ملخص

يقلص الذكاء الاصطناعي المسافات في ما يتعلق بالإمكانيات المرتبطة بفهم الوقائع، وتحليل البيانات والمعطيات، إلى حد تتجاوز فيه تطبيقاته الإمكانيات البشرية في هذا الباب. وإن تتباين استعمالات ومجالات توظيف الذكاء الاصطناعي، فإن تداعيات استعماله على الأمن القومي للدول يبقى من ضمن الأمور التي تستأثر باهتمام الباحثين.

فالذكاء الاصطناعي، الذي يتجاوز الإمكانيات الفكرية والتصورية للبشر، يجعل البشر نفسه يتساءل عن الأمد الذي يمكن لهذه التطبيقات أن تبلغه؟ وهل يتعلق الأمر بالسعة الزمنية؟ أم بالمجال كمكان؟ أم بأمور أخرى لا يعلم البشر تجلياتها المستقبلية والمحتملة؟

الواقع أنّ الذكاء الاصطناعي، بحكم تجلياته الحالية يجعل المتابعين يطرحون أسئلة حول إمكانياته المستقبلية، وخصوصًا في ما يتصل بالتجسُّس، وتهديد الأمن القومي للدول، وقد لاحظت دول متعددة هذا مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، وعبَّرت عن شكوكها مع التعبير عن المخاطر الممكن ورودها مستقبلًا، ولا سيما في حالات انفلات هذه التطبيقات التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي، مع إمكان ورود شكوى وملاحظات أخرى من دول مغايرة، وهي بطبعها صاعدة كالهند والبرازيل.

مقدمة

يعدّ انطلاق الثورة الصناعية مع نهاية القرن الثامن عشر بمنزلة الشرارة التي غيَّرت من حياة الإنسان[1]، فمنذ تلك اللحظة، يعيش العالم في ظل تطورات متوالية في شتى المجالات. إلّا أنّ التغيير الجذري هو ما أحدثته الثورة الصناعية الرابعة الناتجة من الذكاء الاصطناعي، فقد غيرت كثيرًا من المفاهيم والتصورات حول العالم، كما أنّ طريقة تدبير كثير من الإشكاليات والقضايا، أصبحت مختلفة اليوم بفعل ممكنات هذا الذكاء الخارق للعادة والذي يتجاوز في كثير من الأحيان قدرات العقل البشري، سواء في سرعة تحليل البيانات، أو في سرعة الإجابة عن الأسئلة المطروحة، أو في الطرائق المبتدعة التي يتناول بها المعطيات والأسئلة.

ينسحب الذكاء الاصطناعي على خصائص معينة، تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، ومن أهم هذه الخصائص القدرة على التعلم، والاستنتاج، ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة[2].

إنّنا نعيش اليوم في عصر التقنية الرقمية، عصر تغيرت فيه الكثير من المفاهيم والمعتقدات والسلوكيات، وظهرت أنماط أخرى ومصطلحات جديدة بدلًا من القديمة، “كالمواطن الرقمي، والحياة الرقمية”، وأصبحت واقعًا جديدًا، وسمة تطبع القرن الحادي والعشرون، كون معظم سكان الأرض متصلين بالإنترنت، كما أنّ التقنيات الحديثة متاحة للجميع، يستفيد منها المواطن العادي، ونخبة المثقفين والسياسيين، وجميع القادة في العالم. بل أكثر من ذلك، أصبحت التقنية الرقمية مصدرًا للمعلومات، ومصدرًا للدخل، ومصدرًا لقوة بعض الدول، وهو ما يجعلنا أمام عصر رقمي ونظام عالمي جديد، فيه للتقنية دور ونطاق وفاعلية في رسم خطوط المستقبل.

لذا، فمعظم دول العالم، ولا سيما دول العالم الثالث أمام صدمة واندهاش يوميّ يجعلها لا تستوعب طبيعة التطورات التقنية الحاصلة في العالم وسرعتها، فهي دول تعيش في غموض هوياتي، لأنّ التقنية تفرض عليها هويات جديدة وحروبًا وثورات افتراضية، لا تكاد تتأقلم وتتكيف مع تقنية حتى تظهر تقنية أخرى، فالثورة التقنية لم تعد وهمًا  وهو ما يجعلنا أمام لحظة محفوفة بالمخاطر لما تنطوي عليه من إعادة تشكل مستقبل كل شيء بصورة جذرية، خيرًا كان ذلك أم شرًا، كما فعل الإنترنت بعد انتشاره.

