أولاً: الإشكالية:

إن الإشهارَ التلفزي اليوم هو نتاجٌ للتأثيرات المستمرة التي تمارسها الثورة العلمية التقنية، والاستهلاكَ المتعاظم لتقنيات الاتصال الجماهيري، اللذين أحدثا تغييرات جوهرية في بنية الإشهار التلفزي ووظائفه وأدواره، بحيث لم يعد التناول العلمي والبحثي المقتصر على البعد الاقتصادي البحت للنشاط الإشهاري كافياً لرصد الواقع الإشهاري، وتحليل معطياته التي أخذت تكتسب في مجال الإشهار التلفزي بخاصة، أبعاداً اجتماعية وثقافية وأخلاقية تشكل في مجملها الجوانب الأكثر أهمية وخطورة، وتتطلب اقتراباً علمياً يتجاوز النظرة الميكرو ـ اجتماعية ليدخل في نطاق المفهوم الماكرو ـ اجتماعي للظاهرة الإشهارية.

لقد أثبتت أبحاث السوق الحديثة التي تنجزها مؤسسات مختصة على الصعيد الاجتماعي، أن الإشهار أصبح يندرج في إطار خطط واستراتيجيات تنصبّ بصورة أساسية على إيجاد مقولبات ترسخ نموذجاً حياتياً شاملاً، ونظاماً أخلاقياً متكاملاً، وسلّماً قيمياً مدروساً بعناية، يحققون في نهاية المطاف أهدافاً ومصالح بعيدة المدى لأصحاب السلع والمنتجات والخدمات. كما تشير هذه الدراسات إلى أن المؤسسات الاقتصادية لم تعد تنتج سلعة ثم تحاول ترويجها وتسويقها عبر الإشهار فحسب، بل تعتمد أيضاً على صنع مستهلك مهيأٍ اجتماعياً ونفسياً وسلوكياً لتنفيذ استراتيجيتها على صعيد المجتمع الكلي (Cecile, 2006: 7).

يزيد الأمر أهمية أن الإشهار الذي يستثمر كل خصائص التلفزة وتقنياتها، أصبح اليوم يحتل حيزاً زمنياً لا يستهان به في الإعلام المتلفز، والرسالة الإشهارية هي الرسالة الأكثر تكراراً بالمقارنة مع الرسائل التلفزية الأخرى، وهي أيضا الأكثر حضوراً لأنها تبث في جميع القنوات أو معظمها.

إن هذا الحضور الكلي وتلك الأدوار المؤثرة التي يسهم الإشهار التلفزي من خلالها في صياغة عقليات وسلوكات وقناعات، تخدم مصالح فئات قليلة في المجتمع جعلت منه «صناعة ضخمة تستهدف فئات المجتمع بعامةٍ والأطفال بخاصةٍ، لأنهم الأقل امتلاكاً لميكانيزمات النقد، والأكثر انبهاراً وانجذاباً للفقرة الإشهارية؛ على أساس أنها فسحة إعلامية تقودهم إلى عالم الروائع المكلل بالمتعة واللذة والسعادة الشبيهة إلى حدٍّ ما بعالم القصص والحاملة لسياقات وتبادلات تجعل من الطفل يعيش لحظات أمان مقارنة بباقي البرامج الدرامية الأخرى» (Minot, 2013: 60-61).

إضافة إلى أن الإشهار قد فهم منطق الصغار واستعمله منطلقاً من فكرة أن: الطفل يعيش بمنطق الفورية، فالرغبة بالنسبة إليه تتطلب إشباعاً فورياً، ولذلك فإن الرسائل الإشهارية تحمل دائماً نتائج فورية، وفي أحيان كثيرة سحرية؛ حيث يعتبر «جون بول غورفيسيون» (J.P. Gourvition) «أن الرسالة الإشهارية في التلفزيون قصة قصيرة تخضع للقراءة دون أية صعوبة، كما يتم تخزينها في الذاكرة بسهولة، ومن ثمة إمكانية استرجاعها دون عناء والقصة كلها تحدث في إطار تظهر من خلاله شخصيات مألوفة، سواء من عالم الخيال أو من الحياة الواقعية وذلك في وضعيات متكررة، توحي بأن العوائق يتم تجاوزها دائماً بصفة سحرية ولذلك تكون الإشباعات التي تحققها إشباعات فورية» (عبد الحميد، 1993: 101) إلا أن الأمر يختلف لما نتكلم عن الأهداف الاستهلاكية، إذ تذهب الرسائل الإشهارية إلى أبعد من مجرد تحريض الطفل على اتخاذ قرار فردي؛ ذلك لأن «الرغبة» يجب أن تأخذ أولاً شرعيتها من خلال مجموعة الانتماء أو المجموعة التي يرغب الطفل في الانتماء إليها.

في هذا السياق فإن سيرورة التبادل والتفاعل الموجودة داخل الأسرة، تشكل عنصراً هاماً لاختيارات الطفل الاستهلاكية، حيث تصبح العلاقات الأسرية في السنوات الأولى من عمر الطفل مفاتيح توجيه لأي قرار يتخذه (Bree, 2009: 53).

