مقدمة:

إن التطور الذي حصل في تكنولوجيا الاتصال في السنوات الأخيرة من القرن الماضي “العشرين” ومطلع القرن الحادي والعشرين الحالي هيأ الفرص اللازمة لانتشار وسائل الإعلام بخطوات سريعة وفاعلة بغية التوصل إلى الإنسان ومشاركته في مختلف الأنشطة الثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، وكان للمؤسسة التعليمية والتربوية حصة منها وهدف رئيس لانفتاح مؤسسات إعلامية كالصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والإعلام الرقمي الذي يصنف ضمن “الإعلام الجديد” عليها وتنفيذ برامجها بما يخدم حركة الوعي الفكري والتحليل النقدي لدى المواطنين.

إن فكرة التربية الإعلامية والرقمية انطلقت في الوطن العربي خلال العقد الأول من الألفية الثالثة وجاءت كضرورة ملحة وهدف لزيادة المعارف في الجوانب التحليلية والنقدية للنص الإعلامي سواء الذي يقدمه الإعلام العربي أو الأجنبي، وتعتبر الجامعة الأمريكية ببيروت نقطة الانطلاق العربية الأولى عندما بدأت أول ورشة علمية عقدت عام 2006، بهدف التعرف إلى مفهوم جديد للإعلام في ظل عولمة الإعلام ودخول عصر تقنيات الاتصال والمعلومات وتأثيرها في تبدل الكثير من المفاهيم الاجتماعية والفكرية لدى المواطن والمجتمع. فالتطور الذي لحق بالاتصالات الشبكية أعطى دفعاً كبيراً نحو تفعيل ممارسة الثقافة التشاركية لأفراد المجتمع، وإلى توافر مجموعة من موارد جديدة، وتسهيل تدخلات جديدة لمجموعة متنوعة من الجماعات التي ناضلت طويلاً ليكون صوتها مسموعاً[1].

إن جملة تساؤلات تطرح عبر هذه الدراسة وتستدعي الإجابة عن فرضيات علمية مطروحة حول أهمية دخول التربية الإعلامية والرقمية والربط بينهما وبخاصة في الوطن العربي كجزء من المنظومة الدولية وتتجسد بما يلي:

  1. لماذا يطرح موضوع التربية الإعلامية والرقمية بهذا الزخم في وقتنا الحالي؟
  2. ماهي مبررات الاهتمام بالإعلام والرقمنة من قبل المؤسسات الأكاديمية والمهنية في الوقت الحاضر؟
  3. هل يمثل ذلك موضوعاً يتناول تفاصيل ذات أبعاد فلسفية معمقة لقضايا إعلامية لم تكن موجودة سابقاً في عصر الإعلام التقليدي؟
  4. هل دفع الإعلام الإلكتروني إلى الحاجة لدراسة هذا الحقل المعرفي؟

 

أولاً: التربية الإعلامية في الجوانب التربوية

1- مفهوم التربية الإعلامية وآفاق التطبيق

لم يكن موضوع الاهتمام والدعوة لدراسة التربية الإعلامية والرقمية أمراً حديثاً، إنما هو ضمن توجهات اليونسكو الاستراتيجية المخطط لها سابقاً، حيث دعت لتدريسه منذ عام 1982. ساهمت فعاليات ومؤسسات دولية في تعريف التربية الإعلامية، وقد عرّفها مؤتمر فيينا 1999 بأنها “التعامل مع جميع وسائل الإعلام الاتصالي من صور متحركة وثابتة وكلمات ورسوم، التي تقدمها تقنيات المعلومات والاتصالات المختلفة، وتمكين الأفراد من فهم الرسائل الإعلامية وإنتاجها واختيار الوسائل المناسبة للتعبير عن رسائلهم المناسبة”. أما مؤتمر التربية الإعلامية للشباب (2002) فيعرّفها على أنها «التعرف على مصادر المحتوى الإعلامي وأهدافه السياسية والاجتماعية والتجارية والثقافية والسياق الذي يرد، ويشمل التحليل النقدي للمواد الإعلامية، وإنتاج هذه المواد وتفسير الرسائل الإعلامية والقيم التي تحتويها”. فيما يعطي الباحث تعريفاً بأنها “التفكير النقدي والمشاركة وإنتاج الأفكار والمعالجات وهي تشمل ليس فقط تحليل الخبر بل اعادة قراءة ونقد التعليم والأفلام التلفزيونية والسينما والصورة وغيرها وأن يكون للمواطن حق المشاركة”. وشاع هذا المنهج الإعلامي في العالم المتقدم بالولايات المتحدة وأوروبا منذ عقود من الزمن بينما تأخر كثيراً في الوصول لدول المنطقة.

وبالنسبة إلى المنطقة العربية فإنها بدأت تتفاعل بشكل متنامٍ مع منهج التربية الإعلامية والرقمية، وبخاصة في كليات الإعلام بالدراسات الجامعية الأولية والعليا، وابتداءً من لبنان حيث كانت نقطة الانطلاق لطرح هذا المفهوم وتعميمه على الجامعات وبعض المدارس بالتعاون مع منظمة اليونسكو، وكذلك في العراق دخل في منهاج الدراسات العليا، وقريباً ستدخل في الدراسات الأولية، وفي سورية دخلت إلى الأجواء الجامعية، وكذلك في الجامعات المصرية والفلسطينية والأردنية ولا سيَّما في معهد الإعلام للدراسات العليا، وحتى في سلطنة عمان واليمن التي دخل مشاركون منها في أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية ببيروت. وبحسب المعطيات فإن الانفتاح سيكون على جميع البلدان العربية خلال العام 2017 وفق خطة لليونسكو. ولكن يجب أن نشير إلى الحالة المتقدمة في مجال التربية الإعلامية التي حاولت السعودية الانفتاح عليها منذ 2005 عندما قدمت دراسات تربوية لدمج التربية الإعلامية في مدارسها وإشراك المدرسين والمعلمين في دورات في كليات وأقسام الإعلام بالجامعات لتوضيح الثقافة الإعلامية وهو الحال أيضاً بالنسبة إلى دولة قطر التي احتضنت بعض المؤتمرات الخاصة بالثقافة الإعلامية ولكنها حتى الوقت الحالي بحاجة إلى تطوير وتفعيل أكبر لتنتشر بين طلبة المدارس والجامعات[2].

