تعَدّ معرفة هوية النظام الاقتصادي، مدخـلاً لاستقراء واقع الاقتصاد، وتسهل من مهمة استشراف مستقبله. وعند الحديث عن طبيعة النظام الاقتصادي، لا بدّ من التطرق إلى قضايا جوهرية تتعلق بحجم الموارد وكيفية تخصيصها، وأسلوب اتخاذ القرارات الاقتصادية المتعلقة بالإنتاج والاستثمار والتوزيع، وهل إن هذه القرارات تتسم بالرشادة والكفاءة في استخدام المواد وتعظم من مستوى المنفعة الاجتماعية والربحية القومية.

وبقدر تعلق الأمر بالاقتصاد العراقي فإنه يمتلك مجموعة من الخصائص والسمات المميزة، فهو اقتصاد نفطي، يقف في طليعة قائمة الدول النفطية، فضـلاً عمّا يحظى به من تنوّع موردي مادي وبشري. وبالنظر إلى خصوصية مورد النفط كمورد طبيعي ناضب، يتأثر بشدة بظروف الأسواق الدولية، التي تقرر مستوى الأسعار، ومعدلات وسقوف الإنتاج، وحجم الصادرات، وبالتالي حجم الإيرادات النفطية، فإن هذه الظروف أسهمت في تجريد الاقتصاد العراقي من ملامحه التنموية التي يفرضها تنوعه الموردي والبشري وجعلته رهينة للصدمات الخارجية الناجمة عن تقلبات أسعار النفط، التي ظلت تعصف بحالة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأفقدت عملية التنمية صفة الاستدامة.

بناء على ما تقدم يمكن القول إن المشكلة الاقتصادية في العراق تعود إلى فشل الأنظمة التي حكمت العراق منذ خمسينيات القرن الماضي، في تحقيق مهمة الانتقال نحو الاقتصادي التنموي من خلال استثمار الثروة النفطية في تنويع الاقتصاد وخلق فرص التشغيل المنتج ورفع مستوى التنمية البشرية. وما يميز النظام الاقتصادي العراقي اليوم – الذي انبثق من عملية التغيير السياسي التي ولدت في ظل ظروف الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 – عن الأنظمة السابقة، هو أن السياسات الاقتصادية التي طُبقت في ظل هذا النظام قد عملت على تعميق التوجه الريعي للاقتصاد العراقي، وساهمت في تفاقم الاختلالات الهيكلية بمختلف أنواعها، بعد أن أعلن هذا النظام صراحة عن تبنّيه نموذج النظام الاقتصادي الريعي التابع، وانسحابه الكامل من النشاط الإنتاجي المحلي غير النفطي، من دون أن يعوّض هذا الانسحاب بقيادة اقتصادية مؤثرة تمنح القطاع الخاص الوطني دوراً أكبر في زيادة الاستثمار والتشغيل المنتج، وقد اسهم هذا التوجه في تكريس التبعية بمختلف أشكالها، والتخلي عن الاستراتيجيات والخطط والسياسات الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق التنويع الاقتصادي والنهوض بالتنمية الداخلية ممثلة بقطاعات الناتج غير النفطي وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية، بعد أن كان الأمل كبيراً – من قبل المجتمع العراقي والقوى صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير – في أن يتجه التغيير نحو بناء نظام اقتصادي ليبرالي مؤسسي عقلاني وحداثوي يعمل على تطبيق استراتيجية تنموية جديدة تنجح في بناء اقتصاد متنوع ومتحرر من هيمنة الريع النفطي والسوق النفطية العالمية، يقوده قطاع خاص وطني قادر على زيادة الاستثمار والتشغيل المنتج. غير أن ميزان القوى غلب مصلحة تحالف جماعات الضغط السياسي من ممثلي المكونات والأحزاب المؤتلف مع الرأسمالية الطفيلية ورأسمالية المحاسيب، وهذا التحالف دفع النظام نحو تبني النظام الاقتصادي الريعي – الليبرالي التابع لضمان استمرار تدفق الثروة النفطية وضمان استمرار تحصيل الريع. ومن الطبيعي أن يقود هذا التوجه إلى إهمال قضية التنمية والتنويع الاقتصادي.

أولاً: الإطار النظري لهوية النظام الاقتصادي

 

1 – مفهوم الهوية

يشتمل مفهوم الهوية على مجموعة الخصائص التي تشكل الصفات الجوهرية الثابتة المميزة لشخصية الفرد أو المجتمع أو الاقتصاد، التي تمنحه التفرد والخصوصية، وتقوده إلى إدراك ذاته كموضوع في إطار علاقاته بالآخر. وهو مفهوم مركب يتكون من مجموعة العناصر الثقافية والتاريخية والعرقية والجغرافية والدينية واللغوية والسياسة والاقتصادية ‏[1]. فالهوية تمثل حقيقة وجودية تنمو وتنضج وتتكامل بوجود هذه العناصر. كما أنها قد تتعرض للفناء أو الانشطار تحت تأثير الصدمات والتحديات والتهديدات التي تواجه الهوية‏[2]. فالبنية المعيارية للهوية لا تعني مجرّد انتماء الأفراد أو المجتمعات إلى تلك العناصر، بل هي نتاج لشبكة العلاقات التي تتكون بين هذه العناصر، والهوية بمفهومها الدينامي هي بنية تواصلية وتفاعل مع الآخر المختلف وليس نعرة قومية أو إثنية وانكفاء على الذات وعزلة. هذه الهوية التواصلية هي التي تضمن «اتصالية» المجتمع وتحدد طريقته في رسم الحد الذي يفصله عن محيطه وفي تعيين نمط الانتماء إليه، وقد تدرّجت دلالة الهوية من بنية القرابة (في حدود القبيلة) إلى بنية تماهٍ عقدية دينية أو سياسية (في نطاق الإمبراطوريات القديمة) لكنّها انتهت إلى بنية كلية للأنا. في ظل النظام الرأسمالي الحديث الذي ينظر إلى أفراد مجتمعه بوصفهم «ذوات» حقوقية؛ وذوات أخلاقية؛ وذوات سياسية حرة، وفي ظل هذا النظام أصبح الفرد الحديث «مالكاً» حقوقياً و«شخصاً» أخلاقياً و«مواطناً» سياسياً في آن واحد. وبذلك تتكون الهوية الحديثة على قاعدة «الشرعية والخلقية والسيادة». بيد أنّ الهوية الحديثة تعاني أيضاً تعارضاً داخلياً فيها بين طابعها الكوني وطابعها المحلّي الذي يشكّل قوام الدولة – الأمة. فلم تعد الخصوصيات القومية (العرقية والطائفية واللغوية والثقافية والجهوية والأقلية) كافية وحدها لتأمين الحاجة إلى هوية جماعية تكون قابلة للمصالحة مع البنى الكونية للأنا لذلك على المجتمع المعاصر أن يتغيّر ليس على مستوى إنتاجي فقط؛ على مستوى «سيرورات إنشاء المعايير والقيم التي تميّزه» (نفسه)، أي على مستوى هويته أيضاً‏[3]. وفي القلب من مفهوم الهوية المركب توجد الهوية الاقتصادية.

2 – مفهوم النظام الاقتصادي

يعرَّف النظام على أنه وحدة معقدة تتكون من مجموعة من الأجزاء المختلفة تخضع جميعها لخطة عامة أو كونها تخدم هدفاً عاماً، وأن هناك مقاطع داخلية مكونة لهيكل النظام وأخرى خارج النظام. وتسمّى المقاطع الداخلية المتغيرات وتكون أكثر كثافة في تصرفها وسلوكياتها مقارنة بالمتغيرات الخارجية. فاذا كانت تلك المتغيرات سياسية فإنها تكون نظاماً سياسياً وإذا كانت اجتماعية فتكون نظاماً اجتماعياً أما اذا كانت اقتصادية فتكون نظاماً اقتصادياً‏[4].

أما النظام الاقتصادي فيعرّفه فيرنر سمبارت (Werner Sombart) بأنه: المظهر الذي يجمع بين ثلاثة عناصر، هي: الروحية التي تنعكس في الدوافع البارزة للأنشطة الاقتصادية؛ والشكل وهو مجموعة العوامل الاجتماعية والحقوقية والقانونية التي تحدد إطار الحياة الاقتصادية؛ والماهية، وهي مجموعة الوسائل والتقنيات التي تجري بواسطتها التحولات المادية في الزراعة والصناعة والتجارة. تتحدد طبيعة النظام الاقتصادي من التداخل المنطقي بين هذه العناصر الثلاثة، وأن عنصر الشكل هو المحدد الرئيسي لطبيعة النظام؛ فهو تعبيرٌ عن الروحية التي تنعكس في النهاية بالخلفية الأيديولوجية، التي يقوم عليها النظام، وتتوافق الروحية أيضاً مع مستوى معين من تطور وسائل الإنتاج‏[5].

هناك من يحدد معنى النظام الاقتصادي بثلاثة عناصر أخرى هي الأيديولوجيا والقوى الإنتاجية وعلاقات الإنتاج‏[6]. وعلى هذا الأساس أيضاً تعرِّف جوان روبنسون النظام الاقتصادي بأنهُ: وحدة تتطلب مجموعة من الأحكام مع توافر الأيديولوجيا التي تسوغ تلك (الأحكام) ومستوى من الوعي يتمتع به أي فرد على نحو يجعله يثابر من أجل تحقيق تلك الأحكام‏[7].