فالأنماط الاتصالية التي تعتمدها كل أسرة من شأنها أن توجه سلوك الطفل الاستهلاكي، سواء من خلال علاقته بوالديه أو من خلال علاقته بإخوته، ما جعل من المصممين الإشهاريين يعتمدون نماذج أسَرية في تقديم المنتوجات، مركِّزين على إبراز الاتصالات الأسرية، التي ترسم علاقات الشخصيات في المشاهد الإشهارية ضمن سيناريو ميزته الأساسية المرح والسرور اللذين يعمّان الأجواء، إذ يجد الطفل نفسه محاطاً بهالة من العناية والاهتمام التي تجعله محور الاتصال في هذه الرسائل، معطية إياه مكانة مهمة داخل وسطه الأسَري (Jullien, 2007: 44).

إن هذه المتغيرات حفَّزت أكثر فأكثر المعلنين للتركيز على نموذج «الأسرة المثالية» بما تحويه من أنماط اتصالية تشجع على ظهور «الطفل الملك»، مقدمة إياه ضمن أسرة خالية من المشاكل، تستوعب كل حركاته وشقاوته، ملبية مطالبه في مواقف تقدم الطفل بشكل جميل يتمتع بحرية الاختيار، وفي أحيان كثيرة يملك معلومات ومعارف وقوى خارقة تجعل منه بطلاً يعيش في أسرة ميزتها الأساسية الهدوء، والتي تعمُّها مظاهر الرخاء فتجعل الحياة سهلة تحل فيها المشاكل بكل بساطة من خلال استهلاك أو استعمال المنتوج أو الخدمة. إضافة إلى الأجواء السعيدة المرحة التي تستقطب كثيراً الأطفال وتشدهم سعياً منهم للعيش في مثل هذه الأجواء التي تملأُها الغبطة والسرور.

كما إن المخططات الإشهارية الحديثة تعتمد على استراتيجية اتصال تسمى «استراتيجية التأثير المشترك» التي تستهدف الأولياء والأطفال معاً؛ فالهدف هنا هو إيجاد محفزات بإمكانها أن تنمِّي حب الأطفال ورغبتهم في امتلاك المنتوج من جهة، ومن جهة أخرى إعطاء إجابات لانشغالات الكبار من أجل نزع المكابح التي تعيق عملية الاستهلاك (Guichard, 2010: 47).

هذا الاهتمام المتنامي من طرف المؤسسات بالأطفال، من شانه أن يطرح مشاكل متعددة الأبعاد متعلقة بإدخال الأطفال في دائرة الاستهلاك، مبعداً إياهم عن الأهداف التربوية التي تسعى إلى تحقيق التنمية، لأن هذه الدائرة الاستهلاكية تجعلهم منغمسين في هذا المجتمع الاستهلاكي، حيث يصبح الطفل غير قادر على الفصل بين امتلاكه للأشياء وقدرته على التفكير النقدي لها. فهو موجود في هذا الحمام الاستهلاكي منذ الولادة، حيث يعمل الإشهار على تعظيم الاستهلاك وتمجيد المجتمع الاستهلاكي، ما يسهم في تشكيل أنماط سلوكية استهلاكية لدى الطفل تتماشى والنماذج المقدمة في هذه الرسائل الإشهارية التي تشجع على القيام بالفعل الاستهلاكي، حيث يصبح هذا الأخير مرادفاً لمتعة الامتلاك ومتعة الافتخار وإظهار النفس من خلال عملية الشراء.

ولهذا حاولت هذه الدراسة الإجابة عن التساؤل الرئيسي التالي:

ما هي أنماط الاتصال الأسري التي تقدمها الرسائل الإشهارية للتأثير في السلوك الاستهلاكي للطفل؟

1 ـ تساؤلات الدراسة التحليلية

ـ ما هي المنتوجات الأكثر استخداماً لأنماط الاتصال الأُسري في الإشهار التلفزيوني؟

ـ ما هي أهم أنماط الاتصال الأُسري المقدمة في الإشهار التلفزيوني؟

ـ كيف تحث أنماط الاتصال الأُسري في الإشهار التلفزيوني الطفل على السلوك الاستهلاكي؟

ـ ما هي طبيعة الشخصيات المشاركة في أنماط الاتصال الأُسري المقدمة في الإشهار التلفزيوني؟

2 ـ أهداف الدراسة

تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف لخصتها الباحثة في ما يلي:

أ ـ تحديد طبيعة أنماط الاتصال الأسري المقدمة في الرسائل الإشهارية كنماذج للتأثير في السلوك الاستهلاكي للطفل واستهدافه.

ب ـ تحديد دور الإشهار التلفزيوني في زيادة إقبال الأطفال على المنتوجات.

ج ـ الكشف عن أهم الأشكال الفنية والإخراجية المستخدمة في الإشهارات والتي يفضلها الأطفال.

 

ثانياً:التحديد المفاهيمي

 

1 ـ الإشهار التلفزيوني

تنوعت تعاريف الإشهار التلفزيوني بتنوع تعاريف الإشهار في حد ذاته، ما جعل الإشهار التلفزيوني يعرف هو الآخر تنوعاً في التعاريف المقدمة لهذا المفهوم، فقد عرَّفه روبرت لوديك (Robert – Leduc) بأنه: «عملية بث رسالة سمعية بصرية لغرض حث الجمهور على اقتناء سلعة أو خدمة معيِّنة، والاستمرار في شرائها وتفضيلها على السلع والخدمات المشابهة لها» (Leduc, 1993: 5).

