في ظل حالة الارتباك والتشويش التي تسيطر على معظم أجزاء الوطن العربي يتساءل الكثيرون عن ماهية الأسباب التي أدت إلى مستوى الانهيار والتدهور الذي وصل إليه. وبتقديري فإن ما نعيشه ونراه ليس نتيجة عامل واحد، أو ظرف طارئ بل حصيلة لتراكم استمر عقودًا طويلة. وخلاصة هذه العوامل يمكن وصفها بجملة واحدة، فشل معظم البلدان العربية في ملاءمة بنيتها ونظام حكمها ووضعها الداخلي مع حاجات التطور في مجتمعاتها، ومتطلبات العصر وتقلباته.

أولًا: الضعف الاقتصادي

على الصعيد الاقتصادي تتسم اقتصادات معظم الدول أولًا بضعف الإنتاجية مقارنة بالمستويات العالمية. ثانيـًا، بارتفاع معدلات البطالة وبخاصة بين الشباب، بسبب فشل برامج النمو والتنمية الاقتصادية. ثالثًا، بانخفاض حصة النساء في القوة العاملة. رابعًا، بتراجع وانخفاض مستويات التعليم المدرسي والجامعي مقارنة بالتطور العالمي. خامسًا، بضعف فروع اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا الحديثة، ومن الإحصاءات المروعة التي نشرت مؤخرًا، واحدة تشير إلى أن المواطن البريطاني يقرأ أحد عشر كتابًا سنويًا بينما يقرأ الأمريكي في المتوسط سبعة كتب سنويًا، أما المتوسط للمواطن العربي فهو ربع صفحة سنويًا.

وهناك دراسة أخرى تشير إلى أن الأوروبي يقضي 200 ساعة سنويًا في القراءة في حين أن المعدل لدى العربي ست دقائق سنويًا. وبصورة أو بأخرى فإن الاقتصاد العربي في معظم مكوناته صار يتكئ على مردود مبيعات النفط. ولا يقتصر ذلك على الدول المصدرة للنفط، بل يشمل اقتصادات دول متعددة تضخ اليد العاملة العمالة لبلدان النفط أو تعتمد على مساعداتها. ونوعًا ما فإن ما يجري يثبت أن توافر النفط كمصدر الطاقة الرئيسي في عصرنا يمكن أن يكون نعمة كبيرة، أو مصدر نقمة على الشعوب بالاعتماد على الطريقة التي يتعامل المجتمع معه بها.

الظاهرة الثانية، الفساد الاقتصادي الناجم أساسًا عن اندماج البيروقراطية السياسية بالاقتصاد الطفيلي، وعن استخدام جهاز الدولة وقوانينها وهياكلها الأمنية كوسيلة للإثراء غير المشروع. ويؤدي ذلك إلى تدمير مبدأ تكافؤ الفرص أمام الناس وتقييد المنافسة الحرة، وتدريجًا إلى ضرب الطبقة الوسطى، وانعدام فرص التطور والتقدم للشباب على أساس الكفاءة، وسيطرة منظومة المحسوبية والزبونية في كل الميادين إضافة إلى ضعف برامج الحماية الاجتماعية وانحدار مستوى الخدمات الصحية.

الظاهرة الاقتصادية الثالثة، تتمثل بغياب سياسات الضمان الاجتماعي وبرامج التنمية لمكافحة الفقر. ففي معظم البلدان تسود آلية التعايش مع الفقر وانعدام العدالة بدل معالجته، كما حدث في بلدان كالبرازيل، حيث أدى التطبيق المبدع والخلّاق للتنمية عبر توفير آلية الضمان الاجتماعي إلى القفز باقتصاد البرازيل إلى المرتبة السابعة عالميًا خلال سنوات قليلة.

ثانيًا: إشكاليات الإطار العام للتنمية

قبل سنوات على حدوث ما سمي الربيع العربي الذي تحول بسرعة إلى خريف مريع، نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) سلسلة تقارير حول وضع التنمية البشرية في الوطن العربي. وحددت هذه التقارير خمس إشكاليات رئيسية تعيق التطور وجهود القضاء على التخلف على الوجه التالي:

1 – غياب الحرية وحقوق المواطنة، في ظل سواد منظومات السيطرة الأمنية وقمع حرية التعبير وانتشار نموذج الدكتاتوريات العسكرية والأمنية لمرحلة ما بعد الاستقلال.

