رغم أن منطقة الشرق الأوسط (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA كما تُسمى في الكتاب [سيبري](***)، وفي الأدبيات الغربية بوجه عام) لا تحظى بمساحة كبيرة، فقد وُضعت في صدارة المناطق الأكثر إثارة للمخاوف الأمنية عام 2016.
رصد الكتاب 16 نزاعاً مسلحاً نشطاً في هذه المنطقة من بين 49 نزاعاً في العالم. ويُقصد بالنزاع المسلح النشط ذلك الذي يؤدي إلى قتل أكثر من 25 شخصاً في عمليات مرتبطة به. وأُشير في هذا السياق إلى أن نصف الحروب المسلحة في العالم عام 2016 كانت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنها تُعد الأكثر دموية.
ووفق منهجية الكتاب، تُقسم هذه النزاعات إلى نوعين: يشمل الأول النزاعات المناطقية، ويتضمن النوع الثاني النزاعات حول الحكم، أو الصراعات على السلطة. وحسب ما توصل إليه معدّو الكتاب، كانت الغلبة للنزاعات المناطقية، التي انخرط تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية» في ستة منها.
ووفق منهجية الكتاب أيضاً، تُعد الحرب مستوى أعلى من الصراع مقارنة بالنزاع المسلح. فالحرب هي النزاع المسلح الذي يؤدي إلى قتل أكثر من ألف شخص في حوادث مرتبطة بالقتال خلال عام واحد. والمقصود هنا حروب داخلية أو أهلية، أي حروب بسبب صراعات على السلطة، أو حروب بسبب صراعات من أجل بسط النفوذ على مناطق داخل هذا البلد أو ذاك، وتُسمى في بعض الأدبيات العربية حروباً مناطقية. وقد استخدم الكتاب هذا الاسم. والحال أن حروب العالم الآن كلها داخلية وليست بين دول. ولكن الدول تنخرط في الحروب الداخلية بأشكال غير مباشرة، أي بالوكالة (By Proxy). والكتاب ثري بالمعلومات، ويقدم تحليلاً مهماً معتمداً على منهج واضح إلى حد كبير.
ولا يقل أهمية عن ذلك أنه يثير التفكير والتأمل سواء في بعض جوانب هذا المنهج، أو في بعض التصنيفات التي يعتمدها تأسيساً عليه، أو في بعض الاستنتاجات أو الاستخلاصات التي ينتهي إليها.
تتناول هذه الورقة الموجزة صراعات منطقة الشرق الأوسط (أو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، ونزاعاتها المسلحة وحروبها.
أولاً: منهجية تصنيف الصراعات والنزاعات المسلحة والحروب
يفيد التصنيف الذي يعتمده معدّو الكتاب في التمييز بين أنواع الصراعات العنيفة في المنطقة من حيث مستوى حدتها، عبر تقسيمها إلى مستويين هما النزاع المسلح، والحرب. ويحق للباحث أن يحدد المعيار الذي يراه ملائماً لتصنيف أي أمر إلى مستويات متفاوتة، والتمييز فيها بين الأكثر والأقل، أو بين الأكبر والأصغر، أو بين الأقوى والأضعف.
وقد اختار معدّو الكتاب عدد القتلى معياراً للتمييز بين ما يسمونه نزاعاً مسلحاً، وما يعتبرونه حرباً. ومن الطبيعي أن تختلف الاجتهادات بشأن العدد الذي تم تحديده في كل منهما، وأن يُطرح سؤال معتاد من نوع: لماذا أكثر من 25 قتيلاً على وجه التحديد ليكون الصراع نزاعاً مسلحاً، ولم يصبح هذا النزاع حرباً عندما يزيد عدد القتلى على ألف، وهل يوجد فرق كبير إلى هذه الدرجة بين نزاع يُقتل فيه 900 أو 950 شخصاً، وحرب يُقتل فيها ألف وعشرين، أو ألف ومئة؟
غير أن هذا النوع من الأسئلة ليس هو الأهم. كما أن أسئلة من هذا الصنف تبدو أحياناً أقرب إلى مماحكات منها إلى مناقشات، طالما أن تحديد أي عدد (للقتلى في النزاع المسلح، وفي الحرب، في حالتنا هذه) يثير التساؤل، وما دام صعباً أن يتفق الجميع أو الكثرة على عدد معين في مثل هذه الحالات.
