مدخل:

إذا كانت التجارب «التوحيدية» القديمة قد اقترنت بالاستبداد على الصعيد السياسي، والقطعية الوثوقية على الصعيد المعرفي، والاحتكار على الصعيدين الاقتصادي والثقافي؛ فهل تقدم تجربة الاتحاد الأوروبي صيغة جديدة على الصعد الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والثقافية والأخلاقية، تحرر المعرفة والعلوم والتكنولوجيا من سلطة الدولة القومية، وتضعها جميعاً في خدمة المجتمعات المدنية وفقاً لمبادئ العدالة؟

الاتحاد الأوروبي جهاز فوق قومي، يضم في عضويته 28 دولة، وتديره ثلاث مؤسسات: المفوضية والمجلس والبرلمان. ويضم الجماعة الأوروبية ومجالات السياسة والقضاء والتعاون في مجال الشرطة الجنائية، وتنسيق السياسة الخارجية والأمنية المشتركة[1]. دخلت مؤسسات الاتحاد في صراع دائم حول سلطات صنع القرار وصلاحياته، تجلى بين المؤسسات الثلاث الآتية:

1 – المجلس[2]: يعتبر المجلس (Council) صوت الدول الأعضاء، فهو يقرر السياسات، ويتبنى التشريعات، يجتمع على مستوى الوزراء أو مستوى المندوبين الدائمين، ويقوم بتنسيق سياسات الدول الأعضاء، أو يحدد سياساتها الخارجية.

2 – المفوضية الأوروبية: تمثل المفوضية الأوروبية (European Commission) المصالح العليا للاتحاد الأوروبي. وهي التي تقترح التشريعات، وتحيلها على البرلمان الأوروبي.

3 – البرلمان الأوروبي: وهو الهيئة التشريعية الوحيدة المتعددة القوميات في العالم، ويمثل جميع «مواطني الاتحاد» البالغ عددهم 507 ملايين نسمة، حسب المادة 14 (2) من «معاهدة الاتحاد الأوروبي». ينتخب أعضاء البرلمان من مواطني الدول الأعضاء، والمقيمين فيها، من غير الأوروبيين، الذين تتوافر فيهم شروط الانتخاب. هذا يعني أن التصويت يشمل المواطنين غير التابعين لقوميات الدول الأعضاء[3].

إشكالية البحث: يعالج البحث إشكالية العلاقة بين الدول القومية، الأعضاء في الاتحاد، والمؤسسات الاتحادية ما فوق القومية، وحدود التعارض في بنية الاتحاد بين السياسات القومية لكل دولة من الدول الأعضاء على حدة، والتي تتجلى في سلطة المجلس، والسياسات الاتحادية ما فوق القومية، التي يقررها البرلمان والمفوضية العليا. فلا بد من تعزيز المؤسسات ما فوق القومية وخروجها من الأبواب الضيقة لتدخل إلى مجالات مثل السياسة الخارجية والسياسات التي تمس المواطنين والتي ما زالت حكراً على سيادة الدول.

فرضيات البحث: يفترض البحث أن البرلمان الأوروبي هو المؤسسة الديمقراطية الأهم بين مؤسسات صنع القرار، لأنه يمثل جميع الشعوب الأوروبية، وله دور أساسي في تعزيز الديمقراطية البرلمانية، فتعزيز دوره يعزز النظم الديمقراطية ذات الطابع المؤسسي والقانوني، وهذا مما يؤدي إلى تجديد حيوية مؤسسات الاتحاد ودوره الإقليمي والدولي. أي أن ثمة علاقة متبادلة بين الطابع الديمقراطي للبرلمان الأوروبي والنظام الديمقراطي في كل دولة من الدول الأعضاء.

ويفترض أيضاً أن تعزيز دور البرلمان سيؤدي إلى تقليص دور الدول القومية الأعضاء في الاتحاد، وهذا سيؤثر في التوازن المؤسساتي ضمن الاتحاد، أي سيؤثر في التراجح بين سلطتي المجلس الوزاري والبرلمان، إذ تتراجع سلطة الأول لمصلحة الثاني. وهنا سنسلط الضوء على زيادة سلطات البرلمان من خلال استعراض أهم وظائفه.

أولاً: الوظيفة التشريعية

على الرغم من أن البرلمان الأوروبي يملك سلطة التشريع إلا أنه لا يمتلك المبادرة التشريعية التي تمتلكها البرلمانات الوطنية للدول الأعضاء في الاتحاد، فلا يحق له المبادرة إلى اقتراح التشريعات، بل يشارك فقط في عملية صنع القوانين مع المجلس، أو يحق له قبولها أو رفضها، وتعديلها. وأهم أشكال صنع القرار:

1 – صنع القرار بالمشاركة بين المجلس والبرلمان الأوروبي

للبرلمان الحق في صنع القرار بالمشاركة مع المجلس، وفي حال رفض البرلمان المصادقة على الإجراء فالمجلس عندها لا يستطيع اتخاذ القرار. وقد شكلت المشاركة نسبة 60 بالمئة من التشريع في خلال الفترة النيابية 2009 – 2014، وهو الإجراء الذي نصت عليه معاهدة ماستريخت عام 1992 وسمي «إجراء صنع القرار بالمشاركة»، وأعادت معاهدة لشبونة 2007 تسميتها «العملية التشريعية الاعتيادية»، التي أصبحت تشمل 90 بالمئة من مجالات السياسة لتشمل معظم السياسات، باستثناء الشؤون الضريبية، والأمن الاجتماعي ومعظم مجالات السياسة الخارجية؛ فسلطة القرار هنا للدول الأعضاء في الاتحاد ولا تمارس عملية «المشاركة في القرار».

