أولاً: الخان الأحمر ومشروع الاقتلاع

برزت قضية الخان الأحمر بقوّة خلال النصف الأول من سنة 2018، وشهدت الأحداث المرتبطة بها تطوّرات تسارعت خلال تموز/يوليو من السنة ذاتها، التي تجرّ خلفها سلسلة من التراكمات المتعلقة بهذا التجمّع السكاني الفلسطيني البدوي الواقع في منطقة استراتيجية من شرق القدس.

وبالنظر إلى انكشاف التجمعات الحضرية الفلسطينية في ضواحي القدس لسياسات الاحتلال وإجراءاته في تقييد البناء وهدم المنازل؛ فإنّ تجمّع الخان الأحمر ينطوي فوق ذلك على هشاشة مضاعفة وبخاصة مع تعداده السكاني المحدود وطبيعته البدوية وحالة التهميش التي يعانيها من جانب؛ ولموقعه الاستراتيجي شرق القدس بموجب مخططات التوسّع الاحتلالي والربط الاستيطاني من جانب آخر.

لتجمّع الخان الأحمر ومواصفات الموقع الطبوغرافية قيمة استراتيجية فائقة بالنظر إلى أنه يُشرف من المنطقة المرتفعة بنحو 450 متراً فوق سطح البحر على الخاصرة الأضيق للضفة الغربية من شرق القدس وصولاً إلى أريحا. ويقع الخان الأحمر على طريق أريحا ممثلاً بالشارع الالتفافي الاحتلالي الرقم 1. وما يزيد من هذه الأهمية قرب التجمّع من مستوطنتيْ «معاليه أدوميم» و«كفار أدوميم» اللتين تطالبان بأراضي تجمّع الخان الأحمر وبهدم منشآته، علاوة على وقوع التجمّع في مجال مشروع التوسع الاستيطاني المسمّى E1.

يحرص الاحتلال على اقتلاع أهالي الخان الأحمر الذين يشكِّلون حجر عثرة في طريق مشروعات من شأنها شطر الضفة الغربية إلى نصفين، شمالي وجنوبي، بما يؤدي إلى إيجاد اتصال استيطاني – احتلالي مباشر بين القدس والأغوار، وهو ما سيقضي على التواصل الجغرافي لأراضي ما يُفترَض بها أن تكون «دولة فلسطينية»، وفق مواصفات «الرباعية» الدولية، وهي دولة مقلّصة عن مطالب السلطة الفلسطينية في أصلها.

إنّ ترحيل تجمّع الخان الأحمر الذي يضمّ قرابة خمس وأربعين أسرة من عرب الجهالين[1] قوامها نحو مئة وثمانين نسمة؛ من شأنه أن يضع تجمّعات بدوية فلسطينية قريبة منه في مهبّ الريح، علاوة على أنّ بعض هذه التجمّعات تعتمد في تعليم أبنائها على مدرسة الخان الأحمر؛ البدائية في مقوِّماتها ومرافقها.

جاء تصعيد هجمة سلطات الاحتلال على الخان الأحمر، في سنة 2018 إيذاناً بمسعاها لفرض الأمر الواقع الاحتلالي في المنطقة (ج) بموجب تقسيمات اتفاق أوسلو، وهي المنطقة التي تشغل معظم أراضي الضفة الغربية وتنطوي على أهمية استراتيجية؛ ولا سيما الأغوار، كما تضمّ ما يُعرَف بالكتل الاستيطانية التي يراهن الاحتلال على الاحتفاظ بها وربما إدراجها ضمن صيغة «تبادل الأراضي» ضمن صفقة سياسية محتملة مع السلطة الفلسطينية. وتبدو مستوطنة «معاليه أدوميم» المقامة قرب الخان الأحمر مثالاً جليّاً على هذه الكتل الاستيطانية.

تختزل قضية الخان الأحمر في ذاتها رمزية النكبة، وتبدو المفارقة واضحة في تسخين هذه القضية في ذكراها السبعين تحديداً. وتكشف قضية الخان الأحمر عن توجّهات «منظومة الاحتلال» نحو الوجود الفلسطيني في شرق القدس ومناطق استراتيجية من الضفة الغربية، كما أنها تعيد إلى الأذهان سلوك هذه السلطات مع التجمّعات البدوية، ومنها تلك الواقعة في النقب ضمن ما يُعرَف بالقرى غير المعترف بها، التي تتعاقب عليها محاولات التفكيك والاقتلاع بفعل أوامر الهدم الجماعي الصادرة بحقها، كما عليه الحال في قريتي العراقيب وأم الحيران ضمن النقب المحتل سنة 1948.

