مـقـدمـة:

قبل الربيع العربي، واهتزاز الأوضاع ودخول اليمن في دوامة الفوضى وعدم الاستقرار، لم تكن هناك أية احتمالية للخروج من هذا الوضع بادية في المستقبل القريب، فقد ظلّ اليمن طوال القرن العشرين يمثل مصدراً لعدم استقرار الخليج العربي، بحكم الجوار الجغرافي والاجتماعي، خاصة لأقطار مثل العربية السعودية وعُمان اللتين تشتركان معه في حدوده من ناحية الشمال والشرق. لقد ساهمت الأوضاع الاقتصادية والتنموية المتردّية في اليمن، والوزن الديمغرافي الكبير (مقارنة بالأقطار الخليجية)، في عدم استقرار الأوضاع الداخلية في أقطار الخليج العربي، حيث بات اليمن عند أغلب المحلّلين أحد مصادر التهديد غير المادي (اللاعسكري) الذي يواجه أقطار الخليج العربي. إن أوضاع اليمن كدولة فاشلة (Failed State) جعلته يبدو بالفعل رجل الجزيرة العربية المريض، وهو ما قد يؤدي إلى تحطيم النظام الإقليمي الخليجي بصورة كاملة، إن لم تتم مواجهة التهديد الذي يمثله اليمن ومساعدته على الخروج من معضلاته الأمنية والسياسية والاقتصادية المعقّدة[1].

إن تعثّر مسيرة التحول الديمقراطي في اليمن (كما في بقية أقطار الربيع العربي) هو نتيجة لبنيته الاجتماعية القبائلية والسياسية التسلطية من ناحية، وغياب الثقافة الديمقراطية من ناحية أخرى، وتأخر وتردّي أوضاعه التنموية والسياسية والاقتصادية، وسيادة أجواء الاضطراب الداخلي، واحتمالية انتقال هذه الأجواء إلى بقية أقطار النظام الإقليمي الخليجي من ناحية ثالثة، الأمر الذي جعل منه مصدر تهديد جوهرياً لأقطار مجلس التعاون الخليجي الملاصقة له، بصورة لا تقلّ عن التهديد (العدواني) الذي كان يمثله العراق، وما زالت تمثله إيران.

سنحاول في هذه الدراسة معرفة وتحليل أسباب تردّي الأوضاع الأمنية والسياسية داخل دولة اليمن، وتأثيرات هذه الأوضاع المتردّية في البيئات الأمنية الإقليمية والدولية، طارحين الفرضيات التالية:

  • قرب اليمن من أقطار النظام الإقليمي الخليجي يجعل من استقراره وأمنه مسألة تتعدّى كونها شأناً وطنياً أو داخلياً متعلقاً بالحكومة اليمنية.

 

  • إن المأزق الأمني لليمن، وإن كان ينبع في الأساس من داخل الحدود الوطنية اليمنية، صنعته مسبّبات وعوامل داخلية، إلا أن له أبعاداً خارجية وانعكاسات وعواقب وأضراراً تفوق جداً ما قد يتوقع البعض. فاضطراب اليمن وعدم استقراره قد تكون لهما أضرار على الأطراف الإقليمية والدولية أضخم من تلك التي قد تصيب اليمن ذاته.

 

تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول سنتطرق فيه إلى ما هو المقصود (نظرياً) بالمعضلة الأمنية (Security Dilemma) أو «الـمـأزق الأمني»[2] في مجال العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية. في القسم الثاني، سنحاول معرفة وتحليل المسبّبات وراء نشوء «المأزق الأمني» في اليمن، سواء المسبّبات المحلية أو الإقليمية أو الدولية، ومدى التداخل بينها. في القسم الثالث، سنحاول رصد عواقب وانعكاسات هذا المأزق الأمني على الأوضاع الداخلية اليمنية، وآثاره في البيئة الاستراتيجية والأمنية الإقليمية، وفي مستقبل التوازن الدولي بين القوى الكبرى في النظام الدولي، المتصارعة والمتنافسة على تحقيق السيطرة والهيمنة على مناطق استخراج النفط في الخليج العربي.

أولاً: المأزق الأمني: إطار نظري

في سبيلنا إلى رصد ومعرفة المسبّبات وراء نشوء المأزق الأمني اليمني وآثاره وعلاقاته المتبادلة بالبيئات السياسية والعسكرية والاستراتيجية في النظام الدولي والنظام الإقليمي في الشرق الأوسط عامة، والنظام الإقليمي الفرعي (Sub-regional) في الخليج العربي خاصة، فإننا ننطلق من المفهوم الواقعي للأمن والأمن القومي، ومن المنظور الواقعي للنظام الدولي، باعتباره نظاماً فوضوياً تحتل فيه الدول القومية المكانة الرئيسية باعتبارها الفاعل الرئيسي فيه، وباعتبار القضايا الأمنية والدفاعية هي أهم القضايا التي تتبنّاها هذه الوحدات، وأن مفهوم «الأمن» هو القائم بصورة أساسية على مبدأ «أخدم نفسك» (Self–Help) أو «دافع عن نفسك» (Self–Defense)، بمعنى أن الدولة نفسها، وليس غيرها من الدول والقوى الكبرى، هي وحدها القادرة على حماية مصالحها وقيمها من التهديدات التي تواجهها، سواء بطرق دفاعية أو هجومية، وبما يتراءى لها أنه حماية لمصالحها وقيمها المركزية والحيوية.

إننا نتفق، أولاً، مع باري بوزان (Buzan) في أن الدولة القومية (Nation–State) هي المصدر الأعلى للسلطة وهي المعنية بموضوع الأمن (الأمن القومي تحديداً). ثانياً، إن العلاقات الأمنية (كباقي العلاقات بين الدول) هي علاقات اعتماد متبادل، وليست أحادية الجانب. ثالثاً، إن الأمن دائماً ذات طبيعة نسبية. ففي غياب سلطة عليا للنظام الدولي، تصبح مصادر التهديد موجودة من داخل النظام نفسه، وعليه فالأمن سيكون دائماً (وسيظل) نسبياً[3].

ما هـو المأزق الأمني؟

المقصود بالمعضلة الأمنية (أو المأزق الأمني) (Security Dilemma) في مجال دراسات الأمن الدولي من المنظور الواقعي هو «كيفية تحقيق الدول لأمنها وتجنّب تهديد مصالحها وقيمها الحيوية والمركزية، مقارنة بما تمتلكه من مصادر وقدرات وإمكانيات مادية في ظل نظام دولي فوضوي ذي بيئة تنافسية من دون المبالاة بأمن واستقرار الدول الأخرى». ويعرّف جيرفس المأزق الأمني بأنه «مـوقـف معين بين دولتين أو أكثر على استعداد للصراع، وحتى للحرب، من أجل تأمين احتياجاتها الأمنية، ولو على حساب الدول الأخرى»[4]. وعليه، وطبقاً لجيرفـس، يوجد موقف معضلة الأمن عندما تتعدّد الوسائل التي تستخدمها الدول من أجل مساعدتها على تأمين أمنها وتهديد أمن الآخرين. وهو ما أطلق عليه «النموذج الحلزوني» (Spiral Model) الذي يصف كيف أن التفاعلات بين الدول التي تسعى إلى أمنها فقط، يمكن أن تثير المنافسة والتأثير في مجمل العلاقات السياسية بين الدول.

طبقاً لهذا التعريف، فإن الدول في ظل البيئة الفوضوية والتنافسية للنظام الدولي، وفي سبيلها إلى تحقيق أمنها واستقرارها الوطني، تجد نفسها في خضمّ صراعات ومنافسات مع بعض الوحدات الدولية الأخرى، التي تحاول هي الأخرى تحقيق أمنها القومي، ولو على حساب الدول الأخرى. وهو ما يحدو بها إلى إما اتباع سياسات هجومية تمثل تهديداً أو إكراها على الآخرين لصالح أمنها القومي، أو اتباع سياسات دفاعية كاستجابة أو كردّ فعل على بعض السياسات العنيفة من بعض الدول الأخرى.

تتوقف حدّة المأزق الأمني هنا على حجم التوازن بين انتهاج إحدى الاستراتيجيتين، إما الدفاع وإما الهجوم، اللذين هما جوهر دراسة المأزق الأمني للدول، كما يقول جيرفس:

«إن كبر حجم وطبيعة المأزق الأمني يتوقفان على متغيّرين هما: التوازن بين الدفاع والهجوم، والمتغيّر الآخر هو المفاضلة بين الدفاع والهجوم. ونتيجة لذلك، فإن المأزق الأمني يمكن أن يتفاوت بحسب الزمان والمكان. فبالرغم من أن الدول تعترف بالأوضاع والطبيعة الفوضوية الثابتة للنظام الدولي، إلا أنه يمكن القول إنه يمكن أن يكون هناك اختلاف وتنوّع شديدين في جاذبية الوسائل التعاونية أو التنافسية، ووجود فرص كبيرة نحو زيادة تحقيق الأمن أو احتمال قيام الحرب»[5].

سبق الذكر أن بعض تيارات المدرسة الواقعية تتبنّى مقولة إن الهدف الأسمى من وراء الأمن هو «النضال من أجل البقاء» في ظل نظام دولي فوضوي، يغيب فيه وجود سلطة مركزية فوق قومية، تكون قادرة على فرض ووجوب فرض واتباع قوانين معيّنة لحكم العلاقات بين الوحدات الدولية المتنافسة بطبيعتها وفطرتها. وعليه، قد تصبح الدول بين عشية وضحاها، بحسب توافر مصادر ومقوّمات القوة المادية لها، ذات سلوك عدواني، وتمثل تهديداً للآخرين، والعكس صحيح. فقد تتجه بعض الدول العدوانية، بتراجع مصادر ومقوّمات قوتها المادية، إلى انتهاج سلوك تعاوني مهادن خوفاً على مصالحها وقيمها المركزية من التهديد. فالسياسات الدولية يحكمها ويحرّكها الشعور بالخوف وعدم الثقة[6].

