[wonderplugin_carousel id=”1″]

عقدت هذه الحلقة النقاشية في مقر مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، يوم الخميس بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 2017. قدّمت الحلقة لونا أبو سويرح، وأدار الحوار يوسف الصواني. شارك فيها (بحسب الترتيب الألفبائي):

أحمد ملي                   أستاذ السياسات الدولية في الجامعة اللبنانية.

إميل خوري                كاتب فلسطيني.

أمين حطيط                 خبير ومحلل عسكري – لبنان.

حسام مطر                 باحث في العلاقات الدولية والدراسات الأوروبية.

رفعت بدوي                كاتب سياسي لبناني.

صلاح صلاح              عضو المجلس المركزي الفلسطيني.

فارس أبي صعب          باحث، ومدير التحرير في مركز دراسات الوحدة العربية.

كابي الخوري              مدير التوثيق والمعلوماتية في مركز دراسات الوحدة العربية.

كمال خلف الطويل        باحث وكاتب – لبنان.

لونا أبو سويرح           المديرة العامة لمركز دراسات الوحدة العربية.

مصطفى اللداوي          كاتب فلسطيني.

معن بشور                 كاتب سياسي، والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي.

نافذ أبو حسنة             صحافي وكاتب فلسطيني.

يوسف الصواني           أستاذ جامعي، ومدير الدراسات في مركز دراسات الوحدة العربية.

قدّمت الحلقة                لونا أبو سويرح

أدار الحوار                 يوسف الصواني

 

 

القدس ومستقبل القضية الفلسطينية

لونا أبو سويرح

المديرة العامة لمركز دراسات الوحدة العربية.

 

نلتقي اليوم للحوار حول «القدس ومستقبل القضية الفلسطينية» في حلقة نقاشية مصغّرة تعرض وتحلل أوضاع القضية الفلسطينية في ضوء القرار الأمريكي الأخير في شأن القدس وأبعاد هذا القرار وتبعاته، وموقعه في سياق تطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي بوجه عام.

بعد مرور قرن من الزمان على وعد بلفور المشؤوم، ما زالت رؤية هيرتزل والإرادة الصهيونية هما المسيطران للأسف على أرض الواقع؛ فقد أقام اليهود دولتهم وما زالت الأرض العربية محتلة. فلسطين ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني داخلياً انقساماً فلسطينياً – فلسطينياً، وتقييداً لحركة الأفراد والتجارة، وحصاراً شامـلاً منذ عشر سنوات لأكثر من مليوني مواطن يعيشون في قطاع غزة، فضـلاً عن تنامي الرقعة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، والمحاولات المستمرة لتهويد القدس والسيطرة على المقدسات وحرمان الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، حرية العبادة والحركة في القدس. وأخيراً تتم عملية اغتيال القدس أمريكياً من خلال الاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني والتهديد العلني لدول العالم بوقف الدعم والتمويل لكل من يعارض هذا القرار.

وعلى الصعيد العربي، أصبحت القضية الفلسطينية غائبة عن المشهد العربي اليومي، المزدحم بقضايا ساخنة وحروب مستعرة وحرب على الإرهاب من جهة، ومحاولات تشكيل تحالفات وعقد تسويات مع القوى العظمى في العالم، بما فيها الترويج علناً لصفقة القرن والتسوية مع إسرائيل، من جهة أخرى. كما أصبحت إسرائيل تتمادى علناً في قصف أراضٍ عربية في سورية وسيناء في مصر، بحجة رد عدوان أو مكافحة إرهاب. أصبح التطبيع علنياً – صحيح أنه على لا يزال على مستوى محدود لكن لم يعد يوجد خوف أو خجل من إعلانه والتباهي بأنشطة تطبيعية – والنظام الرسمي العربي مفكك ومحكوم بأولويات سياسية إقليمية ودولية ولم تعد القضية الفلسطينية تمثل أولوية له.

وأصبح الشارع العربي مثقـلاً بهموم أمنية واقتصادية، وحروب وتهجير أدت إلى تفاقم الإحباط وانحسار الشحنة الثورية تجاه القضية الفلسطينية. وما نراه الآن من تداعيات القرار الخاص بالقدس هو رد فعل متميّز من دون شك، لكنه محصور في ثلاثة أو أربعة بلدان عربية على الأكثر، وقد تنحسر هذه التداعيات تدريجاً إذا لم تتعاظم التحركات في حجمها وإذا لم تُطوّر آليات عملها لدعم الداخل الفلسطيني ودعم المقاومة بأوجهها كافة، ودعم الشارع العربي والمجتمع المدني العربي بكل أقطابه.

فلسطينياً، وبعد سبعة عقود على احتلال فلسطين، وخمسين عاماً على نكسة عام 1967، وأربعة وعشرين عاماً على كارثة أوسلو، لم يسجل الفلسطينيون مكسباً سياسياً ذا ثقل ليغير الأمر الواقع على الأرض، بينما عقدت دولتان عربيتان اتفاقيتين للسلام مع إسرائيل اعتبرتاها دولة جوار ولهما معها حدود مشتركة، واكتفت بعض الدول الأخرى بفتح مكتب تمثيل تجاري أو بصفقات سرية بل حتى علنية الآن، وأصبح الترويج للكيان الصهيوني ممارسة عادية في بعض الدول العربية رسمياً وشعبياً.

خسرت القضية الفلسطينية أنصاراً كثراً على المستويين العربي والدولي، وكسبت في المقابل أنصاراً جدداً من الغرب على المستوى الشعبي والبرلماني والأكاديمي، في غياب رؤية فلسطينية جامعة وتوجه فلسطيني موحّد نحو العرب وغيرهم. الوضع العربي الراهن والتحولات الإقليمية والدولية المتسارعة لها انعكاسات على القضية الفلسطينية التي كانت محور الصراع العربي – الإسرائيلي لعقود طويلة، وأصبحت الآن شأن فلسطيني داخلي فقط يتم استخدامها كورقة تفاوضية مع القوى العظمى من جانب بعض الأنظمة العربية كلما تطلب الأمر.

لا تهدف هذه الحلقة النقاشية إلى عرض الوضع القائم عربياً بتفاصيله وما حل بالقضية الفلسطينية على مدار قرن من الزمان منذ وعد بلفور وحتى الآن، لذا عرضته بصورة مجملة وسريعة حتى لا يكون الحوار منصباً على الوصف والتحليل؛ بل الهدف من هذه الحلقة هو أن نبدأ في بلورة تصوّر حول مستقبل القضية الفلسطينية في ظل التحولات الإقليمية والدولية الجارية، وطرح رؤية لإدارة الصراع الفلسطيني (العربي) – الإسرائيلي… أين سنكون بعد مئة عام أخرى من الآن؟ كيف نعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، ونعيد ديناميات تم قمعها وإحباطها، من خلال تحديد أولويات العمل للمجتمع المدني ودور مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني العربي بأبعادها المختلفة، في مواجهة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها القدس والقضية الفلسطينية بوجه عام.

نأمل اليوم في الخروج ببعض المقترحات التي نستطيع من خلالها بلورة رؤية مستقبلية لتطوير ودعم آليات المجتمع المدني عربياً وفلسطينياً، وتحديداً في مجالات التوثيق المنهجي والبحث للوصول إلى تراكم معرفي عن القضية الفلسطينية من خلال التكامل والتعاون بين مراكز الأبحاث والدراسات المختلفة والتعاون بين نخب الإعلاميين والمثقفين والتربويين والأكاديميين، للمساهمة في صنع السياسات العربية وبناء أجيال عربية واعية وبوصلتها فلسطين.

