حوار مع الأسير القائد الروائي كميل أبو حنيش من داخل السجون الصهيونية وبالتحديد من سجن ريمون الصحراوي

  • هل يمكن لك أن تعطينا نبذة مختصرة عن حياتك؟

كميل: وُلِدتُ في 26 أيلول/سبتمبر1975، في قرية بيت دجن قضاء نابلس ونشأت وترعرعت في أسرة متوسطة الحال تعتمد في حياتها على الزراعة. تلقيت تعليمي الأساسي في مدرسة القرية وحين اندلعت الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987 كنت حينها في سن الثانية عشرة. تلقيت تعليمي الثانوي في مدرسة قدري طوقان في نابلس بين عامي 1992-1994، ثم التحقت بعدها بجامعة النجاح الوطنية في عام 1994 ودرست الاقتصاد ونلت شهادة البكالوريوس عام 1999.

  • حدثنا عن دورك في النشاط الطلابي؟

كميل: يعود نشاطي الطلابي إلى عام 1988 في إطار اتحاد لجان الطلبة الثانويين التابع للجبهة الشعبية، ولم أكن حينها قد تجاوزت الثالثة عشرة من عمري، وكانت أنشطتنا في الاتحاد مُكملة لفعاليات الانتفاضة الشعبية خارج المدرسة من توزيع للبيانات والنشرات وإحياء للمناسبات الوطنية، وأنشطة ثقافية إضافة إلى الاشتباك مع قوات الجيش المعادي لدى مرورها من جانب المدرسة أو اقتحامات القرية.

وفي المرحلة الثانوية حيث كنت أدرس في مدرسة قدري طوقان في مدينة نابلس بقيت ناشطًا في صفوف الاتحاد، وما يميز تلك المرحلة أننا كنا على احتكاك يومي مع قوات الجيش المعادي وعلى تماس مع التطورات السياسية والأحداث التي أعقبت اتفاقيات أوسلو. فقد كُنت أشارك في مختلف الفعاليات داخل المدرسة وخارجها، وبخاصة التظاهرات والمناوشات شبه اليومية مع جنود الاحتلال.

أما المرحلة الجامعية فكانت مُكثفة، وأعدّها من أهم المحطات في حياتي فإلى جانب التعليم الأكاديمي كُنت ناشطًا في الفعاليات السياسية والنقابية والثقافية، وانخرطت في صفوف جبهة العمل الطلابي التقدمية التابعة للجبهة، وكنت أحد قادتها وانتخبت سكرتيرًا لها عام 1997 .

وما يميز تلك المرحلة أنها كانت عاصفة بالأحداث والتطورات السياسية بعد توقيع اتفاقات أوسلو، ونشوء السلطة الفلسطينية، وانقسام الشعب الفلسطيني بشأنها، وشأن سلوكها السياسي وسياساتها الاقتصادية والأمنية، وهو ما عكس نفسه على مختلف الفئات والطبقات والشرائح في المجتمع الفلسطيني بما فيها ساحات الجامعات. وما يُميز النشاط الطلابي في فلسطين عمومًا، أنه دائمًا في حالة حركة وتفاعل مع الأحداث، حيث تعجّ ساحات الجامعات بالأنشطة اليومية، إذ يتعين على الكُتل الطلابية والناشطين في هذا المجال خوض نضال على ثلاثة جبهات: النضال النقابي والسعي لتحسين شروط الحياة الأكاديمية داخل الجامعات، والنضال الديمقراطي وانتقاد ممارسات السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية من اعتقالات سياسية وملاحقات وتنسيق أمني ومفاوضات وسياسات اقتصادية واجتماعية، إلى جانب النضال الوطني ضد الاحتلال، والمساهمة في معركة التحرر الوطني. وقد تعرضت للاعتقال في الفصل الأول من دراستي الجامعية أواخر عام 1994 وتعرضت للتعذيب في سجن الفارعة مُدة تزيد على أربعين يومًا وأُفرج عني بعد عدم ثبوت أي تُهمة بحقي.

واصلت نشاطي في صفوف جبهة العمل طيلة السنوات التي قضيتها في الجامعة بين عامي 1994-1999 وشاركت في مختلف الفعاليات داخل الجامعة وخارجها: مهرجانات، انتخابات مجالس الطلبة، معارض كُتب، معارض فنية، مؤتمرات طلابية، ندوات سياسية، بيانات ونشرات ومجلات حائط وأنشطة حزبية في إطار كتلة جبهة العمل وخارج الجامعة، وأيضًا التظاهرات التي كنا نشارك فيها خارج الجامعة. وأذكر في تلك المرحلة أنني كنت أشرف على تحرير نشرة نصف شهرية حملت اسم حنظلة، وتابعت تحريرها لسنوات حتى تخرجي في الجامعة.

وفي عام 1997 شاركت في تشكيل المكتب الطلابي المركزي لجبهة العمل واتحاد الطلبة الثانويين في جامعات ومعاهد ومدارس الضفة وانتُخبت سكرتيرًا للمكتب الطلابي المركزي عام 1998، وكان مركزه رام الله وبقيت سكرتيرًا لهذا المركز حتى اندلاع الانتفاضة في أيلول/سبتمبر 2000، وقد تمكنا في تلك المرحلة من توحيد سياسات وأنشطة جبهة العمل في الجامعات وكانت لنا اجتماعات دورية ونسقنا المئات من الأنشطة والفعاليات المختلفة، وأصدرنا صحيفة طلابية أطلقنا عليها (الهدف الطلابي) حيث كنت أُشرف على هذه الصحيفة إلى جانب عدد آخر من الرفاق، وقد أصدرنا حسبما أذكر خمسة أو ستة أعداد من هذه الصحيفة وكانت تُوَزع حينها في كل الجامعات والمعاهد.

وهذه المرحلة كانت مُهمة إذ أتاحت لي التعرف بالكثير من القادة السياسيين والمثقفين والقيادات الطلابية في الجامعات، وأذكر أنني شاركت في تأسيس اللجنة الشعبية لمقاومة التطبيع إلى جانب عدد من القادة وأساتذة الجامعات والمثقفين.

  • إذا أمكن أن تحدثنا عن تجربتك التنظيمية قبل مرحلة الأسْر؟

كميل: لم أنقطع عن الحياة التنظيمية يومًا واحدًا منذ انضمامي للجبهة الشعبية عام 1988 وحتى اليوم، مضت أكثر من ثلاثة عقود على هذه التجربة عايشت خلالها أهم المحطات منذ أن كنت فتىً يافعًا أثناء الانتفاضة الأولى، حيث غلب على هذه المرحلة النشاط الشعبي والميداني وليس الحزبي. كما أنني كُنت في عمر لا يسمح لي بالانضمام إلى أحد الأُطر الحزبية، ففي تلك المرحلة كنت في إطار طلائع الشهيد غسان كنفاني ولعدة سنوات وكان معي في ذلك الإطار الشهيد القائد فادي حنيني والأسير مُنذر مفلح وآخرون، قبل نيلنا العضوية الحزبية بعد تجاوزنا سن السادسة عشرة في عام 1992.

بالرغم من انحسار الانتفاضة الأولى وتراجع أنشطتنا والإنهاك الذي أصاب الجسم التنظيمي للجبهة والدخول في مرحلة التسوية وقيام السلطة إلا أنني لم أنقطع عن الحزب واستمر نشاطي في الجامعة وخارجها وشاركت في مُختَلَف المؤتمرات الحزبية (رابطة، منطقة، فرع) طوال مرحلة التسعينات، وتوليت مهام قيادية في هذه الأُطر وترأست المكتب الطلابي للجبهة، وبعد انطلاقة الانتفاضة الثانية توليت مهمة تأليف الجهاز العسكري في شمال الضفة وبقيت على رأسه حتى اعتقالي في ربيع عام 2003.