2 – مشكلة الفساد وانتشاره بما يعيق حرية التطور والمنافسة الاقتصادية ويضع حاجزًا أمام فرص الاستثمار.

3 – معاناة الشباب من فقدان الفرص وآفاق التطور وبخاصة بسبب البطالة، والإحساس المتكرر بإهانة الكرامة.

4 – حقوق المرأة ودورها، التي تعاني مزيجًا معقدًا من بعض التقاليد الاجتماعية البائسة (كالزواج المبكر) والعنف الجندري، وغياب القوانين التي تحمي حقوقها، إضافة إلى ضعف مساهمة المرأة في القوة العاملة أو مشاركتها في الحياة السياسية ومراكز صنع القرار.

5 – معاناة المجتمع المدني التضييق والملاحقة، وسعي الأنظمة المتواصل للسيطرة عليه وعلى موارده أو تضييق مساحة حركته ودوره النقدي.

ثالثًا: إشكاليات النظام السياسـي

1 – استخدام النظام الأمني للتحكم والسيطرة

يتعمق هذا الأمر نتيجة ضعف البنيان السياسي الداخلي، والعجز عن بناء نظام يسمح بالتعددية السياسية وتوازن المصالح والانتقال السلمي للسلطة، واحترام حقوق الأقليات والمعارضة السياسية. حيث يؤدي القمع المتواصل إلى إضعاف دور المجتمع المدني بما في ذلك الأحزاب والقوى السياسية التي إما أن تُقمع بشراسة وإما يتم احتواؤها وتدجينها، ويضعف ذلك مجمل البنيان السياسي ويؤدي إلى ظاهرتين خطيرتين:

ـــــ استخدام الأجهزة الأمنية للسيطرة السياسية وحلولها محل الأحزاب والمؤسسات السياسية، بما في ذلك الحزب الحاكم في كثير من الأحيان.

ـــــ اضطرار أجزاء من المعارضة وبخاصة التيارات الدينية إلى اللجوء للعمل السري، وهو ما يخلق بيئة خطيرة لنمو مجموعات واتجاهات التطرف وأحيانًا الإرهاب.

وفي عصر انتشار حرية التعبير والديمقراطية والانتخابات عالميًا (بغض النظر عن مدى نزاهتها من بلد إلى آخر) يجد الناس في هذه البلدان أنفسهم معرضين للإذلال وإهانة كرامتهم ومحرومين أبسط الحريات. وحين تنهار منظومة التحكم الأمني كما حدث في ليبيا مثلًا يجد البلد نفسه منقسمًا وعاجزًا عن خلق نظام سياسي متجانس توزع فيه المسؤوليات والموارد بأسلوب يخدم توازن المصالح والإرادة الديمقراطية للناس. إن القمع المتواصل لعقود يجعل البلد غابة مكبوتة بلا قانون أو رادع سوى سيطرة الحكام المطلقة، وما إن ينهار النظام حتى تنفجر الغابة بالصراعات الوحشية، وكل ممارسات التخلف البدائي، والانكفاء عن البنى العصرية إلى الأنماط القبائلية والعشائرية القديمة التي يحاول الناس الاحتماء بها لافتقادهم أي حماية أو مُعين.

ومن العجيب أن يستنتج البعض مما جرى، أن الحل الوحيد هو العودة إلى دكتاتورية جديدة، أو قامع جديد. وكأن التخلف السياسي قدر العرب، بدل إدراك أن غياب التنمية السياسية والحريات هو نفسه الذي أدى إلى المشكلة ولا يمكن أن يمثل الحل لها. لا بل إن العودة الموقتة للدكتاتورية لن تؤدي حتى لو نجحت موقتًا إلا إلى خراب أعم وأشمل ودمار أوسع وهروب للكفاءات والقدرات الفكرية والمهنية.