هذه الحلقة النقاشية ما هي إلا اللبنة الأولى، وأنا على ثقة بأن المناقشات ستقدم إلينا اقتراحات عملية نستطيع أن نبني عليها عملنا (كل في مجاله) في المرحلة المقبلة من الصراع العربي – الإسرائيلي.

المناقشات

1 – يوسف الصواني

لقد تحولت المنطقة منذ قرون، أو على الأقل منذ بدايات القرن العشرين، إلى الطرف المُتلقي، إذ لم تتمكن من أن تكون فاعـلاً حقيقياً خلال هذه الحقبة إلا لفترات محدودة كانت لها ظروفها الخاصة. لكن منذ عام 1940 على الأقل، ظلت القضية الفلسطينية تمثل أهم العناصر التي يمكن أن تُستخدم لتعريف العرب. وأعتقد أنه حتى على مستوى المنظمات الدولية، فالشغل الشاغل للمجموعة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات أو في إطار البلدان النامية في مجموعة الـ 77 أو غيرها، كانت القضية الفلسطينية دائماً في مقدمة اهتمام الدبلوماسيين والسياسيين العرب. وأعتقد أن السؤال الذي أمامنا اليوم هو، ما الذي يمكننا على الأقل هنا في مركز دراسات الوحدة العربية أن نقوم به؟ بصرف النظر عن التراكم النظري وحتى الحركي الذي شارك فيه المركز، من تأسيس مؤسسات ومنظمات عربية ودعم جهود وأعمال عربية لها علاقة بالقضايا القومية بوجه عام، وفي مقدمها القضية الفلسطينية، ولكن بدرجة أهم في توفير معرفة مختلفة لها علاقة بالقضية الفلسطينية.

لقد ركّز الإنتاج الفكري للمركز كثيراً على القضية الفلسطينية، لكن السؤال الذي كان يُطرح دائماً هنا في المركز: ما هو الأثر الحقيقي لهذا العمل؟ هل لمسنا نتائجه؟ هل له مفاعيل حقيقية على الأرض؟ واليوم نوجّه النقاش نحو هذه القضايا، ولكن بمقاربة مختلفة نناقش فيها كيف يمكن المركز هنا أن يساهم في إطلاق مجموعة من المبادرات على مستويات مختلفة ضمن هدف ورؤية محددين، تتعلقان بإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية أساساً، لكن هل يمكن ذلك أن يتم بمعزل عن الحديث في قضايا عامة لا تقل أهمية، مثل قضية الهوية، وقضية العروبة نفسها ومعانيها وتحدياتها وصياغاتها الجديدة، في ظل الحديث عن العروبة الجديدة؟

هذه كلها أسئلة يجب طرحها، ولكن قبل أن أفسح المجال لحضراتكم، لتقدموا إلينا مساهماتكم، أعتقد أن البعد المتركز على المجتمع المدني وما يمكن أن يقدمه من مساهمات ودور وما يمكن أن يُحفز على القيام به، هو بعد جديد تحدثنا عنه بصورة أو بأخرى في المركز. ولكن هذا أيضاً ينبغي أن يتم ضمن سياق فهم طبيعة المجتمع المدني وما هي السياقات التي يمكن أن تُعرِّف المجتمع المدني وتحدد مجالات نشاطه في هذه القضايا المختلفة، مع ملاحظة أن العامل المالي سطا على كل شيء، ومنها المجتمع المدني، الذي ربما هو من أكثر المتضررين منه في العقود الماضية

2 – فارس أبي صعب

نعقد هذه الحلقة النقاشية انطلاقاً من مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة إلينا، بغض النظر عن الهجمة الأخيرة التي استهدفت القدس. وقد دارت مناقشات في المركز خلال الأسبوع الماضي حول اعتماد مقاربة للتعامل وفقها مع القضية الفلسطينية، هل تكون مقاربة بحثية فقط تقوم على تحليل ونقد وتقييم ما حدث ويحدث في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي مقاربة أعتقد أنها باتت مكررة من جانب عدد كبير من الجهات المختصة، أم نخطو خطوات عملية على الأرض لتحقيق ما نصبو إليه في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ ننطلق هنا من واقعين على الساحة العربية، الأول هو الواقع العربي المفكَّك والمشرذم، المحكوم من جانب بعض الأطراف العربية المرتهنة كلياً للغرب ولحساباتها الخاصة، وقد قررت هذه الأطراف، بناء على مصالح شخصية، أن تغيِّر اتجاه البوصلة لدى العرب نحو اتجاهات أخرى تزيد من تفكيك المنطقة وشرذمتها. إذاً ماذا يمكننا، كمراكز دراسات ومجتمع مدني وقوى شعبية، أن نعمل من أجل التأثير بصورة أو بأخرى في النظام الرسمي العربي، وهو أمر صعب من دون شك؟ النقطة الأخرى الأهم هي واقع المجتمع العربي نفسه، الذي نعلّق آمالنا عليه، والذي كما تعلمون كانت القضية الفلسطينية، على الأقل حتى السبعينيات والثمانينيات، تمثل قضية محورية بالنسبة إلى الكثيرين فيه وإلى أغلبية الشباب العربي والأحزاب العربية والمثقفين العرب وغيرهم من شرائح. ما حصل بعد ما يُسمى «الربيع العربي» هو أن الشارع العربي ذهب، أو أُخِذ، نحو مكان آخر، وكلنا كنا نعتقد أن مصر عادت أو ستعود لتؤدي دوراً قيادياً في المشروع القومي العربي، بل ذهب البعض إلى حدِّ التبشير بعودة ناصرية جديدة تنبعث من الرماد لتنهض بالواقع العربي المفكّك. لكن، وبعد مرور 7 سنوات على «الربيع العربي»، لم نقطف منه أي ثمار حلوة، وكل ما قطفناه من ذلك الربيع كان مُراً. الآن ما الذي حدث وكيف أُخذ الشارع العربي، أو معظمه على الأقل، ليكون بعيداً كل البعد من أن تكون القضية الفلسطينية قضيته المركزية، على العكس، أُخذت الشوارع العربية في بعض الأقطار العربية إلى قضايا محلية مذهبية ومناطقية وجهوية وقبلية فضـلاً عن قضايا قطاعية محلية محددة.

نحن في مركز دراسات الوحدة العربية يجب أن نعمق دراساتنا للمجتمع العربي اليوم لنفهم كيف وصل إلى ما وصل إليه. ولكن ما يجب أن نفعله أيضاً، وهذا لا يتوقف على جهدنا وحدنا، هو كيف يمكن أن نشترك مع طاقات ومؤسسات ومرجعيات أخرى حية في المجتمع العربي من أجل تقديم رؤية عملية لإعادة استنهاض الشارع العربي تجاه القضية الفلسطينية وتجاه القضايا الكبرى الأخرى المترابطة. وفي رأيي أنه إذا ما استنهضنا الشارع العربي تجاه القضية الفلسطينية يمكن أن ننجح في استنهاضه أيضاً تجاه القضايا الكبرى الأخرى.

