في بادرة جديدة للجمعية العربية للعلوم السياسية، تناول بالتحليل والبحث العلمي، عدد من الباحثين المتميزين في مجال العلوم السياسية، بمختلف فروعها، حاضر ومستقبل “الأزمة الأوكرانية”، التي اندلعت بالتدخل العسكري الروسي في 24 شباط/فبراير 2022، كمرحلة جديدة للمواجهة بين الشرق والغرب، بهدف توليد نظام دولي جديد، يتكون هيكله من ثنائية قطبية بما يحول دون انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على النظام الدولي، أو من تعددية قطبية تشمل روسيا والصين وتوابعهما، وأمريكا وأوروبا وحلفائهم.

وقد كان لإعادة انتخاب اللجنة التنفيذية للجمعية في نيسان/أبريل 2019، الأثر العميق، في إعادة هيكلة نشاطات الجمعية، بعقد مؤتمر علمي/ أكاديمي سنوي، يعقد في بيروت (عاصمة النور العربية)، في أيار/مايو من كل عام. وبالفعل تم عقد المؤتمرين، الأول والثاني (إلكترونيًا – On Line) في عامي 2020  و2021، في ظل ظروف اجتياح “كورونا” للعالم كله، فأبَينا إلا أن ينعقد المؤتمر السنوي مهما كانت الظروف. فعُقد:

المؤتمر الأول (2020) تحت عنوان: الأمن القومي العربي وتحدياته، وسط المتغيرات العالمية.

المؤتمر الثاني (2021) تحت عنوان: مستقبل القضية الفلسطينية، في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية.

وعندما بدأت “كورونا” في الانكسار والانكشاف، أصرت اللجنة التنفيذية على عقد المؤتمر الثالث فعليًا في بيروت، في حزيران/يونيو 2022، تحت عنوان: الدولة الوطنية ومستقبلها وسط متغيرات دولية وإقليمية.

ثم عقد المؤتمر الرابع في 19- 20 أيار/مايو 2023، تحت عنوان: الحرب الروسية/ الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة العربية وجوارها الجغرافي.

وقد شارك في كل مؤتمر نحو 40 باحثًا، وهؤلاء يمثلون حاضر ومستقبل العقول العلمية في الوطن العربي، ويعبرون عن المدارس العلمية واتجاهاتها الحديثة والمختلفة في العلوم السياسية في منطقتنا العربية.

وفي المؤتمر الرابع الذي عقد منذ عدة أسابيع في 19، 20 أيار/مايو 2023، تناول موضوعًا حيويًا، ويمثل إغراءً للحديث والبحث، حيث إنه تناول بالتحليل قضية مهمة لها تداعيات ضخمة.

وابتداءً، فإن هناك ثلاثة أخطاء كبرى – في تقديرنا – كما أشرت في المناقشات على مدار يومَي المؤتمر.

الخطأ الأول: أن يُنظر إلى هذه الحرب التي اندلعت على الأرض الأوكرانية، بأطراف دولية، بدأت لكي تنتهي بسرعة، بل هي بدأت لكي تستمر شهورًا قبل أن يستسلم الجميع بأن هناك نظامًا دوليًا جديد قد بدأ، وعلى الأطراف كافة أن تتعامل مع هذه الحقيقة.

الخطأ الثاني: حيث يخطئ أيضًا من يعتقد أن روسيا التي أعلنت الحرب على أوكرانيا، ستوقف الحرب إلا بعد أن تحقق أهدافها كاملة، دون نقصان على الإطلاق، وأنها كدولة كبرى أعدت العدة لذلك، حماية لأمنها القومي، حاضرًا ومستقبلًا.

الخطأ الثالث: حيث إنه من الخطأ التسليم، بأن روسيا تسعى إلى تحقيق أهدافها القومية الذاتية فحسب، بل إنها تخطط لكي تكون لهذه الحرب آثار إيجابية على العالم كله، وأن بيئة دولية وإقليمية في أنحاء العالم، بدأت تتخلق، على خلفية أن التغيير في النظام الدولي، لا يحقق مصلحة الأطراف الدولية الكبرى فقط، بل تنسحب على الدول المتوسطة، والصغرى، التي ترى أن مساحة أكبر في حرية الحركة تسمح لها بتحقيق مصالحها بصورة أفضل.