  • ما سبب التحول من العمل الطلابي إلى المقاومة؟

كميل: لا يُمكنني أن أحسب انتقالي من النشاط الطلابي إلى النشاط المقاوم مسألة تحول، بعدما كانت مشاركتي في الانتفاضة الثانية مجرد حلقة في سلسلة مسيرتي النضالية؛ فقد كنت أنتمي لشعب تفتحت عيونه على الاحتلال وممارساته الإجرامية، واختزن وعيي مُبكرًا الكثير من الصور للاعتقالات، المداهمات، مصادرة الأراضي، القتل …إلخ. وفي مرحلة الانتفاضة الأولى أحدث زخمها تحولًا في وعي الشعب وثقافته، حيث كسر الناس حواجز خوفهم وقاوموا المُحتَل. وأنا بدوري انخرطت بقوة في فعاليات الانتفاضة، وتعلمنا في مدرسة الجبهة على مفاهيم ثورية وقتالية وتشبعنا بصورة الرموز الأبطال، ومثّل أدب غسان كنفاني أحد أهم هذه العوامل في الانشداد للبندقية والعمل المسلح، ولو كان لدينا سلاح في الانتفاضة الأولى لما ترددنا في الانخراط بالعمل المُسلح.

وفي محطة العمل الطلابي ورغم طغيان الشكل الجماهيري والسياسي في تلك المرحلة، إلا أنني بقيت مُنشدًا للعمل الكفاحي ومؤمنًا بأنه الطريق الوحيد لهزيمة المشروع الصهيوني. وفي الجامعة التقيت بعدد من الرفاق الذين كانوا يؤمنون مثلي بهذا النهج، وأنشأنا معًا فيما بعد النواة الأولى للنشاط الكفاحي في منطقة نابلس أثناء الانتفاضة الثانية. وفي تلك المحطة (العمل الطلابي) كنا مُؤمنين بأن مرحلة التسوية لن تستمر طويلًا وأنه يتعين علينا الاستعداد للمرحلة القادمة، والتي من المؤكد أنها ستكون انتفاضة بالسلاح وليس الحجارة.

إذًا، لم تكن المسألة مسألة تحول فُجائي؛ لقد كانت بذرة العمل المُسلح والفكر الثوري تنمو في رأسي منذ كُنت فتىً في الانتفاضة الأولى، وتطورت في مرحلة العمل الطلابي والجامعات، وما إن اندلعت الانتفاضة الثانية لم أُضيع الوقت وانخرطت فيها منذ الأيام الأولى.

  • حدثنا عن بدايات تشكيل المجموعات المُسلحة الأولى والدور الذي أديته في قيادة الكتائب في شمال الضفة؟

كميل: منذ الأيام الأولى للانتفاضة ترسخت لدي قناعة أن ما يجري ليس حدثًا عابرًا، وإنما بداية ثورة حقيقية لم أتردد لحظة وانخرطت فيها، وبادرت مع عدد من رفاق الحزب لتأسيس الأنوية والمجموعات الأولى وكُلفت رسميًا من قبل التنظيم ببناء الذراع الكفاحي للجبهة في منطقة نابلس، ولاحقًا كُلفت بقيادة الشمال.

بدأت بالاتصال مع عدد من الرفاق وكانت النواة الأولى هم رفاقي منذ الانتفاضة الأولى فادي حنيني ومنذر مفلح ويامن فرج ونادر صدقة، وهم كانوا معي في جامعة النجاح، ثم انضم إلى المجموعة وائل الجاغوب وأمجد مليطات من خارج الجامعة، حيث انبثقت النواة الأولى التي أخذت على عاتقها تنظيم وقيادة العمل الكفاحي.

كان يتعين علينا أن نبدأ من الصفر، سواء على صعيد الإمكانات المادية والقتالية أو على صعيد التجربة الأمنية والكفاحية. في البداية لم يكن لدينا رصاصة واحدة، وليست لدى أي منا خبرة عسكرية ومعرفة جيدة بالعتاد والأسلحة لكننا كنا عنيدين ومُتحمسين لبناء التجربة، وبدأنا بجمع ومراكمة قطع السلاح والذخيرة والتعلم على تصنيع المتفجرات، وباشرنا تدريبنا مباشرة في الميدان والاشتباك مع قوات الاحتلال والمستوطنين وزرع العبوات الناسفة على الطرقات، ومع الوقت بدأنا باكتساب التجربة والجرأة والإقدام والخبرة في التنظيم والأمن وتقسيم العمل والتكتيكات القتالية والتمرس في ميادين المعارك والاشتباك.

كُنا في الأشهر الأولى نعتمد على نصب الكمائن وزرع العبوات والعمل بأيدينا، ثُم أخذ العمل يتطور وولدت لدينا الكثير من المجموعات، وانضم خلال السنوات اللاحقة العشرات وربما المئات من المقاتلين، أذكر من بينهم (محمود عيسى، جبريل عواد، عماد مبروك، علام كعبي، دعاء الجيوسي، محمود أبو وهدان، بشار حنني، أحمد مشعطي، ياسر مشعطي، بلال كايد، نضال دغلس، عايد دار خليل، رائد سرحان)، وغيرهم الكثير، وقد أسفرت أنشطتنا وتجربتنا عن عشرات العمليات النوعية.

لقد شاركت شخصيًا في عدد من العمليات، وكنت المسؤول الأول عن التجربة وحولي كان الرفاق الذين كان دورهم بارزًا، وقُسِم العمل فيما بيننا ومع الوقت صرنا أكثر تنظيمًا، ولم نقع في مصيدة التضخيم والمُسميات الكبيرة وكانت إمكاناتنا بسيطة ونعمل بانسجام وتناسق وبلا أي تنافس، جمعتنا الجدية والجرأة وكنا نتسابق في إنجاز العمل. وخلال العامين الأول والثاني كنا قد اكتسبنا خبرة جيدة ولم تنجح أية محاولة لاغتيال أي منا من قبل العدو، فقد كنا صارمين في القضايا الأمنية، وبات لدينا خبرة في اقتحام المستوطنات والقواعد العسكرية ونصب الكمائن (كان اسم الجهاز العسكري في البداية قوات المقاومة الشعبية وبعد استشهاد الرفيق أبو علي أصبح كتائب الشهيد أبو علي مصطفى).

قُدت هذه التجربة من بدايات الانتفاضة وحتى اعتقالي سنة 2003، وبعدها تسلم القائد يامن فرج قيادة العمل من بعدي إلى حين استشهاده برفقة الشهيد أمجد مليطات في تموز/يوليو 2004، وتواصلت التجربة لسنوات أخرى، حيث قاد العمل نادر صدقة لمدة محدودة، ومن ثم الشهيد بشار حنني الذي استشهد في كانون الأول/ديسمبر 2005.

لقد سقط من رفاقنا شهداء منهم: الشهيد فادي حنيني والشهيد جبريل عواد في 18 كانون الأول/ديسمبر 2003، والشهيد عماد مبروك في 10 شباط/ فبراير 2003، إلى جانب يامن فرج وأمجد مليطات وبشار حنني، كما سقط عدد من الإستشهاديين الأبطال مثل: شادي نصار، أسامة بشكار، إياد رماحة، يوسف عطا الله، وغيرهم الكثير. كما وقع في الأسر العشرات من رفاقنا منهم الكثير حوكموا بالأحكام المؤبدة والأحكام العالية بين 15 وحتى 30 سنة، وهدمت قوات الاحتلال عددًا من بيوت الشهداء والأسرى (أكثر من عشرة بيوت).

