مقدمة:

تحاول هذه الدراسة تجذير البحث في الأثر الذي أحدثته المعرفة البشرية في التنطيق الاستراتيجي للعالم، وهو ما يقع إجمالاً تحت علاقة التأثير المتبادلة بين الإنسان ومحيطه، ذلك بأن الأرض لا تفصح عن أكثر من بنية موضوعية قابلة للحياة على نحو معين، لكن مسألة تقسيمها إلى مناطق واتجاهات، وتسمية أشكالها ومساحاتها، والتحولات الطارئة عليها، هي مسألة تدخل في صميم الفعل الذاتي الموكول إلى الإنسان القيام به منذ القدم. لهذا وجد الإنسان في مرحلة معينة ملزماً بوضع اصطلاحات لغوية دالة على أماكن في الأرض، قياساً على مرجعية مكانية موقعه في الزمان والمكان. ومذ كان الأمر يتعلق بتصور جغرافي للأرض على أساس أنها بساط، تم تقسيمها إلى شرق وغرب تبعاً للجهة التي كان الاعتقاد سارياً بأن الشمس تبزغ منها وتأفل إليها.

ومع أفول الحضارات الأفروآسيوية القديمة وبدء عهد الحضارة اليونانية، بات تنطيق العالم مرتكناً إلى تصور الشمس وعلاقتها بالأرض مضافاً إلى ذلك الأهمية الحيوية التي بدأت المعرفة البشرية تعطيها للبحر الأبيض المتوسط، فجرت تسمية شرقه «الليفانت». واستمر هذا الوضع طويـلاً إلى أن طوّر الإدراك المعرفي الأوروبي للعالم نموذج «الاستشراق»، ليزيد من تثبيت مفهومي الشرق والغرب. ومع مجيء القرن العشرين ظهرت أوجه جديدة من الإدراك المعرفي الأوروبي والأمريكي، وأصبح للتنطيق معنى آخر، أدى الفكر الاستراتيجي الحديث الولادة دوراً حاسماً في جعله تنطيقاً استراتيجياً. لذلك، لا بد من تناول أثر كلٍ من الاستشراق والفكر الاستراتيجي الأوروأمريكيين في تطوير التنطيق الجغرافي، بإسباغ غايات السياسة عليه، ليصبح ذا أبعاد استراتيجية خادمة للمصالح الكبرى في المناطق الحيوية في كل أرجاء العالم، ومواكباً للتطور الذي شهدته النماذج المعرفية المذكورة.

أولاً: مساهمة الاستشراق الأنكلوأمريكي في تكريس المنظومة المناطقية شرق – غرب

تتصل لفظة الاستشراق بالجذر اللغوي «شرق»؛ وبإضافة أحرف الطلب، تصبح دالة على كل من أدخل نفسه في أهل الشرق، وصار منهم، وطلب لغاتهم وآدابهم وعلومهم. وهذا التحديد قال به كل من معجم لاروس وقاموس أكسفورد، وكان أول استخدام للكلمة سنة 1630، حيث أطلق على أحد أعضاء الكنيسة الشرقية‏[1]. وقد عرفت الإنكليزية مصطلح مستشرق لأول مرة سنة 1779، وعرفته الفرنسية في السنة نفسها كذلك، وأضيف بعدها مصطلح استشراق إلى معجم الأكاديمية الفرنسية سنة 1838‏[2]. فالكلمة مستمدة من المعنى الذي يحيل على شروق الشمس، وذلك يثير إشكالية دواعي تسمية موقع جغرافي معين. فمن الناحية الجغرافية تحكمت مركزية حوض البحر الأبيض المتوسط في مراحل تاريخية معينة في نحت الجغرافيا، على نحو جعل شرقه شرقاً وغربه غرباً. كما أن المرحلة التي تلتها اتسمت بانتقال مركز القوة إلى أوروبا الغربية، وهو ما زاد من تقوية هذا التصور حول «كينونة الشرق»، التي ارتبطت بتصورات سادت لمراحل طويلة‏[3]. ويذهب البعض إلى اعتبار هذا الشرق هو البلدان الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط قبل الفتوحات الإسلامية، وبعدها سيشمل الشرق كلا من مصر وشمال أفريقيا‏[4]، وقد استقر الرأي في دائرة معارف العالم على أن الشرق يطلق على الأقطار والجزر الآسيوية، وفي بعض الأحيان يطلق على القسم الغربي من آسيا التي تسمى شرقاً أدنى أيضاً‏[5].