وجرت محاولات عربية في السنوات الأخيرة قام بها مؤسسات إعلامية وأكاديمية وشخصيات وناشطون لتعميق هذا المفهوم الجديد للإعلام وتطبيقاته وإنضاج فكرة إدخاله ضمن المناهج الدراسية، وطرحت فعلاً المقالات والأبحاث العلمية حتى أصبحت وزارات التربية والتعليم العالي في الوطن العربي على دراية تامة بأهمية الإعلام والرقمنة بغية إلزام مؤسساتهما بتطبيقه ضمن مناهجها التربوية والتعليمية[3]. إن الإعلام الرقمي هو الآخر أصبح واحداً من الموضوعات الحيوية التي أخذت تفرض نفسها على المجال الأكاديمي في كليات وأقسام الصحافة والإعلام في الوطن العربي. وعليه فإن من اللازم بعد اليوم إدخال الإعلام الاجتماعي وبخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، والصحفي الشعبي، وكذلك التصوير بالكاميرا الرقمية ضمن مناهج كليات الإعلام في الجامعات العربية، ومنها العراق الذي أخذت وسائل الإعلام دوراً فاعلاً في توجهاته الفكرية والسياسية والاجتماعية. ومن وجهة نظرنا بحكم تعاملنا مع الجانب الإعلامي بشقيه النظري والميداني فإن انتشار الإعلام الرقمي بشكل واسع، مضافاً له إدخال منهاج التربية الإعلامية للتدريس في المدارس والجامعات، كما يحاول البعض سيسهم في تفعيل مسألة التواصل المعمق، وبالنتيجة سيكشف عن كثير من الأخطاء والترسبات الموروثة عبر البحث والنقاش، وبخاصة لدى الشباب الذي يبحث عن الشراكة في المعلومة وليس الرجوع إلى سلبيات الماضي[4].

2- العلاقة بين الإعلام والرقمنة

لا بد من تقديم تعريف للإعلام قبل الخوض في موضوع العلاقة بين الإعلام والرقمنة على أنه “الرافد الحقيقي لتغذية عقول الجماهير بالمعلومات والأفكار وتحقيق مبتغاها وتجسيد اتجاهاتها في ذات الوقت”. وكلمة إعلام (Information) مشتقة من الكلمة اللاتينية (Infomatio) وتعني[5]:

1 – عملیات التشكیل بمعناها المادي والتقني.

2 – التعلیم، الفكر، المفهوم، التصور، المعارف والتعلیم.

إن الإعلام يمثل مفهوماً عصرياً ینطبق – خصوصاً – على عملیة الاتصال التي تستعمل الوسائل العصریة من صحافة وٕاذاعة وتلفزة. ولم تطلق قدیماً كلمة الإعلام على عملیة الاتصال، بل عرف الدین الإسلامي نوعاً من الاتصال سّمي “التبلیغ” أو “الدعوة”؛ وهو أقرب إلى المفهوم العصري للإعلام (Information)، وهي كلمة مستحدثة ترجمت من اللغات الأوروبیة، وحاول واضعوها أن یؤّدوا أحسن ما یمكن كلمة مستحدثة المعنى الذي تحمله الكلمة[6].

والسؤال المطروح اليوم لماذا الربط بين الإعلام والرقمنة ومن الذي فرض هذه العلاقة؟ والواقع أن العالم اليوم لم يعد كما كان يسمى سابقاً “المجتمع المتباعد” ولا حتى مجتمع “القرية العصرية”، بل أصبح يمثل مجتمع الشاشة الصغيرة تلك التي يجسدها جهاز الاتصال (الخلوي) مقروءة ومكتوبة وصورا متحركة وجامدة، والقيام بتقديم كل خدمات الإعلام عبر تطبيقات إعلامية بمهارة عالية، بالتقاط الصورة واللقطة السريعة والنصوص المقروءة والمكتوبة والتوليفة ما بين هذا كله في مشهد متكامل بكتابة سيناريوهات وتقديم أفلام ومواد إخبارية متكاملة الأركان حتى لو كان هذا من نتاج مواطنين عاديين.

وهذه الخاصية الإعلامية الجديدة التي يطلق عليها “التربية الإعلامية والرقمية” تحتاج إلى ثقافة ورؤية جديدة في التعامل مع ممارسة الدور الذي يحتاجه المجتمع. وإذ أخذت هذه الممارسة بعداً تطبيقياً على صعيد دولي، فكيف يتطلب الحال بالنسبة إلى منطقتنا العربية التي تعاني أصلاً أزمة ثقافة وتراجع بمستويات الوعي الإعلامي وزيادة أمية قراءة الحرف العربي، فضلاً عن النسبة العالية للأمية التقنية المتمثلة بصعوبة التعامل مع لغة الحاسوب؟

وكثيرا ما خُدع الإنسان العربي خلال أحداث ما يسمى “الربيع العربي” برصد إعلامي مفبرك لم يكن يقترب من الصدقية بشيء مطلقاً، وربما مارست هذا كبريات الفضائيات العربية وحتى الأجنبية، سواء بالتقاط صورة عن تدمير موقع في حلب جراء العنف الحاصل بسوري، وكتبت أسفله نصاً يشير إلى أنه يمثل مشهداً لتدمير حصل في مدينة الرمادي أو الفلوجة أو الموصل بالعراق أو في بلدان عربية أخرى مثل اليمن أو ليبيا أو لبنان أو تونس وغيرها من بلدان عربية حصلت فيها أحداث عنف. وقد يكون أصل النص أو المحتوى الإعلامي قدمه مواطنون عاديون “هواة” بتقنية فنية عالية، وهذه التقنية الإعلامية فسحت في المجال لمزيد من التطبيقات الإعلامية من قبل الكثير من الممارسين أكانوا هواة أو إعلاميين في مؤسسات صحفية تقليدية.

