ساهم قيام دولة «إسرائيل» عام 1948 في السباق على التسلح، وعدم استقرار منطقة الشرق الأوسط. وتفوقت عسكرياً على مجمل ما تمتلكه الدول العربية من جيوش وأسلحة، ليس من خلال انفرادها امتلاك أحدث الأسلحة بما فيها النووية فقط، بل بما تنفقه سنوياً من ميزانيات ضخمة لشراء الأسلحة وما تحصل عليه من حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية التي وافقت على تسليمها مقاتلات F35 لتصبح أول دولة في المنطقة تمتلك هذه المقاتلات التي يطلق عليها مقاتلات الشبح الجديدة، وتحافظ على استمرار تفوقها العسكري على مجمل ما تملكه الجيوش العربية. ودعمت فرنسا المشروع النووي الإسرائيلي منذ عام 1952، لكي تكون الدولة الأولى في المنطقة تمتلك السلاح النووي. وهذا الأمر، جعل الجيش الإسرائيلي خامس أقوى جيش في العالم، والأول في الشرق الوسط. واعترف الجنرال أمير أيشل خلال حفل تسلمه منصب قائد سلاح الجو الإسرائيلي في 11/5/2012، بأن قوات سلاح الجو الإسرائيلي لا تعمل فقط في سماء إسرائيل والشرق الأوسط بل في كل أنحاء العالم. وأظهرت وسائل الإعلام الإسرائيلية الجنرال أمير على أنه القائد «الذي قد يتولى قيادة الهجوم على إيران، في إطار منعها من التسلح النووي». وأكد إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الوزراء الأسبق في نفس الحفل، أن سلاح الجو «هو الذراع الأساسية لإسرائيل ورأس الزاوية في معركة الردع التي تخوضها ضد أعدائها». وشبَّه قوة إسرائيل العسكرية بالطائرات الحديثة المقاتلة، «سريعة ودقيقة وكاسحة، تخترق جدار الصوت رمزاً لاختراق الطبيعة»، وأن إسرائيل تمتلك أفضل سلاح جو في العالم، الذي «يعمل في كل يوم وفي كل دقيقة، طيلة 365 يوماً في السنة من دون توقف، لخدمة مصالح إسرائيل الأمنية»‏ .
وفي المقابل، عارضت إسرائيل بشدة حصول الدول العربية مجتمعة على نصف ما تملكه من المعدات والقدرات العسكرية. وهي لا تريد أن تمتلك أي دولة عربية القدرات النووية التي تؤهلها للحصول على الأسلحة النووية، لكي تحافظ على تفوقها العسكري الدائم على الدول العربية. إلا أنه في ضوء حصولها على القنابل النووية، أعيد الحديث من جديد عن موقف الدول العربية أمام الخيار النووي الإسرائيلي، وبخاصة مع احتمال حصول إيران على الأسلحة النووية، وهو ما أدى إلى التنافس النووي بين الدول وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وأثرت تحولات الربيع العربي في البلدان العربية، التي تعيش حالة من عدم التوازن والاستقرار. وأضعفت النظام الرسمي العربي، الأمر الذي أدى إلى كشف التناقض بين متطلبات قطرية عاجزة الدول العربية عن تحقيقها، ورغبات قومية لا تستطيع تنفيذها. ولم يعد النظام الرسمي العربي قادراً على تحديد من هو العدو المشترك الذي يمثل وجوده خطراً على الأمن القومي العربي الشامل، وبالتالي على استقرار وأمن الدولة القطرية.