يرى هشام جعيط أن البيئة الفكرية التي تهيأت في القرن الثاني عشر الميلادي ثم توسعت وتدفقت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، لتمتد حتى القرن الثامن عشر، انطلقت من عداء شديد لـ «النبوة المحمدية الكاذبة»‏[6]، وهذا ما يجعل أغلب الدارسين يذهبون إلى أن ظهور الاستشراق كان بدافع محاربة الإسلام والنيل منه‏[7]، فقد كان دخول المسلمين إلى إسبانيا وصقلية في العصر الوسيط هو الذي دفع «الغرب» إلى وجوب دراسة الدعوة الإسلامية‏[8]. وهكذا ظهرت أول ترجمة للقرآن سنة 1143، وقد نسبت هذه الترجمة إلى الأب بطرس، المولود سنـة 1092 والمـتوفي سنــة 1157‏[9].

وفي ما بعد تمايزت مدارس الاستشراق بعضها عن بعض؛ على سبيل المثال تميز الاستشراق البريطاني عن الاستشراق الفرنسي بالعلاقة القوية والمعقدة لبريطانيا بالشرق‏[10]، وذلك قبل ظهور الولايات المتحدة على مسرح السياسة الدولية بمدة ليست بالقصيرة‏[11]. فبعد انسحاب الفرنسيين من مصر عام 1801، وقعت مصر تحت حكم محمد علي الضابط العثماني من أصل ألباني، وهذا الأخير عمد إلى إحداث هيكلة جديدة للاقتصاد المصري، إلا أن ذلك أتى بنتائج عكسية، بحيث ستربطه سياسة الزيادة في إنتاج القطن بالاقتصاد العالمي المتمحور حول أوروبا، وهو الأمر الذي طالما تفاداه محمد علي، كما أن فتح قناة السويس عام 1869 سيعزز حضور مصر في الاستراتيجيات الاقتصادية البريطانية آنذاك. وقد تلا ذلك تراكم للديون البريطانية على مصر، وهذا أمر وجده بعض خلفاء محمد علي وسيلة لإنقاذ مصر من أزماتها، وانتهى ذلك بتدخل بريطانيا في مصر ثم احتلالها عام 1882، وهي لم تعمد إلى تقزيم سيطرتها المطلقة على مصر إلا عام 1922 ثم عام 1936، ولم تسحب آخر جندي لها إلا عام 1956، وفق معاهدة الجلاء التي أبرمها جمال عبد الناصر مع بريطانيا، ثم عادت بعد أشهر لتهاجم مصر مع فرنسا وإسرائيل بعد تأميم قناة السويس‏[12].

وقد كان النهج الذي اختطه رجال الإمبراطورية البريطانية متمحوراً حول أهمية دراسة حياة وثقافة البلدان الواقعة تحت نفوذها الاستعماري؛ وإبان انعقاد المؤتمر الأول للاستشراق عام 1873، كان رجال الإمبراطورية في بريطانيا يضعون نصب أعينهم الأهمية السياسية للمعرفة، على أساس أنها إحدى مكونات القوة والهيمنة. لكن على الرغم من كون الاستشراق سياسياً في جوهره، إذ إنه تنامى ظاهرياً في إطار الاهتمامات اللغوية والرحلات داخل المؤسسة الأكاديمية الغربية التي اقترن تأسيسها ببدايات النزوع التوسعي لبلدانها، فهو مُساير ومواز لنزعة علمية وفكرية، تختزنها إرادات ذاتية‏[13]. لذلك يرى البعض أن النزعة لا يطعن فيها مطلقاً أن بعض روادها كانوا في خدمة الحرب والاستعمار والتجارة والسياسة‏[14]. وفي السياق نفسه كان إيفلين بارنغ (1841 – 1917) قنصـلاً عاماً وممثـلاً لإنكلترا في مصر حين كانت محمية بريطانية، فكان حاكماً فعلياً لمصر، وبعد تقاعده نشر كتاباً بعنوان مصر الحديثة قدّم فيه رواية تفصيلية للأحداث التي جرت في مصر في ثلاثة عقود، وقام بتقييم الاحتلال البريطاني‏[15].

إن الاستشراق الأوروبي عموماً والاستشراق البريطاني خصوصاً امتازا بكونهما ساهما في تكريس التنطيق الموروث عن فترة اليونان، وحافظا على خلفيتين المسيحيتين ولا سيّما بعدما بات الاستشراق البريطاني مادة للدعاية والدعم المعرفي الاستعماريين. لكن مع بدايات القرن العشرين، ونتيجة التطورات التي شهدها العالم، سيعرف الاستشراق التقليدي أزمة لم يخرج منها إلا بالالتقاء مع الفكر الاستراتيجي، وولادة حقل جديد عُرف باسم «دراسات المناطق»‏[16]، الذي معه يبدأ العهد الفعلي للاستشراق الأمريكي.