  • يمكن لك أن تصِف لنا مُطاردتك من قبل قوات الاحتلال؟

كميل: اقتحم العدو بيتي في قرية بيت دجن فجر في الأول من كانون الأول/ديسمبر 2000، بصورة همجية ومن يومها بقيت ملاحقًا مُدة تناهز العامين ونصف العام حتى اعتقالي سنة 2003. اختفيت عن الأنظار مُدة وجيزة غير أن المهام الكبيرة التي تتطلب وجودي في الميدان، اقتضت اختفائي الجزئي، وليس الكامل. وبقيت على هذه الحال حتى عملية السور الواقي في نيسان/أبريل 2002، وبعدها اختفيت بصورة تامة مع تحركات مضبوطة أمنيًا حتى تمكن العدو من اعتقالي، كما لاحقتْ قوات العدو معظم الرفاق وبتنا كُلنا مُطاردين، وتعرضت لعدة محاولات اغتيال.

اقتحم العدو بيتي خلال سنوات الملاحقة أكثر من عشرين مرة، وتعرّض أهلي للتنكيل. وخلال مطاردتي هدم العدو بيتي واعتقل عددًا من إخوتي. كانت تجربة الملاحقة تجربة مريرة وفي ذات الوقت غنية بالدروس، فقد اكتسبت خلالها خبرة في الاختفاء عن الأنظار، وتفادي مصائد العدو، وكانت هذه التجربة تقتضي احتياطات أمنية دقيقة، وثمة ذكريات جميلة ومؤلمة في ذات الوقت، فقد جمعتني بالرفاق ذكريات رائعة ونابضة في القلب وعانينا ليالي البرد والجوع.

  • وماذا عن محاولات الاغتيال والإصابة؟

كميل: في الواقع تعرضت لعدد من محاولات الاغتيال، فشلت جميعها لكن أهمها كانت في 25 أيار/مايو 2001، وقد كُنت برفقة مجموعة من شهداء الأقصى، وأرسلت لنا استخبارات العدو طردًا ملغومًا ولا أريد أن أتحدث عن التفاصيل إلا أن انفجار الطرد أدى إلى استشهاد الأخ عزام مزهر وأصيب أربعة أخرون كُنت أنا من بينهم وأصبت بحروق متوسطة وفقدت جزءًا من السمع ولا أزال جراء انفجار طبلة الأذن.

  • لو تحدثنا عن مشاركتك في صد اجتياح السور الواقي والمقاومة في البلدة القديمة بنابلس؟

كميل: يجب الإشارة أولًا إلى أننا وقعنا كمقاومين في خطأ التقدير، حيث اعتقدنا أن مناطق (أ) توفر لنا نوعًا من الأمان، وهذا ما أوقعنا في مصيدة العمل شبه العلني. وهذا مؤسف ودفعنا ثمنه لاحقًا في الاجتياحات.

مثَل اجتياح السور الواقي صدمة للمقاومة، التي اعتقدت أنها بمقدورها صد مثل هذه الاجتياحات، فقد فوجئنا بحجم الرد الصهيوني على عملياتنا، ولم نتوقع أن يجري اجتياح مُدن الضفة واستباحتها بهذه الطريقة الوحشية، واستخدام أعتى الترسانة العسكرية من دبابات ومدرعات وطائرات حربية. وقع اجتياح السور الواقي لمدن الضفة في أواخر آذار/مارس 2002، أما نابلس التي اعتبرها العدو رأس الحربة في الانتفاضة فقد جرى اجتياحها مساء الثالث من نيسان/أبريل 2002، كنا قبلها بأيام قد اجتمعنا وناقشنا الأوضاع المُستجدة وقررنا ألا نبقى جميعًا في نابلس وتقرر خروج معظم الشباب إلى الأرياف كما تقرر أن أبقى أنا ومعي عدد من الرفاق من بينهم القائد يامن فرج، ودًعنا بعضنا بعضًا وخرج معظم الشباب للأرياف وبقيت مع يامن وعدد آخر، وانضم إلينا القائد ربحي حداد الذي أمضى قرابة الـ 17 عامًا في السجون الصهيونية.

كانت أزقة البلدة القديمة تعج بالمئات من المقاتلين، وزرعنا معظم الأزقة والشوارع وأسطح البنايات بالعبوات وحصننا البلدة القديمة جيدًا. بدأت قوات العدو التي تٌقَدر بأكثر من 400 آلية عسكرية بالزحف إلى المدينة من عدة محاور، وشرعت طائرات الأباتشي بقصف أهداف بالبلدة القديمة، واجهنا هذه القوات الغازية مُدة أسبوع غير أن عدم التكافؤ في القوة قد حال دون صد القوات المُعادية، وطوال الأيام الأولى أُمطرت البلدة القديمة بالقذائف والرصاص والصواريخ، واستُشهِد العشرات وارتُكِبت مجازر كما حدث مع عائلة الشعبي ودُمرت عشرات المباني القديمة، وسقط أكثر من 70 شهيدًا من بينهم القائد ربحي حداد والعقيد أبو فادي وماجد القني (أبو شرار) وأحمد الطبوق ومؤيد الجميل (السنفور) وغيرهم. كانت الطائرات والدبابات تقصف المدينة من دون تمييز بين المدنيين والمقاتلين، حيث استخدم العدو سياسة الأرض المحروقة في اقتحام البيوت والأحياء ونَكَل بالأهالي. أما على صعيدي الشخصي فقد نجوت من الموت بأعجوبة أكثر من خمس مرات، كُنا أثناء الاجتياح نحتاج إلى الطعام والنوم رغم أن أهالي البلدة القديمة كانوا كرماء وقاسمونا رغيف الخبز وكأس الماء والمصير.

وقبل سقوط البلدة بيوم وجدت نفسي أنا ويامن في أحد البيوت القديمة، وعثرنا في إحدى الغرف على مخبأ مناسب لنا عبارة عن حجرة صغيرة تُسمى غُرفة الخزين بطول مترين وارتفاع مترين وعرض متر واحد، اختبأنا داخلها بعد أن موّهنا مدخلها بخزانة قديمة، مع بدء مداهمة البيوت والأحياء بعد نفاد الذخيرة وسقوط تلك الأعداد من الشهداء والجرحى وعُنف القصف. وصلوا إلى مخبئنا وكادوا أن يكتشفوا مكاننا ولكننا نجونا وبقينا مدة خمسة أيام في هذا المخبأ إلى أن انسحبت قوات العدو مُخلفة وراءها دمارًا كبيرًا وأعدادًا من الشهداء والجرحى، واعتقلت الآلاف من المقاتلين والأهالي.

لقد كانت تجربة المقاومة في نابلس أثناء الاجتياح تجربة مهمة وينبغي تأريخها وتوثيق الجرائم الصهيونية بحق البلدة القديمة وأهلها. وأقول باختصار كان لنا شرف المقاومة ومحاولة صد الاجتياح، وتكفينا هذه المحاولة وخرجنا من الاجتياح أكثر إصرارًا على مواصلة النضال مهما غَلَت التضحيات.