أولاً: قوة إسرائيل العسكرية

بنت إسرائيل استراتيجيتها العسكرية على أساس أنها مهددة من جيرانها، وهذا يتطلب استمرار تفوقها العسكري على الدول العربية. ونشأ الجيش الإسرائيلي قبل قيام الدولة، فجعلها تأخذ طابع المؤسسة العسكرية التي تتطور يوماً بعد يوم، انطلاقاً من التنظيمات الإرهابية التي شكلت نواة الجيش الإسرائيلي فيما بعد، والتي كانت موجودة قبل قيام الدولة بزمن طويل. وبدأت الدولة منذ إعلان قيامها بإعداد نفسها للبقاء ولمواجهة الجيوش العربية، وعززت ذلك بانتصارها على ما سمي الجيوش العربية السبعة عام 1948، وعلى الدول العربية الثلاث في حرب حزيران/يونيو 1967. وهذا دفعها إلى أن تعد جيشها ليكون أقوى جيوش المنطقة. وعملت منذ بداية وجودها على إتمام مشروعها النووي وتطوير رؤوس حربية غير تقليدية على صواريخ بعيدة المدى.
وباستعراض ما يملكه الجيش الإسرائيلي من أسلحة ومعدات وجنود ودعم خارجي، تظهر تفوُّق الجيش الإسرائيلي على الجيوش العربية مجتمعة، بما لديه من جيش نظامي، ومن قوات احتياطية تضم جميع الذين تركوا الجيش النظامي، حتى سن الخمسين‏ .
يتكون الجيش الإسرائيلي النظامي حسب إحصاءات 2017، من 718 ألف جندي، منهم 550 ألفاً من قوات الاحتياط. موزعة على 3 فرق مدرعة تضم كل منها لواءين مدرعين ولواء مدفعية يضاف إليها لواء مدرع ولواء مشاة ميكانيكي عند التعبئة العامة، عدا عن 4 ألوية مشاة ميكانيكية تتضمن لواءً مدرباً على عمليات المظليين و3 كتائب مدفعية ثقيلة. وتشمل الألوية المدرعة الهيكل التنظيمي الأساسـي للتشكيلات المدرعة، ويتألف اللواء المدرع الإسرائيلي من 3 كتائب دبابات، كل كتيبة تحتوي على 26 دبابة، وكتيبة مشاة ميكانيكية وكتيبة مدفعية ذاتية الحركة. وتضم الألوية الـ 26 من سلاح المدرعات في حالة اكتمالها 3950 دبابة. أما المشاة الميكانيكية فتتألف من 7800 ناقلة جنود مدرعة من مختلف الأنواع. وتملك إسرائيل ضمن عتاد القوات البرية 1650 مدفع ميدان من بينها 1360 مدفع هاوتزر ذاتي الحركة والباقي هاوتزر مجرور. أما في ما يخص الصواريخ المضادة للصواريخ فان إسرائيل تقوم منذ عام 1992 بتطوير صاروخ أطلق عليه اسم آرو أو حيتس وهما كلمتان تعنيان السهم بالإنكليزية والعبرية. وحسب التلفزيون الإسرائيلي فقد قامت إسرائيل بتجربة هذا الصاروخ بنجاح عام 1999‏ . وهو الصاروخ الذي أطلقته على سورية في منتصف عام 2018.
وفي ما يتعلق بسلاح الجو الإسرائيلي (الذراع الطويلة) فيشكل العنصر الأكثر فاعلية في الجيش الإسرائيلي، حيث أثبت فاعليته على الأخص في حربي 1967 و1982، وشنّه عام 1981 غارة دمرت المفاعل النووي العراقي بالقرب من بغداد. لذلك فإن سلاح الجو له الأولوية في ميزانية جيش الدفاع لما يمثله من أهمية في عقيدة إسرائيل الهجومية، إذ تسعى دائماً إلى تحقيق التفوق النوعي عدا عن قيامها بتحديث هذا السلاح بصورة متواصلة اقتناعاً منها بأنه آمَن الأسلحة لأداء المهمات. ورغم التقليصات في ميزانية الجيش الإسرائيلي فإن القوات الجوية ما زالت تحصل على نصيب الأسد من هذه الميزانية، إذ أنفقت إسرائيل على تحديث سلاح الجو في التسعينيات من القرن الماضي فقط عشرة مليارات دولار. وبلغ حجم سلاح الجو الإسرائيلي من طائرات ومقاتلات وقاذفات 1400 طائرة منها 72 طائرة (F 15) و25 طائرة (سترايك (F 15) وكذلك 55 طائرة (فانتوم 2000) عدا عن 120 مقاتلة متعددة المهام و120 طائرة قاذفة هجومية (سكاي هوك أ – 4) وعشـر طائرات استطلاعية (F4) بما في ذلك طائرات احتياطية. وتمتلك إسرائيل 114 طائرة هليوكبتر مقاتلة منها 40 طائرة أباتشي، 39 طائرة ديفندر. ويصل عدد الطائرات المساندة إلى 155 طائرة منها 40 طائرة سيكورسكي ثقيل و15 طائرة بلاك هوك متوسطة بالإضافة إلى 35 طائرة من نوع (بل 212) متوسطة، وكذلك 50 طائرة (بل 206) خفيفة كما أن لدى سلاح الجو 20 طائرة (دولفين) خفيفة بعضها يعمل مع البحرية‏ .
وفي مجال الحرب الإلكترونية يمتلك هذا السلاح 38 طائرة مخصصة للحرب الإلكترونية منها 4 طائرات للرصد والإنذار المبكر والقيادة والسيطرة وطائرتي رصد وإنذار وإدارة عمليات. ويبلغ عدد أفراد سلاح الجو الإسرائيلي النظاميين 32500 جندي أما عدد قوات الاحتياط في هذا السلاح فتبلغ 54 ألف جندي، وبذلك يصبح العدد الكامل لهذا السلاح عند التعبئة النهائية 86500 جندي.
تتكون القوات البحرية الإسرائيلية من 6 – 7 آلاف فرد من ضمنهم 2 – 3 آلاف مجند، ويرتفع هذا العدد إلى 10 – 12 ألف مجند في حالة التعبئة العامة، وتتواجد القوات البحرية الرئيسية وقواعدها في مدن حيفا – أسدود – إيلات، كما توجد قوة كوماندوس مؤلفة من 300 جندي من الضفادع البشرية يتلقون تدريباً لا يقل عن 20 شهراً‏.

