يواصل مركز دراسات الوحدة العربية، بالتعاون مع معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي – سيبري، منذ عام 2003، ومع المعهد السويدي بالإسكندرية للعام الثالث على التوالي، إصدار الطبعة العربية من كتاب التسلُّح ونزع السلاح الدولي الذي يصدره معهد ستوكهولم لأبحاث السلام سنوياً، للعام الخمسين على التوالي؛ وهو كتاب سنوي مرجعي يغطي كعادته أبرز التطورات على الساحة العالمية في ما يخص قضايا التسلُّح والنزاعات المسلحة وعوامل التوتر وفقدان الأمن، فضـلاً عن عمليات السلام واتفاقات الحد من التسلُّح في العالم.

يتابع إصدار هذا العام من الكتاب، التطورات التسلّحية والأمنية في العالم عام 2018، وهو يرصد الوقائع والتحولات، والصراعات العسكرية والأمنية والاستراتيجية، ويعرض تطور حركة التسلُّح وتجارة السلاح أو الحد من التسلُّح، وتطور التقانات العسكرية والأمنية والمخاطر التي تواجه العالم على هذا الصعيد، كما يتابع ما حصل من إبرام اتفاقات جديدة على الساحة العالمية للحد من التسلح أو ما حصل من تراجع عن بعض الاتفاقات السابقة، فيقدم الكتاب بذلك مادة مرجعية للتطورات التسلُّحية والأمنية بالمعنى الواسع للكلمة تهم كل العاملين والمهتمين بالشؤون العسكرية والأمنية وشؤون التسلُّح والنزاعات، من باحثين وخبراء ودبلوماسيين وقادة وصناع قرار.

تحتل تطورات المنطقة العربية وجوارها، أو ما يسميها الكتاب منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، حيزاً مهماً من الأحداث والتطورات العالمية والإقليمية التي يغطيها هذا الكتاب، نظراً إلى ما تحتله هذه المنطقة من مكانة محورية على صعيد الصراعات المزمنة والحديثة، المتشابكة إقليمياً ودولياً، في قضايا التسلُّح والإنفاق العسكري والاستقطابات المحورية، والحروب والنزاعات المسلحة والإرهاب، ونزاعات الحدود والمياه، وهشاشة الأمن، وانكشاف الدول والمجتمعات فيها على التدخل الخارجي الإقليمي والدولي، وعلى التغيرات البيئية والمناخية وما تتركه من آثار في الأمن المائي والغذائي، وبالتالي في مستوى التنمية، في أماكن مختلفة من هذه المنطقة.

شهد عام 2018، الذي يغطيه هذا الإصدار من الكتاب، تطورات متعددة، مستمرة أو طارئة، أثّرت وتؤثّر، سلباً على الأرجح، في جهود السلام وحل النزاعات وبالتالي الحد من التسلّح في المنطقة العربية وجوارها. ومن أبرز القضايا الأمنية والسياسية المحورية المزمنة التي أثرت وتؤثر في أحداث هذه المنطقة وأزماتها وتهدد الاستقرار، وبالتالي في تصاعد عمليات التسلح والنزاعات العسكرية والأزمات المتنوعة فيها، هي القضية الفلسطينية، التي لا تزال تمثّل المعضلة الأساسية في صراعات المنطقة، مع استمرار إسرائيل في التنكر للحقوق المشروعة، ولو المجتزأة، للشعب الفلسطيني، والاستمرار في قضم ما تبقى لهذا الشعب من أرض فلسطين التاريخية، قاطعة الطريق على أي أفق لتسوية شبه عادلة للقضية الفلسطينية؛ كل ذلك بصمت فاضح، أو بموقف خجول في أحسن الحالات، للمجتمع الدولي، وبدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي أقدمت في 14 أيار/مايو 2018، على الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، وهي خطوة تأتي في سياق المساعي الأمريكية لإنهاء القضية الفلسطينية، سواء من خلال تشريع سياسة الاحتلال والاستيطان والتهويد التي تعتمدها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، أو من خلال دفع بعض البلدان العربية إلى التطبيع مع إسرائيل والتنازل عن المطالبة العربية بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في استعادة أرضه، أو أي أرض عربية محتلة أخرى، كالجولان السوري المحتل، الذي ما لبث الرئيس الأمريكي ترامب أن أقرّ في آذار/مارس 2019 بسيادة إسرائيل عليه وبحقها في الدفاع عن نفسها فيه. كل هذه السياسة المنتهكة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية، بل لأبسط شِرع حقوق الإنسان، هي التي دفعت وتدفع إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وإلى تصعيد النزوع إلى التسلح، وتشجيع سياسة المحاور المتواجهة، وتصعيد حدة التوتر بينها في المنطقة، على قاعدة الموقف من هذه القضية.