  • لو تحدثنا عن معاناة العائلة واعتقال الأشقاء وهدم البيت؟

كميل: في الواقع لا أعدّ ذاتي استثناءً عن بقية أبناء شعبي من المقاومين في هذه الانتفاضة، إذ إن العدو كان يلجأ لوسائل العقاب الجماعي واستهداف أهالي المُقاتلين. من ناحيتي، ومنذ ملاحقتي من قبل العدو تعرّض أهلي للتنكيل واقتُحِم بيتنا أكثر من 20 مرة واعتُقِل شقيقي في صيف 2002 وسُجِن إدارايًا، وفي كانون الثاني/يناير 2003 اقتحم العدو بيت أهلي وأخرجهم منه بصورة همجية ونسفوا البيت المكون من ثلاث طبقات، وذلك بهدف الضغط علي والتنكيل بأهلي. لقد عانت العائلة هدم البيت وتشردت لسنوات إلى أن تمكنت من بناء بيت جديد في عام 2005.

أما لجهة الأشقاء، فقد اعتُقِل شقيقي كمال أكثر من مرة، الأولى كانت بين سنوات 2002-2003، والثانية سنة 2004 والثالثة بين سنوات 2010 و2011، أما شقيقي جورج فقد اعتُقِل بين 2007 و 2007 مدة ثلاث سنوات، أما شقيقي فؤاد فقد اعتُقِل بين سنوات 2005 و2006 لمدة سنة، ولم تسلم العائلة من الاقتحامات والتنكيل والتهديد حتى اليوم.

  • كيف جرت عملية اعتقالك؟

كميل: كما أسلفت بقيت ملاحقًا مُدة عامين ونصف إلى أن تمكن العدو من اعتقالي في منتصف نيسان/أبريل 2003 من قلب مدينة نابلس بعد حصار لإحدى العمارات السكنية.

  • ماذا تقول لنا عن السجن والحكم المؤبد؟

كميل: منذ اعتقالي تعرضت لتحقيق قاس استمر قرابة الشهرين في زنازين بيتح تكفا، ووجهت لي مئات التهم وقُدمت في النهاية لائحة اتهام كبيرة، وحوكمت بعد سنتين بالسجن مُدة تسعة مؤبدات متراكمة، وبعد سنتين فرضت عليَ محاكم العدو الإجرامية غرامة مالية قدرها 60 مليون شيكل.

لقد أمضيت حتى الآن زهاء الـ 18 سنة، وتنقلت عشرات المرات بين السجون وكنت ناشطًا في ساحة السجن طوال هذه السنوات في مختلف الأنشطة التنظيمية والثقافية والوطنية والاعتقالية والأكاديمية، واعتبرت السجن فترة لتعزيز الصمود والتثقيف الذاتي والإنتاج الثقافي والأدبي.

  • لو تُحدثنا عن تجربتك التنظيمية داخل السجن؟

كميل: يمكنني القول أن التجربة التنظيمية في محطة الأسر هي الأكثر عمقًا من المحطات السابقة، إذ إن المحطات السابقة للسجن كان الانشداد فيها أكثر للأنشطة الميدانية والجماهيرية والفعاليات المختلفة، أما في السجن فثمة حياة حزبية حقيقية من اجتماعات دورية ومتابعة تقارير وهيئات ومراسلات ومؤسسات حزبية ومؤتمرات وانتخابات في مواعيدها، ولوائح ناظمة وتطبيق للإجراءات والعقوبات، ومساءلة ومحاسبة ودورات حزبية وأنشطة ثقافية وتحزيب وتعبئة، وحتى دفع الاشتراكات الحزبية وهذه العملية متكاملة ويومية ولا يوجد فيها أي انقطاع.

لقد انخرطت في الأنشطة الحزبية منذ اليوم الأول لولوجي عتبة السجن، وشاركت في مختلف الأنشطة ولم استنكف يومًا عن أية مهمة، وتوليت مسؤولية عدد من المنظمات الحزبية في معظم السجون مع ما تنطوي عليه هذه المسؤولية من مهمات ثقافية ووطنية ومالية واعتقالية وتنظيمية.

غير أن النقلة النوعية في نشاطنا الحزبي داخل السجن، جاءت بعد تشكيل منظمة فرع السجون وهو ما يعني اعتبار السجن فرعًا جديدًا للجبهة، إلى جانب الفروع الأخرى. وباشرنا بناء هذه المنظمة في عام 2006 بعد دخول الأمين العام سعدات إلى السجن. كانت هذه التجربة أولًا ردًا على سياسة مصلحة السجون القائمة على الشرذمة والانقسام في جسم الحركة الأسيرة، وثانيًا كنا بحاجة لبناء منظمة حزبية موحدة لها قيادة مركزية ومراتب حزبية لضبط العمل في ساحات السجون، وتوحيد أنشطتنا وفعالياتنا على مختلف الأصعدة. وقد دفعنا أثمانًا باهظة جراء هذه الخطوة التي اعتُبرت تحديًا لسياسة مصلحة السجون، فجرت عملية عزل الأمين العام مدة تجاوزت الثلاث سنوات بين 2009-2012.

عقدنا مؤتمر الفرع الأول عام 2008 وانتخبت لقيادة الفرع دورات متتالية، كل دورة مدتها ثلاث سنوات. في الدورة الأولى توليت مسؤولية قيادة المنطقة الجنوبية في السجون (ستة سجون) إلى جانب اللجنة المالية، وفي الدورة الثانية 2013-2016 توليت مهمة اللجنة المالية واللجنة التنظيمية، وفي الدورة الثالثة 2016-2019 انتخبت مسؤولًا لفرع السجون إلى جانب مهمات أخرى.

وهذه المهمات ليست مسؤليات فخرية وإنما تقتضي العمل اليومي، وتستهلك معظم ساعات اليوم، فلا إجازات أو راحة في العمل الحزبي في السجون، وعلى أي مسؤول حسب مرتبته أن يبذل جهودًا كبيرة ويتولى مهمات مختلفة إلى جانب مهامه الرئيسية.

  • هل يمكنك أن تعطينا صورة عن النشاط الوطني والاعتقالي لك في أوقات السجون المستمرة؟

كميل: ثمة ترابط بين مختلف جوانب الحياة في ساحة الأسر (التنظيمي، الاجتماعي، الثقافي، الأكاديمي، الوطني، الاعتقالي)، وفي ما يتعلق بمفهومي الوطني والاعتقالي، فالوطني يعني العلاقات مع الفصائل الوطنية على الساحة الاعتقالية، أما الاعتقالي فيعني النضال الاعتقالي ضد سياسات إدارات السجون والسعي للوصول إلى حياة إنسانية داخل السجون، وانتزاع الإنجازات والحقوق للأسرى من خلال الخطوات النضالية، كإرجاع وجبات الطعام والإضرابات وغيرها. وقد شاركت خلال سنوات أسري في معظم الأنشطة الوطنية والثقافية والاعتقالية والاجتماعية والأكاديمية في خدمة عموم الأسرى، من محاضرات وجلسات ودورات ثقافية والإضرابات، وكان لي دور بارز في صياغة وثيقة لتوحيد الحركة الأسيرة ووثيقة الإضراب العام سنة 2017، إضافة إلى المشاركة في كتابة لوائح وطنية ومشاريع لتوطيد العلاقات بين الفصائل.

  • كيف كانت المشاركة في الإضرابات عن الطعام؟

كميل: شاركت في مختلف الإضرابات عن الطعام؛ الأول كان في آب/أغسطس 2004، واستمر مدة 14 يومًا وكان إضرابًا فاشلًا، دفعت الحركة الأسيرة أثمانًا باهظة لسنوات جراء هذا الفشل. وشاركت في الإضراب الثاني في أيلول/سبتمبر2011 واستمر لمدة 21 يومًا، وكان هذا الإضراب خاصًا  بنا نحن رفاق الجبهة الشعبية وكنا نطالب بإخراج كل المعزولين. أما الإضراب الثالث فكان في نيسان/أبريل 2012، وإستمر لمدة 28 يومًا وشاركت فيه كل الفصائل، وحقق انتصارًا بإخراج المعزولين كافة وإنجاز زيارات قطاع غزة إضافة إلى عدد من الإنجازات الأخرى، وشاركت أيضًا في إضراب سنة 2016 مدة 15 يومًا وكان تضامنًا مع الرفيق بلال كايد، كما شاركت في إضرابات جزئية ومتقطعة.