من هنا، فإن أبرز تحدٍّ يواجه العالم اليوم، هو التوزيع المتكافئ للاستفادة من الثورة التكنولوجية، إذ هناك فجوة رقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية، وكذا داخل المجتمع الواحد، فليس هناك توزيع متساوٍ بين الذين يعيشون في الحواضر وبين المناطق الريفية والنائية.

بيد أنّ، التقدم والتطور العلمي والتكنولوجي لم يتوقف عند حدود الرقمية التقنية، بل عززها بتقنيات أكثر تطورًا، فأصبح الذكاء الاصطناعي (AI) بسرعة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وأدى إلى تغيير طريقة عملنا والتواصل والتفاعل مع العالم من حولنا.

مع استمرار تقدم الذكاء الاصطناعي وزيادة تطوره، من المهم مراعاة المخاطر والعواقب المحتملة المرتبطة بتطويره، ولا سيما أنّ معظم الأشياء التي نمارسها في الحياة اليومية في هذا العصر ترتبط بشكل أو بآخر بأمن المعلومات، هذا الأخير الذي يتأثر بالثغرات الأمنية التي تواجهه.

من المفيد أن نتعرف إلى بعض الحوادث التاريخية للثغرات الأمنية الإلكترونية على مر السنين، حتى ندرك أهمية المتطلبات التنظيمية، ونتعرف إلى المخاطر المرتبطة بأمن المعلومات[3]، وفي أدناه بعض حوادث أمن المعلومات التاريخية، التي حدثت في الماضي كتطوير تقنيات الإنترنت الرئيسية (TCP and IP)  سنة 1981 [4]؛ وعصابة 414 في سنة 1982-1983[5]؛ ودودة موريس الخبيثة[6]؛ ونظام ويندوز 1995-1998[7]؛ وقانون إمكان نقل التأمين الصحي والمساءلة[8]؛ وILOVEYOU فيروس[9]؛ وقانون ساربينز أوكسلي (Sarbanes–Oxley Act)[10]؛ والهجمات الإلكترونية على شركات التجزئة[11]؛ وهجمات الامتناع عن الخدمة في جورجيا[12]؛ والاختراقات الحاسوبية لمقاولي وزارة الدفاع المسؤولين عن تطوير مشروع الطائرات المشتركة[13]، وغيرها من الاخترقات[14].

إنّه من الصعب التحكم في آلة فائقة الذكاء، أو غرس فيها قيم متوافقة مع الإنسان، كما يعتقد الكثير من الباحثين أنّه سيكون من الصعب جدًا مواءمة الذكاء الفائق مع النطاق الكامل للقيود وللقيم الإنسانية المتعارف عليها.

لذلك، سوف نلقي نظرة عامة وشاملة على بعض المخاطر المصاحبة للتطور غير المنضبط للذكاء الاصطناعي، على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وبذلك سنسلط الضوء على المخاطر المحتملة التي يجب أن نضعها في الاعتبار بينما يواصل البشر تطوير هذه التقنيات القوية والاعتماد عليها، ولا سيّما كون هذه التقنيات فتحت إمكانيات تصورية لفهم هذا النزوع الجديد، وإذ ظهر هذا الذكاء المصطنع بتجلياته الحالية مع ممكناته المستقبلية، فإن هذا الذكاء المستند إلى الآلة في بناء تصوراته المحتملة يشي بأمور في عمومها غير متوقعة.

من هنا، نتساءل عن إشكالية شديدة الأهمية مفادها، البحث عن إجابات علمية، وحلول عملية وواقعية لما يمكن فعله زمن إعمال تقنيات من هذا القبيل في قضايا ترتبط بضمان الأمن القومي للدول؟

أولًا: تجليات الذكاء الاصطناعي، المعنى والممكنات

يعيش العالم ثورة غير مسبوقة مع التجليات الجديدة للذكاء الاصطناعي، فالأمر يتجاوز المكننة، كما يتجاوز قدرات الإنسان في إمكان معالجة المعطيات بطريقة سريعة وأحيانًا فعّالة، على أساس أن  الذكاء الاصطناعي يهدف إلى جعل الحاسوب، أو الآلة بصفة عامة، تكتسب صفة الذكاء ويكون لها القدرة على القيام بأشياء ما زالت إلى عهد قريب حصرًا على الإنسان كالتفكير والتعلم والابداع والتخاطب[15].

إلّا أنه، ورغم كون الحواسيب تمتلك القدرة على حل أكثر العمليات الرياضية تعقيدًا وأسرع ملايين المرّات من الإنسان، فهذا لا ينفي وجود مشكلات قد تنتج من استعمال الذكاء الاصطناعي في معالجة أمور كان الإنسان هو الذي يدبّرها ويعالجها.

