مقدمة:

ارتفعَ عددُ الهجمات المُبلَّغ عنها المرتكَبة من طرف المجموعات المتطرّفة العنيفة على مدى السنوات الماضية، وتوالت المآسي في جميع القارّات بسبب التطرّف العنيف الذي لا يعرفُ حدوداً ويضرب كلّ المجتمعات. ويعدّ الشباب الفئة الأكثر تعرضاً للخطر؛ فهم مستهدفون لتجنيدهم، والتلاعب بعقولهم وأفكارهم، وهم يقعون ضحية العنف المتطرّف. وهذه الظاهرة تنبّهنا إلى خطر ضياع جيلٍ من الشباب في براثن اليأس والانعزال.

لقد صار التطرّف العنيف تهديداً خطيراً يواجه المجتمعات حول العالم، ويمسّ بأمن، ورفاه، وكرامة الكثير من الأفراد الذين يعيشون في البلدان المتطوّرة والنامية على حدّ سواء، وكذلك سبل عيشهم السلمية والمستدامة.

فقد أنفقت حكومة الولايات المتّحدة وحدها في الفترة 2001 – 2017 مبلغاً يقدر بنحو 1.78 تريليون دولار أمريكي لمحاربة الإرهاب، في حين ارتفع إنفاق الاتّحاد الأوروبي من 5.7 مليون يورو في عام 2002 إلى 93.5 مليون يورو في عام 2009. ورغم كل ذلك الإنفاق الضخم فإن ذلك ليس كافياً؛ ويزدادُ إدراكُ الحكومات أنّ تخصيص الأموال لتشديد التدابير الأمنية غير كافٍ لحماية الجميع من الهجمات الإرهابية التي يرتكبُها أفراد متطرّفون عنيفون.

ولا بدّ من النظر في الجهود الرامية إلى منع التطرّف العنيف ضمن إطارٍ أعمّ وأشمل من مجرد المواجهات الأمنية والعسكرية، فلا شكّ في أنّ الاستجابات الأمنية مهمّة، إلا أنّها غير كافية، ولن تعالج الظروف العديدة الكامنة التي تولّد التطرّف العنيف وتدفعُ الشباب إلى الانضمام إلى المجموعات المتطرّفة العنيفة. إنّنا نحتاجُ إلى قوّة إقناع، كالتعليم. ونحتاجُ بصورٍة خاصّة إلى تعليمٍ جيّد مُجدٍ ودامج ومنصف، ومعالجة الظروف الكامنة التي تدفعُ الأفراد إلى الانضمام إلى المجموعات المتطرّفة العنيفة.

تشمل تلك المعالجة دعم «التعليم، وتطوير المهارات، وتيسير التوظيف» وضرورة دعم الاحترام للتنوّع البشري وتحضير الشباب للدخول إلى سوق العمل، والحاجة إلى الاستثمار في البرامج التي تروّج للمواطنة العالمية وتوفّر تعليماً شامـلاً من المرحلة الابتدائية وصولاً إلى التعليم العالي، بما في ذلك التعليم التقني والمهني، فهذا هو الشرط اللازم للعمل الفعّال، ويقتضي ذلك من البلدان أن تنفّذ في الوقت نفسه استجاباتٍ قصيرة الأجل، ومتوسّطة الأجل، وطويلة الأجل.

واليونسكو هي وكالة الأمم المتحدة المتخصصة المعنية بالتربية والتعليم، ويتولى قطاع التربية فيها ريادة المساعي العالمية والإقليمية في مجال التعليم، والتصدي للتحديات العالمية المعاصرة من طريق التعليم، مع التركيز على المساواة بين الجنسين وعلى أفريقيا.

تولي اليونسكو التربية والتعليم الأولوية الكبرى، إذ يندرج التعليم في عِداد حقوق الإنسان الأساسية ويرسي القواعد اللازمة لبناء السلام وتحقيق التنمية المستدامة. لذلك يسعى قطاع التربية في اليونسكو إلى بناء قدرات الجهات المعنية الأساسية في مجال التعليم، وهم صانعو السياسات التعليمية، والمعلّمون، وموظّفو المدارس، والجهات الفاعلة العاملة في بيئات تعليمية غير نظامية. ويجري ذلك من خلال تطوير مواد إرشادية ليستخدموها وذلك تنفيذاً للاستراتيجيات التي أقرّتها الأمم المتّحدة والمجلس التنفيذي لليونسكو.