لذا، ليس هذا ما تجدر مناقشته في تصنيف الصراعات العنيفة إلى نزاعات مسلحة وحروب. فقد وردت في موضع آخر من الكتاب إشارة إلى نزاعات وحروب مباشرة أو بالأصالة، وأخرى غير مباشرة أي بالوكالة، أي إلى ما يُعد تصنيفاً ثانياً لا يقل أهمية، بل يزيد، لأنه يفيد في فهم حركية (دينامية) الصراعات العنيفة، والتفاعلات المرتبط بها، وعلاقتها بالتحالفات الإقليمية والدولية في مرحلة هي الأكثر اضطراباً في هذه المنطقة منذ عقود طويلة.
لذا نقترح تصنيفاً مُركَّباً أو «أكثر تركيباً» يتضمن نمطين رئيسين من النزاعات المسلحة والحروب على هذا النحو، مع ملاحظة وجود تداخل بينها.
النمط الأول: الحرب بالوكالة، حيث تعتمد دولة على ذراع أو أذرع تابعة لها أو مرتبطة بها للقيام بعمليات مسلحة، أو التهديد بها، في دولة أو دول أخرى.
النمط الثاني: هو الحرب غير المتماثلة التي تدور بين قوات نظامية، ومنظمات مسلحة في هذه الدولة أو تلك. وكانت حرب الإرهاب، والحرب عليه، هي الأبرز في هذا النمط الثاني الذي لا يُعد جديداً. فقد عرف العالم الحرب غير المتماثلة المرتبطة بالإرهاب منذ منتصف العقد الماضي عبر مرحلتين. كان الإرهاب في المرحلة الأولى يساروياً مارسته منظمات ماركسوية متطرفة في عدة مناطق تحت رايات حُمر.
وصار هذا النوع من الإرهاب في مرحلته الثانية إسلاموياً أو مستتراً برداء إسلامي، ومعتمداً على تأويلات متطرفة وعنيفة لبعض النصوص الدينية والفقهية، ويرفع أعلاماً سوداً. بدأ هذا الإرهاب حربه داخل بلدان عربية وإسلامية منذ سبعينيات القرن الماضي، وأدت هجمات 11/9 إلى تحول جوهري في هذه الحرب التي صارت عالمية ضد تنظيم «القاعدة» والجماعات المرتبطة به في العقد الماضي، ثم في مواجهة تنظيم ما يسمى «الدولة الاسلامية» الذي أُنشئ تحالف دولي عريض ضده في أيلول/سبتمبر 2014 بعد أن شن حرباً غير مسبوقة في حجمها وتداعياتها، واحتل مساحات كبيرة في سورية والعراق.
وأدى ذلك إلى نمط ثالث من الحرب غير التقليدية امتزجت فيها عمليات عسكرية نظامية بأخرى غير نظامية. فقد ساندت قوات جوية، ووحدات برية صغيرة، تابعة للتحالف الدولي منظمات وجماعات مسلحة في المعارك ضد تنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية» في سورية والعراق. وحدث مثل ذلك في مواجهة جماعة «أنصار الله» وبعض فرق الجيش في اليمن من طريق تحالف عربي. ولكن التحالف الوثيق على الأرض بين قوات نظامية في سورية والعراق وفصائل مسلحة تابع بعضها لإيران أدى إلى ارتباط بين الحرب على الإرهاب في هذين البلدين، وأحد أشكال الحرب بالوكالة.
وربما يكون هذا التصنيف المقترح مفيداً في تحليل صراعات المنطقة لفترة قادمة، رغم أن الحرب على الإرهاب حققت معظم أهدافها في سورية والعراق، لأن خطر تنظيم ما يسمى «الدولة الاسلامية» لم ينته سواء في هذين البلدين، حيث أعاد التموضع في مناطق صحراوية على الحدود بينهما، أو في بلدان أخرى يتوجه إليها بعض مقاتليه، وخصوصاً في شمال أفريقيا وساحلها الغربي.