لذا، إذا كان عصر السرعة أصبح يفرض إعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتدبير ما يمكن تدبيره، لكن هذا ليس بشكل اطلاقي وانّما مرهون أن يكون بطرائق لا تضر بالإنسان، أو بالدولة، كما بالأمن القومي للدول.

فالعالم الرقمي ينمو بسرعة، وتنمو معه المخاطر، حيث هناك تهديدات إلكترونية متزايدة التعقيد، بدءًا من هجمات الصيد الاحتيالي وصولًا إلى الهجمات المعقدة ببرامج فيروسية. وفي ظل هذا المشهد، لم تعد وسائل الأمن المعلوماتي التقليدية التي تعتمد على آليات دفاعية ثابتة، مثل جدران الحماية وبرامج مكافحة الفيروسات والتحديثات الأمنية اليدوية، والتي غالبًا ما تتفاعل مع التهديدات بعد وقوعها. ولكن مع ظهور الهجمات الإلكترونية المتطورة، أثبتت هذه الأساليب أنها غير كافية.

1- ماهية الذكاء الاصطناعي من الفكرة إلى الفعل

بات مصطلح “الذكاء الاصطناعي” كثير الاستخدام هذه الأيام، إلى درجة أنّ البعض، أصبح يتخوف من أنه قد يعني سيطرة الآلات واضمحلال دور البشر، رغم أن الواقع ما يزال بعيدًا جدًّا عن الاقتراب من هذا التصور، حيث يعرف الذكاء الاصطناعي، بأنّه الذكاء الذي تبنيه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنساخ ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، كما يقترن في سياقات أخرى باسم حقل أكاديمي، يُعنى بكيفية صنع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكي[16].

عمومًا، ما زال التطور الحاصل في هذا المجال مستمرًا، فبين الفينة والأخرى تظهر لنا أجيال جديدة من هذه التقنيات وهو ما يرمز إليه الحرف G (Génération).  فالجيل الأول هو الجيل الذي اختص بنقل المعلومات – وبخاصة الصوت – بصورة موجة جيبِية في الاتصالات وهذه الموجات كافية لنقل المحادثات.

بعد ذلك، ظهرت أجيال متطورة أضافت البيانات إلى خدمة الاتصالات المعروفة كالأنترنت ضمن هذا الجيل، ومن ثمّ توالت الأجيال لإضافة عدد أكبر من البيانات من صور وفيديو، ولا سيما ما تضمَّنه الجيلان الثالث والرابع، وبعدها صدر الجيل الخامس الذي زاد من كمية البيانات والتطبيقات عليه، لكن في الوقت نفسه زادت الأخطار الأمنية فيه[17].

أمّا لجهة الاستراتيجيات المعتمدة قصد ضمان الأمن الرقمي، فهي الأخرى تجاوزت أساليب الحماية التقليدية، ونهجت أساليب أكثر استباقية وتكيّفًا قائمًا على الذكاء، بخلاف الأمن السيبراني التقليدي، الذي يركز على آليات الدفاع القائمة على رد الفعل؛ فالأمن السيبراني الحديث يدمج بين الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML)، كما يوفر المعلومات المرتبطة بالتهديدات وتحليلها في الوقت الفعلي لاكتشاف التهديدات السيبرانية ومنعها وتحييدها قبل أن تتسبب في ضرر كبير[18].

ممّا سبق، نخلص إلى أنّ الإنسان قد يتداول أفكارًا متباينة، بعضها يكون في زمنها طوباوية مبنية على الخيال أحيانًا، وعلى التوقع في أحايين أخرى، وكثيرًا ما يفكر الإنسان في أمور قابلة للإنجاز فيدفع بها تجليًّا كائنًا في الواقع. فقصة الذكاء الاصطناعي التوليدي بدأت عام 1966، حينما ابتكر عالم الحاسوب الألماني، جوزيف وايزنباوم، في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، برنامج “إليزا” وهو أول تقنية تسمح بمحادثة بين البشر والآلة.

ويعَدّ برنامج “إليزا” أول روبوت محادثة يعمل بالذكاء الاصطناعي، أطلق عليه اسم (chatbot)، واستخدُم حينها للقيام بمهمة معالج نفسي وهمي، يحاكي البشر ويتفاعل معهم، تمامًا كما يفعل الذكاء الاصطناعي التوليدي هذه الأيام.

وقد استوحى وايزنباوم اسم البرنامج “إليزا”، الذي أسّس لفكرة الذكاء الاصطناعي التوليدي من شخصية، إليزا دوليتل، في مسرحية “بجماليون” للكاتب المسرحي، جورج برنارد شو، عام 1913. وكم تلقينا أفلامًا تتوقع أمورًا لم تكُ ممكنة زمن التلقي، ولكنها أصبحت حقيقة فيما بعد، وتعَدّ الربوتات والذكاء الاصطناعي من ضمنها[19].