2 – تناقض الانغلاق السياسي مع تطورات العصر

إن التخلف السياسي والنظام القمعي يحتاجان إلى تكريس منظومة الانغلاق التي تطارد حرية التعبير حتى لو كانت جملة أو تعليقًا في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ذلك يتناقض بصورة صارخة مع أربع ثورات هائلة شهدها العالم وتكرست نتائجها حتى دخلت كل بيت وحي:

أ – الثورة التكنولوجية، وهي ثورة مستمرة بمعنى أن كل قفزة لها تؤدي إلى سلسلة قفزات جديدة تستحيل السيطرة عليها.

ب – ثورة المعلومات، التي فتحت لكل الناس في كل مكان آفاقًا للحصول على المعلومات، لا تستطيع محاصرتها أو احتكارها حكومةٌ أو حزبٌ أو احتكار اقتصادي أو جهاز أمني.

ج – ثورة الاتصالات، التي تتيح أمرين متناقضين، من جانب قدرات غير محدودة للتواصل بين الناس، ومن ناحية أخرى انكشاف شبه مطلق لكل من يريد أن يعرف بما في ذلك أجهزة الأمن والتخابر العالمية.

د – ثورة الإعلام، التي تشهد قفزات هائلة السرعة تجعل من المستحيل ضبطها أو احتكارها أو السيطرة عليها.

فمن الجريدة الرسمية والجريدة السرية في أوائل القرن الماضي، إلى الإذاعات المتحكَّم فيها رسميًا، إلى التلفزة الرسمية، ثم ثورة الفضائيات التي أخرجت الإعلام من تحت سيطرة الحكومات إلى من يملك المال لإنشاء وإدارة الفضائيات، فأصبحت الحكومات عاجزة عن التحكم في ما يقرر المواطن أن يطلع عليه. إلى القفزة الأخيرة التي ربما تكون الأكثر ثورية على الإطلاق، بانطلاق وسائل التواصل الاجتماعي، التي حررت وسائل الاتصال من سيطرة التحكم في الاستقبال وكذلك في الإرسال.

فكل مواطن قادر أن يطلع وقادر أن ينشر. وبالطبع يمثل ذلك سلاحًا ذا حدين، إذ يمكن استخدام هذه الوسائل لنشر حرية التعبير وكذلك قد تستخدم لخدمة السيطرة القمعية لمراقبة ما يكتب الناس وصلاتهم وعلاقاتهم. غير أن الحصيلة العامة لهذه الثورات أنها وضعت حدودًا شديدة لقدرة أي نظام منغلق على التحكم في معرفة ووعي الناس وقدرتهم على تنظيم أنفسهم. ويؤدي ذلك إلى تراجع قدرة الأنظمة القمعية وحتى المتطورة منها، مثل إسرائيل، على التحكم الإعلامي، ومثال ذلك فشلها في إخفاء جرائم الحرب التي ارتكبت خلال العدوان الأخير على قطاع غزة رغم انحياز وسائل الإعلام العالمي وبخاصة الأمريكية للرواية الإسرائيلية.

وكذلك انتشار فضيحة الإرهاب التي ارتكبها المستوطنون المدعومون من حكومة نتنياهو بحرق الطفل علي دوابشة حيًا هو وعائلته، وهو ما عزز تصاعد حركة المقاطعة ضد إسرائيل.

3 – فشل نظرية حكم الحزب الواحد أو المجموعة الواحدة أو الفرد الواحد

تحاول الثورات المضادة تجديد شباب نظرية حكم الحزب الواحد، لكن الحياة تعيد إثبات فشل ذلك. وإذا كان هناك مأساة، أسوأ من الدكتاتورية في النظام السياسي، فإنها من دون شك اعتقاد حزب أو أحزاب المعارضة بأنها تستطيع استبدال حكم حزب واحد بحكم حزب واحد آخر، أو دكتاتور بآخر، وهي في ذلك تشرع الخطيئة لنفسها بعد أن حرمتها على خصومها. الخطيئة خطيئة بغض النظر عمن يرتكبهـا.

ومعاناةُ دولٍ أو أنظمةٍ مأساةَ التفرد السياسي وانعدام نضج النظام السياسي، وغياب فصل السلطات، وتهميش أو قتل السلطة التشريعية، وجعل السلطة القضائية ختمًا مطيعًا بيد السلطة التنفيذية، ليست سوى مظاهر للتخلف السياسي، أيًا كان الذي يمارسه. ونتيجته الحتمية أنها تجعل البنيان الداخلي للمجتمع والدولة ضعيفًا وهشًا أمام تدخلات القوى الخارجية واعتداءاتها. لا بل إن ضعف النظام السياسي الداخلي يصبح بمنزلة دعوة واستدعاء للأطراف الخارجية، وكثير منها أطراف معادية، للعبث بالوطن وبمستقبله ومصيره.

