ملخص

 تهدف الدراسة إلى التعرف بماهية مؤثري التواصل الاجتماعي كقوة جديدة في البيئة الاتصالية ودورهم في بناء الرأي العام العالمي نحو حرب غزة وتأثيرهم في مجريات الأحداث، إضافة إلى الكشف عن التحديات التي تعرضوا لها في إيصالهم رسائلهم.

كلمات مفتاحية: المؤثرون؛ الرأي العام؛ القضية الفلسطينية؛ طوفان الأقصى؛ حرب غزة.

مقدمة

أحدثت التطورات التقنية نقلة نوعية في مجال عالم الاتصال والإعلام التي مكنت الأفراد من التواصل في أي وقت وفي أي مكان، وأصبح العالم يشهد ثورة في الرقمنة ومواقع التواصل الاجتماعي التي فرضت حضورها في الحياة اليومية. ومن أبرز وسائل الاتصال شبكة الإنترنت التي “أتاحت للأفراد والجماعات التواصل لما تحتويه من تقنيات وما مكنته من التفاعل مع مختلف الأحداث، وجاءت لتنشئ عالمًا افتراضيًا يفتح المجال للأفراد والجماعات والتنظيمات بمختلف أنواعها لإبداء آرائهم في القضايا والمواضيع التي تهمهم بحرية غير مسبوقة، وأصبح المواطن يصنع المحتوى الإعلامي ويناقش القضايا المختلفة بكل جرأة وحرية وديموقراطية” (أبو يعقوب، 2015، ص3).

وتؤدي وسائل الاتصال والاعلام اليوم دورًا مهمًا في نقل المعارف والأنباء إلى الناس، وقد كانت حتى زمن قريب محتكرة من جانب فئات محدودة، إلى أن جاء عصر منصات التواصل الاجتماعي، وشيوع صحافة المواطن التي مكنت شريحة واسعة من الناس من استخدام هذه الأدوات في التعبير عن آرائها، ونشر المستجدات، والحشد لمختلف القضايا (الاخرس، 2023)، وأصبح بمقدور أي فرد إيصال رسالته إلى من يريد ومتى يريد. وبخاصة بما تملكه مواقع التواصل الاجتماعي من قدرات قد يعجز الإعلام التقليدي عن توفيرها، فمثلت هذه الشبكات مساحات حرية لمستخدميها لما تتميز به من وسائط متعددة تمكن مستخدميها من عرض محتوياتهم بأشكال مختلفة من مقاطع فيديو وصور وكاريكاتير…

من هنا فرضت ظاهرة التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي وجودها، وبرز في السنوات الأخيرة الكثير من المؤثرين الذين يقومون بإنتاج محتوى ونشره ويساهمون في بناء وتوجيه الرأي العام، كقوة جديدة في البيئة الاتصالية تمكنوا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من تيك توك، وفيسبوك، وإنستغرام .. من جذب ملايين المتابعين وبرزوا كنموذج للتأثير والسلطة غير التقليدية.

ومثل السابع من أكتوبر 2023 نقلة نوعية في مجرى صنع المحتوى  حيث أدّى المؤثرون في شبكات التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في القضية الفلسطينية وساهموا ليس فقط في تغطية الأحداث وتحليلها بل في تغيير الرأي السائد حول المقاومة والدفاع عن الحقوق الفلسطينية ضد الاحتلال. وتبينت أهمية تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب، وأنها لا تقل قدرة عن السلاح.  وأدت هذه الوسائل دورًا كبيرًا في تعديل المشهد وتغيير الرأي العالمي وإظهار زيف الدعاية الإسرائيلية التي حاولت تقديم صورة إيجابية عن إسرائيل وإبرازها على أنها الضحية لتبرير عدوانها على غزة.