تعود أزمة الاستشراق عموماً إلى عدة أسباب، منها ما يتصل بطبيعة الموضوع (الشرق)، الذي لم يعد بعيداً من الدارسين الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يعودوا بحاجة إلى علمهم الكلاسيكي لفهمه، ولم يعد أيضاً خاضعاً للاستعمار الأوروبي (عسكرياً على الأقل)‏[17]. علاوة على ذلك فلا وجود لشرق جغرافي فعلي، إذ ارتبط بالوعي الغربي الأوروبي فقط، وحتى الإسلام الذي يربطه الغربيون بالشرق ليس سوى واحداً من الديانات الشرقية كالمسيحية التي يتبناها الغرب نفسه، كما أن مدناً بكاملها ارتبطت بالشرق، وهي في واقع الأمر أوروبية من الناحية الجغرافية الحقة كالقسطنطينية مثـلاً‏[18].

لذلك، ولجملة أسباب أخرى، يذهب الكثير من دارسي الاستشراق إلى أنه انتهى، وذلك بالانعطاف نحو الدراسات الميدانية، بالرغم من استمرار جوهره في هذه التكوينات العلمية الجديدة، فتزايد المصالح الأمريكية في المنطقة، وتولي مستشرق كهاملتون جب في الخمسينيات إدارة معهد هارفرد لدراسات الشرق الأوسط‏[19]، هو ما جعل الانكفاء يحصل في الحقل، وهذا يعد بمنزلة تعميد لنوع من الدراسات أكثر تخصصاً في معاهد دراسات الشرق الأوسط التي انتشرت في الحياة الأكاديمية الأمريكية‏[20]. لقد خرج المنحى الجديد المسمى دراسات المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية من رحم الأزمة التي عاشها الاستشراق، والتي تُبين ملامحها بوضوح – من دون أن تفصّل شيئاً عن المولود الجديد – مقالة أنور عبد الملك الذائعة الصيت، التي ظهرت عام 1963. وهذه الأزمة أفضت بالدارسين الأمريكيين إلى تبني نماذج معرفية تمشّت مع انبعاث حركة قومية عربية قوية، تضاف إلى تحولات ما بعد الحرب العالمية الثانية‏[21]. وهكذا أخذت كلمة الاستشراق في الاختفاء من الأوساط العلمية والأكاديمية الأمريكية، لتحل محلها كلمات أخرى أكثر دلالة على التخصص العلمي. وفي المؤتمر الدولي التاسع والعشرين للاستشراق، توصل المؤتمرون إلى ضرورة التخلي عن مفهوم الاستشراق، انسجاماً مع التغيرات الدولية، وتطور نضال الشعوب الشرقية، بحيث سيطلق على مؤتمرهم القادم اسم «مؤتمر العلوم الإنسانية في آسيا وأفريقيا الشـمالية»، وأصبح الاستشراق متشعباً في تخصصات متباينة، كالتاريخ والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والاقتصاد وعلم السياسة وعلم الاجتماع المقارن والتنمية‏[22].

إن الإسهام الحقيقي للمدرسة الأمريكية في تاريخ الاستشراق يتجلى في تحول الاستشراق من فرع من فقه لغوي إلى معرفة تجريبية حقة ومفيدة، ومن إدراك غائم للشرق إلى تخصص في العلوم الاجتماعية، وقد حدث هذا التحول حين وجدت الولايات المتحدة نفسها في الموقع الذي كانت بريطانيا وفرنسا قد أخلتاه منذ عهد قريب‏[23]. وأصبحت دراسات المناطق حقـلاً معرفياً يجمع مختلف فروع المعرفة في العلوم الإنسانية والاجتماعية لدراسة مناطق معينة وتأسيس فرع من الدراسات الاستراتيجية‏[24]. وقد انبنى الاستشراق الأمريكي على مناخ ثقافي تأثر بالثقافة الشرقية، فضـلاً عن سعي الفلسفة الأمريكية لتحرير نفسها من ماضيها الأوروبي، ومن ثم حاجتها إلى تحويل أنظارها نحو تراث غير أوروبي‏[25].

هكذا يتضح أن دخول حقل الاستشراق في طور الأزمة، ومخاض التحول من مناهجه القديمة، وموضوعاته القديمة، بل وصراعه من أجل تبييض ماضيه الذي يزعج على الأقل أهل المنطقة المدروسة، كلها أسباب حدت بكبار المستشرقين إلى البحث عن ملاذات جديدة، فهل ستوفرها لهم طرائق التفكير الجديدة التي اهتدى إليها الفكر الاستراتيجي، والتي كانت وليدة الاستراتيجيات الأمريكية في «الشرق» في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية؟ ولا سيّما أن ذلك التفاعل سيميط اللثام عن واحد من الاصطلاحات الأكثر إثارة من حيث التنطيق الاستراتيجي للعالم؛ يتعلق الأمر بمصطلح «الشرق الأوسط»، الذي سيعرف بدوره تغيرات كثيرة ساهم فيها كل من الفكر الاستراتيجي ودراسات المناطق لدى التقائهما، وهما معاً ترسبا على قاعدة التنطيق التقليدي للعالم الذي أرساه اليونان، وكرسه المتن الاستشراقي.