أولاً: توجهات اليونسكو لتحقيق الخطّة العالمية للتعليم

تسهمُ جهود اليونسكو في هذا الميدان في تحقيق الخطّة العالمية للتعليم – أجندة التعليم 2030 – وبشكلٍ خاصّ تنفيذ المقصد 4.7 التابع للهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة حول التعليم. ومن أبرز توجهات اليونسكو في ذلك السياق:

1 – التعليم كأداة لمنع التطرّف العنيف

تسعى اليونسكو إلى مساعدة البلدان على تنفيذ برامج تعليمية تبني مناعة الشباب حيال الرسائل المتطرّفة العنيفة وتعزّز حساً إيجابياً من الهوية والانتماء. ويجري هذا العمل ضمن إطار التعليم من أجل المواطنة العالمية.

2 – تعزيز وتكوين الائتلافات على الإعلام وشبكة الإنترنت

يتم ذلك من خلال الاستفادة من الإنترنت ذي التغطية العالمية ومن شبكة شركاء اليونسكو المتنوّعة، وتعملُ المنظّمة على حشد الجهات المعنية – ولا سيّما الشباب، وصانعي السياسات، والباحثين، والجهات الفاعلة الإعلامية – لاتّخاذ إجراءاتٍ فعّالة، سواء عبر شبكة الإنترنت أو خارجها، لمنع التطرّف العنيف والراديكالية على الإنترنت والاستجابة لهما. ويشمل ذلك على وجه الخصوص المساعدة على تطوير خطابات بديلة للمحتوى المتطرّف على الإنترنت، ومحاربة خطاب الكراهية على الإنترنت، وبناء قدرة الجهات المعنية على تطوير استجابات مبتكرة لذلك الخطاب، مع تعزيز حماية حرية التعبير، والخصوصية، والحرّيات الأساسية الأخرى.

3 – مشاركة وتمكين الشباب

يركّزُ فريق اليونسكو للشباب على خلق بيئةٍ تمكينية لتمكين الشباب ومشاركتهم الديمقراطية، من أجل ضمان إتاحة الفرص للشابات والشبّان لكي يصبحوا مواطنين عالميين نشطاء. وإنّ استجابتها المشتركة بين عدّة قطاعاتٍ لقرار مجلس الأمن 2250 بشأن الشباب، والسلام، والأمن، تضعُ الشابات والشبان في صميم معالجة الأسباب الجذرية للتطرّف العنيف. فالربط بين التربية والعلوم الاجتماعية والإنسانية، والاتّصال والمعلومات، والثقافة، يكفلُ تزويدَ الشباب بالتدريب المتعدّد الأوجه، والمهارات، والدعم المطلوب للانخراط كمواطنين ناشطين، وقيادة الحركة العالمية نحو خلق عالمٍ سلمي.

4 – تكريس التنوّع الثقافي

تعملُ اليونسكو على إشراك الشباب في حماية جميع أشكال التراث والترويج للتنوّع الثقافي من أجل تعزيز مجتمعات أكثر «الاتّحاد من أجل التراث» عدالةً، وشمولية، وسلمية، وذلك من طريق حملة والبرامج التعليمية حول التراث والإبداع. وتسهّلُ هذه المبادرات إشراك الشباب في حماية جميع أشكال التراث، وترويجها، وتناقلها، ومشاركتهم الناشطة في الحياة الثقافية.

ثانياً: الهدف من الدليل

أصدرت اليونسكو هذا الدليل بهدف مساعدة البلدان في جهودها لمناهضة ومواجهة الإرهاب والتطرف والعنف، استجابةً لقرار المجلس التنفيذي لليونسكو في خلال دورته المئة والسابعة والتسعين، والذي أقرّت الدول الأعضاء من خلاله بأهمية منع التطرّف العنيف من خلال التعليم، وطلبت من اليونسكو مساعدتها في هذا المسعى.

يقدّمُ هذا الدليل توجيهاتٍ فنية إلى (صانعي السياسات، والمعلّمين، ومختلف الجهات المعنية بالتعليم) حول كيفية مواجهة التحدّيات الملموسة التي يطرحُها التطرّف العنيف ضمن كلّ مجتمع. ويرمي الدليل بشكلٍ خاصّ إلى مساعدة صانعي السياسات ضمن وزارات التربية على تحديد أولويات الإجراءات الوقائية الفعّالة، والتخطيط لها، وتنفيذها، وتوفير الأدوات اللازمة لتطوير أنظمة تعليمية من شأنها أن تسهمَ في خلق مجتمعات سلمية وفي تعزيز التماسك الاجتماعي من طريق تأمين تعليم مُجدٍ ومنصف بنوعيةٍ جيّدة. ويقدّمُ الدليل نصائحَ عملية حول ما يمكن القيام به ضمن النظام التعليمي، وفي المدارس، وفي البيئات التعلّمية كافة لدعم التدابير الوقائية الفعّالة.