تأسيسًا على ما تقدم، تحاول ورقتنا العلمية من خلال مقاربة مفاهيمية تحليلية، البحث عن دور المؤثرين في حرب غزة كنموذج جديد للفاعلين القادرين على التأثير في الرأي العام وبناء توجهات المستخدمين عبر حساباتهم على التويتر، والانستغرام  والفيسبوك… والتطرق إلى الأساليب التي استخدموها في نشر محتواهم ومعرفة التحديات التي تعرضوا لها في إيصالهم لرسائلهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم  سنحاول الإجابة عن التساؤلات الآتية:

– من هم المؤثرون في مواقع التواصل الاجتماعي؟

– كيف تجسد دور المؤثرين في حرب غزة؟

– ما التحديات التي واجهها المؤثرون في إيصالهم رسائلهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟

أولًا: قراءة عامة في ماهية مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي

  تعرّف نادية البيومي المؤثرين بأنهم مجموعة من الأفراد الذين يتمتعون بشخصية قوية وقيادية وجادة ومؤثرة، ولديهم خلفية ثقافية وتكنولوجيا كبيرة وواسعة، ولديهم القدرة على التأثير في أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع لديهم على صفحاتهم أو حساباتهم بهذه المواقع، ويمكنهم التأثير وخلق الرأي العام (البيومي، 2018).

    ويرى كميل حاماني “أن المؤثرين ظاهرة موجودة منذ الأزل، حيث كان الناس ينظرون إلى الشخصيات البارزة كالملوك أو غيرهم، وتأثروا بالممثلين والمشاهير الذين استخدمتهم الشركات لأسباب تسويقية. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي باتت الأخيرة متنفسًا للناس ولا سيما في العالم العربي” (خراب، 2022، ص 128).

  كما عرف المؤثر بأنه “شخص مميز في طرحه للمحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام أسلوب قريب من جمهوره ومتفاعل معه، وبمشاركتهم المواضيع التي يحتاجون إليها ومناسباتهم المختلفة، فالمؤثر متجدد في طرح المواضيع التي تهم المجتمع، مما يساهم في زيادة متابعيه”(حمدان، 2019).

نستخلص أن المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي هم أفراد يؤثرون في المتابعين في موضوع أو قضية ما وحشد الرأي العام نحوها من وجهة معينة، برزت لهم مكانة مهمة في الساحة الإعلامية على اختلاف مجالاتهم وأهدافهم ومستوياتهم التعليمية، كقادة رأي جدد قادرين على حشد الجماهير وعلى إحداث التغيير في الحياة الاجتماعية والسياسية واتخذوا من المواقع الافتراضية منابر لهم، يظهرون في أي وقت ومكان.

واختلفت الآراء حول ظاهرة المؤثرين بين فائدتهم وضررهم خاصة على الأطفال والمراهقين الذين يقضون أوقاتًا طويلة يتابعون محتواهم متخذين في كثير من الأحيان مثالًا يقتدى به وقدوة لهم فتؤثر في تفكيرهم وسلوكهم. ويمكن تصنيف المؤثرين ضمن خمس فئات حسب عدد متابعيهم ودائرة تأثيرهم وهم:

  • المؤثرون محدودو التأثير ((Nano: لديهم جمهور صغير نسبيًا على مواقع التواصل الاجتماعي وخبرتهم في مجالات العلامات التجارية قليلة، ويراوح عدد المتابعين الخاص بهم ما بين 1000 و10000 متابع.
  • المؤثرون ذوو التأثير المنخفض (Micro): لديهم نسبة متابعة أكبر قليلًا مقارنة بالفئة الأولى على مواقع التواصل الاجتماعي ويتمتعون عادة ببعض الخبرة في التعاون مع العلامات التجارية، ويراوح عدد متابعيهم ما بين 10000 و50000 متابع.
  • المؤثرون متوسطو التأثير (Mid): يعدّ هذا النوع من المؤثرين الشريحة الوسطى، ويكونون ماهرين
  • في التعاون مع العلامات التجارية، لذلك فمن الصعب الحصول عليهم، لأنهم مطلوبون، وأسعار إعلاناتهم منخفضة نسبيًا. ويبلغ عدد متابعيهم نحو 500 ألف وقد يصل إلى مليون متابع.
  • المؤثرون المشاهير (Méga): تعَدّ هذه الفئة من ذوي التأثير العالي جدًا وهم المؤثرون الذين لديهم أكثر من مليون متابع (محرم، 2020، ص 374).