ومن هنا نرى أن منطقتنا العربية بحاجة ماسة في هذا الوقت تحديداً إلى أن تلعب المؤسسات التعليمية والإعلامية فيها دوراً فاعلاً وسريعاً لترسيخ مفهوم التربية الإعلامية وتماهيها مع الرقمنة لدى المواطن العربي. وينبغي أن يتعلم الطالب المدرسي مفاهيم إعلامية أولية تساعده في كتابة الخبر والتدريب والتأهيل في التقاط الصورة التي قد تساعد وسائل الإعلام الأخرى في الحفاظ على حقوق الإنسان وإشاعة التوجه الديمقراطي وحرية تدفق المعلومات للمجتمع، وكذلك في إيجاد نقد نوعي لما ينشر في وسئل الإعلام وفرز المفيد منها حتى لا يكون ضحية في زمن الصيد والتضليل الفكري[7].

 

3- تعميم المناهج الإعلامية

يكثر الحديث في الوقت الحاضر عن موضوع التحول من الحالة النمطية إلى الحداثة الإعلامية التي يجسدها الإعلام الافتراضي أو ما يسمى بالإعلام الرقمي بديلا عن الإعلام التقليدي المتعارف عليه سابقاً مثل الصحافة والتلفزيون والراديو، وكمدخل لموضوعنا الذي يتناول التربية الإعلامية والرقمية لا بد من إعطاء فكرة عن مفهوم الإعلام الذي يعني “أُعْلمه بالشيء” وتعني تزويد الجماهير بأكثر قدر من المعلومات الموضوعية الدقيقة والواضحة، ويستخدم لفظ “إعلام” للدلالة على عملية مركبة من جزأين يتمّان في آن واحد يكمل أحدهما الآخر دون الاستغناء: وهما البحث عن المعلومات والحصول عليها، وكذلك بث هذه المعلومات إلى الآخرين لأجل الاستفادة الفكرية. وفي جانب مرادف يوجد الاتصال (Communication) حيث يرجع أصل هذه الكلمة إلى اللغة اللاتينية (Communis) وفي المجال الإعلامي يقصد به نقل المعلومات والأفكار والاتجاهات من شخص لآخر.

ويخلط الكثير من المتابعين وطلاب الإعلام المبتدئين حول مفهومي الإعلام والاتصال، فيعطون الأسبقية للإعلام على الاتصال وهذه مسألة تحتاج إلى التوضيح والتركيز وفك الاشتباه بينهما والتخلص من الخلط الحاصل بينهما، وفي الحقيقة فإن الإعلام والاتصال شيئان مرتبطان، لكن الاتصال أشمل وأعم من الإعلام. ونظراً إلى الأهمية الإعلامية التي أخذت تفرض نفسها على جميع أفراد المجتمع كونهم يتعرضون للمضمون الإعلامي من النص والصورة ويمارسون التحليل الدلالي فإن علم الاتصال والإعلام لم تعد دراسته تقتصر على طلبة كليات وأقسام الإعلام بعد أن طالبت جهات تربوية وأكاديمية بإدخاله ضمن مناهج التدريس التربوي في المدارس والأقسام العلمية بالجامعات، بل يحتاج إلى توضيح مفاهيمه ومفاهيم الإعلام، وكذلك توضيح التعريفات لطلاب المدارس والمعلمين دون أن يبقى موضوع فهمه محدداً ضمن مناهج الكليات أو الأقسام الإعلامية المختصة به نظراً إلى أهميته في حياة الإنسان[8].

وفي ظل التطور الحاصل في تقنيات الإعلام في السنوات الأخيرة، أصبح الإعلام الرقمي واقعاً مفروضاً على الكل في المجتمع أن يتماشى معه ويستفيد من خدماته وبخاصة في مجال التربية الإعلامية، حيث إن الشبكات الرقمية المعاصرة هي كونية الطابع خصوصاً مع التوسع في الشبكات التفاعلية الكونية واسعة النطاق (Broadband) التي تتيح للأفراد الانغماس (Immersion) في بيئات تفاعلية كونية؛ إذ إن مهارات التفكير الناقد والمهارات التقنية ليست كافية للبقاء دون فهم طبيعة وقوة التفاعلية نفسها، وأن الفرد المثقف إعلاميًا هو الذي يعترف بعمق التفاعل الكوني، لذلك يصبح الوعي الكوني (Global Sensibility) مفتاح الثقافة الإعلامية، وهو ما يعني أن الحياة المعاصرة تفاعلية.

ولأجل تحقيق فهم جيد للتفاعل الكوني كأساس للتربية الإعلامية والرقمية المعاصرة اقترح البعض أنموذجاً أطلق عليه “الثقافة الإعلامية العميقة”، وهذا النموذج يتكون من ثلاثة مستويات هي[9]:

1- مهارات استخدام تقنيات المعلومات وتصفح الشبكات الرقمية.

2- مهارات التفكير الناقد لمحتوى الرسائل الإعلامية.

3- تقدير التفاعلية الكونية.

كما يقترح ثلاثة استراتيجيات لتدريس الثقافة الإعلامية هي:

أ- تطوير رؤية إعلامية مشتركة.

ب- مناقشة الاختيارات الإعلامية

ج- مناقشة التفاعلية الكونية.

 

4- استئصال الأمية الإعلامية

تضم التربية الإعلامية نهجاً تعليمية تم تطويرها مؤخراً تأخذ في عين الاعتبار الثقافات الجديدة الخارجة من المجتمع المعلوماتي. ويفضل البعض مصطلحات أخرى مثل تعليم الإعلام أو التثقيف الرقمي أو تثقيفات القرن الحادي والعشرين. كذا يسهم باحثون حول العالم أيضاً في تطوير هذه المبادرات التعليمية الجديدة.