الواقع أنّ تاريخ البشرية قد شهد الكثير من التحولات الثقافية والمعرفية الكبرى، والتي أثرت في تطور الوعي البشري، هذه التحولات ليست مجرد تغييرات طفيفة في الأفكار أو القيم، بل هي ثورات فكرية ونقلات نوعية أعادت تكوين الطريقة التي يفكر فيها البشر ويفهمون بواسطتها العالم. ومن خلال هذه التحولات، تغيَّر وعي الإنسان تجاه ذاته، وعلاقاته بالآخرين، وفهمه للطبيعية والكون[20].

ولما كان العالم يعيش على وقع تحول تكنولوجي جديد ومغاير بفعل ذكاء مصطنع يستند إلى الروبوتات والتكنولوجيا الناتجة من التقنية، فقد بات من الضروري معرفة تأثير هذه التكنولوجيا الجديدة في الإنسان والبنيان، وفي الأنساق والدول وكل ما يرتبط بهما. لذلك، فالأمن القومي للدول معني بهذا التطور الجديد الحاصل.

2- ممكنات الذكاء الاصطناعي، وقدرته على إعادة فهم المجالات

يكشف الذكاء الاصطناعي عن ممكنات غير مألوفة في السابق، رغم الإشكاليات التي يطرحها، فتتباين طرائق التوصيف والتوظيف بالطبع، إذ إن من ضمن ما يكشف عنه هذا التجلي التكنولوجي الجديد هو وجود نظم حديثة، وقدرة خارقة على فهم المعطيات وتحليلها بناء على خواريزميات يستطيع فهمها وتفكيك المعطيات بناء عليها.

أ- نظم الخبرة

إن نظم الخبرة (Experience Systems) هي برامج حاسوبية تقلد إجراءات الخبراء في حل المشاكل الصعبة، فيتم تحويل خبرات الخبراء إلى نظم الخبرة ليستفيد منها المستخدمون في حل المشكلات، ويرى المستخدمون أنّها نظام معلومات يستند إلى المعرفة، فيستخدم معرفته حول التطبيقات الخاصة والمعقدة ليعمل كخبير استشاري للمستخدمين التائهين، إذ إن الغرض الأساسي من نظم الخبرة هو مساعدة الإنسان في عمليات التفكير وليس تزويده بمعلومات.

بالتالي، تجعل نظم الخبرة الإنسان أكثر حكمةً، وليس معرفةً فقط، ويُنظر إلى نظم الخبرة بأنّها هندسة للمعرفة، وذلك من خلال وضع معرفة الخبراء في برامج حاسوبية لإنجاز بعض المهام، فضلًا عن كونه علمًا وهندسة صنع مكامن ذكية ولا سيما صنع برامج حاسوب ذكية. وهنا يشير بير (beer) إلى أنّ نظم الخبرة، تستخدم قاعدتها المعرفية لصنع قرارات وتنجز مهام بطريقة تحقق هدف المستخدم[21].

يرتبط كثير من الأنظمة بمدى وجاهتها وقدرتها على التفكيك والاستيعاب، وإذ ترتكز سياسات الدول في ضمان أمنها القومي على مدى قدرتها على مراكمة الخبرات والمعطيات في ما يتصل بالجانب الاستخباراتي، فإن ضمان الأمن القومي للدول لا يزيغ عن هذه المسألة، حيث لا يمكن تصور وجود  دولة من دون وجود ما يجعلها كذلك، ومن ضمن ذلك وجود أجهزة أمنية تحتاج في تدبير قطاعها إلى ما يمكّنها من الحفاظ على قوة الدولة وهيبتها. وإذا أمكن الذكاء الاصطناعي دعم كثير من الأمور في هذا الباب، فإن هذا التطبيق قد يكون سالبًا أحيانًا زمن انفلاته وعدم القدرة على التحكُّم فيه وتطويعه.

ب- الخوارزميات الجينية

تتباين المصطلحات وتتعدد، ولكنها في ارتباطها الممكن مع الذكاء الاصطناعي، فإنّ ذكرها والإسهاب في إظهار أهميتها، أصبح ضروريًا لفهم ممكنات الذكاء الاصطناعي. فالخوارزميات الجينية، هي عبارة عن مجموعة التعليمات التي تتكرر لحل مشكلة ما، وتشير كلمة جينية إلى سلوك الخوارزميات التي يمكن أن تشابه العمليات البيولوجية للتطور، ويُعرفها براي (brien) بأنها طرق للحل تساعد على إنشاء حلول لمسائل خاصة باستخدام طرائق متوافقة مع بيئتها، وهي مبرمجة للعمل بالطريقة التي يحل بها الإنسان المسائل بتغيير وإعادة تنظيم أجزاء المكونات باستخدام وسائل مثل إعادة الإنتاج، التحويل، والاختيار الطبيعي[22].

أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم أداة استراتيجية ومرجعية تستأثر باهتمام الباحثين والمتابعين، بسبب قدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحليلها بسرعة وانسجام في معظم الأحيان. بل أكثر من ذلك، يتميز الذكاء الاصطناعي بالدقة والقدرة على التبيان والبيان لإفهام البشر، ودفعه إلى مزيد من البحث وإعادة النظر في الممكنات البحثية والتصورية[23].

غير أنّ هناك من يعتقد بأنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي تظهر في واجهة خادعة وجذابة، لكون التكنولوجيا المستعملة فيه في الواقع مصممة أن تخدم أهداف تدخلية واستغلالية، وذلك، بالرغم من زعم بعض المتخصصين أن نماذج الذكاء الاصطناعي تعمل كنوع من تكنولوجيا المراقبة، حيث تُجمَع كميات هائلة من البيانات من المستخدمين وتُعالَج بواسطة شركات الذكاء الاصطناعي لاستخدامها في مراقبة الجمهور. ومع هذا التقدم الكبير في التكنولوجيا، يمكن لوكالات الاستخبارات الدولية، في عصرنا هذا، الحصول على المزيد من البيانات لمعالجتها أكثر من أي وقت مضى[24].

وهذا ما دفع مجموعة من الدول، أن ترتكز مخاوفها على الإشكاليات التي قد تنتج من إعمال الذكاء الاصطناعي سلبًا، إذ سيؤثر في ضمان أمنها القومي، وخصوصًا في مسائل كالتجسس وإعادة رص صفوف الإرهابيين بناءً على بيانات تُظهر كثيرًا مما يجهلونه، وكذلك، استغلاله من طرف دول لها إمكانيات تكنولوجية وقدراتها المعرفية والتقنية للوصول إلى بيانات سرية تتصل بالأمن القومي لدول أخرى، ويتعلق هذا في وجه خاص بالدول المتصارعة ذات النزوع الأيديولوجي أو الاقتصادي والسياسي المتباين في زمن تتجه في كثير من دول العالم لتجاوز العالم أحادي القطبية في سبيل بناء عالم متعدد الأقطاب.

ثانيًا: الذكاء الاصطناعي وضمان الأمن القومي للدولة

يعرف الأمن القومي على أنه قدرة البلد أو الدولة على حماية مواردها وأراضيها ومصالحها من التهديدات الخارجيّة والداخليّة كافة، لكن بنتيجة العولمة طرأت تحولات جمة حول مفهوم الأمن، ومن أبرز هذه التحولات (القوّة)، لأنها لم تعد مرتبطةً بالعامل العسكري، وإنما تخطته إلى التعليم والتكنولوجيا والسياسة واعتماد المعلومات والنمو الاقتصادي[25].

فقد كان في السابق، مفهوم الأمن القومي يرتكز على الحماية الممكنة من التهديدات العسكرية الخارجية، إلا أنّه مع التطور الحاصل أصبح هذا المفهوم يعني تجليات مغايرة ومتعددة، حيث شهد المفهوم توسعًا لينفتح على أمور تشكل تهديدات أكثر تعقيدًا مثل الهجمات الإلكترونية، والإرهابية وحالات التجسس كما التحكم  في البنية التحتية الاستراتيجية للدول، ويلاحظ أن الأمن السيبراني، أصبح أكثر حضورا في المقالات العلمية والمؤتمرات الدولية التي تقارب الأوضاع الأمنية للدول، كما الإشكاليات التي تعترض عمل المنظمات الإقليمية و الدولية.

1- معنى الدولة وممكنات ضمان الأمن القومي بعيدًا من الذكاء الاصطناعي

ربما نتساءل عن طبيعة العلاقة بين الدولة والذكاء الاصطناعي، حيث يكون الجواب واضحًا عند البعض، ويكتنفه بعض التعقيد عند البعض الآخر، وهو ما يستدعي بذل جهود كبيرة لإيجاد الجواب. لذا، فإنّ تعزيز إمكانيات الذكاء الصناعي سيعزز من قوة وجود الدولة نفسها، أمّا في حالة انفلاته، فإنّ ذلك، قد يجعل البشر الذي صنعه يعاني الأمرَّين داخل الدولة. فما معنى الدولة إذًا؟

أ- ماهية الدولة

تتباين التعاريف التي تعطى للدولة، وذلك، حسب المرجعية التي يُصدر منها الباحث الباني للتعريف، ولكن كل التعاريف تتقاسم ما يميز الدولة من غيرها. لذلك، نقول إنّ “الدولة كيان إداري ومادي ومعنوي لازم وضروري من أجل حماية المجتمع من غيلان الأفراد، ومن استبدادهم وجبروتهم وتجبرهم…، فدولة القانون والديمقراطية، هي حصن الأمان ضد الفساد والإفساد العمدي الذي تئن تحت وطأته الشعوب”، وهي بذلك عنصر أساسي حاكم من أجل تحقيق الكثير من التوازنات[26].