1 – الفئات المستهدفة

يستهدف هذا الدليل تقديم مقترحات بشأن كيفية التعاون مع الشباب – سواء داخل المدرسة أو خارجها – في الجهود الرامية إلى منع التطرّف العنيف. وتشمل الفئات المستهدفة الجهات الفاعلة والجهات المعنية العاملة في مجال التعليم ومنهم صانعو السياسات، والمخطّطون، ومطوّرو المناهج، ومدرّبو المعلّمين، ومديرو المدارس، والمعلّمون، والمستشارون، ومجالس إدارة المدارس، إضافة إلى المربّين العاملين في الرابطات الشبابية، والمراكز المجتمعية، والنوادي الرياضية، والمنظّمات غير الحكومية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني العاملة مع الشباب، والجهات المعنية العاملة في الوكالات.

2 – أقسام الدليل

يتكون الدليل من خمسة أقسام:

– القسم الأول: عبارة عن مقدمة الدليل، والأسس التي يستند إليها من قوانين وقرارات دولية، والهدف من الدليل، والفئات المستهدفة، وإطار عمل الدليل ككل.

ويمكن القول إن هذا القسم يمثل الإطار المرجعي والمفاهيمي الذي تبناه الدليل، وهو المرجعيات الدولية الممثلة أهداف التنمية المستدامة وفقاً للخطة العالمية للتعليم.

– القسم الثاني: المصطلحات الأساسية للدليل، وعرض لدور التعليم في منع التطرّف العنيف، وقد خلص هذا القسم إلى عدم وجود اتفاق عالمي حول مفاهيم التطرف والإرهاب، وأوصى الدليل بأن تُناقَش هذه المفاهيم وتُحدَّد على المستوى الوطني، كشرطٍ مسبق لأيّ جهدٍ تخطيطي، من أجل فهم التبعات المتعدّدة لكلّ مصطلح فهماً كامـلاً. ومن أجل تزويد صانعي السياسات ببعض التبصّر حول الموضوع.

وتناول هذا القسم مصطلحات «التطرف»، و«التطرف العنيف»، و«الإرهاب»، و«الراديكالية» و«المناعة». وخلص الدليل إلى أنه على الرغم من عدم وجود تعريف متّفق عليه دولياً للتطرّف العنيف، إلا أنه يمكن التعامل مع أكثر هذه المفاهيم شيوعاً وانتشاراً للمصطلح الذي يشير إلى معتقدات وأفعال الأشخاص الذين يدعمون أو يستخدمون العنف لتحقيق غايات أيديولوجية، أو دينية، أو سياسية، ويشمل ذلك الإرهاب وغيره من أشكال العنف الطائفي المرتبط بدوافع سياسية. والأساسُ المفاهيمي للتطرّف العنيف هو أنّه لجوءٌ إلى استخدام العنف بدوافع أيديولوجية، ويقومُ عادةً على نظريات المؤامرة.

تشمل عوامل التطرف العنيف عوامل الدفع والجذب. وتشير عوامل الدفع إلى الظروف التي تدفع الأفراد نحو المجموعات المتطرّفة العنيفة كالبطالة أو الفقر أو الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والتهميش والظلم الاجتماعي، وضعف الحوكمة وانتهاكات حقوق الإنسان. أمّا عوامل الجذب للانضمام للجماعات المتطرفة فهي تشمل مجموعة من الحوافز المقدمة لاستقطاب المجنّدين المحتملين والأساس المنطقي المستخدم لتشريع العنف، كتشويه وإساءة استخدام المعتقدات والأيديولوجيات السياسية.

ويخلص الدليل إلى أنه لا يمكنُ للتعليم بمفرده أن يمنعَ فرداً من ارتكاب فعلٍ عنيف باسم أيديولوجيا متطرّفة عنيفة، غير أنّ توفير تعليمٍ مُجدٍ وبنوعيةٍ جيّدة قد يساعدُ على خلق الظروف التي تصعّبُ تكاثر الأيديولوجيات والأفعال المتطرّفة العنيفة. ويمكن للسياسات التعليمية أن تضمن عدم تحوّل أماكن التعلّم إلى أرض خصبة للتطرّف العنيف. ويمكنها أن تضمن أيضاً مساهمة المحتويات التعليمية ومقاربات التعليم/التعلّم في تطوير مناعة المتعلّمين حيال التطرّف العنيف. وبالتالي، فدور التعليم في خلق الظروف التي تبني الدفاعات، ضمن المتعلّمين، ضدّ التطرّف العنيف، وتقوّي التزامهم باللاعنف والسلام.

