مقدّمة

عملت النخب الحاكمة الجديدة في تونس المستقلة على تثبيت دعائم الاستقلال عبر تلبية استحقاقات الشعب من التنمية والرقي، وحقّه في الصحة والتعليم والعمل. ولئن مثل الاستقلال السياسي مرحلة فارقة في تاريخها المعاصر ملأى بالوعود والانتظارات الكثيرة، إلا أن بناء منوال للتنمية يحقّق مراكمة للثروات وتوزيعها توزيعًا عادلًا لم يكن من السهل تحقيقه، وذلك لقلّة الموارد الطبيعية للدولة التونسية من جهة، ولعجز الحكومات المتعاقبة في الثبات على نموذج اقتصادي – تنموي يحقّق بصورة عملية العناوين الكبرى للانتفاع بخيراته، عبر التوزيع العادل للثروات وتنمية الجهات بشكل متوازن شمالًا وجنوبًا.

لقد كان اختيار النظام الجمهوري كنظام بديل من النظام الملكي في تونس بغاية أن تتحوّل السيادة إلى الشعب الذي آن الأوان لأن يحقق لنفسه عبر نخبته السياسية الجديدة الرقي والكرامة، وأن يقطع نهائيًا مع المعاناة الاستعمارية التي كان من نتيجتها الفقر والأمراض والأوبئة والمجاعات، وأن ينهي تسلّط نخب الأسياد على مقدّرات البلاد وثرواتها، والنخبة الحاكمة من الأسرة المالكة وبطانتها على تركيز نظام مجحف لجباية الأموال[1]. أدّى تململ السكّان ضدّ هذا الاستغلال المقيت إلى ترجمتها انتفاضة العروش سنة 1864 والتّي أفضت إلى تعطيل العمل بدستور 1862، وإفلاس خزينة الدّولة نتيجة الفساد الإداري والمالي للوزراء ومحاصرة الإصلاحات الاقتصاديّة والإدارية والسياسيّة التّي شرع في إنجازها خير الدّين باشا والتّي أفضت أمام تراكم ديون الدّولة إلى انتصاب «الكومسيون المالي الأوروبّي لإدارة الاقتصاد التونسي، والتمهيد للاستعمار العسكري والسيّاسي (الحماية)، والذّي خلّف تركة ثقيلة من التخلّف والجهل، أورثها الشّعب لأبنائه طيلة عقود من الزّمن نتيجة الاستغلال المجحف لكلّ الموارد المتاحة في تونس من موارد فلاحيه ومنجميه من قبل المعمرين.

لذا كان الأمل كبيرًا عقب الاستقلال في القطع مع ماضي التخلّف ورموزه عبر إرساء النّظام الجمهوري كنظام بديل وجديد، والذي هو: «خير كفيل لحقوق الإنسان وإقرار المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ولتوفير أسباب الرفاهيّة بتنميّة الاقتصاد واستخدام ثروة البلاد لفائدة الشّعب وأنجع أداة لرعاية الأسرة وحقّ المواطنين في العمل والصحّة والتّعليم»[2].

ورغم وضوح هذه الأهداف، إلّا أنّ ترجمتها على أرض الواقع بقيت رهينة السيّاسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المنتهجة منذ الاستقلال إلى الآن (أي إلى ما بعد ثورة 2011)، والتّي في أغلبها عمدت إلى تطبيق برامج تنمويّة هي في الأصل إملاءات للدّوائر الماليّة العالميّة والتّي أفضت إلى انتفاضات شعبيّة واحتجاجات نقابيّة ومطلبيه متفاقمة في سنوات السبعينيات والثمانينيات أدت إلى انقلاب سيّاسي وانسداد للأفق في العشرية الأولى من الألفية الجديدة مع مراقبة أمنيّة صارمة للمجتمع وأفراده ومؤسّساته حتّى سقوط النّظام ورموزه يوم 14 كانون الثاني/يناير 2011 تحت وطأة مطلبية اجتماعيّة واقتصاديّة بالتنميّة والتّوازن بين الفئات والجهات والتّشغيل نتيجة تفاقم عدد البطّالين والمعطّلين والمهمّشين في كلّ جهات البلاد، إضافة إلى توق النّخبة المثقفة والمحاصرة من قبل أجهزة النّظام السيّاسي وأعوانه إلى الحريّة والانعتاق.

وعليه فإنّ مدار اهتمامنا سيكون متمحورًا حول الإجابة عن التّساؤل التّالي: هل استطاعت السيّاسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للدّولة الوطنيّة في تونس الاستجابة لطموحات الشّعب في تحقيق التنميّة والتّوازن بين الفئات والجهات، وما مآلاتها؟

وهل استطاعت ثورة 2011 بشعاراتها الحبلى بالأماني والاستحقاقات النّجاح في تلبيّة المطالب التّي قامت من أجلها؟

أولًا: الدّور الاقتصادي والاجتماعي لدولة الاستقلال

كانت السنوات الأولى للاستقلال حبلى بالطّموحات الاجتماعيّة رغم اصطدامها بجملة من المعوقات السياسيّة المتمثّلة بالمعارضة لبروتوكول الاستقلال الدّاخلي سنة 1955 من جانب ما يعرف بالمعارضة اليوسفيّة والتّي رأت في هذه الخطوة السياسيّة خطوة إلى الوراء، وأنّ التوقيع على هذا البروتوكول خيانة لنضالات الوطنيّين ولأجيال متعاقبة من شباب تونس ورجالاتها وأحرارها. وهذا ما أفضى إلى طرد الزّعيم صالح بن يوسف من الدّيوان السيّاسي للحزب الدّستوري وبلغ التوتّر أشدّه بين أنصار الزّعيم بن يوسف من الأمانة العامّة للحزب وأنصار الزّعيم بورقيبة رائد سيّاسة اتّباع سيّاسة المراحل على الصّعيد السيّاسي ومفاوضة السلطات الاستعماريّة، وقد بلغ الخلاف حدّ التخوين بين الجانبين[3].

تمّ حسم هذا الخلاف بحصول تونس على استقلالها التامّ سنة 1956 وخروج آخر جندي فرنسي من التّراب التونسي عقب حرب الجلاء ببنزرت في شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1963.

كان الخطاب السيّاسي في تلك الحقبة يحثّ التونسيّين على المثابرة والاجتهاد في العمل، ونلمس ذلك في الخطب الرئاسيّة للزّعيم الحبيب بورقيبة، الذّي آل على نفسه أن يكون القائد والمعلّم والموجّه[4]، لذا خاض معارك كبرى لعلّ أهمّها على الاطلاق «معركة البناء والتشييد وهي بالنّسبة إليه بمثابة الجهاد الأكبر، الذي سيحسم قضيّة كبرى تتجسّد في محاربة الجهل والخرافة والعادات البالية وتحسين الهندام والنّظافة وتهذيب الذّوق… وكذلك بناء الاقتصاد التونسي الذّي تمّ توارثه عن السّلطات الاستعماريّة، وكان في واقع الأمر: «اقتصادًا متخارجًا مفكّكًا ومختلًّا، اقتصادًا مرهونًا بحاجيّات المركز الاستعماري في مجال الاستثمار والسّوق؛ اقتصادًا تصديريّا زراعيّا منجميّا لا علاقة له بحاجيّات السكّان الأصليين»[5].