ويرى عالم السياسة تشارلز غليسر أنه، على الرغم من تقييد الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي لسلوك الوحدات الدولية، إلا أن بعض السياسات والاستراتيجيات التي تتّبعها بعض الدول قد تكون مؤثرة وفعالة في سعيها نحو تحقيق أمنها القومي في ظل بيئة تنافسية يسودها السلوك الأناني وعدم الثقة والخوف من الآخرين. يقول غليسر في دراسته المهمة عن «المأزق الأمني»:

«في غياب سلطة عليا فوق السلطة الوطنية (الدول) يمكنها فرض الاتفاقيات الملزمة للدول، فإن العديد من الخطوات التي قد تتخذها الدول لدعم أمنها قد تكون مؤثرة ـ ولو بصورة غير مقصودة وغير متوقعة في أغلب الأحيان ـ وتجعل الدول الأخرى أقل أمناً. فالطبيعة الفوضوية للنظام الدولي تفرض قيوداً على سلوك الدول، وحتى وإن تأكدت من حسن نية الدول الأخرى، فهي لا تستخف باحتمال أن يصبح الآخرون عدوانيين في المستقبل، أو حتى التأكد من استمرارهم في اتباع النهج السلمي من عدمه. فكل دولة تسعى بكافة السبل إلى حماية نفسها. إنه نوع من كسب القدرة على تهديد الآخرين. فعندما تواجه بعض الدول بهذا التهديد الواضح، سترد الدول الأخرى بزيادة معدلات تسليحها وعقد التحالفات، حيث ينظر إلى الدولة الأولى كمصدر للتهديد أو العداء. بهذه الطريقة، يولِّد التفاعل بين الدول نزاعاً مختلفاً عن النزاعات التي قد تنجم نتيجة صراع المصالح وتضارب الأهداف. وبالرغم من أن الدوافع الأخرى، مثل الطمع والمجد والشرف، تؤدي دوراً، إلا أن السياسة الدولية يحكمها في النهاية الخوف»[7].

ثانياً: مسببات المأزق الأمني اليمني

يمتد البحث عن مسبّبات معضلة الأمن اليمني ليشمل كافة مستويات التحليل المتاحة لباحثي العلاقات الدولية ودراسات الأمن (المحلي والإقليمي والدولي). فالموقع الاستراتيجي الحيوي جداً لليمن من جانب، وتجاوره مع منطقة الخليج العربي من جانب ثان، وتدهور الأوضاع الداخلية من جانب ثالث، تجعل الأزمات والنزاعات اليمنية الداخلية تؤثر مباشرة في الأوضاع في الجوار الخليجي، والعكس صحيح. فما يحدث في الخليج يؤثر في الأوضاع اليمنية بصورة تكاد تكون مماثلة تماماً لتأثيرها في الخليج ذاته. ولعل ما حدث أثناء حربي الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت)، والثالثة (حرب احتلال العراق)، هو خير مثال تاريخي على صحة تلك الفرضية.

اليمن دولة صغيرة تقع على طرف النظام الإقليمي الخليجي. وهو ذو موارد ضئيلة، محدودة التأثير الخارجي، إلا بما يمتلكه من موقع جغرافي يعتبر مصدر التأثير والنفوذ الوحيد الذي يمكن أن يؤثر به اليمن في المجال الخارجي. إن إشراف اليمن (مع جيبوتي) على أقصر الطرق البحرية لنقل النفط من الخليج إلى أسواقه في أوروبا وأمريكا الشمالية (مضيق باب المندب)، يعطيه فرصة عظيمة لتعزيز وضعه ومكانته الدولية، بضمانه سلامة وسيولة العبور خلال المضيق، وتأمين الحماية والأمن لناقلات النفط، وحماية المضيق من الوقوع في أيدي إحدى الجماعات الإرهابية أو أحد تنظيمات القرصنة البحرية الدولية الموجودة في القرن الأفريقي، بصورة قد تصبح معها اقتصادات أقطار مجلس التعاون الخليجي (والنظام الاقتصادي العالمي أجمع) عرضة للإيذاء (Vulnerability)، واحتمالات التعرّض لاهتزاز جذري يهدد بوقوع أزمات اقتصادية، وأزمات في توفير الطاقة في العالم أجمع، بصورة قد يتهدد معها استقرار، بل واستمرار، النظام الدولي القائم. وعليه، فمن مصلحة الجميع الحفاظ على اليمن كدولة آمنة ومستقرة، لأنه بمنزلة صمام الأمان للمصالح الدولية، حتى وإن كان السبيل إلى الحفاظ على هذا الأمن والاستقرار على حساب اليمن ذاته.

1 ـ المسببات الداخلية

يرى باري بوزان (Buzan) أن شعور الدول بعدم الأمان ينتج من نوعية التهديدات والمخاطر التي تواجهها، سواء داخلياً أو خارجياً، والتي نادراً ما تكون منفصلة عن بعضها البعض. فليس التهديد العسكري أو الاقتصادي القادم من البيئة الخارجية، الذي يمارسه فاعلون دوليون هو فقط مصدر التهديد الذي يواجه الدول، وإنما هناك مخاطر منبعثة من البيئة الداخلية، ناجمة عن فشل الإدارة السياسية، وعدم الاستقرار السياسي، نتيجة غياب التوافق الوطني. وهناك عجز الحكومات عن إشباع وكفاية الرغبات والاحتياجات الأساسية للمواطنين (من سكن وتعليم وعمل وحريات) قد تتسبّب في تهديد كيان الدولة ذاته، تماماً كما يفعل أي عدو خارجي. إن العدو الذي يواجه الدول القومية في عصر العولمة، لم يصبح كما كان من الخارج، وإنما أصبح العدو كذلك في الداخل.

«للمشاكل الأمنية لدى جميع الدول وجهان، خارجي وداخلي. فقد تتمزّق الدول نتيجة للتعارض الداخلي تماماً مثل التدمير على أيدي قوى خارجية. وهاتان البيئتان غير منفصلتين وظيفياً. فقد تتعرّض الدول المتماسكة داخلياً لتحرّشات من جيرانها العدوانيين، أو قد تتعرّض الدول غير المستقرة وغير المتماسكة للسقوط من الداخل، كما حدث مع الإمبراطورية الرومانية ويوغسلافيا والاتحاد السوفياتي، أو بصورة متصلة عندما تسمح الأوضاع الداخلية الممزّقة بالتدخل الخارجي من جانب بعض القوى الخارجية، كما هو الحال في لبنان أثناء الحرب الأهلية عام [1975 ـ ] 1976»[8].

بالنسبة إلى اليمن، هناك العديد من المسبّبات الداخلية، والمرتبطة غالباً بالمسبّبات الخارجية، التي تؤدي إلى عدم الاستقرار الداخلي، ومنها ضعف الأداء الاقتصادي، وانتشار الفساد الإداري والسياسي، وتضخم عدد السكان مع قلة الموارد والفرص المتاحة للعمل، وانخفاض مستوى التنمية، وضعف البناء الاجتماعي والسياسي في مواجهة التحديات والمتغيّرات الدولية، والخلل في توزيع الثروة وتقاسم السلطة … إلخ. كل هذه المسبّبات وغيرها تجعل من الأوضاع الداخلية في اليمن على حافة الانهيار. على سبيل المثال، فإن ضعف الهيكل الإداري والسياسي للنظام اليمني، كون اليمن، كغيره من المستعمرات القديمة في العالم الثالث، ما زال في مرحلة شبه الدولة (Quasi–State) التي قد تتمتع بالاعتراف الدولي، ولكنها لم تنجح بعد في تأسيس وترسيخ سيادتها الداخلية[9]. وحين تتم إضافة أو إسقاط الشعب والمجتمع من الحسابات الأمنية لصالح الأسر والنخب الحاكمة، يجعل ذلك الدولة تعاني مشاكل اجتماعية ـ سياسية تعوق عملية التكامل القومي، ويصبح الأمن القومي مُنصباً فقط على حماية مصالح هذه الأسر والنخب الحاكمة، وليس مصلحة الدولة، باعتبار أن الدولة تصبح ملكية خاصة، أو غنيمة، باستعارة مقولة خليفة السويدي الشهيرة[10].

المسبّب الداخلي الآخر في التأثير في الأوضاع الداخلية والاستقرار الوطني في اليمن هو ارتفاع عدد السكان، ووجود خلل كبير في الهيكل الديمغرافي من جانب، وارتباط ذلك بضعف مستوى الأداء الاقتصادي العام، وانتشار الفساد المالي والإداري، مع وجود نسبة بطالة تصل إلى ما يزيد على 35 بالمئة من إجمالي القوى البشرية في البلاد. هذا الأمر قد يؤدي إلى زيادة معدلات اندلاع النزاعات المسلحة الداخلية، نتيجة هذا الخلل البنيوي، وعدم قدرة الدولة على التكيّف معه، والاستجابة له، بتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.

فقد رأى البعض أن ارتفاع معدل النمو السكاني (كنوع من التغيّر الديمغرافي)، بصورة تؤدي إلى ارتفاع من هم في سن العمل، ولا تتوافر لهم فرص التوظيف والعمالة بعد تحصيلهم لقدر كبير من التعليم، سيؤدي إلى اختلال التوازن، ويكون مدعاة إلى عدم الاستقرار الداخلي بين الجماعات الوطنية، بصورة قد تؤدي إلى اندلاع صراعات سياسية وعرقية، حيث أظهرت إحدى دراسات الأمن السكاني وجود علاقة طردية بين كبر حجم السكان، وازدياد معدلات وقوع الاضطرابات والصراعات المسلحة، ولجوء الدولة إلى أساليب القمع في مواجهتها[11]. وتزيد هذه الاضطرابات كلما كانت نسبة الشباب من إجمالي عدد السكان كبيرة، وبحسب طبيعة الثقافة السائدة. وهو ما يفسر خروج ملايين المواطنين إلى الشوراع والميادين، احتجاجاً على مثل هذه السياسات والأفعال السياسية الجائرة، بصورة أدت إلى سقوط عدد من هذه الأنظمة التسلطية، وعلى رأسها نظام علي عبد الله صالح.