ويتطلب إجراء المشاركة الأغلبية المؤهِّلة في المجلس، والأغلبية المطلقة في البرلمان.

وتتم عملية صنع القرار وفقاً «للإجراء التشريعي العادي» (انظر الشكل الرقم (1)).

عندما يتم تبني التشريع، تقوم الدول الأعضاء بالتنفيذ، وفقاً لأنظمتها القانونية الخاصة وعملياتها.

2 – الدور الاستشاري للبرلمان

في بعض الحالات، تكون الاستشارة إلزامية وذلك لأن الأسس القانونية تتطلب ذلك، ولا يمكن للاقتراح أن يصبح قانوناً إلا إذا أعطى البرلمان رأيه في المقترح المقدم. في حالات أخرى قد تكون الاستشارات اختيارية، وعندها قد تطلب المفوضية من المجلس أن يقوم باستشارة البرلمان، «لا داعي للجنة التراضي وقراءة ثالثة… إلخ».

وقد شكل الإجراء الاستشاري 20 بالمئة من التشريع في الدورة النيابية 2009 – 2014، ويستخدم حالياً في عدد محدود من السياسات، وترسل المفوضية باقتراحها إلى البرلمان الأوروبي والمجلس، لكن في هذه المرحلة يقوم المجلس باستشارة البرلمان رسمياً، إذ يعتبر رأي البرلمان من المكوِّنات الضمنية لعملية صنع القرار في الاتحاد.

3 – الموافقة

وهي إجراء تشريعي نادراً ما يستخدمه البرلمان، وقد شكل 18 بالمئة من التشريع في الفترة النيابية 2009 – 2014.

ويقوم المجلس بأخذ موافقة البرلمان قبل أن يتخذ قرارات محددة تكون في غاية الأهمية. الآلية هنا هي ذاتها كما في الاستشارات، عدا أن البرلمان ليس باستطاعته في هذه المرحلة أن يقوم بطلب تعديل المقترح: «إما الموافقة وإما الرفض». وتؤخذ الموافقة بأغلبية الأصوات. أهم القضايا التي تشملها الموافقة: مهمات محددة مرتبطة بالبنك الدولي؛ تعديل دستور النظام الأوروبي للبنوك المركزية/البنك المركزي الأوروبي؛ آلية الانتخاب للبرلمان الأوروبي؛ تصديق المعاهدات الدولية؛ انضمام دولة جديدة إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

الشكل الرقم (1)

مراحل صنع القرار بالمشاركة بين المجلس والبرلمان[4]

 

ثانياً: التعيين والرقابة على السلطة التنفيذية في المستوى الأوروبي

تتوقف التعيينات الأوروبية على نتائج الانتخابات الأوروبية التي شملت تعيين القيادات الأوروبية (انظر الإطار الرقم (1)).

الإطار الرقم (1)
الجدول الزمني لتعيين القيادات الأوروبية في عام 2014
بعد استحقاق انتخابات البرلمان الأوروبي 22 – 25 أيار/مايو 2014
أ – حزيران المجلس الأوروبي (يأخذ بالحسبان نتيجة الانتخابات الأوروبية ) يقترح مرشحاً لرئيس المفوضية من بين المرشحين من قبل الأحزاب الأوروبية على أن يكون من الكتلة الأكبر في البرلمان الأوروبي، وذلك لاحترام خيار المواطنين (المادة 17 من معاهدة الاتحاد الأوروبي).
1 – 14 – 17 تموز/يوليو 2014 البرلمان ينتخب رئيس المفوضية بالتصويت بالأغلبية المؤهلة في جلسته الأولى، ويتوجب على المرشح أن يحصل على موافقة نصف البرلمانيين الأوروبيين، أي على 376 عضواً برلمانياً من 751، التصويت لمصلحة مرشح المفوضية، وبالفعل لأول مرة أُخذت وجهة نظر الأغلبية البرلمانية بعين الاعتبار، من خلال التصديق على تعيين رئيس وزراء اللوكسمبورغ السابق ورئيس أكبر كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي، حزب الشعب الأوروبي جانكر، رئيساً للمفوضية على الرغم من اعتراض كل من حكومة رئيس الوزراء البريطاني كاميرون وحزبه المحافظ التي رأت في ذلك اتجاهاً نحو حكومة أوروبية فدرالية – وأن البرلمان يغتصب السلطة(أ). كما تحفظت المستشارة الألمانية عن ترشيح جانكر، على الرغم من انتمائهما إلى الحزب الديمقراطي المسيحي نفسه، وهو عضو في حزب الشعب الأوروبي، فقد أرادت أن تبقي سلطة اختيار رئيس البرلمان بيد الحكومات القومية. كما عبّر قادة السويد وإيطاليا وهولندا عن تحفظهم حول ترشيح الرئيس ودور البرلمان في انتخابه.
2 – في تموز/يوليو – آب/أغسطس 2014 رئيس المفوضية الأوروبية يختار المفوضين الذين تم وضعهم من قبل الدول الأعضاء.
3 – أيلول/سبتمبر 2014: يعقد البرلمان جلسات استماع لكل مفوض من المفوضين في البرلمان لتصديق تعيينهم.
4 – أيلول/سبتمبر 2014: يعين الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية من قبل الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي، بموافقة رئيس المفوضية الأوروبي، ويشغل الممثل الأعلى كذلك نائب رئيس المفوضية، وفقاً للمادة 18 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، وموافقة البرلمان الأوروبي على هذا التعيين مطلوبة.
 يتم اقتراح المفوضين الـ 28 من قبل حكوماتهم ويتم تعيينهم من المجلس بأغلبية مؤهلة وبموافقة مشتركة من البرلمان الأوروبي على التعيين. يتبنى المجلس، بالتوافق المشترك مع رئيس المفوضية – المرشح، قائمة من المرشحين لتعيينهم أعضاء في المفوضية، ويقدمها للتصويت لموافقة البرلمان الأوروبي (المادة 17 من معاهدة الاتحاد الأوروبي). يقوم البرلمان بالاطلاع على برامج المفوضين، ويحق له الاعتراض على تعيين أحد المفوضين أو أكثر من مفوض، وعندها يتوجب على رئيس المفوضية إما التخلي عن أولئك المرفوضين وإما المخاطرة بعرض كامل أعضاء المفوضية على البرلمان ما قد يعرضها للرفض الكامل(ب).
*  تشرين الأول/أكتوبر 2014: البرلمان يصدق تعيين كامل أعضاء المفوضية الجديدة ونائب رئيس المفوضية الذي يشغل منصب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة.
* 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، المفوضية الجديدة تتسلم مهامها.
* 1 كانون الأول/ديسمبر 2014، الدول الأعضاء في الاتحاد يعيّنون رئيساً للمجلس الأوروبي.