طرأت مجموعة من التطورات على مفهوم النظام الاقتصادي عززت محتواه المنطقي، وتمكنت من تقديم مجموعة من النماذج والآليات والقواعد والترتيبات المؤسسية الهادفة إلى تحسين عملية توظيف الموارد لرفع مستوى الكفاءة الاقتصادية والتكنيكية وتحقيق العدالة في التوزيع، التي أخذت تنظر إلى النظام الاقتصادي على أنه نظام يتكون من مجموعة من العناصر التي ترتبط فيما بينها بمجموعة من العلاقات، وتحدد الأهمية النسبية لكل عنصر من هذه العناصر بمدى تأثيره في حركة الإنتاج والنشاط الاقتصادي في ظروف معيَّنة. فإذا ما نظرنا إلى عناصر الإنتاج بوصفها متغيرات مؤثرة في عملية الإنتاج وفي حركة النشاط الاقتصادي، فإن تأثير هذه العناصر يتفاوت بحسب نمط العلاقة بين هذه المتغيرات وتنظيمها ونسب الإحلال فيما بينها، التي تتأثر بدورها بكثافة العنصر الإنتاجي في البلد المعني وبآليات التصرف بعناصر الإنتاج من قبل النظام الاقتصادي، ومدى نجاح تلك الآليات في تحقيق الأمثلية الاقتصادية ورفع مستوى الرفاهية وتحقيق العدالة الاجتماعية‏[8].

إن تلك التصورات حول العلاقات بين الموارد الإنتاجية وقوى الإنتاج سبق أن تناولتها عدة نظريات ونماذج بهدف توضيح شروط التوازن العام في النظام الاقتصادي، ويعود الاهتمام بالعلاقات بين الموارد الإنتاجية وحركة التدفقات الدائرة بين الأنشطة الاقتصادية، وتأثيرها في النظام الاقتصادي إلى كانتيون (Cantillon) في بداية القرن الثامن عشر، ثم شهدت تطوراً ملحوظاً على يد فرانسوا كيناي (François Quesnay) الذي صور النشاط الاقتصادي في مجموعها على أنه عملية للإنتاج، ولتجديد الإنتاج. ويعد الجدول الاقتصادي لفرانسوا كيناي نقطة البدء في تحليل ماركس لنماذج تجديد الإنتاج البسيط والموسع، ويعترف ماركس له بالفضل في تزويده بالأساس الذي استطاع من خلاله تطوير نماذج تجدد الإنتاج. كما استند Leontief إلى هذا الجدول في بناء جدول المدخلات – المخرجات الذي يشرح علاقات التشابك المتبادل بين خطوط الإنتاج والأنشطة المكونة للاقتصاد القومي، بعد أن وظف التقنيات الرياضية التي أدخلها كل من فالراس وباريتو في تحليلهما لشروط التوازن العام‏[9].

وبقدر تعلق الأمر بالنظام الاقتصادي في الدول المتخلفة، يمكن أن نعد التفسير الذي قدمه ليبنشتاين من أكثر التفسيرات شمولية، إذ يرى ليبنشتاين أن النظام الاقتصادي في الدول المتخلفة يخضع لـمجموعة من الصدمات والمنشطات (Shocks and Stimulants)، فبينما تسهم الصدمات في خفض الدخل فإن المنشطات تعمل على زيادته، فهذه البلدان ستظل فقيرة ومتخلفة عندما تضعف المنشطات وتقوى الصدمات (العوامل السلبية). أما إذا توسعت المنشطات فستتهيأ الظروف المواتية لتحقيق النمو المستدام. وتتوسع القوى الدافعة للنمو من خلال: التوسع في الأنشطة المحفزة للنمو وانخفاض نسبة رأس المال إلى الإنتاج وتطوير البيئة الاجتماعية التي تعزز الحراك الاجتماعي والاقتصادي وتوسع قطاع الصناعة التحويلية وقطاع الخدمات وتشجيع التخصص وتقسيم العمل وخلق الظروف الاجتماعية والثقافية الكفيلة بخفض معدل نمو السكان.

أما العوامل السلبية «الحوافز الصفرية»، فهي العوامل التي لا تؤدي إلى زيادة الدخل القومي، ولكنها تحدث تغييراً في توزيع الدخل. ويشارك رجال الأعمال في الدول المتخلفة في تعزيز أنشطة المجموع الصفري، من خلال استغلال نفوذهم السياسي في تحقيق الاحتكارات وتحصيل الريع من خلال: إدارة المشاريع من قبل مجموعة أنشطة المجموع الصفري وهيمنة الأنشطة التقليدية في القطاع المنظم وغير المنظم، ومقاومة المعرفة والأفكار الجديدة والتعلق بالأفكار والعادات التقليدية القديمة وزيادة الاستهلاك والتوظيف غير المنتج للموارد وزيادة السكان وارتفاع نسبة رأس المال الناتج.

إن تحقيق التنمية في الدول المتخلفة يقتضي أن يعمل النظام الاقتصادي على تهيئة البيئة التي يمكن أن تزدهر فيها «الحوافز الإيجابية»، وهذا الأمر يستلزم تحقيق الحد الأدنى من الجهد الإنمائي للحفاظ على معدل مرتفع للنمو الاقتصادي. بهذه الطريقة، ستزدهر أنشطة المجموع الإيجابي الدافعة للنمو، ويمكن التغلب على أنشطة المجموع الصفري المثبطة للنمو، نتيجة لهذا الحد الأدنى من الجهد الإنمائي الحاسم، الذي سيقود إلى زيادة دخل الفرد وبالتالي زيادة مستوى الادخار والاستثمار‏[10].

يعزى استمرار التخلف وفق هذه النظرية إلى عدم بذل النظام الاقتصادي في الدول المتخلفة لجهود إنمائية كافية للقضاء على الأنشطة الصفرية التي تمثل عوائق النمو، وعلى الرغم من ظهور قوى إيجابية دافعة للنمو تخل بهذا التوازن إلا أن هذا الإخلال بالتوازن سيواجه القوى السلبية المثبطة للنمو. وتتوقف الحصيلة النهائية على القوة النسبية لكل من القوة الدافعة والقوة المعوقة للنمو. وحدد ليبنشتاين ثلاثة مسارات لتوضيح مدى نجاح الأنظمة الاقتصادية في توظيف الموارد الإنتاجية لتحقيق النمو المستدام هي‏[11]:

المسار الأول: أن النظام الاقتصادي سوف يظل دائماً في حالة توازن عند مستوى منخفض من الدخل، أي في حالة ركود مستمر، بحيث إن أي اختلال في هذا التوازن، مهما عظمت قوته ومهما كبر حجمه، سيولد قوى تعمل في الاتجاه المضاد. فالقوى السلبية تكون أقوى دائماً وأبداً من مفعول القوى الإيجابية للنمو مهما كانت قوتها، التي ستعمل على إعادة إنتاج التخلف لضمان دوران الاقتصاد القومي دائماً في الحلقة المفرغة. وقد استبعد ليبنشتاين هذا الاحتمال على أساس أنه من غير المعقول وجود مثل هذا النوع من النظام الاقتصادي.

المسار الثاني: إن أي اختلال في التوازن، سيضع النظام الاقتصادي على مسار حركة تراكمية نحو الأعلى ويتحقق هذا المسار في الدول الصناعية.

المسار الثالث: أن يكون النظام الاقتصادي في حالة من التوازن شبه المستقر بالنسبة إلى الاختلالات البسيطة ولكنه ليس كذلك للاختلالات الكبيرة، وأن النتيجة النهائية ستتوقف على مدى قوة كل من العوامل الإيجابية وقوة مفعول القوى السلبية.

3 – هوية النظام الاقتصادي

على الرغم من عدم وجود تعريف محدد لهوية النظام الاقتصادي، إلا أنه يمكن أن يستدل عليها من خلال أشكالها وأنواعها، التي تعددت وتنوعت بحسب المنظور الذي ينظر من خلاله، فالبعض يعزو الهوية إلى النشاط الاقتصادي الذي تصنف الدولة من خلاله إلى دولة (زراعية صناعية خدمية ريعية). ويمكن تصنيف الدول أيضاً بحسب نظامها الاقتصادي إلى (رأسمالية اشتراكية نظام مختلط)، بينما صنفها آخرون إلى هوية أحادية وأخرى مركبة. ويرى آخرون أنها يمكن أن تقسم إلى دول متقدمة أو صاعدة أو نامية، كما يمكن تقسيمها إلى هوية فطرية وهوية مكتسبة‏[12].

وتشير النظم الاقتصادية إلى مجموعة الأحكام والقواعد والوسائل التي تطبق على النشاط الاقتصادي لحل مشاكله الاقتصادية في النواحي الإنتاجية والتوزيعية والتبادلية، ويتكون النظام الاقتصادي من مجموعة من المؤسسات الاقتصادية التي تتعامل مع الإنتاج، التوزيع، الاستهلاك للسلع والخدمات ضمن مجتمع معيَّن. فالنظام الاقتصادي هو نظام الإنتاج، وتخصيص الموارد، وتوزيع السلع والخدمات داخل مجتمع أو منطقة جغرافية معينة. ويشمل الجمع بين مختلف المؤسسات والوكالات والهيئات وعمليات صنع القرار، وأنماط الاستهلاك التي تمثل الهيكل الاقتصادي للمجتمع معيَّن. على هذا النحو، والنظام الاقتصادي هو نوع من النظام الاجتماعي. أسلوب الإنتاج هو مفهوم ذات الصلة.