هذه أبرز فكرة يركز عليها الدليل، وهي إسهام التعليم بخلق البيئة المناهضة للتطرف، وذلك من خلال غرس وبناء الوعي الكافي لدى المتعلمين مما يمكنهم من مواجهة والتصدي للأفكار والآراء والمعتقدات المتطرفة ويحارب الغلوّ والتشدد.

– القسم الثالث: يحدّد خمسة مجالات عمل رئيسية لصنع السياسات في التعليم (الرسمي وغير النظامي)، وتتضمن سياسات الدمج والاحتواء، والتنوع، وتعزيز مناعة الشباب ووعيهم تجاه التطرف، وتوفير بيئات مدرسية آمنة وفاعلة، واتخاذ سياسات وإجراءات وقائية تجاه الشباب المعرض لخطر التطرف والعنف، والتعاون بين الجهات المعنية من حكومات ومنظمات مجتمع مدني ووكالات إنمائية ودولية، والنوادي الرياضية والمؤسسات التعليمية الرسمية وغير الرسمية.

ويوضح الدليل أنه يجبُ على الأنظمة التعليمية أن تنفّذ وتطبّق سياسات تعليمية شاملة تتيحُ لجميع الفتيات والفتيان أن يشعروا بالأمان، والتمكّن، والثقة بأنّهم أعضاء متساوون في مجتمع التعلّم. في هذا السياق، ينطوي الإدماج على الالتزام بالبحث المستمرّ لإيجاد طرق أفضل للاستجابة لتنوّع المتعلّمين وضمان أن يختبر المتعلّمون تنوّعهم بطريقةٍ إيجابية. فكلّ متعلّم مهمّ، وهو على القدر نفسه من الأهمية مثل سواه. والسياسات الشاملة التي تستند إلى مبدأ الاحترام، تتعلّق بتعلّم العيش مع، ومن خلال، التنوّع والاختلاف بشكلٍ يومي في السياق التعليمي.

وقد تناول هذا القسم مجموعة من الأنشطة منها:

– تطوير خطط وطنية بين قطاعات متعدّدة لمنع التطرّف العنيف وإجراء مراجعات سياسية.

– إنشاء وحدات تنسيق مركزية لمنع التطرّف العنيف ضمن وزارات التربية. خلق نظام لمراجع الاتّصال على مستويات المدارس والمناطق، أو عبر الحكومة لضمان تنسيق التدخّلات المرتبطة بالتعليم.

– تطوير قياسات للرصد والتقييم من أجل قياس التقدّم المُحرَز في الوقاية والدعم.

ويركز الدليل على تبني مبادئ الإدماج واحترام التنوّع في المناهج والكتب المدرسية والمواد المرجعية الأخرى التي يدرسها ويتعامل معها الطلبة. كما يجب توعية الأفراد بكيفية التعامل مع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ودعمُ المتعلّمين من طريق تشجيعهم على التدقيق في البيانات، والمعلومات، ومحتوى وسائل الإعلام (المكتوب والمصوّر) الذي يتلقّونه، ومن طريق تزويدهم بالمهارات اللازمة لخلق محتواهم الخاصّ باستخدام تقنيات المعلومات والاتّصالات من أجل حقوق الإنسان، والتسامُح، وثقافة السلام.

وهذا الجزء في الدليل يشير بوضوح إلى أهمية وسائل الإعلام والنظم التعليمية في بناء الوعي لدى الشباب والأفراد على اختلاف مستوياتهم، وتلك قضية في غاية الأهمية والخطورة، قد تكون كثير من الأنظمة العربية بحاجة إلى تبني تلك الآليات والانتقال من النظم التي تقوم على الحفظ والتلقين واستعارة خبرات الآخرين إلى تبنى أنظمة تعليمية تركز على بناء الوعي، وخلق الأرضية المناسبة لمواجهة التطرف.

ومن أبرز مزايا الدليل ما تضمنه من عرض وتحليل لبعض المبادرات والخبرات المحلية والعالمية في مجال استخدام التعليم في مواجهة الفكر المتطرف، ومنها على سبيل المثال مشروع «سفراء محادثات المقاهي» في تونس الذي يقوده الشباب، والذي يهدف إلى التأسيس لحوار مفتوح بين الشباب والشابات من جميع المستويات والفئات العمرية والاقتصادية والاجتماعية، وإطلاق فرص التحاور وتبادل الآراء ووجهات النظر، وذلك من خلال تجميع الشابات والشبان معاً في المقاهي للمشاركة في مناقشات مفتوحة حول موضوعات تهمّهم. وقد ركّزت إحدى المحادثات على الفنّ كسلاحٍ ضدّ التطرّف العنيف. فأحدُ الدوافع الرئيسية للتطرّف هو عدم وجود فرصة للمشاركة في النشاطات الثقافية التي تعزّز وتعكس التاريخ الغني للوطن وحضارته. وهذه المحادثات أساسية في زيادة الوعي وتكوين حسّ الناس بالانتماء إلى جماعةٍ محلّية وإلى المجتمع التونسى.