(أ) R. Daniel Kelemen, «President for the People: Can Jean-Claude Juncker Save the Union and Prevent a Brexit?,» Foreign Affairs, 30/6/2014, <http://www.foreignaffairs.com/articles/141609/r-daniel-kelemen/president-for-the-people>.

(ب) «Decision-making in CFSP Matters,» Europedia (24 January 2014), <http://www.europedia.moussis.eu/books/Book_2/>.

المصدر: «Why the European Parliament Elections Matter for International Development – and Eight Things to Look Out for in the Manifestos,» Simon Maxuell (24 January 2014), <http://www.simonmaxwell.eu/blog/why-the-european-parliament-elections-matter-for-international-development-and-eight-things-to-look-out-for-in-the-manifestos.html>.

كما يمارس البرلمان السلطات الاستشارية التالية وفقاً لما جاء في مواد معاهدة التطبيقات الوظيفية للاتحاد الأوروبي التي جاءت نتيجة لمعاهدة لشبونة، ودخلت حيز التنفيذ في 1 كانون الأول/ديسمبر 2009 وأهم هذه السلطات:

1 – وفقاً للمادة 226 يحق للبرلمان، بطلب من ربع أعضائه، أن يقوم بتشكيل لجنة موقتة للتحقيق في حال وجود سوء إدارة أو في تنفيذ قانون الاتحاد، باستثناء ما إذا كانت الحقائق المزعومة قد عرضت أمام محكمة، أو كانت القضية لا تزال موضوع إجراءات قانونية[5].

2 – يحق للبرلمان طرح الأسئلة على المفوضية الأوروبية والمجلس حول نشاطاتهم.

3 – تخول المادة 233 البرلمان الحق في مناقشة التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية في جلسة مفتوحة.

4 – وفقاً للمادة 234 يستطيع البرلمان إجبار المفوضية على الاستقالة، في حال قامت أغلبية ثلثي الأصوات في البرلمان بتوجيه اللوم للمفوضية، فعندها يتوجب على أعضاء المفوضية الأوروبية الاستقالة كجهاز كامل، كما أن الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية يستقيل من واجباته التي يقوم بها ضمن المفوضية»[6].

5 – تصديق تعيين رئيس المفوضية الأوروبية وكامل أعضاء المفوضية الجديدة ونائب رئيس المفوضية والذي يشغل منصب الممثل الأعلى لسياسة الخارجية والأمنية المشتركة.

ثالثاً: وظيفة تصديق الموازنة

يحدد البرلمان الأوروبي بمشاركة مجلس الاتحاد الأوروبي، الميزانية السنوية العامة للاتحاد والموازنة طويلة الأجل، والمعروفة بالإطار المالي المتعدد السنوات، والتي تستمر من سنة 2014 حتى 2020. وتحدد سنوياً النفقات والواردات. وله الكلمة الأخيرة حول حجم الإنفاق في الموازنة السنوية[7].

من الأمثلة على تأثير البرلمان الأوروبي في السياسة الثقافية إقرار البرلمان للقرارات المتعلقة بتحديد موازنة البرامج الثقافية وأولويات الاتحاد الأوروبي، وذلك بالتركيز على هذه البرامج لكل سنة. وذراع البرلمان في هذا المجال هي «لجنة التعليم والثقافة» التي تحدد أهداف النشاط الثقافي والوسائل المالية من أجل تنفيذه.

 

رابعاً: دور البرلمان في الموافقة على الاتفاقيات الدولية مع الدول الثالثة

يؤدي البرلمان الأوروبي دوراً رئيسياً في الموافقة على عقد الاتفاقيات البرلمانية قبل قيام المجلس بعقد الاتفاقيات الدولية، وفقاً للمادتين 207 و218 من «معاهدة التطبيقات الوظيفية للاتحاد الأوروبي».

ويتوجب على المجلس العودة إلى البرلمان وطلب موافقته لعقد الاتفاقيات الدولية التالية وفقاً لما جاء في المادة 218 من معاهدة التطبيقات الوظيفية التي تنص على[8]:

«من دون إلحاق الضرر بالشروط الخاصة المدونة في المادة 207، الاتفاقيات بين الاتحاد والدول الثالثة أو المنظمات الدولية يجب أن يتفاوض عليها وتعقد بالتوافق وفقاً للإجراءات التالية:

1 – يفوض المجلس بافتتاح المفاوضات، وتبني توجيهات التفاوض، والتفويض بتوقيع الاتفاقيات وعقدها.