يركز تحليل النظم الاقتصادية تقليدياً على الانقسامات والمقارنة بين اقتصادات السوق والاقتصادات المخططة، وعلى التمييز بين الرأسمالية والاشتراكية. وفي وقت لاحق، توسّع تصنيف النظم الاقتصادية ليشمل الموضوعات والنماذج الأخرى التي لا تتوافق مع الفصل التقليدي، والتي تشمل الفئات الفرعية التالية من الأنظمة المختلفة: الموارد الطبيعية؛ الطاقة؛ بيئة؛ الدراسات الإقليمية؛ الاقتصاد السياسي؛ المؤسسات القانونية؛ حقوق الملكية. ويهدف النظام الاقتصادي إلى تحديد الشروط الموضوعية اللازمة لفرض استخدام عقلاني للموارد الإنتاجية المتاحة من قبل المتصرفين بهذه الموارد، سواء كانت الدولة أم القطاع الخاص باتجاه تعظيم التراكم الإنتاجي وزيادة الرفاهية الاقتصادية ومحاولة إزالة معوقات النمو الاقتصادي، ومواجهة العوامل السلبية المثبطة للنمو؛ وبصرف النظر عن طبيعة هذا التدخل أو طبيعة المرحلة التي يمر بها البلد، بل وبصرف النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي. وقد أكدت معظم التجارب التنموية دور الدولة الفاعل في هذا المجال، حتى تلك التجارب الأكثر ليبرالية. وهذا ما جعل آرثر لويس يقول «إنني لم أعلم بوجود أي مجتمع في أي مكان أو زمان لم تقم فيه الدولة بدور فاعل في ضبط الإنتاج والتوزيع»‏[13].

إن وصول النظام الاقتصادي إلى تحديد الشروط الموضوعية اللازمة لتحقيق شخصية اقتصادية مميزة للدولة، ينطلق من حرص الدولة على تميز نفسها من خلال تبنيها استراتيجية تنموية تعزز قدرتها الإنتاجية والتنافسية وتجعلها ذات ثقل بين بلدان العالم. وعليه فإن تحديد هوية للنظام الاقتصادي يعد تبنياً لخارطة طريق تساهم في تحديد الخطوط العريضة التي تهتدي بها مؤسسات الدولة وتعتمدها في رسم خططها الاستراتيجية الخاصة بالنمو والتنمية، التي تؤدي إلى تغليب المصلحة الاقتصادية الوطنية وتحقيق الأهداف المنشودة وفي مقدمتها التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي. في المقابل، إن تجاهل مثل هذه التوجهات سيكرس حالة التخلف ويعزز مستوى التبعية الاقتصادية بأبعادها المختلفة، ويقود إلى اضمحلال الهوية الاقتصادية الوطنية، والبصمة الاقتصادية المميزة‏[14].

إن تلك الحقائق تؤكد أهمية تبنّي الخيارات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية القادرة على تعزيز هوية النظام الاقتصادي في العراق من خلال بناء دولة المؤسسات القادرة على الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمن وفرض النظام العام والعدالة بين المواطنين بقوة القانون.

ثانياً: توصيف النظام الاقتصادي في العراق

يعد توصيف النظام الاقتصادي في العراق بعد عام 2003 مدخـلاً ضرورياً لتشخيص طبيعة التحول الذي طرأ على هذا النظام، فبعد تجربة استغرقت أكثر من ثلاثة عقود، عاشتها البلاد في ظل نظام اقتصادي ريعي – مركزي قائم على التمركز الشديد للدولة استطاعت الدولة المتحولة في عام 2003 توصيف نظامها الاقتصادي الجديد كنظام (ريعي – ليبرالي)‏[15].

نصت الفقرة ثانياً من المادة (112) من دستور العراق عام 2005، على أن تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار. وأكدت المادة (25) من هذا الدستور أن الدولة تكفل إصلاح الاقتصاد العراقي وفقاً للأسس الاقتصادية الحديثة من أجل ضمان الاستثمار الكامل لموارده وتنوع مصادره وتشجيع وتنمية القطاع الخاص. أما المادة (26) فقد شددت على أهمية فصل اقتصاد السوق الحر وقطاع الأعمال عن نشاط الحكومة. وقد أكدت تلك الفقرات ما يأتي:

1 – السمة الريعية للاقتصاد العراقي

الاقتصاد العراقي هو اقتصاد ريعي، يعتمد في عائداته النقدية اعتماداً شبه مطلق على «الريع النفطي»، في غياب أي أنشطة إنتاجية أخرى تسهم في الإيرادات العامة، نتيجة لضعف ومحدودية قاعدة الإنتاج السلعي. ربما يتنافى هذا الأمر مع حقيقة اقتصاد السوق الذي يقتضي أن يكون النشاط الخاص هو مصدر الفائض الاقتصادي.

إن هذا الاعتماد شبه المطلق على الريع الخارجي جعل الدولة تنظر إلى إيرادات النفط بوصفها ريعاً خارجياً مكتسباً تحصل عليه من بيع النفط في الأسواق الخارجية وكأنه هبة خارجية مستمرة ومنتظمة ولا يتولد من العمليات الإنتاجية الداخلية للاقتصاد الوطني، في ظل انعدام الترابطات الإنتاجية بين إنتاج النفط وبين قطاعات الاقتصاد الوطني الأخرى. لذلك فإن الاقتصاد العراقي يعتمد كلياً على إيرادات النفط وبنسبة تتجاوز 95 بالمئة من الموازنة العامة. إن استمرار هيمنة قطاع النفط على الاقتصاد العراقي تفسر سبب استمرار الحاجة إلى الدور المركزي للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان على الرغم من التوجهات الليبرالية، وهو ما يؤدي إلى مزيد من مركزية الدولة. والواقع أن الاقتصاد الريعي قد أحدث خلـلاً في ميزان القوى المجتمعية بين الدولة والمجتمع من خلال استقواء الدولة بمصادر التمويل الريعي وضعف المجتمع، وكلما ضعف اعتماد الدولة على المجتمع، ضعفت مكانة المواطن، وأصبح عبئاً على الدولة التي تقوم بإطعامه وإخضاعه من أجل القبول بالأمر الواقع. يقود هذا الأمر إلى تقوية الحلقة المفرغة بين اعتماد الدولة الكبير على الإيرادات النفطية واعتماد المواطنين الكبير على الدولة ‏[16].

ومن أبرز مظاهر السمة الريعية للاقتصاد العراقي ما يأتي ‏[17]:

أ – هيمنة القطاع النفطي على تكوين الناتج المحلي الإجمالي، التي تجاوزت نسبتها أكثر من 50 بالمئة خلال المدة (2004 – 2017) في مقابل تراجع مساهمة الناتج غير النفطي، وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية الذي لم تتجاوز مساهمتهما 5 بالمئة لتواصل وتدني وتائر نموهما، وهذا ما عمق الاختلالات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد العراقي.

ب – ارتفاع معدلات الإنفاق الحكومي بدون الحاجة إلى فرض ضرائب.

ت – ارتفاع الأهمية النسبية للصادرات النفطية تصل في العراق إلى أكثر من 95 بالمئة من إجمالي الصادرات.

ث – ارتفاع الأهمية النسبية للإيرادات النفطية التي تشكل أكثر من 85 بالمئة من إيرادات الموازنة العامة.

ج – الاعتماد شبه المطلق على الاستيراد، نتيجة لانحسار القدرات الإنتاجية للقطاعات السلعية.

2 – التوجه الليبرالي وتبني اقتصاد السوق

إن الاندفاع نحو التوجه الليبرالي للنظام الاقتصادي في العراق، جاء مسنوداً من المنظمات الدولية المؤيدة للعولمة وبدعم من الولايات المتحدة. فقد ركزت السياسة الاقتصادية للحاكم المدني الذي عيَّنه الاحتلال الأمريكي عام 2003 على تطبيق اقتصاد السوق، واتخاذ الإجراءات كافة الكفيلة بالتحرر الاقتصادي وسرعة الاندماج بالاقتصاد العالمي. وقد أُعلن عن التخلي عن النظام المركزي والمخطط الذي كانت الدولة بموجبه تتولى مهمة تخصيص الموارد وتحديد كميات وأسعار السلع والخدمات التي سيتم إنتاجها. إن الدعوة إلى تبنّي اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة وخفض الضرائب وتشجيع القطاع الخاص، ومنحه الحرية في التملك والعمل والمنافسة والتبادل، تعد تطوراً اقتصادياً تاريخياً موضوعياً وإيجابياً. غير أن الاستفادة منه تتطلب تحسين كفاءة أداء الاقتصاد الوطني وقدراته التنافسية. لكن في حالة العراق، حدث نوع من الخلط بين وظائف وطرائق إدارة الدولة للاقتصاد والموارد العامة وبين طرق وإدارة الشركات والمصالح الاقتصادية والأعمال الخاصة، في غياب التنسيق المناسب بين الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية العامة وبين متطلبات زيادة الاستثمار الخاص، الوطني والأجنبي، لزيادة فاعلية آلية السوق. إن هذا التوجه دفع نحو المزيد من الاعتماد على الإيرادات النفطية، وتركيز جهود السياسة الاقتصادية على تعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية والتحرر المالي مع اهمال شبه كامل للتنمية الداخلية وقطاعات الإنتاج المحلية، بعد أن أعلنت الحكومة انسحابها الكامل من النشاط الإنتاجي غير النفطي، لمصلح القطاع الخاص. فإذا كانت الليبرالية تعني احترام الحريات الاقتصادية، فإنها لا تعني بالضرورة تحرير الاقتصاد الكامل من تدخّل الدولة وإنهاء وجود القطاع العام. فانسحاب الدولة وتخليها عن وظيفتها الإنتاجية في العراق بعد الغزو لم يقترن بتبلور قطاع خاص وطني قادر على تعويض انسحاب الدولة من قطاع الإنتاج، وقد زاد الأمور تفاقماً اقتران هذا الانسحاب بتبنّي التوجهات الليبرالية للسياسات التجارية، وهذا ما أدى إلى إنهاء وجود الصناعات المحلية في القطاعين العام والخاص لعدم قدرتها على منافسة السلع المستوردة وتحويل الاقتصاد العراقي إلى حاضنة ريعية استهلاكية تابعة‏[18].