  • وماذا عن عقوبات الزنازين والعزل والحرمان من الزيارة؟

كميل: دخلت الزنازين مرات عديدة في مختلف السجون التي كنت أُنقل إليها، كعقوبة على نشاطاتي ومقارعتي للسجان، في كل مرة كنت أمضي ما معدله أسبوع في الزنازين وتُفرض علي عقوبات أخرى إلى جانب عقوبة الزنزانة، كالغرامة المالية والحرمان لأشهر من الزيارة والشراء من الكانتين.

أما تجربة العزل فقد عُزلت مدة شهر واحد في عزل ريمون في بدايات سنة 2017 بتهمة التخطيط لإضراب نيسان/أبريل 2017، وهددتهم بالإضراب عن الطعام، واضطروا تحت ضغط الرفاق في السجون والتهديد بالإضراب إلى إنهاء عزلي.

أما عقوبة المنع من الزيارات، فقد استمرت منذ بداية اعتقالي سنة 2003 حتى سُمح لي بالزيارة في بدايات عام 2005، ولم يسمحوا بالزيارة سوى لوالدتي، أما بقية أفراد العائلة فكانوا ينالون تصريح زيارة مرة كل سنة، وقد عوقبت مرات عديدة بمنع الزيارة لأسباب مختلفة تتعلق بنشاطاتي داخل السجون.

  • كيف تصف لنا إنتاجك الثقافي والأدبي ونشاطك الأكاديمي؟

كميل: في ما يتعلق بالدراسة الأكاديمية، كنت قد أنهيت البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة النجاح الوطنية عام 1999 وتسجلت في برنامج الماجستير للعلاقات الدولية في جامعة بيرزيت عام 2000 وقبل تقدمي لإجراء امتحان القبول في حزيران/يونيو اعتقلت آواخر شهر أيار/مايو لدى جهاز الأمن الوقائي لمدة أسبوعين وبعد تحرري بأيام اعتقلت ثانية على يد قوات الاحتلال مدة شهر، وبهذا حالت هذه الظروف دون إكمالي للدراسة الجامعية، وما لبثت أن اندلعت الانتفاضة الثانية وشاركت فيها إلى أن اعتُقلت سنة 2003. وفي السجون تعلمت اللغة العبرية، والتحقت بالجامعة العبرية المفتوحة، وقُبلت في برنامج الماجستير لدراسة الديمقراطية سنة 2007، وبسبب نشاطي التنظيمي والاعتقالي تأخرت في إنهاء الدراسة حيث كنت أسجل مادة واحدة في كل فصل، كما وعوقبت من قبل الإدارة مدة ثلاث سنوات بسبب نشاطاتي. وما إن شارفت على الانتهاء حتى فوجئنا بقانون شاليط، وبموجب هذا القانون جرى إلغاء التعليم الجامعي وحرمان الأسرى من التعليم سنة 2011. غير أن الحركة الأسيرة لم تستسلم، وفرضت التعليم الجامعي في الجامعات الفلسطينية كالقدس المفتوحة وجامعة الأقصى والأمة وغيرها، وقد بذلنا جهودًا نحن حملة الشهادات الجامعية في إنجاح هذه التجربة، وتشكلت لجنة أكاديمية في كل سجن، أشرفت هذه اللجنة على مسيرة التعليم وتنظيمها وإدخال المواد والكتب التعليمية وإلقاء المحاضرات، وكُنت من المشاركين في هذا النشاط في مختلف السجون التي كنت معتقلًا فيها.

أما برنامج الماجستير فقد كان مُقتصرًا على سجن هداريم، حيث يشرف على هذا البرنامج في الدراسات الإسرائيلية المناضل مروان البرغوثي وفي عام 2016 بعد انتقالي إلى سجن هداريم سجلت في برنامج الماجستير وكانت المحاضرات تُعقد في ساحة السجن والمحاضرة تستمر قرابة الخمس ساعات تحت الحر والبرد، وكان الدكتور مروان مثابرًا ويبذل جهودًا كبيرة في هذا المجال، ورأيت المستوى المتقدم لدى الطلبة ومثابرتهم والأبحاث التي كانوا يقدمونها جيدة بل ونوعية. ولكني نُقلت ثانية من هداريم وتبقت لي أربع مواد وبعد عامين في أواخر عام 2018 جرى نقلي ثانية إلى هداريم وأنهيت المواد المتبقية لي ونلت شهادة الماجستير في عام 2019. ولا أزال حتى الآن ناشطًا في المجال الأكاديمي، وإلقاء المحاضرات الجامعية في مختلف فصول العام، وفي كل السجون التي أكون معتقلًا فيها.

  • وماذا بخصوص غزارة الكتابة في الكثير من المواضيع المهمة؟

كميل: أما على صعيد الكتابة والثقافة العامة، فقد كُنت مثابرًا منذ البداية على القراءة والكتابة وأنجزت حتى الآن ما يربو على خمسة عشر كتابًا متنوعًا ما بين رواية وقصة وديوان شعري وكتاب نقدي وكتاب سياسي بحثي، طبع منها حتى الآن ثمانية كُتب، أما البقية فهي قيد الطباعة. وأبرز ما أنجزت من كتابات الكثير من الروايات (خبر عاجل، بشائر، الكبسولة، وجع بلا قرار، مريم مريام، الجهة السابعة، تعويذة الجليلة) وكتاب نقدي بعنون جدلية الزمان والمكان في الشعر العربي، وكتاب مشترك مع الأسير وائل الجاغوب بعنوان التجربة التنظيمية والاعتقالية لمنظمة فرع السجون، وقصة قصيرة بعنوان عقدة العصفور، وكتاب مشترك مع الدكتور الصديق عقل صلاح بعنوان إسرائيل دولة بلا هوية، وكما أسلفت لدي عدد من الكتابات قيد الطباعة وسيجري الإعلان عنها تباعًا فور صدروها.

كما أواظب على كتابة المقالات والدراسات السياسية والنقدية بشكل دائم، إضافة إلى قصائد الشعر، والتي أنشرها على المواقع، وقد أنجزت حتى الآن المئات من المقالات السياسية والأدبية ونحو سبع دراسات سياسية، وأكثر من عشر دراسات نقدية في الشعر والرواية. وهذه المقالات والدراسات منشورة على المواقع الإلكترونية، ولدي الكثير من مشاريع الكتابة؛ بعضها غير مكتمل وبعضها الآخر في الطور الجنيني، وهذه المشاريع متنوعة بين السياسة والفكر والأدب والشعر والنقد.