وهذه التجربة كفكرة في غاية الأهمية ونفتقدها في مجتمعاتنا العربية، التي تفتقد الحوار المفتوح بين طبقات المجتمع، وتبنِّي تقبل الرأي والرأي الآخر على أساس من الاحترام، والتعايش ووضع مصلحة المجتمع كغاية من تلك الحوارات.

ومن بين التجارب المتميزة تجربة «الشرطة المجتمعية» التي نفذتها منظمة التعاون والأمن الأوروبي لمواجهة التطرف والأفكار الراديكالية، ومبادرة «حياتي السابقة» وهي عبارة عن سلسلة أفلام وثائقية، أبطالها من المتطرفين السابقين، الذين يتناولون تجارب حياتهم، وتهدف المبادرة إلى توفير موردٍ تعليمي متعدّد الوسائط يتوجّهُ إلى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و19 سنة. ويستند إلى فيلم وثائقي يعرضُ القصص الشخصية لأربعة متطرّفين سابقين والأسباب التي دفعتهم إلى ذلك، ولماذا تركوا المجموعات المتطرفة، ويلي ذلك ورش عمل ومناقشات بين الأفراد وتبادل وجهات النظر.

ويشير الدليل إلى أهمية الدور الذي يقوم به المعلّمون وكونه دوراً محورياً في منع التطرّف العنيف – وليست النظرة هنا إلى المعلمين كمراقبين على الطلبة بل كمربّين. فلهم احتكاكهم المباشر مع الشباب، وقد يكونون قدوة، وعملاء للتغيير، ووسطاء، فيعزّزون الحوار ويقدّمون نموذجاً عن الاحترام المتبادل. وقد يكونون أيضاً الأوائل في تحديد علامات الراديكالية المؤدّية إلى العنف والحدّ منه عن طريق استكشاف المسائل الجدلية. أخيراً، يمكن للمعلّمين أن يشكّلوا جسراً بين المدرسة، والعائلات، والمجتمع المحلّي الأوسع لضمان عمل جميع الجهات المعنية نحو غايةٍ مشتركة لدعم ومساعدة المتعلّمين المعرّضين للخطر.

ولتمكين المعلّمين من تأدية دورٍ بنّاء كوسطاء للسلام، يجب استشارتهم، وتحفيزهم، وتزويدهم بأدوات التعليم والتعلّم الملائمة. يشمل ذلك تطوير قدرتهم على تعزيز مجموعةٍ من المهارات المعرفية وغير المعرفية لدى المتعلّمين – مثل التفكير الناقد، وتعدّدية وجهات النظر، وفهم التعقيد، والشجاعة الأخلاقية، والسلوك المسؤول على الإنترنت – من خلال التدريب قبل الخدمة وفي أثنائها. يجب أيضاً تشجيع المعلّمين على أن يحترموا، وينتبهوا إلى التحدّيات الشخصية للمتعلّمين وهم يتصارعون مع مسائل الهوية والمعنى. وينبغي عدم إغفال هذا البعد إذا كان على المعلّمين أن يزوّدوا المتعلّمين بالتوجيه.

– القسم الرابع: لمحة عامة حول طرائق التنفيذ، وهي تشمل:

  •  تطوير المناهج الدراسية المستخدمة: يمكن تطوير هذه المهارات من خلال مواد تقليدية (مثـلاً: التربية المدنية، التاريخ، الأدب، التربية البدنية والرياضة، الدراسات الاجتماعية… إلخ). أو من خلال مشاريع ومهام شاملة للمنهج. وهذه الأخيرة تشجّع المتعلّمين على العمل عبر الاختصاصات وخلق فرص للمشاركة و«التعلّم من خلال العمل».
  •  تدريب المعلمين: يمكن أن يتمّ ذلك من خلال نشاطات هادفة ومُكيَّفة لبناء القدرات، بما في ذلك التبادلات بين الأقران، ومع موظّفي المدارس والمربّين العاملين خارج نظام التعليم الرسمي. وتشمل الموضوعات التي يمكن استكشافها: دوافع التطرّف العنيف؛ والمسارات إلى الراديكالية المؤدّية إلى التطرّف العنيف؛ ودور التعليم والمعلّمين تحديداً في الوقاية؛ والمواقف الفردية للمعلّمين إزاء العنف؛ ومناقشة المسائل الخلافية في الصفّ؛ والسياسة والممارسة للتعليم عن وجهات النظر الدينية وغير الدينية للعالم من خلال التعليم المتعدّد الثقافات؛ وحلّ النزاعات والوساطة؛ والمقاربات التعليمية الدامجة… إلخ.
  •  إصلاح ودعم بيئة المدرسة ككل: ويفترض ذلك عمـلاً جماعياً وتعاونياً في ومن قبل المجتمع المدرسي لتحسين تعلّم الطلبة، وسلوكهم ورفاههم، والظروف التي تدعمُ ذلك، واستخدام المقاربات القائمة على المدرسة ككلّ مجموعةً واسعة من النشاطات التي تتّصل بسياسات المدرسة، وجودة المناهج والتعليم، وقيادتها وإدارتها، وثقافتها (التي تشمل مناخ المدرسة، وقواعدها، وعوائدها، ونشاطات تلاميذها، وتعاونها مع المجتمع المحلّي الأوسع).
  •  الاعتماد على التعليم غير النظامي وتشجيع المبادرات المجتمعية، ودعم الشراكة بين قطاعات المجتمع المختلفة: فمن خلال تغذية العلاقات الإيجابية بين الشباب أو المجتمعات المحلّية التي قد تكونُ في نزاع بخلاف ذلك (داخل المدارس أو خارجها)، فإنّها تشجّعُ التأمّل الذاتي، والتفكير النقدي، والقيادة، والمناعة، ليس بالنسبة إلى الشباب فقط، بل بالنسبة إلى عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلّية أيضاً. وهي تشكّلُ بالإضافة إلى ذلك فرصاً ممتازة لتطوير وتعميم رسائل بديلة لتلك التي تنشرُها المجموعات المتطرّفة العنيفة التي تقومُ على التعصّب ووجهات النظر الطائفية للعالم. ومن أجل ضمان فعّالية هذه البرامج، ينبغي أن تكون مدروسة، ومستدامة، وذائعة بين الأوساط المحلّية. ويجب على الجهات المعنية المجتمعية، بما في ذلك المدارس وموظّفوها، أن تنخرط بشكلٍ استباقي أكثر في تطوير واستخدام المقاربات التعليمية الإبداعية التي تعكس (أو تعزّز) السياسات الدامجة المُروَّج لها من خلال الأنظمة التعليمية. ومن أمثلة النشاطات التي يمكن استخدامها في ذلك الميدان:

– البرامج التعليمية الفنّية والرياضية؛

– الاجتماعات العامة لنشر المعلومات وتبادلها على صعيد المجتمع المحلّي؛

– منصّات التعلّم الإلكتروني؛

– دعم المجموعات الشبابية؛

– مراكز للشباب تُقدَّم فيها التوجيهات والمشورة؛

– برامج التوعية العائلية؛

– برامج التعليم غير النظامي للأمّهات.

القسم الخامس: يتناول إجابات عن الأسئلة الأكثر شيوعاً المستمدّة من المشاورات المتعدّدة التي ساعدت على صياغة هذا الدليل. والتحدّيات الفعلية التي يمكن أن تنشأ عند المباشرة في تطوير وتنفيذ التدابير لمنع التطرّف العنيف من خلال التعليم.

ومن هذه الأسئلة:

السؤال الأول: كيف يمكن للمدارس أن توفّر منصّة آمنة ومفتوحة للحوار والنقاش حول المسائل المرتبطة بالتطرّف العنيف التي تُعتبَر حسّاسة سياسياً من قبل المجتمع المحلّي أو البلد؟

يحتاج الطلبة إلى مكان آمن لمعالجة المسائل المرتبطة بالتطرّف العنيف، وكلّما كانت المسائل حسّاسة أكثر وتعد من «المحرمات»، احتاجَ الطلبة أكثر إلى فرص لمعالجتها في بيئاتٍ آمنة. ولمنع تصعيد النقاشات حول المسائل الحسّاسة إلى جدالاتٍ سياسية، يجب تأطير المسائل بطريقةٍ واضحة، منذ البداية، مع هدفٍ تعلّمي محدّد.