بالنسبة إلى اليمن، فإن نسبة الشباب (15 ـ 45 سنة) من إجمالي عدد السكان، بحسب آخر تعداد للسكان في عام 2006، تزيد على 20 بالمئة من إجمالي عدد السكان (انظر الجدول الرقم (1))، إلى جانب اتسام الثقافة اليمنية بالطبيعة الخشنة، والطابع القبلي المحافظ، بصورة تجعل من القبيلة مصدر التوعية ومركز إصدار وتلقي الأوامر، وبالتالي مصدراً للحراك الاجتماعي والفعل الجمعي المشترك، بدلاً من مؤسسات الدولة أو القانون. فالقبائل في اليمن مصدر رئيسي للسلطة والنفوذ[12]. ومن جانب ثالث، هناك علاقة طردية بين انخفاض مستوى الأداء الاقتصادي، وتزايد التهديدات والمخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية في اليمن، حيث سيؤدي انخفاض مستويات الاستثمار الخارجي، وارتفاع معدلات التضخم، وتفشي صور الفساد الإداري والمالي في التعامل الاقتصادي، وتدهور النظام المصرفي والمالي اليمني، وفساد الأجهزة القضائية والإدارية، وارتفاع نسبة البطالة، جنباً إلى جنب مع ندرة الموارد ومستوى الدخل القومي والفردي، الذي تزامن مع انخفاض كميات النفط إلى أكثر من نصف الإنتاج لعام 2001 (بحسب تقارير البنك الدولي)؛ وقبل كل ذلك، مع انسداد أفق التعبير السياسي، وانتكاسة مساعي استكمال عملية التحول الديمقراطي، إلى جعل من اليمن بيئة ملائمة لأجواء عدم الاستقرار، وتربة خصبة لبزوغ تنظيمات إرهابية، مثل القاعدة وغيرها[13]، وبالتالي القدرة على تهديد جيرانه.

الجدول الرقم (1)

الهرم السكاني في اليمن (2006)

النسبة المئويةنساءرجالالفئة العمرية
425,235,8915,433,121سنة ـ 14
21.12,640,6522,720,79315 ـ 24
30.63,797,5433,974,09125 ـ 54
3.7490,628446,29355 ـ 64
2.6354,135315,141أكثر من 65

المصدر: CIA Fact-book (2012) (Washington DC: Central Intelligence Agency, 2012).

2 ـ المسبّبات الإقليمية

تتركّز مسبّبات عدم الاستقرار والاضطراب الأمني في اليمن على المستوى الإقليمي في الصراع الحدودي بين اليمن والسعودية من جانب، وما يتبعه من الاتهام المتبادل بين البلدين بانتهاك السيادة الوطنية لأحدهما من قبل الآخر. المسبّب الثاني هو الصراع اليمني ـ الإريتري على جزر حنيش الكبرى، إلى جانب بعض المشاكل الفرعية الأخرى، مثل التهديد الديمغرافي الذي يمثله اليمن للعربية السعودية، واتهام اليمن بإيواء وتمويل وتسهيل عبور بعض الجماعات الإرهابية إلى داخل دول مجلس التعاون الخليجي عبر السعودية وعُمان، ومواقف وتوجهات السياسة الخارجية للرئيس علي عبد الله صالح، التي ترى فيها أقطار مجلس التعاون الخليجي سلوكاً عدائياً تجاهها، بما يهدد مصالحها وقيمها، بصورة تؤدي إلى توتر العلاقات مع اليمن، مثلما حدث خلال حرب الخليج الثانية (1990/1991).

بالنسبة إلى الصراع الحدودي بين اليمن والسعودية، الذي تمت تسويته عام 2000 باتفاق البلدين على نشر قوات أمنية مشتركة على طول الحدود اليمنية ـ السعودية، فقد ظلّ طوال القرن العشرين مدعاة للتوتر والصراع المسلح بين الدولتين، بالرغم من أن ترسيم هذه الحدود تم بواسطة الدولتين، وبعيداً من التدخل الخارجي من القوى الاستعمارية. وهي الحدود العربية ـ العربية الوحيدة التي رسمتها أيد عربية[14]. إلا أن امتداد مناطق النفوذ القبائلي والتقاتل على مناطق الرعي (ما عُرف تاريخياً بـ «حرب الغنم») أدى إلى تقاتل الطرفين أكثر من مرة خلال القرن العشرين، بالرغم من توقيع الطرفين لاتفاقية الطائف عام 1934‏[15].

وبعد تسوية الصراع بصورة موقتة، قامت العربية السعودية وبعض أقطار مجلس التعاون الخليجي، بتوجيه أصابع الاتهام إلى اليمن لسماحه باستخدام حدوده مع السعودية كمعابر لتهريب المقاتلين (الإرهابيين) العائدين من أفغانستان، عبر أنفاق داخل الأراضي السعودية، ليسلكوا طريقهم إلى العراق وبعض أقطار مجلس التعاون، وإشاعة أجواء من التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار داخل هذه الدول، إلى جانب تهريب المخدرات والمتفجرات والأسلحة[16]، وهو الأمر الذي دأبت الحكومة في صنعاء على إنكاره وتكذيبه.

أما بالنسبة إلى الصراع مع إريتريا حول قيام النظام الإريتري الوليد عقب استقلاله عن إثيوبيا في أوائل العقد الأخير من القرن العشرين باحتلال جزيرة حنيش الكبرى في مدخل مضيق باب المندب، التي يستخدمها اليمن كقاعدة لحماية المضيق، وتوجد فيها حامية عسكرية يمنية محدودة العدد، فقد رفضت القوات الإريترية الخروج من الجزيرة[17]، وهو ما دعا اليمن إلى اللجوء إلى منظمة الأمم المتحدة للتحكيم بين البلدين لإثبات أحقية أي منهما بالجزيرة. وقد انتهى التحكيم بالحكم لصالح اليمن في تشرين الأول/أكتوبر 1998، وصدور حكم المحكمة الدائمة للتحكيم (Permanent Court of Arbitration, PCA) بخضوع جزيرة حنيش الكبرى للسيادة اليمنية. وقد وافق كلا البلدين على قـرار التحكيم[18].

من المسبّبات الإقليمية الأخرى لتهديد أمن اليمن هو شعور بعض الأقطار المجاورة له في الخليج العربي (السعودية خاصة) بالتهديد من ثقل الوزن الديمغرافي له، مقارنة بالأوضاع الديمغرافية في الخليج العربي. فعلى الرغم من عدم وجود تأكيدات نظرية حول وجود علاقة بين ارتفاع معدلات النمو السكاني وزيادة عدد السكان من جهة، ونمو الصراعات المسلحة من جهة أخرى، إلا أن بعض الأبحاث الرصينة أكدت أيضاً وجود عدة دلالات حول وجود تأثير لبعض التغيّرات الديمغرافية التي قد ترتبط بحدوث اضطرابات سياسية وأمنية[19]، مثل صغر المساحة الكلية بالنسبة إلى توزيع السكان، ونوع الثقافة، وطبيعة النظم السياسية والاجتماعية لتلك الدول، والأوضاع الاقتصادية والتنموية وغيرها[20].

إحصائياً، يتعدّى عدد سكان اليمن حاجز العشرين مليون نسمة، مقارنة بنحو 20 مليون نسمة للسعودية، وبضعة ملايين متناثرة في باقي أقطار مجلس التعاون، إن لم يكن بضع مئات الآلاف. وبوجود أجواء الحرب الأهلية في منتصف التسعينيات، ومؤشرات عدم الاستقرار الداخلي، ووجود حركات تمرد وشغب ضد الدولة (مثل حركة بدر الدين الحوثي)، يمثّل هذا الوزن الديمغرافي مدعاة لشعور أقطار مجلس التعاون الخليجي المجاورة لليمن بالتهديد. فهذه القاعدة الديمغرافية المؤثرة لليمن قد تمكّنه من فرض نفوذه على الدول المجاورة، التي تعاني انخفاض معدلات النمو السكاني بصورة لافتة، بحيث تجعل من اليمن دولة متقدمة وثابتة ومختلفة عن باقي ممالك وإمارات الخليج سكانياً[21]، أو بنقل هذه الأجواء المضطربة، من جانب آخر، إلى داخل أقطار مجلس التعاون الخليجي القريبة من اليمن، كالسعودية وعُمان.

3 ـ المسببات الدولية

لم تشكّل البيئة الدولية (الخارجية) خطراً كبيراً على الأوضاع الأمنية اليمنية خلال الحرب الباردة، وذلك لاعتماد شطري اليمن (قبل الوحدة في عام 1994) على مساندة أحد القطبين، حيث كان اليمن الشمالي مستقطباً ومنحازاً إلى المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، واليمن الجنوبي مستقطباً ومنحازاً إلى المعسكر الشرقي تحت لواء الاتحاد السوفياتي. أما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والسلوك المناوئ الذي اتخذه اليمن المتحد من أول حروب النظام الدولي الجديد، باتت البيئة الدولية مدعاة لشعوره بالتهديد وعدم الاستقرار.

تتحدّد المسبّبات الدولية لمأزق الأمن في اليمن في العلاقات مع الولايات المتحدة (القطب الأوحد)، والحرب الدولية على الإرهاب، والقرصنة البحرية في خليج عدن وبحر العرب. قامت الولايات المتحدة بعد انتهاء حرب الخليج الثانية بقطع المعونات التي كانت تقدمها إلى اليمن منذ عام 1991 (وصلت في عام 1990 إلى نحو 23 مليون دولار)، بل إنها اتجهت إلى التربص، واستهداف النظام اليمني، والسعي نحو الانتقام منه، رداً على سلوكه ضد التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة في الحرب على العراق (1990/1991)، حيث أدت خطوات مثل تجميد المعونات الأمريكية لليمن إلى تدهور الأحوال الاقتصادية، بصورة ساهمت في تأزيم الأوضاع السياسية والاجتماعية الداخلية، كما أدت، بصورة غير مباشرة، إلى اندلاع الحرب الأهلية عام 1994، وأذكت محاولات التمرّد والانفصال عن الحكومة الوحدوية الوليدة من جانب القبائل الجنوبية وبعض قبائل الغرب.