هذا الاقتصاد من سماته تقسيم البلاد إلى جهات ومناطق تعرف شيئًا من النموّ النّسبي كما هو الشّأن في مناطق السّاحل وبعض جهات الشّمال في حين: «يسود مناطق الوسط والجنوب اقتصاد زراعي رعوي معاشي ومنخفض الإنتاجيّة»[6].

أمّا على الصّعيد الاجتماعي فإنّ مظاهر الاحتياج والفاقة ما زالت منتشرة في الأرياف وأحياء الصفيح بالمدن، ولم يستفد من ثمرات الاستقلال إلّا نزر قليل من أنصار السلطة ومن أعوان الزّعيم بورقيبة في الدّولة، ووزّع ريع الاستقلال على عائلات تنحدر من جهة السّاحل وتحديدًا من المنستير ومن الحاضرة تونس، وأقصي من الانتفاع بهذه الامتيّازات عدد لا يستهان به ممّن ناضل طويلًا من أجل استقلال البلاد[7].

لذا لا بدّ من إصلاح جذري لهذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي عبر تدخّل الدّولة وفق برامج واضحة ونمط اقتصادي يستجيب لطموحات الاستقلال.

1 – البرامج الاقتصاديّة والاجتماعيّة للعشريّة الأولى للاستقلال

لقد كان أمام النّخبة المسيّرة لدولة الاستقلال تحت راية الزّعيم الكاريزمي بورقيبة، أو أبي الجمهوريّة كما يحلو للبعض من أنصاره تسميّته بهذا اللقب، تحديّين مهمّين: الأوّل هو استكمال بناء مؤسّسات الدّولة وما تتطلّبه من أركان السيّادة. والتحدّي الثّاني هو البناء الاقتصادي الوطني بالتّزامن مع حلّ جلّ المشكلات الاجتماعيّة المزمنة والتّي من أبرز مظاهرها جحافل العاطلين من العمل الواجب تشغيلهم، لذا عمدت الدّولة من أجل تحقيق هذا الهدف إلى توجيه أصحاب (المال والأعمال) نحو بعث المشاريع ذات الطّاقة التشغيليّة والتوجّه نحو الطّبقات الشعبيّة لمزيد بذل الجهد والتضحيّة لخوض هذه المعركة.

على هذا الأساس كانت السّمة الغالبة على الاقتصاد التونسي في تلك الحقبة هي السّمة الشّبه ليبراليّة والانفتاح على الخارج، وهكذا عملت السّلطة السياسيّة على تشجيع المستثمرين الأجانب على الانتصاب في تونس مقابل امتيّازات جبائيّة. ومن أجل تعبئة الموارد تمّ الاهتداء إلى خفض الأجور والادّخار الإجباري، وهو ما أفضى إلى تضرّر القدرة الشرائيّة للأجراء وتدهور مستوى المعيشة[8].

ورغم نجاح هذه الخطّة في تحصيل بعض النّتائج الإيجابيّة نسبيّا والتّي أفضت إلى نجاح تمويل صندوق التّصنيع والتنميّة والذي من مهمّاته تخصيص مساعدات ماليّة للمؤسّسات الصناعيّة وكذلك بعث مؤسّسات عموميّة من صنف الشّركات وإنشاء أوّل بنك تونسي (الشركة التونسيّة للبنك) سنة 1958. إلّا أنّ هذه التضحيّات لم تؤدّ إلى مقاومة البطالة بصفة جذريّة ولا إلى القضاء على الفقر المستشري في أحزمة المدن وفي القرى والأرياف ولا إلى مكافحة سوء التغذيّة والجوع. لذا كان لزامًا على الدّولة التدخّل وأدّى أدوارًا اقتصاديّة وتسييريّة في المجال الإنتاجي.

2 – تدخّل الدّولة كمستثمر ومنتج في المجال الاقتصادي

ليس من السّهل على دولة محدودة الموارد وحديثة العهد بالاستقلال أن تفي بوعودها بتركيز دعائم مجتمع متقدّم وعصري ومتمدّن، ودولة راقية تساهم في ركب الحضارة في ظلّ انتشار مظاهر البؤس والفاقة والحرمان والجهل والمرض.

لذا كان من المؤكّد أن يكون للدّولة دور مباشر في المجال الاقتصادي والإنتاجي وأن يكون للقطاع العام مهمّة استيعاب جحافل البطّالين وإدماجهم في المجال الإنتاجي والإذن برسم سياسات تستهدف محاربة الأميّة والجهل عبر نشر التّعليم وتعميمه والوقاية من الأمراض والعناية بالصحّة العامّة والنّظافة وبعث مشاريع السّكن الشّعبي. وقد سمحت حقبة الستّينيات وفي ظلّ هذه السياسة التدخليّة للدّولة من التحاق أعداد كبيرة من التونسيّين بأجهزة التّعليم (المدارس والمعاهد الثانويّة) وأسلاك الأمن والمؤسّسات الصحيّة والاستشفائيّة، وكذلك بعث «حظائر مقاومة التخلف، التّي استوعبت أعدادًا كبيرة جدّا من العاطلين من العمل والمزارعين المعدمين.

وبالتّوازي مع هذه الإجراءات تمّ تأميم عدد من المؤسّسات ذات الطّابع الاستراتيجي، حيث عملت الدّولة على امتلاك نصف أسهم شركة صفاقس - قفصة وما تملكه من مناجم إضافة إلى تأميم الشّركة القوميّة للسّكك الحديديّة التونسيّة وكذا توزيع المياه والكهرباء والغاز.

وللحدّ من التّفاوت بين الجهات وقع تركيز مصنع عجين الحلفاء بالقصرين بطاقة تشغيليّة محترمة ومعمل السكّر بباجة، ومعمل الحديد بمنزل بورقيبة[9].

ومن أجل الحدّ من تكلفة الهدر في تصدير الموادّ الأوليّة عمدت الدّولة إلى استغلال أكثر فاعليّة ونجاعة لهذه الموادّ عبر إنتاجها نصف مصنّعة ومصنّعة معدّة للتّصدير عوض تصديرها خامًا.

وتفسّر هذه الخطوة الجسورة من جانب دولة الاستقلال بأزمة الاستثمار الخاصّ ومقتضيات نزع الاستعمار والحدّ من سلبيّات البنيّة الاقتصاديّة الموروثة عنه وتأمين الحاجات الأساسيّة للجماهير، لتفضي إلى تكوين نواة القطاع العام، أو الدولوي، وتولّي الدّولة إدارة المشاريع المؤمّمة، وإنشاء المشروعات الجديدة التّي لا يقدر عليها القطاع الخاصّ أو لا يرغب في الاستثمار فيها، وكذلك بعث مؤسّسات وظيفتها تجميع الموارد والمدّخرات لتمويل المشاريع التّي ترى الدّولة ضرورة إنجازها وحثّ وتشجيع القطاع الخاصّ وبدأت هذه التحوّلات رغم استمرار قيادة الدّولة في الاعتقاد بمزايا الخيار الليبرالي»[10].