وما يفرض علينا دراسة التربية الإعلامية والرقمية أن هذا الحقل المعرفي هو اتجاه عالمي جديد، يختص بتعليم أفراد الجمهور مهارة التعامل مع الإعلام، وذلك لأن الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة أصبحت هي الموجه الأكبر، والسلطة المؤثرة في القيم والمعتقدات والتوجهات والممارسات، في مختلف الجوانب، اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. ويجب التسليم بحقيقة الاعتراف بأن وسائل الإعلام هي بحد ذاتها شكل من أشكال التعليم، وبخاصة في المجتمعات المعاصرة والتي تتفاعل في حياتها اليومية مع ثقافة الإعلام المتجدد. فالثقافة الإعلامية العصرية باتت مهمة لطلاب المدارس والجامعات؛ فهي توفر الجانب النقدي، وبخاصة أن ذلك لا يمنع من الاحتفاظ بدور وسائل الإعلام المطبوعة التي تعطي الفرصة للقارئ لأن يدقق ويمارس التفكير النقدي في ما ينشر. والأمر الآخر لأهمية التربية الإعلامية هو أن تتطور ذهنية الطالب وأن يكون هو باحثاً عن المعلومة وليس متلقياً لها ومن ثم محللاً للجوانب التي يرتبط بها الموضوع حيث توفر هذه القضايا مسألة العصف الذهني وبخاصة لدى طلاب المدراس والروضة التي ما يزال العالم متأخر في ذلك[10].

 

5- الأهداف المتوخاة من التربية الإعلامية والرقمية وتساؤلاتها

إن الهدف الأساس من التربية الإعلامية هو لحماية أفراد الأسرة والأطفال من الأفلام المرعبة والخلاعية وغيرها، وكذلك التمكين ومحاولة إكساب المعارف والمهارات في تحليل المحتوى المطلوب سواء من الأفلام والأخبار الطائفية والعنصرية. وتحاول التربية الإعلامية أن تقيم رابطاً ما بين المدرسة والعائلة خاصة في عصر التنمية الإعلامية[11] .. وهي مهمة لكل المهتمين بالتربية للأطفال والناس. إن التربية الإعلامية وحسب المهمة المطلوبة هي التعلم ومن ثم الممارسة التطبيقية لأنه التعلم ليس كافياً، إذاً فهي ممارسة وتطبيق وفهم الوسائل التكنولوجية لتساعدنا على النفاذ وفهم الأفلام والنصوص… وتقودني مهمة التربية الإعلامية بصيغها الحديثة لإعادة قراءة مقولة كوبلز لهتلر “كيف اصنع مجتمعاً يصدقني؟” فقال كوبلز “أعطني إعلاماً بلا ضمير أخلق لك مجتمعاً جاهلاً”. هنالك خمس مسائل يطرحها أصحاب السياسات لمواكبة التطور الإعلامي والرقمي وتلبية حاجات التربية الإعلامية فيجب أن نجيب عن الاسئلة الآتية[12]:

– ما هي النصوص الإعلامية والأدوات التي نحتاجها.

– ما الذي يحتاجه الناس لمعرفته والقيام به خلال استخدام النصوص والرقميات الإعلامية.

– ما هو المحتوى والموارد التي تلبي حاجتنا للمعلومات.

– ما هي البرامج والخدمات التي أثبتت فاعليتها.

– كيف يمكن للمؤسسات ان تتغير وتتكيف لتلبية الحاجات الحالية والمستقبلية.

 

ثانياً: الإعلام الرقمي في عصر تكنولوجيا الاتصال

 1-الإعلام الرقمي في الجانب المعرفي @

برز الإعلام الرقمي بشكل لافت للنظر حديثاً بظهور تقنيات الاتصال والإعلام وأخذ يشق طريقه بقوة بين المستخدمين ويمارس دوره في نقل المحتوى الاتصالي بنجاح، حيث يرادف مفهوم “الإعلام الجديد والإلكتروني والاجتماعي”. وهذه المفاهيم الحديثة هي إحدى سمات العصر الجديد للإعلام تكشف عن مرحلة جديدة من الخدمات الإعلامية والاتصالية تختلف عن سابقتها التي كانت تمارس في عصر الإعلام التقليدي مثل الصحيفة والإذاعة والتلفاز قبل ظهور البث الفضائي. ويمكن ذكر بعض النقاط عن الإعلام الرقمي بما يلي[13]:

  1. عبارة عن مجموعة من الأساليب والأنشطة الرقمية الجديدة التي تمكِّننا من إنتاج المحتوى الإعلامي ونشره وتلقّيه، بمختلف أشكاله من خلال الأجهزة الإلكترونية (الوسائط) المتصلة بالإنترنت، في عملية تفاعلية بين المرسِل والمستقبل.
  2. تكون جميع الوسائل والأدوات المستخدمة في إنتاج المحتوى الإعلامي من صحافة وأخبار وغيرها من الأدوات ومصادر المعلومات هي بشكل رقمي ومخزّنة على وسط خزن الإلكتروني وظهور مرحلة التفاعل.
  3. يتميز بوجود نوع من التحكم الانتقالي من جانب أفراد الجمهور في نوعية المعلومات التي يختارونها؛ أي أن الفرد يمكن أن يكون رئيساً لتحرير المجلة التي يختارونها، مثل الفيسبوك والمدوَّنات بأنواعها والفديوتيكس والتلفزيون الرقمي، وهذا يعني أن الجمهور أصبح مشاركاً في وسائل الإعلام بدل أن يكون متلقياً فقط.

فالعالم في وقتنا الحاضر يشهد طفرة نوعية في الاتصالات الإعلامية وتوفير خدمات المعلومات بحيث إن موقع الفيسبوك لديه اليوم أكثر من 1,1 مليار مستخدم مسجلين، وحوالى 10.7 مليار دقيقة من الاستخدام في اليوم الواحد. وحوالى أكثر من 500 مليون مستخدم يومياً على الشبكة الاجتماعية وبخاصة الفيسبوك، وأكثر من 400 مليون تغريدة يومياً[14].

