نحو 27 بالمئة من الوقود المستعمل في عملية النقل، كما يتوقع تقرير الفاو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حدوث زيادة سريعة في الإنتاج العالمي للوقود الحيوي خلال السنوات المقبلة بحيث سيبلغ إنتاج الإيثانول 125 بليون لتر في عام 2017 أي ضعفي الإنتاج في العام 2007 في حين سيرتفع إنتاج البيوديزل بشكل أسرع ليبلغ 24 بليون لتر في عام 2017 مقارنة بـ 11 بليون لتر في عام 2007‏[8].

الجدول الرقم (1)

تطور إنتاج الوقود الحيوي 2000 – 2011

(بالألف برميل في اليوم)

السنةالوقود
الحيوي
الإيثانولالديزل
الحيوي
2000314.567299.36715.200
2001342.865323.25619.906
2002403.466377.96225.504
2003499.408465.31134.097
2004554.757510.93743.820
2005656.274585.02871.246
2006840.571715.945124.626
20071,103.307924.478178.830
20081,477.3211,215.224262.096
20091,635.4131,326.341309.072
20101,865.3661,527.607337.760
20111,897.2021,493.493403.739

المصدر:  International Energy Statistics, Biofuels Statistics, <http://www.eia.gov>.

 

ويوضح الشكل الرقم (2) التزايد الملموس في إنتاج الوقود الحيوي (الإيثانول والديزل الحيوي) خلال الفترة 1980 – 2011:

الشكل الرقم (2)

إنتاج الوقود الحيوي، 1980 – 2011

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، الوقود الحيوي والأمن الغذائي: تقرير مقدّم من فريق الخبراء الرفيع المستوى المعنيّ بالأمن الغذائي والتغذية (روما: فريق الخبراء الرفيع المستوى المعني بالأمن الغذائي والتغذية التابع للجنة الأمن الغذائي العالمي، 2013)، ص 35، <http://www.fao.org/fileadmin/user_upload/hlpe/hlpe_documents/hlpe_reports/hlpe-report-5-ar.pdf>.

ب – إنتاج القارة الأفريقية من الوقود الحيوي

يوضح الشكلان (3)، (4) الإنتاج الحالي والمتوقّع من الإيثانول الحيوي والديزل الحيوي خلال الفترة (2005 – 2021) في أفريقيا:

الشكل الرقم (3)

الإنتاج الحالي والمتوقّع للإيثانول الحيوي في القارة الأفريقية

المصدر: Demba Diop [et al.], Assessing the Impact of Biofuels Production on Developing Countries from the Point of View of Policy Coherence for Development: Final Report ([n. p.]: The European Union, and A project implemented by AETS, 2013), p. 24.

 

الشكل الرقم (4)

الإنتاج الحالي والمتوقع لزيت الديزل الحيوي في القارة الأفريقية

المصدر: المصدر نفسه، ص 25.

فلقد بلغ إنتاج أفريقيا من الإيثانول الحيوي في العام 2011 نحو 1.6 بليون لتر، أي ما يشكّل أقل من 1.6 بالمئة من الإنتاج العالمي للعام نفسه، ويتركّز إنتاجه في جنوب أفريقيا، وإثيوبيا، ونيجيريا. في حين بلغ الإنتاج الأفريقي من زيت الديزل الحيوي 3 بليون لتر خلال العام 2011 أي ما يشكل نحو 1.1 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي للعام نفسه، ويتركز إنتاجه في جنوب أفريقيا، وموزبيق، وتنزانيا، وغانا[9].

ثانياً: الوقود الحيوي والأمن الغذائي: التأثيرات والآفاق

يعتبر الأمن الغذائي بمنزلة هدفٍ رئيس لجميع الدول والحكومات التي تسعى من خلال سياساتها الاقتصادية المتعددة إلى محاولة تحقيقه بما يضمن أمنها واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي. ويرتبط الوقود الحيوي ارتباطاً وثيقاً بالقطاع الزراعي وخاصة الجيل الأول منه، حيث نجد أن القمح في الاتحاد الأوروبي يحتلّ المرتبة الأولى في المواد الزراعية الوسيطة المستعملة في إنتاج الإيثانول الحيوي بنسبة 70 بالمئة، يليه الشعير بنسبة 15 بالمئة فالذرة بنسبة 10 بالمئة وأخيراً الجاودار بنسبة 5 بالمئة، أما في ما يخص إنتاج زيت الديزل الحيوي فنجد أن بذور اللفت تحتلّ المرتبة الأولى في المواد الزراعية الوسيطة المستعملة في إنتاجه بنسبة 79 بالمئة، ثم فول الصويا بنسبة 18 بالمئة فعباد الشمس بنسبة 3 بالمئة[10].

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فنجد أن الإيثانول الحيوي ينتج بنسبة 97 بالمئة من الذرة والباقي من مواد زراعية وسيطة أخرى، في حين أن زيت الديزل الحيوي ينتج من فول الصويا بنسبة 82 بالمئة، ويليه زيت الكانولا بنسبة 13 بالمئة والباقي من زيوت أخرى، أما في البرازيل فإن إنتاج الإيثانول الحيوي يتركز بالكامل على قصب السكر في حين يبقى إنتاجه من زيت الديزل الحيوي ضعيفاً جداً[11].

نتيجة لذلك الترابط فإن صناعة الوقود الحيوي بدأت تُلقي بظلالها على القطاع الزراعي في دول العالم وبالخصوص في الدول الرائدة في صناعته، حيث إنها زادت من الاهتمام بتطوير القطاع الزراعي بزيادة التمويل المخصّص له وتطوير التكنولوجيات المستخدمة في عملياته، خاصة أن الوقود الحيوي يزيد من حجم الضغوط المفروضة على القطاع الزراعي والمتمثلة في توفير الغذاء للأسر والعائلات لضرورة توفير المواد الغذائية الوسيطة المستعملة في صناعة الوقود الحيوي[12].