ثانياً: دور الفكر الاستراتيجي الأنكلوأمريكي في نحت مفهوم «الشرق الأوسط»

منذ مطلع القرن العشرين أصبح علماء الشرق في الغرب يجدون في مفهوم الشرق دلالة غائمة وغامضة. فظهر مصطلح جديد هو الشرق الأوسط، وظهرت مصطلحات أخرى محايثة له، كالشرق الأدنى والشرق الأقصى وشرق قناة السويس. وارتبط ظهور الشرق الأوسط بالكابتن ألفرد ثاير ماهان (1840 – 1914)، ضابط البحرية الأمريكية، وذلك سنة 1902 في إطار نظرية ماهان حول تأثير القوة البحرية في التاريخ. كتب ماهان مقالته في مجلة National Review البريطانية تحت عنوان: «الخليج الفارسي والعلاقات الدولية»، وكانت الفكرة الأساسية في أطروحته هي أن بريطانيا إذا أرادت السيطرة على الهند يجب أن تسيطر على الطريق المؤدي إليه، ويتعلق الأمر بالخليج الفارسي، وكان يُلفت نظر بريطانيا إلى أهمية الخليج العربي محذراً من وصول روسيا إليه، وبالتالي قطع طريق الإمبراطورية إليه. وحين صك ماهان هذا المصطلح، كان يستحضر ما كتبه عن شرق آسيا إبان الحرب اليابانية – الصينية، وفرض بريطانيا والولايات المتحدة على الصين سياسة الباب المفتوح. من هنا ارتبط الشرق الأوسط في ذهن ماهان بالشرق الأقصى، في الوقت الذي كان مفهوم الشرق الأدنى لا يتجاوز تركة الدولة العثمانية في البلقان‏[26].

إن تبني هذا المصطلح، وبالتالي النظرية البحرية التي أنتجته في الولايات المتحدة في ما بعد، سيمكن من السيطرة على هاواي وكوبا وبورتوريكو والفيليبين والسيطرة على الكاريبي، وبالتالي على أمريكا الوسطى‏[27]. مصطلح الشرق الأوسط لم يكن يدل على منطقة بعينها فقط، أو يدل على منطقة تتقاسم شعوبها اللغة والدين والثقافة، بل صاغته توجهات سياسية، وهو ما جعله متغيراً لا ثابتاً، وما جعل من شأن استيعابه أن يحقق مكاسب للقوى الاستعمارية في أماكن أخرى من العالم‏[28]. كما أن تاريخ استعمالاته المعقدة يشي بذلك، بحيث إن كل القوى الكبرى التي تعاملت مع المنطقة المذكورة، وتحديداً بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، كل واحدة منها أطلقت تسميات تتناسب مع رؤيتها للمنطقة، وبالتالي عجت القواميس بتحديدات من قبيل: الليفانت أو شرق المتوسط، وشرق قناة السويس الذي كانت تطلقه بريطانيا على الخليج، أو الشرق الأوسط الذي استمر استخدامه إلى اليوم.

وكان من دواعي نحت المصطلح أيضاً رغبة ماهان في شد انتباه بريطانيا تجاه الخطر الألماني في المنطقة، فقد كان هناك مشروع ألماني يستهدف إنشاء خط للسكك الحديد يربط برلين ببغداد، وقد استخدم أيضاً للدلالة على المنطقة التي يقع مركزها في الخليج العربي، والتي لا تنطبق عليها عبارة الشرق الأدنى أو الأقصى، فالأول تركز حول الدولة العثمانية، والثاني حول الصين، في حين يقع الشرق الأوسط في ما بينهما‏[29]. وبحسب جورج لينستووسكي فهذه المنطقة تمتد من مصر غرباً إلى الأفغان شرقاً، أما معهد الشرق الأوسط في واشنطن فيعتبرها واقعة بين المغرب وإندونيسيا، ويذهب المعهد البريطاني للعلاقات الدولية إلى أن الشرق الأوسط يضم كـلاً من إيران وتركيا وشبه الجزيرة العربية ومنطقة الهلال الخصيب وقبرص‏[30].