3 – التوجه الاستهلاكي للنظام الاقتصادي

هناك عدة عوامل دفعت نحو تفاقم التوجه الاستهلاكي للنظام الاقتصادي في العراق بعد عام 2003 من أبرزها‏[19]:

أ – تبني فكرة المحاصصة أو نظام المكونات في دستور 2005

إن دَفْعَ ممثلي المكونات إلى الضغط باتجاه إبراز سعة (المكوّن) مالياً ولا سيمّا من خلال تعظيم المصروفات الاستهلاكية في الموازنة التشغيلية، جعل تركيز السياسات المالية على مدار عقد كامل ينحصر في تصميم آليات لتوزيع موارد الريع النفطي على المكونات، أكثر من تركيزه على تصميم استراتيجيات للنهوض بالتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ب – تلبية رغبة المكونات

أدّت تلبية رغبة المكونات إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام وفق أسس استهلاكية، وهذا الأمر دفع بالإنفاق التشغيلي إلى رأس سلم أولويات المالية العامة، فخلال المدة 2004 – 2014 تم صرف ما يزيد على النصف تريليون دولار على الإنفاق الحكومي الاستهلاكي غير المنتج.

ج – طغيان النفقات التشغيلية على النفقات الاستثمارية

ساهم التوجه الاستهلاكي للإنفاق العام في تعميق الاختلالات بكل أنواعها، نتيجة طغيان النفقات التشغيلية على النفقات الاستثمارية الذي ساهم بدوره في تغذية التوجه الريعي وإهمال قطاعات الإنتاج، دون أن يجد استجابة مناسبة من الجهاز الإنتاجي المحلي، فكان القوة الدافعة لتوليد الضغوط التضخمية وبخاصة في ظروف الصدمات الخارجية وانخفاض معدلات الاستيراد عندما تتدهور إيرادات النفط كما حدث خلال المدة 2014 – 2018

4 – التوجه الخارجي للنظام الاقتصادي

ظل التوجه الخارجي للنظام الاقتصادي يركز على تقوية أصرة الارتباط بالخارج وساهم في بروز توجهات ليبرالية منفلتة نسبياً، عملت على تجميد التشريعات التي تراعي التنمية وحقوق المستهلك والمنتج الوطني، من مخاطر الإغراق التجاري كقوانين للتعرفة الجمركية والتنافسية وحماية المنتج الوطني وحماية المستهلك، ولم يولِ أي اهتمام بالتنمية الداخلية. وقد خلق هذا التوجُّه نوعاً من التصادم بين سعي الحكومة لتعزيز المركزية، وبين طموح النشاط الخاص نحو توسيع نطاق الحرية الاقتصادية وتقوية استقلالية السوق الداخلي. تجسد هذا التعارض في استمرار العمل بالنصوص التشريعية المعرقلة للحرية الاقتصادية ونشاط السوق، وضعف الإجراءات المتخذة لتحسين بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار. فما زال العراق يحتل المراتب الأخيرة في مؤشرات بيئة الأعمال، وهذا الأمر جعل سلوك النشاط الخاص شديد الصلة بالنشاط الاستهلاكي للحكومة وبعيداً من مجالات الاستثمار الحقيقي، وقاد هذا الاتجاه إلى تدني النشاط الإنتاجي للقطاعين العام والخاص إلى أدنى نقطة في تاريخ البلاد الإنتاجي‏[20].

ثالثاً: دور القطاع الخاص في النظام الاقتصادي في العراق

عرف النظام الاقتصادي في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921، نموذجين من النظم الاقتصادية وهما النظام المركزي، أي هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي، والنظام اللامركزي الذي يعتمد على القطاع الخاص. وتأثرت درجة مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بعدة عوامل؛ منها ما هو مباشر كظروف إيرادات النفط وما تتركه عجز أو فائض في الموازنة العامة، وما هو غير مباشر كفلسفة النظام السياسي ودرجة الاستقرار الأمني والسياسي والتأثيرات الإقليمية والدولية. وفي جميع الأحوال كانت الحكومة تتعامل مع القطاع الخاص من منطلقات ريعية صرفة، ليس من منطلق الشراكة في إدارة النشاط الاقتصادي. فعند وفرة موارد النفط يحتكر القطاع العام النشاط الاقتصادي ويعمل على إزاحة النشاط الخاص، وعند تراجع تلك الإيرادات وارتفاع حجم العجز في الموازنة العامة، يأخذ القطاع الخاص دوراً اقتصادياً أكبر. إن هذا الوضع جعل النشاط الخاص يستند إلى بيئة قانونية هشة وغير صلدة، ففي غياب الاستقرار في الشروط القانونية سترتفع المخاطرة وتنعدم الثقة وسيكون من الصعب أن يمارس القطاع الخاص نشاطه في ظل تلك الظروف. ويمكن الوقوف عند اهم المحطات لمتابعة التحولات في دور النشاط الخاص في الاقتصاد العراقي:

1 – مرحلة الليبرالية التقليدية

تميزت المرحلة الأولى من فترة الحكم الملكي (1921 – 1950)، بضعف الإيرادات العامة التي دفعت الحكومة إلى التعامل مع القطاع الخاص كشريك مهم في النشاط الاقتصادي. غير أن هذا التوجه تراجع في عام 1951 بعد توقيع اتفاقية مناصفة الأرباح التي أدت إلى زيادة كبيرة في الإيرادات النفطية، دفعت إلى توسيع نطاق تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي من خلال إنشاء مجلس الإعمار ووضع الخطط التنموية، ويمكن القول إن هذه الاتفاقية وضعت اللبنات الأولى للنظام الاقتصادي الريعي في العراق بترسيخها مبدأ الاعتماد المتزايد على إيرادات النفط‏[21].

كما تميز النظام الاقتصادي في مرحلة 1921 – 1958 بالتبعية لتوجهات الحكومة البريطانية التي شجعت التوجه الليبرالي في المرحلة الأولى، إلا أن تغيُّر الظروف الاقتصادية في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية وبروز الأزمات دفعها إلى تشجيع النظام على ممارسة قدر أكبر من التدخل في الشؤون الاقتصادية وتوسيع دور القطاع العام.

2 – مرحلة النظام الشمولي

تميزت المرحلة في أعوام 1959 – 1986 بهيمنة العامل السياسي على التوجهات الاقتصادية والرغبة في تصفية الطبقة الاقطاعية والرأسمالية. وقد تعزز هذا التوجه بارتفاع نسبة إيرادات النفط في الموازنة العامة التي أسهمت في توسيع نطاق تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والتوسع في إدارة النشاط الإنتاجي‏[22]. وقد بلغ هذا التوجه أوج مراحله بصدور قرارات التأميم عام 1964 التي أدت إلى إزاحة النشاط الخاص بشكل شبه كامل عن النشاط الإنتاجي. وكرس الدستور المؤقت في عام 1968 حالة تهميش القطاع الخاص من خلال تحديد هوية الاقتصاد العراقي في المادة (12)، التي نصت على أن «الدولة تتولى مهمة تخطيط وتوجيه وقيادة الاقتصاد الوطني بهدف إقامة النظام الاشتراكي». وبعد تأميم النفط في عام 1972 وتحقيق الطفرة النفطية الأولى في عام 1973 تهيأت للحكومة موارد مالية ضخمة دفعتها إلى تبني مبدأ التخطيط المركزي، واحتكار عملية الإنتاج في معظم الأنشطة الاقتصادية، وفي عام 1980 دخل العراق الحرب مع إيران وهبطت معدلات إنتاج النفط إلى أقل من مليون برميل يومياً. كما انخفضت معدلات التصدير إلى نحو 600 ألف برميل يومياً. وقد ساهمت ظروف الحرب خلال أعوام 1980 – 1988، في تغيير أولويات الإنفاق العام، لمصلحة الإنفاق الأمني والدفاعي. وتؤكد المعطيات أن السياسات الاقتصادية التي اتُّبعت خلال تلك المدة قد ساهمت في تعميق الاختلالات الهيكلية وفرضت المزيد من القيود على الحريات السياسية والاقتصادية. وقد خلق هذا التوجه دينامية ذاتية لتبديد الموارد، كما تركت هذه الانحرافات تأثيرات سلبية في الكفاءة الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية وكفاءة عملية تعبئة وتوزيع الموارد‏[23].