أما كوهين (Cohen) فقد عرَّفه بأنه: «رسالة سمعية، بصرية تهدف إلى توزيع معلومات خاصة بمنتوج أو سلعة معيِّنة قصد تسويقها بين الناس» (العبدلي والعبدلي، 1993: 166).

فالرسالة الإشهارية المرئية ترتكز أساساً على المحفزات وقدرتها على التأثير في لاوَعي الفرد المتلقي، وهناك علاقة كبيرة بين التعبير البصري والتعبير البسيكولوجي. فالمعلن يحتاج في البداية إلى معلومة بسيكولوجية أساسية للوصول إلى تصور وإبداع رسالة إشهارية وهي: كيف يمكن الوصول إلى فعل الشراء؟

2 ـ مفهوم أنماط الاتصال الأُسري

إن الاتصال الأسري هو اتصال حلقي وديناميكي «يتعلم من خلاله القائمون بالاتصال المعاني والرموز التي تسمح لهم بممارسة قدراتهم على التفكير بصورة متمايزة وأداء أنشطتهم الاتصالية مع تعديل المعاني والرموز التي يستخدمونها في التفاعل على أساس تأويلاتهم للموقف، توقعاتهم لرجع صدى الآخر، لذلك أكد تشارلز كولي (Ch. Cooly) أن الجماعات الأسرية تحقق وحدتها وتفاعلها من خلال عملية الاتصال، الذي اعتبره الميكانيزم الذي توجد من خلاله العلاقات الإنسانية وتنمو وتتطور» (وحيدة، 2007: 77 ـ 78).

وهناك من الباحثين من يعرِّف أنماط الاتصال الأسري بأنها «مجموعة الأعراف التي تحكم عملية تبادل العلاقات والمعلومات بين الأفراد داخل الأسرة» (Fitzpatrick [et al.], 2006: 380).

إن عملية التفاعل والاتصال (بشقيها اللفظي وغير اللفظي) داخل الأسرة تقوم بالتنسيق بين الأدوار وطقوس التفاعل والقيم، وكذا تحريك المساحة الخاصة بالسلطة بين الآباء والأبناء. وفي هذا المجال اقترح كل من مارتن وماكوبي (Martin and Maccoby) نموذجاً للقيادة الأبوية يقوم على بعدين أساسين هما: الوعي والمراقبة الأبوية (Cloutier et Renaud, 1990: 52).

وعليه اقترح هذان الباحثان أربعة أنماط اتصالية يمكن أن يتبعها الآباء في علاقاتهم وسلوكاتهم اتجاه أطفالهم تبعاً لوضوح أقل/أكثر لهذين البعدين (الموضحة في الشكل الرقم (1)) وهي كالتالي:

الشكل الرقم (1)

أنماط الاتصال الأسري حسب جون مارتن وإلينور ماكوبي

المصدر: .(Montigneux, 2002: 64)

3 ـ مفهوم السلوك الاستهلاكي

«يمثل السلوك الاستهلاكي نوعاً أساسياً من أنواع السلوك الإنساني يمارسه كل منا مهما اختلفت بنا السبل وتنوعت مسالك الحياة» (الساعاتي، 2009: 28 ـ 29)، بمعنى أن السلوك الاستهلاكي هو: «عبارة عن النمط الذي يتبعه الفرد في سلوكه للبحث أو الشراء أو الاستخدام أو تقييم السلع والخدمات والأفكار التي تتوقع منها أن تشبع حاجته ورغباته» (أسعد، 1993: 75).

إذ يعرَّف سلوك المستهلك بأنه: «السلوك الفردي والجماعي الذي يرتبط بتخطيط واتخاذ قرارات شراء السلع والخدمات واستهلاكها، أي هو التصرف الذي يبرزه شخص ما نتيجة دافع داخلي تحركه منبهات داخلية أو خارجية حول أشياء ومواقف تشبع حاجاته ورغباته وتحقق أهدافه» (المنصور، 2006: 58).

 

ثالثاً: الدراسة التحليلية

 

1 ـ المنهج المتبع في الدراسة التحليلية

نظراً إلى طبيعة الموضوع المتعلق بالإشهار والطفل فقد اختارت الباحثة المنهج الوصفي.

أدوات جمع البيانات: بناء على ما سبق فقد قامت الباحثة باختيار تقنية تحليل المحتوى كأداة لجمع بيانات هذا البحث.