السؤال هو: ما الذي يمكن مركز دراسات الوحدة العربية وغيره من مراكز دراسات عربية أخرى، وبخاصة المراكز الملتزمة والجدية، القيام به لدعم القضية الفلسطينية، كيف يمكن أن نعمل معاً من أجل مراكمة عمل علمي بحثي بعيد من التكرار ويصب في صلب القضية التي نعمل من أجلها؟ ماذا يمكن أن نعمل مع فئات ومجموعات الشباب، وهي فئات لها بيئتها وأدوات التواصل الاجتماعي الخاصة بها. وبالتالي كيف يمكن أن نشبك مع هذا الجيل الجديد، ومع مؤسسات المجتمع المدني، (من نوادٍ ومنتديان ومنظمات وجمعيات واتحادات ونقابات مهنية ونخب ومرجعيات من مختلف الاختصاصات)، ماذا يمكن أن نفعل على مستوى البرامج التربوية والثقافية، من قصص وشعر وموسيقى ومسرح وأفلام، موجهة إلى مختلف الفئات العمرية، وماذا يمكن أن نفعل في الشارع ومع حركات المقاطعة. وبالتالي كيف يمكن مراكز الدراسات التعاون لإنتاج آلية حراك على مستوى المجتمع العربي، كل في قطاعه واختصاصه ولكن وفق رؤية تتمم أدوار هذه القطاعات وهذه الاختصاصات وتصب في إعادة استنهاض الشارع العربي تجاه القضايا الكبرى وبخاصة القضية الفلسطينية. مع التأكيد أن هذا التحرك على مستوى مراكز الدراسات والمجتمع المدني، يتكامل مع أوجه المواجهة الأخرى على الساحة العربية، وبخاصة ما يقوم به محور المقاومة في المنطقة في مواجهته المشاريع التي تقوم بها الولايات المتحدة وإسرائيل وأدواتهما في المنطقة.

3 – معن بشور

هل نحن فعـلاً في مرحلة انكسار أم في مرحلة استنهاض ونهوض؟ سؤال في غاية الأهمية، وبخاصةٍ أنني أعتقد أن كثيراً من نخبنا، ولو من دون قصد وعن حسن نية، أدوا دوراً في صناعة اليأس والإحباط لدى الجمهور العربي. نحن نجتمع اليوم قبيل ساعات من انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سابقة غير معهودة في تاريخها، بحيث هناك عالم كامل يتمرد على القرار الأمريكي وتضطر الولايات الأمريكية إلى التهديد علناً بوقف المساعدات. وهذا يعني أننا قطعنا شوطاً مهماً على المستويين العربي والدولي، حيث نشهد تحركات في غاية الأهمية.

الأمر الآخر الذي أعتقد أنه من اختصاص هذا المركز اليوم، الذي لم يهمل القضية الفلسطينية يوماً، وقد نظّم الكثير من الندوات والفعاليات حولها، أن يقدِّم إلى المناضلين في الشارع وإلى النخب في فلسطين والبلدان العربية ما يعمِّق وعيهم الفكري والنظري بما يجري. سأعطي مثـلاً واحداً، فكرة المقاطعة، أعتقد أننا جميعاً مجمعون على أن مقاطعة العدو وداعميه تمثّل بُعداً من أبعاد الرد على هذه الهجمة، وهي يجب أن تخرج من سياق ردود الفعل العفوية لتتحول إلى رؤية منظمة، وبخاصةٍ أن هناك في مجتمعنا العربي وعلى صعيد العالم، حركة انطلقت وبادرت وبات أعضاؤها ملاحَقين، لأنهم يرفعون شعار «مقاطعة إسرائيل»، وأقصد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS، وهذه مهمة أساسية. كما هناك مهمة فكرية على المركز أن يسعى لتعزيزها، وهي كيفية تطوير المقاومة العربية تجاه قضية فلسطين، داخل فلسطين وبلدان الطوق وفي العمق العربي والإسلامي. هذه تحتاج إلى برنامج يضعه المركز بالتعاون مع مراكز متخصصة أخرى، ليكون تحت تصرف المعنيين.

4 – نافذ أبو حسنة

أسأل نفسي، ما الذي تغيَّر منذ اتخاذ طرمب قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس حتى الآن. فلسطين كانت تحت الاحتلال والقدس تُقضَم بخطوات متسارعة، وإبعاد المقدسيين من المدينة مستمر. كل المشهد الذي كان موجوداً قبل خطاب طرمب مستمر بعد خطابه. ومن ثم جاء طرمب ليتخذ هذا القرار ونستيقظ نحن فجأة لنقول إن القدس تحت الاحتلال. وهذا غريب إلى حد ما. وهذا يدل على التعاطي مع القضية الفلسطينية بموسمية، حيث نحتاج إلى ما يحفزنا لننتبه إلى أن هناك واقعاً صعباً يجب مواجهته. منذ القرار إلى الآن، تراجع مستوى تغييب القضية الفلسطينية قياساً على السنوات الأخيرة الماضية.

النقطة الثانية هي تراجع مستوى شيطنة الشعب الفلسطيني، من القريب والبعيد والصديق والعدو، المهم أن هناك جوّاً كان يتفق على لوم الفلسطيني في كل شيء وهذا تراجع. المسألة الثالثة التي اكتشفناها هي في حدود الجغرافيا التي لم نعهد أن فيها هذا التأثير الفلسطيني، وحدثت عملية اختبار. أنتم تعلمون أن اللاجئين الفلسطينيين ذهبوا إلى أوروبا في موجات خلال مراحل متعاقبة منذ الحرب على لبنان ثم الحرب على سورية، حيث حدثت هجرة فلسطينية. وبحكم المتابعة الإعلامية، لاحظت أن هذه كانت مرحلة اختبار للشباب الفلسطيني والعربي، لهذا الجيل الجديد والجيل الذي سبقه. لكن مع أهمية هذه القضايا الثلاث، فهي تتسم في الوقت نفسه بالهشاشة، فالأمر يتعلق بقرار اتخذ بحق القدس والقدس تستفز، أي بمعنى أنها محفز كبير لجميع الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين والعالم.

لكن السؤال، هل نتوقف بناء على رد فعل مرتبط بالقرار، بمعنى ربط كل هذه الحركة القائمة الآن بموضوع القدس فقط؟ أنا أعتقد هذا أمر خطير بحد ذاته. هناك مسألة أخرى، وهي أنه يمكن التمسّك بحل الدولتين. هناك مخارج ومجالات لدى القيادات السياسية التي قد تحبط حالة التحفيز الحاصل من وراء قرار طرمب، وهذا أمر يجب أن ننتبه إليه. لذا يجب بناء الاستراتيجية على نحو مختلف، بمعنى عدم ربط التحرك بقرار طرمب، فالقضية الفلسطينية موجودة قبل قرار طرمب، وكل ما يحدث حول القدس من تهويد واستيطان مستمران، وبالتالي يجب أن تبنى الاستراتيجية على نحو مختلف.

وإذا كانت هناك انتفاضة أو عمل ما في فلسطين فستجلب تعاطف إسلامي وعالمي، فنقطة الارتكاز الرئيسية هي في فلسطين، فعندما يتحرك الشارع الفلسطيني كل شيء سيتغير. إذاً هذا يعني أن تكون الدعوة واضحة وصريحة، وهي انتفاضة شعبية فلسطينية شاملة شعارها دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط وليس تغيير قرار طرمب. قرار طرمب مسألة لحظية، لذا يجب التعامل مع المسألة بشموليتها كي نحفظ حقوقنا التاريخية.