ويصنفهم جيم باري ضمن 4 أنواع أساسية وهم:

  • المعلمون: وهم المؤثرون اللذين يعلمون المستخدمين الآخرين الأشياء المفيدة وينقلون خبراتهم إلى غيرهم.
  • المدربون: وهم المؤثرون الذين يعملون ويدربون غيرهم ويعتمدون في الأساس على التدريب والمشاركة.
  • الترفيهيون: وهم المؤثرون الذين يقومون ببث المضامين الترفيهية والخفيفة ويعتمدون على الأسلوب الكوميدي الخفيف.
  • الكارزميون: وهم المؤثرون الذين لديهم شخصية محبوبة لدى قطاع من المستخدمين الآخرين، ويعتمدون على بث الطاقة الإيجابية والالهام وروح الإبداع (رفعت، 2018، ص 218).

وقد سعى الكثير من الشركات إلى استخدام المؤثرين كمسوقين لبعض منتجاتهم أو خدماتهم، والتعاون معهم للوصول بسهولة إلى قاعدة الجمهور. “ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط بل أصبح لهؤلاء المؤثرين أهمية كبيرة ويحظون بثقة هائلة لدى الجمهور الذي يتابعهم، ويثقون في ما يقدمون لهم ويقتنعون بآرائهم ووجهات نظرهم تجاه الاحداث والمواقف المختلفة، بل ويسعون لمعرفة تفسيراتهم لبعض الظواهر أو المواقف الحياتية المؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهم أفراد يؤثرون في المتابعين في موضوع أو قضية ما وحشد الرأي العام من وجهة معينة” (عبد المقصود، 2019، ص111).

يوجد في مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من صناع المحتوى والمؤثرين، يستخدمون أساليب مختلفة لنشر فكرتهم حتى تصل إلى الجمهور المستهدف، يستعملون الصورة أو الفيديو أو الكتابة لعرض محتواهم أو منتوجاتهم. وتختلف أهداف صناع المحتوى باختلاف أنواع المحتوى الذي ينتجونه. وأصبحت أغلب الفئات تتابع صفحات المؤثرين وما يشاركونه من جوانب حياتهم لهم قاعدة جماهيرية بالآلاف والملايين من المتابعين، لديهم القدرة على التأثير من خلال ما ينشرونه في حساباتهم من نشر محتوى يتضمن طريقة لبسهم وأنشطتهم اليومية. يؤثر هؤلاء بسلوكهم وأقوالهم في حياة الأفراد والجماعات بصورة سلبية او إيجابية.           “ويرى البعض أن الاستشهاد بالمؤثرين يعد أمرًا مميزًا وأكثر فاعلية من الاستشهاد بالمشاهير التقليديين، وبخاصة أن هؤلاء المؤثرين يشاركون متابعيهم تفاصيل حياتهم اليومية، ومن ثم باتوا أكثر فاعلية وقربًا للجمهور من المشاهير إلى حد وصفهم بأنهم صوت موثوق لدى الجمهور”(شريف، 2019، ص138).

ثانيًا: جذور القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني

  يشير مصطلح القضية الفلسطينية إلى الصراع الدائر بين الشعب الفلسطيني من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وترتبط بجملة من أحداث ومستجدات شهدتها المنطقة على مر عقود من الزمن وجملة العوامل التي ساهمت في بلورتها والمتمثلة بالتدخلات الدولية والإقليمية، وأيضًا النتائج المترتبة عن هذا الصراع.

ويتصل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بتأسيس الصهيونية التي تبلورت على يد عدد من المفكرين اليهود أمثال ليون بنسكر الذي كان من أبرز الداعين إلى عقد المؤتمر الصهيوني العالمي في بازل بسويسرا سنة 1897 وكان من أخطر مقرراته هو الإعلان أن الحركة الصهيونية تعدّ حركة سياسية ذات إيديولوجيا استعمارية واستيطانية وتوسعية هدفها إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. كما أعلن تيودور هرتزل بعد مؤتمر بازل بسويسرا عن دعمه لتأسيس دولة لليهود على فلسطين (أرض الميعاد) إضافة إلى تصريح كامبل بانرمان سنة 1907 حول ضرورة خلق كيان صهيوني غريب وسط الوطن العربي لضرب السيادة العربية. ليس هذا فحسب، بل أصدر بلفور وعدًا للزعماء اليهود (وعد بلفور سنة 1917) يتعهد فيه بأنه سيبذل قصارى جهوده لتحقيق أطماع الصهاينة في فلسطين (جريدة الأسبوع، 2023).