ثانياً: حول النزاعين الجديدين في المنطقة 2016
رصد معدّو الكتاب نزاعين مسلحين جديدين أُضيفا إلى قائمة النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2016، بعد أن وصل عدد القتلى في عمليات مرتبطة بكل منهما إلى أكثر من 25 قتيلاً. ويجمع النزاعين أنهما بين النظام القائم أو سلطة الدولة، وبين جماعة مسلحة.
النزاع الأول بين السلطة الأردنية وتنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية»، إذ رصد معدّو الكتاب أن أنشطة هذا التنظيم شملت الأردن في العام المذكور، وأدت إلى اشتباكات أوقعت 25 قتيلاً، بعد أن ظل الصراع بين الطرفين كامناً في السنوات السابقة.
والنزاع الثاني بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD، وحلفائه في إطار قوات سورية الديمقراطية – قسد SDF.
والملاحظ أن كلاً من الصراعين لم يبدأ عام 2016. فقد انضم الأردن إلى التحالف الدولي ضد تنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية» منذ أن قامت الولايات المتحدة بتأسيسه في خريف عام 2014، وشاركت قواته الجوية في قصف مواقع لهذا التنظيم في سورية. ولكنه نجح في تأمين حدوده مع سورية اعتماداً على تحالف فصائل معارضة في ما يُسمى الجبهة الجنوبية. لذلك لم يستطع تنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية» تهديد هذه الحدود بصورة جدية. ولكنه تمكن من تجنيد أنصار أو أتباع في داخل الأردن، واستخدامهم في عمليات إرهابية، بحيث أدى إلى تصاعد الصراع على النحو الذي دفع معدي الكتاب إلى تصنيفه نزاعاً مسلحاً عام 2016.
ولكن هذا الصراع كان قد وصل إلى مستوى متقدم في كانون الأول/ديسمبر 2014 عندما أُسقطت طائرة أردنية فوق سماء الرقة السورية أثناء تنفيذها عملية قصف وأُسر الطيار الذي كان يقودها معاذ الكساسبة، ثم أُحرق في مشهد مأسوي وقف العالم على أصابعه من فرط هوله، قبل أن ينساه كما أصبح معتاداً.
وهذه حالة يمكن أن تثير جدلاً حول مغزى معيار عدد القتلى للتمييز بين صراع عنيف ونزاع مسلح، ويبدو فيها السؤال وجيهاً عن سلامة اعتماد هذا المعيار وحيداً، حين يُسأل على هذا النحو مثلاً: أليس إقلاع طائرات لقصف مواقع مستهدفة تعبيراً عن نزاع مسلح، وهل ينبغي الانتظار إلى أن ينفذ تنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية» تفجيرات أو عمليات انتحارية في الأردن للتأكد من وجود هذا النزاع؟ السؤال وجيه بالفعل، ولكن الباحث يحتاج دائماً إلى تحديد معيار عندما يتعلق الأمر بأي تصنيف. والمهم هو أن يفي هذا المعيار بالغرض في النهاية، حتى إذا بدا قاصراً في حالة أو أخرى.
أما النزاع الجديد الثاني الذي رصده معدّو الكتاب في العام 2016 فكان بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وحلفائه في «قوات سورية الديمقراطية». ويثير ذلك قضية العلاقة المعقدة بين الطرفين، التي يصعب اختزالها في نزاع مسلح، لأن لها جوانب أخرى. فالعلاقة بين هذين الطرفين تجمع الصراع والتعاون في سياق واحد. يغلب التعاون في بعض المراحل، بينما يبدو الصراع هو الغالب في فترات أخرى. وقد يكون الفرق الزمني بين التعاون في موقف تجمعهما فيه مصالح مشتركة، والصراع في لحظة تفرض صداماً حول موقف تتعارض فيه هذه المصالح، أسابيع أو أشهر قليلة في بعض الحالات. فهذه علاقة تُدار تكتيكياً من جانب الطرفين في الأغلب الأعم.