ثانياً: القدرات النووية الإسرائيلية

اهتمت إسرائيل بالتميز في قوتها العسكرية منذ قيامها، من خلال امتلاك القدرات النووية العسكرية. وكان دايفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل مقتنعاً بضرورة امتلاك السلاح النووي. وبعد قيام إسرائيل بثلاثة أشهر، أنشأت مؤسسة الطاقة الذرية الإسرائيلية في 15 آب/أغسطس 1948. وضمت المؤسسة علماء الذرة الإسرائيليين ومن ضمنهم علماء بارزون من أصل فرنسي. وفي عام 1952 وقعت إسرائيل اتفاقاً مع فرنسا في مجال الأبحاث النووية، كما عقدت اتفاقاً آخر مع الولايات المتحدة عام 1955 ضمن ما يعرف بمشروع آيزنهاور «الذرة من أجل السلام». وقد حصلت إسرائيل مقابل هذا الاتفاق على مفاعل نووي عام 1960 عرف بمفاعل (ناحال سوريف)، كما تم إنشاء مفاعل أمريكي آخر في معهد التخنيون في حيفا بطاقة 5 ميغـاوات. لكن الاتفاق الأشد خطورة كان ذلك الاتفاق السري الذي عقد بين فرنسا وإسرائيل حيث أنشأت إسرائيل بموجبه مفاعل ديمونا بطاقة 4 ميغاوات، وقد تم توقيع هذا الاتفاق عام 1957. وعند قيام حرب 1973 كانت إسرائيل تمتلك نحو 25 رأساً نووياً. وبالفعل بدأت تعده للاستخدام يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أن وجدت أنها على وشك الانهيار. فقد خسرت في الأيام الثلاثة الأولى من الهجوم المصري نحو 500 دبابة و49 طائرة وانهار خط بارليف أمام الهجوم المصري وعبر الجيشان الثاني والثالث بكامل أسلحتهم إلى الضفة الشرقية، وفشل الهجوم المضاد الأول للإسرائيليين في صد الهجوم المصري.
تم توسيع طاقة مفاعل ديمونا إلى 70 ميغاوات، بحسب المعلومات التي قدمها المهندس الإسرائيلي موردخاي فعنونو الهارب لصحيفة الصاندي تايمز في عام 1976. وأشار إلى أن إسرائيل أنتجت 200 قنبلة نووية عيار20 كيلو طن، وأن طاقة مفاعل ديمونا قد زيدت إلى 150 ميغاوات عام 1976. وموردخاي فعنونو، الذي عمل في مفاعل ديمونا لمدة 8 سنوات، استطاع خلالها أن يجمع معلومات كبيرة عن تصنيع الأسلحة النووية، واختُطف من قبل عملاء الموساد من إيطاليا وجلبوه إلى إسرائيل وحاكموه وأبقوه في السجن 18 عاماً. وهو يعيش حالياً في القدس الشرقية وسط ظروف قاسية، لا يستطيع مغادرة الإقامة الجبرية ولا فلسطين، ويحظر عليه الحديث إلى الصحافة. وكشف موردخاي أن إسرائيل كانت تمتلك 200 سلاح نووي مختلف في السبعينيات، وأن كل قنبلة نووية إسرائيلية تحتوي على 4 كيلوغرامات من البلوتونيوم، وقدرتها التدميرية تقدر بـ 130 – 260 كيلوطن، أي نحو 20 مرة أضخم من قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما بعد الحرب العالمية الثانية. وأنها طورت صاروخاً خاصاً («يريحو»، أي أريحا بالعبرية) بمقدوره أن يحمل رؤوساً نووية ويصل مداه حتى 7800 كم‏ .
وأكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في التقرير الذي نشره عام 1995، امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، وأنها تقوم بإنتاج وتطوير الأسلحة النووية لأغراض عسكرية. وقدر التقرير، حينها، أن مخزون إسرائيل من البلوتونيوم الصالح لأغراض عسكرية يقدر بنحو 440 كغ. ولعل في تلك الأرقام دلالة واضحة على أن إسرائيل كانت مستمرة في تطوير برنامجها النووي حتى في ظل تفوقها النووي في المنطقة، وفي ظل التغيرات في المنطقة ومنها طرح الدول العربية أمام إسرائيل من خيارات للسلام في المنطقة‏ .
وحافظ البرنامج النووي الإسرائيلي على تفاصيل سريته ومجالات تعاونه مع دول عديدة وبخاصة مع فرنسا. وجرى التكتم على تفاصيل تجاربه ومواقع تنفيذها في مناطق عديدة من العالم، ومنها الصحراء الجزائرية، رغم بعض التسريبات التي نشرها الإعلام العالمي عنه هنا وهناك، وما عرف عنه من خلال بعض الإشارات التي وردت في تقارير العديد من الاستخبارات العالمية ومنها الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) نفسها.
كما نشر الصحافي سيمور هيرش كتاب خيار شمشون، الذي كشف فيه أسرار وخفايا الترسانة النووية الإسرائيلية، وأكد امتلاكها للقنابل النووية. من دون أن تستطيع إسرائيل أن تنفي ما جاء فيه من معلومات‏ .
من جهة ثانية، تعد مرحلة التسعينيات، أي بعد بدء التسوية السياسية في مؤتمر مدريد عام 1991، هي الأكثر أهمية في زيادة الإنفاق العسكري الإسرائيلي، وهي تعكس مدى الرؤى الإسرائيلية الحقيقية لصراعها مع الدول العربية وكيف أن الجانب العسكري يمثل الجانب الأول في اهتمامات إسرائيل بالرغم من وجود عملية سلام مع العرب. يبين الجدول الرقم (1) الإنفاق العسكري الإسرائيلي في التسعينيات.
الجدول الرقم (1)
الإنفاق العسكري الإسرائيلي في التسعينيات بعد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط

يلاحظ من الجدول الرقم (1) أن موازنة الدفاع الإسرائيلية لعام 2000 بلغت 7 مليارات دولار بزيادة قدرها 3 مليارات دولار عن عام 1990. كما أن الإنفاق العسكري في إسرائيل يتصف عادة بالتركيز على التكنولوجيا والمعدات ويقلل الإنفاق نسبياً على الأفراد والأجور (50 – 65 بالمئة من الموازنة لشراء الأسلحة من الداخل والخارج والباقي للإنفاق على القوة البشرية)‏ .
تضاعف الإنفاق العسكري الإسرائيلي في عام 2017 ليصل إلى 55 مليار شيكل (15 مليار دولار)، بينما بلغت الموازنة العسكرية لسنة 2011 ما مجموعه 54.25 مليار شيكل (14.6 مليار دولار). أما نسبة الموازنة العسكرية من الناتج المحلي بالشيكل سنة 2003 فبلغت 8.2 بالمئة، بينما بلغت 7 بالمئة في سنة 2010. علماً أن العبء العسكري على الموارد هو في تراجع على الرغم من الارتفاع الكبير في الرقم المطلق للموازنة العسكرية. وفي المقابل بلغت نسبة الموازنة العسكرية من الناتج المحلي، بالمليون دولار، سنة 2003، 8.6 بالمئة، أما في سنة 2010 فبلغت 6.7 بالمئة، أي أنه نفس اتجاه انخفاض الوزن النسبي للعبء العسكري‏.