1 –  الآثار الإيجابية المترتبة على استخدام الحاصلات الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي في دول حوض النيل

من الآثار الإيجابية لإنتاج الوقود الحيوي في دول حوض النيل العمل على توفير من الطاقة وزيادة دخول المزارعين وتحسين الأحوال الصحية، وكذلك تحسين الظروف البيئية ورفع المستوى المعيشي لمواطني تلك الدول، ويمكن إيجاز أهم تلك الآثار بالنقاط الآتية[13]:

أ – رخص إمكانية إنتاجه في دول حوض النيل بسبب توافر مواده الأولية وعدم تقيّدها بعوامل جغرافية أو طبيعية.

ب – المساهمة في استصلاح كثير من الصحارى والأراضي القاحلة ودفع عجلة الإنتاج الزراعي في دول حوض النيل.

ج – خلق العديد من فرص العمل الجديدة، وزيادة مكاسب المزارعين الفلاحين وتنشيط العديد من الصناعات المرتبطة بالزراعة.

د – المساهمة في دعم خطط التنمية المستدامة في دول حوض النيل وفي خفض معدلات الفقر والجوع وتوفير مصادر الطاقة.

هـ – إمكانية الحصول عليه بواسطة عمليات تخمّر بسيطة لبعض المحاصيل الغذائية مثل الذرة وقصب السكر والبنجر وزيت النخيل.

و – المنافع البيئية المحتملة نتيجة نظافة هذا المصدر وعدم إضراره بالبيئة أو بالمناخ.

2 – الآثار السلبية المترتبة على استخدام الحاصلات الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي في دول حوض النيل

يرى الكثير من الدول وخاصة من دول العالم النامي – ومنها دول حوض النيل – أن إنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الغذائية سيأتي على حساب المجتمعات الفقيرة، ففي تقرير صادر عن «الفاو» وجد أن إنتاج الوقود الحيوي سيزيد من نسبة الجوع في العالم، حيث أشار التقرير إلى أن إنتاج 13 لتر إيثانول يحتاج إلى نحو 231 كغم من الذرة، في حين أن هذه الكمية تكفي لإطعام طفل جائع في إحدى الدول الفقيرة لمدة عام كامل.

أما بالنسبة إلى دول حوض النيل، فإنه على الرغم من الوفرة الزراعية لموارد المياه العذبة والترب الزراعية إلا أن جميع دول حوض النيل بما فيها مصر تعاني فجوة غذائية شديدة تتراوح بين 30 و55 بالمئة، كما تتلقّى معظم هذه الدول معونات غذائية مباشرة من منظمات الإغاثة الدولية[14].

ويعدّ انعدام الأمن الغذائي من أسوأ الملامح التي تتسم بها اقتصادات دول حوض النيل، فلقد وجد أنه من بين 22 دولة على مستوى العالم تعاني أزمات غذائية ممتدة فإن 7 منها يوجد في إقليم حوض النيل وهي: إثيوبيا، إريتريا، بوروندي، كينيا، أوغندا، السودان، والكونغو الديمقراطية[15].

ويوضح الجدول الرقم (2) مستويات انعدام الأمن الغذائي في دول حوض النيل:

الجدول الرقم (2)

مدى انتشار نقص التغذية في دول حوض النيل

البيان

الدول

عدد الأشخاص الذين لديهم نقص في التغذية
(بالملايين)
نسبة الأشخاص ناقصي التغذية
من مجموع السكان
1990 – 19921999 – 20002004 – 20062007 – 20092010 – 20121990 – 19921999 – 20002004 – 20062007 – 20092010 – 2012
بورندي34566496367,972,473,4
الكونغو (د)غ.مغ.م6060,8غ.مغ.مغ.م686969,5ٍ
إريتريا2333472,476,274,869,165,4
إثيوبيا34363535346855,347,743,840,2
كينيا91012121335,632,832,932,430,4
السودان111112151842,131,73236,639,4
أوغندا568101226,626,527,93134,6
مصرغ.مغ.مغ.مغ.مغ.مأقل من5أقل من5أقل من5أقل من5أقل من5
تنزانيا81414151829,440,435,136,138,8
رواندا4443352,646,542,134,228,9

المصدر: حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم: النمو الاقتصادي ضروري ولكنه غير كافٍ لتسريع الحدّ من الجوع وسوء التغذية (روما: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، 2012).

ويتضح من الجدول الرقم (2) ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي في دول حوض النيل، حيث يلاحظ الارتفاع الشديد في نسبة ناقصي التغذية إلى مجموع السكان في دول الحوض، التي وصلت إلى 73,4 بالمئة في بورندي، و69,5 بالمئة في الكونغو الديمقراطية، و65,5 بالمئة في إريتريا وذلك خلال الفترة (2010 – 2012). وعلى الرغم من زيادة مستويات إنتاج المحاصيل الغذائية والنقدية في دول حوض النيل، فإن معدل هذه الزيادة لا يتماشى مع معدل النمو السكاني لتلك الدول. ويوضح الجدول الرقم (3) إنتاج دول حوض النيل من أهم المحاصيل الغذائية المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي خلال عام 2010:

الجدول الرقم (3)

إنتاج المحاصيل الغذائية بدول حوض النيل (بالطن) عام 2010

الدولةقصب السكرالذرةالقمحالكسافامساحة الأراضي المخصصة لإنتاج الحبوب 2007 – 2011 (بالهكتار)
بوروندي1317301264129034187901227000
الكونغو الديمقراطية182714011564108841150495001994440
مصر1570890070411007177400312983
إريتريا2050027300453744
إثيوبيا2400000440000030000009244401
كينيا570959032220005119943233892328922
رواندا63000432404771932377210355776
السودان752670035000403000135009453806
تنزانيا275000044754206213043921705121462
أوغندا240000013730002150052820001826000

المصدر: State of the River Nile Basin 2012 (Entebbe- Uganda: Nile Basin Initiative, 2012), pp. 133-135.