3 – الآفاق العشريّة للتنميّة 1962- 1971

كانت السياسة الاقتصادية والاجتماعية منذ فجر الاستقلال في تونس موجهة مباشرة نحو كل الفئات الاجتماعية تقريبًا، ويتساوى في الانتفاع بامتيازاتها ساكن الريف والمدينة، شمالًا وجنوبًا. ذلك بأن النخبة الحاكمة الجديدة ترجع أصولهم إلى الطبقات الشعبية. لذا فإنه من الطبيعي أن يحمل هؤلاء هموم هذه الطبقات وآمالها، وبالتالي فإن السياسات التي سطروها على الصعيد الاجتماعي تخدم مطالب هؤلاء وطموحاتهم من أجل خلق مجتمع متضامن يعضده اقتصاد يقوم على قوة العمل[11]، ونموذج تنموي يرمي إلى التعاون والتوزيع العادل للخيرات.

وقد أفضى تشخيص المسيّرين لواقع الاقتصاد التونسي أنه يقوم على قطاعين أساسيين هما القطاع الفلاحي والمناجم، وضعف بيّن في التطور الصناعي والتّقني، كما يواجه الاقتصاد عدّة معضلات لعلّ أبرزها قلّة الإطارات وضمور الرساميل بسبب ضعف المداخيل ونسبة الادخار، وضيق السوق المحلية والتبعية الكبيرة للخارج، إضافة إلى عوائق تهم كل قطاع على حده والضعف الهيكلي[12].

وعلى هذا النحو وضعت الاستراتيجية المعتمدة للتنمية موضع التنفيذ، وتعتمد في مرجعيّتها الاقتصادية على المبادئ التوجيهية للتقرير الاقتصادي لسنة 1956 المعتمد على السياسات المخططة لتصفية التركة الاستعمارية في المجال الفلاحي والإصلاح الهيكلي، والنهوض بالإنسان التونسي، والتشريعات الاجتماعية المتطورة، وتعميم التعليم، والتعاضديات الفلاحيّة[13].

لهذا تم اعتماد منهجيّة عملية للنهوض بالاقتصاد من قبل المخططين عبر إعادة هيكلته، حيث استثمرت الدولة في تهيئة البنى التحتية، والتعليم والصحة من أجل بناء مجتمع عصري موحد ومنسجم، يقطع مع آفة العطالة الاجتماعية والبطالة ومظاهر البؤس والشقاء والجهل، ويضمن للفرد التونسي الحدّ الأدنى من الرّفاه المادي ويحجب عنه شبح المجاعات والأوبئة، وخلق موارد بشرية تستثمر كقوّة إنتاج فاعلة في تونس وحتى في الخارج[14].

ووفقًا لهذا التمشي فإن السياسة الفلاحية كانت تهدف أساسًا إلى تلبية حاجات البلاد من المواد الفلاحية لضمان الأمن الغذائي[15]، عبر تركيز تعاضديات الإنتاج والخدمات والاستغلال. لهذا كان الخطاب السياسي يحثّ الجميع على العمل وتقبل هذه السياسة الاقتصادية الجديدة والمثابرة والاجتهاد، ويحتلّ جهاز الدولة ضمن هذا السيّاق موقعًا مركزيًا في التخطيط من أجل إحداث هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية تحت مسمى «الاشتراكية الدستورية»، التي تعتمد على أسس المحافظة على «الوحدة القومية» وتسعى إلى: «التضامن بين الفئات الاجتماعية فلا إضرابات ولا تناحر ولا تطاحن ولا شيء من مركبات الغيرة والحسد»[16].

ونفهم من هذا التوجّه السيّادي العام أنّ الدّولة: «أصبحت تحتلّ مكانًا بديلًا من القطاع الخاصّ وبناء عليه أصبحت المؤسّسات العموميّة تؤدي دور مسدي الخدمات العامّة وإقامة التّجهيزات الأساسيّة والوحدات الإنتاجيّة الموجّهة للاستهلاك وإنتاجه محليّا»[17].

وهكذا يتبيّن لنا أن مشروع التحديث كان مشروعًا فوقيًّا ممركزًا، من أجل بناء مجتمع جديد (أمة جديدة)، وبناء دولة جديدة كذلك تعمل النخب المسيّرة بكل جد على تحقيق ذلك. لكن هذه الآمال التي اقترنت بعصر دولة الرفاه تراجعت بدرجة كبيرة مع الأزمات الاجتماعية التي مرت بها دولة الاستقلال بداية من التراجع عن سياسة التعاضد وما خلفته أواخر ستينيّات القرن الماضي من أزمات، لتتبنّى توجّهًا جديدًا صلب دوائر الحكم سنة 1971 يقضي بتحرير المبادرة الخاصة، بعد أن تبيّن للسلطة القائمة وزعيمها رفض قسم كبير من التونسيين سياسة التعاضد، بل وقسم لا يستهان به داخل دوائر الحكم وأجهزة الدولة ذاتها. وقد ترجم هذا التوجه مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري المنعقد من 11 إلى 15 تشرين الأول/أكتوبر 1971 بالمنستير[18]، والذي كانت قراراته:

– حل الكثير من التعاضديات التجارية؛

– التفويت في حصص من الأراضي المؤمّمة؛

– فسح المجال أمام المبادرة الخاصة وإيجاد اطار تشريعي يرتّب هذه المسألة ترجمه قانون أفريل 1972 وقانون 1974.

ثانيًا: سياسات الإصلاح الهيكلي
وانعكاساتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة

1 – تراجع دور الدّولة كمستثمر

رافق السياسة الاقتصادية الممتدة من سنة 1977 إلى سنة 1981 (المخطط الرابع) تدهور كبير في المستوى المعيشي للطبقة العاملة وتخلّف في المجال الريفي، ففي غياب البدائل الاقتصادية انتهى الأمر بأغلب الفلاحين إلى التفريط في أراضيهم بالبيع أو بالرهن أو التخلي عنها والنزوح إلى المدن[19] لتتنامى أحياء الفقر حول العاصمة تونس ومدن الساحل وصفاقس، وما رافقها من انتشار للجريمة والفساد الأخلاقي وجنوح الأحداث وبروز أعداد كبيرة من المهمّشين والمفقّرين والمترافقة مع مظاهر البؤس والفاقة، وتمثل هذه الحياء بمرور الوقت بؤر للغضب واحتجاج شبابها ومطالبتهم  المستمرة بحقهم في العدالة الاجتماعية والكرامة، حتّى أيامنا هذه، حيث أكد بحث ميداني أجرته «منظمة اليقظة العالمية» تناول أوضاع الشباب في منطقتي دوار هيشر والتضامن الشعبيتين في العاصمة تونس: «أن 98.8 في المئة من الشباب المستجوَبين في هذين الحيين لا يثقون في السياسيين الموجودين على الساحة والماسكين بزمام الأمور معتبرين أن هؤلاء لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية»[20].