ضلت فلسطين خاضعة للإمبراطورية العثمانية حتى سنة 1920 وهي السنة التي تحالفت فيها بريطانيا مع الحركة الصهيونية، وتأييدها لقيام وطن قومي لليهود وشجعت على هجرة اليهود إلى فلسطين وسمحت لهم بامتلاك الأراضي الفلسطينية. وخلال الحرب العالمية الثانية أصبحت الولايات المتحدة الامريكية تدعم الحركة الصهيونية. وفي سنة 1947 قدمت الأمم المتحدة مشروعًا لتقسيم فلسطين إلى دولتين فلسطينية ويهودية، وأُعلن قيام دولة إسرائيل سنة 1948. وفي سنة 1964 تأسست منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني التي اعتُرف بها من طرف القمة العربية سنة 1974.

عانى الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ الاحتلال الإسرائيلي تفاقم الوضع الاقتصادي والأزمة المالية المستمرة وانعدام الامن الغذائي وعدم حصولهم على حقوقهم الإنسانية في العمل وأبسط الضروريات الحياتية وبخاصة الذين يعيشون قرب المستوطنات المحاطة بالأسوار ونقاط التفتيش، وما يتعرض له الفلسطينيون من عنف وترهيب وعرقلتهم في الذهاب إلى عملهم وهجوم من المستوطنين على أراضيهم ومساكنهم. وبالتالي استهدف الاحتلال الإسرائيلي الشعب الفلسطيني في كل تفاصيله اليومية من خلال الممارسات التعسفية من ضرب، وتهديد، واعتقالات، وافتكاك للمزارع.. وفي هذا السياق فإن إحدى العقوبات المنتشرة على نطاق واسع عند نقاط التفتيش، إبقاء الفلسطينيين لساعات طويلة من دون أي وقاية من الشمس أو المطر، وتعريضهم في بعض الأحيان حتى إلى إطلاق النار الذي قد يصل إلى القتل. ويتمتع الجنود الصهاينة الذين يقتلون أو يجرحون المواطنين الفلسطينيين بالحصانة والحماية القانونية، وفي أسوأ الاحتمالات لا يحكم عليهم سوى بأيام معدودة من التوقيف الشكلي الذي لا يلبث أن ينتهي بالإفراج عنهم بل وربما تهنئتهم على سلوكهم العدواني، بينما يحال الفلسطينيون الذين يعصون أوامر الجنود أو ينتهكون تدابير حظر التجول إلى المحاكم العسكرية، ويحكم عليهم بدفع غرامات مالية وبالسجن الفعلي لمدة تصل إلى خمس سنوات (مرتضى، 2011).

كما اتبع الكيان الصهيوني عمليات استهدف فيها الأطفال الفلسطينيين والذين كانوا في مقدمة الضحايا، متجاوزين كل الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تشدد على حقوق الطفل “حيث وثَّقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين استشهاد 2270 طفلاً على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000م؛ أي مع بدء انتفاضة الأقصى؛ وحتى الأول من أيار/ حزيران 2023؛ منهم  546 طفلًا فلسطينيًا خلال عام 2014م؛ معظمهم ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بما في ذلك جريمة إحراق وقتل الطفل المقدسي الشهيد محمد أبو خضير، بعد أن اختطفه المستوطنون؛ وجريمة إحراق عائلة دوابشة في داخل منزلهم قرية دوما جنوب مدينة نابلس؛ فيما كانت آخر هذه الجرائم، استشهاد الطفل محمد هيثم التميمي (عامان ونصف) من قرية النبي صالح، شمال غرب رام الله، بعد أن استهدفه قناص من جنود الاحتلال أثناء تواجده ووالده بباحة منزلهما، وإصابة والده برصاصة بالكتف في حزيران 2023” (وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، 2023). إضافة إلى معاناتهم في المعتقلات الإسرائيلية التي تفتقر إلى أدنى المعايير الدولية لحقوق الطفل.