ثالثاً: التسلح العربي للرد على الخيار النووي الإسرائيلي

أمام امتلاك إسرائيل للقوة العسكرية الهائلة والأسلحة النووية، كان من المفروض أن تبدأ الدول العربية بالرد على ضخامة التسليح الإسرائيلي وبالذات النووي، بالخيار النووي العربي منذ بداية الصراع العربي – الإسرائيلي قبل أكثر من سبعين سنة، في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي بما فيه قدراتها النووية. فقد كانت ظروف الصراع والتحالفات الدولية والإقليمية والقدرات الذاتية العربية، والنظام الرسمي العربي يساعد على حصول العرب على السلاح النووي في ذلك الوقت أفضل مما هو عليه الآن. وكان لا بد من إصلاح الخلل في التوازن من امتلاك إسرائيل للقدرات النووية وقوى إقليمية أخرى، وانعكاسه السلبي على الأمن القومي العربي، مع الأخذ في الحسبان أنه لا يجوز أن تنفرد إسرائيل بالرادع النووي ضد الأقطار العربية. وأصبحت معاودة طرح قضية الخيار النووي العربي من جديد، في ظل التأكد من امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، واحتمال حصول قوى إقليمية أخرى عليه أمراً مهماً؛ ليس من أجل استعماله في ظروف معينة، بل لكي يكون رادعاً ضد قوى معادية من احتمال استعمالها للسلاح النووي الذي تمتلكه ضد العرب، وتحييد قدراتها النووية؛ وبخاصة أن النظام العالمي الجديد الأحادي القطبية، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، سوف يسعى إلى تقويض أي مسعى عربي لامتلاك القدرات النووية. وفي ظل ضعف النظام الرسمي العربي الموجود حالياً، والصراعات الأهلية والحروب القائمة بعد الربيع العربي، بات من الصعب على الدول العربية أن تسعى بشكل مشترك، لامتلاك السلاح النووي. وأضاعت في فترات سابقة فرص عديدة لامتلاك القدرات النووية. وكانت جهود تبذل لتفعيل الخيار النووي العربي، على الرغم من خشية بعض الدول من ردود فعل إقليمية ودولية معارضة.

رابعاً: الخيار النووي العربي

تنتقد الدول العربية دائماً امتلاك إسرائيل الأسلحة النووية، في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وترى أنه يهدد الأمن القومي العربي والاستقرار في المنطقة، وطالبت بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية. ولكن هذا النقد لم يصل إلى حد التهديد بامتلاك القدرات النووية العسكرية، إذا لم تتخلَّ إسرائيل عن أسلحتها النووية. وتضاعف هذا الموقف، مع احتمال امتلاك إيران للأسلحة الإيرانية. والغريب أن السعودية هددت الولايات المتحدة في نهاية شهر مايو/أيار 2018، بأنها ستعمل على امتلاك الأسلحة النووية، إذا ما فشلت الأخيرة بمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية. بينما لم تعلن هذا التهديد ولا بقية الدول العربية، عندما علمت من قبل أن إسرائيل تمتلك الأسلحة النووية التي تهدد فيها كل الدول العربية‏ .
وقبل البحث في المبررات التي تدفع البلدان العربية إلى الحصول على القدرات النووية، لا بد من ذكر الدوافع التي تقف عادة وراء أي دولة لامتلاك القوة النووية. يرى جون سبانير أن هنالك ثلاثة أسباب قد تدفع الدولة من أجل العمل لامتلاك السلاح النووي: الدفاع عن الأمن القومي (الوطني)، والتمتع بالمكانة والهيبة الدولية، ولأسباب داخلية. بينما يرى لينيث والتز أن هناك سبعة دوافع لكي تحاول الدولة الحصول على السلاح النووي: خوف الدولة من أن قوتها العسكرية التقليدية غير كافية للدفاع عن نفسها في حال تعرضها لعدوان خارجي، وإذا لم يكن لها حلفاء أو أصدقاء أقوياء يملكون السلاح النووي، أو لأنها تعيش في أجواء عدائية في الحاضر والمستقبل، أو عندما ترى في الأسلحة النووية بديـلاً رئيسياً وآمناً لسباق التسلح التقليدي ذات التكلفة المالية المرتفعة، أو تريد الأسلحة النووية لأغراض هجومية، أو من أجل الحصول على مكانة دولية وتعزيز طموحها وموقفها الدولي، أو لرغبتها الفطرية إنتاج أسلحة جديدة‏ .
ولهذا فلا بد من وجود مبررات قد تجعل الأسلحة النووية ضرورية للدولة، وهذه المبررات هي:
أولاً: وجود أوضاع قد يؤدي امتلاك الدولة للأسلحة النووية إلى تحسين الأمن فيها، وبخاصة إذا ما شعرت أنها مهددة.
ثانياً: تخدم الأسلحة النووية الأهداف الخارجية للدولة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ثالثاً: تساعد الأسلحة النووية على تقوية النظام السياسي داخلياً وتحصل الدولة على تأييد شعبي من مواطنيها، أو من أجل تحويل الأنظار عن المشاكل الداخلية.
رابعاً: الرغبة المزاجية أو الحاجة النفسية التي قد تدفع زعيماً سياسياً إلى امتلاك السلاح النووي إشباعاً لرغباته الذاتية.
خامساً: الاستفادة من الظروف الدولية والإقليمية الملائمة في الحصول على قدرات نووية تؤهل الدولة امتلاك السلاح النووي.
سادساً: امتلاك الدولة المعادية للسلاح النووي، وتريد الدولة الأخرى الحصول على نفس القوة النووية لتردع الدولة الأولى من تهديدها.
سابعاً: امتلاك الدولة إمكانات مادية قد تستطيع شراء التكنولوجيا النووية والسير نحو امتلاك القوة النووية من دون أن تتأثر قدراتها الاقتصادية.
وبالنسبة إلى العرب، فمعظم تلك المبررات تنطبق عليهم، فهناك أعداء يتربصون بهم ويملكون السلاح النووي ويهددون باستعماله ضدهم، ويحاولون ابتزازهم وتخويفهم من قوتههم النووية التي لا يملكونها. وتجد الدول العربية نفسها أنها تقع في منتصف ساحة الصراع بين إسرائيل وإيران، مما يحتم عليها أن تسعى لامتلاك قدرات نووية للدفاع عن نفسها في حال حدوث صراع مسلح قد يستعمل فيه السلاح النووي. وإن اعتماد العرب، على الحلفاء الدوليين في حال تعرضهم لتهديدات نووية، لم يعد مقبولاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وعدم جود الحلفاء والأصدقاء الذين من الممكن الاعتماد عليهم في حال تعرضهم لابتزازات إسرائيل المالكة الوحيدة للسلاح النووي. إلى جانب أن معظم الحلفاء والأصدقاء يفضلون في النهاية الوقوف إلى جانب إسرائيل في أي صراع إقليمي في المنطقة. كما أن العرب يملكون الإمكانيات العلمية (العلماء) والمادية (الأموال) والقدرات (الذاتية) للحصول على الخيار النووي، لاستخدامها في المجالات السلمية والعسكرية‏ .
ويستطيع العرب أن يحققوا ذلك، إذا وجدوا أنه لاخيار أمامهم سوى هذا الطريق الذي يضمن لهم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تمتاز بعدم وجود الأمن والاستقرار فيها. كما أن امتلاك العرب للقوة النووية، يسهم إلى حد كبير باستقرار المنطقة، لأن تفرُّد إسرائيل بذلك، يؤدي إلى اختلال في ميزان القوى الإقليمي لصالحها، ويشجعها على استعماله أو على الأقل ابتزاز العرب باحتمال استعماله ضدهم، وفرض شروطها عليهم. وتبين أن اتفاقات السلام بين مصر وإسرائيل (كامب ديفيد) عام 1978، ومع الأردن (وادي عربة) عام 1994، لم يؤد إلى خفض النفقات الدفاعية والتسليحية لإسرائيل، بل على النقيض فهي في تصاعد مستمر.
وبالمقارنة بين أعداد أفراد الجيوش العربية بالمقارنة مع الجيش الإسرائيلي، نجد أن إسرائيل لديها من الجنود والمعدات العسكرية أضعاف ما يمتلكه العرب، مع مراعاة الفارق الكبير بين عدد السكان العرب والإسرائيليين، حسب الجدول الرقم (2).