1 – أهالي الخان الأحمر – خبرة تهجير

يحمل أهالي الخان الأحمر خبرة تهجير مركّبة؛ ابتداءً من ترحيلهم من صحراء النقب بعد نكبة 1948، وقد نزلوا في خمسينيات القرن العشرين في المنطقة التي أقيمت عليها مستوطنة «معاليه أدوميم»، ثم وقع ترحيلهم إلى الخان الأحمر لإقامة المستوطنة المذكورة. وقد حرم هذا التجمّع السكاني الفلسطيني مرافق الحياة الأساسية التي تحجبها سلطات الاحتلال عنهم. لكنّ أهالي الخان الأحمر جسّدوا عبر عقود متواصلة قصة صمود مديدة رغم التهميش وحرمانهم إمدادات الكهرباء والماء ومرافق التعليم والصحة وشبكات الطرق والبنى التحتية والتخطيط الهيكلي، ثمّ دفعوا بمحاولات قانونية لدرء مخطط الهدم والتهجير عنهم بالتماسات قضائية متعددة تقدّموا بها، ورفضوا الانزياح عن منطقتهم أو الرضوخ لحملات التنكيل التي استهدفتهم، كما حصل بكل قسوة في الرابع من تموز/يوليو 2018 على مرأى من العالم الذي شاهد وقائع من الاعتداءات الجسيمة وسحل الأهالي وإهانتهم؛ بما في ذلك النساء. وقد منعت قوات الاحتلال خلال تلك الأحداث تسعة قناصل أوروبيين من الوصول إلى الخان الأحمر للتضامن مع الأهالي المهددين بهدم منشآتهم وبالترحيل القسري، كما اعتدت على متضامنين من غير الفلسطينيين أيضاً انضموا إلى فعاليات أهالي القرية.

2 – تطوّر القضية

علاوة على خبرة التهجير من منطقة تل عراد قرب بئر السبع عقب نكبة فلسطين (1948)؛ فإنّ عرب الجهالين في تجمّع الخان الأحمر وغيره من التجمّعات القريبة منها خبروا أطواراً من التضييق ومحاولات الاقتلاع؛ فبعد احتلال الضفة الغربية بما فيها شرق القدس سنة 1967؛ قامت سلطات الاحتلال بالتضييق على فرص الرعي والتنقّل التي كانت متاحة لهم وكبّدتهم خسائر وغرامات من جراء ذلك. وحظرت تلك السلطات الدخول إلى بعض الأراضي معلنة أنها مناطق عسكرية مغلقة، كما باشرت إقامة المستوطنات غير المشروعة بمعايير القانون الدولي، ولا سيما «معاليه أدوميم».

تُعد «معاليه أدوميم» من أخطر التجمعات الاستيطانية الموجودة في الضفة الغربية، نظراً إلى وجودها ضمن محافظة القدس ولأنها تمثل في توسّعها وفي شبكة الطرق المرتبطة بها تهديداً لاتصال شمال الضفة بجنوبها علاوة على عزل القدس وإعاقتها تواصل أرجاء الضفة معها.

وقد جاء إبرام اتفاق أوسلو (1993 – 1994) إيذاناً بمرحلة جديدة كثّفت فيها سلطات الاحتلال من مخططاتها التوسّعية ضمن المنطقة (ج) بموجب التقسيم المعتمد في الاتفاق لأراضي الضفة، التي تمنح سلطات الاحتلال السلطة الإدارية والأمنية عليها.

لقد أطلق اتفاق أوسلو أيدي سلطات الاحتلال في المنطقة (ج) التي تزيد مساحتها على ستين في المئة من أراضي الضفة والتي تنطوي على أهمية استراتيجية فائقة أيضاً. وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، فإنّ سلطات الاحتلال تحتفظ في المنطقة (ج) بسيطرة شبه حصرية، «بما في ذلك إنفاذ القانون والتنظيم والبناء. وقد تم تخصيص أغلبية المنطقة (ج) لصالح المستوطنات الإسرائيلية أو الجيش الإسرائيلي، على حساب التجمّعات الفلسطينية. وهذا يعرقل تطوير السكن الملائم، والبنية التحتية وسبل العيش في التجمّعات الفلسطينية، وله تداعيات كبيرة على جميع سكان الضفة الغربية. وتتلقّى المباني التي يتم بناؤها من دون تصاريح أوامر هدم باستمرار، وهذا يخلق حالة من الشك والتهديد المزمن، ويشجِّع الناس على الرحيل. وحيثما يتمّ تنفيذ الأوامر، فإنها تؤدِّي إلى التهجير والإخلال بسبُل العيش، وترسيخ الفقر وزيادة الاعتماد على المعونات. وقد واجه المجتمع الإنساني مجموعة من الصعوبات في تقديم المساعدات في المنطقة (ج)، بما في ذلك هدم ومصادرة المساعدات على يد السلطات الإسرائيلية»[2].

وقد واجه تجمّع الخان الأحمر على مدار سنوات استهدافاً مباشراً من سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتضييقاً للخناق على سكانه لإجبارهم على الرحيل وهجرة المكان مع خطر الإخلاء والهدم. وقامت سلطات الاحتلال بتسليم سكان المنطقة عبر السنوات عدداً من الأوامر العسكرية التي تقضي بإخلاء منازلهم ومنشآتهم والمدرسة الابتدائية الوحيدة في التجمع وهدمها جميعاً[3].