5 – أمين حطيط

المنطلق إلى ما نحن في صدده هو الإجابة عن السؤال: أين نحن، وإلى أين نذهب، وماذا نريد؟ يجب أن نجيب عن هذا السؤال بموضوعية، ليس واقعنا كله سوداوياً وليس كله وردياً، لدينا ما هو قاتم ولدينا ما هو مشرق. لذلك علينا هنا أن ننطلق إلى السؤال التالي: أين أخطأنا وأين نجحنا؟ من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة نستطيع الوصول إلى المطلوب عبر نقد موضوعي للماضي وصولاً إلى وضع خطة ضمن الإطار العام الذي ينبغي أن نواجه جزئياته. وعلى هذا الأساس ننطلق من أجل تعزيز الإيجابيات التي حدثت ونحاول تطويق ومعالجة السلبيات التي وقعت.

من ناحية السلبيات، يجب أن نعترف أن هناك سلبيات قاتلة على الصعيد العربي، والإسلامي أيضاً، وبخاصة اللهاث نحو التطبيع، وما تجلى في قمة اسطنبول مؤخراً – للأسف الشديد – حيث استعملت هذه القمة عبارة القدس الشرقية أول مرة في أدبيات السياسة الإسلامية أو العربية. وبالتالي هناك سلبيات أخرى كثيرة يمكن فتح باب للحديث فيها.

أما في الإيجابيات فهناك عدة مسائل لا بد من لحظها: المسألة الأولى نحن في حالة أفضل كثيراً مما كنا عليه خلال السنوات الثلاثين الماضية. فالآن نحن لدينا أول مرة قدرة عسكرية ميدانية تستطيع أن تكسر خطة عسكرية ميدانية أمنية تستهدفنا. صحيح أن هذه القدرة غير متمثلة بالجيوش التقليدية التي تستطيع أن تفتح الجبهات وترسم خطوطاً وتحتل أرضاً أو تحرر أرضاً محتلة، لكن في الواقع لدينا مقاومة ذات قوة عسكرية وتستطيع أن تكسر قرارات مهمة يتخذها العدو.

المسألة الثانية هي أن القضية الفلسطينية عادت لتحتل مركز الصدارة في اهتمامات الأمة، سواء اعترفت الحكومات بذلك أم لم تعترف، وعلى هذا الأساس نحن نرى أننا ميدانياً حققنا انتصاراً، إعلامياً ونفسياً، واستعدنا القضية لتكون بالصدارة.

المسألة الثالثة، التجييش العالمي الذي يحصل اليوم ضد طرمب، تصوروا المقارنة بين صورة أمريكا في عام 1991 وصورتها اليوم، عام 2017. ففي عام 1991، كان يكفي الولايات المتحدة أن تنطق بكلمة حتى يصطفّ العالم كله خلفها. اليوم الرئيس الأمريكي يعلن بنفسه والعالم كله يواجهه، بمن فيه أوروبا، وهذا انكسار كبير للدور الأمريكي.

إذاً لدينا إيجابيات وسلبيات، المطلوب الآن من المركز والباحثين وأصدقاء المركز، الوقوف على السلبيات والإيجابيات القائمة كافة من أجل وضع خطة لتنمية الإيجابيات ومعالجة السلبيات. الأمر الأهم الذي نحن في صدده الآن هو عدم تجزئة القضية الفلسطينية والمطالبة بتحرير كل فلسطين لا القدس وحدها أو الضفة الغربية وحدها. إضافة إلى ذلك، على أن الشعب الفلسطيني أن يعزز قوته الشاملة الممكنة، لكي يكون الدعم الخارجي له مجدياً.

القوة الفلسطينية تتمثل بعناصر ثلاثة ينبغي أن ندفع باتجاهها: (1) عنصر نفسي – سياسي يقوم على التوحد حول شعار واحد يطالب بكل فلسطين؛ (2) وعنصر ميداني، يقوم على ضرورة تحرُّك الشعب الفلسطيني في الداخل، فظاهرة الطفلة عهد التميمي وحدها تساوي 20 مليون تظاهرة، حتى ظاهرة الشهيد إبراهيم أبو ثريا، المقعد، الذي كانت حركته بنصف جسد، تعادل تظاهرة مليون شخص؛ (3) وعنصر استراتيجي وهو توحيد وجهة الصراع، فلا عداءات إلا مع عدو فلسطين، وعدو فلسطين هو من يفرط بها، سواء كان عربياً أو مسلماً أو فلسطينياً، نحن كلنا بتنا نعرف ما سمي «صفقة القرن» بين الرئيس الأمريكي طرمب والملك السعودي سلمان، التي يأتي موضوع القدس كبند أول فيها. لذلك يجب أن نتحلى بكامل الجرأة لنظهر هذه الخطة التي تناولها الإعلام الغربي التي تبدأ بالقدس وتمر بالضفة الغربية وتصل إلى سيناء وتنتهي بتصفية القضية الفلسطينية. وبالتالي المطلوب استراتيجية عمل تنطلق من الواقع، بكل عناصره، نحو المستقبل، بكل متطلباته، وتحدد الوظائف والمهمات التي على كل منا أن يقوم بها.

6 – صلاح صلاح

أنا في الحقيقة متفائل ولكن لدي تساؤلات: هل نحن أمام انتفاضة أم لا؟ فكما سمعنا من تصريحات كبار المسؤولين في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، هم يراهنون على أن تكون هذه مجرد هبة جماهيرية، وهذا أمر اعتاد العرب حصوله – فهم يهبون هبة مؤقتة ثم يهمدون، فهل ما يحصل الآن هو هبة مؤقتة أم أنه انتفاضة. سؤالي الثاني يتعلق بدوافع هذه الانتفاضة، هل الدافع هو القدس فقط، أم أن القدس هي نقطة الانطلاق التي أفاضت الكأس. الانتفاضة الأولى كان السبب المباشر لاندلاعها دهس ثلاثة أشخاص بسيارة، بينما هي جاءت في سياق تراكم القمع على مدى سنوات. والسؤال الثالث، هل لهذه الانتفاضة استمرارية؟ أنا قناعتي أن ما يجري انتفاضة جماهيرية شعبية حقيقية. هذه الانتفاضة الجماهيرية لها عدة أسباب، أولها أن هناك قناعة عارمة في الشارع الفلسطيني والعربي ولدى المعنيين أن اتفاق أوسلو قد انتهى؛ والفلسطينيون يعانون قمعاً واضطهاداً مزدوجين (من الأمن الإسرائيلي والأمن الفلسطيني)، والشعب الفلسطيني ما عاد قادراً على تحمّل هذه الأوضاع، دع عنك الأوضاع الاقتصادية والديون المفروضة على قطاع غزة… إلخ. فما يعيشه الفلسطينيون يجعل الانتفاضة حالة حتمية وضرورة في وجه ظروف القمع والشعور بالفشل التي يعيشها الشعب تحت الاحتلال. إذا ما قابلنا ظروف اليوم بالانتفاضة الأولى للإفادة من تجاربنا السابقة، كان التصور الأولي لتلك الانتفاضة الأولى أنها ستدوم بضعة أشهر ومن ثم ستنتهي، إلا أنها استمرت 7 سنوات في ظل ظروف كانت فصائل المقاومة بأغلبيتها تعيش في لبنان في حالة من الإحباط واليأس والضياع، كان هناك حرب ضد المخيمات الفلسطينية في لبنان، والحكومات العربية رأت يومها أنه بعد خروج المقاومة الفلسطينية من فلسطين إلى لبنان انتهت القضية الفلسطينية. وفي ظل هذا الوضع، وفي ظل احتلال مباشر في الضفة الغربية، استمرت الانتفاضة 7 سنوات. الوضع الآن محكوم بظروف مختلفة: (1) الشارع الفلسطيني الآن لم يعد أمامه أي أفق سوى أن ينتفض ؛(2) وهناك توافق فلسطيني لم يكن متوافراً في الانتفاضة الأولى التي حصلت في ظل تنافر بين القيادة الوطنية الموحّدة وحماس؛ (3) ولم يعد هناك رهان على النظام العربي الرجعي الذي نسي القضية الفلسطينية؛ (4) وهناك محور مهم يمكن الاعتماد عليه، وهو محور المقاومة الذي صرح باستعداده للمساندة.