2 ـ عيِّنة الدراسة التحليلية

قامت الباحثة باختيار العيِّنة القصدية إذ سجلت إشهارات دورة تليفزيونية عادية لمدة ثلاثة أشهر من 3/1/2013 إلى 2/3/2013. وقد انتهت العملية بتسجيل «45» إشهاراً، تم انتقاء 10 إشهارات على أساس تلك التي تضم موقفاً أسرياً، أي الإشهارات التي تعتمد على الاتصال داخل الأسرة كمدخل إشهاري لتسويق المنتوجات المعلن عنها ومنه كانت مفردات العيِّنة كالتالي:

الجدول الرقم (1)

إشهارات دورة تلفزيونية من 3/1/2013 إلى 2/3/2013

الرقماسم الإشهار
1إشهار ستارت  Start
2إشهار غولغايت         golgate
3إشهار ماء حياة Hayat
4إشهار سخان   Eniem
5إشهار عصير داناو     Danano
6إشهار عصير رويبة    Rouiba
7إشهار قهوة نسكافي     Nescafé
8إشهار حليب نستلة      Nestle
9إشهار جبنة البقرة الضاحكة    La vache qui rit
10إشهار حليب دانو        Dano

 

3 ـ تحليل وتفسير نتائج الدراسة التحليلية

أ ـ نوع المنتوج المقدَّم في الرسالة الإشهارية

نلاحظ، من خلال الجدول الرقم (2)، أن السلع الغذائية احتلت الصدارة، فلا يحتاج أي متصفح لهذا الجدول مجهوداً كبيراً لإثبات الطابع الاستهلاكي الطاغي على إشهارات عيِّنة الدراسة حيث احتلت السلع الغذائية نسبة 80 بالمئة، مقابل نسبة متواضعة للسلع غير الاستهلاكية المتمثلة بالأجهزة الكهرومنزلية بنسبة 10 بالمئة وأدوات التجميل بنسبة 10 بالمئة. تدل هذه النسب على الطابع الاستهلاكي لإشهارات القناة، ويخشى أغلب الباحثين في هذا الميدان (تأثير الإشهار على الطفل) من خطورة ما يتبع ذلك من تأثيرات في الأطفال المشاهدين تتعلق بتعظيمهم نزعة الاستهلاك وتعوّدهم إيّاها، إضافة إلى تعزيز التنشئة المادية في نفوسهم. في هذا مؤشر مهم، يبين توجه الشركات المنتجة، التي هي في أغلبها ذات توجه رأسمالي تقوم على أساس تمجيد المجتمع الاستهلاكي الذي تعتبره رمزاً للاستقلالية ولتقييم الفرد؛ إذ يؤكد جان باودريلارد (Jean Baudrillard) في كتابه (La Société de consommation) أن: «الزيادة المستمرة في الاستهلاك والتي تغذيها وسائل الإعلام من شأنها أن تجعل الأفراد كباراً وصغاراً لا يدركون أنفسهم وذواتهم، إلا من خلال الاستهلاك وماذا يمتلكون، فمن خلاله يمكن تحديد الطبقة التي ينتمون إليها فتصبح الأشياء المملوكة هي التي تحدد سعادة الفرد» (Botelho, 2008: 9-10) فهذه الشركات تستعمل مكانة الأسرة والطفل لترويج منتوجاتها، إضافة إلى حفْز الأطفال على الاهتمام بها وإقناعهم بحقيقة حاجتهم الفعلية لاقتنائها.

الجدول الرقم (2)

توزيع عيِّنة الدراسة بحسب فئة نوع المنتوج

سلع غدائيةأجهزة كهرومنزليةأدوات تجميلمنظفاتالمجموع
التكرار811صفر10
النسبة المئوية801010صفر100

 

ب ـ الشخصيات التي يظهر معها الطفل في الرسالة الإشهارية

الجدول الرقم (3)

توزيع عيِّنة الدراسة حسب الشخصيات التي يظهر معها الطفل في الرسالة الإشهارية

التكرارالنسبة المئوية
طفل لوحده2942.04
طفل مع أمه2130.43
طفل مع أبيه913.04
طفل مع أبيه وأمه وأخوته811.95
طفل مع جدته22.89
طفل مع المشاهيرصفرصفر
المجموع69100

 

بينت نتائج الجدول الرقم (3) أن ظهور الطفل لوحده في المشاهد الإشهارية احتل الصدارة بنسبة 42.04 بالمئة، أما ظهور الطفل مع أمه فقد سجل نسبة ـ نوعاً ما كبيرة ـ تقدر بـ 30.04 بالمئة مقارنة بباقي النسب؛ حيث نجد أن ظهور الطفل برفقة أبيه سجل نسبة 13.04 بالمئة، أما مع أسرته فكانت النسبة 11.59 بالمئة، وفي ما يخص ظهور الطفل مع جدته فقد سجل نسبة 2.89 بالمئة، وهي نسبة تستدعي الوقوف عندها، أما مع المشاهير فلم يظهر في أي إشهار.

تدلنا نتائج هذا الجدول على نوعية الفاعلين (Les Types des acteures) الأكثر ظهوراً في الإشهار، إضافة إلى مقارنة حضور مختلف هؤلاء الفاعلين حسب نوعية المنتوج المقترح في الإشهار والجمهور المستهدف منه.

حسب هذه النسبة 42.04 بالمئة فإن الطفل هو الأكثر ظهوراً، بالرغم من أن المنتوجات المقترحة في أغلبها موجهة إلى الاستهلاك العائلي مثلاً: إشهار سخان إنييم، إشهار ماء حياة، إشهار رويبة.