2 – في حال كان الاتفاق يتعلق بالدرجة الأولى أو على وجه الحصر بالسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، تقوم المفوضية، أو الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمنية المشتركة برفع توصيات إلى المجلس، الذي عليه تبني قرار التفويض بفتح المفاوضات، وتعتمد على موضوع الاتفاق المتصور، وتعيين المفاوض عن الاتحاد أو فريق التفاوض من الدول الأعضاء.

3 – يرسل المجلس توجيهات إلى المفاوض، ويعين لجنة خاصة للتشاور حول مواكبة المفاوضات.

4 – وفقاً لاقتراح من المفاوض، يتبنى المجلس قراراً بالتفويض بالتوقيع على الاتفاقية وفي حال الضرورة، والتطبيق الموقت قبل دخولها حيز التنفيذ.

5 – يتبنى المجلس قراراً بعقد الاتفاقية بناء على اقتراح من المفاوض.

6 – باستثناء الاتفاقيات التي تتعلق على وجه الحصر بالسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، على المجلس تبني القرار بعقد الاتفاقية بعد:

الحصول على موافقة البرلمان الأوروبي في الحالات التي تكون فيها الاتفاقية ضمن إطار الاتفاقيات الآتية:

أ – اتفاقيات الشراكة.

ب – اتفاقيات موافقة الاتحاد على الانضمام إلى المعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحقوق الأساسية.

ج – الاتفاقيات المؤسسة لإطار مؤسساتي محدد بواسطة تنظيم إجراءات التعاون.

د – الاتفاقيات مع تطبيقات هامة تتعلق بالموازنة.

هـ – اتفاقيات تغطي جوانب يطبق فيها الإجراء التشريعي الاعتيادي، أو الإجراء التشريعي الخاص حبن تكون موافقة البرلمان الأوروبي مطلوبة.

يمكن للبرلمان الأوروبي والمجلس، في حالات طارئة، الاتفاق على وقت محدد للموافقة.

7 – عندما يعقد الاتفاق، يمكن للمجلس، ومن دون الإضرار بالفصول 5 و6، و9، تفويض المفاوض بتصديق الاتفاق باسم الاتحاد، وفقاً للتعديلات التي يجد أنها في مصلحة الاتحاد، والتي يزودهم ويتم تبنيها بإجراء بسيط أو بواسطة جهاز مؤسس بواسطة الاتفاق. المجلس يمكنه وضع شروط محددة لتفويض كهذا.

8 – يعمل المجلس من خلال الأغلبية المؤهلة، وبالإجماع، في حال كان الاتفاق يتطلب الإجماع، مثل اتفاقيات الشراكة والاتفاقيات المشار إليها بالمادة 212 مع الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد. يعمل المجلس من خلال الإجماع بعقد الانضمام إلى المعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحقوق الأساسية، وقرار عقد الاتفاقية يجب أن يدخل حيز التنفيذ بعد موافقة جميع الدول الأعضاء وفقاً لما تتطلبه أنظمتها الدستورية.

9 – المجلس، وباقتراح من المفوضية والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والسياسة الأمنية، يتبنى قراراً يرجئ تطبيق اتفاقية، وتأسيس مواقف يتم تبنيها لمنفعة الاتحاد كجهاز تضعه الاتفاقية.

10 – يجب أن يتم إعلام البرلمان الأوروبي بشكل كامل حول جميع مراحل الإجراء

11 – الدولة العضو، والبرلمان الأوروبي، والمجلس أو المفوضية يمكن لأي منها أن تحصل على رأي محكمة العدل الأوروبية لمعرفة مدى تطابق الاتفاقية مع المعاهدات الأوروبية. عندما يكون رأي المحكمة ضد الاتفاقية، فالاتفاقية عندها لا تدخل حيِّز التنفيذ من دون أن يتم تعديلها أو مراجعة المعاهدة.

ونلاحظ أهمية التوقف عند البند (10) من المادة 218 والذي يعني وجوب إعلام البرلمان الأوروبي فوراً وبشكل كامل، وهذا يشمل إمكانية الوصول إلى جميع المعلومات ذات الصلة والوثائق المتعلقة بقضية معينة، وكذلك تدخل البرلمان منذ فتح المفاوضات[9].

كما منحت معاهدة لشبونة البرلمان الأوروبي كفاءة تشريعية أكبر في ما يتعلق بالشؤون التجارية، فالبرلمان أصبح يمنح الموافقة على العملية التفاوضية، وكذلك عقد الاتفاقيات التجارية. وعلى المفوضية إعلام البرلمان حول كامل مراحل الإجراء. كما يعمل البرلمان اليوم إلى جانب المجلس في تبني «الإجراءات التي تحدد الإطار لتنفيذ السياسة التجارية المشتركة»[10].

ومن أهم النماذج على استخدام البرلمان الأوروبي لسلطته في مراقبة الاتفاقيات وتصديقها أو رفضها بهدف تحسين شروط تلك الاتفاقيات رفض البرلمان الاتفاقية المؤقتة مع الولايات المتحدة الأمريكية «سويفت» (SWIFT)، وهي اختصار لـ «جمعية الاتصالات المالية البنكية العالمية»، والتي أُسست في بلجيكا عام 1973 بتعاون شمل 239 بنكاً من 15 دولة مختلفة، بهدف تأسيس «نظام معالجة المعلومات عالمياً وربط الاتصالات ولغة مشتركة للتحويلات المالية». اليوم، هذه الجمعية مسؤولة عن 80 بالمئة من الرسائل المالية، التي تتضمن معلومات شخصية تبدأ من أسماء الدافع والمستفيد.

