عقد مركز دراسات الوحدة العربية مساء الأربعاء 8 حزيران/يونيو 2022 ندوة رقمية عبر زووم وصفحة المركز على فيسبوك حول “الانتخابات النيابية في لبنان: تناقضات الداخل وضغوط الخارج”. وقدمت الندوة المديرة العامة للمركز لونا أبوسويرح قائلة “إن الانتخابات جرت في ظل أزمة مالية متفاقمة لم يشهدها لبنان من قبل وفي ظل متغيرات متسارعة في المشهد الدولي والتحالفات الإقليمية”. وأدار الندوة الأستاذ فارس أبي صعب، مدير التحرير في المركز، وشارك فيها ثلاثة متحدثون رئيسيون هم أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية حسام مطر، والباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، بحضور مجموعة من الخبراء والمهتمين.

وفي مقدمته للحلقة النقاشية، اعتبر أبي صعب أن قراءة المشهد الانتخابي في لبنان لا بد أن يحدث في ضوء ثلاث قضايا مفصلية هي: أزمة النظام السياسي والطبقة الحاكمة في لبنان والانهيار الاقتصادي والمالي، النظام الرسمي العربي والاتجاه نحو إنهاء الصراع العربي – الاسرائيلي والتطبيع مع إسرائيل، والانقسام على خيار المقاومة في لبنان، معتبراً أن هذه القضايا حضرت بقوة في معركة الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان وتمظهرت في النتائج.

وركزت مداخلة الأستاذ محمد شمس الدين على دلالات نسب الاقتراع المنخفضة- والتي بلغت 49,2 بالمئة، متراجعة بشكل طفيف جداً عن الدورة الانتخابية السابقة، على الرغم من المال الانتخابي الذي أغرق 7 دوائر انتخابية بارزة، الأمر الذي يعكس عدم مبالاة الناخب اللبناني بالطبقة السياسية القديمة من جهة وعدم ثقته بالبديل من قوى تغيير ومعارضة التي ما كان لها أن تبرز لولا غياب تيار المستقبل عن الانتخابات، قائلاً إن كل الأطراف خرجت خاسرة من هذه الانتخابات.

واعتبر شمس الدين أن الخروقات الحاصلة ضد قوى سياسية تقليدية في بعض الدوائر تعكس بداية التغيير، قائلاً “لو كان للمرشحين التغييريين مصداقية لدى الناس ولو كان القانون الانتخابي مختلفاً لحصل التغيير”، داعياً للعمل على قانون أفضل يفتح أفق التغيير.

وتناول الدكتور حسام مطر تداعيات الانتخابات وأبرزها برأيه تراجع المنطق التوافقي الذي كان يدير العملية السياسية لوقت طويل في لبنان وتجاوز الميثاقية، الأمر الذي سيزيد من التوترات داخل المؤسسات الدستورية وإطالة أمد الوصول للقرارات المطلوبة، بسبب العجز المتمادي عن أخذ القرارات المصيرية والحيوية داخل المؤسسات وعدم القدرة على صياغة التفاهمات برأيه. هذا الأمر، بحسب مطر، سيجعل من المؤسسات عاجزة وعندها يعود الصراع إلى الشارع. وتوقع المراوحة بالقضايا الإصلاحية الأساسية في الفترة المقبلة، ما عدا إقرار بعض البنود الإصلاحية الهامشية، لأن الوصول للإصلاحات الجوهرية يتطلب تسوية دولية كبيرة.

واعتبر مطر أن القوى السياسية لديها أجندات مختلفة وستتصارع فيما بينها على فرض واحدة من ثلاثة قضايا صراعية، فبعض القوى من مصلحتها أن يتركز الصراع السياسي المقبل في لبنان حول قضية المقاومة، والبعض الآخر يريد أن يكون إصلاح النظام السياسي محوراً للصراع، مقابل آخرون يركزون على كيفية توزيع خسائر الأزمة وخطة التعافي.

وأشار الدكتور حسام مطر إلى أن الصراع يدور الآن حول السلطة التنفيذية في لبنان، الأمر الذي سيحدد وجهة الأزمة اللبنانية سواء للانفجار أو التسوية. وقال إن إدارة الملف اللبناني اليومي متروك للفرنسيين بتفويض من إدارة جو بايدن، معتبراً أن التوجه الفرنسي لإحداث تغيير تدريجي في لبنان ويقابله مقاربة سعودية غير واضحة. وقال مطر إن توازن القوى الإقليمية تحتم على حزب الله كيفية تحديد مقاربته الداخلية، فالأخير في مقاربته الحالية لا يبادر إلى كسر المساكنة الداخلية لأن من مصلحته الإبقاء على وضعية بناء معادلة القوة لردع إسرائيل عن شن أي عدوان، لكن سيضطر الى المواجهة بحال تم كسر هذه المساكنة، الأمر الذي سيضر بمشروع المقاومة وقدرتها على ردع العدوان الصهيوني.

وركزت مداخلة الدكتور حسن نافعة على طبيعة النظام اللبناني الفريد والذي لا يستطيع بتركيبته السياسية والطائفية أن ينأى بنفسه عما يحصل في العالم العربي، منذ 1958 ولحد الآن. واعتبر أنه لو كان هناك نظام رسمي عربي حقيقي لهرع لمساعدة لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت وصولاً للأزمة الاقتصادية الحادة، لكن العالم العربي منقسم على نفسه ومن ضمنها الأزمة اللبنانية، بحسب نافعة.

واعتبر نافعة أن النظام العربي منقسم على قضية الصراع العربي-الإسرائيلي ولذا “من الطبيعي ألا يكون النظام العربي مساعداً للبنان على تجاوز أزمته بل العكس، فالانقسام في لبنان صورة مصغرة للانقسام في العالم العربي، بما في ذلك أمور بديهية على رأسها مصدر التهديد الرئيسي للعالم العربي”، على حد قوله، موضحاً أن من يعتبر إيران مصدر التهديد الأول يحارب حزب الله على اعتبار انه امتداد لإيران. وقال إن عودة الولايات المتحدة لطاولة المفاوضات حول ملف إيران النووي قد يؤدي إلى انفراجات، لأن العكس يعني ازدياد الاستقطاب حدة في لبنان.

وفي البعد العربي للمقاومة اللبنانية، شدد الدكتور حسن نافعة على أنها لا تدافع عن لبنان فحسب بل عن المقاومة العربية ككل، مشيراً إلى ضرورة توخي الحذر عند الافتراض أن الدور الأمريكي يتراجع في المنطقة لأن الواقع، وخاصة بعد الأزمة الأوكرانية، يبيّن “أن الحلف الأميركي – الإسرائيلي لا يزال الأقوى والمحرك الأساسي لأحداث المنطقة بما فيها الصراع على الغاز اللبناني، ولا تزال الولايات المتحدة تأخذ على عاتقها الأدوار التي لا تستطيع إسرائيل القيام بها”، على حد قوله.

وتوقعت المديرة العامة للمركز لونا أبوسويرح في الختام مزيداً من التعقيدات في المشهد اللبناني الداخلي والإقليمي في الفترة المقبلة، فضلاً عن غياب الاختراقات الإصلاحية مما سيطيل أمد الأزمة ويزيد وطأتها على كاهل المواطن اللبناني، معتبرة أن “الوهن في لبنان انعكاس للوهن في العالم العربي” في ظل تسارع وتيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني.

يمكنكم مشاهدة الندوة كاملة عن قناة المركز على يوتيوب

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الانتخابات_النيابية_في_لبنان #الأزمة_اللبنانية