إنّ الدولة كتعبير مفرد، يستدعي في أي انفتاح عن علاقتها بالدول الأخرى، الحديث بأسلوب الجمع، فالدول بوصفها كيانات مستقلة لها ما يربطها بينيًّا في إطار العلاقات الدولية، وفي إطار الاعتماد المتبادل كما سماه روبرت كوهن، وجوزيف ناي.

ب- الأمن القومي للدول وتداعيات الذكاء الاصطناعي

تتمايز الدول في تبيان مفهومها لأمنها القومي، حسب قوة الدولة ومرجعيتها والتحديات التي تواجهها..، ورغم ذلك فكل الدول بمعزل عن موقعها الجغرافي وقوتها العسكرية ووجهاتها التصورية وانسجامها الاجتماعي، تتفق على أن فكرة الأمن القومي هي ضمان وحدة الدولة، بعيدًا من تهديدها الممكن من الأغيار خارجها.

الواقع أنه لا توجد دولة من الدول لا تقوم بتحقيق الأمن القومي الشامل، مستخدمة في ذلك كل الأدوات والمعدات اللازمة لتوفير هذا الأمن بجوانبه وأبعاده المختلفة، وهو ما يرتبط بدور الدولة وبرسالتها.

يحتاج مفهوم الأمن القومي الشامل إلى وعي إدراكي كامل لدى منفذ القرار بالأبعاد والجوانب التي يحيط بها هذا الأمن، وبخاصة عناصر التهديد الذي يمارسه الأعداء الحقيقيين للدولة، أو ما يقومون به من أدوار للإيذاء، ولا سيّما عمليات الاختراق وبصفة خاصة في المجالات الأمنية المتعددة له[27].

وإذ نتحدث عن أمور مثل عمليات الاختراق وسلوكيات الإيذاء والتهديدات التي تكون أحيانًا وجودية من جهة بعض الدول كما تتصورها (مثال ذلك ما تشعر به روسيا اليوم حول تمدد الناتو نحوها…)، كلها أمور تجعل الثورة التكنولوجية والفكرية الناتجة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي مسألة جوهرية، لا بد من تفكيك تأثيراتها المحتملة، ومن ضمنها إمكانيات تأثير الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي للدول، بغضّ النظر عن مستوياتها التكنولوجية.

فالدول الكبرى مثل الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، هي الثالوث المنزعج في هذا الباب، بحكم معرفتهم بإمكانيات الانفلات، وممكنات التجاوز وبلوغ الزعامة كلما استطاعت أي دولة تجاوز أخرى عبر استثمار الذكاء الاصطناعي لفهم خبايا الدولة الأخرى التي تتصارع معها…

2- مشكلة التجسس في ظل الذكاء الاصطناعي، وضرورة بناء الميثاق الأخلاقي

تختلف استخدامات الذكاء الاصطناعي بين تلك التي يُنظر إليها بأنّها نافعة بحكم مزاياها الإيجابية، وتلك التي يجمع البعض على أنّ استخداماتها ضارَّة ومهدِّدة لخصوصيات البشر.

إنّ الذكاء الاصطناعي القادر على معالجة مليارات البيانات المرتبطة بشبكة الإنترنت والأقمار الاصطناعية وأنظمة الاتصالات…، هو نفسه القادر على التجسس على الأفراد والجماعات، وعلى الدول والتكتلات…

ويعَدّ الجيل الخامس للإنترنت، بمنزلة الروح الذي يغذي كل التقنيات فائقة التطور، مثل نظم الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والسيارات ذاتية القيادة، وتقنيات إنترنت الأشياء وغيرها، حيث تحتاج هذه النظم إلى نقل كمية كبيرة جدًا من البيانات في وقت واحد لتحليلها واتخاذ القرار المناسب، فقد تكون ثانية واحدة كفيلة بأن تتفادى سيارة ذاتية القيادة وقوع حادث على سبيل المثال، وذلك من خلال كمية المعلومات الضخمة التي تحصل عليها في أقل من ثانية عبر مستشعراتها المختلفة وعبر أجهزة الاستشعار الموجودة في الطرقات العامة، كما يمكن أيضًا لآلاف القطع الذكية الموجودة في المصانع، أو المباني والطرقات أن تتواصل بعضها مع بعض بصورة أسرع وأدق[28].