كان يقف وراء صك المصطلح أو استعماله على الأقل رغبة بريطانية جامحة في الاستعاضة من مصطلح الشرق الأدنى الذي أطلقته فرنسا منذ نهاية القرن التاسع عشر، وذلك للتطابق مع وجهات النظر الاستراتيجية البريطانية في المنطقة، فكان ذلك ضرورياً في فترة ما بعد سايكس – بيكو التي قسمت سورية والعراق بين فرنسا وإنكلترا، ووضعت لفلسطين نظاماً دولياً خاصاً بها منح بريطانيا أساساً حقَ الانتداب فيها عملياً، والسيطرة بالتالي على الطرق البرية والبحرية للدفاع عن الهند في الخطط البريطانية‏[31]. وفي عام 1911 سيقوم اللورد كيرزون حاكم الهند آنذاك باستخدام العبارة للإشارة إلى مناطق تركيا والخليج العربي وإيران في آسيا بوصفها تمثل الطريق إلى الهند‏[32]، وبعد ذلك سيقترح سايكس مارك على مجلس الوزراء البريطاني إنشاء المكتب الإسلامي في المنطقة لجمع المعلومات عنها، وتم الاتفاق على إنشاء مكتب في القاهرة سمي المكتب العربي، وهو مكتب يقوم بجمع المعلومات الاستخبارية عن المنطقة، وتم إلحاقه بالاستخبارات البريطانية في السودان، وذلك عام 1916 – 1918‏[33].

وفي الحقبة الممتدة ما بين الحربين، ارتبط مصطلح الشرق الأوسط بالجانب العسكري في الإمبراطورية البريطانية في المنطقة العربية، فأُطلق على القواعد العسكرية البريطانية لما بين النهرين اسم قيادة الشرق الأوسط، واستقر أثناء الحرب العالمية الثانية ليشمل القيادات البرية والجوية تحت مسمى «قواعد الشرق الأوسط»‏[34]. وقد أثر المصطلح في العلاقة بالسياسات التي كانت تقف وراءه، فأصبح في الإمكان الحديث عن نظام إقليمي شرق أوسطي، على الرغم من الإشكاليات الجغرافية والسياسية التي طرحها استعمال المصطلح في الأدبيات العربية نفسها، ناهيك بالإشكاليات التي تلُف استخدام مصطلحات أخرى أكثر أصالة كمصطلح الوطن العربي‏[35]. لهذا هيأ مصطلح الشرق الأوسط الأرض لتمرير سياسات بريطانية وأمريكية في المنطقة، وفي مقام ثان ساعد على ظهور نظام إقليمي فرعي في شكل منطقة قابلة للدراسة والاستغلال بجميع أبعاده، العلمي والاقتصادي والمالي، كظهور مؤسسة بنك الشرق الأوسط البريطاني مثـلاً‏[36].

استمر استخدام معرفياً وسياسياً وجيواستراتيجياً بالصورة نفسها إلى ما بعد حرب الخليج الثانية، حين ظهر مصطلح جديد يدعى «الشرق الأوسط الجديد»، الذي روّج له حينذاك شمعون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد، مشدداً على ضرورة بناء سوق شرق أوسطية اقتصادية تُبنى على أسس ليبرالية، لإطلاق «مرحلة جديدة للسلام العربي – الإسرائيلي»، ومحاولة لدمج إسرائيل في المنطقة من خلال اتفاقيات سلام وتعاون اقتصادي‏[37]. وقضية الشرق الأوسط الجديد باتت تُفهم من خلال مجموعات الدول المؤلفة من الساحة العراقية – الإيرانية، والساحة اللبنانية – السورية، والساحة الفلسطينية – الإسرائيلية، وتتداخل معها ثلاث قضايا حساسة تتمثل بالانتشار النووي والتمذهب وتحدي الإصلاح السياسي، فهذه الأمور مجتمعة تحدد معالم الشرق الأوسط الجديد وفق رؤية الولايات المتحدة وإسرائيل‏[38].

بعد ذلك سيظهر مصطلح آخر هـو «الشرق الأوسط الكبير»، الذي ساهمت الولايات المتحدة واستراتيجياتها في المنطقة في ظهوره، وذلك عام 1995 في التقرير الاستراتيجي السنوي الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية القومية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، حيث خصص فصـلاً منفرداً للشرق الأوسط الكبير، من المغرب حتى الحدود الصينية ليشمل المغرب العربي، وأعاد بوش الابن استخدامه عام 2004 في قمة مجموعة الثماني‏[39]. وهذه المرحلة ذهب البعض إلى حد عدّها قرناً أمريكياً جديداً، بحيث أصبح لمصطلح الشرق الأوسط الكبير حضور غير معزول عن اختبارات القوة التي جرت في أفغانستان والعراق‏[40]. وهناك الكثير من المحللين والمتتبعين من يعدون غزو أفغانستان ثم العراق، ثم الدخول على خط الانتفاضات الشعبية لسنة 2011، كلها محطات ترسم معالم الشرق الأوسط الكبير الذي تريده الولايات المتحدة وحلفها، ولا سيّما أن مشروع الشرق الأوسط الكبير وفق الصيغة الأمريكية تمخض عن برنامج إيزنستات الاقتصادي الموجّه إلى شمال أفريقيا سنة 1999، والذي كان يهدف إلى تحويل المنطقة إلى سوق مفتوحة تبرر الولايات المتحدة وجودها داخلها بمشروعها لنشر الديمقراطية في الوطن العربي، لتنتهي تسمية المنطقة سنة 2004 بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يشار إليها اختصاراً بـ MENA‏[41].