وفي أواخر عام 2011 أصدرت قوات الاحتلال الإسرائيلي قراراً عسكرياً يقضي بترحيل عرب الجهالين القاطنين في تجمعات الخان الأحمر وشرق العيزرية قرب «معاليه أدوميم» ومناطق أخرى، وذلك من أجل فتح الطريق للتوسّع الاستيطاني وبذريعة أنهم «يشكلون خطراً أمنياً على المنطقة»[4].

ويشكِّل المشروع التوسّعي الاستيطاني المسمّى E1  تهديداً مباشراً للخان الأحمر والتجمّعات البدوية القريبة وعدة مناطق شرق القدس وفي الضفة الغربية، علاوة على ما يمثِّله المشروع المسمّى «طريق نسيج الحياة» من توسّع على حساب أراضٍ أخرى ومن تهديد بشطر الضفة الغربية.

وفي 19 شباط/فبراير 2017، وزّع مسؤولون في ما يسمّى «الإدارة المدنية» التي تتبع جيش الاحتلال، برفقة مجموعة كبيرة من قوات جيش الاحتلال وشرطته، عشرات أوامر الهدم وأوامر وقف العمل في تجمّع الخان الأحمر. وأبلغ مسؤول في تلك «الإدارة المدنية» الاحتلالية مختار التجمّع أنّ ليس أمام الأهالي من خيار سوى الرحيل إلى أحد موقعي الترحيل وهو موقع الجبل أو موقع النويعمة.

وأشار تقييم أجراه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة «أوتشا» ونشره في شباط/فبراير 2017 إلى أنّ جميع مباني التجمع البالغة نحو 140 منشأة قد وُزِّعت عليها أوامر الهدم والإشعارات الأخيرة. تشمل هذه المباني أيضاً المدرسة الابتدائية التي أقيمت في عام 2009 بتمويل إحدى الجهات المانحة وبدعم من منظمات غير حكومية دولية وتديرها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. يدرس في هذه المدرسة 170 طفلاً من خمسة تجمّعات بدوية فلسطينية. وجميع هذه المباني تقريباً صدرت بحقِّها في السنوات التي سبقت ذلك أوامر هدم أو أوامر بوقف العمل، كما أنّ معظمها مشمول بأمر احترازي مؤقت صادر عن «المحكمة العليا» الإسرائيلية يمنع ما يسمّى «الإدارة المدنية» من تنفيذ هذه الأوامر[5]، وهو ما تم العدول عنه من المحكمة ذاتها لصالح تأييد الإخلاء في نهاية أيار/مايو 2018.

وفي إثر مصادقة «المحكمة العليا» الإسرائيلية في أواخر أيار/مايو 2018 على قرار حكومة الاحتلال بهدم منشآت الخان الأحمر وترحيل المواطنين الفلسطينيين منها قسراً؛ حمل يوم الأربعاء، 4 تموز/يوليو 2018، تطوّراً مهمّاً في الخان الأحمر؛ عندما أقدمت قوات الاحتلال على محاولة تفكيك التجمّع السكاني وطرد الأهالي منه بالقوّة بعد سلسلة من الضغوط مارستها عليها مشفوعة بقرارات وأوامر جائرة بالطرد وهدم المباني. جاءت مشاهد البطش والاعتداء المصوّرة «مروِّعة وبشعة بما يفوق الاحتمال. أطفال فلسطينيون انتابتهم حالات هلع ونوبات صراخ وهم يرَوْن وقائع الطرد القسري وتنكيل القوات الإسرائيلية بآبائهم. حملت الصور والمقاطع مشاهد جرّ أمهات وسحلهن وتقييد نساء وفتيات وهن ممدّدات أرضاً مع الدوْس على ظهورهنّ وتعفير وجوههن بالرمال»[6].

وبعد الانتقادات المتعدِّدة حول العالم التي أثارتها مشاهد التنكيل الصادم بالمواطنين الفلسطينيين في الخان الأحمر؛ انسحبت آليّات الاحتلال على نحوٍ مفاجئ من الموقع عصر الخميس 5 تموز/ يوليو 2018، ثم التأمت «المحكمة العليا» الإسرائيلية الساعة العاشرة ليلاً وقرّرت تجميد أوامر الهدم الصادرة إلى حين بت التماس قدّمه الأهالي، وأمهلت المحكمةُ الحكومةَ الإسرائيلية حتى يوم الحادي عشر من الشهر نفسه للردّ على الالتماس. ثم أعلنت «المحكمة العليا» يوم الخميس، 12 تموز/ يوليو، عن تأجيل النظر في ملف الخان الأحمر وتجميد قرار الهدم والإخلاء حتى 15 آب/ أغسطس 2018.

ثانياً: تهافت منطق «منظومة الاحتلال»

جسّدت قضية الخان الأحمر تواطؤ «منظومة الاحتلال» في الدفع بمشروع الهدم والاقتلاع، وبخاصة مع القرارات التي أصدرتها المحكمة العليا الإسرائيلية.