تحمل هذه الملاحظة في طياتها تفسيرات منطقية، بمعنى أن: «تقمُّص الأطفال المشاهدين يكون أكثر قوة بحضور أطفال مثلهم في المشاهد الإشهارية، وبإمكانهم أيضاً تخيُّل أنفسهم مع أسرهم يعيشون نفس الأحداث المقترحة من طرف الإشهار» (Breliere, 2008: 75). وقد ربط بعض الباحثين بين ظهور الطفل في الإشهار واستثارة عاطفة الأمومة أو الأبوة بعد أن تحول الطفل المشاهد إلى مستهلك يشكل عامل ضغط كبير على والديه» (جعفر، 1991: 115)، وهو الاتجاه عينه الذي ذهب إليه رونان شاستليير (Ronan Chastellier) في كتابه (Le Marketing jeune) حيث قدم الباحث «الطفل على أنه واصف يملك سلطة القرار وهي في زيادة مستمرة داخل الأسرة» (Chastellier, 2003: 58). ومن جهة جويل بْري (Joel Bree) فهو يتحدث أيضاً عن أهمية الأطفال في القرارات العائلية الاستهلاكية بقوله: «كلما كان الأولياء لا يملكون تفضيلاً لعلامة أو منتوج، فإن رأي الطفل يصبح محدداً فاصلاً في اتخاذ القرار فالأطفال لهم تأثير مباشر أو غير مباشر بنسبة 43 بالمئة في المنتوجات العائلية» (Bree, 1993: 112).

إذاً، يفكر مصممو الإشهار في استهداف الطفل المشاهد الذي يتقمص بسهولة شخصية الطفل الفاعل قبل أن يكون واصفاً أمام والديه، لكن يجب لفت الانتباه إلى أن ظهور الأطفال مع سلع ومنتوجات تخصهم يعتبر أمراً مقبولاً ومنطقياً، وهو ما يسمى بالاستخدام الموظف المبرر، إلا أنه من غير المنطقي استخدام الأطفال في إشهارات السلع والخدمات، حيث أظهرت دراسة سامي محمد ربيع الشريف: «أن ظهور الأطفال مع سلع لا تخصهم بشكل مباشر بلغت نسبتها 62 بالمئة من جملة الإشهارات التي ظهر فيها الأطفال» (الشريف، 1414هـ/1994م: 217).

من جملة الشركاء الذين ظهروا في الإشهارات عيِّنة الدراسة نجد الأم بنسبة 30.44 بالمئة حيث ظهرت إلى جانب الطفل في إشهار نستلة بنسبة 58.33 بالمئة وفي إشهار عصير رويبة بنسبة 50 بالمئة، أما إشهار حليب دانو، فقد سجل حضورها نسبة 36.37 بالمئة. وهذا يفسر إرادة جعل المنتوج أكثر تصديقاً في عين الجمهور ككل. ففي الخيال الجمعي، الأم هي رمز لحماية الطفل، إذاً هي تبحث دائماً على إعطائه الأحسن، أما الأب الذي ظهر بنسبة 13.04 بالمئة فهو يرمز أكثر إلى السلطة، حتى وإن ظهر في الإشهارات عيِّنة الدراسة بعيداً من سلطته في اتخاذ القرار. هذا ما يجعلنا نتكلم على التمثلات التي تقدمها الإشهارات والتي تختلف عن الأفكار الموجودة في ذهنية الأفراد.

إن أغلب الإشهارات عيِّنة الدراسة التي تقدم منتوجات غذائية تفضل وجود الطفل في المشاهد بالشراكة مع أفراد العائلة (أب، أم، إخوة…)، هذا ما يظهر في إشهار نسكافة، إذ يظهر الطفل برفقة أسرته بنسبة 100 بالمئة إلا أن النسبة المسجلة صغيرة نسبياً وذلك راجع إلى استعمال المشهد العائلي بشكل قوي في لقطة عامة للدلالة على السعادة والفرح ثم ينتقل المصمم إلى التركيز على الطفل وباقي الشخصيات، إلا أن ما تراه الباحثة لافت للانتباه هو أيضاً غياب الجد والجدة كفردين أساسين في تكوين الأسرة وهذا ما يكرس فكرة الأسرة النووية، وهو ما يفسر ظهور الجدة إلى جانب الطفل بنسبة 2.89 بالمئة كما أن سمات الجدة اختلفت عما كان سابقا ففي إشهار حليب دانو على سبيل المثال: نجد ـ في أحد المشاهد ـ الأسرة بكاملها ثم بعدها يظهر الأطفال مع جدتهم، هذه الأخيرة لم تقدم بالشكل التقليدي للجدة في المخيِّلة الجزائرية الكبيرة في السن وقليلة الحركة، إنما على النقيض من ذلك فقد قدمت على أساس أنها ديناميكية تقفز مع الأحفاد فرحاً بالحليب.

أما في ظهور المشاهير إلى جانب الطفل فلم نجد الأسرة في أي إشهار لأن هذا الاختيار لا يناسب هذه الأنواع من المنتوجات.