وهكذا قامت تلك الاصطلاحات الجيواستراتيجية بترسيم تنطيق استراتيجي للعالم يضمن تحقيق هدف أمريكا الجوهري في الشرق الأوسط، الذي كان ولا يزال هو حماية أمن إسرائيل، للسماح بتدفق الإمدادات النفطية بسهولة، وكذلك لضمان سهولة التنقل من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي، وهذا الهدف المحوري كان ولا يزال تحققه متاحاً إلى حد بعيد‏[42]. لكن هذا الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة يواجه تحديات تضع مصالحه على المحك أمام صعود قوى جديدة من قلب آسيا وأمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا، وبالتالي فهو حلف بات مجبراً على تغيير أولوياته التي جنَّد لها كل شيء بدءاً بالفكر والمعرفة، وانتهاء بالتدخلات العسكرية، ومواكبة التحولات الاجتماعية والفكرية كافة والرسملة عليها. تحول في العالم تنبأ به ريتشارد هاس سنة 2006، أنهى عصر الهيمنة الأمريكية، وفسح المجال أمام عهد جديد تسيطر فيه على الشرق الأوسط قوى محلية‏[43].

وقد ساهمت هذه التطورات في انحلال الاستشراق التقليدي إلى «دراسات المناطق»، وساهم الفكر الاستراتيجي الأنكلوأمريكي في تطور التنطيق الاستراتيجي، وانتهى الأمر ببلورة حقل أكاديمي مُواكب للاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة، فما هي طبيعة تلك الدراسات ونماذجها؟ ولا سيّما أنها استوعبت كل مساهمات الاستشراق والفكر الاستراتيجي الأنكلوأمريكيين تحديداً في تنطيق العالم المعاصر.

ثالثاً: دور صعود دراسات المناطق في تكريس التنطيق العالمي المعاصر

بدأ صعود هذه الدراسات مع ما قام به مستشرق كبير مثل هاملتون جب، إذ بعد الحرب العالمية الثانية وبوصفه مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفرد، ألقى جب محاضرة بعنوان «الدراسات الإقليمية: إعادة تقويم»، وأشار إلى أن الشرق مهم جداً إلى الحد الذي يجب معه عدم تركه للمستشرقين. وكانت دعوة صريحة إلى تكوين الطلبة في ميادين المال والأعمال والقيام بدراسات عابرة للميادين، فلم يعد البحث بحاجة إلى المستشرق التقليدي الذي يطبق على الشرق معلومات تقادم بها العهد، وأصبح من الواجـب الانطلاق نحـو دراسات المناطق‏[44]، مواكبة للقسيم الجيوسياسي الجديد للشرق إلى منظومات إقليمية فرعية أهمها الشرق الأوسط‏[45]. في هذه الحقبة أصبحت بعض المعاهد تنال دعماً حكومياً مباشراً، كما حصل مع مؤسسة راند، حينما حصلت على تمويل من سلاح الطيران سنة 1948‏[46].

وقد عنيت الدراسات المناطقية في البداية بموضوعات محددة توزعت على دراسة العائلات والبوادي والتصنيع وحركة التجارة والمدن والجيش والتدبير الإداري والدين والثقافة والفن والرق والأقليات الدينية في العالم الإسلامي، ويعزى إلى المستشرق البريطاني هاملتون جب الدور المهم في إعطاء الانطلاقة لهذه الدراسات‏[47]. وفي الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية ستتعزز هذه الدراسات بأخرى في الحقول الاقتصادية والتاريخية التي لا تقل أهمية عن سابقاتها، والفضل في إنجازها يعود لباحثين بريطانيين من أصول عربية مثل ألبرت حوراني‏[48]. يمكن تقسيم الدراسات الأكاديمية الأنكلوأمريكية عن الشرق الأوسط إلى مرحلتين، تمتد الأولى من الخمسينيات إلى السبعينيات، وتنقسم إلى دراسات عامة تميزت بسيطرة الرؤية التاريخية وتفاوت قدرات الباحثين في التحليل، ومن أهمها دراسة هولت عن تاريخ السودان المعاصر، ومانسفيلد عن مصر الناصرية‏[49]. وتمتد المرحلة الثانية من منتصف السبعينيات وتمتاز بسيادة الاتجاه التكاملي بين التخصصات‏[50].