  • ما رأيك بالمصالحة الفلسطينية ولماذا تأخرت الفصائل في إنجازها؟

كميل: لا يمكن لأي شعب تحت الاحتلال أن يُنجز معركة التحرر الوطني من دون وحدة وطنية، ونحن الفلسطينيين لدينا إخفاق تاريخي في تجسيد مثل هذه الوحدة بصورة مثمرة وحقيقية طوال سنوات الثورة. أما الانقسام والاقتتال على السلطة فقد مثل خطيئة كبيرة في تاريخ شعبنا وفشل الفرقاء بعد أربعة عشر عامًا في إنجاز المصالحة يُعد ضياعًا لفرصة مهمة وربحًا صافيًا للاحتلال. وبعد هذه السلسلة الطويلة من الحوارات والنقاشات واللقاءات لإنجاز المصالحة التي كان آخرها اجتماعات بيروت والقاهرة وإسطنبول، تبين أنه لا توجد إرادة حقيقية لدي طرفي الانقسام لإنجاز المصالحة، والسبب يعود إلى ضغوط خارجية وداخلية تحول دون إنهاء الانقسام، ولكن ذلك لا يُعفي الجميع من تحمّل المسؤولية فالحركة الوطنية الفلسطينية برمّتها تتحمل المسؤولية عن استمرار هذا الانقسام.

  • هل ترى مبررًا لبقاء التنسيق الأمني والاعتقالات السياسية؟

كميل: في رأيي وقعت السلطة في فخ أوسلو وملحقاته وتعهداته، وليس بمقدورها التحلل منه بسهولة إلا إذا غيرت استراتيجيتها السياسية، بعد أن اتضح لها فشل التسوية والمفاوضات في إنجاز الحقوق الوطنية؛ فقبل أن تٌقرر السلطة وقف التنسيق الأمني ينبغي عليها الإعلان عن انتهاء اتفاقيات أوسلو، والقطع مع هذه المرحلة وتبعاتها والعودة إلى ترتيب البيت الفلسطيني على أساس برنامج سياسي وكفاحي يُجمع عليه الجميع. أما سياسة وقف التنسيق الأمني المتبعة بين الفينة والأخرى، فهي لا تعدو كونها مجرد تلويح بهدف تحسين شروط العلاقة مع الاحتلال ومنع إسرائيل من الإخلال في الاتفاقيات الموقعة وليس الهدف منه التمرد على التسوية وتغير الاتجاه السياسي.

  • هل هذا يعني أن المفاوضات غير مجدية؟

كميل: الوقائع على الأرض والتجربة التفاوضية الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود أثبتت أن إسرائيل لديها مشروع سياسي واحد للفلسطينيين، وهو مشروع الحكم الذاتي وهذا المشروع قدمته سنة 1978 في اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، ولم تحد عن هذا المشروع قيد أنملة، أما الطرف الفلسطيني الذي قبل بالحكم الذاتي في أوسلو على أمل أن يتطور إلى دولة، فقد راهن على الموقف الدولي، والأمريكي على وجة الخصوص، وتبين له أن هذه المراهنة في غير محلها، حيث بدا الموقف الأمريكي منحازًا بالمطلق لإسرائيل والموقف الدولي غير فاعل. وفي ظل موازين قوى مختلة لمصلحة إسرائيل لا يمكن التعويل على المفاوضات وحدها في إنجاز الحقوق. كما أنه تبين للطرف الفلسطيني أن مشكلة التفاوض مع إسرائيل لا ترتبط بالأشخاص والأحزاب الإسرائيلية فقد عرفت إسرائيل منذ انطلاق قطار التسوية كل أشكال الحكومات من اليسار والوسط واليمين، وتبين أنه لا يوجد فارق نوعي بين هذه الحكومات، فإسرائيل محكومة لطبيعتها الاستعمارية والتوسعية، وهذا النوع من الكيانات الاستعمارية لا ينتهي بالمفاوضات، وإنما بالنضال والقوة وبهذا المعنى فإن المفاوضات القائمة منذ عقود لم تحرز أي تقدم، وفي أحسن أحوالها هي إدارة للصراع وليس بحثًا عن حلول جذرية له.

  • كيف يمكن أن تلخص لنا استهداف قضية الأسرى؟

كميل: يتعرض الأسرى الفلسطينيون في السنوات الأخيرة لحملة تنكيل وقمع متواصلة؛ تستهدف وعيهم وأموالهم وحتى حياتهم، والحكومة الإسرائيلية الأخيرة التي يقودها نتنياهو منذ أكثر من عقد تتصرف مع الأسرى من منطلقات أيديولوجية، ترى فيهم فئة معادية يجب كسر إرادتها وتجريدها من إنسانيتها، كما أنه يجري استغلال أموال الأسرى من خلال ما تقدمه مصلحة السجون من طعام وأغذية وحقوق أخرى، وإجبار الاسير على شرائها من الكانتين، كما ترفع أسعار السلع وتفرض الغرامات المالية الباهظة، وبهذه الطريقة تبتز إسرائيل سنويًا من الأسرى عشرات وربما مئات ملايين من الشواقل. كما أنه يجري انتهاج سياسة قمعية متواصلة بحق الأسرى، من مداهمات وتنقلات واعتداء وإدخال الفرق القمعية للسجون، وحرمان أعداد كبيرة من الزيارة العائلية، والحرمان من التعليم والرعاية الصحية الملائمة، الأمر الذي أدى إلى استشهاد العشرات منهم في السنوات الأخيرة، كما لجأت إسرائيل مؤخرًا إلى عدم تسليم جثامين الشهداء لأهاليهم، وتعمل على دفنهم في مقابر الأرقام؛ هذه السياسة تعَدّ انتهاكًا إنسانيًا بهدف إيصال رسالة للفلسطينين بأنه لا قيمة للإنسان الفلسطيني.

كما وتنتهج مصلحة السجون سياسات جديدة تستهدف الوعي بهدف تفكيك الأسير من الداخل، وفك ارتباطه بالقضية التي ناضل من أجلها، من خلال فرض حالة تسمح بالترهل والانفلاش، وإشاعة الاستهلاك وتقديس الذات وصولًا إلى تفكيك الحركة الأسيرة والفصائل الوطنية. وقد قدمت عدة قوانين ضد الأسرى منها: قانون إعدام الأسرى الذي اقترحه ليبرمان، وقانون شاليط الذي انتزع عشرات الحقوق من الأسرى، فضلًا عن إجراءت مصادرة أموال الأسرى، والضغط على السلطة لمنع صرف الرواتب للأسرى ومصادرة أموال المقاصة إلى آخره من الإجراءات، الهدف منها ابتزاز الشعب الفلسطيني ونهب أمواله ومعاقبة الأسرى على نضالهم والعمل على إذلالهم وإذلال ذويهم.

  • ماذا يعني التطبيع لإسرائيل وهل نجحت في اختراق العالم العربي؟

كميل: تمثل قضية التطبيع بالنسبة إلى إسرائيل قضية مركزية، إذ إنها تصر في كل اتفاقية سلام مع أي دولة عربية على إضافة بند أو ملحق خاص بالتطبيع، والسبب أنها تسعى لفرض شرعيتها رغمًا عن الفلسطينيين والعرب، علاوة على اختراق الأسواق العربية، ونهب ثرواتها والهيمنة على المنطقة برمّتها، وكذلك هزيمة الوعي والإرادة العربية. ومن يتابع سياسة الحكومات الإسرائيلية وقادتها منذ إنشاء الكيان الصهيوني منذ بن غوريون وحتى نتنياهو، سيدرك الاهتمام الإسرائيلي بهذه القضية. وقد أفرد شمعون بيريز جزء مهمًا من كتابه (شرق أوسط جديد) لقضية التطبيع، وبخاصة التطبيع الاقتصادي. أما نتنياهو في كتابه (مكان بين الأمم) فقد طرح مشروعًا متكاملًا لإقامة علاقات بين إسرائيل وكل دولة عربية على حدة، وطرح مفاهيم “سلام الردع” و”السلام مقابل السلام” ولاحقًا مفهوم “السلام الاقتصادي”، وكلها عناوين تعني أن السلام الذي تطرحه إسرائيل وتعرضه على العرب، هو سلام الهيمنة والإذعان. وقد نجح نتانياهو في تسويق مشروعه مستغلًا إدارة ترامب الداعمة بالمطلق لإسرائيل، وحالة الضعف العربي، لإجبار عدد من الأنظمة العربية للهرولة إلى حظيرة التطبيع مع إسرائيل. أما عن المستقبل على هذا الصعيد، فمرهون بالتطورات وإرادة الشعوب العربية والأهم من كل هذا قدرتنا نحن الفلسطينيين على وقف هذه الهرولة العربية المخزية نحو التطبيع.