 

2- قواعد الاندماج في التربية الرقمية

لم يأتِ موضوع التربية الإعلامية والرقمية من فراغ أو وليد مصادفة برز على السطح، بل جاء متماشياً مع ضرورات الحياة وملبياً لحاجات الناس في التعليم والإعلام، وأخذ يتفاعل مع أبرز تفاصيل حياة المجتمعات، بالانفتاح والتعامل الفكري ونقل الخبرات والأفكار والتداول المعلوماتي، في ما بين الناس، وهذه العملية الإعلامية التي أصبحت أداة بيد غالبية الناس في الحاسوب أو الخلوي بتطبيقات الاتصال أو الرسائل أو الصورة أو الاتصال بالصورة. كل هذا جعل من الإعلام الرقمي أمر هام لأن يكون ضمن منهج التدريس لعامة الناس وفي المدارس والجامعات إجمالاً[15]. وعليه، دخلت هذه المجالات الإعلامية حقل البحث العلمي لدراسة سلوك الإنسان عند تناول هذه التطبيقات الإعلامية الرقمية. وبموجب هذه الأهمية دعت دراسة علمية مختصة بالتربية على وسائل الإعلام الرقمية بضرورة تدريس شبكات التواصل الاجتماعي والسلامة على الإنترنت في المدارس من أعمار صغيرة انطلاقاً من الموجبات الآتية[16]:

1- تحقيق طموحات فكرية وذهنية واضحة لهذه الفئة العمرية الصغيرة التي يعول عليها في بناء المجتمع وحمل المسؤولية المجتمعية والمساهمة في خطط البناء والتنمية.

2- قطع الطريق أمام انتهاكات بعض الجهات والأشخاص الذين يتربصون بالشباب وتعويق أفكارهم أو خطفها من خلال إنتاج برامج تسهم في الانحراف السلوكي.

3- من خلال إخضاع هذه الفئة العمرية لدراسة الإنترنت والتواصل الاجتماعي من خلال برامج علمية هادفة سينتج هذا شباباً واعياً لديه معرفة جيدة بما هو إيجابي وما هو سلبي وهذا الفرز ضروري تجنبا للوقف بالخطأ.

وعليه استندت هذه القناعات إلى دراسة علمية حديثة شملت 883 شاباً وشابة من مختلف أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، وكشفت بأن 95 بالمئة من طلبة المدارس ضمن الفئة العمرية بين 14 و18 عاماً هم مستخدمون نشطون لشبكات التواصل الاجتماعي، وهذا يستدعي ضرورة الدخول إلى التربية الرقمية واعتبارها منهجاً دراسياً في المدارس وحتى الجامعات لمعرفة خصوصياتها وأهميتها في الحياة الفكرية اليومية وتأثيرها المباشر على سلوكيات ونوعية تفكير معين سيفرض عليهم. وانطلاقاً من قوة التأثير الفكري والمعلوماتي المكثف الذي يتعرض له الطلبة فإن الدراسة ركزت على قضايا مهمة تواجه الطلاب في المدارس بأن واحداً من كل اثنين من العيِّنة قد واجه على الأقل شكلاً من أشكال التهديد الإلكتروني بما في ذلك ما معدله 20 بالمئة للتسلط عبر الإنترنت و15 بالمئة لسرقة الهوية و13 بالمئة للتحرش. وبما يعد مؤشراً مقلقاً للغاية، أفادت الدراسة أن 6 بالمئة من العيِّنة لا يعلمون إلى من يتجهون في حال التعرض لأي شكل من أشكال الجريمة الإلكترونية، مشيرة إلى أن الأسباب وراء ذلك شملت إحتمالية الخجل مما واجههم أو لتعرضهم للتخويف لكتمان ما حدث. وأظهر الاستطلاع أن الأطفال يفضلون في غالب الأحيان التحدث إلى ذويهم أو أصدقائهم حول التعرض للتهديد الإلكتروني بمعدل 42 بالمئة و27 بالمئة على التوالي، في حين أن 13 بالمئة فقط منهم يتوجهون إلى السلطات المعنية. وبالمقابل 7 بالمئة من الطلبة يستنجدون بمعلميهم و1 بالمئة بإدارة المدرسة، الأمر الذي يؤكد الحاجة الملحة إلى زيادة الوعي العام حول وسائل التواصل الاجتماعي والسلامة على الإنترنت في المدارس. وأوضحت الدراسة أن معظم أولياء أمور الطلبة المشمولين في الدراسة على علم باستخدام أبنائهم وسائل التواصل الاجتماعية ويساعدونهم في هذا المجال، حيث أكد 86 بالمئة من الطلبة أن أولياء أمورهم مستخدِمون نشطون لشبكات التواصل الاجتماعي. كما أفاد سبعة من أصل عشرة من الطلبة بأن أهلهم يفرضون نوعاً من أنواع الرقابة على استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعية، في حين أفاد 70.5 بالمئة منهم بأن أولياء أمورهم على معرفة بجميع حساباتهم النشطة على الإنترنت، كما أكد 77.5 بالمئة أي أكثر من ثلثي الطلبة بأن أولياء أمورهم يندرجون ضمن قائمة أصدقائهم على منصات التواصل الاجتماعي. ويحذر خبراء الإعلام من لجوء أولياء الأمور إلى حرمان الأبناء من الاطلاع على التصفح للحصول على الترفيه والمعلومات والدراسة تحت مبررات الدخول في المحظورات، ويوجهون بأهمية اتخاذ إجراءات الحماية الفكرية من المخاطر المترتبة عن العالم الافتراضي، بوضع معايير وأطر تشمل أفضل ممارسات الاستخدام الآمن والمسؤول للإنترنت وتعليم الأطفال والشباب عن المخاطر التي تحفل بها الإنترنت. حيث إن الطلبة يتوجهون بالدرجة الأولى إلى أولياء الأمور والأصدقاء للتحدث عن التهديدات الرقمية بمعدل 42 بالمئة و27 بالمئة على التوالي.