*     *     *

انقسم المؤتمر إلى أربعة محاور هي:

الأول: تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، على النظام الدولي القائم ومستقبله.

الثاني: تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، على المؤسسات الجيبوليتيك.

الثالث: تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، على المؤسسات والشعوب الأوروبية.

الرابع: تداعيات الحرب على القوى الإقليمية والمنطقة العربية.

فضلاً عن جلسة افتتاحية، وأخرى ختامية (ندوة نقاشية).

في الجلسة الافتتاحية التي أدارها أ.د. حسان الأشمر (الأمين العام للجمعية العربية السياسية)، تحدث فيها أ.د. جمال زهران (رئيس الجمعية)، وألقيت كلمات للأمين العام للجامعة العربية، ثم كلمة أ.د. بسام بدران، رئيس الجامعة اللبنانية، ولمركز دراسات الوحدة العربية (د. لونا أبو سويرح)، ألقاها د. جمال واكيم، ولمنظمة الألسكو ومعهد الدراسات والبحوث العربية في القاهرة (أ.د. محمد كمال- مدير المعهد).

تضمن المحور الأول جلستين، الأولى بعنوان: تداعيات الحرب على النظام الدولي، ترأسها أ.د. جمال زهران، وتحدث فيها 6 باحثين هم: أ.د. سماء سليمان، أ.د. هايدي غنيم – أ.د. رنا عبد العال – أ.د كميل حبيب، أ.د. شريفة فاضل – أ.د. هالة الرشيدي. والجلسة الثانية: بعنوان: (تداعيات الحرب على حلف الناتو وأمن الطاقة)، وترأسها أ.د. حسن جوني، وتحدث فيها (4) باحثين هم: أ.د. علي شكر – أ.د. نورة المجيم – أ.د. صفاء خليفة – أ.د. مولاي الطيب.

وتضمن المحور الثاني جلسة واحدة، بعنوان: تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، على مستوى الجيبوليتيك، وترأسها أ.د. علي شكر، وتحدث فيها أربعة باحثين هم: أ.د. هيلة المكيمي – عميد ركن د. حسن جوني – أ.د. إبراهيم المصري – أ.د محمد مرسي.

وتضمن المحور الثالث جلسة واحدة، بعنوان: (تداعيات الحرب الروسية/ الأوكرانية، على المؤسسات والشعوب الأوروبية)، ترأسها أ.د. نجاح الريس، وتحدث فيها سبعة باحثين هم: أ.د. ليلى نقولا – أ.د. دانه العنزي – أ.د رضا هلال – أ.د. أحلام فرهود – د. هويدا أبو العلا – أ.د. داليا رشدي – أ.د. عبد الرحمن الخفاجي – أ.د. هدى راغب.

وتضمن المحور الرابع جلستين، الأولى بعنوان: التداعيات على القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة العربية، ترأسها أ.د. محمد المصالحة، وتحدث فيها خمسة باحثين هم: أ.د. حسان الأشمر – أ.د. سناء حمودي – أ.د هبة جمال الدين – أ.د. رنا أبو عمرة. أما الجلسة الثانية بعنوان: (تداعيات الحرب على المنطقة العربية)، ترأسها أ.د. محمد سالمان طايع، وتحدث فيها (6) باحثين، هم: أ.د. محمد المصالحة – أ.د. مسعود شعنان – أ.د. وليد عيديش – أ.د. عثمان صالح – أ.د. نوف المعتوق – أ.د. مايا أبو ظهر – أ.د. غادة جابر. وكانت الجلسة الختامية بعنوان: مستقبل النظام الدولي والمنطقة العربية في ضوء الحرب الروسية- الأوكرانية، وترأسها أ.د. محمد كمال، وتحدث فيها ثلاثة عشر أستاذًا، وبدأ الحديث الدكتور محمد كمال، ثم د. جمال زهران، ثم د. ناصر قنديل (رئيس تحرير جريدة البناء اللبنانية) – د. حسان الأشمر – د. حسن جوني – د. علي شكر – د. محمد مصالحة – د. نجاح الريس – د. سماء سليمان – د. مسعود شعنان – د. محمد سالمان طايع – العميد/ د. حسن جوني – د. حنان أبو سكين.