وربما تكون القاعدة الوحيدة فيها أن النظام يرحب بأي تمدد لحزب العمال الديمقراطي الكردي ما دام على حساب فصائل معارضة يعتبرها عدوه الأول، أو حين لا يكون عليه رفض هذا التمدد حين يكون على حساب تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية» حتى لا يبدو أنه يفضل بقاء الإرهاب مصدر تهديد يتيح له استهداف الأطراف التي يرغب في الإجهاز عليها تحت لافتة مواجهة هذا الإرهاب. ولكن قلق النظام يزداد كلما ازداد تمدد الحزب الكردي وحلفائه، وبخاصة بعد أن شرع في إقامة منطقة حكم ذاتي واسعة النطاق في إطار مشروعه الذي يهدف إلى إقامة نظام فدرالي في نهاية الحرب السورية.
ولعل هذا يفسر تصاعد الصراع منذ أن أفصح حزب العمال الديمقراطي الكردي عن خطته لإجراء انتخابات الإدارات الذاتية في المناطق التي يسيطر عليها، وبلوغه مبلغاً أدى إلى أن ينطبق عليه المعيار الذي حدده معدّو الكتاب للنزاع المسلح عام 2016.
ولكن ربما كان ضرورياً توضيح هذه الخلفية بإيجاز شديد، في فقرة على الأقل، لكي يفهم القارئ المتابع لتطورات الحرب السورية دلالة تحول العلاقة بين النظام والحزب الكردي الرئيسي وحلفائه من حالة تجمع بين الصراع والتعاون، إلى حالة النزاع المسلح.
والملاحظ أيضاً أن الاهتمام بهذا التحول، وما اقترن به من رصد نزاع مسلح جديد، طغى على النزاع بين الحزب الكردي وحلفائه في «قوات سورية الديمقراطية» وتنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية». فلم يعط معدّو هذا الجزء اهتماماً كافياً لهذا النزاع المحوري الذي قاد إلى حرب بكل معنى الكلمة، حتى إذا كان عدد القتلى فيها لم يزد على ألف، رغم وجود إشارة واضحة إلى أن «قوات سورية الديمقراطية» هي الخصم الرئيس لهذا التنظيم في شمال سورية. ولم يرد في الكتاب ما يمهد إلى التحول الكبير الذي حدث في هذا الصراع عام 2017، عندما تمكنت «قوات سورية الديمقراطية» مدعومة من التحالف الدولي، من إلحاق هزيمة كبيرة بتنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية» وطرد مقاتليه من محافظة الرقة التي كانت معقله الأساسي في سورية. والمتوقع أن يُدرج هذا النزاع في كتاب 2017 بوصفه حرباً، وليس نزاعاً مسلحاً، إذا أحصى معدّوه عدداً من القتلى يزيد على الألف وفق المعيار الذي يعتمدونه. ونتوقع أيضاً أن يتضمن كتاب 2017 تحليلاً لخلفيات ومقدمات العملية العسكرية التركية في ضد المكوّن الرئيسي في «قوات سورية الديمقراطية»، وهي «وحدات حماية الشعب» في شمال سورية، وتأثيرها في خريطة النزاعات المسلحة.
ثالثاً: حول الميل المتزايد إلى تدخل قوى إقليمية في شؤون بلدان أخرى في المنطقة
رصد الكتاب تزايد تدخل بعض الدول في شؤون بلدان أخرى في المنطقة، حيث استخدمت 11 دولة القوة العسكرية على هذا النحو. ولكن الكتاب لم يُميَّز بين استخدام القوة العسكرية في أراضي بلد آخر بصورة مباشرة (قصف جوي في الأساس)، واستخدام ميليشيات مسلحة في هذا التدخل. كما لم يقارن بين تدخل عدد كبير من دول المنطقة عسكرياً في بلدان أخرى، والعمليات العسكرية التي قامت بها قوى دولية في هذه البلدان أو بعضها. غير أن الأكثر أهمية، هنا، هو أن هذا التدخل العسكري بصورتيه أدى إلى إيجاد مناطق نفوذ تابعة لبعض الدول التي استخدمت القوة المسلحة خارج أراضيها.