وعلى الرغم من زيادة نسبة الأراضي المخصصة لزراعة الحبوب في دول حوض النيل التي يوضحها الجدول الرقم (3)، إلا أن النقص في الإنتاج المحلي للمحاصيل الغذائية ومنها الحبوب أدّى إلى ارتفاع واردات دول حوض النيل من الحبوب بشكل ملموس، وذلك كما يتّضح من الشكل الرقم (5).

الشكل الرقم (5)

صادرات وواردات الحبوب في دول حوض النيل
خلال الفترة (1990 – 2009)

(بالمليون طن)

المصدر: المصدر نفسه، ص 135.

ويتضح من الشكل الرقم (5) أن تلك الدول تواجه بارتفاع فواتير استيراد الحبوب الغذائية، ويرجع ذلك إلى التزايد السكاني الملموس لتلك الدول بالإضافة إلى توجيه جزء يعتدّ به من إنتاج تلك الحبوب نحو تصنيع الوقود الحيوي وذلك في ضوء افتقار تلك الدول إلى مصادر الوقود الأحفوري التقليدية. وقد أدّت الزيادات في متوسط أسعار الاستيراد من الحبوب الغذائية إلى عدم إمكانية وفاء دول حوض النيل باحتياجات مواطنيها من السلع الغذائية الأساسية، ومع قلة المعروض منها في السوق العالمي تصاعدت أسعار استهلاك تلك السلع لتصل إلى ذروتها في الربع الأول من عام 2008 مقارنة بأسعارها في بداية عام 2009. حيث تشكّل الحبوب الثقل النسبي الأكبر لسلة الغذاء في دول حوض النيل.

وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع فاتورة واردات الحبوب إلى بلدان العجز الغذائي في دول العالم بين عامي 2007، 2008 بنسبة 14 بالمئة، حيث بلغت رقماً قياسياً مقداره 28 مليار دولار أمريكي، ولقد كان مجموع تكلفة الواردات الغذائية بالنسبة إلى البلدان النامية أعلى بالفعل بنسبة قدرها 33 بالمئة في العام 2007 مقارنة بالعام 2006‏[16].

 

ثالثاً: قدرة أراضي دول حوض النيل على إنتاج حاصلات الوقود الحيوي

1 – خطط وسياسات إنتاج الوقود الحيوي في دول حوض النيل

تتميز جميع دول منابع نهر النيل بقدرة عالية على إنتاج الحاصلات الاستراتيجية اللازمة لإنتاج الوقود الحيوي كافة، فلقد ترسّخت لدى بعض الدول الأفريقية جنوب الصحراء – وخاصة دول حوض النيل – تقاليد إنتاج الوقود الحيوي من قصب السكر، وزاد عدد الدول الأفريقية التي أخذت بسياسات الوقود الحيوي، وتنوّعت الدوافع وتراوحت بين زيادة الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتحقيق وفورات من سعر صرف النقد الأجنبي وتحقيق أهداف التنمية الريفية[17]. ويوضح الجدول الرقم (4) خطط إنتاج الوقود الحيوي والأراضي المخصصة له في دول حوض النيل:

الجدول الرقم (4)

خطط إنتاج الوقود الحيوي والأراضي المخصصة له في عدد من دول حوض النيل

الدولةالإنتاج المخطط
روانداتوجد خطط مستقبلية للوصول بالإنتاج إلى 20 مليون لتر سنوياً في كل 10000 هكتار.
بورنديلا تتوافر بيانات.
تنزانياقامت الحكومة بتخصيص 641179 هكتار لإنتاج الوقود الحيوي.
كينيايتم إنتاج 23 مليون لتر من الإيثانول، وتمّ تخصيص 58000 هكتار – على الأقل – في 3 مشروعات لإنتاج الوقود الحيوي والإيثانول من قصب السكر.
أوغنداتم تخصيص 75000 هكتار من أراضي الغابات لإنتاج الوقود الحيوي.
السودانبلغت قيمة إنتاج الإيثانول 1 بليون دولار من مصنع كنانة، بطاقة تبلغ 45 مليون لتر منذ آذار/مارس 2012.
جنوب السودانلا تتوافر بيانات.
إثيوبياهناك خطط مستقبلية لإنتاج 20 مليون لتر، وتم تخصيص 55000 هكتار – على الأقل – لإنتاج الوقود الحيوي.
مصرتم تخصيص 50000 هكتار – على الأقل – لإنتاج الوقود الحيوي.

المصدر: المصدر نفسه، ص 62.

كما يوضح الجدول الرقم (5) إنتاجية دول أفريقيا جنوب الصحراء من أهم الحاصلات المستخدمة في صناعة الوقود الحيوي وذلك كنسبة من متوسط الإنتاجية العالمي:

الجدول الرقم (5)

إنتاجية دول أفريقيا جنوب الصحراء كنسبة من متوسط إنتاجية العالمي لحاصلات الوقود الحيوي

(بالمئة)

المحصولإنتاجية دول أفريقيا جنوب الصحراء كنسبة من متوسط الإنتاجية العالمية
حاصلات الايثانول الحيويقصب السكر90
الكسافا78
الذرة الرفيعة السكرية67
الذرة35
حاصلات الديزل
الحيوي
زيت النخيل57
الجاتروفاغير متاح

المصدر: Sven Sielhordst, Jan Willem Molenaar and Don Offermans, «Biofuel in Africa: Assessment of Risks and Benefits for African Wetlands,» Wetland International (May 2008), p. 44.