لذا فإن التفاعل الإيجابي من قبل أولياء الأمور والمعلمين والمشاركة الفاعلة في الرقابة على نشاط الطلبة عبر شبكة الإنترنت مهم جداً، حيث إنه سيختصر الطريق للحد من مخاطر التعرض لأي شكل من أشكال الانتهاكات الإلكترونية. وحسب الدراسة العلمية التي تؤشر لنا مستوى الاندماج بين الطلبة والشبكات الاجتماعية فإن موقع “تويتر” يحتل صدارة المنصات الاجتماعية الأكثر شعبية بين الطلاب في الإمارات بمعدل 36 بالمئة، يليه موقع “فيس بوك” بـ 29 بالمئة. ويتجه 50 بالمئة من الطلبة نحو وسائل الإعلام الاجتماعي بغرض البقاء على تواصل مباشر مع الأصدقاء، ثم للدردشة والدراسة بمعدل 21 بالمئة و18 بالمئة على التوالي. وأوضحت الدراسة أن 5 بالمئة من العيِّنة لم يسمح لهم باستخدام قنوات التواصل الاجتماعي في المنزل، في حين أن 57 بالمئة منهم لا تتاح لهم إمكانية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعية في المدرسة. وفي ما يختص بتحديد أهمية استخدام أجهزة الكمبيوتر، أجاب الطلبة بأن الوظائف المدرسية تحتل الأولوية بمعدل 30.5 بالمئة، تليها الألعاب الترفيهية بمعدل 23 بالمئة ومن ثم تحميل الموسيقى ومقاطع الفيديو بمعدل 18.7 بالمئة.

إن هذه الإحصاءات والنتائج تعد مؤشرات لضغوط الإعلام التي تواجه الإنسان في حياته اليومية وتفرض عليه واقعاً جديداً يحتاج أن يتفهم ما هو الإعلام وما هي الأساسيات التي يجب أن يتعلمها في مناهج التربية الإعلامية والرقمية ليكون واعياً لما يتعرض له وما يمارسه بالتعرض لوسائل الإعلام جميعاً والإعلام الرقمي بشكل خاص[17].

 

ثالثاً: التعليم في العصر الرقمي

مرت العملية التعليمية بمراحل عديدة من الانفتاح والتطور التدريجي لخدمة العلم والمعرفة وتطور أدوات نجاحها، وشكلت المحادثة في الماضي ميداناً علمياً ضمن مسعى حثيث لايصال العلم والمعرفة من المعلم إلى الدارسين وفق منهج الشرح والتعليق والرد على الاستفسارات، وهذه جاءت ضمن مرحلة بدائية في منظورنا الحالي، لعدم توافر أدوات التعليم الأساسية من الورق والقلم وحتى عدد الدارسين الذي كان قليلاً. وبما أن الشعوب والامم لن تتخلى في يوم ما عن العلم باعتباره الهدف الأساس، ويبقى السر الكامن وراء تقدمها ونهوضها، انتقلت الحالة لمرحلة ثانية أكثر تطوراً وانفتاحاً للتقانة بتناول أساليب تعليم جديدة تعتمد الورق والقلم وأدوات الدراسة الأخرى واعتماد القراءة والكتابة الأساس في نقل المعارف والعلوم، وأتيح لأعداد كبيرة من الناس أن تتلقى العلم والمعرفة من المعلم وتتبادل معه جوانب العملية التعليمية، فضلاً عن انفتاحها على المرحلة بالانفتاح على الصحافة المطبوعة التي اعتبرت مرحلة جديدة من النهوض الفكري للمجتمع. وتلت هذه المرحلة الثالثة مرحلة الانفتاح على التجمعات التعليمية من المدارس والكليات والتي تميزت بتجمع الطلاب والأساتذة والموارد الأكاديمية مع بعضها، واستقطبت هذه التجمعات الطلاب والأساتذة من مسافات بعيدة عنها، مما مكنهم من التفاعل فيها تلقائياً. فضلاً عن تجميع وتنظيم الموارد الأكاديمية في أقسام تخصصية، وكانت التخصصات تتطور مع الزمن وتنقسم إلى أقسام فرعية أكثر تخصصية. وفي هذه المرحلة كانت التقانات المتاحة هي قاعات المحاضرات والمكتبات. ومع الوصول بالمجتمعات إلى عصر تكنولوجيا المعلومات برزت التقانة الرقمية التي قادت إلى تطورات كبيرة في المجالات المختلفة، ويمكن وصف العصر الحالي ودوره في عملية التغذية الفكرية بالعصر الرقمي، إذ إن التعليم في هذا العصر يعتمد على المدرسة الإلكترونية، حيث التقانة الجديدة من الحواسيب والأجهزة المرتبطة بها والشبكات وبخاصة الإنترنت ستكون أدوات شائعة. وستؤدي هذه التقانة إلى تغير جذري في العملية التعليمية، وهذه المرحلة ما هي إلا نتاج للعصر الإلكتروني بجزئه الرقمي وما يقدمه من تقانات من خلال: شرائح السيليكون – أجهزة التلفون – آلات الفاكس – الكاميرات الفيديوية – الحواسب

– وسائل الاتصالات وما تستخدمه من تقانات الألياف البصرية والأقمار الصناعية – وسائل تخزين المعلومات – الشبكات حول العالم وخاصة الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).

 

4- الفرق بين الإعلام الرقمي والإعلام التقليدي

يمكن إيجاز أهم الاختلافات بين الإعلام الإلكتروني الرقمي والإعلام التقليدي بما يلي:

أ- المساحة الجغرافية: يمكن للموقع الإعلامي أن يصل عن طريق الإنترنت إلى مختلف أنحاء العالم، على عكس عدد كبير جداً من وسائل الإعلام التقليدية، التي تكون مقيدة بحدود جغرافية محددة.

ب- عامل الكلفة: يتميَز الإعلام الجديد بقلة تكاليفه، مقارنة بالإعلام التقليدي القديم.

ج- عنصر التفاعلية

هنالك مميزات وفوارق فنية تفصل بين الإعلام الرقمي والإعلام التقليدي وهي ما يلي:

  1. الإعلام الرقمي هو نوع جديد من الإعلام يشترك مع الإعلام التقليدي في المفهوم، والمبادئ العامة والأهداف.
  2. الإعلام الرقمي يتميز عن الإعلام التقليدي بأنه يعتمد على وسيلة جديدة من وسائل الإعلام الحديثة، وهي الدمج بين كل وسائل الاتصال التقليدي، بهدف إيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة، ومؤثرة بطريقة أكبر.
  3. تسهم شبكة الإنترنت بمنح الإعلاميين فرصة لتقديم موادهم الإعلامية المختلفة، بطريقة إلكترونية دون اللجوء إلى الوسائل التقليدية كمحطات البث، المطابع وغيرها بطرق تجمع بين النص والصورة والصوت. وهذه ميزة تلغي الحاجز بين المتلقي والمرسل عند مناقشة المضمون الإعلامي، سواء مع إدارة الموقع أو مع متلقين آخرين[18].