الأمر الآخر هو ضرورة الدخول في تقييم واقعي وموضوعي ودراسات بحثية علمية لتقييم مسار أوسلو وما الذي كسبناه من الرهان على الحل السياسي. وبالتالي، إذا كان ما نشهده اليوم هو نتائج الحل السياسي السابق (اتفاق أوسلو)، فكيف يمكن أن نخرج منه، وما هي الرؤية الاستراتيجية الجديدة في المرحلة المقبلة لفلسطين. وبالتالي يجب التوصل إلى رؤية علمية لذلك. النقطة الثالثة، هي أن النقد الذاتي العربي من الموقع القومي والوطني لا يتطرق إلى أبعاد ومخاطر المشروع الصهيوني، فالمشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين فقط بل كل المنطقة العربية. المشروع الصهيوني بدأ يتغلغل في الجسم العربي، وبالتالي كيف يمكن أن نعيد طرح المشروع الصهيوني بأبعاد جديدة بحيث يشعر الشارع العربي أنه مستهدف أيضاً، وأن الدفاع هو دفاع عن النفس وعن المنطقة العربية كلها، ففلسطين ضحية مشروع يستهدف كل المنطقة.

7 – مصطفى اللداوي

نحن الآن أمام مشهدين، الأول هو التَرَف والأحلام الوردية، والثاني هو كما نعلم أن الانتفاضة الفلسطينية في أسوأ ظروفها. أنا لست ممن يعتقدون بأن الانتفاضة هي في أحسن حال منذ ثلاثين عاماً، بل أرى أننا نعيش في ظل ظروف أسوأ مما كانت عليه منذ ثلاثين عاماً، الواقع العربي سيئ وكذلك الواقع الفلسطيني. لكن هذا لا يعني أننا محبطون، إذ أعتقد أننا نعيش أمـلاً حقيقياً ولدينا إمكان لتغيير هذا الواقع. نحن كفلسطينيين عرفنا أكثر من هبّة وانتفاضة. وهذه الأحداث دائماً ما تكررت، فدوما ما تتصاعد الأحداث في فلسطين ونسارع إلى تسميتها انتفاضة أو هبة. الواقع أننا عشنا أكثر من تجربة، ولكن نحن أمام انتفاضتين أساسيتين، الانتفاضة الأولى هي انتفاضة الحجارة التي امتدت على مدى سبع سنوات، والتي تمكن العدو للأسف من استثمارها سياسياً وأنهاها باتفاق أوسلو، وهي انتفاضة سلمية عشت كثيراً من أيامها وكانت الأرض تلتهب تحت أقدام الصهاينة، الذين كانوا يعجزون عن مواجهتها، وكانوا يجرون دراسات علمية يدعون إليها أساتذة وخبراء فلسطينيين ليفركوا معهم في كيفية القضاء على انتفاضة الحجارة تلك. والانتفاضة الثانية هي انتفاضة القدس عام 2000، التي أخذت منحى مسلحاً ولم تعش طويـلاً، وقد استطاع الإسرائيليون أن يستغلوها لتحقيق الكثير من مآربهم، فاحتلوا قطاع غزة وقسموه إلى ثلاث مناطق ودمروا جزءاً كبيراً منه، وكان شارون يحلم أن يدمر القطاع وأن يجبر شعبه على لجوء آخر ولكنه فشل. أما في الضفة الغربية، فما زلنا نعيش حتى اليوم آثار الاجتياح الإسرائيلي للضفة.

نحن إذاً أمام نموذجين للانتفاضة هما انتفاضة الحجر والانتفاضة المسلحة. واليوم ماذا نريد، هل نريد انتفاضة سلمية أم انتفاضة مسلحة نستخدم فيها كل ما لدينا من عتاد. أيهما أفضل بالنسبة إلينا؟ هل الاشتباك المسلح يخدمنا نحن الفلسطينيين أم يخدم الإسرائيليين. المقاومة اليوم في قطاع غزة في وضع حرج أمام الناس، ولكن أعتقد أننا بحاجة إلى البحث في هذا السؤال، فهل المقاومة ملزمة باستخدام السلاح لتتحول الانتفاضة من انتفاضة حجر شعبية سلمية إلى انتفاضة مسلحة ويقتحم الإسرائيليون قطاع غزة (أنا لا أجزم خياراتي ولكن أطرح أفكاري، لذا أعتقد أننا بحاجة إلى الإجابة عن هذا السؤال)، وبخاصة أن معظم الذين استشهدوا في هذه الانتفاضة هم من قطاع غرة. السلك الشائك في غزة يفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين أكثر من 300 متر، ولا يمكن لأي حجر أن تصل إلى نصف هذه المسافة الفاصلة، والشهيد إبراهيم أبو ثريا عندما استشهد كان فوق تلة عالية بعيدة جداً من السلك الشائك. نحن لا نريد أن نعبث بالشعب الفلسطيني، فهم عاشوا أكثر من هبّة، هبّة السكاكين، وباب الأسباط، والقدس، والسيارات، والدهس. وكلنا كنا نأمل أن تتحول تلك الهبات إلى انتفاضة، ولكننا فشلنا في هذه المراحل السابقة كلها. أعتقد أننا اليوم أمام تجربة جديدة تشبه التجربة الأولى عام 1987، وبالتالي علينا أن نفكر جدياً كيف نحوّل هذه الهبات إلى انتفاضة. مع العلم أن الانتفاضة الأولى مضى عليها خمسة أشهر قبل أن نبدأ بالحديث عن انتفاضة، بل عن تظاهرات تجتاح مناطق؛ وما كان من فلسطيني ابن تنظيم يعتقد أن هذه الأحداث ستستمر عدة أشهر، رغم أن شيمون بيريز قال في كانون الثاني/يناير 1988 إن هذه الأحداث ستستمر من ثلاث إلى خمس سنوات قبل أن يتحدث أي مسؤول فلسطيني عنها. إذاً نحن علينا أن ندعم هذا الحراك اليوم لأنه يحمل مقومات الانتفاضة الحقيقية.