3 – تبني سياسات الخصخصة

شهدت أعوام 1987 – 1990 ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات العجز في الموازنة العامة لارتفاع تكلفة الحرب مع إيران وبروز المطالبات بتسديد الديون وتراجع إيرادات النفط، علاوة على ظهور الاختناقات والسلبيات في أداء القطاع العام، لتراجع مستوى الدعم المقدم له. دفعت هذه الظروف الحكومة إلى تبني توجهات جديدة تدعو إلى تفعيل دور القطاع الخاص من خلال تطبيق نظام الخصخصة لتحويل ملكية عدد كبير من المشروعات الصناعية والتجارية والخدمية إلى القطاع الخاص والمختلط، فضـلاً عن تحرير القيود وتحرير التجارة، كما أنشأت الدولة سوقاً للأوراق المالية، وألغت نظام التسعير الإلزامي والحماية الجمركية وخففت من سياسات دعم الأسعار. إلا أن تللك الإجراءات جاءت كرد فعل على الأزمات والمشاكل، ولم ترقَ إلى مستوى البرنامج التنموي الشامل الهادف إلى تصحيح المسار الاقتصادي باتجاه رفع الكفاءة الإنتاجية. وساهمت تلك الإجراءات في رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من نحو 17 بالمئة عام 1980 إلى أكثر من 46 بالمئة عام 1990‏[24].

4 – مرحلة دمار التنمية والعقوبات الدولية

تعرضت البنية التحتية والإنتاجية في العراق لضربات موجعة خلال حرب تحرير الكويت عام 1991، ووصلت نسبة التدمير إلى أكثر من 90 بالمئة، كما أخذت صناعة النفط بالتدهور. كما شهدت أعوام 1991 – 2003 ظروف فرض العقوبات الدولية على العراق، وتوقف صادراته النفطية، وقد دفعت تلك الظروف إلى عودة الحكومة للاهتمام بالقطاع الخاص والتقدم بخطة إصلاحية عام 1995 تضمنت قرارات وإجراءات متعددة استهدفت الحد من تأثير التضخم وتقليص العجز في الموازنة العامة وتقليص الإنفاق العام، وأردفتها بحركة إصلاح أخرى في عام 1996 بعد تطبيق اتفاقية النفط مقابل الغذاء، صدرت خلالها عدة تشريعات تهدف إلى توسيع دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي والإنتاجي.

5 – العودة إلى النموذج الليبرالي التابع

تميَّزت أعوام 2003 – 2018 بإصدار مجموعة من التشريعات ذات الصبغة الليبرالية، التي استهدفت تحرير السوق العراقية وتقوية اندماجها بالسوق العالمية من خلال تجميد تشريعات التعرفة الجمركية والتشريعات ذات الصلة بحماية المنتوج الوطني وحماية المستهلك، إلا أن تلك التشريعات لم تولِ قدراً مماثـلاً من الاهتمام لتنشيط القطاع الخاص المحلي وبخاصة في المجال الإنتاجي، فعلى الرغم من تبني النموذج الليبرالي واقتصاد السوق، لا يزال هناك عدد كبير من القوانين المعرقلة للحرية الاقتصادية ونشاط السوق، ويمكن القول بأن القطاع الخاص الإنتاجي قد تعرض لأسوأ انتكاسة في تاريخه بسبب استمرار تلك القيود، إلى جانب التدهور الأمني وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي خلال المدة المذكورة، الذي تسبب بتوقف عدد كبير من المشروعات الصناعية الخاصة، إما بسبب التدمير الذي تعرضت له منشآتها وأعمال السلب والنهب التي ترافقت مع ظروف الاحتلال الأمريكي عام 2003، وإما نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج أو تراجع قدرتها التنافسية بفعل سياسات الإغراق. ويتبين من الشكل الرقم (1) أن عدد المنشآت الكبيرة المتوقفة التابعة للقطاع الخاص قد وصل إلى أكثر من100 منشأة خلال المدة 2004 – 2008 مقارنة بعددها في عام 2000، وارتفع عدد المنشآت المتوقفة إلى 258 في عام 2014، ثم إلى 332 في عام 2016 ووصل إلى 411 في عام 2017. ويعود السبب في الارتفاع الكبير في عدد المنشآت الكبيرة المتوقفة خلال المدة 2014 – 2017 إلى تمكن التنظيمات الإرهابية من السيطرة على نحو 35 بالمئة من الأراضي العراقية وخروج خمس محافظات عن السيادة وعن الحسابات القومية أو حسابات الدخل القومي، ناهيك بالدمار الذي حصل بالبنية الإنتاجية والتحتية لتلك المحافظات، فضـلاً عن نزوح نسبة كبيرة من السكان قدرت بنحو خمسة ملايين نازح من هذه المحافظات وتحولهم إلى لاجئين.

وقد عزز هذه الانتكاسةَ التدهورُ الذي أصاب بيئة الأعمال نتيجة للتدهور الشديد في الوضع الأمني والسياسي وضعف المركز المالي للمستثمر العراقي وانتشار الفساد وارتفاع تكلفة المعاملات وضعف نفاذ القانون وضعف دور الجهاز المصرفي في تمويل المشروعات‏[25]، وتدهور البنية التحتية وبخاصة نقص الكهرباء والمشتقات النفطية وارتفاع أثمانها. فكانت النتيجة تصاعد معدلات هجرة رؤوس الأموال وهروب المنظمين إلى دول الجوار بحثاً عن الاستقرار وتجنباً للخسارة والمخاطرة عند استثمار أموالهم. كما أن ظاهرة التردد والتغير المستمر والمفاجئ في إجراءات السياسات الاقتصادية خلال المدة 2003 – 2018 أضعفت الثقة بها وبالمؤسسات التي كانت تحاول تنفيذها وبالسلطة التي أصدرتها. ونتيجة لذلك، دخل القطاع الخاص العراقي في حالة من الفوضى والتخبط وانعدام التخطيط على المستوى الوطني والمستوى القطاعي بعد عام 2003، تركزت بوضوح في قطاعَي الزراعة والصناعة اللذين تحمّلا الثقل الأكبر من هذه المخاطر والتحديات التي يمكن ان نوجزها بالنقاط الآتية‏[26]:

أ – تحديات القطاع الزراعي الخاص

واجه هذا القطاع خلال المدة 2003 – 2018 عدداً من التحديات من أبرزها:

  •  ضعف إمكانياته المالية لضعف التمويل المصرفي، وتعقيدات عملية الحصول على القروض الزراعية.
  •  مشكلة الملوحة، التي أدت إلى ارتفاع نسب التصحر إلى 40 بالمئة.
  •  ضعف الخدمات التسويقية وبخاصة النقل والخزن الذي يتسبب في تلف الكثير من المحاصيل الزراعية.
  •  محدودية الموارد المائية، ومحدودية الطاقات الخزينة المتاحة حالياً.
  •  إغراق الأسواق العراقية بالمنتجات الزراعية المستوردة إلى درجة باتت تهدد مستقبل الإنتاج الزراعي في العراق.
  •  التخلف التقني لتقادم الآلات والمعـدات وتدهور شبكات الري والمجاري ونقص الأسمدة والبذور المحسنة وغيرها.
  •  تحول الشباب نحو العمل في المجالات التي تتميز دخولها بالارتفاع والاستقرار مثل أجهزة الشرطة والجيش ووظائف أخرى.
  •  ضعف دور الإرشاد الزراعي، إلى جانب تدني مستـوى أساليب فحص وتصديق البذور.
  •  تعرُّض الإنتاج الزراعي للأمراض والأوبئة بسبب النقص في المبيدات والأسمدة الكيميائية.
  •  تراجع مستوى الدعم الحكومي في توفير الآلات والمعدات والمكائن وشبكات الري والأسمدة والبذور.

 

ب – تحديات القطاع الصناعــي الخـاص

واجه هذا القطاع خلال المدة 2003 – 2018 عدداً من التحديات من أبرزها:

  •  تدهور القدرة التنافسية بسبب سياسة الانفتاح التجاري الذي أدى إلى أغلاق الكثير من معامل القطاع الخاص.
  •  عدم شمول القطاع الصناعــي الخـاص بتمليك الأرضي في قانـون الاستثمار الرقم 13 لسنة 2006.
  •  إجراءات تسجيل الشركة الصناعية لدى وزارة الصناعة والمعادن تتسم بالروتينية والتعقيد.
  •  ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج بسبب فرض ضـرائـب جمركية مرتفعة تصل إلى 20 بالمئة.
  •  فرض ضرائب مرتفعة على دخول أصحاب الشركات الصناعية، الذي أدى إلى تآكل رؤوس أموال الصناعيين ورجال الأعمال.
  •  ضعف التمويل بسبب انخفاض القروض التي تمنح من قبل هيئة التنمية الصناعية والمصرف الصناعي.
  •  نقص الطاقة الكهربائية وارتفاع أسعار الوقود، الذي أثر سلباً في نسب استغلال الطاقات الإنتاجية لمنشآت القطاع الصناعي الخاص.
  •  تخلُّف المناطق الصناعية وافتقارها إلى الخدمات.
  •  تقادم التكنولوجيا ورداءة نوعية الإنتاج الصناعي، وهو ما أدى إلى تفضيل المستهلكين للسلع الصناعية المستوردة.