الجدول الرقم (2)

المصدر: الأرقام في الجدول مأخوذة من موسوعة الشعوب:<http://www.nationsencyclopedia.com>
ودراسة أعدها أنتوني كوردسمان بعنوان: Anthony H. Cordesman, «The Military Balance in the Middle East,» Center for Strategic and International Studies, 14 April 2003, <https://www.csis.org/analysis/military-balance-mid​​dle-​east>
انظر أيضاً: برنامج على الجزيرة بعنوان «ملف التسلح العربي: السلاح والسيادة، برنامج «أرشيفهم وتاريخنا»، الجزيرة نت،: <http://www.aljazeera.net/NR/exeres/AC3​CB5BA-CoB6‑4981-B87D-04A55703B67E.htm>.
انظر أيضاً: نبيل خليل، ملف التسلح العربي (بيروت: دار القوافي، 2007).

خامساً: الردع النووي العربي

لا شك في أن الخيار النووي العربي في حال تحقيقه، سيخدم الأمن القومي العربي، الذي سيؤدي إلى حماية الاستقرار السياسي والأمني في الدول العربية من خطر اعتداءات خارجية، قد تتعرض له من إسرائيل. على أساس أن التهديدات التي قد تتعرض لها أي دولة عربية، تُعَد موجهة لجميع الأقطار العربية. ويدور مفهوم الأمن القومي العربي في المرحلة الراهنة حول مجموعة المبادئ التي تضمن قدرة الدول العربية على حماية الكيان الذاتي للأمّة العربية من أي أخطار قائمة أو محتملة، وقدرتها على تحقيق الفكرة القومية. ولما كان هذا المفهوم يتضمّن تخطّي الأوضاع الراهنة، حيث التفسّخ والتجزئة والضعف، إلى وضع أفضل يلبّي حاجات الطموح القومي، فإنّ الأمن القومي العربي يدخل في إطار ما ينبغي أن يكون. وهذا يعني أنّ ننظر إليه ضمن نطاق المصالح القومية الشاملة.‏ والأمن القومي العربي لا يتحقق إلا إذا امتلكت الدول العربية القوة الذاتية الرادعة، أو الردع المتبادل، لمنع أي تهديد نووي قد تتعرض له من جهات معادية. ومع أن جهات دولية مختلفة تحاول الحد من انتشار الأسلحة النووية، إلا أنه ينتشر بين الدول بسرعة.
من جهة أخرى، ليس بالضرورة استخدام السلاح النووي في الصراعات الدولية، بل على العكس يمكن أن يكون الخيار النووي عاملاً رادعاً للقوى المتصارعة من أجل عدم استعماله. ومنذ اكتشاف القنابل النووية في القرن الماضي، لم تستعمل في الحروب سوى مرة واحدة خلال الحرب العالمية الثانية في هيروشيما وناكازاكي. ويقال إنه لو كانت اليابان تمتلك السلاح النووي، لما تجرأت الولايات المتحدة على استعماله وإلقاء قنابلها النووية فوق مدنها لتحسم الحرب لصالحها. لهذا فإن تملُّك العرب للسلاح النووي، سيؤدي دوراً مهماً في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، لأنه يصبح رادعاً نووياً في وجه إسرائيل إذا أرادت استعمال سلاحها النووي ضد العرب. ومن المعروف أن امتلاك السلاح النووي لدولتين في حالة صراع، يمنع كلاهما من استعماله لأنه سيؤدي إلى ردع كل منهما عن استعماله. ويعرف الردع بأنه «استراتيجية تركز على الأداة الدبلوماسية والاستخبارية لإكراه الخصم، أو حرمانه الإقدام على عمل ما ومساومته وابتزازه سياسياً بفرض تسويات غير عادلة، وإنهاكه بالاستنزاف التدريجي لقدراته الاقتصادية، واستمالة أعداء المردوع محلياً وإقليمياً، لإحداث ثغرة بين الرأي العام المحلي والإقليمي وبين النظام من أجل زعزعته من دون مواجهة فعلية» ويصبح الخيار النووي ضرورياً ليس من أجل تحقيق انتصار على العدو، بل لإبعاد خطر الحرب عن القوتين المتصارعتين. لأن الخيار النووي «يتمثل في السلاح ذي القدرة التدميرية الهائلة الناتجة عن قوة العصف والحرارة، ويتم اتخاذ القرار بامتلاكه على أعلى المستويات كخيار استراتيجي يتسم بالخطورة الكاملة والحساسية البالغة، إذ يغير من توازن القوى الإقليمي بشكل حاد، كما يغير من طبيعة العلاقات الأفقية بين الدول الإقليمية والعلاقات الرأسية مع الدول العظمى»‏ .
والردع العربي للخيار النووي الإسرائيلي هو بمنزلة «إرغام إسرائيل على وقف العدوان في الداخل والخارج والانسحاب من الأراضي العربية، والالتزام بالقوانين الدولية، ووقف التهديد بسلاحها النووي أو التلويح به كأداة سياسية، للترهيب من الحرب أو الترغيب بالسلام، وذلك بتوظيف كافة القدرات وتنسيقها وتطويرها إلى إمكانيات ردعية قادرة على الحفاظ على قيم الأمة ومصالحها العليا وأهدافها الإستراتيجية»‏ .
وتبنّي إسرائيل للخيار النووي، وهي التي تمثل الخطر الحقيقي للأمن القومي العربي، وعدم مبادرة العرب لاستعمال الخيار نفسه، سيؤدي إلى تهديد حقيقي للأمن القومي العربي وإلى عدم استقرار الدول العربية. والفرصة مؤاتية حالياً لحصول العرب على التكنولوجيا النووية التي قد تؤدي في المستقبل إلى الحصول على السلاح النووي، وذلك من خلال الاستفادة من صداقات بعض البلدان العربية مع الولايات المتحدة، في ضوء احتمال حصول إيران على السلاح النووي. كما فعلت باكستان من قبل، في سباقها للتسلح مع الهند. والغريب أنه رغم امتلاك إسرائيل لأسلحة الدمار إلا أن النظام العربي الرسمي لم يتحرك لمواجهة التحدي النووي الإسرائيلي، ولم يتغير أيضاً بعد الإعلان الإسرائيلي غير الرسمي عن هذا الامتلاك، بما يمثله من خطر على الوجود العربي والسلام والأمن في المنطقة العربية. لذلك فإن معالجة هذا الخطر تبدو أكثر صعوبة بعد أن تكشفت الحقائق المذهلة حول طبيعة ومدى ما تمتلكه إسرائيل من أسلحة نووية سواء من ناحية الكم أو من ناحية النوع أو وسائل إيصالها.