المسبّب الدولي الثاني للمأزق الأمني اليمني هو الحرب الدولية على جماعات الإرهاب الدولي والدول الراعية لها، حيث بات الإرهاب يمثل تهديداً داخلياً مرتبطاً بتهديد خارجي. وبسبب الظروف السياسية المنهارة، وفّر اليمن تربة خصبة لحركات الإرهاب الدولي منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، وقيام هذه الحركات والجماعات بأعمال إرهابية ضد المصالح الأمريكية، وخطف السائحين الأجانب من الأراضي اليمنية، إلى جانب بعض أعمال العنف الداخلي. وهي الأعمال التي أدت إلى إيجاد أوضاع غير مستقرة داخلياً. ومع تزايد الشعور بالتهديد والضغوط الخارجية التي تمارسها القوى الدولية بضرورة محاربة هذه الحركات وطردها من الأراضي اليمنية، أظهرت إحدى الدراسات أنه خلال الفترة من عام 2001 وحتى عام 2005، شهد اليمن وقوع نحو 20 حادثة إرهابية، راح ضحيتها ما يقارب 50 قتيلاً.

المسبّب الدولي الثالث للمأزق الأمني في اليمن هو تزايد وتيرة عملية القرصنة البحرية المسلحة في منطقة بحر العرب وخليج عدن، حيث شهدت فترة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 تزايداً ملحوظاً في عمليات السطو والاستيلاء على السفن التجارية ومراكب الصيد الأجنبية التي ترتاد المنطقة. فطبقاً لوكالات الأنباء، تم خطف سفن مصرية وإماراتية وإيطالية وفرنسية، وحتى سفن تتبع العربية السعودية. وقد يعتقد البعض أنه بسبب عدم انتماء هذه العصابات والقراصنة إلى اليمن، فإن هذا سيخلي مسؤولية اليمن، ويجعله بمنأى من هذه المشاكل. إن ذلك غير صحيح. فاليمن بحكم موقعه الجغرافي وارتباطه البنيوي بأسواق ومناطق استخراج النفط من أقطار الخليج، يصبح المنصّة أو القاعدة التي يتوجب الانطلاق منها لشنّ الحرب ومواجهة هذه العصابات الدولية التي تهدد أمن واستقرار وحرية الملاحة في هذه المنطقة الحيوية جداً من العالم. ومن جانب آخر، فإن هذا القرب الجيوبوليتيكي قد يجعل من اليمن ممراً آمناً لتهريب الإرهابيين والخارجين عن القانون إلى دول شبه الجزيرة العربية ومجلس التعاون الخليجي، خاصة في ظل رداءة وعدم جاهزية القوات البحرية وحرس الحدود اليمنية، وضعف قدراتها التسليحية في مواجهة هذه العصابات. ومن جهة ثالثة، يجعل القرب الجغرافي لليمن من هذه المنطقة عرضة للخطر، ولاحتمال الاعتداء على سفنه، وعلى مواطنيه الذين يسعون وراء الرزق بالصيد في هذه المنطقة من العالم.

انطلاقاً من معرفتها بمحدودية قدرات اليمن (وجيرانه)، وفي سبيلها إلى معالجة هذه المشكلة واحتواء تداعياتها، وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2002 اتفاقية «لجنة تقصّي الحقائق المشتركة في القرن الأفريقي» CJTF–HOA)) التي أنشئت من أجل مواجهة الإرهابيين مباشرة، ومساعدة الدول في القبض عليهم. وتطوير قدرات هذه الدول في التحكّم في حدودها غير المأهولة من الاستغلال من قبل الجماعات الإرهابية، خاصة على الحدود الساحلية القريبة من أحد أهم الممار المائية الحيوية للنظام الاقتصادي العالمي، وهو مضيق باب المندب الذي يشرف عليه اليمن وجيبوتي. وقد توّج هذا التعاون بتوقيع اتفاقية تعاون أمني بين الإمارات العربية المتحدة واليمن في عام 2004.

ثالثاً: انعكاسات المأزق الأمني اليمني

بمراقبة تفاعلات العلاقات الدولية من كثب، يتبيّن لنا أن بعض قوانين الفيزياء تصلح هنا للتطبيق عليها، ولتقديم إسهامات نظرية تساعد على تحليل وفهم ظواهر العلاقات الدولية. فالقانون الأول من قوانين نيوتن الثلاثة في الفيزياء، الذي يقول إن «لكل فعل رد فعل .. مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه»، يصلح لفهم الانعكاسات التي تترتب على وجود بعض المعضلات الأمنية التي قد تواجهها إحدى الوحدات الدولية. فإذا كان المأزق الأمني اليمني نابعاً من مسبّبات داخلية وخارجية (محلية وإقليمية ودولية)، فسيكون له انعكاساته الداخلية والخارجية كذلك. سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.

1 ـ الانعكاسات على المستوى المحلي

ساهمت الأوضاع المضطربة وأجواء عدم الاستقرار في مرحلة ما بعد اتحاد شطري اليمن عام 1990، نتيجة اتساع الفجوة الاقتصادية بين شطري الدولة، إلى اندلاع محاولات انقلابية مسلحة على النظام الوليد، بصورة أوصلت اليمن إلى حالة الحرب الأهلية عام 1994‏[22]، وهو ما سبّب اهتزازاً شديداً في شرعية واستقرار النظام السياسي والاجتماعي. كذلك انعكست الأوضاع الأمنية المتردّية، والشعور بعدم الثقة والظلم، والتمييز في توزيع الثروات، وتقاسم السلطة بين الطوائف والقبائل والجماعات الوطنية اليمنية، على حالة الوفاق والتناغم الداخلي، بصورة أدت إلى بزوغ حركات تمرد قبلي موجهة ضد الدولة، مثل حركة بدر الدين الحوثى وغيرها، اعتراضاً منها على الظلم والغبن في توزيع الثروة، واقتسام وتوزيع السلطة بين أهل الشمال وأهل الجنوب، ومختلف الطوائف المحلية [23].

وقد تضافرت عوامل ضعف الأداء الاقتصادي العام لليمن، مع أجواء عدم الاستقرار والاضطراب الداخلي، في زيادة اشتعال الأوضاع السياسية والاجتماعية بصورة كبيرة. فمع ارتفاع معدل المواليد عن المعدل العالمي (يبلغ معدل المواليد في اليمن نحو 3.5 بالمئة، مقارنة بـ 1.5 بالمئة للمعدل العالمي)، وتدهور مستوى الأوضاع الصحية والرعاية الاجتماعية، وارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى نحو 35 بالمئة، وزيادة أعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر لتصل إلى نحو 45 بالمئة من إجمالي الشعب اليمني، وانتشار الأمية التي تصل إلى نحو 70 بالمئة من إجمالي عدد السكان[24]، جنباً إلى جنب مع انتشار الثقافة المحافظة (نموذج القبلية الجبلية)؛ كل هذه المتغيرات كان لها انعكاساتها على الأوضاع الداخلية اليمنية، حيث تدهورت الأحوال الاقتصادية والتنموية بصورة جعلت اليمن يأتي في المرتبة 151 من إجمالي 177 بلداً في تقرير التنمية البشرية الدولي، وفي مرتبة متأخرة جداً في الترتيب العربي لمؤشرات التنمية، حيث لم تأت بعده سوى الصومال والعراق المحتل[25]، إلى جانب توفير تربة خصبة لنمو واحتضان وإيواء جماعات الإرهاب الدولي، مثل القاعدة وغيرها، حتى وإن لم تقدم لها الحكومة اليمنية المساندة من أي نوع.

أدى عدم استقرار اليمن داخلياً، في ما أدى إليه، إلى انهيار مؤسسات الدولة وبنيتها الإدارية، حيث توضح كافة مؤشرات التنمية الدولية والإقليمية أن نظام الرعاية الصحية والاجتماعية منهار تماماً في اليمن، وذلك إما بسبب انعدام الموارد اللازمة لتجديد البنية التحتية المتهالكة، وإما بسبب الفساد الإداري المنتشر داخل أروقة هذه المؤسسات، وإما لغياب الكوادر البشرية المؤهلة لذلك، نتيجة انتشار الأمية وانحطاط نظام التعليم، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات وفيات الأطفال ليصل إلى نحو 6 بالمئة (57.88 حالة وفاة من إجمالي كل 1000 مولود)، وهو الأمر الكافي للدلالة على تراجع دور الدولة في رعاية مواطنيها، بصورة نعتبرها مؤشراً على بداية سقوطها وانهيارها، وبداية، في رأي البعض، لاستخدام الوسائل الإكراهية والعنف لمواجهة ارتفاع معدلات المواليد، بما ينعكس سلبياً على الأوضاع الأمنية الداخلية[26].