رابعاً: أنماط الاتصال الأُسري
المقدَّمة في الرسالة الإشهارية

الجدول الرقم (4)

توزيع عيِّنة الدراسة بحسب أنماط الاتصال المقدَّمة في الرسالة الإشهارية

نمط الأسرة الاستشاريةنمط أسرة الحمايةنمط الأسرة دعه يفعلنمط الأسرة التعدديةالمجموع
التكرار14136437
النسبة المئوية37.8435.1316.2110.82100

 

إن استعمال الإشهار لنموذج أسرة من خلال تصوير السلوك الواقعي لها في مواقف حقيقية أو وهمية للتعريف بالمنتوج، بإمكانه أن يعطينا نموذجاً أيضاً عن العلاقات التي تُبنى انطلاقاً من أنماط الاتصال الممارَسة داخل هذه الأسرة. هذا ما عكسته نتائج الجدول الرقم (4) حيث احتل الصدارة نمط الأسرة الاستشارية بنسبة 37.84 بالمئة، ثم تلاه نمط أسرة الحماية بنسبة 35.13 بالمئة. وهما نسبتان متقاربتان نوعاً ما. ففي النمط الأول، نجد أن عملية الاتصال والمناقشة والتعبير تعتبر مهمة، لكن في الإطار الذي يحقق التوافق بين الأطفال والآباء، كما أن سلطة القرار تظل بيد الأولياء. وقد ظهر هذا النمط في إشهارات ستارت، وغولغايت، وعصير داناو، وحليب دانو إذ ترجمت في أكثر من مؤشر، لنعيش الحوار بين الأب والطفل في إشهار غولغايت مثلاً والأخذ بعين الاعتبار لرأي الطفل حول المنتوج في كل من إشهارات عصير داناو، وبسكويت ستارت، وغولغايت، وحليب دانو. وفي الأخير نجد أن الأب والأم هما من يقرر عملية شراء المنتوج في كل هذه الإشهارات المذكورة. هذا النموذج يقارب الشكل الجديد لبعض الأسر الجزائرية، التي تتميز اليوم بوجود نقاش أكبر من ذي قبل واستماع ذي أهمية لآراء الأطفال. لكن تبقى سلطة الأب فوق الجميع. إن استعمال هذا النمط يعتبر في لغة الإشهار مفتاحاً يحاكي من خلاله المصممون لغة الطفل اليومية، فهو يتعرف بسهولة إلى هذه الشخصيات، كما أنه يقلد ويفهم رغبات الكبار بحثاً منه عن الانتماء وتوطيد العلاقات لكي لا يكون مختلفاً عنهم، فهو يختلط ويذوب بشكل كبير معهم، أما في ما يخص عملية استهلاكه للمنتوجات فهو يحاكي ما يقدمه الإشهار لأنه يقوم بإسقاط ذلك على اختياراته.

سجل هذا النموذج نسبة مقاربة لتلك التي سجلها نموذج نمط أسرة الحماية، الذي تميل فيه الأسرة إلى إعطاء أهمية كبيرة لتوافق الطفل مع باقي أفراد الأسرة، بينما تقلل من أهمية العملية الاتصالية على أساس أن الوالدين يعرفان متطلبات أطفالهما وهما أكثر حرصاً على راحتهم. ظهر هذا النمط في كل من إشهار سخان إنييم وإشهار عصير رويبة، وإشهار حليب نستلة.

«إن تقديم مثل هذا النمط الاتصالي في النموذج الأسري المستخدم في الإشهارات من شأنه أن يخلق نوعاً من الاتكالية لدى الأطفال وضعفاً في شخصياتهم، وخاصة أن الرسائل الإشهارية تقدم ذلك في سيناريو يبيّن أفراد الأسرة، في الظروف العادية والحميمية المتعددة في المواقف الحياتية الكثيرة والمختلفة داخل الأسرة، هذا الأمر من شأنه أن يمكن أنماط الاتصال السائدة على تثبيت كل فرد في الوضعية والمكانة التي صاغتها له علاقته بكل عنصر من عناصر النظام الأسري» (Cecile, 2006).

هناك من الباحثين من أرجع وجود مثل هذا النمط الاتصالي لأسباب كثيرة في أغلبها نجدها تقترب من تلك المعطيات الموجودة في المجتمع الجزائري وهي:

1 ـ تغيير الاعتبارات التربوية بفعل تغير وضع الطفل في المجتمع، وكان ذلك ناجماً عن تطور أنماط الحياة (الثقافية الاستهلاكية) وتقلص الأسرة إلى أسرة نووية.

2 ـ تغير دور الأولياء فلم يعد يتمحور حول تهذيب الطفل وتحضيره من خلال تكوينه طبقاً للقوالب الاجتماعية السائدة بل أصبح دورهم هو تأمين «ازدهاره» الشخصي.

3 ـ اتساع دائرة الدخل فالأم تعمل والأب يعمل، إضافة إلى الزواج المتأخر الذي يجعل الأولياء يدللون أطفالهم، ويحاولون حمايتهم بكل الطرق حتى ولو كان ذلك على حساب كل ما يملكون.

إن استفادة الإشهار من استعمال نموذج الأسرة لتقديم المنتوجات ضمن هذا النمط جعل من مصممي الإشهارات يعملون على تقديم كل المنتوجات التي تضم كل المواد التي تضمن الراحة والحماية للطفل، بحيث تحمل مفعولاً سحرياً وتخلِّص من الأوجاع والآلام في لحظات معدودة.