يتضح من الجدول الرقم (5) زيادة إنتاجية دول أفريقيا جنوب الصحراء (التي تضمّ جميع دول المنابع) من الحاصلات المستخدمة الوقود الحيوي، وذلك كنسبة من متوسط الإنتاجية العالمي لتلك المحاصيل.

ولقد طور العديد من الدول الأفريقية – ومنها بعض دول حوض النيل – سياساتها لتنمية صناعة الوقود الحيوي فيها، فطبقاً لتقديرات العام 2012 هناك نحو 40 دولة أفريقية قامت بتنفيذ وإعداد سياسات الوقود الحيوي على الرغم من أن أداء تلك السياسات لم يكن على المستوى المرجو.

وتعد إثيوبيا من أوائل دول حوض النيل التي قامت بوضع سياسة لتطوير صناعة الوقود الحيوي، وأطلقت عليها استراتيجية الوقود الحيوي، وذلك في العام 2007، وركزت على محصولي قصب السكر والجاتروفا كأساس لتلك الصناعة، كما قامت كينيا بوضع سياسة تعرف باسم «السياسة الوطنية للوقود الحيوي»، وذلك خلال عام 2011، وتركز على قصب السكر، والكاسافا والذرة الرفيعة السكرية وأشجار الجاتروفا كأساس لصناعة الوقود الحيوي. كما قامت تنزانيا بوضع عدد من الخطوط الاسترشادية لتطوير سياسة الوقود الحيوي بعنوان «الخطوط الاستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في الوقود الحيوي السائل»، وذلك خلال العام 2011، والتي تُعدّ بمنزلة خطوة نحو إتمام سياسة الوقود الحيوي في تنزانيا[18].

2 – الاستثمارات في صناعة الوقود الحيوي في دول حوض النيل

يتطلّب إنتاج الوقود الحيوي توافر الأراضي، وهو بذلك يتنافس على الأراضي مع أنشطة زراعية أخرى، ولقد برز العديد من النقاشات حول دور الوقود الحيوي كمحفّز للاستثمارات المحلية والأجنبية الواسعة النطاق في الأراضي التي غالباً ما تسمّى «الاستيلاء على الأراضي». فلقد وجد أن نسبة تتراوح ما بين الثلث والثلثين من استثمارات الأراضي مرتبطة بالوقود الحيوي، فمنذ العام 2000 سجّلت صفقات بلغت 1217 صفقة شملت أكثر من 83 مليون هكتار، أي 1,7 بالمئة من مجموع الأراضي الزراعية، وتمثّل أفريقيا جنوب الصحراء الهدف الرئيس لتلك الصفقات، حيث أُبرمت فيها 754 صفقة شملت 56,2 مليون هكتار؛ أي ما يعادل 4,8 بالمئة من مجموع الأراضي الزراعية في القارة، وهي مساحة تعادل مساحة كينيا.

ويلاحظ تنامي الاستثمار الأجنبية في هذا المجال بشكل ملموس، فلقد بلغ متوسّط معدل النمو السنوي للتوسع في مساحة الأراضي المزروعة في أفريقيا ما يقرب من 1.8 مليون هكتار خلال الفترة (1961 – 2007) ولقد جاء الوقود الحيوي في المرتبة الثانية بعد الغذاء في تصنيف دوافع الاستثمار الأجنبية[19].

ويوضح الجدول الرقم (6) صفقات الأراضي في بعض دول حوض النيل.

ويتضح من الجدول الرقم (6) تنامي عدد الاستثمارات الأجنبية العاملة في إنتاج الوقود الحيوي وخصوصاً في كل من إثيوبيا وتنزانيا، ما يؤكد ظاهرة الاستيلاء على الأراضي التي تتعرّض لها تلك الدول.

الجدول الرقم (6)

صفقات الأراضي في بعض دول حوض النيل

البلدنوع الاستثمار وعددهمساحة الأراضي
بالهكتار
نوع
المواد الأولية
النوعالعدد
الكنغو الديمقراطيةأجنبي2154000الجاتروفا، زيت النخيل
محليصفر
تنزانياأجنبي17407622زيت النخيل – الجاتروفا
محلي12000قصب السكر، الذرة الرفيعة السكرية
كينياأجنبي3161000الجاتروفا – قصب السكر
محلي140000قصب السكر
أوغنداأجنبي1100000زيت النخيل
محليصفر
إثيوبياأجنبي13496500الخروع – الجاتروفا – زيت النخيل – قصب السكر
محلي4113990قصب السكر – مختلف الزيوت النباتية
السودانأجنبي397168زيت النخيل – الجاتروفا
محليصفر

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، الوقود الحيوي والأمن الغذائي: تقرير مقدّم من فريق الخبراء الرفيع المستوى المعني بالأمن الغذائي والتغذية، ص 189 – 191.

3 – أهم دول حوض النيل المنتجة للوقود الحيوي

أ – تنزانيا

يمكن اعتبار تنزانيا العمود الفقري للوقود الحيوي في دول حوض النيل، وأول من بدأ في إدخال زراعته، ونظراً إلى وفرة الأراضي الزراعية القابلة للزراعة في تنزانيا، بالإضافة إلى الوفرة المائية، فإن هذه الوفرة جذبت أكثر من 20 شركة للاستثمار في الوقود الحيوي. وتبلغ المساحات المزروعة فعلياً بحاصلات الوقود الحيوي 640 ألف هكتار (1,5 مليون فدان)[20].