ورغم سعي الدولة إلى بعث برامج اجتماعية ذات طابع اقتصادي للحدّ من أعداد البطالين عبر برنامج تشغيل الشباب والتنمية الريفية في ثمانينيات القرن الماضي إلا أنها لم تفضِ إلى حل المشكل بل اعتبرت من قبيل: «المسكّنات وكانت قدرتها متواضعة لإحداث تغيير[21]، مما أدى إلى انتشار الفقر في الأرياف، وبالتالي النزوح نحو المدن، ويفهم من كل هذا أن هذه الاجراءات لم تأتِ بنتائج ناجعة في الاستجابة لكل طلبات التشغيل المتزايدة والتنمية عمومًا في هذه الجهات.

كل هذه العوامل مضاف إليها تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية في منتصف الثمانينيات والاحتجاجات الاجتماعية بسبب مراجعة تدخل صندوق الدعم سنة 1984 إلى أزمة هيكلية للاقتصاد أمام مطلبية اجتماعية حادة زادها سوء التصرف في مؤسسات القطاع العام صعوبة، معطوف عليها شبه انهيار مدّخرات الدولة من العملة الصعبة، لتجد الحكومة نفسها في نهاية سنة 1983 أمام خيار الترفيع في المقادير الجبائية المستوجبة على دافعي الضرائب أو التخلي عن إنجاز بعض مشاريع التنمية[22].

لم تستطع الدولة ضمن إطار اقتصاد يعتمد في كليّاته على القطاع العام، ومخطّط له إداريًّا من تلبية كل حاجات المجتمع، لهذا كانت سنوات الثمانينيات تحمل جملة من التحديات على الحكومة وعلى الاقتصاد بصورة عامة، وكان التوجه العام نحو خفض الدعم الموجّه إلى الحبوب ومشتقّاتها (الخبز تحديدًا)، وهو ما أثقل ميزانية الدولة، وقد أقرّت التوقّعات يومها أن في سنة 1984 سيكون حجم الدعم في حدود 259 مليون دينار بما يعادل 54 بالمئة إجمالًا موجهة لدعم الحبوب ومشتقاتها[23].

وقد كان لإعلان الخفض من الدعم على الحبوب أثره الواضح في سعر الخبز إذ ارتفع ثمن هذه المادة، قابله احتجاجات كبيرة يوم 3 كانون الثاني/يناير 1984 وأعمال شغب جوبهت بقوّة النظام الأمنية والعسكرية، وشهدت خلالها الكثير من المدن التونسية إضافة إلى العاصمة تونس أحداث دامية لا تمحى من تاريخ تونس المعاصر وهو ما هدّد بالفعل السلم الاجتماعي[24].

أدّت كلّ هذه العوامل، مضافًا إليها تداعيّات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة في منتصف الثّمانينيات والاحتجاجات الاجتماعيّة بسبب مراجعة تدخّل صندوق الدّعم سنة 1984، إلى أزمة هيكليّة حادّة للاقتصاد أمام مطلبية اجتماعيّة حادّة زادها سوء التصرّف في مؤسّسات القطاع العام صعوبة، إضافة إلى شبه انهيّار مدّخرات الدّولة من العملة الصّعبة.

وعلى هذا النّحو فإنّه من السّهل أن نبني الاستنتاج التّالي، أنّ كلّ التّجارب الاقتصاديّة لدولة الاستقلال قد فشلت في إرساء دعائم اقتصاد وطنيّ مستقلّ ومجتمع ديمقراطي[25].

لهذا فإن تونس مطالبة في ظل هذا الوضع المتأزّم بمراجعة اختيّاراتها الاقتصادية وفقًا لتوصيات المانحين، وعلى هذا الأساس وقع تبني برنامج للإصلاح الهيكلي سنة 1986 عملًا بتوجيهات صندوق النقد الدولي.

ووفقًا لتوصيّات هذا الصندوق فإنّ الدّولة التونسيّة سارت في نهج خوصصة مؤسّسات القطاع العام المنتجة (التنافسيّة)، وقد سوّقت لهذا التمشّي بسوء التصرّف داخل هذه المؤسّسات، وعلّلت أسباب التّفريط في الآتي:

– التّكاليف الباهظة لشراء معدّات الإنتاج غير الصّالحة للاستعمال؛

– ارتفاع مرتّبات وأجور الإطارات وتمتّعهم بامتيّازات كبيرة على حساب كلفة الإنتاج والتّسيير.

– تحمّل هذه المؤسّسات لأعداد كبيرة جدّا من العمّال الزّائدين على الحاجة.

وقد استثنت الدولة التونسيّة من سياسة الخصخصة المتّبعة المؤسسات ذات الطّابع الاستراتيجي التي تعد مؤسسات محتكرة طبيعيًّا للدولة وتتطلّب اعتمادات ماليّة ضخمة لا يقدر على تحمّل أعبائها القطاع الخاصّ. وهي سياسة من الواجب اتّباعها لمواجهة خطر الإفلاس. وعلى هذا النّحو كان تراجع دور الدّولة في المجال الصّناعي والإنتاجي التنافسي. ولعلّ أبلغ توصيف لمآلات هذه السيّاسة الاقتصاديّة الجديدة ما يلي: «لم يكن بوسع القطاع المهيكل العمومي والخاصّ رغم الامتيازات التّي منحت لهما من تعبئة كامل قوى العمل المتوفّرة والمساهمة بالتّالي في خفض مستوى البطالة التي لم تنفكّ نسبتها ترتفع، وشكّل تراجع القدرة على إحداث مواطن الشّغل وازدياد حجم التّشغيل في القطاع غير المهيكل، وارتفاع نسبة البطالة بما في ذلك بطالة أصحاب الشهادات أهمّ اتّجاهات اقتصاد غلبت عليه النّزعة التسييريّة حتّى أواسط الثّمانينات»[26].

صاحب برنامج الخوصصة والانسحاب التدريجي للدّولة كمستثمر تجميد الأجور وتراجع نسبة المصاريف العموميّة الموجّهة لقطاع الخدمات العموميّة كالصحّة التّعليم وارتفاع الأسعار، والتّفكير المستمر بالتخلّي نهائيًّّا عن صندوق الدّعم.

لذا لا مناص من حسبان أنّ هذا التوجّه هو بداية نهاية دولة الرّعاية (الرّفاه)، ومزيد إدماج الاقتصاد التونسي ضمن سياقات الاقتصاد العالمي، وما العفو الجبائي الذي تمّ الإعلان عنه في نهاية الثمانينيات والدّعم المالي والجبائي للقطاع الخاصّ في مجال الإنتاج المعدّ كليًّا أو جزئيًّا للتّصدير[27]، إلّا دليلًا واضحًا على أنّ الاقتصاد التونسيّ سيكون عرضة لكل التداعيّات السلبيّة التّي سيتعرّض لها الاقتصاد العالمي خاصّة ضمن مناخات العولمة المتقلّبة.

2 – تأثيرات العولمة على الدّولة التونسيّة

لم يكن خيار الاندماج ضمن السّوق العالميّة والانفتاح الاقتصادي خيارًا حرًّا للدّولة التونسيّة بل هو ضرورة أملتها سياقات واقع اقتصادي واجتماعي لدولة نامية لم توفّق في بناء تنمية مستقلة، وفشلت سياساتها الاقتصاديّة المتّبعة منذ الاستقلال في تحقيق الأمان الاقتصادي والاجتماعي لشعبها.