السؤال الثاني: هل يجب على المدارس أن تعالج المسائل المرتبطة بالتطرّف العنيف من دون أيّ إشارة إلى الأنظمة السياسية التي يعتبرها الطلّاب مسؤولة عن التطرّف العنيف؟

التربية الفعّالة لمنع التطرّف العنيف ستكون شاملة، فتسمح للطلبة بمراجعة جميع المواضيع والمسائل المتّصلة، بما في ذلك الأنظمة السياسية والمؤسّسية الأوسع، لتعميق فهم الطلبة للمادة، وأن يحصل النقاش ضمن إطار تربوي واضح، حتى لا تتحوّل مناقشة الصفّ إلى جدالٍ سياسي. فلدى معالجة المسائل الحسّاسة في إطارٍ مدرسي، من الأساسي أن يبقى تركيزنا على الأهداف التعلّمية ذات الصلة مثـلاً: تطوير حجج قائمة على الأدلّة، والتفكير النقدي، والتأمّل الذاتي… إلخ. وأن نميّز بوضوح بين الدعاية والحقائق.

السؤال الثالث: يعد التعليم عن المواطنة العالمية مقاربة تعليمية مفيدة لمعالجة التطرّف العنيف. ولكن، هل يُجدي نفعاً حينما لا يكونُ هناك فهم مشترك للمواطنة؟

بالنسبة إلى اليونسكو والأمم المتّحدة، لا ينطوي التعليم عن المواطنة العالمية على الترويج لوضعٍ قانوني يفوقُ الحدود الوطنية، بل هو مبدأ تعليمي. والمفهومُ لا يتعارض، إذا نُظِرَ إليه من هذه الزاوية، مع الأطر الوطنية للهوية أو المواطنة أو غيابهما. التعليم عن المواطنة العالمية هو مقاربة يمكن إدراجها ضمن المواد القائمة، كالتربية المدنية أو التاريخ، حتّى لو لم يكن هناك فهم واضح للمواطنة. ويمكن إدراج التعليم عن المواطنة العالمية عن طريق إدخال مبادئ أساسية مشتركة بين جميع الثقافات، والمساعدة على بناء الوعي بأنّ جميع الأفراد يتشاركون الإنسانية الواحدة.

السؤال الرابع: هل يجب أن يشكّل التعليم الديني جزءاً من استراتيجيات منع التطرّف العنيف من خلال التعليم؟

من المهمّ تأمين التعليم الديني الذي يطوّر نظرة منفتحة وأوسع للعالم، ويتضمّن فهماً دقيقاً لوجهات النظر غير الدينية للعالم، وقد يقتضي وضع توجيهات تربوية إضافية وتدريب المعلّمين.

السؤال الخامس: في غياب التعريف الواضح للتطرّف العنيف، كيف يمكن للمنهج أن يطرح الموضوع؟

يجب إفهام الطلبة أنّ هناك وجهات نظر مختلفة حول التطرّف العنيف والمفاهيم الأخرى ذات الصلة: فالتنوّع هو جزءٌ من الواقع الذي يحيط بالمفاهيم. وربّما كان غياب التعاريف فرصةً ليتعلّموا أنّ هناك وجهات نظر وآراء مختلفة للعالم، وأنّه لا بدّ من احترامها. ولا يُفترَض بهذا التنوّع أن يشكّل مصدراً للنزاع العنيف.

السؤال السادس: هل من الضروري الانخراط في منع التطرّف العنيف من خلال التعليم في بلدٍ لا يوجد فيه تهديد ظاهر للتطرّف العنيف؟

على العموم إن إدراج سياسات تعليمية دامجة تعزّز احترام التنوّع وتدعم بيئات التعلّم الآمنة والتمكينية، إلى جانب الأساليب التربوية المبتكرة التي تشجّع المناعة والتفكير النقدي، مفيدٌ لتعزيز التماسك الاجتماعي، وتحسين جودة التعليم بوجهٍ عام وجدواه. ويختلف مقدار الإجراءات والتدابير باختلاف التهديدات التي يواجهها البلد بالطبع.

السؤال السابع: هل يمكن لأنظمة التعليم الرسمية أن تمنع التطرّف العنيف فعلياً؟ وما يجب أن يكون هدفها النهائي؟

إن للتعليم دوراً وقائياً يكفل عدم تحوّل أماكن التعلّم إلى أرض خصبة للتطرّف العنيف، بل يبني على عكس ذلك دفاعات السلام والاحترام في أذهان المتعلّمين، ويزوِّد المتعلّمين بالمهارات اللازمة لتحدّي الأيديولوجيات، والخرافات، ونظريات المؤامرة، والرؤى العالمية الإقصائية التي يستند إليها التطرّف العنيف في كثير من الأحيان.