أما عن انعكاسات هذه السياسات والأوضاع على اليمن وأمنه القومي، فيمكن إجمالها في الآتي:

  • تعاظم معدلات هجرة العمالة اليمنية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، بصورة قد تعتبرها هذه الدول تهديداً ديمغرافياً لها. قاد هذا التزايد العربية السعودية، عقب خلافها الحدودي والسياسي مع اليمن، في منتصف التسعينيات، إلى طرد ما يزيد على مليون مهاجر يمني موجود داخل أراضيها وترحيلهم إلى وطنهم. وهو ما سبب أزمة اقتصادية طاحنة لليمن، نتيجة غياب التخطيط لاحتمالات عودة هؤلاء المهاجرين إلى موطنهم الأصلي بعد سنوات الغربة الطويلة، حيث ساهم ضعف البنية الاقتصادية التحتية اليمنية، وتزايد مستوى الفقر، وانخفاض مستوى المعيشة، وعدم قدرة النظام السياسي اليمني على تلبية واشباع الحاجات الأساسية للسكان، إلى جانب عودة هؤلاء المهاجرين بصورة مفاجئة، ساهم في تفاقم حدة الأزمة الداخلية، بصورة امتدت إلى البيئة الإقليمية باندلاع الحرب الأهلية عام 1994، ونشوب الصراع المسلح بين السعودية واليمن في كانون الأول/ديسمبر 1994، وبين اليمن وإريتريا في حزيران/يونيو 1995‏[27]؛ وهو الأمر الذي تجدّد عقب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بعد ثورة الشعب اليمني على نظام علي صالح التي تفجرت في اليوم نفسه الذي شهدت فيه مصر تنازل مبارك عن الحكم (11 شباط/فبراير 2011).

 

  • اتجاه اليمن، كبقية الأقطار الخليجية والعربية،نتيجة اختلال التوازن العسكري (التسليحي والبشري) مع بعض القوى الإقليمية (انظر الجدول الرقم (2)) إلى زيادة حجم نفقاتها العسكرية والدفاعية،كاستجابة ومحاولة لإعادة التوازن مع هذه القوى. فطبقاً لتقارير «الـتـوازن الـعـسكـري» الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)في لندن، تضاعف حجم الإنفاق اليمني على التسلح خلال الفترة (1993 ـ1996) من نحو 400 مليون دولار إلى نحو 700 مليون دولار خلال الفترة (2001 ـ2004). وقد زاد حجم مشترياته من السلاح من قوى دولية، مثل الصين، إلى 100 مليون دولار خلال الفترة 1993 ـ 1996، ومثلها في الفترة 2001 ـ 2004. كذلك قام اليمن باستيراد أسلحة من روسيا بما قيمته نحو 400 مليون دولار خلال الفترة 2001 ـ 2004. ووصل إجمالي مشتريات الأسلحة اليمنية من القوى الدولية خلال الفترة 2001 ـ 2004 إلى نحو 900 مليون دولار[28]. وسباق التسلح هذا قد يكون له تداعياته وعواقبه (الداخلية والخارجية) الخطرة.

 

وعلى الرغم من ذلك، فقد ظلت القوة العسكرية اليمنية بكافة فروعها (البرية والجوية والبحرية) تعاني المشاكل التقنية ومحدودية كميات الأسلحة، مقارنة بباقي القوى الإقليمية المجاورة، ومحدودية الفاعلية والكفاءة والتدريب وضعف مستوى القيادة… إلخ[29]، بصورة أدت إلى طمع بعض الدول المجاورة الوليدة (مثل إريتريا) وقيامها باحتلال بعض الأقاليم الخاضعة للسيادة اليمنية (جزيرة حنيش الكبرى عام 1995). إن صغر حجم القوات المسلحة اليمنية (نحو 65 ألف جندي طبقاً لأرقام عام 2004)، ومحدودية فاعليتها، وضعف نظم تسليحها وتدريبها، وبدائية تنظيمها الإداري والعسكري، جعلها غير قادرة على مواجهة أية أخطار خارجية، بل لا تكاد تكون قادرة على القيام بمهام الدفاع عن حدودها الوطنية[30]. وعليه، فإن تجدد أي توتر حدودي مع السعودية أو إريتريا، أو حتى عُمان، أو وجود حركات تمرد قوية ومنظّمة داخل النظام اليمني، كفيله بإسقاط النظام اليمني الحاكم. وهذا جلّ ما تخشاه أقطار منظمة مجلس التعاون، وقد وقع هذا بالفعل في شتاء عام 2011.

الجدول الرقم (2)

التوازن العسكري في منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية (2011)

العتادالأفرادالـدولـة
القوات البحرية(ج)الدفاع الجوي(ب)القوات الجوية(أ)قاذفات صواريخسلاح

المدفعية

عربات مقاتلةدباباتإجمالي

القوات

القوات

الاحتياطية

القوات

النظامية

70199675702971808.200 ـ8.200البحرين
34118051019~403000~1,4001,620870,000350,000~520,000إيران
814230155315.09713.57570275.000 ـ275.000العراق
113321119017797248339,50024,00015,500الكويت
981741608814748620134,000 ـ34,000عمان
42195048563108011,800 ـ11,800قطر
132331621222297051501015214.000 ـ214.000السعودية
336 265362300432153060465,500 ـ65,500الإمارات
1594652672499514301230260,000200,00060,000اليمن
 1.372 3.114 2.9164.44020.944 25.150 5.483 1.777.500 574.000 1.203.500الإجمالي

 

ملاحظات

(أ) القوات الجوية تشمل إجمالي عدد (الطائرات القتالية، وطائرات النقل، وطائرات الهليكوبتر).

(ب) قوات الدفاع الجوي تشمل إجمالي عدد (المدفعية الثقيلة والمتوسطة، وبطاريات الصواريخ الصغيرة).

(ج) القوات البحرية تشمل إجمالي عدد (السفن، والغواصات، والقوارب المقاتلة، وخفر السواحل).

المصادر: البيانات أخذت من: International Institute for Strategic Studies [IISS], The Military Balance 2011 (New York: Oxford University Press, 2012); Middle East Military Balance in Glance, Update in 4/9/2011, and Institute for National Security Studies [INSS], Tel Aviv University – Israel, 2011, <http://www.inss.org.il/weapons.php?cat=283>.

2 ـ الانعكاسات على المستوى الإقليمي

على الرغم من أن الدخول في حالات من التحالف والتعاون المؤسسي بين أقطار الخليج العربي والولايات المتحدة يضمن تعهد الأخيرة بالتزامات طويلة الأجل بحمايتها والدفاع عنها، إلا أن هذه التحالفات سيكون لها انعكاسات إقليمية شديدة الضرر بمستقبل هذه الأقطار السياسي، بصورة قد تؤدي إلى تمزقها داخلياً، وشيوع أجواء عدم الاستقرار والوئام الداخلي، كما أثبتت التجربة التاريخية وأدبيات دراسات التعاون الدولي[31]. فنظراً إلى الطبيعة المتعددة الأقليات والعرقيات التي تميز النظم والمجتمعات في أقطار مجلس التعاون الخليجي، فهذا يخلق نوعاً من الروابط الثقافية والعقائدية بين شعوبه ومجتمعاته، قد تتلاقى أو تتعارض مع السياسات الرسمية التي تتخذها وتنتهجها هذه الأقطار تجاه بعضها البعض، بصورة قد تؤدي إلى الاختلال الاجتماعي، نتيجة تعدد الولاءات القومية والطائفية، وهو ما لاحظه عالما السياسة العراقيان سعد ناجي جواد ومنعم صاحي العمار[32].

إن اتجاه أقطار الخليج العربي إلى توثيق وتعميق مستويات ارتباطها بالولايات المتحدة والقوى الدولية الغربية (الاستعمارية السابقة)، بالدخول معها في منظومة من الترتيبات الأمنية والتعاون المؤسسي التي تأخذ صور التحالف وإقامة المحاور، في رأي البعض، هو بمثابة إقدامها على الانتحار طواعية في سعيها إلى إرضاء الولايات المتحدة[33].

لقد حدّد محمد السيد سعيد الانعكاسات الإقليمية (القاتلة) الناجمة على السير قدماً في اتباع مثل هذه السياسات في الآتي[34]:

  • لجوء بعض القوى الإقليمية غير العربية (إيران) للتحالف المضاد مع بعض القوى الدولية المتنافسة مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديد الذي يمثله نظام التحالف الخليجي معا لولايات المتحدة. وهي السياسات الكفيلة بعودة أجواء الحرب الباردة وأنماط الاستقطاب والانحياز إلى الهيمنة على أوضاع البيئة الأمنية والسياسية في الخليج العربي.

 

  • زيادة وتيرة الحرب الباردة الإقليمية بين أقطار مجلس التعاون الخليجي ومصر وإسرائيل من جانب (ما يعرف بمحور الاعتدال)،وإيران وحزب الله وبعض جماعات الهوية الأصولية من جانب آخر (مايعرف بمحور الممانعة)، بصورة قد تهدد بوقوع مزيد من الاختلال في التوازن الاستراتيجي الإقليمي القائم لصالح قوى معادية للعرب والمسلمين، هي إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، بما يؤدي إلى استهداف وتهديد نظم عربية، مثل سورية، لتقاربها مع إيران، وجماعات هوية كحزب الله، لمعارضته للمخططات الأمريكية والإسرائيلية، تماماً كما حدث مع اليمن بعد حرب الخليج الثانية.

 

  • انتقال مركز القيادة الإقليمية من أيدي القوى العربية (مصر،العراق،السعودية،سورية) إلى أيدي أطراف وقوى غير عربية (إسرائيل،إيران،تركيا)،وهو ما يجعل توازن القوى الاستراتيجي في المنطقة يميل إلى صالح قوى عدوانية، تمثل تهديداً للمصالح والقيم والوجود العربي ذاته. أصبحت إسرائيل بالفعل القطب الإقليمي الأوحد في المنطقة، منذ أن انغمست مصر والسعودية في تبنّي سياسات متخبّطة تجاه الأزمات والنزاعات الإقليمية، بصورة أصبحت معها صورتاهما ومكانتاهما واعتبارات القوة الإقليمية لهما يُنظر إليهما من جانب القوى الدولية الأخرى، باعتبارهما تابعيْن ومخلصيْن للقطب الأمريكي الأوحد. ومن جانب آخر، فقد أدى التعدّي على السيادة العراقية، باحتلاله وتغيير النظام السياسي فيه عام 2003، ووقوع سورية تحت الضغوط الأمريكية والدولية الداعية إلى حبسها وراء حدودها، إلى ترك العنان لإسرائيل لفعل ما تريده في المنطقة. فباتت هي الطرف المهيمن والقادر على تطبيق وتنفيذ سياسته بصورة أحادية ومنفردة، على حساب الشعوب والأقطار العربية.