لذا فهي دائمة البحث عن النّموذج التنموي الذي يكفل لها الاستمراريّة ككيان سياسي، وذلك بالخضوع لكلّ الإملاءات الصّادرة من المانحين والاهتداء بتجارب الدّول الأوروبيّة في التسيير والحوكمة على المستوى الاقتصادي والبيروقراطي.

على هذا الأساس تمّ اندماج الدّولة التونسيّة ضمن تيّار العولمة الذي ترجمه الخطاب الرّسمي من خلال اعتبار أنّ العولمة يمكن أن توفّر فرصًا جديدة لمزيد توسيع الاستثمارات في قطاعات ومهن وصناعات جديدة[28].

واعتبار أنّ الذي لا يسعى إلى هذا الاندماج سوف ينكمش وتزيد الفجوة بينه وبين الغرب المتطوّر، وأنّ المجتمع الذي لا يرغب في الانفتاح على الصّناعات الحديثة ومنتجات العولمة لا مستقبل له في هذه الصناعات والتّعامل النّفعي معها، وبالتّالي لن تتوفّر له حظوظ كبيرة في مجال التّشغيل وفي مختلف أنواع التخصّصات[29].

لهذا كانت تونس من أوائل الدول الموقعة اتفاقيّة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي من بين دول جنوب شرقي المتوسط: «أيضًا لم يكن من الواضح أن ليس هناك ما يفيد بسعي الحكومة أو بوجود رغبة فعلية لديها إلى استحداث أنشطة تقحم البعد المعرفي والتقني في ترسانة عوامل المنافسة، وبما يتناسب مع قدرات البلاد، بل راهنت كعادتها على أنشطة المناولة في قطاعات لا تستوجب كفاءة عالية ولا تنتج قيمة مضافة مرتفعة مثل قطاعات النسيج وصناعة الأحذية والإلكترونيك. ظاهريّا، اتّسمت الرؤية التي قادت مسار إدماج الاقتصاد التونسي في العولمة وارتباطه بأوروبّا بضعف الطموح، عمليًا كان مضمون الانخراط الجديد: تكرارًا للقديم»[30].

لقد ازداد عدد العاطلين من العمل من سنة إلى أخرى منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي أي منذ تطبيق برنامج تأهيل المؤسّسات الصناعيّة وما رافقه من برامج تابعة كبرنامج تطهير المؤسسات العمومية الذي أفضى إلى تسريح أعداد كبيرة من العمّال والموظّفين في مختلف نواحي الإنتاج الصّناعي، وأصبحنا نتحدّث عن مؤسّسات تعمل بالمناولة، فظهرت أشكال جديدة للتّشغيل تتّسم بالهشاشة وضعف الأجور مع شبه إفلاس للصّناديق الاجتماعيّة، وتراجع مردوديّة مؤسّسات التّعليم العموميّ وعدم تناسب الاختصاصات العلميّة والمهنيّة مع سوق الشّغل الذي بات غير قادر بالمرّة على استيعاب أعداد الخرّيجين من سنة إلى أخرى أمّا ما بشّر به منظّرو العولمة من ضرورة فتح الأسواق بالكامل والتّبادل التّجاري الحرّ (الذي ستجني منها البشريّة ارتفاعًا عامًّا في مستوى العيش والتطوّر الاجتماعي بشكل أكثر عدالة)، ما هي إلّا مسوّغات كاذبة وشعارات جوفاء أوردتها تقارير المؤسّسات الماليّة العالميّة، لمزيد أحكام السّيطرة على بلدان الأطراف والتحكّم في مقدّراتها.

رافق سيّاسات الإصلاح الهيكلي والتّأهيل ظهور طبقة من الأثرياء راكمت ثروتها على نحو سريع وامتدّ نشاطها إلى كلّ نواحي الأنشطة الاقتصاديّة، مستفيدة من الغطاء والحماية التي وفّرها لها النّظام السيّاسي وبمباركة منه تحصّلت على قروض كبيرة جدًّا من البنوك العموميّة من دون جدولة واضحة لسدادها وهي في الأصل ديون خارجيّة اقترضتها الدّولة التونسيّة من البنك العالمي وصندوق النّقد الدولي تحت عناوين التنميّة والتطوير.

وقد بيّن تقرير نشرته مجلةLe Point  الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 14 آذار/مارس 2021 أن 20 عائلة فقط تتحكّم في الاقتصاد التونسي، عبر سيطرتها على القطاع المصرفي الذي لا يعمل من أجل الدفع بالاقتصاد التونسي نحو التطوّر بما يدعم آليّات المنافسة، بل إن هذا النظام المصرفي يعمّق الأزمة، ذلك أن تونس يوجد بها 23 بنكًا تهيمن عليها هذه العائلات عبر تبادل المنافع المتأتية من القروض، ولهذا السبب فإن الرأسمالية التونسية هي عبارة عن توليفة من رجال الأعمال وأصحاب الدخل المرتفع الذين لديهم القدرة على وأد أيّ نوع من أنواع المنافسة الاقتصادية، وبهذا الشكل يكون الاقتصاد التونسي بسبب سطوة هؤلاء اقتصادًا منغلقًا يقوم على التخلّص من المنافسين[31].

في الحصيلة لم تجنِ الدّولة من الانخراط في النّظام العالمي الجديد (العولمة) سوى تشجيع الطّبقة الوسطى على الاقتراض من البنوك لمواجهة تكاليف الحياة وتلبيّة حاجاتها الضروريّة كالسّكن والصحّة وكذلك الإقبال على الكماليّات لترتهن أجور الموظّفين لسنوات عديدة، وينخفض مستوى الادّخار إلى حدود دنيا مع تدنّي مستوى الطّبقة الوسطى إلى درجة التّفقير وازدياد عدد البطّالين وبخاصّة من أصحاب الشهائد العليا.

رافق كلّ هذا، إخلالات واضحة في التّوزيع المتفاوت لقوّة العمل من جهة إلى أخرى بخاصّة الدّواخل بالشّمال الغربي وجهات الوسط والجنوب، وعدم المواءمة بين طبيعة الكفاءات المتوفّرة ونوعيّتها وحاجة المؤسّسات إليها عملًا وتسييرًا.

يضاف إلى كلّ هذا غيّاب تطوّر صناعي ظاهر وكاف للشّركات الخاصّة، يسمح بالارتقاء بقدراتها على استيعاب الكفاءات الفاعلة من خرّيجي الجامعات، وهو ما يعني أنّ حاجة نظم الإنتاج غير قادرة على استيعاب العدد الكبير لمخرجات نظام توفير الكفاءات من خرّيجي الجامعات ومراكز التّدريب.

لذا فإنّ النّتيجة كانت ازدياد جحافل البطّالين ومزيد ارتفاع أعدادهم كلّما ازداد المستوى التّعليمي.

لهذا السّبب كانت الاحتجاجات الكثيرة المطالبة بالتّشغيل والكرامة واضحة في المناطق المحرومة، لتشمل بعد ذلك عموم مناطق البلاد، وكان جمهور الفاعلين فيها من المحرومين والمهمّشين والبطّالين. وهذا ما أدّى بعد ذلك إلى سقوط النّظام يوم 14 كانون الثاني/يناير 2011.