في الواقع تتم معالجة موضوع الحماية بصفة لبقة وإيجابية من خلال فكرة المساعدة على النمو. أما النمطان الأخيران (نمط أسرة دعه يفعل ونمط الأسرة التعددية)، فقد سجل الأول نسبة 16.25 بالمئة، والثاني نسبة 10.82 بالمئة. فبالرغم من أن النسبتين صغيرتان مقارنة بالنسبتين المسجلتين لنمط الأسرة الاستشارية ونمط أسرة الحماية، إلا أن هاتين النسبتين لافتتان للانتباه، فكلاهما يعتبر مرادفاً لتزايد استقلالية الطفل وتقلص سلطة الأولياء، فالطفل هو المقرر لعملية الاستهلاك والشراء «كما أن في هذين النمطين يتم تقديم الأطفال وهم يقدمون النصائح لآبائهم وأمهاتهم أو تقديم الأطفال في نفس مستوى الأولياء، وفي أحيان كثيرة يعرفون أكثر منهم»  (Jullien, 2007: 42). وهذا ما نجده مثلاً في إشهار ماء حياة الذي يمثل نمط أسرة «دعه يفعل»، وهذا النمط مغاير لما يميز المجتمع الجزائري من أعراف وممارسات في ما يخص نمط الاتصال الأسري. حيث تستمد الأسرة الجزائرية ثقافتها في تربية الأطفال والتعامل معهم من المعتقد الديني والموروث الاجتماعي للمجتمع الجزائري، لكن الحضور اليومي والمتكرر لمثل هذه الرسائل الإشهارية بإمكانها أن تساعد على تغيير أنماط الاتصال الأسري، ولا سيما أن المجتمع الجزائري يعيش تحولات كبيرة تحاكي تلك التي يعرفها العالم ككل. إن هذا النوع من الإشهارات يستفيد من كل العناصر والمتناقضات الموجودة في نمط أسرة دعه يفعل، ليقدم منتوجات يمكن القول عنها إنها تخترق أو تتجاوز عالم الكبار.

أما نمط الأسرة التعددية فقد ظهر بنسبة 10.82 بالمئة (الجدول الرقم 4) ومثل من خلال إشهار جبنة البقرة الضاحكة. فبالرغم من أهمية الحوار وتشجيع الطفل على التعلم من خلال تجربته الاستهلاكية، وكذا ارتفاع الأصوات التي تنادي بحق الطفل وحريته إلا أن نتائج تحليل عيِّنة الدراسة بينت الاستعمال الكبير لنمط الأسرة الاستشارية بدلاً من التعددية.

بصفة عامة فإن تقديم مثل هذه النماذج في الرسائل الإشهارية من شأنه أن يؤثر في أنماط الاتصال داخل الأسرة، وفي الوقت نفسه فهو يعتبر أسلوباً تجارياً مجنداً لدى مصممي الإشهارات لترويج المنتوجات الغذائية ذات الاستهلاك العائلي، حيث يكون الطفل في مركز الاستهداف، ما يجعله يطور تفضيلاته الاستهلاكية طبقاً للنموذج الأسري المقدم في هذه الإشهارات وهذا ما أكدته نتائج دراسة تشارلز أتكين.

خامساً: أسلوب تقديم أنماط الاتصال الأسري في الرسالة الإشهارية

بالطريقة عينها التي قمنا من خلالها بتحليل العلاقة بين الفاعلين في المشاهد الإشهارية والجمهور (العلاقة التي تبنيها الصورة من خلال عناصرها مع الجمهور)، فإن هذا الجدول يهدف إلى دراسة العلاقة الموجودة بين الفاعلين والمنتوج، حيث إن عملية كتابة سيناريو الإشهار التي تعتمد على أنماط الاتصال الأسري لإظهار المنتوج تركز مجهوداتها على المنتوج مع الفاعلين المروّجين.

الجدول الرقم (5)

توزيع عيِّنة الدراسة حسب الأسلوب المستخدم لتقديم أنماط الاتصال الأسري

التكرارالنسبة المئوية
أسلوب يركز على العلاقات الأسرية السعيدة من خلال استهلاك المنتوج633.34
أسلوب يركز على الحوار حول خصائص المنتوج من طرف أفراد الأسرة422.22
أسلوب يؤكد معرفة الأم وحبها لأفراد الأسرة422.22
أسلوب يوضح روح الشباب واللهو والمرح في الأسرة211.12
أسلوب يوضح الحياة العصرية السهلة15.55
أسلوب يقدم الطفل الذكي الذي يملك الحل15.55
المجموع18100

 

في هذا الصدد طورت فرانسوا مينوت (Françoise Minot) في كتابها (Quand l’image se fait publicitaire) ثلاث طرائق للتمثيل الأيقوني للمنتوج في الإشهار التلفزيوني:

1 ـ العرض الذاتي (L’auto Exposition) والذي يتماشى مع عرض المنتوج من دون شروحات حول خصائصه، فالمنتوج هو العنصر الأيقوني الوحيد في العرض الإشهاري.

2 ـ الإظهار من خلال الإيحاء والذي يتماشى مع الصور الإشهارية، التي تنحرف بصرياً لتغوص في تفصيل بعض المؤشرات البديهية الخاصة بالمنتوج منها مثل ترشيد الاستعمال والفوائد الناتجة من الاستعمال.

3 ـ يتعلق هذا العنصر بالتمثيل القائم على أساس تقديم المنتوج كمركز للفعل وللنشاط العلائقي (Minot, 2013: 10).