 

وفي ضوء تلك الحقائق أصبح القطاع الخاص بشقه الإنتاجي غير مؤهل للشراكة أو لقيادة عملية التنمية، فهو لا يمتلك القدرات الفنية والإدارية الكافية ولا الموارد المالية اللازمة لتمويل التنمية، إلى جانب التأخر في الإجراءات التشريعية والهيكلية والفنية المتعلقة بخلق البيئة الاستثمارية الملائمة لعمل اقتصاد السوق وجذب المستثمرين، فضـلاً عن سيطرة الدولة على القطاع المالي والمصرفي وعجز هذا القطاع عن تلبية متطلبات القطاع الخاص من رأس مال وأداء دوره في تعبئة مدخرات المؤسسات والأفراد وتحويلها إلى استثمارات في القطاعات الإنتاجية للقطاع الخاص.

الشكل الرقم (1)

عدد المنشآت الكبيرة وعدد المتوقف منها في القطاع الخاص

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، إحصاءات المنشآت الكبيرة للسنوات (2004 – 2017).

6 – صعود الرأسمالية الطفيلية ورأسمالية المحاسيب

إن التساؤل عن مدى فعالية النظام الليبرالي واقتصاد السوق الذي يقوده القطاع الخاص، يعد منطقياً في ظل الأضرار الفادحة التي لحقت بهذا القطاع، ككيان معنوي نتيجة للتطورات السياسية والأمنية التي شهدها العراق خلال أعوام 1990 – 2017. فقد أدت ظروف الحروب والعقوبات الدولية والإرهاب والتدهور الأمني إلى تكريس السلوك الطفيلي والمضارب الساعي لتحصيل الريع في هذا القطاع للاستفادة من النتائج السلبية للأزمات. كما أن تعاظم الفساد في الجهاز الحكومي، وتبني نظام المكونات بعد عام 2003 قد طبع النشاط الخاص المتشابك مع النشاط الاقتصادي للحكومة، بظاهرة تحصيل الريع، فأصبح معظم نشاط القطاع الخاص يبحث عن فرص التطفل على النشاط الريعي الحكومي، ويسعى إلى دفع السياسة الاقتصادية إلى الأنشطة التي تعظّم الريع. وقد خلق هذا التوجه فئة طفيلية مرتبطة بالنشاط المالي للحكومة، من خلال الدخول في الأنشطة التجارية التي تعتمد على استغلال العلاقات القوية بالمسؤولين الحكوميين. ويتسم هذا النوع من النشاط بالمحاباة في ما يتعلق بتوزيع التصاريح القانونية أو المنح الحكومية أو الخفوض الضريبية الخاصة أو غيرها من أشكال تدخل الدولة في توجيه الشؤون الاقتصادية، حيث تؤثر تلك العلاقات بين رجال الأعمال والحكومة المكرسة لخدمة المصالح الذاتية، على الاقتصاد والمجتمع إلى درجة أفسدت المثاليات الاقتصادية والسياسية التي ترمي إلى تحقيق التنمية وتحسين مستوى الخدمات العامة‏[27].

ومن الطبيعي أن يقود هذا المناخ إلى تراجع دور الرأسمالية المرتبطة بالنشاط الاقتصادي الإنتاجي، فقد تراجع حجمها ووزنها النوعي ودورها وتأثيرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمصلحة الرأسمالية الطفيلية والعقارية، الأمر الذي أدى إلى تراجع الأمل في تطبيق استراتيجية تنموية تهدف إلى بناء اقتصاد متحرر من هيمنة الريع النفطي وتمنح القطاع الخاص المنتج دوراً أكبر في زيادة الاستثمار والتشغيل، فليبرالية النظام وحريته الاقتصادية وضعت الأسس لنظام اقتصادي ريعي لا يقوى على البقاء إلا مع استمرار تدفق الثروة النفطية، واستمرار التبعية للسوق الاستهلاكية العالمية. فتلك السياسات ظلت مقتصرة على توثيق أواصر الاندماج بالسوق العالمية ولم تمتد بنفس القوة نحو تعزيز الترابطات والشراكة مع القطاع الأهلي والنشاط الخاص، فما زال القطاع الخاص الإنتاجي يواجه العديد من العقبات التي تعوق تنميته، ومن أبرزها: الافتقار إلى سياسات واستراتيجيات فعالة لدعم هذا القطاع؛ تقادم وتعقيد الإطارين القانوني والتنظيمي المصمم لاقتصاد شديد المركزية وعدم انتظام إنفاذ السياسات والقوانين القائمة وعدم كفاية وسائل الحصول على التمويل وتضرر البنية التحتية المادية؛ عدم كفاية إمدادات الطاقة ونقص الموارد البشرية المؤهلة، ولا سيَّما العمالة الماهرة؛ تدني مستوى الشفافية في منظومة التوريدات العامة وتعقُّد عمليات تسجيل وإغلاق الشركات واستمرار المنافسة غير العادلة من جانب القطاع العام. وقد أسفرت تلك العوامل المذكورة عن تزايد إغلاق شركات القطاع الخاص، وترتب على ذلك محدودية مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار وفي الناتج المحلي الإجمالي، وافتقاده القدرة على المساهمة في التنوع الاقتصادي أو خلق فرص العمل‏[28].

تدل المؤشرات في الجدول الرقم (1) على أن القطاع الخاص ما زال يهيمن على كل من قطاع الزراعة والخدمات الشخصية وملكية دور السكن، وزادت أهميته النسبية في قطاع البناء والتشييد والصناعة والتحويلية والأنواع الأخرى من التعدين باستثناء النفط الخام، وتراجعت أهميته النسبية في قطاع الكهرباء وأنشطة التوزيع والتجارة والنقل ولكن مشاركته نسبية، كما بقيت مساهمته منخفضة في نشاط المصارف والتمويل والكهرباء.

وإذا علمنا بأن الأهمية النسبية لقطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي خلال المدة 2004 – 2015 لم تتجاوز 2 بالمئة فإن مساهمة قطاع الصناعة الخاص ستعادل 1.2 بالمئة من الناتج، وإذا أضفنا إليها مساهمة قطاع الزراعة، التي لم تتجاوز 4 بالمئة خلال نفس المدة فستكون مساهمة القطاع الخاص في هذين القطاعين الحيويين لا تتجاوز 5 بالمئة في أحسن الظروف، وأن مساهمته الرئيسية تتركز في قطاع الخدمات الشخصية والنقل والتجارة، الأمر الذي يؤكد مدى ضعف هذا القطاع في الاقتصاد العراقي‏[29].

الجدول الرقم (1) 

مساهمة القطاع الخاص في GDP حسب الأنشطة الاقتصادية للمدة 2004-2015 (بالمئة)

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، المجموعة الإحصائية للسنوات (2004-2017).

 

وظلت مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار متواضعة جداً وأقل من 1 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي خلال المدة (2004 – 2014)، وهو مؤشّر يدلل بوضوح على البيئة غير التمكينية ومدى التدهور في المناخ الاستثماري للقطاع الخاص خلال تلك المدة، فما زال العراق يحتل المراتب الدنيا في المؤشرات العشرة المستخدمة في «تقرير ممارسة الأعمال» لعام 2017، (Doing Business 2017: Equal Opportunity for All). ومن أهم المؤشرات المذكورة في هذا التقرير ما يأتي:

  •  يقع العراق في المرتبة 165 (من بين 190 دولة) (مقارنةً بالمرتبة 63 للبحرين، و66 لعُمان، و69 لتركيا، و77 لتونس، و94 للسعودية، و102 للكويت، و118 للأردن، و120 لإيران).
  •  يقع العراق في الترتيب 181 (من بين 190 دولة) في مؤشر الحصول على الائتمان، وحصل على درجة واحدة من 12 في قوة الحقوق القانونية.
  •  بلغت درجة مؤشر مدى شفافية الشركات 2 من 10.
  •  يحتل العراق المرتبة 115 (من 190) في مؤشر تسجيل الملكية.
  •  سجّل العراق أيضاً مستويات متدنية في حماية المستثمرين، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار، وليس لديه سياقات واضحة للتعامل مع الشركات المفلسة.

 

كما تراجع العراق في ترتيب تقرير ممارسة الأعمال لعام 2018 (Doing Business 2018: Reforming to Create Jobs) إلى المرتبة 168 من 190 دولة (مقارنة بـ 60 لتركيا، و66 للبحرين، و69 للمغرب، و71 لعمان، و83 لقطر، و88 لتونس، و92 للسعودية، و96 للكويت، و103 للأردن، و124 لإيران)‏[30].

رابعاً: دور السياسات الاقتصادية
في تكريس نموذج الدولة الريعية

تكشف المراجعة المتفحصة للسياسات الاقتصادية في العراق بعد عام 2003 عن الدور الخطير لتلك السياسات في سوء استخدام الفائض الاقتصادي، وتعميق مظاهر الاختلال والتشوه في الاقتصاد العراقي، وشيوع مظاهر التخلف وتدهور مستويات الإنتاج والإنتاجية، وسنتناول بإيجاز دور تلك السياسات في الوصول إلى تلك النتائج‏[31].