ثالثًا: ثورة بلا إصلاحات اقتصاديّة واجتماعيّة كبرى
ودولة عاجزة عن تلبية حاجات مواطنيها

إلى حدود سنة 2010 كان متوسّط النموّ عاليًا نسبيّا، لكن اللافت للانتباه أنّ التّفاوت الاجتماعي بقي  في حدود 81،35 بالمئة وفقًا لمؤشّر «جيني»[32]، وهذا يقودنا إلى حسبان أنّ خيرات النموّ ليست موزّعة بقدر عادل، علاوة على الاختلال الرّهيب والتّفاوت بين الفئات والجهات والذّي نستدلّ عليه بالمؤشّرات التاليّة:

– مجتمع مقبل على منتجات الحداثة ومنفتح على الثّقافات الأخرى، ونسبة كبيرة من الشّباب المتعلم يفتقد مؤسّسات تأطيريّة فاعلة من المجتمع المدني أو من الدّولة، بل إنّ آليّات هذه المؤسّسات تفتقر إلى حدّ ما قواعد الحوكمة المسؤولة[33].

– مجتمع مدني مراقب أمنيًّا أفقده الدينامية الضروريّة والمبادرة بسبب كثرة انتهاكات حقوق الإنسان المدنيّة والسياسيّة من قبل السّلطة الحاكمة.

– مزيد تأكيد الدّولة لسلطانها وأجهزتها وسلطاتها خارج منطق التشاركيّة.

وبالتمعن في الغموض البادي على ممارسات النظام في المجال المالي في تونس ومآل القروض التي تحصّل عليها والتي أصبحت محل شكوك كبيرة في توجيهها لمجالات التنمية، وأن المستفيد الأول منها عائلات تميل في ممارساتها، ومضارباتها المالية إلى الممارسات المافيوزية بمرور الوقت[34].

لم تدرك الطبقة السياسية الجديدة ولا القديمة، التي لا تزال في الواقع على رأس الدولة بعد الثورة أن الأزمة الاقتصادية في تونس هي أزمة هيكلية عميقة، وهو ما يتطلب معه إعادة بناء وهيكلة الاقتصاد من جديد وبشكل عميق، ذلك أن الاقتصاد التونسي دخل منذ 2011 في أخطر أزمة منذ استقلال البلاد، حيث غاب الكثير من أدوار الدولة في بعض القطاعات، إذ تبين أن المؤسسات المحدثة بالدستور الجديد (دستور 2014) مؤسسات غير فاعلة وفي حالة عجز أمام المطلبية الكبيرة والمجحفة لمجتمع سياسي متشظّ[35].

فالسياسة الاقتصادية التونسية لم تتوقف عن استخدام كل الوسائل الترقيعية الممكنة من دون أن تنجح في تجنب الانهيار والتدهور المستمر للوضع الاقتصادي والمالي[36].

لقد أفضى سقوط النظام التونسي إلى إضعاف الدولة، التي بات ينظر إليها كدولة هشّة على الصعيد الدولي، وضمن هذا الإطار فإن الانتقال الديمقراطي لم يؤد إلى ترسيخ شرعيّة الدولة ولا حتى التحسين من أداء مؤسساتها في إدارة التوترات الاجتماعية وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وبدا القادة السياسيون الجدد الذين أفرزتهم صناديق الانتخاب عديمي الكفاءة، وغير ملهمين، وبالكاد ملتزمين بتسيير المؤسسات الجديدة من أجل ضمان الحد الأدنى للصالح العام. تجلى ذلك في السبع سنوات الأولى للثورة، التي أظهرت ضعف الدولة المركزية، وعدم قدرتها على تأمين الخدمات العمومية الضرورية (الصحة، التعليم، النقل …)، وعدم قدرتها على كبح جماح الفاعلين في مجال الاقتصاد الموازي[37].

صاحب سقوط النظام يوم 14 كانون الثاني/يناير 2011 موجة عارمة من الاحتجاجات الاجتماعية التي اتخذت عدّة أشكال عنيفة مثل أعمال الشغب، والإضرابات العمالية التي لم تهدأ وتيرتها، وهو ما يحيلنا على بناء الاستنتاج التالي، وهو أن الدولة باتت عاجزة على تلبية استحقاقات الشعب وخاصة الطبقات الفقيرة في حياة كريمة، وباتت الدولة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها الاجتماعية، وأضحى عامة الشعب على وعي بأنها انتهكت العهد الاجتماعي الذي قطعته على نفسها مع مواطنيها، والذي يقضي بأن تتعهد بضمان الأمن واستقرار الأسعار، وضمان المواد الأساسية لعامة فئات الشعب والحفاظ على قدرتهم الشرائية، وإيجاد الآليات الضرورية لإدماج أصحاب الشهادات الجامعية في سوق الشغل[38].

وما زاد في تعميق الأزمة أن الدولة لم تقدم على إصلاحات عميقة في ظل دعمها للمؤسسات العمومية بشكل متواصل ماليًا وجبائيًّا، وهو ما يضاعف من مسؤولياتها تجاه الاقتصاد والمجتمع ويجعلها المسؤول الأول عن ضمان السلم الاجتماعي[39]، المهدد بالفعل بسبب استشراء الفقر والفاقة والتراجع الرهيب في مستوى الخدمات العامة كالصحة والتعليم والنقل، والتي فقدت آليات عملها وبناها، وفي المقابل استفاد القطاع الخاص من هذه الوضعية وراكم الثروات.

1 – فشل الخطاب الرّسمي في جلب الاستثمارات

تجدر الإشارة في هذا المستوى إلى أهميّة الخطاب الرّسمي في هذه المرحلة الانتقاليّة ابتداءً من عام 2011، والذّي يفتقد رؤية واضحة وسيّاسات اقتصاديّة لها من السّرعة والنجاعة ما يجعل قبولها متيسّرًا في الدّاخل والخارج، لكن هذا لم يحصل ولم يلبّ الخطاب الرّسمي انتظارات المهمشين، واندفاع الشّباب، ولم يطمئن حكمة العقلاء[40]، إذ لم يعلن فريق الحكم لسنة 2011 عن أهداف سياسيّة واقتصاديّة واضحة خصوصًا في مستواها القصير الأجل ولم تقع الاستجابة لمطالب الجماهير الواسعة، التي كانت مؤسساتية في البداية فتحوّلت إلى مطلبيه اجتماعية وماديّة بخاصّة سنة 2012 حيث كثرت الاعتصامات والتظاهرات، لعلّ أهمّها اعتصاما القصبة 1 و2 المطالبان بمجلس وطني تأسيسي، مع ترحيل الحكومة التّي هي في واقع الأمر حكومة النّظام السّابق لكلّ المشاكل إلى الحكومات التّي أتت بعدها دون بدائل واضحة وهو ما أدّى إلى تدهور كبير لمناخ الاستثمار، وتراجع نسبه وفقًا لمراجع التّصنيف الائتماني السيّاسي والائتماني («فينش» و«موديز» و«ستندار آند بورز» وغيرها…).