وبدأت وزارة الخزانة الأمريكية «برنامج تعقب تمويل الإرهاب» (TFTP). ونلاحظ أن سويفت كان لها مركزان الأول في بلجيكا والثاني في فيرجينيا – ومن ثم، فهذا الاتفاق خاضع لازدواجية قضائية مختلطة بلجيكية وأمريكية.

وقد أدى التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى خرق قانون الخصوصية للاتحاد الأوروبي، الذي يمنع نقل المعلومات الشخصية إلى القوميات التي لا تكفل مستوى مناسباً من الحماية. ومن ثم، فإن وجود البرنامج الأمريكي لتعقب تمويل الإرهاب «تم فضحه من خلال صحف أمريكية، في 23 حزيران/يونيو 2006، ما أدى إلى حدوث رد فعل شعبي ومؤسساتي في الاتحاد الأوروبي. وبتأثير كبير من الرأي العام أجرى البرلمان الأوروبي جلسات استماع حول الاتفاق المؤقت وتبنى فيه قراراً في 6 تموز/يوليو 2006 عبر فيه «عن قلقه الجدي من عدم احترام الخصوصية وحماية المعلومات المتبنى في أوروبا». وفي تشرين الأول/أكتوبر 2006 صدر عن المفوضية الأوروبية تقرير حول خرق اتفاقية سويفت لقانون حماية المعلومات البلجيكي، وعلى أثر التقرير عقد البرلمان جلسات استماع، مثل فيها الممثل المالي لسويفت.

كما أصدر البرلمان قراراً في 14 شباط/فبراير 2007، أكد فيه وجود «حالة من عدم التأكد القانوني بما يتعلق بضمانات حماية المعلومات من أجل تبادل المعلومات ونقلها بين الاتحاد والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بهدف تأمين الأمن العام منع الإرهاب خاصة». ودعا إلى أهمية تدخل البرلمان الأوروبي في عقد الاتفاق[11].

وفي 17 أيلول/سبتمبر 2009، وبعد أيام من رفض المجلس منح البرلمان الأوروبي معلومات حول الاتفاق المؤقت، أصدر البرلمان قراراً شجب فيه التوجيهات التفاوضية، ورأي الخدمة القانونية للمجلس مؤكداً أهمية إتاحة الوثائق للعامة. وأكد البرلمان «الحاجة إلى إحراز حق التوازن بين الإجراءات الأمنية والحريات المدنية والحقوق الأساسية»، ودعا إلى أهمية تحقيق أكبر قدر من احترام الخصوصية وحماية المعلومات في الاتفاق». ولكن، على الرغم من قرار البرلمان الأوروبي، «لم يبدِ المفاوضون أي اهتمام برأي البرلمان الأوروبي»[12].

وفي 8 أيلول/سبتمبر 2009 رفض المجلس مرة ثانية منح البرلمان الحق في الاطلاع الكامل على وثائق الاتفاق واكتفى في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2009، بالسماح فقط بالاطلاع الجزئي على المعلومات. وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 – قبل يوم من دخول اتفاقية لشبونة حيز التنفيذ – سمح المجلس للرئاسة بتوقيع الاتفاقية الموقتة. هذه الخطوة كانت الشرارة لغضب البرلمان الأوروبي.

وفي 25 كانون الثاني/يناير 2010، وقبل أيام من دخول الاتفاق الموقت حيز التنفيذ، أُحيل الاتفاق على البرلمان الأوروبي الذي رفض الاتفاقية الموقتة في 11 شباط/فبراير 2010، وذلك بغالبية 378 ضد الاتفاق، مقابل 196 مع الاتفاق، بعد أن كانت المفوضية الأوروبية قد تفاوضت على هذا الاتفاق مع السلطات الأمريكية المختصة وتم تصديقه من قبل المجلس.

وفي 24 آذار/مارس 2010 بدأت المفوضية بتجهيز مسودة لاتفاق «سويفت» طويل الأمد، ووافق عليه المجلس في 11 أيار/مايو، وبعدها أحيل على البرلمان الأوروبي، الذي «رحب بالروح الجديدة للتعاون المؤسساتي، والتي أظهرها كل من المفوضية والمجلس وإرادتهم في الانخراط مع البرلمان، آخذين في الحسبان التزاماتهم بالاتفاقيات التي تنص على إعلام البرلمان بشكل كامل وفوري بجميع إجراءات التفاوض»[13].

وبالفعل فقد تم الأخذ بجميع تعديلات البرلمان الأوروبي، وفي الحصيلة صدق البرلمان الاتفاق في 8 تموز/يوليو 2010.

وفي إعلانه عن الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الإرهاب في حزيران/يونيو 2011 أكد الرئيس الأمريكي أوباما أنه، إضافة إلى التعاون مع الحلفاء في الاتحاد الأوروبي، «الولايات المتحدة ستستمر في التعاون مع البرلمان الأوروبي والاتحاد الأوروبي في تأكيد وتقدم جهود لإيجاد الأمن المتبادل وحماية المواطنين من جميع القوميات وفي الوقت نفسه دعم حقوق الأفراد».