وكانت البلدان العربية قد دعت دائماً، إلى تجريد منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، إلا أنها لم تنجح بسبب رفض إسرائيل للدعوة العربية. وتقدمت مصر لإدراج بند إنشاء منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية. وكانت أول مبادرة جدية من دول الشرق الأوسط حول هذا الموضوع والاهتمام به في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ودعت المبادرة المصرية – الإيرانية جميع الأطراف المعنية، بإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، والإعلان الفوري عن الامتناع، على أساس متبادل، عن إنتاج أسلحة نووية أو حيازتها. وكان الهدف من تقديم مصر لمشروعها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وأن يكون ذلك مكمـلاً لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وقدمت مصر، مرة ثانية في الدورة الثلاثين للجمعية العامة عام 1975، مشروعاً آخر، يشدد على القرار 3263 السابق الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام السابق. وهو المشروع الذي اعتمدته الجمعية العامة باعتباره القرار الرقم 3474 بأغلبية 125 صوتاً من دون معارضة، مع امتناع كل من إسرائيل والكاميرون. كما قدمت مصر في الدورة الحادية والثلاثين للجمعية العامة لعام 1976، مشروعاً شبيهاً للمشروع السابق، وصدر القرار عن الجمعية العامة بالرقم 3171 بأغلبية 130 صوتاً، من دون معارضة مع امتناع إسرائيل عن التصويت‏.
وتحمست بلدان عربية أخرى للمشروع المصري، وطالبت كل من البحرين والأردن والكويت والإمارات العربية المتحدة وسورية وموريتانيا وتونس، المشاركة في تقديم مشروعات القرارات المتعلقة بهذا الموضوع إلى الجمعية العامة في الدورة الثلاثين للجمعية العامة . ورأت البلدان العربية أن الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من جانب دول المنطقة، شرط مسبق وأساسي لإنشاء منطقة الشرق الأوسط الخالية من السلاح النووي. وطالبت البلدان العربية في الأمم المتحدة بضرورة تحمل الدول النووية مسؤوليات محددة في الامتناع عن إدخال الأسلحة النووية إلى المنطقة، وأكدت ضرورة انضمام جميع دول المنطقة إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وإلا فسيبقى أمر تنفيذ قرار إقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية بعيد المنال.
ويلاحظ أن بعض دول المنطقة، مع تأييدها بصفة عامة لاقتراح إبقاء منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، إلا أنها تنظر بنوع من التشاؤم إلى إمكان تنفيذ هذا الاقتراح بسبب الموقف الإسرائيلي. وربما تُعد سورية نموذجاً لهذا النوع من الدول حيث طغى موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي على حديث مندوبها في اللجنة الأولى إبان الندوة الحادية والثلاثين للجمعية العامة، فقد أشار إلى أن القضية ليست اتخاذ قرارات وتوصيات لأنه يوجد الكثير منها، وإنما المطلوب هو الإرادة السياسية الطيبة، والنية الصادقة في تنفيذ هذه القرارات‏.
وتقدمت 15 دولة عربية في منتصف أيلول/سبتمبر 2015، بمشروع قرار إلى المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تضم في عضويتها 137 دولة يقول بأن إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنه يتعين عليها نزع سلاحها النووي. ويمكن القول أن موقف البلدان العربية عموماً هو تأييد لأي قرار دولي بجعل منطقة الشرق الأوسط منزوعة السلاح. وبخاصة أن هناك عدة دول عربية سبق وأن انضمت وصدقت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ويلاحظ أن القاسم المشترك في موقف هذه الدول، هو اشتراط التزام جميع الأطراف المعنية من جهة وانضمام جميع هذه الأطراف إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية من جهة أخرى، وكان التأكيد منصباً في الأساس على ضرورة انضمام إسرائيل. وكان آخر الضغوط ما دعت إليه كل من مصر وإيران في اجتماع مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في اجتماعه الخامس والثلاثين، في نيويورك في 7/6/2010، بضرورة مناقشة القدرات النووية الإسرائيلية‏ .
لهذا أصبح من الطبيعي أمام الرفض الإسرائيلي لإبقاء منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، أن يلجأ العرب إلى الخيار النووي. لأن الخيار النووي العربي، سوف يردع إسرائيل من العدوان على البلدان العربية، ومن ابتزازها السياسي والعسكري لتفردها بامتلاكها للسلاح النووي، من أجل الحصول على تنازلات من قبل الدول العربية. كما سيزيد من ثقة العرب بقدراتهم الذاتية في الدفاع عن أنفسهم، وعدم الاعتماد على قوى أجنبية في حال تعرضهم لعدوان خارجي. وامتلاك العرب للتكنولوجيا النووية لا يفيدهم من أجل استعمالها في الحصول على السلاح النووي فقط، بل لاستخدامها في المجالات السلمية وتوليد الطاقة‏.

