– 1 –
صرح الرئيس التركي أردوغان يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ليس خيار تركيا الوحيد، وأن بلاده مهتمة بالانضمام إلى مجموعة شنغهاي للتعاون. هذا التصريح أثار كثيراً من الجدل ما إن كان الأمر مجرد لعب على التوازنات الدولية وورقة ضغط على الأوروبيين ليتعاملوا جدياً مع الطلب التركي المعلق منذ سنوات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أم إرادة حقيقية بالانضمام إلى منظمة شنغهاي كبديل للاتحاد الأوروبي؟ وفي حقيقة الأمر فإن هذا التحول في الموقف التركي غير منفصل عن التحولات الجيوستراتيجية الدولية التي وسمت النظام الدولي ما بعد سقوط المعسكر الاشتراكي وتحديداً منذ العقد الأول من القرن العشرين. ومن أهم هذه التحولات: الانتقال من الثنائية القطبية إلى نظام دولي سائب لم تتقعد أقطابه بعد حتى وإن كانت واشنطن وموسكو أهم الفاعلين فيه؛ تراجع الأيديولوجيا كمحدد للعلاقات الدولية بحيث لم يعد مجالاً للحديث عن معسكر اشتراكي ومعسكر رأسمالي؛ تفكك أحلاف وقيام أخرى؛ تفكيك دول وقيام أخرى ومخططات لإعادة تقسيم بعض الدول؛ صيرورة المصالح الاقتصادية والهواجس الأمنية على سلم اهتمامات الدول، وتراجع دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في التحكم بسيرورة السياسات الدولية وحل النزاعات الدولية، وأخيراً الفوضى التي تضرب الوطن العربي تحت مسمى الربيع العربي.
– 2 –
قبل أن نبحث في أهداف تركيا من التوجه للانضمام إلى منظمة شنغهاي ومدى جدية هذا الطلب لا بأس بأن نُقرب القارئ بهذه المنظمة التي تغري أردوغان للانضمام إليها بديـلاً من الاتحاد الأوروبي. تأسست المنظمة رسمياً عام 2001 وتضمّ الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزباكستان، وهناك محادثات لانضمام باكستان والهند وإيران. وتشكل مجموع هذه الدول نصف عدد سكان العالم، وقد تشكل أقوى تكتل اقتصادي عالمي، مع إمكان تحولها إلى تكتل عسكري موازٍ لحلف الناتو، مع أن دول المنظمة ينفون الصفة العسكرية عن المنظمة حيث إن أهدافها المعلنة في وثيقة تأسيسها هي: مكافحة الإرهاب؛ مواجهة التطرف والحركات الانفصالية؛ والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات.
– 3 –
انطلاقاً مما سبق نعتقد أن تركيا وبالرغم من عمق علاقاتها التاريخية الاقتصادية والعسكرية مع أوروبا وبسبب الجغرافيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي، فإنها جادة بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للاعتبارات التالية:
1 – استمرار المماطلة الأوروبية في قبول عضوية تركيا؛ الأمر الذي يشكل إهانة قومية لتركيا. وقد اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة مع صحيفة يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 المفوضية الأوروبية «بأنها تريد دفع أنقرة إلى التخلي عن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، «وتحدث عن خيار إجراء استفتاء شعبي لحسم هذه القضية، وجاء هذا التصريح قبل أيام من قرار البرلمان الأوروبي يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر تجميد محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد، وفي اليوم نفسه قررت النمسا حظر تصدير السلاح إلى تركيا.
2 – تراجع الحاجة الاستراتيجية العسكرية المتبادلة للطرفين والمترتبة على الحرب الباردة ووجود الخطر الشيوعي للاتحاد السوفياتي.
3 – تزايد التوتر بين تركيا والأوروبيين في الفترة الأخيرة بسبب الموقف من الأكراد والتدخل التركي في سورية ومشكلة اللاجئين، بالإضافة إلى ملف انتهاك حقوق الإنسان في تركيا خصوصاً بعد الانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو 2016، مع توتر علاقتها مع واشنطن للأسباب نفسها مع اتهام انقرة واشنطن بدعم وحماية المعارض فتح الله غولن المتهم بوقوفه وراء عملية الانقلاب.