عبّرت قضية الخان الأحمر، بهذا، عن تهافت منطق «منظومة الاحتلال» بأركانها؛ فقد اتّضح فيها مجدداً أنّ الحكومة تقرِّر، وقواتها تنفِّذ، والجهاز القضائي يُشرعِن. لقد رفضت محكمة الاحتلال «العليا» في 24 أيار/ مايو 2018 الالتماسات التي تقدّم بها أهالي الخان الأحمر لوقف إجراءات الهدم والاقتلاع بحقهم، والذريعة الوحيدة التي استندت إليها في هذا الشأن هي أنّ البيوت والمنشآت لم تتمّ إقامتها بصفة قانونية، وكأنّ أهالي الخان الأحمر كانت لديهم أيّ فرصة أساساً للتقدّم بطلبات للبناء والحصول بموجبها على موافقات. والمفارقة في هذا الشأن؛ أنّ الاحتلال ذاته لا شرعية لسيطرته على هذه الأرض، وأنّ بناءه الاستيطاني غير قانوني جملة وتفصيلاً، بما في ذلك في «معاليه أدوميم» القريبة من الخان الأحمر وغيرها من المستوطنات، وهذا بمنظور القانون الدولي، خلافاً لمنطق الاحتلال نفسه والنظُم التي استحدثها لمحاولة شرعنة إجراءاته الجائرة.

إنّ تذرّع قضاة «المحكمة العليا» بأنّ البناء في الخان الأحمر قد تمّ من دون تراخيص؛ يكشف بحدِّ ذاته عن شراكة السلطة القضائية المباشرة في عملية الهدم والاقتلاع والترحيل القسري، فالقضاة تجاهلوا تماماً حرمان سلطات الاحتلال أهالي هذه المنطقة المهمّشة من أي تنظيم إداري أو مخطّطات تتيح بناء بيوت ومنشآت لهم فيها، وكيف السبيل، إذاً، إلى مقوِّمات عيشهم وسكناهم؛ وبخاصة مع نموِّهم العددي المطّرد؟

ثم إنّ قضاة «المحكمة العليا» الذين رفضوا التماسات الأهالي بوقف قرار الهدم والاقتلاع ذهبوا إلى حدّ التعويل على ترتيبات اتخذتها حكومة الاحتلال في منطقة «الجهالين غرب»؛ التي يُراد لها أن تكون وجهة المُهجّرين قسراً من أهالي الخان الأحمر، حتى دون استشارتهم أو الحصول على موافقتهم. ولم تُشِر المحكمة عينها، بحال، إلى أنّ غاية هذا الهدم والاقتلاع ليست سوى التوسع الاستيطاني وإحكام سيطرة الاحتلال على المنطقة على نحو غير مشروع بمنطق القانون الدولي. وقد علّقت منظمة «بتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية على هذا القرار في تقرير حمل عنوان «ثلاثة قضاة في المحكمة العليا صادقوا للدولة على اقتراف جريمة حرب»[7].

تجسيد «الأبارتايد»

في سلوك الاقتلاع الذي يستهدف هؤلاء الأهالي والإصرار على تجميعهم في أمكنة معيّنة قسراً، وتمكين مستوطني الاحتلال من مقومات التوسّع والبناء الاستيطاني، ما يجسِّد حالة «الأبارتايد» الإسرائيلي التي تأتي قضية الخان الأحمر نموذجاً معبِّراً عن استعلائه على مرأى من العالم.

وهكذا تجسِّد قضية الخان الأحمر في ذاتها تفاقم حالة «الأبارتايد» الإسرائيلي الذي طوّر نظامه الخاصّ للسيطرة على أراضي المواطنين الفلسطينين وطرد تجمّعاتهم السكانية ثم التضييق عليها في سبل العيش وفرض قيود قانونية متعددة، ومحاولة إلجائها إلى العيش القسري في معازل (بانتوستانات) كما في الوجهة التي حدّدتها سلطات الاحتلال لسكان الخان الأحمر الذين تعتزم ترحيلهم.

وفي خدمة نظام «الأبارتايد» هذا؛ تعمل «دولة قانون كولونيالية» بتصميم كلّ ما يلزم من تشريعات ونظم وقرارات قضائية تتيح الغطاء «القانوني» لمخططاتها في التوسّع والسيطرة، في تصادم جسيم مع المواثيق الدولية ذات الصلة والقانون الدولي الإنساني بالأحرى.

ثالثاً: الخان الأحمر في الوعي الأممي

تعبِّر هجمة الاحتلال على نحوٍ مُختَزل على الخان الأحمر عن انهيار وعود مشروع «الدولتين»، الذي ما زالت أطراف دولية أساسية متمسكة به، بما فيها أوروبا الموحدة، وهو مشروع بدا أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تنصّل منه، عملياً، بإعلانه القدس عاصمةً لكيان الاحتلال وإخراج مصيرها من المفاوضات بالتالي، علاوة على ما أوحي به من تراجع واشنطن عن مشروع «الدولتين» بصفته التي حدّدتها «الرباعية» خلال عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما. لقد أعلن ترامب أنّ واشنطن لن تتدخّل لتنفيذ مشروع الدولتين إلاّ إذا رغب «الطرفان» الإسرائيلي والفلسطيني بالمضيّ قدماً في المفاوضات بشأنه [8]، وهو يشي بتراجع الولايات المتحدة عن الدفع باتجاه هذا المشروع ورهنه بالإرادة الإسرائيلية.