سمحت الدراسة التحليلية لنا بملاحظة أن الطريقة الأخيرة أي «تمثيل المنتوج كمركز للفعل والنشاط العلائقي» هي الأكثر ظهوراً في عيِّنة الإشهارات المدروسة، وذلك من خلال ظهور نسبة 33.34 بالمئة للأسلوب الذي يركز على العلاقات الأسرية السعيدة التي تصاحب استهلاك المنتوج، إضافة إلى نسبة 22.22 بالمئة المسجلة لكل من أسلوب يؤكد معرفة الأم الواسعة وحبها لأفراد الأسرة، والأسلوب الذي يقدم الطفل الذي يملك الحل. إذاً هذه الفئات تدخل ضمن إطار خلق علاقات بين الفاعلين في المشاهد الإشهارية وذلك بفضل المنتوج، حيث إن هذه العلاقات مصاحبة له. فالفعل الاستهلاكي أو النشاط العلائقي متمحور حول المنتوج، وهذا ما نلاحظه مثلاً في إشهار بسكويت ستارت، إشهار عصير دانو، إشهار حليب نستلة.

فالنشاط الممارس من طرف الفاعلين مقرونٌ بالمرح والسعادة الأسرية التي تبعث بعض القيم مثل: التفاهم، العلاقات الطيبة، السعادة؛ لتنطبع في ذهن الطفل كصورة مسقطة على المنتوج أو العلامة المبنية في الإشهار (سيد رضا، والعوادلي، 2008: 68 ـ 69). هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا نلاحظ في هذه الإشهارات السابقة الكثير من الأمهات مع أطفالهن، ضمن مخططات تصويرية متتابعة منطقياً، حيث كل لقطة تبين انتباهاً خاصاً للأم نحو أطفالها. فالرسالة غير المباشرة في هذه الإشهارات هي أن الأمهات دائماً حاضرات إلى جانب أطفالهن، وبهذا فهاته المنتوجات (ستارت، عصير داناو، حليب نستلة، حليب دانو)، ترغب في تمرير قيمة الحضور والأمن والحماية، التي تضعها مسبقاً في أنماط اتصال الفاعلين لتجعلها محور اتصال بين المنتوج والمشاهد. كما أن التميز في العلاقات الذي يقدمه المنتوج للطفل الذكي هو رسالة في حد ذاتها تميز نوعياً عملية الاتصال التي يحققها المنتوج من خلال فتحه المجال لقيمة التميُّز وتغيير توزيع السلطة داخل الأسرة، بشكل يختلف عمّا نعيشه في أغلب الأُسر الجزائرية، بالرغم من بروز تفكير ديمقراطي وحماية زائدة كشكلين من أشكال الاتصال مع الأطفال.

إن نتائج الجدول الرقم (5) تظهر أيضاً أن التصنيف الثاني الذي قدمته فرانسوا مينوت سجل ظهوره في العيِّنة محل الدراسة من خلال نسبة 11.12 بالمئة الخاصة بأسلوب يركز على اللهو والمرح في الأسرة الناتجَين من استعمال المنتوج، إضافة إلى نسبة 5.55 بالمئة لأسلوب يوضح الحياة العصرية السهلة التي يوفرها استهلاك المنتوج. هنا نلمس من خلال هذه المشاهد الإشهارية الإشباعات التي يحققها استعمال المنتوج، زيادة على هاتين النسبتين تضاف إليهما نسبة 5.55 بالمئة الخاصة بالأسلوب الذي يركز على الحوار حول خصائص المنتوج من طرف أفراد الأسرة، التي تظهر بشكل جلي في إشهار غولغايت، وهي نسبة تضاف إلى النسبتين السابقتين 11.12 بالمئة و5.55 بالمئة، لأنها تندرج ضمن التصنيف الثاني، حيث تم شرح كيفية الاستعمال والخصائص.

بهذه النتائج نجد أن الفئة الأولى ضمن تصنيف فرانسوا مينوت غائبة عن عيِّنة الدراسة.

خاتمة

كشفت هذه الدراسة عن جملة من النتائج، التي اعتبرتها الباحثة مسارات موجهة لأبحاث أخرى خاصة مع المعطيات التي تميز الساحة الإعلامية في الجزائر، وما يقابلها من غياب لهياكل رقابية لها كفاءة مهنية وقوانين واضحة تنظم حقيقةً وفعلياً العملية الإشهارية عامة والمتعلقة بالأطفال خاصة. لكي نحمي أطفالنا ونضمن مستقبل مجتمعنا فننتج أفراداً منتجين لا مستهلكين، ونجعل من أطفالنا يملكون التجربة الكافية التي تسمح لهم بالتعامل مع الرسائل الإشهارية، لكي يتحمل الكبار مسؤولياتهم اتجاه أطفالهم فلا يقعون في دائرة التذمر من ميولاتهم المادية أو يستسلمون لطلباتهم الكثيرة. فالحوار والنقاش، حتى وإن كان الطفل صغيراً، يسمحان له بفهم الأشياء وتعلُّم الاستماع وثقافة الحوار، إلى جانب أن عملية التنشئة في هذه السن مهمة، بإمكانها أن تطبع حياته فيما بعد. لذلك يجب أن نعلِّم أطفالنا كيف يشاهدون الإشهار لنحقق مقولة «دعْه يدرك لكي يكبر» وليس «دعْه يكبر فسوف يدرك».