 

5- تطبيقات الحاسوب في التعليم

إن عالم اليوم مليء بالصـور والصوت عبر الوسـائل المخـتلفة من تلفزيون، راديو، حواسب، جرائد، مجلات، إعلانات، ويمكن وصف الثقافة المعاصرة بأنها ثقافة القراءة والكتابة عن طريق الوسائط التي أخذت تزحف كثيراً على حقوق الكتابة المطبوعة. ومن المتوقع أن يحدث العصر الرقمي ثورة في التعليم حيث تُمكِّن تقانات هذا العصر الطلاب من أن يصبحوا أكثر نشاطاً وأكثر استقلالية في تعلمهم. فالإنترنت سوف تسمح بإقامة تجمعات ذات بنى معـرفية جـديدة يمكن فيها للأطفال وللبالغين في أنحاء العالم من أن يتعاونوا وأن يتعلموا الواحد من الآخر. ومن هنا فإن هذه الخواص ستوفر بعض الجوانب الإيجابية الآتية:

أ- ستوفر هذه الحواسب للطلاب فرصة تحمل مسؤولية التعلم عن طريق الاستكشاف والتعبير والتجربة. وهذا سينقل دور الطالب من كونه متلقناً إلى متعلم ودور المعلم من خبير إلى متعاون أو موجه ضمن طبيعة التعليم بالشراكة أو المشاركة الفكرية والحوارية، تلك هي سمة العصر الرقمي الحالي وستتطور لأكثر من هذا مستقبلاً. حول هذه الأفكار تتمحور البنية التعليمية لهذه المرحلة، حيث إن المعرفة ليست فقط عملية نقل من الأستاذ إلى الطالب وإنما أيضاً الكيفية لتلقي الطالب لهذه المعرفة من الناحية الذهنية. والمقترح الذي يفرض نفسه هنا يدعو إلى ضرورة إيجاد اتصال قوي بين ما يتم عمله وما يتم تعلمه: فالنشاطات مثل عمل، بناء، برمجة تؤمن وسيلة غنية للتعلم، وتمكن الطلاب من حمل مسؤولية أكبر في العملية التعليمية.

ب- ستوفر هذه التطبيقات الهامة لتقانة الحاسب أسلوب المحاكاة الحاسبية التي تمكن الطلاب من استكشاف ظاهرة ما تكون كلفة العمل بها في حال عدم استخدام المحاكاة عالية، أو يكون من غير العملي البتة العمل بها خلال الدرس. ويمكن التأكيد بأن أعمال المحاكاة فعالة لأنها تؤمن أداة توجيه جيدة للطلاب لفهم ومكالمة ما تعلّموه.

وتنشغل مؤسسات التعليم والتكنولوجيا بنقاشات معمقة على صعيد عالمي حول التقانات الجديدة ودورها في المجتمع وارتباط مدرسة المستقبل بهذه التقانات. وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي أقر رؤساء دوله منذ اجتماعهم في لشبونة في آذار/مارس 2000 بأن الاتحاد الأوروبي يواجه تغيراً مفاجئاً ناجماً عن العولمة والاقتصاد الجديد المقاد بالمعرفة، ووضعوا أمامهم هدفاً اسـتراتيجياً رئيسياً هو أن يصبح اقتصاد الاتحاد الأوروبي الأكثر منافسة ودينامية وقيادةً بالمعرفة في العالم، قادراً على النمو بشكل مستمر مع فرص عمل أكثر وأفضل وتماسك اجتماعي أقوى. لقد استند المعنيون في الاتحاد الأوروبي في قرارهم المشار إليه أعلاه إلى أن الطريق قد أصبح معبَّداً لأجل الاقتصاد الجديد وللمجتمعات التي توجه بشكل متزايد بواسطة المعلومات والمعرفة، وإلى قناعتهم أنه وعلى الرغم من أن أنظمة التعليم والتدريب في أوروبا تأتي ضمن المواقع الأفضل في العالم، إلا أن بلدانهم تعاني ضعفاً أساسياً وتقع خلف الولايات المتحدة الأمريكية وذلك في ما يخص استخدام التقانات الجديدة للمعلومات والاتصالات، ويظهر ذلك بشكل أساسي في مجالات عديدة أبرزها قلة أعداد المعلمين المختصين بالتعليم عبر الحاسب وتكلفة شراء الحاسب وأعدادها في الصفوف الدراسية وقلة البرمجيات المتعلقة بالتعلم وتكلفة الاتصالات عبر الإنترنت آنذاك وغيرها من المعوقات الأمر الذي دفع تلك الدول خلال ذلك المؤتمر في 2000 إلى مراجعة الوضع التعليمي الرقمي وإيجاد الحلول اللازمة:

6- أهداف التعليم عبر الإعلام الرقمي

ووضعت أهداف خاصة بموائمة أنظمة التعليم والتدريب للمجتمع المبني على المعرفة شملت[19]:

أ- تدريب عدد كافٍ من المدرسين على استخدام الإنترنت وموارد الوسائط المتعددة خلال سنتين.

ب- التأكد من أن المدارس ومراكز التدريب قد أصبحت مراكز محلية لتحصيل المعرفة ومتاحة لأي شخص.

ج- تزويد التلاميذ ثقافة رقمية واسعة خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.

إن الهدف من مبادرة التعليم الإلكتروني هو تقوية عرى التعاون وتحسين الروابط بين الإجراءات والمبادرات على كل المستويات سواء المنطقة، المحافظة، الدولة، ودول الاتحاد وبين كل المعنيين في هذا المجال: الجامعات، المدارس، مراكز التدريب، متخذو القرار، المعنيون بانتقاء التجهيزات والبرمجيات والخدمات بأنواعها. وقد تشكلت ثلاث فرق عمل للعمل في موضوع مبادرة التعليم الإلكتروني لبلدان الاتحاد الأوروبي.