سادساً: موقف إسرائيل من الخيار النووي العربي

قاومت إسرائيل أي محاولة عربية لامتلاك القدرات النووية، واستهدفت بعدة خطوات إجهاض وتدمير أي محاولة عربية لتحقيق أي تقدم في المجال النووي، كتدمير المفاعل النووي العراقي واغتيال العلماء العرب والأجانب العاملين في مجال النووي العربي، واتباعها استراتيجية «الردع بالشك» من خلال تسريب معلومات عن امتلاك البلدان العربية لتكنولوجيا نووية تؤهلهم لامتلاك السلاح النووي، لكي تثير الدول المعنية بمحاربة انتشار الأسلحة النووية في العالم. ووقفت إسرائيل ضد بيع الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1974، مفاعلاً نووياً أمريكياً لمصر لتوليد الطاقة الكهربائية، وطلبت إسرائيل مفاعـلاً مماثـلاً. وتم التوقيع على الصفقتين في آب/أغسطس 1976، إلا أن إسرائيل بدأت في إثارة المشاكل إلى أن تم تجميد الصفقتين. وما زالت إسرائيل تضع العراقيل أمام امتلاك العرب للتكنولوجيا النووية، لأنها تريد أن تستأثر بتلك التكنولوجيا لكي لا يحصل العرب عليها ويستطيعون تطويرها لامتلاك السلاح النووي كالذي تمتلكه. وهي لا تفرق بين دولة عربية وأخرى في هذا المجال، مطبقة بذلك ما قاله يهوشفاط هاركابي رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق، بأنه لو أقيمت مدرسة في جنوب السودان، لأثر ذلك في الأمن الإسرائيلي، فكيف لو حصل العرب على التكنولوجيا النووية؟ من هنا يأتي رفض إسرائيل حصول الدول العربية على التكنولوجيا النووية.
وكان ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي أكبر دليل على ذلك، ففي صباح يوم 7/6/1981، قامت الطائرات الإسرائيلية الأمريكية الصنع بغارة مفاجئة على المفاعل النووي العراقي الواقع على بعد 26 كم من بغداد واستمرت الغارة دقيقتين دمرت خلالهما المفاعل ومنشآته. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغين في مؤتمر صحافي يحيط به رئيس الأركان ومدير الاستخبارات العسكرية، عن تفاصيل العملية. وقد أوضحت التصريحات والبيانات الإسرائيلية أن إسرائيل كانت تتابع بقلق تطور إنشاء المفاعل النووي العراقي، وحاولت عدة مرات أن تثني فرنسا عن استمرار تعاونها في إمداد العراق بالمفاعل والفنيين والوقود والمواد النووية. ولما تأكد لدى إسرائيل أن المفاعل سيتحول خلال أشهر إلى إنتاج قنابل نووية من طراز القنابل التي ألقيت على هيروشيما، وأن هذا المفاعل يعمل خصيصاً ليستخدم إنتاجه ضدها، قررت إسرائيل تدمير المفاعل قبل أن يبدأ فى إنتاج القنابل، حيث يصعب تدميره لو بدأ مرحلة التشغيل. وتمت الغارة الإسرائيلية بعد توقيع إسرائيل معاهدة السلام مع مصر، وبعد ثلاثة أيام فقط من اجتماع الرئيس المصري أنور السادات مع بيغين في شرم الشيخ، رغم أن إسرائيل أعلنت أنها كانت تعد لتلك العملية منذ عدة أشهر‏ .
وكأسلوب ثانٍ على معارضتها امتلاك العرب للتقنية النووية، فقد مارست عدة عمليات اغتيال وإرهاب ضد العلماء العرب في المجالات النووية ومعظمهم من مصر، مثل اغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى في الولايات المتحدة عام 1952. واغتيال عالم الذرة المصري سمير نجيب في ديترويت/الولايات المتحدة في آب/أغسطس 1967، واغتيال عالم الذرة المصري يحيى المشد في باريس عام 1980، والدكتور سعيد بدير عالم الميكروويف المصري بمنزله في الإسكندرية في 14/7/1989‏.
كما أغارت إسرائيل على الأراضي السورية، في عام 2017 بحجة تدمير موقع سوري تجرى فيه تجارب نووية. وفي تصريح للملك عبد الله الثاني لصحيفة وول ستريت جورنال، اتهم فيها إسرائيل أنها تسعى لمنع الأردن من تطوير برنامجه النووي للأغراض السلمية بهدف توليد الكهرباء.
وأكد «أن إسرائيل طلبت من كوريا الجنوبية وفرنسا ألّا تبيعا للأردن تكنولوجيا نووية متطورة من أجل برنامجه النووي السلمي». يشار إلى أن الأردن يسعى لإنشاء أربعة مفاعلات نووية، ويجري مفاوضات مع كوريا الجنوبية وفرنسا والولايات المتحدة‏ .