لقد واصل الاتحاد الأوروبي بعد موقف ترامب، الذي خرج به في كانون الأول/ديسمبر 2017، تمسّكه بالخيار التفاوضي وفق مشروع «الدولتين» وامتنع، عملياً، عن الانجراف خلف موقف واشنطن الجديد في مسألة القدس. لكنّ أوروبا الموحدة في الوقت نفسه لا تكاد تبرح موقفها اللفظي أو اكتفاءها بالامتناع عن الانجراف خلف الموقف الأمريكي – الإسرائيلي دون مناوأته بوضوح والتصدِّي له عملياً؛ مثلاً بإعلان اعتراف فوري كامل بالدولة الفلسطينية و/أو بفرض عقوبات ملموسة الأثر على الجانب الإسرائيلي.

غنيّ عن القول أنّ سلوك سلطات الاحتلال بحقّ الخان الأحمر مخالف للقانون الدولي أساساً، وتبقى القدس الشرقية والضفة الغربية بالنسبة إلى أوروبا والمجتمع الدولي أراضي محتلة. وإنّ اقتلاع أهالي الخان الأحمر لصالح مشروعات التوسّع الاستيطاني غير الشرعي يجعل هذه الحالة من التهجير القسري، بما تشتمل عليه من الهدم والاقتلاع ومصادرة الأراضي وحرمانهم فرص العيش الأساسية بهدف التهجير؛ جريمةَ حرب وانتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة (1949).

وقد توالت التحذيرات من عشرات الدول والمنظمات والهيئات الدولية وبعضها يتبع الأمم المتحدة، وأصدرت بلاغات للإعراب عن قلقها من حملة التدمير الإسرائيلية في هذا التجمّع السكاني المهمّش والمهدّد، أو أرسلت مبعوثين عنها لزيارة الخان الأحمر وإظهار التضامن مع المواطنين الفلسطينيين فيها. وحذّرت هذه المواقف من أنّ أوامر الهدم الصادرة بحق الفلسطينيين في هذه المنطقة تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي. ولم يَغِب عن تلك التحذيرات قرع النواقيس من أنّ توسيع المستوطنات المحيطة بالقدس، عن طريق قطع الضفة الغربية إلى شطرين، وعزل القدس بالكامل عن مناطق الضفة، هو عمل يهدد إمكان قيام دولة فلسطينية في المستقبل.

تميّزت قضية الخان الأحمر باهتمام واضح نسبياً على المستوى الدولي، بما تعبِّر عنه من أهمية متجاوزة نطاق هذا التجمّع وبما تنطوي عليه من دلالة بالنسبة إلى منحى التوسّع الاستيطاني ومحاولة تأبيد الهيمنة الاحتلالية على شرق القدس وأراضي (ج) في الضفة الغربية. وتكاد قضية الخان الأحمر وما يشبهها من تجمعات سكانية في الضفة تبدو، بالتالي، اختباراً ميدانياً مرئياً لما تبقَّى من فرص لدولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي وفق وعود مشروع «الدولتين». وقد صدرت بلاغات وتصريحات متعددة على المستوى الدولي تعبِّر عن هذا المعنى، بما فيها عن قناصل تسع دول أوروبية أعاقت سلطات الاحتلال وصولهم إلى الخان الأحمر للتضامن مع الأهالي المهددين بالاقتلاع. وأعلن القنصل الفرنسي العام في القدس بيير كوشار، متحدثاً باسمهم أن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة غير قانونية وتتناقض مع القانون الدولي وميثاق جنيف، وقال إن فرنسا ومعها دول الاتحاد الأوروبي ترى أن منطقة الخان الأحمر جزء من الدولة الفلسطينية وترفض ترحيل سكانها الذين هُجِّروا من أرضهم الأصلية قبل سبعين عاماً، وأكد مجدداً دعم بلاده للمواطنين الفلسطينيين في المناطق المهددة من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الخطيرة، وحذّر من خطورة الوضع على الأرض مشدداً على ضرورة العمل على تحقيق «حل الدولتين»[9].