وقد اندلعت عدة انتفاضات للشعب الفلسطيني أهمها انتفاضة 1987 (انتفاضة الحجارة) كشكل من أشكال المقاومة الفلسطينية، وفي سنة 2000 تجددت الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) والتي راح ضحيتها 4412 شهيدًا فلسطينيًا و48322 جريحًا، وانتهت سنة 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي انعقد في شرم الشيخ والتي جمعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي أرئيل شارون. “ويعتبر الطفل الفلسطيني محمد الدرة رمزًا للانتفاضة الثانية، فبعد يومين من اقتحام المسجد الأقصى، أظهر شريط فيديو التقطه مراسل قناة تلفزيونية فرنسية في 30 أيلول/سبتمبر 2000، مشاهد إعدام للطفل (11 عاما) الذي كان يحتمي إلى جوار أبيه ببرميل إسمنتي في شارع صلاح الدين جنوبي مدينة غزة (وكالة الأنباء القطرية، 2023).

ثالثًا: عملية طوفان الأقصى وتبعاتها

شهدت منطقة الشرق الأوسط عملية عسكرية نوعية، سميت عملية طوفان الأقصى أو كما تُعرف بالانتفاضة الثالثة. إذ نفذت فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس هذه العملية في ساعات الصباح الأولى من يوم السبت الموافق لـ7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رداً على التصعيد الإسرائيلي وانتهاكاته في المسجد الأقصى المبارك واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة (trt عربي، 2023).

وتمثل عملية الطوفان الأقصى الأكبر على الإطلاق في تاريخ المقاومة الفلسطينية، وتعَد تحولًا رئيسيا في المشهد الفلسطيني وفي تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي بعد أن ضلت القضية الفلسطينية سنوات في جمود سياسي “حيث خف الحديث خلال السنوات العشر الماضية عن القضية الفلسطينية في ظل صعود قضايا إقليمية أخرى على سطح المشهد مثل الملف النووي الإيراني، وموجة الثورات العربية وبدا أن القضية الفلسطينية قد حُكم عليها بأن تظل محصورة في خلفية الأولويات والأجندات الدولية” (الفاعوري، 2021، ص2).

وجاء الرد الإسرائيلي بإعلان الحرب وشن حملة عسكرية وإبادة جماعية ضد سكان غزة، خارقًا كل الأعراف الدولية، الرد الذي أسفر عن استشهاد الألوف من الشهداء والجرحى معظمهم من النساء والأطفال. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن ارتفاع عدد ضحايا عدوان الاحتلال على غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي “إلى 22 ألفًا و835 شهيدًا، بالإضافة إلى إصابة 58 ألفا و416 آخرين. وأضافت الوزارة، في بيان لها اليوم أن 113 فلسطينيًا على الأقل استشهدوا، وأصيب نحو 250 آخرون خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. ويواصل الاحتلال منذ 7 أكتوبر الماضي، عدوانه على قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد وجرح آلاف الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة حذرت من خطورتها مختلف وكالات الأمم المتحدة” (الإذاعة الوطنية، 2023) وهي إحصاءات لا تزال ترتفع في كل دقيقة.

وحسب إحصاءات وكالة وفا بلغ عدد الطلاب الشهداء ليوم 10 /01/ 2024، 4257 طالبًا شهيدًا و7777 عدد الطلاب الجرحى. أما عن عدد المدارس المتضررة فقد بلغت 346 مدرسة، و133 عدد المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء (وكالة وفا، 2024).

رابعًا: دور المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي في دعم شعب غزة

اكتسب الصراع الفلسطيني مع المحتل الإسرائيلي خاصية بأنه امتداد لصراعات سياسية وتاريخية، حاولت فيه إسرائيل السيطرة على الأراضي الفلسطينية وفرضت حصارًا على قطاع غزة منذ 2007، كما عمدت إلى طمس القضية الفلسطينية وتزوير التاريخ. لقد عانت فلسطين انحياز الإعلام الغربي لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما انعكس سلبًا على القضية الفلسطينية وتراجع الحديث عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.