من هنا، فإنّ سرعة التطورات التي يعرفها هذا المجال في الواقع، تدعو العالم لوضع ميثاق أخلاقي ملزم للجميع في أفق تجاوز السلبيات والمخاطر الممكن ورودها زمن استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في الحالات التي يتطور فيها على نحو كبير إلى حد الانفلات.

أ- إمكانيات تدعيم التجسس في ظل الثورة الرابعة

أبانَ الذكاء الاصطناعي عن قدرته على معالجة مليارات من البيانات وتقييمها بسرعة فائقة، وهو ما يفتح الباب أمام الدول المتصارعة لتوظيف إمكانيّات الذكاء الاصطناعي للتجسس بعضها على بعض.

انعقدت في 22 حزيران/يونيو 2023 قمة بلومبيرغ للتكنولوجيا في سان فرانسيسكو الأمريكية تحت عنوان “نقطة تحول للتكنولوجيا”، حيث ركزت القمة على موضوعات، مثل التطور السريع لوسائل التواصل الاجتماعي، ومستقبل تكنولوجيا العملات المشفرة، وقوة وتهديدات خدمات الذكاء الاصطناعي؛ وقد أعرب عدد كبير من خبراء الصناعة عن قلقهم بشأن دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز عمليات التجسس.

يظهر هذا من خلال المخاوف التي تبديها دول كثيرة حول المعضلات التي قد تنتج من الذكاء الاصطناعي، بحيث إنّ ما توصل إليه العالم من تطور قد يجعل الاستخدامات السلبية لهذه التطبيقات أو أي انفلات فيها، يمكن أن يتجاوز قدرات البشر لإعادة الأمور إلى نصابها.

بيد أنّ، الإشكالية الدولية ليست في التجسس الدولي وحده، بل في كشف أسرار الأفراد وخصوصياتهم.. فتتبُّع أرقام الهواتف من طرف الروبوتات وتقديم تقارير حول مستعمليها، أو أي قابلية لزرع الذكاء الاصطناعي في الحواسيب، وخصوصًا تلك التي تتصل بالأعداء، سيجعل التجسس أمرًا واقعًا.

زد على ذلك، أن المعلومات التي قد يزودنا بها الذكاء الاصطناعي ربما تكون مضللة وغير صحيحة، إذ قد تنطلي على الذكاء الاصطناعي حيلة استعمال عبارات ملتبسة وكلمات غير مألوفة، يتفق مستعملوها على معانيها التي يفهمونها هم دون غيرهم.

ب- تحديات الذكاء الاصطناعي وضرورة تفعيل ميثاق أخلاقي

أحدثت التطورات العلمية والثورة المعلوماتية، كما التقدم الكبير في وسائل الاتصال وكل التطبيقات المتطورة والمتجددة، نقلة نوعية قد يكون أحدها صادمًا في أوانه، ويومًا بعد يوم تتواصل التحديات مع توالي التطورات.

وإذ تتباين تصورات الباحثين، والمتابعين لإمكانيات التعاطي مع المشكلات التي قد تنتج من استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فإنّ معظم الباحثين يشيرون إلى أهمية وجود قواعد أخلاقية وقانونية، وكذلك، منظومة قيم معتمدة تحدد استخدامات الذكاء الاصطناعي والتعامل مع البيانات الضخمة.

الاهتمام بإنشاء قواعد أخلاقية وقانونية تحكم وتنظم عمل الذكاء الاصطناعي، أمر بالغ الأهمية وبخاصة مع تزايد احتكاك البشر مع الآلات، والذي قد يؤدي إلى فصل الإنسان تدريجيًا عن محيطه الطبيعي الاجتماعي البشري، وأن يُفقد العلاقات مرونتها التقليدية ويجعلها أكثر صلابة وتعقيدًا[29].

يتجه العالم بخطى حثيثة لتدعيم التكنولوجيا والتقنية، انسجامًا مع التوجه العالمي الذي بدأ يؤسس للتطور وتدويل التكنولوجيا منذ زمن بعيد، وقد تضاعف هذا التوجه زمن العولمة.