ينسجم هذا الموقف مع تصريح أصدرته الناطقة باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية يوم 4 تموز/ يوليو 2018، أعربت فيه عن «قلقها الشديد إزاء الوضع الراهن في قرية خان الأحمر الفلسطينية الواقعة في الضفة الغربية التي أصدرت السلطات الإسرائيلية أوامر بهدمها قد تنفذ في وقت قريب جداً»، كما أدانت هدم جيش الاحتلال عدّة مساكن في قرية أبو نوار الفلسطينية في الضفة الغربية. وقالت الناطقة إنّ هذه التدابير والمخاوف الناتجة منها «تؤدِّي إلى تدهور الظروف المعيشية للسكان التي تعتريها الهشاشة أساساً. وعلاوة على ذلك تقع هاتان البلدتان في منطقة ضرورية من أجل استمرارية دولة فلسطينية في المستقبل وبالتالي من أجل ديمومة حل الدولتين، الذي بات اليوم مهدداً بسبب قرارات السلطات الإسرائيلية». وقالت إنّ «أعمال هدم البنى التحتية والمساكن في الضفة الغربية، التي تؤدي إلى إجلاء السكان ونزوحهم القسري، تتنافى مع القانون الدولي الإنساني وخاصة مع اتفاقية جنيف الرابعة». ودعت فرنسا سلطات الاحتلال إلى «عدم تنفيذ أوامر الهدم التي تستهدف المساكن البدوية في الضفة الغربية وإلى الامتناع عن اتخاذ أي تدبير من شأنه توسيع نطاق الاستيطان المخالف للقانون الدولي أو تعزيز استدامته، وفق ما شدّد عليه القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة»، وأعلنت باريس أنها ستواصل مراقبة هذا الموضوع عن قرب بالتعاون مع شركائها الأوروبيين[10].

وضمن فيْض من البيانات والبلاغات صدرت، مثلاً، عريضة موسّعة [11] في حزيران/ يونيو 2018 حاملة توقيعات أكثر من ثلاثمئة شخصية دولية ندّدت بمخطط الترحيل القسري للتجمع السكاني الفلسطيني الواقع شرق القدس، وضمن موقِّعيها تسعون رئيس حكومة حالياً وسابقاً، علاوة على حائزي جائزة نوبل، ومثقفين وفنانين وكتّاب معروفين عالمياً، إضافة إلى قيادات دينية ورموز من المجتمع المدني العالمي. وجاءت لغة العريضة واضحة ومباشرة بوصف هذا الترحيل القسري بأنه «جريمة حرب»، وحمّلت المسؤولية عنها كلاً من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وما يسمى وزير «الدفاع» أفيغدور ليبرمان وقضاة المحكمة الإسرائيلية العليا أيضاً كونهم مَن أصدروا قرار هدم المنازل والمنشآت في الخان الأحمر، فضلاً عن مسؤولية الحكومة السياسية والإدارية عن هذه الخطوة.

ورغم نبرة التنديد في المجتمع الدولي، وبضمنه هيئات تابعة للأمم المتحدة، بما يجري بحق الخان الأحمر؛ إلاّ أنّ حكومة الاحتلال تضمن إلى جانبها انحيازاً غير مسبوق من الإدارة الأمريكية في عهد دونالد ترامب، مع اقتصار المواقف الدولية المندِّدة على الجانب اللفظي غالباً من دون أن تترتّب عليها إجراءات عملية أو خطوات ذات تأثير رادع.

إنّ أسبقيّات التراخي مع الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة تشجِّع حكومة الاحتلال على التمادي فيها، كما أنّ تقاعس المجتمع الدولي عن نبذ سياسات الاحتلال أو وصمها بما تستحقّ من أوصاف تُحاكي واقعَها، من شأنه أن يُغري قيادة الاحتلال على الإسراف فيها. لقد سحبت الأمم المتحدة في سنة 2017 تقريراً مهمّاً [12] أصدرته لجنتها لغربي آسيا «الإسكوا»، لمجرد أنه انطوى على بيان بعض سياسات «الأبارتايد» الإسرائيلي وسمّاها على هذا النحو. وليس من شكّ أنّ لمثل هذه الخطوات «الانسحابية» مفعولاً كابحاً لجاهزية المجتمع الدولي لتحذير الاحتلال وعزله وفرض إجراءات عقابية في حقه جراء ما يقترفه من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وما يرتكبه من جرائم حرب كما يتجلّى في حالة الخان الأحمر مثلاً.

رابعاً: عدوان رمزي على أوروبا بتدمير «مساعداتها»

جدير بالنظر أنّ اعتداءات الهدم المتكررة التي ترتكبها قوات الاحتلال على منشآت في الخان الأحمر وغيره من التجمّعات البدوية الفلسطينية الواقعة شرق القدس وفي الضفة الغربية، مثل تجمّع أبو نوار الذي يتشكّل من عرب الجهالين أيضاً؛ تنطوي أيضاً على تخريب مساعدات مقدّمة من دول مانحة أوروبية.

وقد ظلّت قضية الاعتداءات على المنشآت التي موّلها الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية في هذه التجمّعات وفي مواقع غيرها في الضفة الغربية وقطاع غزة، بمثابة قضية متروكة من دون إثارة جادة من جانب الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء التي قدّمت هذه المساعدات من أموال دافعي الضرائب فيها، بما يجعلها بمنزلة اعتداء رمزي على مصالح دول أوروبية، مع الأخذ في الحسبان أنّ بعض هذه المرافق يحمل شارات وأعلام أوروبية بوضوح، كما في مدرسة تجمّع أبو نوار شرق القدس مثلاً التي أقدمت قوات الاحتلال على هدمها وتخريبها مراراً. ومن المفارقات ذات الصلة؛ أنّ هذه المساعدات يتم احتسابها في تقارير «المساعدة الإنمائية» الأوروبية على أنها مقدّمة لصالح الشعب الفلسطيني من دون إشارات واضحة إلى حجم التدمير الإسرائيلي بحقها، وبعضه تدمير منهجي أو تجري معه المصادرة المتعمدة من وفود رسمية أوروبية تحمله[13].

وقدّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إجمالي قيمة أموال المساعدات الأوروبية التي أهدرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وقواتها منذ سنة 2001 وحتى 2016 بنحو 65 مليون يورو، منها 23 مليون يورو خلال العدوان العسكري على قطاع غزة صيف سنة 2014. واتهم المرصد، في تقرير أصدره في هذا الشأن، أطرافاً أوروبية بالصمت والتواطؤ تجاه الانتهاكات الإسرائيلية هذه، ودعا مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى القيام بالتحقيقات والتحريات المطلوبة، وإظهار البيانات المتعلقة بأعمال الهدم للجهات المختصة والصحافة والرأي العام، ومطالبة السلطات الإسرائيلية بالتعويضات اللازمة، وفرض العقوبات عليها إذا استمرت بهذه الممارسات، مطالباً بعدم توقف الدعم والاستثمار الأوروبي للمناطق المتضررة[14].

تأتي قضية الخان الأحمر في صميم ملف التدمير المنهجي الإسرائيلي للمساعدات الأوروبية، فقد منح الاتحاد الأوروبي أولويةً في عمليات التمويل للبلدات والتجمّعات البدوية المهمّشة والمهددة بالاقتلاع شرق القدس وعموم المنطقة (ج)، بينما واصلت سلطات الاحتلال أعمال التدمير والإتلاف والمصادرة بحقها مع وتيرة متصاعدة على نحوٍ ملحوظ؛ كما توثِّق ذلك تقارير دورية تصدر عن مكتب الاتحاد الأوروبي التمثيلي (للضفة الغربية وقطاع غزة والأونروا) كل ستة شهور.

وحسب هذا التوثيق الأوروبي الرسمي؛ فقد بلغ العدد الإجمالي للمنشآت التي استهدفتها سلطات الاحتلال في الضفة الغربية خلال سنة 2016 والممولة من الاتحاد الأوروبي أو دوله الأعضاء 182 منشأة، وبلغ إجمالي الخسائر المالية المترتبة عليها أكثر من نصف مليون يورو (557,378 يورو). وفي أول شهرين فقط من عام 2017، تم هدم 50 منشأة ممولة من الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية، ما ألحق خسائر مالية وصلت إلى 110 آلاف يورو، مع مخاطر تتهدّد عشرات المنشآت الأخرى الشبيهة الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي بمئات ألوف اليوروات من خلال إصدار أوامر وقف العمل والهدم.

تجسِّد هذه المعطيات الإحصائية أبعاداً جسيمة من معاناة الفلسطينيين في التجمّعات المهمّشة والمهددة بالطرد، فهي بمثابة إعطاب لمقومات حياتهم الأساسية مثل صهاريج المياه وألواح الطاقة الشمسية للحصول على الكهرباء والغرف الفصلية المدرسية المتواضعة والمرافق الصحية البدائية، بما يضغط على المواطنين الفلسطينيين في حياتهم اليومية ويتسبّب في إذكاء التهجير القسري.

يسجِّل مكتب الاتحاد الأوروبي التمثيلي في هذا الصدد أنّ «الأمر المثير للقلق بشكل خاص يتعلق بالتطورات المرتبطة بالخطط الإسرائيلية لإعادة توطين البدو والرعاة في المنطقة ج، خاصة الخان الأحمر، وهو تجمع بدوي متواجد مباشرة شرق منطقة E1 بالقرب من الطريق السريع «القدس-معاليه أدوميم»، وسطح البحر وهو تجمع بدوي موجود في أريحا، وقضية سوسيا وهي تجمع لرعاة مواشٍ موجودين في مرتفعات الخليل الجنوبية، والبيئة القسرية العامة في المنطقة ج التي تواجه السكان هناك، ومن الأمثلة على ذلك خربة طانا وهي تجمع سكاني موجود في محافظة نابلس واجه الكثير من موجات الهدم»[15].

خامساً: مؤشرات من قضية الخان الأحمر

لا تتوقف هذه القضية الساخنة على نطاق الخان الأحمر، بل تمتد نذرها لتشمل تجمّعات فلسطينية هشّة ومهمّشة، ومهددة بالطرد والترحيل القسري، وهي عموماً ذات أثر حاسم في مشروعات الاحتلال الاستراتيجية شرق القدس والأغوار وفي عموم المنطقة المصنّفة (ج) ضمن الضفة الغربية.

تشير قضية الخان الأحمر وتفاعلاتها إلى مؤشرات جسيمة متضافرة، تتمثل بما يأتي:

– استعلاء نظام «الأبارتايد» الإسرائيلي على مرأى من العالم، فقضية الخان الأحمر مرئية بوضوح للمجتمع الدولي، وعايَنت هيئاتٌ دولية وبعثات دبلوماسية تطوّراتها مباشرة.