الخيار النووي العربي ليس بالأمر السهل، ويمكن التغلب عليه إذا امتلك العرب الإرادة السياسية من أجل الحصول على التكنولوجيا النووية. وعامل الزمن ليس في صالح العرب، فكلما مر الوقت كلما ساهم في تقوية القدرات النووية الإسرائيلية التي لن يستطيع العرب اللحاق بها. ولا بد من اقتناع البلدان العربية بخطورة التهديد النووي للأمن القومي العربي، في حال عدم امتلاك قوة ردع نووية عربية تستطيع من خلالها صد أي تهديد أو عدوان نووي قد يتعرض له أي قطر عربي. وأن تهديد إسرائيل باستعمال السلاح النووي لن يكون موجهاً ضد دولة عربية لوحدها، بل ضد الجميع. ولهذا لا بد من وجود استراتيجية عربية موحدة، تنتظم من خلالها سبل التعاون العربي المشترك في المجال النووي. وإعادة الروح للمؤسسات العربية المشتركة المختصة الموجودة من قبل، وإيجاد مؤسسات عربية جديدة تهتم بتنظيم وتطوير القدرات النووية العربية وتبادل الخبرات بين الباحثين العرب. وإذا كانت هناك مؤسسات عربية مشتركة، تتناول جميع فروع العمل العربي من الفن والثقافة إلى الأمن ومحاربة المخدرات، وانتهاء بقضايا المرأة والصحافة، فحري بنا إيجاد مثل تلك الاتحادات والمنظمات العربية ومراكز الأبحاث التي تهتم بقضايا الذرة والتسلح النووي. ومن الممكن أن تؤدي الجامعات العربية دوراً في فتح قنوات الاتصال بين العلماء والباحثين العرب لتبادل الزيارات والمعلومات. وإقامة قاعدة معلومات تختص بالتكنولوجيا النووية، وتكثيف الاتصالات مع مراكز الدراسات الأجنبية للاستفادة منها في هذا المجال، ومع العلماء الأجانب وتبادل الزيارات معهم. وعلى البلدان العربية أن تستثمر في الأبحاث والطاقة النووية، وبخاصة أنها تمتلك من الإمكانيات المادية ما يؤهلها في ذلك.
ولم يعد هناك من خيار أمام العرب إلا أن يعيدوا من جديد بناء استراتيجيتهم على أساس امتلاك التكنولوجيا النووية. أليس من حقهم أن يكونوا كإسرائيل وباكستان والهند، ويحصلوا على التقنية النووية من دون ارتباك أو خوف من ردود فعل القوى الأخرى التي ترفض حصولهم عليها. كيف يمكن أن تحصل البلدان العربية على أمنها، وهي لا تملك الردع النووي، بينما إسرائيل العدو الرئيسي للعرب قد حصلت عليه منذ سنوات.
لهذا على البلدان العربية أن تطور قدرات جيوشها وتحدثها، وتعمل على إدخال التكنولوجيا الحديثة لهذه الجيوش. ووضع خطط استراتيجية مشتركة للدفاع عن الأمن القومي العربي؛ وإيجاد قوة تدخل سريع عربية لفض الخلافات بين البلدان العربية وبينها وبين الدول الأجنبية؛ وتأمين حماية عربية مشتركة للمضائق العربية حتى لا تستفرد إسرائيل بالسيطرة على الشرق الأوسط، وخطورة استمرارها بالتسلح وامتلاك الأسلحة النووية، بحيث سيؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة.
وعلى الأقطار العربية أن تقر بأن معاهدات السلام بين بعضها وبين إسرائيل، لا يعني زوال الخطر الإسرائيلي على الأمن العربي، لأن إسرائيل لن تغير من استراتيجيتها العدوانية على الوطن العربي في ظل التسوية. وهي تريد المحافظة على تفوقها العسكري كما كانت دائماً. وهذا يفرض على البلدان العربية أن تعي بأن التهديدات الإسرائيلية لم تنتهِ، والنظر إليها على أساس أنها موجهة ضد الأمن العربي والمصالح العربية، وهذا يتطلب وضع خطط استراتيجية عربية مشتركة لمواجهة تلك التهديدات. وأن محاولات بعض البلدان العربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل التي بدأت مع نهاية عام 2018، بضغط أمريكي ضمن صفقة القرن، لن يكون في صالح الأمن القومي العربي ولا الاستقرار في المنطقة، بل إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. وأن تحقيق الأمن العربي المشترك، يحقق للبلدان العربية استمرار البقاء ووحدة المصير وتحقيق التنمية الشاملة. وأن الدول الكبرى التي تهتم بأمن المنطقة، إنما تفعل ذلك للمحافظة على مصالحها، وليس من أجل حماية الأمن الإقليمي ولا الوطني للدول العربية، التي عليها مسؤولية حماية مصالحها الوطنية.

 

قد يهمكم أيضاً الأمن الدولي والتسلح ونزع السلاح

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #التسلح #الاستقرار_في_الشرق_الأوسط #التسلح_ونزع_السلاح #التسلح_في_الشرق_الأوسط #الخطر_الإسرائيلي #الأمن_العربي #الأمن #القدرات_النووية_الإسرائيلية #الأمن_القومي_العربي #السباق_على_التسلح #الشرق_الأوسط