ب – إثيوبيا

تقع إثيوبيا في المرتبة الثانية في إنتاج الوقود الحيوي في القارة الأفريقية بعد تنزانيا، ويعمل في إثيوبيا نحو 58 جهة محلية وأجنبية على مساحة تبلغ 300 ألف هكتار، أي نحو 750 ألف فدان مع وجود طلبات للتوسّع في زراعات الوقود الحيوي لمساحات تقدّر بنحو 1,65 مليون هيكتار (4 ملايين فدان) للشركات المشاركة حالياً في هذا النشاط. وتتنوّع جنسيات الشركات الأجنبية المشاركة في الاستثمار بإنتاج الوقود الحيوي من الحاصلات الزراعية في إثيوبيا، حيث تستحوذ إسرائيل بمفردها أو بالشراكة مع دول أخرى على نحو 163212 هكتار. وهناك أيضاً شركات من أمريكا، وإنكلترا وسويسرا، والصين والهند وجنوب أفريقيا، والسعودية وغيرها[21].

ج – أوغندا

دخل الوقود الحيوي إلى أوغندا مؤخراً، وذلك بعد أن حقق نجاحاً ملموساً في تنزانيا وإثيوبيا، ولكن يكمن الخطر في زراعة حاصلات الوقود الحيوي في أوغندا في قيامها بإزالة آلاف الهكتارات من الغابات الطبيعية التي تنمو على الأمطار الاستوائية، وذلك لزراعة هذه المساحات بمحصول قصب السكر لإنتاج الإيثانول الحيوي، ونخيل الزيت الخاص بإنتاج الديزل الحيوي[22].

د – كينيا

تستورد كينيا وقوداً بترولياً يكلّف اقتصادها نحو 1,1 مليار جنيه إسترليني سنوياً، لذلك وضعت الحكومة الكينية خطّة تستغرق 5 سنوات انتهت في العام 2012 لتوفير نحو 20 بالمئة من وارداتها من البترول وإحلالها في الوقود الحيوي بشقيه. وتعمل في كينيا العديد من الشركات الأجنبية في إنتاج الوقود الحيوي تنتمي هذه الشركات إلى فرنسا وألمانيا واليابان وبريطانيا[23].

هـ – السودان

دخل السودان مجال إنتاج الوقود الحيوي مؤخراً، وبدأ في العام 2009 إنتاج أول مصنع للإيثانول المستخرج من قصب السكر في ولاية النيل الأبيض، ويعرف باسم مصنع الكنانة، بسعة إنتاجية تقدّر بـ 200 مليون لتر سنوياً، وأنشئ هذا المصنع باستثمارات برازيلية. ويعدّ مصنع الكنانة من أهم مصانع إنتاج الوقود الحيوي في السودان، حيث بلغت قيمة إنتاج الإيثانول فيه 1 بلايين دولار، بطاقة إنتاجية بلغت سنوياً 45 مليون لتر منذ آذار/مارس 2012، ولقد قام المصنع بتصدير أول شحنة إيثانول إلى الاتحاد الأوروبي يقدّر بنحو 5 ملايين لتر بسعر 450 يورو للمتر المكعّب، وذلك بداية عام 2013‏[24].

رابعاً: دور الوقود الحيوي في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في دول حوض النيل

1 – تطوّر الأسعار العالمية للمواد الغذائية

إن أهمية دور الوقود الحيوي في ارتفاع أسعار المواد الزراعية الغذائية ترجع إلى كونه من جهة يحدّ من عرض المواد الزراعية الغذائية الموجّهة كغذاء، ومن جهة أخرى يرفع من الطلب عليها باعتبارها مواد وسيطة في إنتاجه، وهذا ما يزيد من ارتفاع أسعارها في الأسواق العالمية، حيث شهدت أسعار المواد الزراعية الغذائية ارتفاعات متتالية منذ بداية سنة 2002، وينعكس ذلك من خلال مؤشّر أسعار الغذاء الحقيقي الذي ارتفع من 96.6 سنة 2002 إلى 105.1 سنة 2004 ليبلغ 116.5 سنة 2006 ثم 164.5 سنة 2008 و158.1 سنة 2010‏[25].

وصل مؤشر أسعار الغذاء التابع لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى أكثر من ضعف مستواه أثناء الفترة 2000 – 2012، ويوضح الشكل الرقم (6) الرقم الدليلي لأسعار الأغذية ومؤشرات السلع التكوينية لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) خلال الفترة (2000 – 2012):

الشكل الرقم (6)

الرقم الدليلي لأسعار الأغذية ومؤشرات السلع التكوينية لمنظمة الأغذية والزراعة

المصدر: حالة الأغذية والزراعة: الاستثمار في الزراعة من أجل مستقبل أفضل (روما: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، 2012)، ص 100.

وفي حين شهدت أسعار الغذاء على المستوى الدولي انخفاضاً طفيفاً عن مستوى الذروة التي بلغته في العام 2011، إلا أنها لا تزال أعلى من متوسطاتها التاريخية، كما زادت أسعار الحبوب مرة أخرى منذ منتصف العام 2012‏[26].

ولقد زاد الإنتاج العالمي من الوقود الحيوي في أقل من عقد واحد من الزمان بمقدار خمسة أضعاف، من أقل من 20 مليار لتر في العام 2001 إلى أكثر من 100 مليار لتر سنوياً في العام 2011، وسجّلت أكبر زيادة في إنتاج الوقود الحيوي في العامين 2007 و2008 بالتزامن مع الارتفاع الحادّ في أسعار المواد الغذائية في العام 2004‏[27].