إضافة إلى اعتصام الرّحيل الذي أفضى إلى تركيز حكومة كفاءات سيّرت مرافق الدّولة إلى موعد انتخابات 2014 التشريعيّة والرئاسيّة وانبثقت عنها حكومة أولى وثانية عجزت تمام العجز عن حلحلة الوضع رغم اقرار الحكومة الثانيّة برئاسة يوسف الشّاهد محاربة الفساد وفشلت في ذلك.

2 – الهيكلة المعتمدة على الثنائيّة الاقتصاديّة والإخلالات الحاصلة

من المتعارف عليه أنّ الاقتصاد التّونسي يتأطّر ضمن نمطين للإنتاج في النّظام الاقتصادي. يعرف هذا النّمط بالهيكلة الثنائيّة حيث يتطوّر أحدهما على حساب الآخر، ويستفيد استفادة كبيرة من جملة البرامج التنمويّة، ويعتمد على القوى العاملة ذات الأجر المنخفض من داخل البلاد. وهي خاصيّة من الخاصيّات التي تعرّف بها الدّول الناميّة اقتصاديًّا من قبل بعض العلماء مثل (آرثر لويس)[41].

هذه المواصفات التّي كانت السّمة المميّزة للاقتصاد التونسي منذ ما يقارب قرنًا من الزّمن ومن سلبيّاتها التدفّق الكبير لعدد من العائلات على تونس العاصمة ضمن موجات هجرة داخليّة لم تقتصر على العاصمة تونس لوحدها، بل شملت كذلك مدنًا ساحليّة، ممّا أدّى إلى إفقار واضح للجهات الداخليّة من مواردها البشريّة، ومنعها هذا النّزيف من إعادة استثمار النّاتج الفلاحي فيها، بل الأنكى أنّ هذه الموجات من الهجرة رافقها تدفّق موازٍ للأموال بحسبان أنّ المحصول الزّراعي يصرف أغلبه في المدن الساحليّة والعاصمة تونس.

صاحَب كلّ هذا المشهد غير المتوازن بين الرّيف والمدينة في ستّينيات وسبعينيات القرن الماضي تزايد نسبة التمركز السكّاني في المدن الكبرى الساحليّة والتّي لم يعد باستطاعتها استيعاب القوى العاملة الوافدة[42]. ووفقًا لهذا الواقع ظهرت أحزمة الفقر حول هذه المدن ومنها توالد القطاع غير المهيكل. ولئن كان هذا القطاع الموازي وفقًا لبعض القراءات يوظّف نصف ما يوظّفه القطاع العام، وتبلغ قيمة إنتاجه ما يعادل نصف النّاتج المحلّي[43]، وهو قطاع يستفيد من كلّ ما توفّره المرافق العامّة للدّولة دون أن يكون له أيّ إسهام في تمويلها، معطوف عليه أنّه يظلّ بمنأى عن مراقبتها وتوجيهها. كما أنّه يزاحم القطاع الخاصّ المهيكل ويؤثّر تأثيرًا واضحًا في قدرته الإنتاجيّة بسبب منافسته الشّديدة لإنتاجيّته، وله متّسع كبير في المراوغة والتخفّي عن كلّ رقابة في استخدام ثرواته الكبيرة ضمن أطر غير شرعيّة من أجل اعادة إنتاج نفسه مثل التّهريب وتبييض الأموال، وتمويل التّبادل التّجاري غير القانونيّ والمنفلت والخارج عن أطر المراقبة الصحيّة، وهو في نهاية الأمر يعدّ عبئًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا، ذلك لأنّه يخرج عن سيطرة الدّولة وسيّاساتها الاجتماعيّة.

3 – فشل سوق الشّغل والأزمة الهيكليّة للعمل

من المتّفق عليه أنّ الشّعارات المركزيّة (للثّورة التونسيّة) هي «شغل حريّة كرامة وطنيّة»، أي أنّ انتفاضة الشباب انطلقت بسبب هذه الاستحقاقات الضروريّة، حيث بلغت نسبة مرتفعة سنة 2010.

وازدادت هذه النّسب في السّنوات الماضيّة وبدرجات متفاوتة من جهة إلى أخرى، ذلك أنّ المناطق التّي لها نسب معقولة من الاستثمارات العموميّة والخاصّة هي التّي تتوفّر على نسب أقلّ، وترتفع هذه النّسب كلّما ابتعدنا عن المناطق الساحليّة، ويطلق على هذه الحالة في النظريّات الاقتصاديّة «تناقض تودي رو»[44].

لذا فإنّ المناطق التي يوجد بها استثمارات تصبح مناطق جاذبة بشكل كبير للمهاجرين، حيث ارتفع نسق هجرتهم بعد سنة 2011.

وللدّلالة على فشل سوق الشّغل والأزمة الهيكليّة للعمل نعرض ما يلي:

– التّوزيع غير العادل لقوّة العمل عبر جهات البلاد؛

– عدم التّوافق بين نوعيّة الكفاءات والحاجات الفعليّة للمؤسّسات الإنتاجيّة؛

– عدم توفّر نموّ صناعي للمؤسّسات الخاصّة يسمح باستيعاب أكثر للكفاءات والعمّال؛

– عدم التّوافق بين مخرجات نظام التّعليم العالي وحاجة النّظام الإنتاجي، فنسب البطالة ترتفع كلّما ازدادت نسب المستوى التّعليمي وانتقلنا إلى المناطق التّي فيها درجة إنتاج الثّروة؛

– عدم إقرار سيّاسة تأجيريّة ذات أبعاد متعدّدة تحسب مسألة الإنتاجيّة واقترانها بالأجر الفعلي والمسار المهني وتتيح التنقّل من قطاع إلى قطاع آخر، وإقرار سياسة تركّز على عنصر استقرار الأسعار وفقًا للقاعدة التي تقول بـ «أجور مجزيّة وأسعار مناسبة وفي متناول الجميع»، وذلك حفاظًا على القدرة الشرائيّة.

– غياب استراتيجيّة تنمويّة داخليّة طيلة عقدين من الزّمن تستهدف محاربة التّفاوت الجهوي واقتصارها على برامج ضيّقة مثل برامج «التنميّة الريفيّة» أو «برنامج إزالة المنازل البدائيّة».

– الاعتماد على الصّناعات الخفيفة وذات القيمة المضافة المحليّة المنخفضة منذ سبعينيات القرن الماضي، والخدمات السياحيّة التّي لم تتطوّر، والخدمات البنكيّة التّي حاصرها الفساد المالي (إسناد قروض دون ضمانات لإرجاعها) لفائدة رجال أعمال نافذين، تمّ العفو عن أغلبهم بعد ذلك في إطار ما يعرف بقانون العفو الخاصّ خارج إطار العدالة الانتقاليّة.

4 – فشل السياسات الاقتصادية لعشرية الثورة والمآلات الممكنة

يعد الاقتصاد التونسي خليطًا هجينًا من الخيارات غير المستقرة، أوقعت المجتمع التونسي في أزمات هيكلية جسّدته نسب النموّ غير المستقرّة، إضافة إلى ضعف الإنتاجيّة، والقيمة المضافة المحدودة، وبنية اقتصادية غير ملائمة للتخصّص الذي يسهّل الاندماج في السوق العالمية، وكذلك النمط الريعي للاقتصاد الذي يتغذى من رأسمالية العائلات والفساد[45] وعدم الملاءمة بين التكوين وسوق الشغل والتفاوت بين الفئات والجهات، والتداين الخارجي المتزايد.