الحقيقة أنّ التكنولوجيا والثورة الصناعية، وخصوصًا الرابعة منها، التي دفعت بجيل جديد من الإبداعات والبدائل التكنولوجية، جعلت المسافات متقاربة، وتدبير الإنسان لشؤونه أكثر يُسرًا، رغم المطبات التي تحصل أحيانًا، وهي بطبيعتها ضد راحة الإنسان نفسه. من هنا، نتحدث عن الجانب الأخلاقي المحتمل للذكاء الاصطناعي في إمكانيات توظيفه واستعماله واستثمار مزاياه بعيدًا من الإضرار بالإنسان والمجال[30].

يتطلب الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، جمع البيانات ومعالجتها ومشاركتها بطريقة تحترم خصوصية الأفراد وحقهم في معرفة ما يحدث لبياناتهم، والوصول إلى بياناتهم، والاعتراض على جمع بياناتهم أو على معالجتها، ومعرفة أن بياناتهم تُجمع وتُعالج وأنهم بعدئذٍ يخضعون لقرارات الذكاء الاصطناعي[31].

إنّ أهمية الذكاء الاصطناعي وقدراته الهائلة لفك وتفكيك كثير من القضايا والمشكلات المعقدة، لا يعني أن ننصهر ضمنه، وكأنّ هذه الموجة الجديدة هي الحل الأمثل لكل المعضلات الحاصلة.

فالذكاء الاصطناعي، ينطوي على أمور جمّة، وهي بطبيعتها متباينة، ولا سيما في ما يتعلق بتطبيقات تعلُّم الآلة التي تتعامل مع البيانات الضخمة من خلال الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي وفي كثير من الأحيان، لا يعلم الناس أن البيانات تجمع، أو أن البيانات التي قدَّموها في سياقٍ ما تستخدم بواسطة أطراف أخرى في سياقٍ آخر، كما أن البيانات الضخمة في الغالب تعني أن (مجموعات) البيانات التي تحصل عليها المنظمات المختلفة يتم دمجها معًا[32].

من هنا، تبدو الأسئلة التي تُطرح، ويتناسل بعضها، أنها ترتبط على نحو أساسي بأمور وأفكار تنتاب الأشخاص بوصفهم ذواتًا متابعة للموضوع، أو معنية به.

رغم كل شيء، فإن المخاطر التي تتمظهر باستمرار نتيجة إعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تؤثر بصوَرْ مغايرة في الذوات والفضاءات والتنظيمات، كما الدول والتكتلات، وغيرها.

خاتمة

يبدو أن الهَبَّة الجديدة للذكاء الاصطناعي لها مزايا إيجابية، ومعضلات سلبية، فالموضوع يتعلق أساسًا بإمكانيات استغلال قدرات التقانة، في سبيل جعلها مدعّمة للإنسان ومؤسسة لما يجعل البشر يتجاوز كثيرًا من المطبّات التي كان يتعايش معها في السابق، بإعمال تقنيات جديدة كفيلة بتطوير التعلّمات، وتدعيم التطورات التي أصبحت تحصيل حاصل بفعل واقع تراكماتها البنيوية والجوهرية بالطبع.

فلا يمكن لعاقل أن ينكر مزايا الذكاء الاصطناعي على الذوات، أفرادًا وجماعات، لكن هذه الطفرة التكنولوجية، بحكم المشكلات التي تنتج منها، وهي المسببة فيها في كثير من التجليّات، قد تجعل كل شيء منزاحًا لاتجاهات غير مألوفة بالطبع.

إنّنا نعتقد أن ضمان الأمن القومي للدول، لا يتصل حصرًا بضمان خصوصيات الأفراد والجماعات، وإنّما الموضوع يتعلق بنيويًّا بأمور تأسيسية، تنطلق من أساسيات تحتية مخافة اهتزاز تقعيدات فوقية. معنى ذلك، أنّ قدرات الذكاء الاصطناعي قد تجعل الذوات المراقبة لتطوره وكل المتابعين للجديد فيه، يفكرون جميعهم في المخاطر التي يمثلها التطور التكنولوجي على خصوصياتهم، دون أن ندّعي أنهم يفهمون الكثير من التعقيدات التي تميّز هذه التطبيقات المتطورة.

وعليه، فالتطور السريع لتطبيق الذكاء الاصطناعي، يجعل في كثير من الأحيان معظم المتابعين، إن لم نقل كلهم، يعيدون التفكير في تأسيساتهم المركزية في الحالات التي يكون فيه التأسيس هو البناء بالطبع. في أفق تفكيك ما يمكن تفكيكه، لتدعيم ما يجعل التصورات أساسات بنيوية قادرة على بلوغ ما لا يجعل الذوات تعاني الأمرين لأسباب تافهة ناتجة من ردود فعل غير متوقعة، وهي بطبعها معتلة.

كتب ذات صلة:

زمن الذكاء الاصطناعي: حوار ساخن بين إنسان آلي وإنسان عضوي