2 – ارتفاع أسعار المواد الغذاء في دول حوض النيل

تعتبر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء – ومنها دول حوض النيل – أكثر البلدان عرضة للتأثر بمثل تلك الصدمات، ففواتير استيراد الأغذية في هذه البلدان كبيرة جداً، وذلك كما اتضح من الشكل الرقم (5)، ويشكّل استهلاك الغذاء فيها نسبةً كبيرة من متوسّط إنفاق الأسرة. وقد شهدت أسعار الغذاء المحلية في تلك البلدان زيادات حادّة حتى قبل الأزمة العالمية، وذلك بسبب موجات الجفاف التي كانت تضربها، وضعف الإنتاجية والصراعات التي عانتها بعض تلك البلدان[28]. ويوضح الشكل الرقم (7) تطوّر مؤشر أسعار الغذاء في بعض دول حوض النيل خلال الفترة (2007 – 2008)، حيث يتضح منه تزايد هذا المؤشر بشكل ملموس في دول حوض النيل وخاصة في إثيوبيا التي بلغت نسبة ناقصي التغذية فيها نحو 43 بالمئة خلال الفترة نفسها تقريباً، كما أنها تعد من أكثر دول الحوض إنتاجاً للوقود الحيوي.

الشكل الرقم (7)

مؤشر أسعار الغذاء في بعض دول حوض النيل (2007 – 2008)

المصدر: John Omiti [et al.], Low Agricultural Productivity and Food Insecurity in the Nile Basin Countries: FINAL REPORT 2008: Socio-Economic Development and Benefit Sharing Project [SDBS] (Nairobi: Kenya Institute for Public Policy Research and Analysis, 2009), p. 12.

ولقد أدت الزيادات في أسعار الغذاء العالمية خلال عامي 2007 و2008 إلى وجود أكثر من 6 ملايين فرد يعتمدون بشكل مكثّف على المساعدات الغذائية في كلٍّ من كينيا وإثيويبا، كما أشارت الإحصاءات إلى ان 22 بالمئة فقط من سكان رواندا كانوا في حالة أمن غذائي في العام 2007، في حين أن النسبة الباقية من السكان لم تكن لديهم قدرة على الوصول إلى ما يحتاجونه من أغذية، كما أن أكثر من 45 بالمئة من الأطفال تحت سن الخامسة كانوا يعانون نقص التغذية[29].

وتصنّف كل دول حوض النيل على أنها تعاني عجزاً غذائياً، فلقد اتضح من الجدول الرقم (2) مدى انتشار نقص التغذية في دول الحوض، ومن ثم فإن تلك الدول من أكثر البلدان عرضة للتأثّر بارتفاع أسعار الغذاء العالمية. فلقد زادت أسعار الأرز والذرة والقمح التي تشكّل المكوّن الغذائي الأساس في الأنظمة الغذائية لتلك الدول، ففي المتوسط تُشكّل المواد الغذائية الأساسية مثل الذرة، والأرز، والقمح نحو 20 بالمئة من المواد الغذائية المستهلكة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء مع استحواذ هذه المحاصيل الثلاثة وحدها على 30 بالمئة من السعرات الحرارية من الغذاء، ولقد ساهم ارتفاع أسعار هذه المواد الغذائية عالمياً في ارتفاع أسعارها أيضاً في الدول الأفريقية جنوب الصحراء وخاصة دول حوض النيل[30].

ومع أن معظم الوقود الحيوي يستورد من الخارج، إلا أن هناك مخاوف تتزايد من أن أسعار الغذاء قد ترتفع أكثر إذا حولت الأراضي الزراعية الخصبة في الدول المنتجة للوقود الحيوي مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنتاج محاصيل الطاقة الحيوية، وهو ما جعل دول الشمال الغنية تركز على الدول النامية – وخاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء – لسد احتياجاتها من تلك المحاصيل المستخدمة في صناعة الوقود الحيوي، ولعل ما يجري في العديد من دول حوض النيل من تعديل للدورة الزراعية بهدف إنتاج مزروعات تستخدم في إنتاج الوقود الحيوي يضرّ كثيراً بخطط الاكتفاء من الحبوب الغذائية في تلك الدول، كما تتولّى شركات النفط استثمار مئات الملايين من الدولارات في زراعة الجاتروفا، وهي مصدر رئيس لإنتاج الوقود الحيوي[31].

3 – أثر صناعة الوقود الحيوي في أسعار المواد الغذائية

أشار الكثير من المراقبين ومجموعة كبيرة من المنظمات – بدءاً من منظمات المجتمع المدني وصولاً إلى البنك الدولي – إلى أثر الارتفاع الحاد في الطلب على إنتاج الوقود الحيوي في أسعار المواد الغذائية، فعندما تستخدم المحاصيل الغذائية لإنتاج الوقود الحيوي فإن أول أثر مباشر يتمثّل بإنقاص كمية الأغذية والعلف المتاحة، ما يساهم في رفع أسعار تلك المواد. فلقد أدى التحول في استخدام المنتجات الزراعية إلى إنتاج الوقود الحيوي في زيادة الطلب عليها من جهة، وانخفاض المعروض منها للاستهلاك الغذائي من جهة أخرى، حيث قدر أنه في عام 2007 تم تحويل 93 مليون طن من القمح والحبوب الخشنة إلى إنتاج الإيثانول الحيوي، ومن المتوقع أن تزداد الحصة المخصصة له من الإنتاج العالمي لقصب السكر لتصل إلى 34 بالمئة بحلول 2021، وكذلك أن تزداد الحصة المخصصة له من الحبوب الخشنة لتصل إلى 14 بالمئة. ولقد ازدادت حصة الذرة الموجهة إلى إنتاج الإيثانول في الولايات المتحدة الأمريكية في عقد واحد بأقل من 10 بالمئة إلى أكثر من 40 بالمئة خلال عام 2011/2012‏[32]. ويعود ذلك أساساً إلى جملة من العوامل التي ساهمت مجتمعة في بلوغ أسعار الغذاء مستويات قصوى مع حلول سنة 2008، بحيث نجد أنه من أهمها[33]:

تغير أنماط الاستهلاك نتيجة تحسّن مستويات المعيشة وارتفاع حجم الدخل العالمي، وارتفاع أسعار النفط الذي يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتغير المناخ الذي أثّر سلباً في القطاع الزراعي، والمضاربة في أسواق السلع العالمية. إضافة إلى ما سبق ذكره من عوامل فإن الوقود الحيوي لا يقل أهمية عنها في دوره في ارتفاع أسعار المواد الزراعية وذلك بحسب تقديرات كل من البنك العالمي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة، حيث إن تأثيراته لا تنعكس فقط على أسعار المواد المستعملة في صناعته بل تمتدّ حتى إلى أسعار المواد الأخرى كما سنوضح لاحقاً.

أ – الأثر المباشر لصناعة الوقود الحيوي في أسعار المواد الغذائية

تؤكد العديد من الدراسات كيف أن التحوّل في استخدام المنتجات الزراعية إلى إنتاج الوقود الحيوي أدّى بشكل كبير إلى زيادة الطلب عليها من جهة، وإلى انخفاض المعروض منها للاستهلاك الغذائي، ونتيجة لاختلاف النماذج المستعملة في الحصول على التقديرات الموضحة لأثر تحويل المنتجات الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي في أسعارها عالمياً، فقد اختلفت النتائج حول أثر صناعة الوقود الحيوي في أسعار المواد الغذائية، لكن أغلبها كان يصب في الاتجاه الذي يدعم تزايد دور هذا التحوّل في ارتفاع أسعار المواد الغذائية المرتبطة أساساً بإنتاج الوقود الحيوي كما يوضح الجدول الرقم (7).

الجدول الرقم (7)

تطوّر مؤشر الأسعار الحقيقي للحبوب والسكر، 2002 – 2010

المؤشر20022004200620082010
مؤشر أسعار الحبوب الحقيقي101.6100.4111.8196.0156.0
مؤشر أسعار السكر الحقيقي105.195.1192.1149.1258.0

المصدر: بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.

زاد إنتاج الإيثانول الحيوي بين 2005 و2008 بمعدّل مرتين، في حين زاد إنتاج زيت الديزل الحيوي في الفترة نفسها ثلاث مرات. وقد أشارت التقديرات إلى أن الارتفاع في إنتاج الوقود الحيوي عالمياً في الفترة ما بين 2006 و2008 أدّى إلى ارتفاع سعر الذرة بنسبة 17 بالمئة، وسعر فول الصويا بـ 14 بالمئة، مؤكّد أن إنتاج الوقود الحيوي في الولايات المتحدة الأمريكية وحده ساهم في ارتفاع سعر الذرة بـ 14 بالمئة، وسعر فول الصويا بـ 10 بالمئة، أما إنتاج الوقود الحيوي في الاتحاد الأوروبي فدفع أسعار الذرة وفول الصويا إلى الارتفاع بـ 2 بالمئة وأسعار الشعير بـ 3 بالمئة، في حين أن إنتاج الوقود الحيوي في البرازيل ساهم في ارتفاع أسعار السكر بـ 8 بالمئة[34].

وإذا علمنا أنه لتعبئة سيارة رباعية الدفع بـ 100 لتر من الإيثانول فذلك يستلزم استعمال نحو 240 كلغ من الذرة، وهو ما يكفي لتغذية شخص واحد طوال سنة كاملة، وأن لتراً من الإيثانول يحتوي على 66 بالمئة فقط من الطاقة التي يوفرها لتر من البترول، فإن ذلك يعني استخدام كميات أكبر من المحاصيل الزراعية للحصول على الطاقة نفسها التي يوفرها البترول.

تزامن الارتفاع في أسعار الأغذية عالمياً مع الاتجاه نحو استخدام المحاصيل الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي بدلاً من الغذاء، ما ساهم في تفاقم الأزمة الغذائية التي تعانيها دول حوض النيل، التي انعكست آثارها على تلك الدول بشكل ملموس، ما أدّى إلى زيادة إنفاقها على الغذاء وارتفاع فواتير الواردات الغذائية فيها. ومما يزيد من تعميق أثر صناعة الوقود الحيوي في أسعار المواد الغذائية، هو أن أكبر الدول المنتجة له والمتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل تعتبر أكبر الدول المنتجة في الوقت نفسه لأهم المحاصيل الزراعية الغذائية كالقمح، والذرة، والشعير، والسكّر، وهذا ما يجعلها توجّه جزءاً كبيراً ومهماً من هذه المحاصيل إلى إنتاج الوقود الحيوي بدلاً من تصديره كغذاء.