من جهة أخرى، علينا الإقرار بأن الانتفاضات في الداخل لا يمكن أن تنجح إلا بإشراك عمل الفصائل الفلسطينية على الرغم من سلبيّات هذه الفصائل. المشكلة هي أن الشعب الفلسطيني هو شعب مؤطر، كله أبناء فصائل، فأبناء البيت الواحد ينتمون إلى فصائل متعددة. وبالتالي لا يمكن هذه الانتفاضة أن تمضي بعيداً إلا إذا اتفقت الفصائل الفلسطينية. والانتفاضة الأولى ما انتظمت حلقتها إلا حين تشكلت القيادة الموحدة التي ضمت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي بإطاريهما المنفصلين. وبالتالي إذا ما أردنا لهذه الانتفاضة أن تنطلق فعلى الفصائل الفلسطينية أن تمارس دورها بصدق وإخلاص بعيداً من الأهداف الضيقة. النقطة المهمة التي يجب أن ننتبه إليها هي حالة الانقسام الموجودة اليوم، وهي ظاهرة محبطة للشعب الفلسطيني. ولا بد من أجل المضي قدماً أن نتفق، لا بد من إنهاء الانقسام وتأليف قيادة موحدة أو عقل نابض لتنظيم الأحداث، أما ترك الأمر لوسائل التواصل الاجتماعي والشبان والجامعيين والجامعيات ومنظمات الحراك المدني والنقابات فلا يكفي، كونهم لا يدركون عوامل القوة ومواقعها، فنحن بحاجة فعلاً إلى الفصائل.

نقطة أخرى مهمة، هي أن الكل يطالب بانتفاضة وأن الكل بحاجة إليها لأنها رافعة حقيقية للأمة العربية والإسلامية وتعيد تصويب البوصلة نحو العدو الحقيقي، ولكن فلسطين للأسف، وبخاصة قطاع غزة، تعاني الفقر المدقع، ولا يملك الأهالي قوت يومهم أو أجور مواصلات ليوم واحد، البطالة في القطاع تتجاوز الـ 70 في المئة، ومتوسط الرواتب 1000 شيكل أو 300 دولار أمريكي. أما في الضفة الغربية فالأمور أسوأ. وبالتالي علينا أن نفكر أيضاً في كيفية دعم الانتفاضة، عبر عمليات التوأمة الأسرية مثـلاً، التي استطعنا من خلالها أن نورد مبالغ ضخمة لأهلنا في الداخل. ففي الانتفاضة الأولى أوقفنا العمالة كلها، التي تتجاوز في قطاع غزة وحده 120 ألف عامل.

8 – رفعت بدوي

طرحت الأستاذة لونا في مقدمتها سؤال: أين سنكون بعد مئة عام؟ أنا أود أن أتساءل أين سنكون بعد عام، وهذا ليس بكاء بل هو اعتراف بتقصيرنا. أنا متأكد أن العدو لم يكن يتوقع أن يصل لما وصل إليه اليوم لولا تخاذل الأنظمة كلها. كنت مؤخراً في مؤتمر في دمشق وتم الكشف عن وجود وثائق ومستندات لا تزال مدفونة حتى الآن في سراديب الخارجية البريطانية ستغِّير النظرة إلى وعد بلفور، الذي كان يمكن أن يظل مجرّد وعد لو لم يكن منفذوه هم الأمراء والمشايخ وزعماء القبائل العرب في المنطقة، الذين تلقوا وعوداً بإنشاء دول أو إمارات أو مشيَخات لهم، فهم لو تصدوا لهذا الوعد لبقي وعداً ولم يتحقق. اليوم نستطيع القول إننا أمام نشوة، ليس صحيحاً أن تاريخ الأمة كله هزائم، فعلى مدى السنوات والعقود الماضية أثبت التاريخ، كما قال السيد حسن نصرالله، أننا أمة نستطيع أن نغير المعادلة، وهذا أمر يجب أن نلتفت إليه جيداً. نحن اليوم في مرحلة تصاعدية وأمام انتصار مدو في المنطقة من حيث إفشال المشروع الأمريكي ولو كان بعيداً من فلسطين. نحن لدينا قضية عليا هي قضية فلسطين، ومن حقنا استخدام كل الوسائل المتاحة، بما فيها السلاح، لأنه لا شيء يؤتي أكله في هذه القضية إلا الصراع المسلح. لقد مررنا بانتصارات ولا يمكن العدو أن يهضم تلك الانتصارات في سورية ولبنان، والآن بات لدينا محور المقاومة يمتد من إيران إلى غزة، وهذا أمر يجب التعويل عليه. في موازاة مواجهة الدور السيئ للأمم المتحدة والولايات المتحدة والأنظمة العربية. ولتسليط الضوء على مظلومية الشعب الفلسطيني، يجب تسليط الضوء أيضاً على دور المقاومة، لأننا نحن اليوم في نهاية الأمر أمام رجحان كفة الميزان لمصلحة الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي سياسياً باعترافهم بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني. علينا ترجيح الكفة للانتصار على هذا التوازن وكسره، أنا لا أرى أي مجال لذلك إلا من خلال العمل العسكري وأرى أن الصدام قادم لا محالة، ولكن التوقيت يعتمد على الظروف. ولكن لا شيء يمكن أن يعيد الانتظام للقضية الفلسطينية والقضايا العربية إلا المواجهة العسكرية مع العدو الصهيوني.

9 – أحمد ملِّي

في البدء، الحركة الصهيونية عملت من خلال النظام الدولي، ونحن الآن يجب ألّا نتوّجه إلى النظام الدولي، بل علينا العمل من خلال استراتيجية متعددة الأطراف. البدء من فلسطين والجوار. يجب أن نعمل من خلال تعدد الأجهزة، ولا يكفي العمل من خلال المجتمع المدني فقط، هذا أحد أبعاد المواجهة. يجب البدء من الدول، المواقف الرسمية لوزراء خارجية الدول مؤثرة جداً. هناك أنماط يجب تبنيها. مثـلاً، يجب شيطنة أي طرف يشتغل في سياق صفقة القرن. من الناحية الإقليمية يجب العمل ضمن نطاق دائرة من مختلف المجالات. لقد حصل انزياح في النظام الإقليمي بعد عام 1973، إذ انتقل مركز الثقل في مركز النظام من مركز الثورة إلى مركز الثروة. لا يمكننا اليوم أن نعيد الثقل إلى مركز الثورة ولكن تبقى مرتكزات الإقليم العربي هي دائماً العراق ومصر. ومن الواضح جداً حَرَج النظام في مصر. أما على صعيد الدول، فيجب تعميم موقف تونس الذي جرّم التطبيع مع العدو. وعلى صعيد الدائرة الإسلامية، ففي تقديري أنه يجب متابعة الحراك في البلدان الإسلامية، مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان. إضافة إلى تطوير العلاقات المسيحية – الإسلامية. كما يجب ألّا ننسى الثقل الإسلامي في الهند والصين أو موقف الدولتين، فهما صديقتان.