3 – ترى تركيا أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لم يعد مغرياً بعد خروج بريطانيا منه ومطالبات في دول أخرى بالانسحاب من الاتحاد، فهذا الأخير مشروع في طريق الأفول وينتمي إلى الماضي بينما منظمة شنغهاي منظمة ناشئة وواعدة وتنتمي إلى المستقبل.
4 – انكماش الاقتصاد التركي وعدم قدرة اقتصاد دول أوروبا على فتح آفاق أمامه بعد الأزمات المالية التي تشهدها عدة دول أوروبية.
5 – حاجة تركيا إلى غاز روسيا حيث تعتمد عليها في أكثر من نصف حاجاتها من الغاز الطبيعي المستخدم في التدفئة وتوليد الكهرباء، وحاجة هذه الأخيرة إلى تركيا لاستكمال مشروع «السيل التركي»، وهو مشروع لمد خط أنابيب من روسيا إلى تركيا ومنها لأوروبا لدعم صادرات الغاز الروسي، إضافة إلى أن قطاع السياحة في تركيا يعتمد كثيراً على السياح من الاتحاد الروسي.
6 – تزايد حجم التبادل التجاري في السنوات الأخيرة ما بين تركيا والصين الدولة الأساس في مجموعة شنغهاي، وقال «أردوغان» في كلمة له أمام منتدى الأعمال التركي الصيني، الذي عقد يوم 30 تموز/يوليو في العاصمة بكين، بأن الصين هي الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأقصى، والثالث عالمياً بعد ألمانيا وروسيا، مشيراً إلى ارتفاع حجم التجارة بين البلدين من حوالى ملياري دولار عام 2002، إلى 28 مليار دولار عام 2014.
7 – فتح عدة جبهات عسكرية في سورية والعراق بالإضافة إلى تحديات الوضع الأمني الداخلي، جعل تركيا بحاجة إلى مزيد من العتاد العسكري والدعم اللوجستي والحلفاء السياسيين، وهو ما لم تجده عند الأوروبيين وتبحث عنه عند دول منظمة شنغهاي وخصوصاً روسيا والصين.
8 – إشغال أو تورط تركيا في السنوات الأخيرة بمشاكل المنطقة جعلها تشعر بأنها أكثر ارتباطاً بالمجموعة الآسيوية من ارتباطها بأوروبا، وخصوصاً أن هذا الارتباط يجعلها تنخرط في اقتصاد دولي تزيد ميزانيته عن 800 تريليون دولار.
9 – حتى في حالة انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي فلن يتم التعامل معها بندية بل ستبدو دولة تابعة وجسماً غريباً، أما انضمامها إلى منظمة شنغهاي فيجعلها جزءاً من فضاء تنتمي إليه، وفي موقع مساوٍ للدول الأخرى وخصوصاً أنه يربطها بأغلب دول المنظمة قواسم مشتركة ثقافية ودينية، وتشابه في الأنظمة السياسية. وقد قال رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو الذي كان يوقّع طلب الشراكة في الحوار مع شنغهاي قبل 3 سنوات: «هذا يوم تاريخي بالنسبة إلينا الآن، وبهذا الاختيار تعلن تركيا أنّ مصيرنا مثل مصير بلدان منظمة شنغهاي للتعاون».
– 4 –
مع أن الأمر ما زال في مرحلة الطلب والإرادة بالرغم من ترحيب الناطق باسم الخارجية الصينية بالطلب التركي، إلا أنه في حالة انضمام تركيا إلى حلف شنغهاي وما سيترتب على ذلك من تبني استراتيجياته وتوجهاته حول عديد من قضايا العالم، سيفرض على تركيا استحقاقات وتحديات عليها أن تكون مستعدة لها.
المصادر:
(*) نُشرت هذه المقالة في مجلة المستقبل العربي العدد 455.
(**) إبراهيم أبراش: كاتب فلسطيني.
البريد الإلكتروني: ibrahemibrach1@gmail.com
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.