تعدّ مرحلة ما بعد الثورة (2011 – 2021) مرحلة الانكماش والتراجع الاقتصادي (بمعنى النمو السالب)، وهو ما يفيد الانتقال إلى حالة الإفلاس التي تعقب بالضرورة حالة الأزمة، الأمر الذي سينجرّ عنه حسب ما هو مثبت تاريخيّا الانفجار نتيجة الاحتقان الاجتماعي، وذلك بسبب الفشل الكبير في إحداث الانتقال الاقتصادي بسبب النكسات المتتالية للمسار السياسي في إحداث الانتقال الديمقراطي.

وعليه، فإن تونس قد انتقلت بعد الثورة إلى إدارة خطر الإفلاس بعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة في مواجهة المصاعب والتحديّات الاقتصادية والاجتماعية، ويعدّ هذا الوضع وضعًا غير مسبوق في تاريخ تونس، ويذكرنا بالأوضاع التي كانت قائمة خلال الأزمة المالية التي عاشتها تونس في القرن التاسع عشر والتي استحال معها تسديد ديونها الخارجية وما تبعها من أحداث لجنة (الكومسيون المالي) لإدارة الاقتصاد التونسي.

ذلك أنه لأول مرة بعد الاستقلال تشهد البلاد التونسية تراجعًا للنمو الاقتصادي بشكل متسارع زادته جائحة كورونا عمقًا بما أدى إلى دخول البلاد في حالة انكماش وصلت معدلات خطرة وفقًا لمعطيات وزارة المالية ذاتها، إذ وصل التداين العام معدّلات مخيفة وفقًا للكثير من المختصين، وهي مرحلة يمكن أن يطلق عليها مرحلة التداين العميق أو التداين المشط[46] والتي ستزيد من تعقيد الوضع المالي بسبب عسر الوصول إلى مصادر التمويل من أجل تمويل الموازنة وذلك بسبب تعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

لقد ارتفع الدين العمومي ما نسبته 86.04 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في شهر آذار/مارس 2021 [47]. هذا يعني أن الأوضاع تتجه نحو مزيد من التعقيد في بداية سنة 2023، وعليه فإن هذه النسبة تعدّ نسبة صادمة وغير مسبوقة، وهو ما يستوجب الإسراع في التدارك وضبط خطة عاجلة للإنقاذ، ذلك أن الإفلاس تحوّل إلى تحدّ واضح وجب تلافيه حتى نتجنّب ما وصل إليه لبنان، ذلك أن الوضع اللبناني بدأ بهذه المؤشرات والأعراض، ونسبة التداين، مرفوقة بتزايد في نسب الفساد واستشرائه مضافًا إليها الصراعات السياسية وتراجع في مستويات الاستثمار ومغادرة رؤوس الأموال إلى الخارج، وهي كلّها عوامل تمهّد للإفلاس مما يؤشر إلى افتقاد الاقتصاد مناعته المالية والبلاد سيادتها الوطنية بما يعني فتح الباب على مصراعيه أمام التدخل الأجنبي.

خـاتمة

تشير كلّ الدّراسات التي تناولت المراحل الانتقاليّة إلى أنّ السيّاسات الإصلاحيّة الاقتصاديّة واجهتها صعوبات كثيرة، وعراقيل، وأنّ تونس ليست بمعزل عن كلّ هذا وخير مثال ما شهدته سنة 2011، والسّنوات التي تلتها من هزّات، فضعف الدّولة المتمثّل بعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على الاضطلاع بدور المجمّع للمصالح، وعدم الاتّفاق إلى حدّ الآن على عقد اجتماعي يفضي إلى بناء إطار واضح وصريح للتوزيع العادل للخيرات لصالح كلّ فئات الشّعب استعدادًا للسّنوات القادمة من المرحلة الانتقاليّة، إضافة إلى عدم القدرة على تطويق «العنف» المستشري، والذّي ينفّر المستثمرين، ويجعل جاذبيّة الاستثمار الأجنبي منخفضة كثيرًا، معطوفًا عليه تغييب الكفاءات من تولي المسؤوليات بحجة عمل الكثير منهم مع النظام السابق، إضافة إلى استقالة النخب من العمل العام.

هي عوامل نراها كلها غير صحيّة بل إنّها ستزيد من تعميق الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وهذا سيكون له انعكاسات سلبيّة على الدّولة والمجتمع جرّاء الاحتجاجات الاجتماعيّة، وضعف الدّولة المتواصل، وتراجع دور المؤسّسة الرسميّة والخاصّة في الاضطلاع بدورها الاقتصادي والخدماتي والاجتماعي التّاريخي، كما أنّ انفلات الأسعار وفقدان المواد الغذائية الأساسية من الأسواق، ألقت بتداعيّاتها على معيش الإنسان اليومي وحاجاته إلى الغذاء والدّواء، إضافة إلى استغلال مكوّنات القطاع الموازي لمزيد التهريب والمضاربة في الأسواق، وتعطيل الكثير من قطاعات الإنتاج بين فينة وأخرى سيزيد من نذر الأزمة الاقتصاديّة التي بدأ شبحها يسيطر على أنفس الفاعلين كما عامّة النّاس والمجتمع المدني. وأنّ خطابات الطّمأنة التي تعد بغد أفضل، ما هي إلّا مسكّنات لن تدوم طويلًا، وأنّ مناشدة الرقيّ والتطوّر في هذه المرحلة يتطلّب الشجاعة في اتّخاذ كلّ إجراءات الإصلاح الجريئة والمسؤولة وفقًا لاستراتيجيّة واضحة وبعيدة المدى لا نراها قد حصلت عند وضع المخطّط الخماسي 2016 – 2020 التّي تحتاج إلى منهجيّة أعمق بهدف تحقيق نسق تنموي أعلى ينهض بالجهات المهمّشة ويطوّر مختلف القطاعات محليًّا وإقليميًّا ويقلّص الفجوة العميقة بين الفئات والجهات ضمانًا لعدالة توزيع الثروة، وأن الخطاب الرسمي لا بد أن يتطور في اتجاه إجراءات عملية تهدف مباشرة إلى استكمال بناء مؤسسات الدولة بما يبعث برسالة طمأنة للداخل والخارج، والانفتاح على الكفاءات العلمية ودعم مشاريعها الخلاقة في مجال الاقتصاد الأخضر والذكاء الاصطناعي والطاقات المتجدة وتلبية حاجات الشعب من الماء والغذاء والدواء والسكن والنقل.

كل هذه الإجراءات نراها متأكدة، وهي الكفيلة بالحيلولة دون الوقوع في شبح الإفلاس والانفلات الاجتماعي والاحتجاج العنيف الذي بدأت علاماته بالظهور.

كتب ذات صلة:

تونس فرادة عربية

الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية: الإسلام السياسي في مصر وتونس والمغرب