10 – إميل خوري

كان أحد الزملاء يتكلم على الاعتصام الذي حصل في القدس أثناء احتلال المسجد الأقصى. أريد هنا طرح بضعة استفسارات حول الموضوع، لأنه أساسي: لماذا نزل الناس إلى الشوارع (120 ألف شخص) في القدس في 6 أيام ونصف اليوم وواجهوا إسرائيل وانتصروا عليها وأجبروها على سحب قرارها. واليوم الهبّة الكبيرة التي نتكلم عليها ليست بهذه الضخامة. أنا أريد أن نعطي قيمة قياسية للكلام الذي نقوله؛ فالكلام على 120 ألف متظاهر يعني بالأرقام أن هذا يحتاج إلى وجبة طعام ومياه شرب جاهزة لهذا العدد، وهذا يعني أيضاً أن هذه الحركات الشعبية وراءها تنظيمات. لماذا لا تتحرك هذه التنظيمات اليوم؟ الجواب هو أنه لا ثقة للناس بالقيادات السياسية الموجودة في الساحة. كان الناس ينتظرون من السلطة أن تعلن اعتصاماً، وما أعلنته السلطة في أول بيان لها هو 3 أيام إضراب فقط (أي أنها لا تريد التظاهرات). نستنتج من هذا الموضوع أن ما يحصل في فلسطين لا ينتشر إلى الخارج بتفاصيله. هناك قضايا بقياسات ملحمية تحدث ولا تُذكر في صحافتنا. مثـلاً، منذ نحو 4 سنوات، أرادت السلطات الإسرائيلية هدم قرية في الجنوب قرب بئر السبع اسمها العراقيب، فأصر الأهالي على البقاء فيها، فهدمتها قوات الاحتلال لكن أهاليها أعادوا بناءها، ثم هدمت من جديد وأعاد أهلها بناءها ثم استمر الأمر على ذلك نحو 120 مرة، وقلما تمت تغطية أخبار هذه القرية. أود أن أركز على نقطة حتى لو كانت نوعاً من التغريد خارج السرب، موضوعنا هو محاولة فهم الوضع حتى نتمكن من التخطيط للمستقبل. يجب أن ندرك أن جغرافية التأثير الدولي في المنطقة اليوم تختلف عما كانت عليه عام 1965، حيث كانت مصر حينئذ تمثل التقدمية والسعودية تمثل الرجعية، كان خط الحرب الباردة يمر عبر فلسطين ولكن هناك أناس معك وآخرون ضدك.

اليوم، أي عملية باتت بحاجة إلى مؤسسات تحتسب وتدرس الخيارات المتاحة بدقة، لأن القرار ليس وراءه موقف سياسي فقط، من الجميل أن ننادي بأننا سنفعل كذا وكذا، ولكن في آخر الشهر هناك فواتير مطلوب تسديدها. كيف سيواجه محمود عباس مرتبات وفواتير آخر الشهر اليوم عندما تأتي، الولايات المتحدة تحول المبالغ عبر البنك المركزي الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية وقّعت أحد الملحقات الذي يخوِّل إسرائيل حق الرقابة المالية، وكذلك المصرف الفلسطيني يرجع في مسؤولياته وعلاقاته إلى البنك المركزي الإسرائيلي.

أنا شخصياً لا أفهم فائدة الدعوة إلى المقاومة أو الانتفاضة لأنهما تعبيران لا يتطابقان في حالة فلسطين. المقاومة والدفاع عن النفس تعبير لغوي يعني الدفاع كرد فعل لأي هجوم غريب، وليس احتلالاً لدولة أخرى قائمة (مثل إسرائيل) أو تحرير دولة محتلة. أرى أن الانتفاضة يجب أن تتحول إلى ثورة، يجب أن نزيل من قاموسنا تعبيرَي المقاومة والانتفاضة وننتقل إلى المرحلة التالية، أي الثورة، بمعنى ألّا تكون تدافع عن نفسك بل أن تقوم بالهجوم، وهذا ما يحتاج إلى دراسة. وأنا على دراية بإمكان فعل ذلك. نعم نملك الإمكانيات العسكرية، ولكن يجب أن نضع استراتيجيات. في السابق كانوا يقولون انتظر الوحدة العربية لتحقيق أمل العودة، في بداية سنة 1966 نشرت مقالة في مجلة فلسطين بعنوان «الوحدة أمل العودة»، وتبعها مقالة أخرى بعنوان «التوريط الواعي». كيف يمكن أن تقنع القيادات العربية بالخروج من وزارات الدفاع الشديدة الجمال إلى الساحة لترى ما يحصل على أرض الواقع. في السابق كانوا يقولون انتظروا الوحدة ولكن اليوم الفلسطيني يتساءل، هل بإمكانه الانتظار للانتهاء من أوتستراد بيروت دمشق – بغداد – الصين؟ وبالتالي لماذا الانتفاضة وليس الثورة؟ يجب طرح كل الأسئلة ورفع الغطاء عن الممنوعات في الخطاب السياسي، لأنه ظل هناك محظورات كلما ظل النقاش مقفـلاً أو محدوداً.

هناك عدد من الجمعيات الفلسطينية في الداخل والخارج تُعد لحملة قانونية تنطلق في 2018 ورفع دعوى قانونية في شأن القدس وفلسطين تعتمد على القانون وتحاول أن تستصدر من محكمة العدل الدولية قراراً مشابهاً للقرار الذي أصدرته سابقاً حول إنشاء الجدار العازل في إسرائيل.

11 – كمال خلف الطويل

توجد أربعة أمور في طرحنا المسألة: (1) تحديد المهمة؛ (2) الآلية التي من خلالها نقوم بالمهمة؛ (3) أسلوب تناول المهمة وكيفية أدائها (4) معوقات المهمة.

بالنسبة إلى تحديد المهمة، يجب رفع شعار دحر الاحتلال وقطع الاستيطان بلا قيد أو شرط. طبعاً هذه مهمة صعبة وشعار ملحمي. لكن ما يجتمع عليه الفلسطينيون من شتى الفصائل والفئات كقاسم مشترك يجب أن يكون تخليص الضفة الغربية من براثن الاحتلال، وأن تكون هذه مهمة الجيل الحالي والجيل الذي يليه. وبالتالي يجب عدم المس بثوابت هذين الملفين بكل تضاريسهما. كما يجب الإجماع على عدم المس بثوابت 1948 وفكرة إجلاء الاحتلال الإسرائيلي لعام 1967. بالنسبة إلى الأسلوب، أعتقد أن تعبير الثورة الذي تفضل به إميل خوري هو تعبير مجازي، وأن الأسلوب الأجدى والأمثل هو عصيان مدني سلمي متدرِّج وشامل في الضفة الغربية، وعلى قطاع غزة التضامن. فجائزة إسرائيل الكبرى تكمن في الضفة الغربية، ونحن الآن أمام لحظة تاريخية أراها تسمح بذلك، فإن لم تُلتقَط وأنا أظنها التُقِطت، فنحن سنذهب إلى هاوية. بالنسبة إلى موضوع السلاح، فأنا أعترض عليه، لأن ما لدى الضفة الغربية من إمكانيات وقدرات لا يسمح إلا لعصيان مدني سلمي وشامل شرط ألا يقف أمن السلطة في وجهه. يجب ممارسة الضغط على السلطة، على الأقل لألّا تقف في وجه الشعب، وهذا أضعف الإيمان. ما حوامل هذا العصيان؟ هناك فعـلاً فصائل متجذّرة في الحالة الفلسطينية، على الرغم من السخط الهائل على هذه الفصائل والسلطة من الشعب، وعلى الفصائل أن تُقنع الناس بأنهم آلية متاحة يمكن تفعيلها وممارسة دورها. كما يجب عدم نسيان فاعليات المجتمع والتنظيمات القطاعية الأخرى، مثل النقابات والحراكات الشبابية… إلخ. إذاً العامل الشعبي الفلسطيني هو الأساس في هذه المسألة.