وبعد نشر التقرير حول فضيحة التجسس المنسوبة لوكالة الأمن القومي الأمريكي في أوروبا، تبنى البرلمان الأوروبي في 12 آذار 2014، بغالبية 544 نائباً أوروبياً مقابل اعتراض 78 وامتناع 60 عن التصويت تقريراً حول فضيحة التجسس المنسوبة إلى وكالة الأمن القومي في أوروبا، وينص الاتفاق على تعليق اتفاقات رئيسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مثل تعليق اتفاق «سيف هاربور» الذي يسمح للشركات الأمريكية بنقل معطيات شخصية عن مواطنين أوروبيين إلى الولايات المتحدة، وكذلك تعليق اتفاقية «سويفت»[14].

هذه الصلاحيات التي منحت للبرلمان خوَّلته تعديل معظم الاتفاقيات لمصلحة الاتحاد الأوروبي ومواطنيه مما زاد ثقة المواطنين الأوروبيين بالبرلمان.

خامساً: دور البرلمان الأوروبي في مجال السياسة الخارجية الأوروبية

على الرغم من إبقاء معاهدة لشبونة مجال السياسة الخارجية والأمنية المشتركة حكراً على الدول الكبيرة في الاتحاد، ولا سيَّما الدول الكبرى الثلاث: فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة؛ فإنها لم ترغب في خروج هذا المجال من تحت سيطرتها، ما أدى إلى إبقاء السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، خارج إطار «صنع السياسة بالمشاركة» والقرارات فيها تصنع من قبل الدول الأعضاء.

إلا أن ذلك لم يمنع من زيادة دور البرلمان الأوروبي، الذي تحول إلى منتدى للنقاش حول الشؤون الدولية، ويستخدم سلطته للقبول بتفاهمات التعاون مع الأطراف الثالثة والقرارات البرلمانية، لتوطيد وجهات نظره والإضاءة على شؤون مثل حقوق الإنسان، وعلى سبيل المثال، يثمن كثير من المراقبين معارضة الاتحاد الأوروبي في 2005 لإنهاء حظر السلاح المفروض من الاتحاد الأوروبي على الصين، وذلك لأسباب استراتيجية، وبسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، ما ثنى الدول الأعضاء عن إنهاء الحظر[15].

كما تعزز دور البرلمان في مجال السياسة الخارجية بعد الاتفاق الذي توصل اليه البرلمان مع مؤسسات الاتحاد الأخرى حول تأسيس «خدمة التحرك الخارجي الأوروبي (EEAS)» الجهاز الدبلوماسي الذي يعد بمنزلة وزارة خارجية للاتحاد. ويحاول البرلمان إحكام السيطرة على هذا الجهاز، من خلال التحكم بالتعيينات السياسية فيه، ومن خلال الموافقة على موازنته وهيئته[16].

استطاع البرلمان التوصل إلى تعاون غير رسمي مع كل من «خدمة التحرك الأوروبي الخارجي» و«رئاسة الاتحاد الأوروبي» و«سكرتارية المجلس والمفوضية في حقل الشؤون الخارجية»، والبرلمانات الوطنية للدول الأعضاء.

وتجبر المادة 36 من: معاهدة الاتحاد الأوروبي «الممثل الأعلى على العودة إلى البرلمان واستشارته المنتظمة والعودة إلى البرلمان حول المجالات المبدئية في السياسة الخارجية والأمنية المشتركة وإعلام البرلمان بتطور سياساته».

ويعقد البرلمان الأوروبي جلستين سنويتين لمناقشة مدى التقدم في تقارير السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، ويقدم البرلمانيون أسئلة ونصائح إلى المجلس أو الممثل الأعلى.

كما يمارس البرلمان السلطة من خلال أداة الموازنة للتأثير في السياسة الخارجية، فالبرلمان يصدق نصف موازنة السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، ويصادق على الموازنة السنوية للسياسة الخارجية وموازنة المؤسسات، مثل مؤسسة خدمة التحرك الأوروبي الخارجي.

سادساً: دور البرلمان الأوروبي في تبني مبدأ «مسؤولية الحماية»: الأزمة الليبية نموذجاً

على الرغم من الخلافات التي نشبت بين الدول الأعضاء في الاتحاد حول كيفية التعامل مع الأزمة الليبية وانقسام الأوروبيين إلى معسكرين: الأول، تقوده بريطانيا وفرنسا وبلجيكا ويدعو إلى التدخل العسكري في ليبيا، والثاني بقيادة ألمانيا التي امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الرقم 1973، فقد أكدت إيطاليا أهمية اتفاقية الصداقة الليبية – الإيطالية الموقعة في 2008 والمصدقة عام 2009، إضافة إلى تخوفها من الهجرة الليبية إلى إيطاليا، وخصوصاً بعد لجوء الآلاف إلى «جزيرة لامبادوسا» ومطالبتها بإعادة النظر في اتفاقية شنغن، إضافة إلى وجود خلاف فرنسي – إيطالي حول هذه الاتفاقية. ومن الأمور الأخرى اعتقاد حكومة بيرلسكوني آنذاك بإمكان قدوم حكومة إسلامية إلى ليبيا إضافة إلى علاقته المميزة بنظام القذافي.

في رد الاتحاد الأوروبي على الحدث الليبي، أصدرت الممثلة الأعلى لـلسياسة الخارجية والأمنية المشتركة كاثرين أشتون في 20 شباط/فبراير 2011 إعلاناً جاء فيه أن الاتحاد الأوروبي «قلق بسبب الأحداث الجارية في ليبيا»، ودعت السلطات الليبية إلى الامتناع عن استخدام العنف. وفي اجتماع المجلس الأوروبي في 11 آذار/مارس، أعلن زعماء الدول أن نظام القذافي فقد شرعيته كمحادث ودعوه إلى التنحي. ورحبوا وشجعوا المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي، واعتبروه المحادث السياسي». وفي 22 أيار/مايو، افتتحت كاثرين أشتون مكتب الاتحاد الأوروبي للاتصال في بنغازي، بهدف «دعم الديمقراطية الليبية الناشئة في إدارة الحدود، والإصلاح الأمني، والاقتصادي والصحي والتعليم وبناء المجتمع المحلي».