تحتل اللغة الإنكليزية أعلى نسب الإنتاج الفكري والأكاديمي الذي يتناول الشرق الأوسط‏[51]، وهي نسبة عالية جداً إذا قوبلت بنسب بقية اللغات، كما تعكس الاهتمام الأكاديمي الذي كانت توليه بريطانيا والولايات المتحدة في ما بعد ببلدان الشرق الأوسط. تركز ذلك الاهتمام أساساً على تكوين منهجي يعمق فهم الثقافة والتاريخ والسياسة والاقتصاد في مناطق معينة‏[52]. ومن بين أبرز أساتذة دراسات المناطق الذين عرفوا في بريطانيا نجد فريد هاليداي، أستاذ العلاقات الدولية في مدرسة لندن للاقتصاد، الذي اشتهر بميله إلى الوضوح المنهجي، فهو لا ينسى مقولة الإيمان المطلق بالنجاعة العلمية للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وينطلق من مبادئ معيارية تحليلية، وبالقدر الذي ينطلق فيه من الخصوصية، فهو يرفض إطلاقيتها في العلاقة بالمجتمعات المدروسة‏[53].

وبالنسبة إلى التجربة الأمريكية يُذكر أن أغلبية الجامعات الأمريكية لم تهتم في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية بدراسة منطقة معينة بذاتها، كما هو الشأن بالنسبة إلى عدد من المستشرقين الذين لم يهتموا بدورهم بدراسة التطورات المعاصرة في الشرق الأوسط، ويعزى الاهتمام بالمناطق ودراستها في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إلى سياق التطورات الأكاديمية التي صاحبت أحداث بيرل هاربر عام 1941، وهو ما جعل علماء الفيزياء المهتمين بتطوير القنبلة الذرية وعلماء العلاقات الدولية هم الأكاديميون الذين تأثروا بتلك الأحداث دون غيرهم. من دون أن نغفل هنا أن العداوة لليابان وللاتحاد السوفياتي جعلت المختصين في الأدب الياباني والروسي متخصصين في دراسة مناطق العدو؛ والأمر نفسه بالنسبة إلى الباحثين في شؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، أصبحوا خبراء في تدبير مناطق وساحات المعارك‏[54].

هكذا انطلقت دراسات المناطق في الولايات المتحدة في كنف الحرب العالمية الثانية، وتطورت في ظل الحرب الباردة، بالضبط حينما بدأت الولايات المتحدة تتصرف كقوة عالمية لها ارتباطات مصلحية في كل أنحاء الأرض، فصورت دراسات المناطق نفسها كأسلوب جديد ينتظم ضمنه البحث العلمي، الذي يقوم على أساس الجمع بين التخصصات المعرفية، وعلى الدراسة الميدانية، وأخيراً على الاهتمام بمناطق محددة‏[55]. وكان الباحثون في إطار هذا الحقل يرون أنه بدلاً من أن يقوم الفصل التام بين الباحثين في إطار علومهم، عليهم أن يضعوا مقاربات تجمع حقولهم في ما يتعلق بدراسة منطقة معينة، وإنتاج معرفة مفيدة متصلة بالسياسة، وتم التركيز على أن يقوم هذا الحقل الجديد على العلوم الاجتماعية بوجه أساسي‏[56].

وقد أدى مجلس بحوث العلوم الاجتماعية دوراً كبيراً في إرساء هذه الدراسات، بحيث تم تأسيس لجنة بحوث مناطق العالم عام 1946، بهدف تحديد المناطق الأجنبية الأكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، من أجل دراستها أكاديمياً في الجامعات الأمريكية على أساس العلوم الاجتماعية. وستتطور هذه اللجنة لتشمل بقية العلوم الإنسانية، بعدما تحصل على تمويل من مؤسسة فورد، وقد كان هاملتون جب من بين أعضائها‏[57]. بعد ذلك ستندفع الجامعات الأمريكية إلى تشجيع هذه الدراسات، وتوسيع مراكز الدراسات الشرق الأوسطية في كل من جامعة كولومبيا وبرينستون وهارفرد، وزوّدت هذه الجامعات طاقمها الأكاديمي باحثين من خلفيات عربية، كفيليب حتي المؤرخ اللبناني الذي أسس برنامج الدراسات الشرق الأوسطية في برينستون‏[58].