ويعني هذا أننا إزاء نوعين من نتائج استخدام دولة أو دول القوة العسكرية في أراضي غيرها، لأن التدخل العسكري العابر يختلف عن التدخل العسكري المستمر أو المتواتر. كما أن التدخل العسكري لضرب هدف معين، تعتبره سلطة الدولة المتدخلة مصدر خطر، أو تهديد، يختلف من تدخل يهدف إلى إيجاد منطقة نفوذ دائمة أو مستمرة لفترة طويلة أو قصيرة، أو لتوسيع مثل هذه المنطقة. وقد يؤدي التدخل العسكري لإيجاد منطقة أو مناطق نفوذ مستمرة إلى تدخل عسكري مضاد للتأثير في هذه المنطقة أو المناطق، من دون السعي إلى إقامة منطقة نفوذ تابعة للدولة التي تقوم بهذا التدخل المضاد. وأبرز الأمثال في هذا المجال استخدام إسرائيل القوة المسلحة في سورية على نحوٍ متكرر بدعوى الرد على سعي إيران إلى تحقيق تطور نوعي في وجودها في بعض مناطق النفوذ التي أقامتها، وخاصة تلك القريبة من الحدود.
وتُعد سورية بوجه عام نموذجاً لاستخدام قوى دولية وإقليمية القوة المسلحة من أجل إيجاد مناطق نفوذ، أو توسيعها، إذ بسطت كل من روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا، نفوذها في بعض المناطق في مختلف أنحاء سورية. ولكن نوع النفوذ يختلف في حالتي روسيا وإيران عنه في حالتَي الولايات المتحدة وتركيا. فقد بسطت كل من روسيا وإيران نفوذهما على النظام السوري نفسه، وامتلكت تأثيراً مباشراً في مواقفه وقراراته، إلى جانب النفوذ الذي تملكانه على الأرض في عدة مناطق في مختلف أنحاء البلاد. وما قاعدة حميميم الجوية، وقاعدة طرطوس البحرية، إلا مجرد رمزين للنفوذ الروسي في سورية، رغم أهميتهما الكبرى في تأمين مصالح موسكو الاستراتيجية في المنطقة. وتُعد هاتان القاعدتان مثالاً واضحاً على حجم النفوذ الروسي في صنع قرارات النظام السوري، إذ حصَّنت موسكو سيطرتها عليهما عبر اتفاق طويل المدى وقعته مع هذا النظام.
أما نفوذ كل من الولايات المتحدة وتركيا فهو محصور في منطقة أو مناطق محددة. تتركز منطقة نفوذ تركيا في الشمال، بينما تبسط الولايات المتحدة نفوذها في منطقتين إحداهما في الشمال الشرقي، والثانية أصغر في الجنوب الغربي.
وسيكون الكتاب السنوي حول التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي أكثر فائدة لقرائه، وبخاصة الباحثون المهتمون بالأوضاع في الشرق الأوسط، عندما يُعنى بنتائج استخدام القوة المسلحة والتدخلات العسكرية، وليس باتجاهات هذا الاستخدام فقط.
كما أن الاهتمام بمثل هذه النتائج مهم لاستشراف ما يمكن أن يترتب عليها، وبخاصة إذا كان ممكناً أن تؤدي إلى حرب جديدة أو أكثر في مدى زمني معين، أو آخر. على سبيل المثال، يثير دور إيران العسكري غير المباشر في سورية أسئلة عن المدى الذي يمكن أن يبلغه رد فعل إسرائيل، وهل تؤدي إحدى العمليات العسكرية في سورية إلى حالة يمكن أن تتطور باتجاه حرب.
وحريٌّ بهذا الكتاب أن يُقيِّم التوقعات الرائجة في مثل هذا الموضوع، وبخاصة بعد أن شهد عام 2016 بداية اتجاه إسرائيل إلى استهداف مواقع تدعي أنها تُمثِّل تهديداً إيرانياً لأمنها، وأن يُحلّل حسابات الكيان العبري في هذا المجال.