لم تكن التغطية الإعلامية الغربية وبخاصة في الأيام الأولى من عملية الطوفان الأقصى محايدة، بل كانت منحازة إلى الرواية الإسرائيلية وعدم تفعيلها قواعد التحقق الإخباري وسيل الأكاذيب والأخبار المزيفة التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون من مثل أن مقاتلي حماس قطعوا رؤوس 40 طفلًا فلسطينيًا إضافة إلى ما تدفعه للمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي لتجميل صورتها. لكن مع تزايد وتيرة القصف الإسرائيلي وارتفاع عدد ضحايا العدوان على غزة منذ بداية طوفان الأقصى وتوثيق أهل غزة والصحافيين الوضع الإنساني ونقل صور الانتهاكات والمجازر التي ارتكبها العدوان الإسرائيلي على المدنيين وحجم الدمار في البنى التحتية والمنازل والمشافي والمدارس.. ونشرها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، انقلبت الموازين وساهمت هذه المنصات في فضح كذب السرد الغربي حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي  وبخاصة “مع دخول فئات وشرائح جديدة من المشاهير وأصحاب حسابات وصفحات معروفة في مجالات غير سياسية، كتلك المهتمة بالحديث عن الألعاب والفن والرياضة والترفيه، إلى ميدان التوعية بما يجري في فلسطين، وهو ما كان له تأثير واضح أيضًا ساعد على جعل القضية محط أنظار المجتمعات العربية والإسلامية والعالمية على نطاق أوسع من فترات سابق, (الأخرس،2023 )، وعملت هذه الصفحات على الوقوف أمام الآلة الإسرائيلية المسيطرة على الإعلام الغربي التي توجهه حسب ما يخدم أهدافها.

لقد كرس الكثير من المؤثرين وأصحاب المحتوى حساباتهم للحديث عن  القضية الفلسطينية، وأدّوا دورًاا أساسيًا في تحفيز الجماهير لمصلحة الحق الفلسطيني وإعادة صورة كفاحه والتعريف بأصل القضية وفضح زيف الرواية الإسرائيلية وكشف الانتهاكات التي يعيشها الفلسطينيون وكشف كذب الدعاية الإسرائيلية التي حاول الكثير من المؤثرين في الغرب تقديم صورة إيجابية عن إسرائيل وابرازها على أنها الضحية لتبرير عدوانها على غزة، ودحض ما عمد اليه الإعلام الإسرائيلي من نشر معلومات مضللة وأخبار مفبركة ومقاطع مركبة عبر الذكاء الاصطناعي. وأدان الكثير من المؤثرين الاحتلال ناشرين جملة من الصور والفيديوهات لجرائم ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة أمثال الإسبانية سيريا بوكر التي نشرت عدة مقاطع عبر حسابها في التيك توك تتضمن الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وأظهرت جرائم الكيان الصهيوني،  ونوران طارق السيد التي دعت عبر حسابها في الانستغرام إلى نشر المحتوي الذي يدعم الشعب الفلسطيني وعدم الاستهانة بدور السوشيال ميديا والوقوف ضد تعتيم الاعلام الغربي الذي يخاف من وصول الحقيقة إلى العالم، فتقول مخاطبة متابعيها “أنا كصانعة محتوى دوري أتكلم وأنت دورك تنشر”.

بالتالي سعى الكثير من المؤثرين من خلال منصات التواصل الاجتماعي إلى فضح العدوان الإسرائيلي على غزة وايصال صوت الشعب الفلسطيني وكشف ما يحدث هناك من دمار وقتل وتجويع وكشف كذب الإعلام المؤيد للعدوان الإسرائيلي مستعملين أساليب متنوعة لإيصال رسائلهم من مقاطع فيديو ورسومات وصور وهاشتاغات … ونشرها بعدة لغات عبر شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وانستغرام وتيكتوك. كما ساهم الكثير من المؤثرين العرب والغرب في الترويج لحملات مقاطعة للمنتجات والشركات الداعمة لإسرائيل والتنبيه من أن شراء هذه المنتجات هي مساهمة في قتل أطفال فلسطين مثل سلسلة “مطاعم ماكدونالز” و “مقهى ستاربكس” و”زارا”. وقد كبدت هذه المقاطعة الشركات خسائر كبرى وأجبرت محال تجارية في أنحاء العالم كافة على التوقف عن بيع منتجات داعمة لإسرائيل.

يشير محمود التركي إلى أربع خطوات رئيسيّة في كيفية دعم المؤثرين للقضية الفلسطينية: “الأولى صناعة المحتوى وترجمته ونشره من أجل تفسير القضّية والمواقف لمختلف الجنسيّات وذلك من أجل تغيير الوعي والرأي العام. أمّا الخطوة الثانية فهي مشاركة محتوى صنّاع المحتوى الفلسطينيين من أجل إيصال أصواتهم إلى أكبر عدد من المتابعين، والثالثة تتمثل بالتشجيع على المقاطعة والترويج للبدائل التونسية، وأخيرًا الدعوة للمظاهرات التي تقام في أوروبا وغيرها من الدول الأجنبيّة لأنّ وقعها كبير لإيصال الصوت الفلسطيني” (السكوحي، 2023).