  • ما مستقبل إسرائيل وما مستقبل الصراع معها؟

كميل: طالما بقيت إسرائيل وبقيت القضية الفلسطينية بدون حل، فإن الصراع لا يمكن له أن ينتهي. فإسرائيل كيان معاد للمنطقة العربية برمّتها، حتى وإن نجحت في إقامة علاقات وتحالفات مع بعض الأنظمة العربية، ورغم قوتها وتحقيقها لاختراقات مهمة للعالم العربي، غير أنها لم تحسم الصراع مع الفلسطينيين ولا تزال المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالمرصاد. كما أن الشعوب العربية لا تزال ترفض مبدأ وجودها، وبالتالي لا يمكن إنهاء الصراع بإجراء مصالحات، وعقد تحالفات واتفاقيات تسوية مع بعض الأنظمة.

لا شك أن إسرائيل دولة قوية، وتشهد تناميًا متواصلًا في قوتها العسكرية والاقتصادية، وسجلت اختراقات مهمة للعالم العربي، وهذا ينذر بمخاطر كبيرة على القضية الفلسطينية، وقد يقود إلى المزيد من الكوارث على المنطقة. وإسرائيل تسعى للتحول إلى إمبراطورية تهيمن على المنطقة وشعوبها وأسواقها وثرواتها ومستقبل أجيالها، غير أن هذا ليس نهاية المطاف، فإسرائيل لديها مَواطن ضعفها في الداخل والخارج، ومستقبلها مرهون بالمقاومة الفلسطينية والعربية، ونحن نراهن على المقاومة الباسلة التي كان بمقدورها هزيمة إسرائيل في أكثر من معركة، وتحريرها لبعض الأراضي العربية من قبضة إسرائيل. لقد تحرر جنوب لبنان عام 2000 وقطاع غزة عام 2005، ولم تنتصر إسرائيل في أية حرب في العشرين سنة الأخيرة، وهذا يعني أن بالإمكان إنجاز الحقوق الوطنية وانتزاعها من بين أنياب العدوانية الصهيونية، كما أنه يمكن هزيمة هذا الكيان إذا توافرت الشروط والعوامل التي تسمح بذلك.

  • ما رأيك في ظاهرة عرين الأسود في نابلس وكتيبة جنين؟

كميل: تعد هذه الظاهرة تعبيرًا عن الأزمة الوطنية العامة، في ضوء استقرار حالة الانقسام، وضعف الفصائل الفلسطينية، وتنامي الممارسات العدوانية الصهيونية. وهو ما سمح ببروز ظاهرة العمل الفردي (الطعن، الدهس، إطلاق النار،…)، الذي أسس لظهور المجموعات العنقودية المنتشرة في كل مكان، حيث تطورت مع الوقت لتنتج ظاهرة عرين الأسود، وكتيبة جنين… لعل أبرز ما يميز هذه الظاهرة أنها أولًا ناجمة عن حالة السخط الشعبي على حالة التردي العام على الأصعدة كافة، وثانيًا افتقادها لأية مرجعية تنظيمية، كون أعضائها مزيجًا من عدة فصائل أو لا انتماء لهم، وثالثًا العفوية والارتجال، ورابعًا افتقادها للبنية التنظيمية التي تمكنها من الصمود لمدة أطول، وخامسًا تمتع هذه الظاهرة بتأييد شعبي كبير ولكن من دون استعدادية الجماهير للمشاركة في الفعل الانتفاضي بصورة شاملة.

ومع الأسف ونتيجة لكل هذه العوامل، سيسهل على الاحتلال محاصرتها، وضربها وتفكيكها، مع أن هذا لا يعني نهاية الظاهرة، وإنما قد تجدها تعبيرات مختلفة في عدة مناطق أخرى بأشكال متنوعة.

  • كونك عشت مرحلة المطاردة والمقاومة في البلدة القديمة في نابلس وكانت العمليات التي أوجعت الاحتلال تنطلق منها، ما الذي يميز نابلس عن غيرها من المحافظات في الضفة؟

كميل: لعل أبرز ما يميز نابلس عن غيرها، أن نابلس مدينة كبيرة وعريقة، وتختزن تجربة ثورية تاريخية منذ بدايات الصراع مع الصهيونية، وتحيط بها أربعة مخيمات وعشرات القرى والبلدات. لكن أبرز ما يميز نابلس هو بلدتها القديمة التي احتضنت المقاومة الفلسطينية في مختلف المحطات، حيث توفر ملاذًا آمنًا للثوار والمطاردين. وليس ثم ما يميز أهالي المحافظة عن بقية أبناء شعبنا، فالجميع ينتمي إلى شعب مقاوم ويقدم التضحيات سواء في نابلس أو بقية المحافظات الأخرى إضافة إلى قطاع غزة الثائر.

  • هل ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة في هذه المرحلة، من تصاعد أعمال المقاومة وتنوعها ضد الاحتلال يؤسس للانتفاضة الثالثة؟

كميل: يتعين علينا ألّا نستعجل في الحكم على ما يجري حاليًا، من تصاعد في أعمال المقاومة. وفي رأيي، انطلاق الانتفاضة الجديدة يحتاج إلى شروط، وأهمها الوحدة الوطنية وليس بحدودها الدنيا، والإرادة الشعبية والفصائلية إلى جانب موقف السلطة. وحتى الآن لا توجد أي مؤشرات لمثل هذه الإرادة، وحيث يسود الاستنكاف عن الفعل الانتفاضي، وما يجري هو مجرد حوادث فردية، قد تؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني وقد تؤدي إلى انفجار الأوضاع، ولكن ليس بالضرورة على شكل انتفاضة.

  • ما الذي يؤرق الأجهزة الأمنية الاحتلالية، من بروز ظاهرة عرين الأسود وغيرها؟

كميل: إن ما يؤرق الاحتلال من هذه الظاهرة أنها تملك القدرة على التأثير، فالجماهير الشعبية تدفع باتجاه استلهام هذا النموذج وبروز المزيد من الظواهر في باقي محافظات الضفة، مما يوفر مناخًا يسمح بالتحول الثوري، واشتعال انتفاضة جديدة يشارك فيها عموم الشعب الفلسطيني على غرار الانتفاضتين الأولى والثانية، فالاحتلال يدرك أن سيولة هذه الظاهرة وعدم ارتباطها ببنية تنظيمية محددة، سيسمح لها بالتطور والتنامي لأن الاحتلال لم يعتد مواجهة هذا النوع من ظواهر المقاومة.

  • لماذا تصب السلطة الفلسطينية جل قوتها لإنهاء ظاهرة العرين وكتيبة جنين؟

كميل: أولًا لأن السلطة تعدّ نفسها صاحبة الولاية والقرار، ثانيًا درس الانتفاضة الثانية، ثالثًا خوفًا من تنامي قوة حماس واستغلالها لهذه الحالة، ورابعًا بسبب الضغوط الممارسة عليها من قبل الاحتلال. لذا لا يمكن للسلطة أن تتبنى مثل هذه الظواهر التي تعدها مزعجة ومكلفة، ولن تجد أمامها سوى خيار احتوائها ولو في الحد الأدنى المقبول وطنيًا.