 

  • صعود فاعلين جدد مؤثرين في البيئة السياسية والأمنية المحلية والإقليمية (كحركات المقاومة وجماعات الهوية والجماهير العربية)، نتيجة لتراجع قوة الدولة القطرية العربية، وعدم قدرتها على ممارسة المهام المنوطة بها في البيئات الدولية والإقليمية والمحلية، وقد بزغ العديد من الفاعلين الذين باتوا يمثلون بديلاً منها. إن عجز الحكومات الرسمية العربية عن إشباع وتوفير الاحتياجات والمتطلبات الأساسية المحلية لشعوبها من جانب، وعدم قدرة الجيوش النظامية على حماية وصيانة الحدود الوطنية والأمن القومي لها من جانب آخر، أوجدا المبرّر لبزوغ فاعلين غير رسميين للتعهّد بتحقيق هذه المطالب، وتوفير هذه الاحتياجات، وحماية حدودها الوطنية والدفاع عنها كبديل من السلطات الحكومية والجيوش الرسمية. إن صعود نفوذ وقوة جماعات غير رسمية عبر الوطن العربي، مثل حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، والإخوان المسلمين في مصر والأردن، والحوثيين في اليمن، إنما هو نتيجة طبيعية لضعف الدولة وتراجعها عن القيام بمهامها. فبات الوضع السائد في المنطقة دولاً ضعيفة في مواجهة مجتمعات مدنية قوية.

 

لقد أفضت كلّ هذه الانعكاسات إلى حالة تفجر الغضب الشعبي العام الذي وقع في العديد من الأقطار العربية، التي لم ينجُ منها إلا قطران أو ثلاثة (الإمارات، وقطر، وجيبوتي)، حيث وصلت قدرة الشعوب على التحمّل والصبر على هذه السياسات الفاشلة والمتخبّطة إلى منتهاها، وهو ما قاد إلى المطالبة بإسقاط النظم (الشعب يريد إسقاط النظام)، وهو ما وقع في دول مثل تونس ومصر وليبيا، وفي اليمن. وهو ما يمثل في رأينا نتيجة حتمية لعقود من الفشل والعجز والتبعية للخارج، من قبل هذه النظم الفاسدة التي لم تترك خياراً آخر للشعوب سوى الثورة.

3 ـ الانعكاسات على المستوى الدولي

لعل أبرز الانعكاسات الدولية للمأزق الأمني في اليمن تتركّز في الحرب الدولية على الإرهاب، وصعود بعض القوى الدولية، وانغماسها في علاقات ثنائية مع أقطار مجلس التعاون الخليجي، والـوجـود الأمريكي في الخليج العربي بعد احتلال الولايات المتحدة العراق عام 2003.

  • الحرب الدولية على الإرهاب: رأت الولايات المتحدة أن هشاشة الهيكل الأمني والعسكري والسياسي اليمني يمثل تربة خصبة لإيواء الجماعات الإرهابية داخل أراضيه، وبالتبعية تهديد البنية الأمنية الإقليمية في أقطار الخليج العربية، وهو ما يشير إلى ضرورة التعاون المشترك بين البلدين في مجال محاربة ومكافحة الإرهاب الدولي ويحفز على تحقيق هذا التعاون، وقد تمثل ذلك بعودة الولايات المتحدة إلى تقديم المعونات المالية إلى اليمن منذ عام 2002/2003 بعد انقطاع دام ما يقرب من عقد من الزمان، عقب السلوك والموقف اليمني تجاه حرب الخليج الثانية في عام 1990/1991، والدور الأمريكي فيها، حيث قدمت الولايات المتحدة معونات اقتصادية إلى اليمن خلال عام 2005، قدرت بنحو 29 مليون دولار لمساعدة الحكومة اليمنية في مجالات محاربة الإرهاب وتمويل برامج الإصلاح الاقتصادي وغيرها[35].

 

  • صعود قوى عظمى جديدة: لقد بات صعود بعض القوى الدولية الأخرى، وتوسع نطاق تعاملها وتعاونها العسكري والسياسي مع بعض أقطار مجلس التعاون الخليجي، يمثل تهديداً للأوضاع الاستراتيجية ولهيبة الولايات المتحدة على المستوى الإقليمي، باعتبارها الطرف المهيمن والمدافع الأول عن أقطار الخليج[36]. كما أن العلاقات السعودية ـالصينية، على سبيل المثال، باتت تعتبر تهديداً شديداً لتوازن القوى الدولي المرتبط بالتوازن الإقليمي في الشرق الأوسط الذي يعتبر في رأي الكثير من الخبراء المحدد الأول للصور المستقبلية للتوازن الدولي وتوزيع القوة الدولية، وبالتالي تشكيل مستقبل النظام الدولي، وهو ما جعل الولايات المتحدة تبدأ باتخاذ وتنفيذ سياسات أحـاديـة وإكراهية، من نوعية تغيير النظم والاحتلال العسكري، والحرب بالوكالة (War by Proxy)، من أجل احتواء هذه التحالفات والعلاقات، بصورة باتت تهدد الاستقرار الإقليمي في المنطقة، بل تمثل تغييراً جذرياً في سياسات الولايات المتحدة تجاه دول المنطقة، وفي طبيعة بنية النظام الإقليمي العربي، وذلك بعد نجاحها في احتلال العراق وتغيير النظام السياسي فيه، وهي اضطرت إلى استخدام استراتيجية تغيير النظم ضد النظام البعثي العراقي، باعتباره أفضل من الوسائل الدبلوماسية للتعامل مع الأوضاع المستجدة في المنطقة، سواء بتوسيع نطاق الارتباط الخليجي بكل من الصين واليابان وروسيا، وسعي بعض القوى الإقليمية المتنمرة نحو الحصول على أسلحة الدمار الشامل. وهو ما يمثل تهديداً جوهرياً للاستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي الذي يعتبر حجر الأساس في الاستراتيجية الكونية الأمريكية[37].

 

ويرى بعض المراقبين أن التوجّه السائد حالياً في سلوك الولايات المتحدة تجاه الخليج العربي، وتجاه إيران والعراق تحديداً، ليس بالاستراتيجية الصحيحة، وذلك لأن أوضاع ما بعد الحرب تختلف عن الأوضاع في ما قبلها. فشنّ الحرب شيء يسير إذا ما قورن بمحاولة إعادة بناء الدولة بعد احتلالها (Nation-building). إن عزل وتغيير النظم التسلطية، كما أثبتت التجربة التاريخية، يزيد من قوة وحصانة هذه النظم وقدرتها على المقاومة، بصورة تسمح لها بممارسة محاولات تقيّد محاولات التدخل الخارجي [38].

  • الوجود الأمريكي في الخليج العربي: لقد أدى رفض النظم العربية (الصوري) لاحتلال العراق إلى انهيار شعبية الولايات المتحدة داخل المجتمعات العربية، حيث أدى عدم استشارة الولايات المتحدة للنظم العربية بنواياها بمهاجمة العراق إلى تزايد معدلات عدم الثقة والخوف من النوايا الأمريكية تجاه دول المنطقة ومجتمعاتها. ومن جانب آخر، نما الخوف من مغبّة الانعكاسات الكارثية التي سوف تنتج من استمرار احتلال العراق، والوجود الدائم للقوات الأمريكية في الخليج العربي، بصورة تؤدي إلى استمرار أجواء عدم الاستقرار في البيئة السياسية في المنطقة في المستقبل[39]. إن تسرّع الولايات المتحدة، نتيجة ضغوط بعض جماعات المصالح المعادية للعرب والمسلمين (المحافظين الجدد) ودعاة الإمبراطورية الأمريكية (التوسعيين الجدد) داخل إدارة الرئيس جورج بوش الابن، في القيام بمثل هذه الخطوة الأحادية الجانب، كان لها عواقبها الكارثية على كافة المستويات والبيئات السياسية والاستراتيجية الدولية والإقليمية.

 

إن رفض الدول الأوروبية، على سبيل المثال، إصباغ الشرعية الدولية، بإشراك قواتها وقوات حلف الناتو في الحرب على العراق، والتصريح بكون هذه الحرب غير شرعية نتيجة اختلاف المصالح ووجهات النظر (ولو على المدى القريب) بين ضفتي الأطلسي، خاصة حول التهديد الذي يمثله العراق وحيازة أسلحة الدمار الشامل، جعل الوضع الأمريكي، باعتباره الحامي الوحيد للخليج، باستخدام تعبير ميرشايمر (Mearsheimer)، يمثل كابوساً ومستنقعاً ومصدراً لاستنزاف الموارد والقوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية[40]، بصورة قد تؤثر، على المديين المتوسط والبعيد، في محصّلة التوازن الدولي بين الولايات المتحدة وبعض القوى الدولية الصاعدة مثل الصين. وهذا الأمر قد يؤدي في أسوأ الظروف إلى تقييد وطرد الولايات المتحدة من الخليج، كما فعلت هي مع الاتحاد السوفياتي إبان انتهاء الحرب الباردة، ومن قبل مع بريطانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما ستكون له انعكاساته الكارثية على كافة أقطار الخليج والشرق الأوسط، وبالتبعية على كافة وحدات النظام الدولي كله، بصورة قد يعود معها النظام الدولي للحالة الهوبزية (حرب الكلّ ضد الكلّ)، أو العودة إلي ما وصفه نيل فيرغسون (Ferguson) بعصور الظلام التي يحدث فيها تدمير ذاتي للنظام[41].