1 – السياسة المالية

يعَدّ غياب الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية للسياسات المالية من أبرز أسباب تعثر الاقتصاد العراقي بعد عام 2003، فقد غيّبت تلك السياسات برامج الاستثمار، لمصلحة الزيادات الهائلة في الإنفاق الاستهلاكي، إذ دفع النظام الاقتصادي الريعي الاستنزافي نحو زيادة الإنفاق الاستهلاكي الحكومي، وبخاصة الإنفاق الأمني والدفاعي، في مقابل التدهور المستمر في البنية الإنتاجية وتدهور البنية التحتية المساندة لقطاعات الإنتاج. وساهم كل ذلك في تفاقم معدلات الفائض في الطلب الكلي، الذي أدّى بدوره إلى زيادة معدلات الاستيراد، بدلاً من الاهتمام في تطوير قطاعات الإنتاج. وقاد هذا النهج إلى تخصيص ما يقارب ثلاثة أرباع الموازنة من النفقات التشغيلية، خلال المدة 2004 – 2018 بالمقابل تراجعت النفقات الاستثمارية فسجلت نسبة أقل من 25 بالمئة كمتوسط لنفس المدة، وهي نسبة منخفضة جداً لا توائم متطلبات إعادة إعمار البنية التحتية والإنتاجية والنهوض بقطاعات الإنتاج غير النفطي. كل هذه العوامل دفعت نحو زيادة أعباء الدولة المالية المتعلقة بتغطية الرواتب والخدمات المقدمة للجهاز الإداري، وقاد إلى تعاظم الطبيعة الريعية للموازنة العامة من خلال زيادة اعتماد الموازنة العامة على الإيرادات النفطية، التي تمثل، في المتوسط، أكثر من 95 بالمئة من إيرادات الموازنة العامة، في مقابل ضآلة الإيرادات غير النفطية التي لم تتجاوز 5 في المئة في أفضل الأحوال. وهذا يدلل على ابتعاد السياسة المالية عن هدف تنويع مصادر الدخل، والاعتماد المفرط على قطاع النفط. فهذا القطاع لا يزال المحرك الرئيسي للنمو، وسيبقى كذلك لأمد طويل في ظل البنية الراهنة للاقتصاد العراقي والتوجهات الحالية للسياسة المالية، وتعميق ارتباط الموازنة بموارد الريع النفطي‏[32].

وقد زاد الأمور تفاقماً غياب الرؤية وضعف الإرادة تنموية والفشل في ترتيب أولويات الإنفاق الاستثماري، فضـلاً عن انخفاض نسب التنفيذ للمشاريع وضعف الكفاءة وشيوع الفساد، الذي جعل تلك التخصيصات لا تترجم إلى مشاريع حقيقية، كما أدى ضعف الخبرة في رسم السياسة المالية في تعميق الأزمة وجعل الخطط مشوّهة وسلبية وذات دوافع غير اقتصادية متصلة بتحصيل الريع. لا يقتصر ضعف الخبرة والكفاءة على جانب التخطيط، بل شمل أيضاً الجانب التنفيذي الذي تميز بتدني نسب تنفيذ الخطط الاستثمارية. باختصار، فإن الموازنة العامة قد أخفقت عبر سياستها المالية في تحقيق قاعدة قوية للنمو الاقتصادي ومالت كثيراً نحو الإنفاق التشغيلي الذي أسهم في استمرار التدهور في البنية الإنتاجية الوطنية.

2 – السياسة النقدية

وضع النظام الاقتصادي الريعي السياسة النقدية في العراق أمام امتحان صعب نتيجة للضغط الشديد الذي ولده الاتجاه الاستهلاكي للموازنة العامة، فقد أدى استمرار تدخل البنك المركزي في نافذة بيع العملة إلى تأكل احتياطيات البنك المركزي من العملة الأجنبية، فضـلاً عن لجوئه إلى تمويل عجز الموازنة بشكل مباشر من خلال السحب من احتياطي العملة الأجنبية. كما أدت التحويلات المالية للتجارة الخارجية للقطاع الخاص إلى تحويل الفوائض المالية إلى مصارف الدول الإقليمية وتعريض الاحتياطي الأجنبي السائل للعراق للنهب من خلال: الدفع نحو زيادة الاستيراد بمعدلات تفوق حاجة السوق المحلية؛ وخلق مصالح غير تجارية لتدوير فائض النقد الأجنبي العراقي لتوظيفه في دول الإقليم. إن هذا التوجه أدى إلى رفع الاستيراد في العراق من نحو 10 مليارات دولار في عام 2003 إلى نحو 58 مليار دولار في عام 2013، وتسبب في خفض احتياطي العراق من العملة الأجنبية من 78 مليار دولار عام 2012 إلى 35 مليار عام 2016.

لا تخرج جميع تلك الظواهر عن التشكيل الريعي الاستهلاكي للعراق وآلياته الذي أسسته الموازنة العامة التي اهتمت بتعزيز النمط الاستهلاكي المصحوب بامتصاص الفائض وسحب القدرات الادخارية الوطنية التي أدت إلى توثيق ارتباط الاقتصاد العراقي بالمصالح التجارية الإقليمية التي ما زالت تعمل بالضد من تنمية الاقتصاد العراقي‏[33].

خامساً: اضمحلال الهوية التنموية وشروط استردادها

أكدت الحقائق – التي ذكرت في الفقرات السابقة – فشل السياسات الاقتصادية في تعزيز استدامة النمو، والتحرر من الاعتماد الكبير على الريع النفطي، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية وتراجع مؤشرات التنمية المتمثلة بانخفاض النمو، وزيادة البطالة، وارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات والمنافع العامة، والتعثر في عمليات إعادة إعمار وتطوير البنية التحتية وإنتاجية. بعبارة أخرى يمكن القول بأن السياسات الاقتصادية التي طبقت في العراق بعد عام 2003 قد ساهمت في اضمحلال الهوية التنموية وتكريس التبعية الاقتصادية (المالية والتجارية والتكنولوجية) نتيجة لتكريسها النظام الاقتصادي الريعي الاستهلاكي التابع وإخفاقها في بناء النظام التنموي. وجاء هذا الفشل كحصيلة للعدد من العوامل، على رأسها ‏[34]:

  •  الفشل في بناء اقتصاد متحرر من هيمنة الريع النفطي والسوق العالمية، يمنح القطاع الخاص الوطني دوراً أكبر في زيادة الاستثمار والتشغيل، من خلال تبني نهج استثماري تنموي واضح يستعين بالقطاع الخاص الإنتاجي.
  •  الفشل في تحقيق الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، بعد أن أصبح من الصعب الجمع بين الطرفين في مجالات خارج نطاق الاستهلاك وفرص الربح والمضاربة وانتزاع الريع.
  •  فشل القطاع الخاص في عمله كمقاول منفذ للموازنة الاستثمارية، وهذا يؤكد استمرار الأداء الضعيف لهذا القطاع، إذ لم تتجاوز معدلات تنفيذ المشاريع الاستثمارية الحكومية 27 بالمئة كمتوسط من إجمالي التخصيصات الاستثمارية المخططة لغاية عام 2014، وتراوحت النسبة بين صفر و10 بالمئة لعام 2013 في بعض المشاريع الحيوية مثل مشاريع المياه والمجاري والبلديات.

 

1 – الفشل في معالجة النمط المشوَّه للتنمية: وهذا يعود إلى استمرار الاختلال في هيكل الإنتاج وهيكل الموازنة وهيكل التجارة الخارجية. إن مسألة تلك الاختلالات هي ليست وليدة النظام الحالي بل هي إرث متراكم، نتيجة لتحكم قطاع النفط الخام بالمتغيرات الاقتصادية الكلية الرئيسية (الناتج المحلي، الموازنة العامة، ميزان المدفوعات، الصادرات، سعر الصرف)، فضـلاً عن تنامي حدة الفساد واستفحاله.

2 – غياب الرؤية الاقتصادية التي تحدد طبيعة التوجه المستقبلي للدولة: وهو غياب على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة، سواء من حيث النظام المتبع، والمذهب المطبق، أو من حيث المكانة التي تريد أن تحتلها الدولة في المستقبل.

3 – تخلي الدولة عن وظيفة دعم النشاط الإنتاجي: هذا فضـلاً عن عدم حماية المصالح الاقتصادية لذوي الدخل المحدود بعد 2003، دون أن يعوض هذا التخلي بوجود بديل مؤثر نتيجة لضعف القطاع الخاص وعدم قابليته على تشغيل قطاعات الإنتاج وخلق فرص العمل المنتج، وهو ما أدى إلى شلل شبه تام لمختلف القطاعات الاقتصادية باستثناء قطاع النفط والغاز.

4 – تفاقم التبعية الزراعية، بعد تفريغ الاقتصاد العراقي من هويته الزراعية، في إثر تراجع الرقعة الزراعية وتدهور حالة الأمن الغذائي، والاعتماد الكبير على الاستيراد.

5 – تفاقم التبعية الصناعية والتكنولوجية، نتيجة للتوقف شبه التام لقطاع الصناعة التحويلية وبخاصة في قطاع وسائل الإنتاج والصناعات الثقيلة بوجه عام.

6 – ترافق نمط الاستهلاك الريعي، فضـلاً عن تدهور مستوى الكفاءة الإنتاجية لمعظم الأنشطة، وهو ما جعل الاقتصاد العراقي رهينة الاستيراد وسياسة الباب المفتوح.