– نضج مرحلة متفاقمة من فرض الأمر الواقع الاحتلالي شرق القدس وفي عمق الضفة الغربية وصولاً إلى الأغوار، مع تسارع التوجّه إلى تقسيم الضفة الغربية وقطع طريق التواصل الجغرافي الفلسطيني ضمنها بين شمال الضفة وجنوبها، وبين عموم الضفة والقدس.

– التأثير الجسيم للهيمنة الاحتلالية على الأرض الفلسطينية، وللتداعيات المتأخرة لاتفاق أوسلو في تصنيف أراضي الضفة إلى مناطق يقع معظمها تحت سيطرة إسرائيلية حصرية أو شبه حصرية إدارياً وأمنياً (المنطقة (ج)).

– حالة الانكشاف التي تواجهها تجمّعات فلسطينية واقعة شرق القدس وفي الأغوار، وإصرار سلطات الاحتلال على الاستفراد بها خدمةً لأهدافها التوسّعية والاستيطانية والاستراتيجية، وهو ما تجسِّده حالة الخان الأحمر بوضوح. وتبدو التجمّعات البدوية في مرمى هذا الاستهداف، سواء في الضفة الغربية أم في قرى النقب غير المعترف بها من جانب سلطات الاحتلال.

– حتى بدايات تموز/يوليو 2018 تجاهلت حكومة الاحتلال وسلطاتها المواقف المندِّدة والمحذّرة كافّة التي صدرت من المجتمع الدولي ومن المجتمع المدني العالمي للعدول عن الحملة على الخان الأحمر وتأكيد بعض هذه المواقف أنها تمثل جريمة حرب، لكنّ صمود الأهالي في الموقع واستعصاءهم على محاولة الاقتلاع الوحشية أحدثا على ما يبدو أثراً مؤكداً في إذكاء المواقف المنددة بحملة الهدم والتهجير القسري عبر العالم، وقد اضطرت منظومة الاحتلال إلى التراجع النسبي في اليوم التالي عبر المؤسسة القضائية نفسها.

– تزامُن تصعيد هذه الحملة مع تماهي الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب مع المواقف الإسرائيلية من القضية الفلسطينية؛ ولا سيما ما يتعلّق بالقدس منها. ويتّضح ذلك في توقيت حملة التصعيد على الخان الأحمر، بما في ذلك صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية برفض التماسات الأهالي وتأييد حملة الهدم والاقتلاع بحقهم بعد أيام معدودة من افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة.

– تضعضُع الموقف الرسمي العربي وعلوّ نبرة تطبيعية مع كيان الاحتلال مشفوعة بمؤشرات وتقارير غير مسبوقة عن تواصل وتنسيق وأواصر منعقدة بين عواصم عربية والجانب الإسرائيلي، إضافة إلى اضطراب الموقف الإقليمي مما أُسمي «صفقة القرن»؛ وهو ما تراه قيادة الاحتلال فرصة سانحة لمحاولة حسم ملفات استراتيجية منها ما يتعلق بالقدس والضفة الغربية.

في المقابل تتعاظم في الخان الأحمر تجربة فلسطينية مهمّة في مقاومة مشروع الاقتلاع، يتضافر فيها الصمود الميداني مع رفض الرضوخ لإجراءات الاحتلال، علاوة على الاعتصامات التضامنية التي يشارك فيها فلسطينيون من مناطق أخرى يبيتون مع أهالي الخان الأحمر ويقيمون صلاة الجمعة في هذا التجمّع كما حصل خلال شهر تموز/ يوليو 2018، علاوة على تنظيم التظاهرات ورفع الأعلام الفلسطينية، وهو ما أضاف هذا التجمّع إلى بلدات الضفة الغربية التي اشتهرت بفعاليات شعبية أسبوعية ضد الجدار والاستيطان ومصادرة الأراضي، مثل بلعين ونعلين والمعصرة والنبي صالح.

تمنح المواقف المتضافرة على المستوى الدولي، وكذلك الحالة التضامنية المتفاعلة عبر العالم مع الخان الأحمر؛ فرصاً لتصعيد الضغوط على مخططات الاحتلال في اقتلاع الأهالي من هذه المنطقة، وعموم مخططات الهدم والترحيل ومصادرة الأراضي بحق تجمّعات بدوية مهمّشة شرق القدس وفي الضفة الغربية.

إنّ قضية الخان الأحمر وما يتضافر معها من قضايا شبيهة على الأرض الفلسطينية، ستبقى مؤشِّراً على خطورة منحى التوسّع الاحتلالي في القدس والضفة، وتمزيق أواصر التجمّعات السكانية الفلسطينية المحاطة بالجدران والعوائق والمستوطنات، التي ما زال المنادون بمشروع «الدولتين» يفترضون أنّ «دولة فلسطينية» بوسعها أن تقوم ضمنها.

 

قد يهمكم أيضاً  التطبيع والمطبِّعون والمواجهة

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الخان_الأحمر #الأبارتايد #الاستيطان_الاسرائيلي #القضية_الفلسطينية