ودعا رئيس البرلمان الأوروبي السابق، جيرسي بوزاك، في 21 شباط/فبراير 2011، السلطات الليبية إلى وضع نهاية للعنف ضد المتظاهرين، وأدان استخدام القوة وعبر عن أسفه لأسر الضحايا، وفي 28 منه اعتبر بوزاك أن: «نظام القذافي فقد الشرعية ووصل إلى نقطة لا عودة عنها».

وفي 26 شباط/فبراير 2011 صدر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1970 دعا فيه إلى[17] إحالة الوضع القائم في ليبيا منذ 15 شباط/فبراير 2011 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وأن تتخذ جميع الدول الأعضاء على الفور ما يلزم لمنع توريد جميع الأسلحة الفتاكة إليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتجميد الأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الأخرى الموجودة في أراضيها لكيانات وأفراد مقرَّبين من القذافي.

وتبنى المجلس في 28 شباط/فبراير القرار 2011/137/في إطار السياسة الخارجية والأمنية المشتركة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1970 وفرض حظر على الأسلحة إلى ليبيا وعقوبات أخرى (تجميد الموجودات وحظر الفيزا على 26 شخصية مقربة من نظام القذافي). في 10 و21 آذار/مارس، وسع الاتحاد هذه الإجراءات التقييدية إلى وحدات مالية ليبية رئيسية و11 شخصية أخرى.

وفي 9 آذار/مارس 2011 تبنى البرلمان الأوروبي قراراً دعا فيه المجتمع الدولي إلى تبني مبدأ «مسؤولية الحماية» في ليبيا، ويهدف المبدأ الذي تبنته الأمم المتحدة في 2005 إلى حماية الشعوب التي تعجز حكوماتها عن حمايتها، كما اعترف البرلمان بالمجلس الوطني الموقت ممثلاً رسمياً للمعارضة الليبية، وجاء في القرار: «على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء احترام واجباتهم من خلال تطبيق مبدأ «المسؤولية بالحماية»، وذلك بهدف تحرير المواطنين الليبيين وإنقاذهم من الهجمات العسكرية الكبيرة، وأشار إلى عدم وجود خيار ثانٍ، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، ودعا البرلمان كلاً من الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والدول الأعضاء إلى بذل الجهود لاتخاذ قرار جديد في مجلس الأمن الدولي يتضمن إنشاء منطقة حظر طيران، لمنع النظام الليبي من استهداف المدنيين وتأمين الحماية».

وجاء قرار البرلمان الأوروبي بموافقة 584 عضواً وامتناع 18 عضواً ورفض 18، وتوزعت الأغلبية من المجموعات الكبرى في البرلمان الأوروبي وهي: «حزب الشعب الأوروبي، والديمقراطيون والاشتراكيون، ومجموعة التحالف التقدمي والاشتراكي والديمقراطي، ومحافظون وإصلاحيون أوروبيون، ومجموعة أوروبا الحرية والديمقراطية، والخضر/اتحاد أوروبا الحرة» في المقابل صوت ضد أو امتنع كل من «المجموعة الكونفدرالية لاتحاد اليسار الأوروبي» و«اليساريين الخضر الاسكندنافي» والتي رأت أن حقوق الإنسان لا يمكن أن تفرض من خلال القوة العسكرية»[18].

وفي 17 آذار/مارس 2011 تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 1973 بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي تضمن «مبدأ مسؤولية الحماية» وجاء إصدار القرار نتيجة للامتناع الروسي والصيني عن التصويت، كما امتنعت ألمانيا كعضو مؤقت في مجلس الأمن الدولي عن التصويت[19].

وبعد تبني مجلس الأمن الدولي للقرار 1973، عدل الاتحاد الأوروبي في 24 آذار/مارس قرار المجلس 2011/137/في إطار السياسة الخارجية والأمنية المشتركة وذلك بهدف تنفيذ قرار حظر الطيران وتوسيع تجميد الأرصدة لتشمل أشخاصاً آخرين وشركة النفط الوطنية الليبية وخمسة من فروعها. في 12 أبريل/نيسان، وسع الاتحاد تجميد الأرصدة لتشمل 26 شركة متهمة بتمويل نظام القذافي، وفرض حظراً على الغاز والنفط. وفي 7 حزيران/يونيو تبنى المجلس عقوبات استهدفت سلطات المرفأ الليبي[20].

وقد فتح القرار 1973 الباب أمام التدخل الإنساني وفقاً لمبدأ «مسؤولية الحماية»، وبالفعل تم التحرك العسكري ضد النظام الليبي وذلك بتحالف ضم كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، والمملكة المتحدة وفرنسا والدنمرك والنرويج وبلجيكا[21]. وقد بدأت في 19 آذار/مارس عملية تدمير المطارات من قبل كل من فرنسا ورينو، فيما تسلم الناتو القيادة في نهاية الشهر.