لقد كانت النتائج الأولية للاحتلال كارثية، بسبب عدد القتلى والجرحى المهول الذي انتجته الحرب (يرجح الكثيرون أن يتخطّى حجم القتلى مليوناً ونصف مليون إنسان عراقي)، والتدمير والتخريب الذي لحق بواحد من أعرق الأقطار العربية في كافة المجالات والأصعدة، بصورة وصلت معها البلاد إلى أوضاع تقارب ما قبل التاريخ، وتحتاج إلى عشرات، إن لم يكن مئات، السنين للعودة إلى المدنية من جديد. هذا الفشل الاستراتيجي الهائل فجر غضباً شعبياً، ليس فقط عربياً أو إسلامياً، بل حتى عالمياً وأمريكياً بالذات، حتى إن أي تقدم أو تحول إيجابي، إن وجد، غطت عليه فداحة الخسارة والتكاليف. وقد بدأ الكثير من المعلقين والخبراء في مهاجمة التفكير الاستراتيجي الأمريكي، بصورة وصلت إلى حدّ الادعاء بقرب أفول اللحظة القطبية الأمريكية، وقرب بشائر عصر التعددية القطبية.

خاتمة

يميل البعض منا إلى تضخيم حجم بعض الحوادث أو المتغيّرات التاريخية التي تجري على أرض الواقع، تماماً كما يقلل الآخرون من بعض الأحداث الأخرى المهمة. إلا أن هناك في كثير من الأحيان اعتبارات ومحدّدات هي التي تقيّم أهمية وهامشية مثل هذه الأحداث والتغيّرات. وفي مجال السياسات الدولية والخارجية، لعل أهم هذه الاعتبارات بنية النظام الدولي، وصور توزيع القوى على المستوى الدولي ـ الإقليمي. إن البعض يعتقد أن أحداث الربيع العربي سوف يكون لها تأثيرها العميق في نوعية وطبيعة العلاقات بين أقطار مجلس التعاون الخليجي واليمن، كما في علاقات أقطار المجلس ببقية أقطار الربيع العربي الأخرى، مثل مصر وسورية وليبيا. إنني أجادل بالقول إن ذلك غير صحيح. فطبيعة البنية السياسية والاجتماعية اليمنية والخليجية من ناحية، وحجم التدخل الخارجي في منطقة شبه الجزيرة العربية، وطبيعة التوازن الإقليمي في المنطقة، واختلال صور توزيع القدرات بين الأطراف الدولية المشكّلة لهذا النظام الإقليمي من ناحية أخرى، ستكون لها التأثير الأكبر في تحديد مصير ومستقبل المأزق الأمني الذي يحكم علاقة اليمن بمنظومة أقطار مجلس التعاون الخليجي.

إن عدم استقرار الأمور في اليمن، واستمرار حالة السيولة وعدم التوافق القومي بين كافة أطياف القوى السياسية والاجتماعية اليمنية، وعدم قدرة النظام الوليد على فرض الأمن والاستقرار وحماية حدوده والسيطرة عليها، بما يمنع من تسلل الجماعات الإرهابية عبر الحدود اليمنية إلى داخل أقطار المجلس، كما كان الحال قبل الربيع العربي من جانب، وعدم القدرة على إدارة الصراعات السياسية والاجتماعية المحلية اليمنية (التمرّد الحوثي والدعوات الانفصالية في الجنوب) بصورة تحول دون تمدد النفوذ الإيراني والخارجي إلى داخل حدود اليمن، وهو الأمر الذي اتفقت أقطار مجلس التعاون على اعتباره تهديداً جوهرياً/مركزياً (باستخدام مصطلحات أرنولد وولف ـ رز) لأمنها القومي، خصوصاً بعد ما جرى في البحرين من تدخل إيراني سافر ضد دولة عربية وخليجية شقيقة، بصورة هدّدت بابتلاعها وتغيير هويتها وانتماءاتها السياسية والتاريخية، ومن قبلها ما جرى من فظائع في العراق من جانب آخر، ومن جانب ثالث استمرار الارتباط البنيوي والعضوي بين أقطار مجلس التعاون الخليجي، والاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية التي ما زالت على وعدها بالدفاع عن هذه الملكيات ضد أي تهديد؛ كل هذه الاعتبارات التي كانت شبه حاكمة للعلاقة بين الطرفين قبيل الربيع العربي، وما زالت مستمرة بعد ثورة اليمن، ستظل حاكمة ومُحددِة لمستقبل العلاقات بين اليمن وبقية أقطار مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يجعلنا نقول إن المأزق الأمني سيظل يحكم العلاقات الثنائية والجماعية بين الطرفين على المديين القريب والمتوسط. ولن يتغيّر الوضع إلا باستقرار اليمن، وتحوّله إلى نظام مسالم ومتعاون (ويا حبذا لو كان ملكياً) تجاه جيرانه في أقطار الخليج.

في ظل حالة السيولة السياسية التي تتسم بها البيئات الداخلية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، فإن الترتيبات الفرعية/الجزئية مثل 6+2 (مجلس التعاون الخليجي + مصر وسورية)، أو مصر والسعودية وسورية، أو مجلس التعاون الخليجي + اليمن، لم تعُد قادرة على توفير الحماية اللازمة للدفاع عن القطر العربي. ومع عودة القوى الدولية إلى انتهاج أساليب الإكراه والإرغام (القوة العسكرية) كسلوك في مواجهة باقي القوى الدولية الأخرى المتنافسة معها، يتوجب على الأقطار العربية التجاوب معه بالإعداد لمواجهة الأخطار والتهديدات الناجمة عنه، ليس بالتحالف مع هذه القوى (مسايرة الركب أو المهادنة)، ولكن بالعمل على إنشاء «تكتلها» الأمني والدفاعي الخاص بها بعيداً من باقي الدول والقوى الدولية الأخرى (طريقة خلف خطوط العدو). ففي ظلّ سيادة مبدأ الدفاع والمساعدة الذاتية في تحديد سلوك وتحرك الدول القومية في النظام الدولي، فإن الأقطار العربية ليس لديها بديل أفضل من قول الإمام الشافعي: «ما حكّ جلدك مثل ظفرك … فـتول أنت جميع أمرك». ولكن يبدو أن هذه دعوة لم يحنْ وقتها بعد، فالضبابية تسيطر على المنطقة، الكل يتخبط… حريص… ومتأهب… والآتي غامض… وغير مسبوق. وبالتالي، فإن جلّ ما يريده الجميع اليوم هو استمرار الأوضاع كما كانت عليه قبل العشرين من كانون الأول/ديسمبر 2010، ولكن للأسف، فإن عجلة التاريخ تحرّكت، ولن ترجع إلى الخلف أبداً مهما حاول البعض التوهّم بإمكان حدوث ذلك.

 

قد يهمكم أيضاً  الاستقرار الدولي والأمن الإنساني في عام 2017

المصادر:

(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 414 في آب/ أغسطس 2013.

(**) أحـمـد مـحـمـد أبـو زيـد: مـديـر الأبـحـاث في المعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية (IICD)، دبي ـ الإمارات العربية المتحدة.

البريد الإلكتروني: abozaidahmed@yahoo.com

[1] Stephen C. Pelletiere, Yemen and Stability in the Persian Gulf: Confronting the Threats from Within (Carlisle Barracks: PA: Strategic Studies Institute, Army War Collage, 1996), pp. 2-20.

[2] في إحدى الدراسات العربية الرائدة في موضوع سياسات توازن القوى، عرّفت حورية مجاهد، أستاذة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، في دراسة صادرة لها عام 1971 هذا الموقف السياسي ـ الاستراتيجي بـ «الـورطـة الأمـنيـة». وقد فصّلت مجاهد هذا الموقف في كتابها الرائد عن الفكر السياسي الصادر في ثمانينيات القرن الماضي على أنه موقف هوبزي، نسبة إلى المفكر الإنكليزي الرائد توماس هوبز، الذي روّج في كتابه التنين (Leviathan) أن عدم وجود سلطة تسيطر على تصرفات الأفراد (وكذلك الدول)، وتحد من صراعاتهم على القوة واندفاعهم، يدخلهم في ورطة الأمن التي هي تتجه إلى الاندفاع من أجل تحقيق الأمن والمحافظة على البقاء، والصراع على القوة كوسيلة له، ينتهي إلى انتقاص الأمن النسبي عند الجميع. وبالتالي، فالحالة السائدة هي حالة الحرب، أو بتعبير هوبز «حرب الكل ضد الكـل». للتفاصيل، انظر: حورية توفيق مجاهد: «سياسة توازن القوى،» مجلة مصر المعاصرة، العدد 963 (1971)، والـفكـر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده (القاهرة: المكتبة الأنجلو المصرية، 1992)، ج 2، ص 359 ـ 378.

[3] Barry Buzan, People, State and Fear: An Agenda for International Security in the Post-Cold War Era (New York: Harvester Wheatsheaf, 1991).

[4] Robert Jervis, «Cooperation under the Security Dilemma,» World Politics, vol. 30, no. 2 (January 1978), pp. 167-214.

[5] Robert Jervis, «Was the Cold War: A Security Dilemma?,» Journal of Cold War Studies, vol. 3, no. 4 (Winter 2001), pp. 40-43.

[6] Charles Glaser, «The Security Dilemma Revisited,» World Politics, vol. 50, no. 1 (October 1997), pp. 171-201.

[7] Kenneth Waltz, Theory of International Politics (Reading: MA: Addison-Wesley, 1979); Robert Gilpin, War and Change in World Politics (Cambridge, MA: Cambridge University Press, 1981); Stephen van Evera, Causes of War: Power and the Roots of Conflict (Ithaca, NY: Cornell University Press, 1999), and John Mearsheimer, «The False Promise of International Institutions,» International Security, vol. 19, no. 3 (Winter 1994-1995), pp. 5-49.

[8] Burry Buzan, «Security, the State, «the New World Order», and Beyond,» in: Ronnie D. Lipschutz, ed., On Security (New York: Columbia University Press, 1998), pp. 187-188.

[9] Robert Jackson, Quasi–States: Sovereignty, International Relations, and the Third World (Cambridge; MA: Cambridge University Press, 1990), and Joel Migdal, Strong Societies and Weaken States: State–Society Relations and State Capabilities in the Third World (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1988).