السؤال الثامن: ما الذي يجب القيام به لتعزيز الشراكات المتعدّدة القطاعات بين القطاع التعليمي ومجتمعات محلّية وشركاء آخرين خارجه؟

ليس باستطاعة المدارس أو القطاع التعليمي وحده التكفّل بمجمل نطاق التدابير الوقائية المطلوبة، بل إنّ الشراكات بين القطاعات المختلفة تُعَدّ جوهرية. إنّما قد تكونُ التحدّيات في هذه الناحية أكثر من الفرص. على قطاع التعليم التعاون مع الجهات الفاعلة المحلّية والمجتمعية الأخرى التي تؤدي أدواراً حاسمة في التنشئة الاجتماعية العامة للطلبة.

تعقيب

بصفة عامة تناول موضوع الدليل قضية في غاية الأهمية والخطورة في الوقت الحالي، وهو مفهوم التطرف العنيف وما يرتبط به من مفاهيم مختلفة كالراديكالية، والعنف، والإرهاب، ودور التعليم في مواجهة تلك الظواهر.

وقد تبنى الدليل ظاهرة التطرف العنيف في ضوء المواثيق والقرارات الدولية، وقرارات المجلس التنفيذي لليونسكو تهدف إلى المواجهة الشاملة لتلك الظاهرة من خلال التعليم الرسمي وغير الرسمي في مختلف المراحل التعليمية، ودور التعليم في تزويد الشباب والطلبة بالقدرات والمهارات كمهارات التفكير الناقد، وتنمية الوعي بتلك الظاهرة وكيفية التعامل معها سواء داخل المدرسة والأسرة أو خارج نطاقهما.

ولفت الدليل الانتباه إلى اختلاف تعريفات التطرف العنيف، وتضارب وجهات النظر باختلاف السياق الثقافي، إلا أن جميع تلك التعريفات يجمعها عناصر مشتركة، تتمثل بتبني وجهات نظر متشددة حيال موضوع ما، واستخدام العنف كمنهج أو وسيلة لفرض الرأي وتبرير ذلك بمعتقدات وأيديولوجيات لدفع الأفراد إلى تلك الظاهرة.

وإن أسباب التطرف العنيف هي عوامل الدفع وهي الظروف التي تدفع الأفراد نحو المجموعات المتطرّفة العنيفة كالبطالة أو الفقر أو الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والتهميش والظلم الاجتماعي، وضعف الحوكمة وانتهاكات حقوق الإنسان. وكذلك عوامل الجذب وهي حوافز فردية تستقطب المجنّدين المحتملين والأساس المنطقي المستخدم لتشريع العنف، كتشويه وإساءة استخدام المعتقدات والأيديولوجيات السياسية.

كما أوضح الدليل أهمية تنمية وعي الطلبة في جميع المراحل التعليمية، ومن خلال جميع مؤسسات المجتمع سواء مؤسسات التعليم الرسمي، ومؤسسات التعليم غير الرسمي، وأهمية تضافر وتنسيق الجهود بين جميع قطاعات المجتمع من مدارس وأندية ومراكز شباب ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات دولية وإنمائية وغيرها من المؤسسات.

وأشار الدليل إلى أهمية دور المعلم، والمناهج والبيئة المدرسية في تعزيز قدرة الشباب وتحصينهم ضد الأفكار المتطرفة والمعتقدات الخاطئة، كما أوضحت أهمية تشجيع ودعم المبادرات المجتمعية، واستخدام المنصات الإعلامية، وشبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي في محاربة التطرف والإرهاب والعنف.

ومن أبرز مزايا الدليل أنه يراعي اختلاف السياقات الثقافية واختلاف المجتمعات، وحاول التعامل مع المفاهيم من منظور عالمي يراعي التنوع والاختلاف، ويحاول العمل من خلال العناصر المتشابهة، كما أنه قدم توصيات وإجراءات واقعية وقابلة للتطبيق على أرض الواقع، ويمكن للمجتمعات العربية أن تتبنى تطبيق آليات مماثلة كفكرة الشرطة المجتمعية وإمكان مشاركة المواطنين أنفسهم في تطبيق القانون ومعاونة الجهات المنفذة للقانون والحامية له، واستخدام مقاهي الحوار لنشر فكرة الحوار بين فئات الشباب على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم وتوجهاتهم، ونشر ثقافة التعايش وتقبُّل واحترام الآخر، وهنا يجب التفكير في تبنّي الضوابط والمقوّمات المناسبة التي تراعي سياق وخصوصية مجتمعاتنا العربية.

 

قد يهمكم أيضاً  التربية الإعلامية والرقمية وتحقيق المجتمع المعرفي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #التطرف #محاربة_الإرهاب #محاربة_التطرف_من_خلال_التعليم #التعليم #السلام #اليونيسكو #تقرير