4 – فشل الأنظمة القمعية في وجه عدوانية إسرائيل

من المؤسف أن عوامل الضعف السياسي الداخلي وتناقض الحكام مع شعوبهم يجعلهم ضعفاء أمام التوسع العدواني الإسرائيلي. فبعد هزيمة إسرائيل السياسية خلال العدوان الثلاثي عام 1956، وبعد معركة الكرامة عام 1968 وحرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 تراجع العرب أمام التحديات العسكرية والاقتصادية والعلمية والسياسية التي تمثلها إسرائيل في سعيها لفرض هيمنتها على المنطقة.

يتمثل الفشل على نحو متكرر بعجز حكومات متعددة عن التجاوب مع التضامن الوجداني العارم لشعوبها مع القضية الفلسطينية ومع صمود وبسالة الشعب الفلسطيني. ويتمثّل كذلك بفشلها الاستراتيجي في إدراك أن إسرائيل لا تستهدف الشعب الفلسطيني فقط، بل تسعى للهيمنة العسكرية والاقتصادية والإقليمية على المنطقة بأسرها. وتبلغ المأساة ذروتها في اعتقاد بعض القادة أنهم يمكن أن يتحالفوا ويتعاونوا مع إسرائيل في مواجهة خصوم آخرين غير مدركين أن الخصم الأكبر الذي يستهدفهم ويستهدف بلدانهم هو من يحاولون تجنب مواجهته.

5 – ضعف القدرة على بناء استراتيجية

ضعف القدرة على بناء استراتيجية وتحالفات تواجه تحديات الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة بين ثلاث قوى إقليمية إسرائيل وإيران وتركيا، وفي ظل تراجع القدرة على أن يكون العرب أنفسهم قوة إقليمية تدافع عن مصالح بلدانهم وشعوبهم، بما يهدد بجعل البلدان العربية أو قسم كبير منها مجرد مفعول به من دون أن يكون فاعلًا، ويفتح الباب على مصراعيه لتحويل كل ساحة داخلية عربية إلى ميدان تنافس بين هذه القوى الإقليمية الثلاث وقوده مصالح وأبناء هذه الساحات وعلى حساب مستقبل شعوبها.

6 – ضعف القدرة على بناء سياسات تدافع عن المصالح

في عصر سادت فيه المصالح فوق القيم والمبادئ والارتباطات التاريخية، توجد في العالم اليوم ثلاث كتل اقتصادية وسياسية كبرى.

الأولى: هي الولايات المتحدة والدول الدائرة في فلكها مثل كندا وأستراليا واليابان وبريطانيا.

الثانية: الاتحاد الأوروبي الذي يحاول أن يجد لنفسه سياسات مستقلة وسط تناقضات داخلية بين دوله وارتباطات وثيقة لبعضهم بالولايات المتحدة.

الثالثة: هي القوة الصاعدة لمجموعة بريكس (BRICS) التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا التي تحتل بصورة متزايدة دورًا قياديًا في أفريقيا.

ونحن نعيش اليوم تحولات في موازين القوى، إذ يتزايد دور بريكس على حساب المجموعتين الأولى والثانية، وبخاصة بعد تقدم الصين المتواصل من موقع المكان الثاني إلى الموقع الموازي للولايات المتحدة اقتصاديًا. وسيترتب الكثير على مدى قدرة العرب على التعامل مع هذه التحولات، التي أدركت إسرائيل، بالمناسبة، أهميتها ونجحت في توطيد علاقاتها بالهند وتسعى لتحقيق الهدف نفسه مع البرازيل بعد تغير قيادتها، وتحاول جاهدة التقرب من الصين بهذا الشكل أو ذاك. والسؤال هنا ليس فقط حول كيفية التعامل مع هذه الكتل الثلاث، بل في سبب فشل البلدان العربية أو بلدان المنطقة في إنشاء كتلة رابعة قوية في عصر لا يحترم الضعفاء ولا الصغار، رغم أن مقومات بناء هذه الكتلة متوافرة بصورة كاملة، في امتلاك دول منطقتنا لمعظم مصادر الطاقة العالمية الحالية والمستقبلية ولكتلة بشرية كبيرة وواعدة، إضافة إلى أهمية سوقها وقدرتها الشرائيـة.