[10] يوسف خليفة اليوسف، مجلس التعاون الخليجي في مثلث الوراثة والنفط والقوى الأجنبية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2011)، و Buzan, Ibid., pp. 187-196.

[11] Ronald Krebs and Jack Levy, «Demographic Change and the Sources of International Conflict,» in: Myron Weiner and Sharon Stanton Russell, eds., Demography and National Security (New York: Bergham Books, 2001), pp. 62-105, and Jack Goldstone, «Population and Security: How Demographic Change Can Lead to Violent Conflict,» Journal of International Affairs, vol. 56, no. 1 (Fall 2002), pp. 3-22.

واقعياً، فمن الممكن أن تستخدم الدول تفوقها الديمغرافي الذي يكون عائقاً في سبيل تحقيقها أمال ومطالب شعوبها في تهديد الآخرين. يجادل الزوجان أورغانسكي (Organski) في دراستهما الرائدة عن دور السكان في السياسة العالمية بأنه: «إذا لم تستطع أمة من الأمم حل مشكلة تواجهها عن طريق التغيير الاقتصاديِ في الداخل، فمن الجائز أن تتجه هذه الأمة في سبيل سعيها نحو حل هذه المشكلة والتخلص منها إلى تهديد جيرانها والتوسع في قوتها المسلحة، فجيش أكبر يعني توفير وظائف أكبر، والقومية المسلحة تسلب ألباب ومخيلة الشعوب، وتنسيها المشاكل». انظر: Katherine Organski and A. F. K. Organski, Population and World Power (New York: Alfred A. Knopf, 1961), pp. 243-244.

للمزيد عن الدور الذي تؤديه الزيادة السكانية في التأثير في الأمن القومي للدول وفي الصراع الدولي، انظر:  A. F. K. Organski [et al.], Births, Deaths, and Taxes: The Demographic and Political Transitions (Chicago; IL: University of Chicago Press, 1984), and Nicholas Eberstadt, «Population Change and National Security,» Foreign Affairs, vol. 70, no. 3 (Summer 1991), pp. 115–131.

وانظر أيضاً دراسات نازلي شكري، الرائدة: Nazli Choucri: Population Dynamics and International Violence; Propositions, Insights, and Evidence (Lexington; MA: D. C. Heath, 1974), and Population and Conflict: New Dimensions of Population Dynamics (New York: United Nations Fund for Population Activities, 1983).

[12] Pelletiere, Yemen and Stability in the Persian Gulf: Confronting the Threats from Within, pp. 5-6.

[13] Jeremy M. Sharp, «Yemen: Current Conditions and U.S. Relations,» Congressional Research Service, CRS, Order Code RL34170 (12 September 2007), pp. 7-15.

[14]  Pelletiere, Ibid., pp. 5-6.

[15] المصدر نفسه، ص 19 ـ 20.

[16] Anthony H. Cordesman and Khalid R. Al-Rodhan, Gulf Military Forces in an Era of Asymmetric Wars, 2 vols. (Westport, Conn.: Praeger Security International; Washington, DC: Published in Cooperation with the Center for Strategic and International Studies, 2007), p. 24.

[17]  Pelletiere, Ibid., p. 23.

[18]  Cordesman and Al Rodhan, Ibid., p. 29.

[19] Alex de Sherbinen, World Population Growth and U.S. National Security (Princeton, NJ: Woodard Wilson Center, 1995), pp. 24-29.

لمزيد من التفاصيل، انظر: Lawrence Freedman and John Saunders, eds., Population Change and European Security (London; Washington, DC: Brassey’s, 1991); William McNeill, Population and Politics Since 1750 (Charlottesville; VA: University Press of Virginia, 1978); Geoffrey McNicoll, «Consequences of Rapid Population Growth: An Overview and Assessment,» Population and Development Review, vol. 10, no. 2 (Winter 1984), pp. 177–240; T. V. Paul, Asymmetric Conflicts: War Initiation by Weaker Powers (New York: Cambridge University Press, 1994); Nana Poku and David Graham, eds., Redefining Security: Population Movements and National Security (Westport; CT: Praeger, 1998).

[20] Goldstone, «Population and Security: How Demographic Change Can Lead to Violent Conflict,» pp. 9-13.

[21] Pelletiere, Yemen and Stability in the Persian Gulf: Confronting the Threats from Within, p. 17, and J. E. Peterson, Yemen, the Search for a Modern State (Baltimore: John Hopkins University Press, 1982).

[22] Sharp, «Yemen: Current Conditions and U.S. Relations,» pp. 3-7, and Cordesman and Al‑Rodhan, Gulf Military Forces in an Era of Asymmetric Wars, pp. 25-31.

[23]  Pelletiere, Ibid., pp. 12-17.

[24] CIA Fact-book (2006) (Washington DC: Central Intelligence Agency, 2006), and Sharp, Ibid., p. 4.

[25] United Nations Development Programme [UNDP], Human Development Report 2005: International Cooperation at a Crossroads: Aid, Trade and Security in an Unequal World (New York: UNDP, 2005), and United Nations Development Programme, Regional Bureau of Arab States, Arab Human Development Report 2005: Empowerment of Arab Women (New York: United Nations Publications, 2005).

[26] Conway Henderson, «Population Pressures and Political Repression,» Social Science Quarterly, vol. 14 (1993), pp. 322-333, and Ted Robert Gurr, Handbook of Political Conflict: Theory and Research (New York: Free Press, 1980).

[27] Pelletiere, Yemen and Stability in the Persian Gulf: Confronting the Threats from Within, pp. 22-25.

[28] The Military Balance 2004/2005 (London: International Institute for Strategic Studies; Oxford University Press, 2005).

[29]  Cordesman and Al-Rodhan, Gulf Military Forces in an Era of Asymmetric Wars, pp. 7-14.

[30] المصدر نفسه، ص 14 ـ 15.

[31] G. John Ikenberry, After Victory: Institutions, Strategic Restraint, and the Rebuilding of Order After Major Wars, Princeton Studies in International History and Politics (Princeton, NJ: Princeton University Press, 2001), pp. i-iiv.

[32] سعد ناجي جواد ومنعم صاحي العمار، «الخليج العربي في عالم متغير: دراسة في معضلة الأمن الخارجي وترتيباته،» السياسة الدولية، السنة 33، العدد 168 (تشرين الأول/أكتوبر 1996)، ص 47.

[33] محمد السيد سعيد، «الشرق الأوسط وعودة سياسات المحاور والأحلاف،» السياسة الدولية، السنة 43، العدد 168 (نيسان/أبريل 2007)، ص 75.

[34] المصدر نفسه، ص 73 ـ 76. وانظر أيضاً: محمد السيد سعيد، الخليج والمسألة العراقية: من غزو الكويت إلى احتلال العراق 1990 ـ 2003 (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2003).

[35] Deborah L. West, Combating Terrorism in the Horn of Africa and Yemen (Cambridge, MA: World Peace Foundation, Program on Intrastate Conflict and Conflict Resolution, Belfer Center for Science and International Affairs, John F. Kennedy School of Government, Harvard University, 2005), pp. 20-30.

[36] Pelletiere, Yemen and Stability in the Persian Gulf: Confronting the Threats from Within, pp. 22-25.

[37] لمعرفة تفاصيل هذا الصراع، وكيف ستمثل الصين تهديداً للاستراتيجية الكونية الأمريكية في عالم ما بعد الحرب الباردة في الشرق الأوسط، انظر: Christopher Layne, «America’s Middle East Grand Strategy after Iraq: The Moment for Offshore Balancing has Arrived,» Review of International Studies, vol. 35, no. 1 (2009), pp. 5-25, and F. Stephen Larrabee, The Middle East: The Changing Strategies Environment (Santa Monica; CA: Rand Corporation, 2006).

[38] Richard N. Haass, «Regime Change and Its Limits,» Foreign Affairs, vol. 84, no. 4 (July-August 2004), pp. 66-78, and Kenneth N. Waltz, «A Strategy for the Rapid Deployment Force,» International Security, vol. 5, no. 4 (Spring 1981).

[39] Andrew Rathmell, Theodore Karasik, and David Gompert, «A New Persian Gulf Security System,» Rand (Issue paper), p. 3, <http://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/issue_papers/2005/IP248.pdf>; Barry Rubin, «The Persian Gulf after the Cold War: Old Patterns, New Era,» Middle East Review of International Affairs, vol. 3, no. 2 (June 1999), pp. 64-72, and Richard Sokolisky and Stephen Larrabee, Persian Gulf Security: Improving Allied Military Contribution (Santa Monica; CA: Rand Corporation, 2004).

[40]  Shibly Talhami, «America in Arab Eyes,» Survival, vol. 49, no. 1 (Spring 2004), pp. 107-122.

[41] المصدر نفسه، ص 69، وNail Ferguson, «A World without Power,» Foreign Policy, (July‑August 2004), pp. 32-49.

للمزيد من التفاصيل حول أهمية وجود قوى عظمى مسيطرة (Primacy) على النظام الدولي للحفاظ على السلم والاستقرار الدوليين، انظر الجدل النظري الذي دار بين صاموئيل هانتنغتون وروبرت جيرفس على صفحات مجلة International Security إبان نهاية الحرب الباردة. انظر: Robert Jervis, «International Primacy: Is the Game Worth the Candle?,» International Security, vol. 17, no. 4 (Spring 1993), pp. 46‑68, and Samuel Huntington, «Why International Primacy Matter,» International Security, vol. 17, no. 4 (Spring 1993), pp. 68-83.

ولتدعيم فكرة ضرورة وجود قوى مسيطرة على النظام لفرض الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم الدولي، انظر: William Wolfforth [et al.], «Testing Balance-of-Power Theory in World History,» European Journal of International Relations, vol. 13, no. 2 (Spring 2007), pp. 155-185.


أحمد محمد أبو زيد

مدير الأبحاث في المعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية (IICD)، دبي- الإمارات العربية المتحدة.

مقالات الكاتب
Avatar
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز

Privacy Preference Center