وفي هذا السياق شهد عام 2018 تطوراً آخر ذا صلة، ولا يقل خطورة في المنطقة، تمثّل بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وتصعيد إجراءات الخنق الاقتصادي ضدها والضغط عليها للتخلي عن برنامج الصواريخ البالستية، بما في ذلك صادراتها من النفط، الأمر الذي أدخل المنطقة في مرحلة جديدة من التوتر والتصعيد الذي ما لبث أن اشتد لاحقاً ليتخذ بعداً أمنياً، وبخاصة على مستوى إمدادات النفط، مع تعرض ناقلات نفط في منطقة الخليج للتفجير أو للاحتجاز؛ كما دفع إيران إلى تجميد بعض التزاماتها بالاتفاق النووي في ما يخص نسبة تخصيب اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي في برنامجها النووي السلمي.

على صعيد آخر، استمرت الحروب الدائرة في غير بلد عربي عام 2018، ففي سورية، استمر الصراع المسلح فيها على أكثر من مستوى من تداخل البعد المحلي والبعد الإقليمي والبعد الدولي في هذا الصراع، إذ في الوقت الذي استطاعت الدولة السورية تحقيق مزيد من النجاحات في حربها على الإرهاب وفي استعادة أراضٍ مسيطر عليها من جانب بعض الفصائل المسلحة، بمن فيها داعش، حيث استطاعت استعادة منطقة الغوطة الشرقية التي تمثل المعقل الأخير للمسلحين في محيط العاصمة دمشق، برز العامل الإقليمي والدولي أكثر في المناطق الشمالية – الشرقية من سورية، مع التدخل العسكري التركي في منطقة عفرين، أو مع إعادة تموضع القوات الأمريكية في مناطق النفط السوري شرق الفرات.

وفي اليمن استمرت الحرب الدائرة منذ سنوات حاصدة عام 2018 المزيد من الموت والدمار والجوع والمرض وانتشار الأوبئة في ظل حصار يؤدي إلى فقدان الأدوية والمواد الغذائية ومشتقات النفط، من دون أن يبدو في الأفق أي مؤشرات جدية إلى إنهاء تلك الحرب التي كانت سبباً إضافياً لتزايد معدل التسلح في المنطقة، وبخاصة من جانب الدول المشاركة في الحرب، من دون تحقيق أي مكاسب سياسية أو أمنية لها من ذلك، أو تحقيق مزيد من الأمن الإقليمي والبحري في المنطقة. كذلك الأمر في ليبيا، الذي عجزت الوساطة الدولية في تذليل العقبات أمام التوصل إلى تسوية بين الأطراف المتصارعة، في ظل تزايد تأثير الدور الإقليمي والدولي في ذلك الصراع.

وحتى اليوم، كل المؤشرات السياسية والأمنية تدل على أن معظم النزاعات السياسية والصراعات المسلحة في المنطقة ستستمر، وستستمر معها سياسات التسلح المبالغ فيه من جانب بعض دول المنطقة، في ظل استمرار معظم شروط التوتر والنزاع فيها، سواء المزمنة منها أم الحديثة، بدءاً بالقضية المحورية في المنطقة، أي الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي لم تستطع كل المحاولات الإسرائيلية والأمريكية إنهاءه، من خلال ما تطرحه من مبادرات لا تضمن الحد الأدنى من حقوق من الشعب الفلسطيني أو الحقوق العربية الأخرى، أو إنهاء حدة الاستقطابات والاصطفافات الإقليمية المبنية في كثير من جوانبها على اختلاف المقاربات حيال تلك القضية المحورية، التي ستظل على المدى المنظور، في ظل الرفض الإسرائيلي لإعادة الحقوق لأصحابها في فلسطين والمنطقة، السبب الرئيسي للتوتر وعدم الاستقرار وتفجر الكثير من النزاعات والأزمات، وبالتالي لتزايد وتيرة التسلح والعنف في المنطقة.

للحصول على الكتاب اليكم الرابط:

التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي: الكتاب السنوي 2019