7 – تنامي الديون الخارجية والتعويضات عن الحروب: واجه العراق مشكلة الديون الخارجية، التي أثقلت كاهل الاقتصاد العراقي على مدى عقود طويلة، وهو ما شكل ضغطاً كبيراً على الموازنة العامة من خلال تعاظم أعباء خدمة الدين، وفي ظل تراجع قدرة الاقتصاد العراقي على الوفاء بتلك الالتزامات.

تاسعاً: مداخل استرداد الهوية التنموية

هناك مدخلان لاسترداد الهوية التنموية وهما مدخل التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، التي نستعرضها في النقاط الاتية:

1 – استقلال التنمية

إن استقلال التنمية في معناه الواسع لا يعني غير اعتماد التنمية على القوى الذاتية للمجتمع في المقام الأول. وعليه، فالقضية التي تواجه الاقتصاد العراقي لا تنحصر في بناء اقتصاد غير تابع، وإنما هي قضية مزدوجة تتمثل ببناء اقتصاد غير تابع، وقادر على إنجاز التنمية التي يكون قوامها هوية محددة وقدرات ذاتية. ومن أهم ركائز التنمية المستقلة، ما يأتي‏[35]:

  •  إحداث زيادة كبيرة في الفائض الاقتصادي الفعلي كشرط لا غنى عنه لاستقلالية التنمية. فالتنمية الحقيقية في التجارب التنموية الحديثة في دول جنوب شرق آسيا قامت على المدّخرات الوطنية وتراكم رأس المال الوطني.
  •  قدرة الدولة على صناعة وتحريك التنمية وتأمين استدامتها، من خلال تأليف واختيار النظام الاقتصادي ووضع القواعد التي تتلاءم مع طبيعة الاقتصاد.
  •  المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها كأحد أهم مداخل توليد الطاقات المعنوية ورفع مستوى التمكين السياسي لكل أفراد المجتمع، بما يتيح إدارة غير مباشرة للموارد والعمل على الحفاظ عليها.
  •  تنظيم علاقة الاقتصاد الوطني بالعالم الخارجي.

 

2 – العدالة الاجتماعية

يمكن أن تسهم العدالة الاجتماعية بدور حاسم في استرداد الهوية التنموية، من خلال توفير الظروف التي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وعمليات متكافئة، يعمّ فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية، انطلاقاً من أن تحقيق التماسك الداخلي والقضاء على التشوهات الاجتماعية وإتاحة الفرص للجميع دون تمييز أو إقصاء، من شأنه أن يعظّم من قدرات الدولة الإنتاجية ويقودها نحو نظام اجتماعي مستقر يسهم في دعم النظام الاقتصادي واستقراره. وثمة تصورات متعددة لتعزيز دور تطبيق العدالة وعلاقتها باسترداد الهوية، أهمها‏[36]:

  •  تصور العدالة من الزاوية القانونية: من خلال إرساء نظام قانوني لا يجامل ولا يحابى فيه أحد ويعطى كل ذي حق حقه، أن يعزز من الانتماء للدولة ويعزز أيضاً من الجهد المبذول لتنميتها.
  •  تصور العدالة من زاوية الإنصاف: وتشتمل على توفير مجموعة الحقوق التي تعمل على تعميق الانتماء وتقليل شعور المواطنين بالاغتراب عن بيئتهم الاقتصادية، وهي الحق في العمل والتوظف والحق في نصيب عادل من الثروة، والحق في الحماية الاجتماعية.

 

استنتاجات

إن غياب الرؤية الحكومية الموحدة المتناغمة والمتفق عليها حول وجهة العملية التنموية، نتيجة لغياب الرؤية المشتركة والبرنامج المشترك، وضعف التعاون والفهم المتبادل بين الدولة والقطاع الخاص، قد أعطيا الأرجحية للنموذج الريعي الليبرالي التابع الذي فرضه الاحتلال الأمريكي في عام 2003، ودعمه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبقية مؤسسات المجتمع الدولي، فأدى ذلك إلى:

  •  تعميق ريعية الاقتصاد بالدفع نحو المزيد من الاعتماد على الإيرادات النفطية.
  •  زيادة التوجه الاستهلاكي للحكومة من خلال طغيان نفقاتها التشغيلية على نفقاتها الاستثمارية.
  •  زيادة التحرر المالي لتعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية.
  •  تبديد الفائض الاقتصادي الفعلي من خلال تعظيم الإنفاق غير المنتج وتراجع الاهتمام بالاستثمار والإنتاج.
  •  ضعف الاهتمام ببرامج الشراكة مع القطاع الخاص وخصخصة المشاريع الإنتاجية والخدمية.
  •  تدهور القدرة التنافسية لأنشطة القطاع الخاص وبخاصة الزراعية والصناعية.
  •  التخلي عن سياسات الدعم وتشوُّه نظام الرعاية الاجتماعية.
  •  تدني فرص العمل المنتج في القطاع المنظم وتوسع القطاع غير المنظم.
  •  هروب رؤوس الأموال وهجرة الأيدي العاملة الكفية.
  •  تقليص دور الدولة وقطاعها العام في إدارة التنمية باستخدام التخطيط والبرامج الاقتصادية.
  •  توسع النشاط الطفيلي غير المنتج وتوسع فئة رأسمالية المحاسيب المرتبطة بالأجهزة الحكومية.

 

توصيات

1 – إن ما شهده العراق من سوء تصرف الحكومات المتعاقبة بموارد النفط خلال العقود الماضية يؤكد الحاجة التنموية الشديدة إلى إعادة بناء اقتصاد يتصف بالاستقرار، أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على النفط، وأكثر قدرة على التنافس، بهدف ترشيد التصرف بموارد الريع النفطي، وتفعيل دور الأنشطة التي يقودها القطاع الخاص. إن تحقيق تلك الأهداف يستلزم التعجيل بتبني استراتيجية اقتصادية طويلة الأجل تهدف إلى تقليل الاعتماد على إيرادات النفط من خلال:

  •  تبني هدف التنويع الاقتصادي وزيادة معدلات الاستثمار الإنتاجي.
  •  تطبيق مكثف لبرامج التنمية البشرية وبرامج إعادة تأهيل المهارات بهدف تحسين الإنتاجية.
  •  إدخال التكنولوجيا المتقدمة في مجالات الإنتاج والاتصالات والمعلومات.
  •  تبني سياسات اقتصادية تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي وزيادة فرص النمو الاقتصادي وفرص العمل المنتج.

 

2 – إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الأسلوب الواقعي للتحول من دولة الريعية المركزية إلى الدولة التنموية لتوظيف ريع النفط في خدمة الاستثمار الحقيقي وإعادة هيكلة القطاع الخاص وتغيير واقعهِ الهش.

3 – إن خيار الدولة التنموية التي تقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، سيوفر الظروف الملائمة للقطاع الخاص للتخلي عن السلوك المضارب والطفيلي.

4 – توفير الإطار القانوني الذي يحكم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فضـلاً عن الحاجة إلى توسيع نطاق الشفافية والنزاهة للكشف التام عن جميع المخاطر التي يتعرض لها المال العام.

5 – إن توفير الظروف الموضوعية لزيادة معدلات الاستثمار في الاقتصاد الوطني يستلزم:

أ – توجيه الموازنة الاستثمارية نحو تطوير البنية التحتية.

ب – تحسين مناخ الاستثمار لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص.

ج – خلق صندوق ثروة سيادية يعمل كمصدة مالية وحقيبة استثمارية مؤازرة للموازنة العامة، يستخدم لمواجهة حالات العجز في الموازنة العامة.

6 – البدء بصياغة «النموذج الاقتصادي البديل» الذي يهدف إلى التحرر من فخ الريع النفطي، وينبثق من واقع وتجربة العراق الاقتصادية، بدلاً من استمرار التشبث غير المشروط بتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

7 – إن تفعيل دور القطاع الخاص في العراق يستلزم:

أ – إقامة حوار بناء بين القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية ذات الصلة لتعديل القوانين وأنظمة الاستثمار.

ب – توفير بيئة أعمال ملائمة ومحفزة على المبادرة بما ينعكس إيجاباً على مكانة ودور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.

ج – وضع الإطار التشريعي والقانوني المناسب المنظم لمبدأ الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بما يسهم في خلق المبادرة والتحفيز على النشاط الاقتصادي مباشرة من خلال جوانبه التنظيمية والإدارية، أو من خلال تفعيل دور الأنشطة ذات الصلة بنشاط القطاع الخاص كقطاع المصارف وقطاع التأمينات.

د – معالجة الفساد والمحسوبية: التي تعقد من مهمة اي نشاط اقتصادي سليم.

هـ – الإسراع في أعمار وإيجاد البنى التحتية لخفض كلف الإنتاج ورفع مستوى الأرباح وزيادة وفورات الحجم.

و – تفعيل دور الاتحادات المهنية والنقابات من طريق إجراء انتخابات حرة ونزيهة، لتكوين كيان اقتصادي عراقي قادر على المشاركة بفعالية في مشاريع إعادة إعمار العراق.

 

للمزيد من الدراسات المتعلقة بالاقتصاد العربي اليكم  الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر وآفاق التحول نحو اقتصاد السوق

المياه العربية ثروة تتهددها الأخطار، اطلعوا على الرابط  المياه العربية من النيل إلى الفرات:التحديات والأخطار المحيطة