نلاحظ أن حماسة البرلمان الأوروبي لتطبيق مبدأ «مسؤولية الحماية» في ليبيا لم تقابله الحماسة ذاتها في البرلمان الألماني، في أثناء مناقشاته في 18 آذار/مارس 2011، فقد اكتفى عضوان فقط في البرلمان الألماني بالحديث عن أهمية تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي، وكان التركيز بشكل أكبر على امتناع الألمان عن التصويت في مجلس الأمن الدولي ما عكس وجود خلافات معيارية بين كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. في المقابل وعلى عكس البرلمان الألماني فقد صوَّت البرلمان الفرنسي على تشريع استمرار التدخل العسكري الخارجي خلال وقت محدد، وأيّد القرار 482 سيناتوراً مقابل 27 ضد و314 سيناتوراً مقابل 42 ضد، وخصوصاً أنه حسب الإصلاحات الدستورية لعام 2008 أصبح البرلمان الفرنسي هو صاحب الحق في التشريع.

في نهاية آذار/مارس 2011 أرسل البرلمان الأوروبي، بدعم من ثلاث كتل، هي مجموعة الديمقراطيين الاشتراكيين، والخضر/أوروبا الليبرالية اليسارية واليساريين الخضر الإسكندنافي، رسالة تضمنت المطالبة بالتحرير الفوري للصحفية إيمان العبيدي والتي اعتقلتها مليشيات القذافي.

كما انتقد البرلمان الأوروبي استجابة الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية المشتركة وخدمة التحرك الخارجي الأوروبي تجاه ما سماه بالربيع العربي بوجه عام، والأزمة الليبية بوجه خاص: «نحن نريد أن نرى منكم مدخلاً أكثر فعالية» و«عملكم بلا معنى، تجلى بالمال الذي تم رميه من النافذة»؛ كانت هذه من بين الانتقادات التي أطلقها البرلمان. وقد سمح البرلمان للممثل الأعلى بالدفاع عن استجابة الاتحاد الأوروبي حيال الأزمة الليبية علناً. وبالفعل فقد ظهرت أزمة بين مؤسساتية في سنة 2012 عند تصديق زيادة موازنة خدمة التحرك الأوروبي الخارجي، فالبرلمان هنا استخدم صلاحياته في تصديق الموازنة[22].

في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2011 زار بوزاك رئيس البرلمان الأوروبي الأسبق ليبيا وفي تشرين الثاني من العام نفسه تم افتتاح بعثة للاتحاد الأوروبي في طرابلس.

ومن تحليل موقف البرلمان الأوروبي من الأزمة نستخلص الآتي:

1 – جاء موقف البرلمان الأوروبي متماسكاً من ليبيا وكان متوازناً.

2 – كان البرلمان الأوروبي سبّاقاً إلى إعلان تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية على الوضع الليبي، وقد تقدم بذلك على مجلس الأمن الدولي ومؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى، وخصوصاً المجلس الذي اكتفى بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي من خلال فرض العقوبات والمفوضية الأوروبية التي اقتصر عملها على الاستجابة الإنسانية.

3 – تحول البرلمان إلى ناقد لمؤسسات الاتحاد المسؤولة عن إدارة السياسة الخارجية، وخصوصاً خدمة التحرك الخارجي.

4 – استفاد البرلمان من بعض الصلاحيات، مثل استخدام حقه في التحكم بموازنة مؤسسات الاتحاد المسؤولة عن السياسة الخارجية، مثل خدمة التحرك الخارجي.

خاتمة

إن زيادة سلطات البرلمان الأوروبي لم تقتصر فقط على السياسات العادية للاتحاد، بل تجاوزتها إلى امتلاك البرلمان لسلطات في مجال السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية والموازنة، وهذه السلطات جاءت على حساب تراجع سلطات المجلس الممثل لمصالح الدول الأعضاء في الاتحاد، وهذا يعني تراجع دور الدول الأعضاء على حساب تعزيز دور البرلمان، كمؤسسة فوق قومية، ومن ثم، تعزيز مشروعية الاتحاد الأوروبي، لما يتمتع به البرلمان من أهمية كمؤسسة ممثلة لمواطني الاتحاد الأوروبي.

إن تحقيق أوروبا الفدرالية التي حلم بها مؤسسو الاتحاد الأوروبي لن يتمّ إلا من خلال ازدياد انخراط الشعوب الأوروبية في عملية صنع القرار، وذلك يتطلب انخراطاً أكبر للبرلمان الأوروبي في وضع السياسات التي تهم الناس، مثل الصحة والتعليم والتقاعد وسياسة الضمان الاجتماعي والسياسة الضريبية -وسياسات أخرى، كتلك التي ذكرها رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس بقوله: «أنا أعتقد أن البرلمان الأوروبي عليه التركيز على الشؤون الأساسية، مثل البنوك، وبطالة الشباب، والبطالة بوجه عام، والتغير المناخي، وسياسة الطاقة. البرلمان أصبح أكثر قوة وأكثر وضوحاً»[23].

ومن خلال ذلك نرى استمرار الصراع بين المشروعين: الفدرالي والـ بين حكوماتي، والذي أنتج اتحاداً أوروبياً مميزاً خاضعاً للتنوع بين فدرالي وكونفدرالي. فالصلاحيات التي يتمتع بها البرلمان اليوم وزيادة السياسات الخاضعة للأغلبية المؤهلة ما كانت لتتم لولا عدم وجود نية عند الدول الأعضاء في الاتحاد وإيمان بالمشروع الأوروبي.

ولا ننسى الدور المهم الذي سيضيفه البرلمان الأوروبي إلى الهوية الأوروبية من خلال قيمه وأفكاره وبعده الديمقراطي.

 

قد يهمكم أيضاً  البحث عن هوية عربية جامعة

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الاتحاد_الأوروبي #البرلمان_الأوروبي #السياسة_الأوروبية #أوروبا #دراسات