وفي الحقبة الممتدة ما بين خمسينيات القرن المنصرم وستينياته، صعدت دراسة الشرق الأوسط، بفعل اهتمام نخبة من المدرسين والطلبة بضرورة الحفاظ على سلطة الولايات المتحدة في المنطقة، وكذلك بفضل كثرة البرامج والمؤسسات الحاصلة على الدعم من مؤسسات وقفية أولاً، ثم الحكومات الفدرالية في ما بعد. وفي نهاية الستينيات سيعرف المجال تزايداً مهولاً في درجات الدكتوراه الممنوحة في مجال الدراسات الشرق الأوسطية. وفي سنة 1946 سيفتتح معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ليشرع في إصدار مجلته الفصلية المسماة مجلة الشرق الأوسط. يشار إلى أن الرابطة الأمريكية لدراسات المناطق كانت قد نشأت في الخمسينيات ثم توقفت في الستينيات، ليتم بعدها تأسيس رابطة دراسات الشرق الأوسط (MESA) عام 1966 بتمويل من مؤسسة فورد، وهي عقدت مؤتمرها الافتتاحي عام 1967، ليتم الشروع في إصدار المجلة البحثية الفصلية الخاصة بالرابطة والمسماة المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط‏[59]. ومنذ التسعينيات بدأت هذه الدراسات تزداد باطراد في كبريات المعاهد والمراكز، بحيث إن الدراسات حول منطقة الشرق الأوسط زادت بنحو 8 بالمـئة بعد سنـة 1996‏[60].

هكذا ساهمت دراسات المناطق التي صبت فيها كل التطورات التي شهدها الاستشراق والفكر الاستراتيجي الأنجلوأمريكيين في تكريس منحى التنطيق الاستراتيجي العالمي المعاصر، وذلك على حساب المشاريع التي تنبع من المناطق نفسها، والتي غالبا ما تحمل توقا إلى الاستقلال الوطني.

خاتمة

لقد ساهمت الروافد الثلاثة التي تناولتها هذه الدراسة ممثلة بالاستشراق الأنكلوأمريكي، والفكر الاستراتيجي الأنكلوأمريكي ودراسات المناطق، في تعميم خطاطة جغرافية على نحو معرفي، وهي بذلك تكون قد استثمرت اصطلاحاً جغرافياً ممثلاً بـ «الشرق» ولدته البشرية في عصور غابرة تعبيراً عن إدراكها لموقعها على الأرض/البساط قياساً على الشمس، ثم كرسه اليونان قياساً على موقعهم من البحر الأبيض المتوسط وانصياعاً للتمثل القديم أيضاً حول علاقة البساط الأرضي بالشمس، قام الاستشراق بصوغ جملة من الاستيهامات الجغرافية المختلطة بالتمذهب الهوياتي المسيحي المواكب لتمدد حضارات الشرق نحو أوروبا، لينتهي الأمر عند الفكر الاستراتيجي الذي أعاد صوغ الشرق إلى «شرق أوسط» ومتفرعاته الأخرى، ولتقوم دراسات المناطق بتأسيس نفسها على هذه الفروع والتسميات الجديدة لمنطقة بعينها.

إن هذا المنحى من التطور يبين أن المعرفة البشرية تتطور وتتعقد أشكالها، وذلك على نحو متسق مع منحى تطور علاقة المجتمعات البشرية بالعالم الطبيعي، فيجري تخديم المنحى الأول لفائدة المنحى الثاني، ويقوم المنحى الثاني بحفز المنحى الأول؛ ولهذا تتسم العلاقة بين الإدراك البشري والعالم الطبيعي بالجدل الدائم الذي يفضي إلى صوغ المعرفة للعالم من حيث الاصطلاحات الجغرافية، ومن حيث الاستخدامات التي لا تتناقض في كثير من الأحيان مع الاستيهامات، وهذا ما يؤكده إلى حدٍّ كبير كل الزخم الذي حفلت به تجربة الإدراك الاستشراقي الأوروبي التقليدي للعالم، وخصوصاً لما سمي منذ القدم «شرقاً»، وعلى صعيد ثانٍ تقوم الحاجة إلى الاستخدامات الفوقية غالباً للجغرافيات المسماة «مناطقَ» كلية أو فرعية كانت، تقوم تلك الحاجة بالحفز الدائم للإدراك البشري كي يواكبها إما بالتبرير وإما بالصد والرفض.

 

قد يهمكم أيضاً الدراسات العربية والإسلامية في الغرب: التاريخ الاقتصادي الاجتماعي وأزمة الثقافة..مقابلة أنطونيو بلليتيري

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الشرق #الاستشراق #الفكر_الاستراتيجي# الشرق_الأوسط #التنطيق_العالمي #التنطيق_العالمي_المعاصر #الاستشراق_الانكلوأمريكي #دراسة_الشرق_الأوسط #تسمية_الشرق_الأوسط