أثمر هذا الضخ الإعلامي الكبير في منصات التواصل الاجتماعي وما قدمه المؤثرون من نشر صور آثار العدوان والدمار ونقل الصورة كاملة إلى العالم عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أثمر  أثرًا بالغًا في حشد المظاهرات في الشوارع وفي تحريك الرأي العام تجاه القضية وفي فشل الاحتلال إعلاميًا بكل أشكاله في الحرب الأخيرة وخسر روايته حتى في الأوساط التي كانت منحازة إليه في البداية. وبحسب شركة ميغ أي أي للتحليل فإن 83 بالمئة من منشورات التواصل الاجتماعي أصبحت ضد إسرائيل.

تقول عفاف الغربي وهي إعلامية ناشطة على منصة “x“: “كان لمواقع التواصل الاجتماعي الفضل في انتصار القضية الفلسطينية، فمن كل بلدان العالم يتظاهر الآلاف نصرة للقضية، وتحول الحديث من الجانب السلبي لعالم الديجيتال إلى الحديث عن الدور الحاسم والمهم الذي تلعبه في هذه الحرب” (السكوحي، 2023).

وقد تعرض  الكثير من المؤثرين  لجملة من التحديات بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية، فمنهم من خسر وظائفه وعقوده بسبب تضامنه مع ضحايا العدوان الإسرائيلي. كما تعرض الكثيرون لحجب وتقييد حساباتهم  إضافة إلى العقوبات التي تفرضها بعض المنصات على أصحاب المنشورات المتعلقة بهذه القضية، مثل ما شنته الصحف العبرية من هجوم لاذع على المؤثر الأمريكي والناشط في مكافحة النفايات البلاستيكية جاكسون هنكل بسبب دعمه الشعب  الفلسطيني عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ووصفته بعدو إسرائيل باعتبار أنه لم يكف منذ بداية عملية طوفان الأقصى عن نشر مقاطع لما يتعرض له الشعب الغزاوي من قصف وتدمير وقتل من قبل القوات الإسرائيلية والقيام بعمل كبير بكشف زيف الدعاية الإسرائيلية.

كما تعمدت القوات الإسرائيلية استهداف الصحافيين خوفًا من فضح العدوان ونشر الحقيقة و”بدلًا من استخدام القلم في مواجهة القلم استخدم الكيان الصواريخ لمواجهة الكلمة بقصف 33 مؤسسة صحافية وثّقتها نقابة الصحافيين الفلسطينيين في 10 أيام من القصف الصهيوني على غزة، عدا عن الأضرار التي لحقت بأكثر من سبعين صحافيًا في قطاع غزة إضافة إلى تسجيل نحو مئة انتهاك بحق صحافيين فلسطينيين أثناء توثيقهم الانتهاكات التي جرت في الضفة الغربية والقدس” (الوفاق، 2023).

خاتمة

يؤدي مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي، كقوة جديدة في المجتمع الرقمي، دورًا كبيرًا في صناعة الرأي العام في الكثير من القضايا. وبرز دورهم بخاصة في حرب غزة، وتبين كيف أن تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب لا تقل قدرة عن السلاح. حيث ساهم المؤثرون المتضامنون مع الشعب الفلسطيني في إحداث تغييرات كبيرة في الرأي العام العالمي وحولوا المشهد الرقمي إلى ساحة دعم ومساندة للفلسطينيين ونقلوا الرواية الفلسطينية وأوصلوها إلى العالم على نطاق واسع، وفضح جرائم العدوان الإسرائيلي والذي أثر كثيرًا في مجريات الأحداث وأدى إلى فشل الإعلام الإسرائيلي.

كتب ذات صلة:

غزة: بحث في استشهادها

نظم وسائل الإعلام العربية

فلسفة التواصل في الفكر العربي المعاصر: طه عبد الرحمن وناصيف نصار بين القومية والكونية