فقد ركزت الهجمات الجوية الصاروخية التي شنتها إسرائيل على ما ادعت أنها مخازن وقوافل أسلحة عائدة لحزب الله، وسيكون على كتاب سيبري إعطاء اهتمام أكبر لآفاق رد الفعل الإسرائيلي على تدخل إيران العسكري غير المباشر في سورية في عدده عن عام 2017. فقد شهد هذا العام تطوراً نوعياً في الهجمات الجوية الصاروخية الإسرائيلية، وبخاصة منذ 9 أيلول/سبتمبر عندما نفذت هجمة ضد مخزن صواريخ ومركز بحوث في محافظة حماة بدعوى أن المخزن يحتوي على صواريخ أرض-أرض متطورة. وأن المركز يُستخدم في تطوير بعض هذه الصواريخ. وكانت هذه هي الضربة الأولى من بين ثلاث ضربات خلال خمسة أسابيع فقط. استهدفت الضربة الثانية في 22 أيلول/سبتمبر مخزن أسلحة في محيط مطار دمشق الدولي، فيما وُجهت الثالثة التي حدثت في 16 تشرين الأول/أكتوبر ضد بطارية صواريخ شرق دمشق.
ولكن الأهم من رصد هذا التحول تحليل أبعاده، ومحاولة استشراف آفاقه، والمدى الذي يمكن أن يبلغه التدخل العسكري الإسرائيلي الذي يحدث حتى الآن تحت شعار إبعاد حلفاء إيران عن الحدود، وعدم إقامة مخازن أسلحة في مناطق قريبة إلى هذه الحدود، ومنع وصول أي شحنات إلى حزب الله في لبنان، بعد أن أصبحت الحدود العراقية – السورية مفتوحة عند معبر البوكمال على نحو يمكن أن يجعلها معبراً لهذه الأسلحة، وكذلك الحدود السورية-اللبنانية عند جبل الشيخ. ومن المهم، هنا، اختبار مدى جدية المجادلات الإسرائيلية بأن إيران تسعى إلى فتح جبهة ثالثة، إلى جانب جبهتي غزة وجنوب لبنان، عن طريق إقامة قواعد عسكرية، ونشر مجموعات تابعة أو موالية لها في مناطق قريبة من خط الفصل في الجولان المحتلة.
ومن المفيد، أيضاً، في الكتاب السنوي للعام 2017، تحليل التغير الذي يحدث في جنوب سورية، وتداعياته المحتملة، وخصوصاً من زاوية آثاره في السياسة الإسرائيلية التي تعطي اهتماماً غير مسبوق لهذه المنطقة ربما منذ انتهاء حرب 1973. فقد ظلت هذه المنطقة هادئة في الأغلب الأعم على مدى عقود. ولم تتعرض إسرائيل لأي تهديد منها باستثناء وصول أسلحة إلى حزب الله عبر الحدود السورية-اللبنانية.
لذا، سيكون ضرورياً في كتاب عام 2017 تحليل حسابات إسرائيل التكتيكية والاستراتيجية نتيجة تغير الوضع في جنوب سورية، ومدى قدرتها على تحقيق ما بدأت تسعى إليه عام 2016، سواء على صعيد إبعاد القوات والميليشيات التي تعتبرها موالية لإيران مسافة كافية من حدودها (لا تقل عن 40كم)، ومنع إقامة قواعد ومنشآت عسكرية أو أي بنى تحتية مرتبطة بإيران فيها، أو على مستوى الهدف الاستراتيجي المتمثل بإخراج ما تعتبرها ميليشيات موالية لإيران، في ضوء التطورات المستمرة في هذا الصراع.
للمزيد من المواضيع ذات الصلة إليكم آثار التفكيك في الجوار العربي
قد يهمكم أيضاً حال الأمة العربية 2014 – 2015
اطلعوا أيضاً على معضلة الأكراد السوريين بين صيرورة الاندماج وأسطورة الانفصال
#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #التسلح #الصراعات_في_الشرق_الأوسط #الحروب #سيبري #الأمن_الدولي #أمن_الشرق_الأوسط_وشمال_أفريقيا
المصادر:
(*) نُشرت هذه المقالة في مجلة المستقبل العربي العدد 470 في نيسان/أبريل 2018.
(**) وحيد عبد المجيد: مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام – القاهرة.
البريد الإلكتروني: wwahied8@gmail.com
(***) كتاب صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ومعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، اضغطوا على الرابط للحصول عليه
وحيد عبد المجيد
باحث وكاتب عربي، ومستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.