ب – الأثر غير المباشر لصناعة الوقود الحيوي في أسعار المواد الغذائية

يزداد حجم تأثير صناعة الوقود الحيوي في أسعار المواد الزراعية والغذائية ليشمل أسعار باقي المواد الزراعية الأخرى التي لا تدخل حتى في إنتاجه، وذلك بصفة غير مباشرة من خلال أثر الإحلال الخاص في الأراضي الصالحة للزراعة، وذلك نتيجة توجّه الدول المنتجة للوقود الحيوي إلى تحويل استعمال جزء من الأراضي المخصصة لإنتاج مواد زراعية أخرى إلى استخدامها في إنتاج المزيد من كميات المحاصيل الزراعية الوسيطة في إنتاج الوقود الحيوي، إذ تتوقّع الوكالة الدولية للطاقة زيادةَ حجم الأراضي الصالحة للزراعة الموجّهة إلى إنتاج الوقود الحيوي السائل لتتراوح ما بين 2.5 بالمئة و3.8 بالمئة سنة 2030 بعدما كانت تقدّر سنة 2004 بـ 1 بالمئة[35].

لا يقتصر تأثير صناعة الوقود الحيوي في أسعار المواد الزراعية والغذائية في المدى القصير فحسب بل يتعداه حتى المدى المتوسط والطويل، نظراً إلى الارتفاع المستمر في الطلب عليها سواء بسبب الوقود الحيوي من جهة، أو بسبب الاحتياجات الغذائية التي تتزايد نظراً إلى تزايد عدد السكان وتطور مستويات المعيشة من جهة أخرى، إذ يتوقّع المعهد الدولي لأبحاث سياسة الغذاء، مقارنة بمستويات ارتفاع الأسعار سنة 2008، فإنه مع مطلع سنة 2020 سترتفع أسعار الذرة من 23 بالمئة إلى 72 بالمئة وأسعار القمح من 8 بالمئة إلى 30 بالمئة، وأسعار البذور الزيتية من 18 بالمئة إلى 76 بالمئة، والسكر من 11.5 بالمئة إلى 66 بالمئة، وهذا بالاستناد إلى سياسات الدول المستقبلية في ما يخص تطوير صناعة الوقود الحيوي مع مطلع سنة 2020‏[36].

خاتمة

تعتبر الطاقة الحيوية مصدراً مهماً للطاقة في العصر الحديث لضمان الأمن الطاقوي، وخصوصاً مع ارتفاع أسعار الطاقة الأحفورية من جهة، وتزايد آثارها السلبية في البيئة من جهة أخرى، ومن ثم فقد عمل العديد من الدول على زيادة وتطوير قدراتها في إنتاج الوقود الحيوي المستعمل أساساً في عملية النقل، وذلك انطلاقاً من استعمال مواد زراعية وسيطة في عملية الإنتاج. ومن ثم ونظراً إلى كون هذه المواد الزراعية الوسيطة تستعمل في الأصل للاحتياجات الغذائية، فإن زيادة التوجّه نحو صناعة الوقود الحيوي أدّت إلى تزايد الطلب عليه بشكل دفع إلى ارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية، وعلاوةً على ذلك ونظراً إلى نية العديد من الدول زيادة اعتمادها على الوقود الحيوي في عملية النقل، فإن إنتاجاً أكبر من المواد الزراعية حُوّلت وجهته نحو استخدامه في صناعة الوقود الحيوي بدلَ تصديره كغذاء، وهذا ما يزيد من ندرة المعروض في الأسواق العالمية بشكل يزيد من ارتفاع الأسعار.

كان للوقود الحيوي دور كبير في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وخاصة الحبوب بأشكالها المتعددة، والسكر أيضاً، ونظرا إلى خطورة الوضع الذي بات يهدّد ضمان الأمن الغذائي في الدول الأفريقية عموماً، ودول حوض النيل تحديداً – وخصوصاً أن النمو السكاني في تلك الدول في تزايد ملموس، يضاف إليه تطوّر مستويات المعيشة، ما ينذر بطلب أكبر للغذاء في المستقبل، فقد برزت ضرورة التفكير في إيجاد بديل يضمن تحقيق كلٍّ من الأمن الطاقوي والغذائي لدول حوض النيل، وهو ما برز في الجيل الثاني للوقود الحيوي السائل، والذي إن كان يتميّز بارتفاع التكلفة، إلا أن توافر الكتلة الحيوية المستعملة في إنتاجه بكثرة على سطح الأرض، إضافة إلى ضمان عدم تأثيره في أسعار المواد الزراعية الغذائية، يزيد من فرص تطور تقنيات إنتاجه، ومن ثم بروزه كمصدر جديد للطاقة الحيوية البديلة من الطاقة الأحفورية التقليدية.

وكما تمت الإشارة في المبحث الأول من هذه الدراسة، فإن ميزة هذا الشكل المتطور من الوقود الحيوي السائل تكمن في كونه يحدّ من الاعتماد كلية على المواد الزراعية كوسيط في إنتاجه، ويتطلب بدلاً من ذلك استعمال الأعشاب والكتلة الخشبية ومخلفات الزراعة والنفايات، ومن ثم فإنه يعطي حلاً لمشكلة المفاضلة والاختيار بين ضمان الأمن الغذائي أو ضمان الأمن الطاقوي باعتبارهما هدفان متضادان في حالة الجيل الأول من الوقود الحيوي السائل، ويمكّن ذلك من ضمان الحصول على بديل للطاقة الأحفورية مصدره الكتلة الحيوية من دون المساس بالأمن الغذائي من خلال عدم تأثيره في أسعار المواد الزراعية الغذائية.

 

قد يهمكم أيضاً  القطاع غير المنظم في ولاية نهر النيل ـ السودان: الملامح ـ أسباب التوسع ـ الأثر الاقتصادي

#مركز_درسات_الوحدة_العربية #دول_حوض_النيل #الوقود_الحيوي #الطاقة_الحيوية #الأمن_الغذائي #دراسات