وعلى صعيد المنطقة العربية ففي السعودية أكدت دراسة علمية أن التعليم شهد تطوراً متسارعاً بشكل ملموس وأخذ يترعرع منذ مطلع الألفية الثالثة وبلغ عـدد الطلاب والطالبات في عام 1422/1423هـ للمراحـل التي تسبق المرحـلة الجامعية يزيد على 6,4 مليون، وعدد المعلمين والمعلمات والإداريين للعام الدراسي 1422/1423 بحدود 400 ألف. ولا بد عند وضع الخطط لمدة منظورة (مثلاً 5 سنوات) للانتقال إلى المدرسة الإلكترونية من مراعاة التطور للأعداد المذكورة أعلاه والذي يقدر سنوياً بحوالي 5.2 بالمئة للطلاب و2.4 للمعلمين و7.1 للإداريين. والواقع أنه خلال السنوات ما بعد العام 2000 أولت غالبية البلدان العربية اهتماماً بتدريس الحاسب في المدارس، واعتبرت دراسة الحاسب الآلي مادة إجبارية منذ عدة سنوات لطلاب المرحلة الثانوية، وهو ما يشكل خطوة جيدة باتجاه مدرسة المستقبل. ومن المناسب استكمال الخطوات الأخرى لهذه المدرسة بتحقيق أفضل استفادة ممكنة مما تقدمه التقانات الجديدة من إمكانات لكسب المعرفة. إضافة إلى تعميم استخدام الحاسب والتقانات المشار إليها في المراحل التي تسبق المرحلة الثانوية ووفق خطط معدة لهذه الغاية.

وتوصلت الدراسات العلمية المختصة بالتعليم الرقمي في عدد من البلدان إلى تنمية هذا اللون التعليمي باعتباره سمة العصر الحالي والمستقبلي في التطور العلمي المتقدم ومن سماته أنه[20]:

(1) سيؤدي إلى تغييرات أساسية في مجالات الحياة المختلفة، ومن الضروري مواكبته بشكل ملائم.

(2) المدرسة الإلكترونية، بما في ذلك التعليم عن بعد هي إحدى النتائج الهامة للعصر الرقمي وتقاناته الجديدة، وتعتبر الركيزة الرئيسية في تعليم الغد.

(3) متطلبات المدرسة الإلكترونية متشعبة وتشمل: التأهيل والتدريب، التجهيزات (حواسب ووسائط متعددة)، البرمجيات (التشغيلية والتعليمية)، الشبكات (المحلية والإنترنت)، التحديث ومعدلاته، الخدمات والصيانة.

(4) ضرورة الانتقال التدريجي إلى المدرسة الإلكترونية وفقاً لخطة معدة بشكل محكم، تلبي الاحتياجات الفعلية للمجتمع من النواحي المختلفة، وتكون بتكلفة معقولة وذات مردود منتظر عالٍ.

(5) ضرورة تبني التوجهات بشأن هذه المدرسة بحيث يستفاد من التقانات الجديدة المرتبطة بها في المحافظة على الثقافة الإسلامية بل وتعزيزها.

(6) الحاجة إلى تشكيل فريق عمل مهني رفيع المستوى تشارك فيه الجهات المعنية لوضع الدراسة اللازمة بشأن عملية الانتقال إلى المدرسة الإلكترونية، وتهيئة الاعداد المناسبة من الطلبة مع توفير الملاكات التعليمية والادارية.

 

خاتمة

تبين من خلال هذه الدراسة أن التربية الإعلامية بقدر ما هي أسلوب تفكير جديد في الحياة، وعلى وجه التحديد في المجالات التي يتعرض فيها الأفراد، فهي سلوك تربوي جديد يحتاج إلى مزيد من الدراسة والفهم لزيادة الوعي والاقتراب من تحقيق رجع الصدى. وعلى هذا الأساس فهنالك بعض النتائج يمكن ذكرها:

  1. إن التربية الإعلامية تعني التفكير النقدي والمشاركة النقدية وإنتاج الأفكار الجديدة والمعالجات وطرح النموذج الذي يتعلق بالمجتمع وبطبيعة حياة أفراده وتفكيرهم وهي مشاركة حضارية من دون شك.
  2. ان التربية الإعلامية تعني كل عملية تعليمية تهدف إلى تلقين المواطن لكي يكون مشاهداً نشطاً ومستخدماً مستقلاً وفاعلاً هاماً في العملية الاتصالية. وتستند بالأساس إلى طريقة التساؤل وإثارة الحوار لتفكيك النصوص والمعلومات.
  3. أصبح من اللازم إدخال التربية الإعلامية والرقمية لتكون منهجاً ثابتاً للدراسة في المدارس والجامعات كما هو الحال في التربية الاسلامية والفنية، وتفعيل جهود البعض في ذلك لأنه سيسهم في تفعيل مسألة التواصل المعمق وإثراء الثقافة الإعلامية بين جميع الناس.
  4. في ضوء التطور الذي لحق بتكنولوجيا الاتصال والإعلام استوجب ان تتشارك كل الفعاليات الإعلامية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني للتركيز على المباديء التي يجب ان يتصف بها الإعلام الجديد وبما يخدم مصلحة المجتمع وتنويره.
  5. تمثل التربية الإعلامية والرقمية الرافد الحقيقي لتغذية عقول الجماهير بالمعلومات والأفكار وتحقيق مبتغاها وتجسيد اتجاهاتها في ذات الوقت، كما ثبت أن للصورة فيها أثر بالغ في التراسل وإثارة رؤية التحليل العلمي.
  6. إن التربية الإعلامية والرقمية تمثل اتجاهاً عالمياً جديداً، يختص بتعليم الجمهور مهارة التعامل مع الإعلام، لكون الأخير أصبح الموجه الأكبر، والسلطة المؤثرة، على القيم والمعتقدات والتوجهات والممارسات.
  7. المجتمع يكاد ان يكون أميا ليس في القراءة والكتابة بل في تحليل النص والصورة، وكذلك أمياً في التعامل مع تقنيات الإعلام والاتصال (الرقمنة)، لذا فالتربية الإعلامية والرقمية تمثل خطوة لتعليمهم وتخلصيهم من هذه الأمية.