*     *     *

يمكن القول إن هذا المؤتمر الرابع، كان بمنزلة نقلة موضوعية في دور الجمعية ورسالتها، في معالجة القضايا العالمية وتداعياتها على الإقليم العربي والشرق أوسطي الذي نعيش فيه ونتفاعل فيما بيننا.

كذلك فإنني أرى أن معالجة هذه القضية (الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة العربية وجوارها الجغرافي)، هي معالجة علمية من باحثين على أعلى مستوى علمي، من مختلف الجامعات العربية ومراكز البحوث في البلدان العربية. وسيتم تخصيص صفحات من هذا العدد، لنشر برنامج المؤتمر وأسماء المتحدثين وعناوين أوراقهم، والكلمات الأساسية في الجلسة الافتتاحية.

وانتهى المؤتمر، رغم أن القضية لا تزال مستمرة، وغير مرشحة للتوقف، كما يرى المحللون “السطحيون”، إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية، مستمرة لمدة قد تطول، وأنها قد تكون مقدمة لحرب عالمية جديدة، تكون الأولى في القرن الحادي والعشرين، إذا ما لم يستسلم الغرب لوجود روسيا والصين كقوى دولية معترف بها في النظام الدولي.

ومن ثم فالدمار هو الثمن لاستمرار الحرب وتحولها إلى حرب عالمية كبرى، قد تتحدد جغرافيًا، ويتسع مداها في كل مكان في العالم، ولننظر في هذه الآونة إلى ما يجري في وسط أفريقيا، وعلينا مراقبة ما يحدث.

كما أنه من التداعيات، تزايد مساحة حرية الحركة لعدد من الدول الصغرى، حسب موقعها من منظومة النظام الدولي والإقليمي، وتزايد دور الدول الصغرى بوجه عام، في مقابل فقدان سيطرة الدولة الكبرى عليها نسبيًا، وزيادة التنافس الدولي من الدول المتصارعة على شراء ولائها وتبعيتها، تحقيقًا للمصالح المتبادلة. كما أنه من الأهمية لفت الأنظار إلى ما يؤديه الدور الاقتصادي في إطار إعادة الهيكلة للنظام الدولي، ومحاولة ضرب “الدولار” الأمريكي، كعملة دولية، واستبداله بعملات أخرى، والقبول بمبدأ جديد هو المقايضة بالعملات المحلية فيما بين الدول الصغرى والدول الكبرى في الشرق مثل روسيا، والصين، فضلًا عن التعامل بهذه القاعدة فيما بين روسيا والصين والهند.

ومن ثم فإن الورقة الاقتصادية تفرض نفسها في الصراع الدولي، وهو ما لم يكن موجودًا في صراع ما بعد الحرب العالمية الثانية ولنصف قرن بعدها، حيث اقتصر الصراع على الجانب السياسي، والعسكري، وعدم الاقتراب من اتفاقية (بريتون) الأمريكية عام 1944.

كما سجل المؤتمر، رد الاعتبار إلى فرع الجيوبوليتيكي (الجغرافية السياسية أو جيواستراتيجي)، حيث إن جغرافية الصراع أضحت مفتوحة ولم تعد قاصرة على الحزام الجغرافي من روسيا إلى أوروبا.

وختامًا: أرى أن المؤتمر الرابع، قد فتح آفاق الحوار العلمي، وقراءة مستقبل النظام الدولي في ضوء هذه الحرب الروسية/ الأوكرانية، ورصد التداعيات على إقليمنا العربي بكل أمانة وموضوعية، ومراعاة الصالح العربي والأمن القومي العربي.

وقد خصصنا عددًا من الدراسات والأبحاث التي قدمت في المؤتمر الرابع يومَي 19 و20 أيار/مايو 2023 في بيروت، لتنشر في هذا العدد من المجلة مع عدد من الأبحاث الأخرى. حيث تم تحكيم هذه الأبحاث وإعدادها للنشر وفقًا لقواعد العمل في المجلة.

وستنشر الأبحاث المتبقية في العدد المقبل، بعد أن يتم تحكيمها وإجراء التعديلات المطلوبة.

ونقدم خالص الشكر والتقدير، لمركـز دراسات الوحـدة العربية، بقيادة د. لونا أبو سويرح (مديرة المركز)، على جهدها ومعها أسرة المركز، في إخراج هذا العدد.

والله الموفق..

1 تموز/يوليو 2023

أ.د. جمال علي زهران

رئيس التحريــر