بالنسبة إلى المعوقات، هناك عاملان محلي وكوني. في العامل الكوني، على الرغم من التعاطف الدولي الواسع النطاق الذي نراه، سواء التظاهرات في الخارج أو بعض المواقف في الأمم المتحدة أو في أوروبا… فليس هناك من راع كوني للمسألة الفلسطينية الآن (ليس هناك اتحاد سوفياتي ولا صين شعبية ولا حتى حركة عدم انحياز متماسكة بمرجعيات قطبية تمثل العالم الثالث). العامل المحلي، وهو الأساسي، هو موقف السلطة التي توظّف 60 ألف مسلح يستطيعون أن يكوِّنوا عقبة، إن لم يتم تحييد مفعولها. كثيرٌ من الناس يعتقدون أن السلطة وباء للشعب ويجب اقتلاعها، ولكن أرى أنه بهذا المناخ الذي نحن فيه الآن نستطيع أن نستفيد من السلطة في مجال واحد غير إزاحة أمن السلطة عن وجوه الناس، فالسلطة لها لجنة دبلوماسية متاحة. هناك أمران مهمان جداً قد يعيلان بعض الشيء في موضوع الراعي الكوني، وهما: (1) كتلة الإسلام الآسيوي التي يمكن أن تكون راعياً كونياً لما لها من تأثيرات وعلاقات مهمة، مثل جكارتا وتركيا وباكستان وغيرها… وهذا العامل ذو علاقة وطيدة بالشارع الفلسطيني حيث يتقوى بموقفه والعكس صحيح. فالفلسطيني يتشجع حين يرى هبات من هذا النوع والتضامن الخارجي معه. (2) محور المقاومة برأسه الإيراني، الذي لا داعي إلى التفصيل في هذا الموضوع أكثر، ولكن يجب ألّا نسي الدور التركي أيضاً. بالنسبة إلى موضوع القدس، يجب عدم التركيز فقط على العامل الديني، ولكن لماذا التركيز على القدس وليس غيرها، لأنها تختزل 3 عوامل في مضمونها، الديني والوطني والقومي.

12 – كابي الخوري

منذ سنة صدر القرار 2334 من الأمم المتحدة حول الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عام 1967، ولأول مرة لم تستخدم الولايات المتحدة الفيتو، ولكن لم يتم استغلال هذا الموقف منذ سنة حتى أتى طرمب وقرر نقل السفارة إلى القدس. باختصار نحن لا نستطيع أن نعوّل على الموقف العربي، نحن أمام دول عربية تفتقر إلى الشرعية، غارقة في الانقسامات والصراعات العربية – العربية وغارقة في التبعية. لم يبقَ أمامنا إلا المقاومة، المقاومة بكل أوجهها، سواء السياسية أو العسكرية أو الإعلامية، لا بد من المقاومة لكي نتمكن من الصمود.

13 – لونا أبو سويرح

أنا بدأت الجلسة طالبة عدم توصيف الحالة، ولكن لا يمكن وضع خطة استراتيجية أو عمل من دون توصيف الحالة. وأعتقد أننا جميعاً، سواء هنا أم في الخارج، نتفق على توصيف الحالة من الوضع الحالي الراهن. أود فقط توضيح نقطة طرحت عدة مرات، القدس ليست هي محور نقاشنا وحدها اليوم، بل هي محطة من محطات نضال الشعب الفلسطيني لحقوقه التاريخية. هدفنا اليوم ليس الرد على طرمب، طرمب مرحلة وتمر، وسيأتي غيره، السياسة الأمريكية تبقى ذاتها ولم تتغير منذ 70 سنة، إسرائيل لم تتغير.

بالنسبة إلى الأمم المتحدة، التي ذكر بعضكم أنها متخاذلة، هي دائماً ما كانت متخاذلة. أنا عملت 20 سنة في الأمم المتحدة، وفي أول لقاء لي مع الأمين العام كوفي عنان أُحبطت، حيث كان يتفقّد مقر الأمم المتحدة في غزة، ومن ثم حين حان وقت طرح الأسئلة وجدت نفسي الوحيدة التي لديها أسئلة، فقلتُ له إن هناك قرارات دولية تدين الاستيطان وقرارات أخرى لها علاقة بالشأن الفلسطيني منذ سنة 1947 وحتى اليوم، فما هو دور الأمم المتحدة في العمل على تنفيذ تلك القرارات ومتابعتها؟ طبعاً لم يكن يتوقع سؤالاً كهذا، فقال نحيي الشابة الفلسطينية الشجاعة، ووقفت بانتظار جوابه، فقال: الأمم المتحدة لم تنشأ لتنفيذ القرارات، الأمم المتحدة هي هيكلية تضم الدول الأعضاء، والتنفيذ يقع على الدول الأعضاء. وبالتالي كانت عندي رؤية واضحة من الأساس حول عدم جدوى التعويل على المجتمع الدولي.

في الخلاصة، ناقشت هذه الحلقة أوضاع القضية الفلسطينية في ضوء القرار الأمريكي الأخير في شأن القدس وأبعاد هذا القرار وتبعاته، وموقعه في سياق تطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي والوضع العربي بوجه عام. ثم ركزت الحلقة على مناقشة الخطوات العملية التي يمكن بلورتها في إطار رؤية استراتيجية لاستنهاض القضية الفلسطينية عربياً ولتعزيز شروط صمود الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل تحرير أراضيه. وقد قدم المشاركون رؤى مختلفة ومتنوعة حول العوامل المؤثرة سلباً وإيجاباً في مستقبل القضية الفلسطينية. وشدد المشاركون على أن أي رؤية استراتيجية لاستنهاض القضية الفلسطينية، فلسطينياً وعربياً ودولياً، يجب أن تكون مبنيّة على فهم للسلبيات والإيجابيات وعلى تحليل منهجي معمّق للواقعين الفلسطيني والعربي.ومن أبرز العناوين التي ناقشها المشاركون في إطار هذه الرؤية هي التالية:

1 – دعم الحراك الشعبي الفلسطيني.

2 – تعزيز الوحدة الفلسطينية.

3 – إعلان إنهاء ما يسمى «مسار أسولو».

4 – التوحد نحو هدف واحد وهو فلسطين كلها من النهر إلى البحر.

5 – العمل الفكري المنهجي البحثي للتوثيق وللتقديم للمناضلين داخلياً وخارجياً ما يعمق فكرهم ووعيهم.

6 – المقاطعة (BDS) بكل أوجهها.

7 – آليات دعم الداخل الفلسطيني لتستمر الانتفاضة، وجميع أشكال المقاومة، مع الأخذ في الحسبان الحصار الاقتصادي والسياسي للداخل الفلسطيني.

8 – حملة إعلامية لتهيئة الرأي العام العربي.

9 – العمل على تطوير العلاقات وتوثيقها مع الدول المختلفة الصديقة والبعيدة.

10 – الانتقال من مرحلة الانتفاضة أو المقاومة بهدف الدفاع عن النفس إلى مرحلة الثورة والمبدأ، والانتقال إلى العصيان المدني الشامل في الضفة الغربية.

11 – الاستفادة من السلطة كأداة تنفيذية في الحراك الدبلوماسي.

12 – تفعيل دور الشباب والمرأة من خلال أبحاث وندوات فكرية.