  • كونك مختصًا في الدراسات الإسرائيلية أيمكنك أن تحدثنا عن طبيعة الاحتلال العدوانية في التعامل مع المقاومة في نابلس وجنين؟

كميل: لا تحتاج المسألة إلى اختصاص في الشؤون الإسرائيلية، حتى يدرك الإنسان الفلسطيني الطبيعة العدوانية لإسرائيل. ولعل الهاجس الأمني والخشية من اتساع مثل هذه الظواهر ووصولها إلى مرحلة الانتفاضة، هي ما يدفع الاحتلال للتصرف بوحشية، بهدف وأد هذه الظاهرة في مهدها قبل اتساعها وتحولها إلى تحدٍّ جدي للاحتلال. فالذاكرة الفلسطينية زاهرة منذ أكثر من سبعين عامًا بالممارسات العدوانية الإسرائيلية، تجاه المقاومة بوجه عام إذ إن مشروعه الاستعماري الاستيطاني لا يسمح بالتلكؤ والانتظار لمواجهة أي ظاهرة ثورية من شأنها أن تمثل خطرًا على هذا المشروع.

  • هل استطاعت إسرائيل إفراغ السلطة من المحتوى الوطني؟

كميل: حاولت إسرائيل طوال ثلاثين سنة تجريد السلطة من أية وظيفة سياسية، وتكريس وظيفتها الأمنية وحسب. لكن الأخطر، محاولاتها الدؤوبة لإفراغ السلطة من أي محتوى وطني وإرغامها على التماهي مع سياساتها الأمنية. أي تحويلها إلى سلطة عميلة، لكن إسرائيل لن تفلح في هذه المهمة، لأن السلطة رغم بعض السياسات غير المقبولة سياسيًا وأمنيًا وشعبيًا، إلا أنه لا يمكن تحويلها بالكامل إلى مجرد وكيل أمني، وإلا فإنها ستفقد شرعيتها الوطنية، لأن قيامها في الأصل كان جزءًا من مشروع وطني، إلى جانب بنيتها وقادتها، إذ لا تزال حركة فتح إحدى أهم الفصائل الوطنية وقائدة للمشروع الوطني، بحكم هيمنتها على المنظمة والسلطة، وسائر مؤسسات الشعب الفلسطيني، ولا يزال أعضاء فتح في ميادين المواجهة والمقاومة والسجون. أما إشكالية السلطة فتتلخص بوقوعها في مصيدة التسوية، من دون أن تمتلك القدرة على الخلاص من هذه الحالة المستعصية.

  • بعد فشل المفاوضات على مدار ثلاثة عقود من وجهة نظرك هل مازالت السلطة الفلسطينية تؤمن بخيار التسوية مع إسرائيل بعد التوسع الاستيطاني المخيف والمستمر؟

كميل: لا تزال القيادة الفلسطينية المهيمنة على القرار في المنظمة والسلطة تؤمن بخيار التسوية، كخيار وحيد. ومع الأسف بعد ثلاثة عقود من هذه التجربة المريرة لا يزال قادة السلطة والمنظمة يعولون على هذا الخيار، في انتظار فرصة سانحة، على شاكلة تحول في الحكومة الإسرائيلية، أو تغير في العالم أو أي تطور إقليمي من شأنه أن يرغم إسرائيل على الجلوس على طاولة المفاوضات والوصول إلى حل سياسي.

  • هل عقد الانتخابات الفلسطينية العامة – في رأيك – يحل المشكلة الفلسطينية الداخلية؟

كميل: لا أظن أن إجراء الانتخابات الفلسطينية، ستمثل المفتاح لحل الأزمة لفلسطين، وربما ستفاقم من الأزمة الحالية، وقد تعيد إنتاج نفس الحالة التي سادت عقب فوز حماس عام 2006 بالانتخابات وأفضت إلى وقوع الاقتتال والانقسام الداخلي. ولكن إذا تم الإجماع الوطني على ضرورة إجرائها بشرط ضمان نجاحها، وقبول كل الأطراف بنتائجها فلا بأس بذلك. غير أن الخيار الأفضل للشعب الفلسطيني هو العودة إلى الجوار الوطني وإنهاء الانقسام وإعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية، وبنائها على أسس ديمقراطية، تسمح لجميع الأطراف السياسية في الانضواء تحت قبتها، وإعادة بناء القيادة الفلسطينية، والاتفاق على الشكل الأكثر نجاحًا للخلاص من الاحتلال، وإنجاز الاستقلال الوطني، واستعادة الحقوق الوطنية المغتصبة.

  • كيف تنظر إلى الفصائل الفلسطينية بهذه المرحلة، وما أسباب ضعفها وعدم تصدّرها للأحداث؟

كميل: إن إشكالية الفصائل الوطنية، ولا سيما في الضفة، أنها عانت بناها التنظيمية والكفاحية من الضعف والتهتك في العقدين الأخيرين، بسبب الضربات الأمنية والاعتقالية والملاحقة الدائمة وإغلاق المؤسسات وتخفيف مصادر التمويل. أما عوامل ضعفها الداخلية يعود لتكلس بناها، وحاله الاستقطاب السائدة بين فتح وحماس، جراء الانقسام السياسي السائد، وهو ما ترك الفصائل السياسية في حالة من الركود السياسي، والانحسار في أنشطتها وفعالياتها، والأهم من كل ذلك غياب الكفاح الثوري المقاوم، الذي من شأنه أن ينعش الفصائل ويحثها على الانخراط، والامساك بزمام المبادرة النضالية، كما كان عليه في الانتفاضة الأولى.

  • سمعنا أنك انتُخبتَ عضوًا للمكتب السياسي للجبهة الشعبية في السجون للمرة الثانية هل هذا صحيح؟، ولماذا أنت تحديدًا؟

كميل: أجل صحيح هذه هي الدورة الأولى التي أنتخب فيها للمكتب السياسي ولم انتخب من قبل لهذا الموقع وأعدّ هذا الموقع جزءًا من واجباتي النضالية.

  • السؤال الأخير: ماذا تقول لأسرة مجلة المستقبل العربي ومركز دراسات الوحدة العربية الذي يولي الاهتمام بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب؟

كميل: لا يسعني إلا أن أبرق بتحياتي وتحيات رفاقي في السجون، لأسرة مجلة المستقبل العربي ومركز دراسات الوحدة العربية، ونثمن الجهد والدور المجتمعي والثقافي والعروبي والنهضوي، الذي تؤديه المجلة والمركز في استنهاض الأمة العربية، والدفاع عن حقوقها وهويتها، ولا سيما الدفاع عن القضية الفلسطينية وعروبتها، وأنه من دواعي فخرنا وسرورنا أننا على تماس دائم مع إصدارات المركز والمجلة، التي نحرص دائمًا على إدخالها للسجون، لتمثل جزءًا رئيسيًا من مطالعاتنا وحياتنا الثقافية، وأنشطتنا الأكاديمية المميزة، فلكم كل المحبة والاحترام والتقدير.

***

في النهاية شكرًا للقائد الروائي كميل أبو حنيش صديقي في الجامعة وفي السجون على إعطائنا الوقت رغم معاناة الاعتقال وصعوبة الاتصال والتواصل في إتمام هذا الحوار القيّم، وأتمنى له ولجميع الأسرى الحرية.