رابعًا: إشكاليات الثقافة السياسية – النفسية – الاجتماعية

هناك إشكاليات اجتماعية – نفسية للتطور الديمقراطي والحضاري حلتها معظم بلدان العالم ولم يتم حلها في معظم بلدان منطقتنا ومنهـا:

1- النزعات الفردية التي تعطل إمكان العمل كفريق.

2- عدم قبول مبدأ التعددية والمشاركة بما يؤدي إلى عنف مدمر وحروب أهلية طاحنة وتفتت لا قدرة لأحد على احتماله.

3- عدم قبول مبدأ التبادل السلمي للسلطة. فالحاكم لا يغادر إلا ميتًا أو قتيلًا أو طريدًا أو شريدًا.

4- تعثر البنيان السياسي العصري في ظل سواد الولاء للقبيلة والعشيرة، الذي يؤدي في النهاية إلى هشاشة الاستقرار السياسي وأنماط الحكم وتوزيع الموارد والثروات ويكفي أن ينهار بنيان السيطرة في أي بلد كي تنكشف تحت القشرة حقيقة الانتماءات الحقيقية البعيدة من أنماط التنظيم العصري.

5- الفشل في قبول التنوع والتعايش معه والاستفادة منه، إذ إن التنوع الطائفي واللغوي والمذهبي، هو مصدر قوة، ولكنه يتحوَّل إلى سبب ضعف مريع في حالة الفشل في قبول حقوق الأقليات وتبني سياسات تشجيع التعاون والتكامل بين التنوع البشري الموجود في كل بلد.

ورغم أن التعايش بين الطوائف حصل في بعض البلدان، فهو لم ينجح في دمجها في إطار المواطنة بحيث يعامل الناس بعدالة ومساواة وبحسب قدراتهم وليس انتماءاتهم. وبقي التعايش هشًا، ليزول مع انهيار السلطة المسيطرة كما حدث في العراق وسورية أو جعل النظام السياسي طائفيًا بالكامل كما هو موجود في لبنان.

خاتمة

إن الوضع المريع الذي يعيشه الوطن العربي اليوم ليس قدرًا، كما أنه ليس ولا يمكن أن يكون الخاتمة أو النهاية. بل لعله نهاية فصل ستتبعه فصول. ولا مستقبل للوطن العربي إلا إذا قاسم الإنسانية القيم نفسها التي أصبحت عالمية مثل احترام حقوق الإنسان والأقليات والمرأة ومحاربة الاستبداد ودرء الفساد.

إن حالتنا ليست فريدة، فقد مرت شعوب كثيرة بتجارب التحول الديمقراطي من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية. غير أن التغيير ليس مجرد أمنية. بل يلزمه قوى وحركات سياسية اجتماعية قادرة على الابداع وتقديم رؤية وقيادة التغيير. ولعل الوطن العربي في أمسّ الحاجة اليوم إلى حركة نهضة جديدة تعيده إلى مكانة فقدها بعدما كان في عصر من العصور عنوانًا للتقدم الحضاري والعلمي والإنساني. حركة نهضة جديدة تؤمن بالمستقبل وبنائه ولا تهرب إلى الماضي الذي مضى. تؤمن بالديمقراطية والمشاركة وليس بالتعصب الأعمى والتطرف العنصري والمجنون.

الحل في التقدم إلى الأمام لا في العودة إلى الوراء. وأنا متفائل بأن ذلك سيحدث عاجلًا أم آجلًا.

أما المتشائمون فلعلنا نذكرهم بما قاله غرامشي يومًا: «إن تفاؤل الإرادة هو نقيض تشاؤم العقل».

كتب ذات صلة:

حال الأمة العربية 2017 – 2018: عام الأمل والخطر

النظم السياسية العربية: قضايا الاستمرار والتغيير